• Default
  • Title
  • Date
السبت, 09 آب/أغسطس 2014

قصة كونشرتات براندنبورغ

  ثائر صالح

تعتبر كونشرتات براندنبورغ الستة من أشهر أعمال يوهان سيباستيان باخ، ولعلها من أفضل كونشرتات عصر الباروك، ليس من دون سبب، فقد أسماها باخ "كونشرتات لعدد من الأدوات الموسيقية" وكتبها بتوزيع موسيقي غير معهود من قبل. على سبيل المثال يعتبر الباحثون الكونشرتو الخامسة أول كونشرتو في التاريخ تستعمل فيها أداة المفاتيح (الهاربسيكورد) كأداة منفردة وليس كأداة مصاحبة. لكن قصة هذه الكونشرتات مثيرة. تبدأ قصتنا عندما كان باخ يعمل مديرا الموسيقى في خدمة ليوبولد - آنهالت أمير كوتن بين 1717 و1723، حيث حاز اهتمام واحترام الأمير الذي كان نفسه موسيقياً هاوياً وعازفاً على الكمان. ذهب الأمير ذات مرة إلى حمامات كارلسباد الشهيرة مع حاشيته بمعية موسيقييه وعلى رأسهم باخ، يرافقهم ثلاثة خدم نقلوا آداة الجمبالو (الهاربسيكورد)، فقدم باخ وأربعة عازفين من فرقته حفلاً موسيقياً هناك في أيار 1718. اقترب نبيل شاب من باخ أثناء الحفل وكال له المديح: برافو، أحسنت الخ. واستمر هذا الحال طوال الامسية. كان هذا النبيل هو كريستيان لودفيغ مارغراف (ماركيز) براندنبورغ المعروف بثرائه وبرعايته الفنون والموسيقى على وجه خاص. فهم باخ من هذا التشجيع والاطراء الشديدين أن الماركيز قد كلفه بتأليف موسيقى له.
دام تأليف الكونشرتات الستة نحو ثلاثة أعوام، عندما أرسل باخ مدونة الكونشرتات الستة مصحوبة برسالة يذكّر فيها الماركيز بلقائهما في كارلسباد. غير أن كريستيان لودفيغ لم يكلف نفسه عناء الجواب، ويبدو أنه نسي تماماً تلك الامسية والموسيقي اللامع، حتى أن المخطوطة بقيت على حالها دون أن تعزفها فرقته. بعد وفاة الماركيز سنة 1738 بيعت المخطوطة التي لم يمسها أحد بإثنين وعشرين قرشاً مع الكثير من الأغراض الزائدة، وانتقلت من مالك لمالك حتى اكتشفها الباحث زيغفريد فلهلم دين سنة 1849 في أرشيف براندنبورغ. ولم تنشر هذه الجواهر إلا سنة 1850، بعد قرن كامل من وفاة باخ، بحيث لم يسمعها أحد منذ تأليفها. ومنذ ذلك الحين أصبحت واحدة من التراث الموسيقي الخالد، ليرتبط اسمها بمقاطعة براندنبورغ الألمانية وعاصمتها بوتسدام الملاصقة لبرلين، وليس بالماركيز الذي لم يسمعها.

كلاوديو آبادو يقود فرقة موتسارت، مع عازف الكمان الايطالي البارع جوليانو كارمينيولا (كونسرتمايستر). الفرقة لا تستخدم أدوات عصر الباروك عدا كارمينيولا الذي يعزف على كمان ستراديفاري من 1732، والدوزان هو الدوزان القياسي (نغمة لا الوسطى تساوي 440 ذبذبة تقريباً).
http://www.youtube.com/watch?v=4ZFh5nG_L40

ولمن يرغب سماع الكونشرتات مؤداة بأدوات وتقنية ودوزان عصر باخ إليه تسجيل فرقة عصر الأنوار:
http://www.youtube.com/watch?v=NCPM8DEsvmc

إلى اللقاء السبت القادم

في رحاب الموسيقى

Thaier Salih

 

مقالة أسبوعية (كل سبت)
بقلم ثائر صالح

 

شرعت في كانون الأول 2010 بكتابة مقالات اسبوعية عن المقطوعات الموسيقية التي أحبها، والتي أود أن يشاركني متعة الاستماع اليها أصدقائي ومعارفي متذوقي الموسيقى والمجموعة المندائية على الانترنت الياهو الذين أرسلت اليهم هذه الكتابات القصيرة بهيئة رسالة بالبريد الألكتروني. ثم اتفقت مع صحيفة المدى البغدادية على نشرها كزاوية اسبوعية في صفحة ثقافة، فأصبحت لي زاوية صغيرة فيها بعنوان موسيقى السبت منذ خريف 2011.

ولا أخفي سروري لهذه الفسحة في النشر والتوسع في نشر هذه الكتابات القصيرة المتنوعة، إذ أعتبر هذا مجهوداً بسيطاً أُسهم به في إشاعة مفاهيم الجمال ومقاومة انتشار القبح والسطحية والفن الركيك مقابل تراجع مساحة الفن الرصين في كل المنطقة العربية. وقد سعيت إلى أن تكون هذه الكتابات واضحة وبسيطة، وتحوي أقل قدر من المصطلحات الموسيقية التخصصية التي حاولت شرحها بطريقة مبسطة ومفهومة. وقد استعملت في كتاباتي التسجيلات الموسيقية الموجودة على الانترنت، وبنيت هذه الكتابات حول الأعمال الموسيقية المتميزة.

قراءة المزيد