• Default
  • Title
  • Date
الأحد, 01 تشرين2/نوفمبر 2020

قصة الكمان الجزء الأول

  ثائر صالح

قصة الكمان الجزء الأول (1 من 3)
ظهور وتطور الكمان

يعتقد الباحثون بظهور الكمان في شمال إيطاليا، في كريمونا تحديداً، في أواخر القرن الخامس عشر ومطلع السادس عشر. ميزته الأساسية هي حجمه وخلو زنده من العتبات التي كانت مستعملة في أدوات عائلة الفيول، كما يدل اسمه (الفيول الصغير Violino). تميز الكمان عن الفيول بالمرونة في تحديد طبقة الصوت، وكذلك بنوعية صوت مختلفة أكثر اختراقاً للهواء الذي ينقل الذبذبات. هذه الميزة جعلت الكمان مناسباً للعزف في الهواء الطلق، وفي الفضاءات الكبيرة مثل الكنائس الكبيرة وقاعات الاوبرا، بشكل أفضل من صوت الفيول المكتوم قليلاً. الفارق الآخر هو عدد الأوتار، فانخفض العدد من ستة أوتار في الفيول الى أربعة في عائلة الكمان، وتغيرت كذلك طريقة الوزن، من الوزن على الرابعة (كفارت) في الفيول إلى الخامسة (كفينت) في شيء من التعويض عن تقليل عدد الأوتار.
انتشر الكمان في كل شمال إيطاليا حوالي سنة 1530، وتعداها ليغزو أوروبا. في نفس الوقت اشتهر صناع الكمان الحرفيون الماهرين مثل أندريا آماتي من كريمونا (1505 – 1577) الذي انشغل بتصميم الكمان وباقي أفراد عائلة الكمان (الفيولا والتشيلو)، وأسهم في أعطائها شكلها الحالي. صنع آماتي أدوات لأفراد عائلة مديتشي الثرية، منهم كاترينا دل مديتشي أم ملك فرنسا شارل التاسع والوصية على عرشه التي كلفته سنة 1560 بصنع أدوات لأوركسترا كاملة تتكون من 38 قطعة.
أخذ أبناء أندريا آماتي الصنعة من أبيهم واستمروا في صناعة أفخر الكمانات، حتى جاء حفيد اندريا، نيكولا (1596- 1684) الذي ارتقى بصناعة الكمان وازدادت الطلبات على منتجاته حتى أخذ يعلم الصبيان الموهوبين على اسرار الصنعة ليساعدوه في تلبية كل الطلبات. من بين هؤلاء الصناع برز اسم اندريا غوارنيري (1626 – 1698) الذي أسس لنفسه اسماً في هذه الصنعة بحيث أصبحت كماناته اليوم بين الأغلى. نافسه في ذلك الصانع الموهوب الآخر الذي تعلم عند نيكولا آماتي: انتونيو ستراديفاري (1644 – 1737)، أشهر صانع كمان على الاطلاق. فقد صنع ستراديفاري أكثر من 1100 أداة موسيقية خلال سبعين عاماً من النشاط، ويقدر المختصون أن قرابة نصف الأدوات التي صنعها ستراديفاري قد وصلتنا، أثمنها هي التي صنعت بين 1700 – 1720 عندما أوصل ستراديفاري الكمان الى الكمال.
تهتم مدينة كريمونا بهذا الإرث فائق الأهمية كثيراً، وتأسست جمعية أصدقاء ستراديفاري في سنة 2009، وتم إنشاء متحف الكمان الذي وصل عدد زواره 100 ألف سائح سنويا. يحتفظ هذا المتحف بالعديد من الأدوات التي صنعها حرفيو كريمونا من عوائل آماتي وغورانيري وستراديفاري. وتشكل هذه المجموعة مصدر معلومات غنية لنحو 250 حرفي ماهر يعملون اليوم في كريمونا في 150 ورشة لصناعة الأدوات الموسيقية. كما توجد في المتحف قاعة صغيرة يقدم فيها عازفون شباب حفلات أسبوعية يستعملون فيها الأدوات المحفوظة في المتحف. وأعلنت اليونسكو صناعة الأدوات الموسيقية في كريمونا ضمن التراث الإنساني.
أحد أسرار جمال صوت الأدوات المصنوعة في كريمونا هو اختيار الخشب المناسب، على الخصوص التنوب الذي يجلب من غابة "الكمانات" في بانافيجيو عند جبال الدولوميت في شمال إيطاليا. يتميز هذا الخشب بالمرونة العالية عموماً، ويقال إن القرن السابع عشر شهد انخفاضاً في درجات الحرارة فبطؤ نمو الأشجار مما زاد من كثافة الخشب وهذا أحد أسرار الصوت المميز لكمانات ستراديفاري.
××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××
عازف الكمان سكوت يوو يعزف على كمان ستراديفاري معروض للبيع بقيمة 15 مليون دولار
https://www.youtube.com/watch?v=QObnfS29lKo

جوليانو كارمينيولا يعزف على كمان ستراديفاري (Baillot 1732) حركة من كونشرتو كمان من تأليف فليتشه غارديني (1716 – 1796):
https://www.youtube.com/watch?v=MRwbPIhkoe0

عندما تجتمع خمس أدوات من صنع ستراديفاري. شوبرت: خماسي في دو الكبير الحركة الأولى الجزء الأول
https://www.youtube.com/watch?v=xCvkdvTwx5E

الجزء الثاني
Schubert Quintet Mvt1-Part2 (Harlem Quartet on Stradivarius' & Carter Brey)
https://www.youtube.com/watch?reload=9&v=myzchMKm4D

الى اللقاء الأحد المقبل

في رحاب الموسيقى

Thaier Salih

 

مقالة أسبوعية (كل سبت)
بقلم ثائر صالح

 

شرعت في كانون الأول 2010 بكتابة مقالات اسبوعية عن المقطوعات الموسيقية التي أحبها، والتي أود أن يشاركني متعة الاستماع اليها أصدقائي ومعارفي متذوقي الموسيقى والمجموعة المندائية على الانترنت الياهو الذين أرسلت اليهم هذه الكتابات القصيرة بهيئة رسالة بالبريد الألكتروني. ثم اتفقت مع صحيفة المدى البغدادية على نشرها كزاوية اسبوعية في صفحة ثقافة، فأصبحت لي زاوية صغيرة فيها بعنوان موسيقى السبت منذ خريف 2011.

ولا أخفي سروري لهذه الفسحة في النشر والتوسع في نشر هذه الكتابات القصيرة المتنوعة، إذ أعتبر هذا مجهوداً بسيطاً أُسهم به في إشاعة مفاهيم الجمال ومقاومة انتشار القبح والسطحية والفن الركيك مقابل تراجع مساحة الفن الرصين في كل المنطقة العربية. وقد سعيت إلى أن تكون هذه الكتابات واضحة وبسيطة، وتحوي أقل قدر من المصطلحات الموسيقية التخصصية التي حاولت شرحها بطريقة مبسطة ومفهومة. وقد استعملت في كتاباتي التسجيلات الموسيقية الموجودة على الانترنت، وبنيت هذه الكتابات حول الأعمال الموسيقية المتميزة.

قراءة المزيد