طباعة هذه الصفحة
الأربعاء, 29 أيار 2013

الفرحة التي ....

  فاروق عبدالجبار عبد الإمام
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

شعورٌ عارمٌ  بالغبطة والسعادة ، طيرٌ محلّقٌ بلا أجنحة  ،الفضاءُ الرَّحبُ لا يسعه ؛ فالفرحةُ تغمرُ كيانَه ، حتى لا تكاد قدماه تطأ الأرضَ من شدةِ السعادةِ التي تسربله ؛ وهو يقرأ إسمه بين أسماء الناجحين ،ليس هذا فحسب بل ولقد  كان  مجموع درجاته عاليا  ؛  ومعدله أكثر من سبعٍ وتسعين  بسبعة ِأعشار الدرجة ؛ وهذا ما يمنحـه الفرصة  لدخول أي كلية عالية المستوى ، كالكليّة  الطبيّة  أو أحدى كليات الهندسة المرموقة ، معـدلٌ سيؤهله للبدء بحياة جديدة أسمها الحياة الجامعية  ؛ حيثُ الفتياتُ الجميلات  ،اللواتي كثيراً ما سَمِع عنهن من أخيه الأكبر ، كيف يكنَّ ، وكيف يتعرّفـن على (زملائهن )  وكيف يتعرف الزملاءُ بهن  !     نعم لقد كدَّ وتعب من أجل هذا اللحظة الموعودة والتي طالما حلم بها ، نعم لقد وفّي نذراً  ، وعهداً قطعه على نفسه أن يكون نجاحه ليس نجاحاً عادياً؛ بل متميزاً ؛ ليشار إليه بالبنان وليقال عنه : الأول على مدرسته ، أو الأول على  مدارس الرصافة أو على بغداد مثلاً أو حتى العراق ؛ فطالما سيكون من الأوائل في بغداد ؛ فمن الضروري  أنه سيكون من  الأوائل على العراق للعام 2001 ؛ وهاهو يعلم اليوم  ، إنه الأول على تربية الرصافة ، بمعدّل سبعٍ وتسعين درجةً وسبعةِ أعشارِ الدرجة  !

 لقد كان يحلم  ومنذ دخوله القسم العلمي ؛ بأن يكون طبيبـــاً ؛ فلقد زهد في أن يكون إداريـاً أو  محامياً بل صيدلانياً  أو مهندســاً ؛ فعائلته الكبيرة والصغيرة تكاد تغصُّ بالمهندسين من كافةالإختصاصات الهندسية ، إعتباراً من الهندسة المعمارية ، والكيمياوية ، والمدنية والإنشاءآت ، والنفط ، وآخرها هندسة الطرق والجسور ، وتذكّـر عمته ؛ فلقد كانت مهندسة ري وبزل ، ولن يكون صيدلانيا ً ؛ لأن الصيدلة ستعني أن يجلس وراء منضدة عالية  ، ووراءه عشرات الأغلفة التي بداخلها أنواعٌ متعددة من الأدوية ذات الروائح النفّاذة والتي تُثير عنده الحساسية ، أو يدور من رفٍ لآخر ليوفّـر الدواء لمن جاء يطلبه ، بل وسيكون كعطارٍ في سوق الشورجة  لكنه إستدرك و قال في سره ( مع الإعتذار للصيادلة فلولاهم لهلك البعض ) ؛  لذا فهو قد فكّـــر : سيكون من الأجدر و الأنسب له وللعائلة أن يكون طبيباً  ؛ السبب  بسيط ٌ جــــداً ؛ لأن ليس في العائلة من كان يحمل لقب {طبيب – دكتور}   ولا يريد أن يكون إقتصادياً خريج إدارة وإقتصاد ؛ فهذه إختصاصات إنسانية وهو فرع علمي ، ولا يريد أن يكون محاميـا ؛ لما يحمله المحامي من مراوغة وإخفاء لبعض الحقائق من أجل تبرئة موكله ؛ حتى وإن كان قاتلاً مع سبق الإصرار والترصد ، وهذا أيضاً لخريجي الدراسة الأدبية  !

أريدُ أن أكون طبيبـــــاً بشريا   ! ردد ذلك مع نفسهِ  وسرح بخياله ،  ياله من شعورٍ طاغٍ بالزهو والغبطة وهو في أعلى درجة  من درجات  نشوة النجاح ،  وتصّور نفسه كيف سيكون وضعه  ، عندما يضع السماعة - والتي ستكون شعاره في الطب  - وهو يضعها  في إذنيه ويستمع إلى دقات قلب أول مريض يفحصه .... لا لا سيكون هو أولُ من يجرّب السماعة ؛ عندما يفحصها بعدةِ  نقراتٍ من إصبعه ، بعدهـا يضعها على جنبه الأيسر ليستمع إلى ضربات قلبه المتسارعة  ،  ثمَّ  يمد يده اليسرى ليجسَّ النّبضات  المتسارعة و التي يكاد شريانهُا ينفجرُ تحتَ ضغط إبهام يده اليمنى  ؛ يتأكد  بعدها أن كلَّ شيءٍ سيكون على مايرام . ؛  أنها  الآن صالحة لإستبقال مرضاه ، وبالتأكيد ستكون اُنثى ؛ فهن رقيقاتٌ ، سريعاتُ العطب  ، ولأقل وعكة صحيّـة  يذهبن للطبيب !

  لطالما حلم أن يكون قريباً من النساء ؛ لا حبـــاً بهن فحسب ؛  و لأنهن دائمات التعطّــر وقلما تجد إحداهن وهي تسير بلا عطرٍ فواح  ، أوبلا  زينةٍ كاملة ، أصابع ملونة البنان ، وألاظافر تزهو بأجمل الألوان ، تسريحات الشعر وهو يتماوج كشلال ( كَـلي علي بك )  ما أجمله من شلال ومن شعور بالشعر وهو ينسدل  على أكتافهن التي تكاد تنكسر من رقتها كحرير ناعمٍ ، ياللروعة وياللجمال أنه حقاً ما يتمناه المرءُ وما يرغب فيه  .  لا يعرف كيف تسلل له الشعور بأن الرجال أكثر عرضه من النساء للإصابة بمختلف الأمراض أو إصابات العمل   ؛ فهو والحالة هذه سيكون مضطراً لفحص الرجال مع ما يفوح من أجسادهم من  رائحة العرق والتي تجعله يشعر بالغثيان عندما يمرق أحدهم من جانبه ، وفكّـر هذا لايهم طالما أن النقود التي سيجنيها ستكون كافية لإكمال دراسته  ، دراسته !  نعم سيُكمل الدراسة التي تؤهله لأن ينال أعلى المراتب العلمية ، الماجستير ، لكنه وفي الثانيةِ الثانية َإستدرك ؛ لماذا لا تكون دراسته، الماجستير والدكتوراه  في نفس الوقت !   نعم هذا أفضل وأقل عناءً  وهو في نفس الوقت سيبُقيني منشغلاً بجو الدراسة والإستفادة  من كلَّ ثانية أقضيها من أجل الحصول على مبتغاي  .

 وفكّـــر : هو الآن في السابعة عشر ؛  [فلقد سبق زملاءه بعامٍ دراسيٍّ كاملٍ نتيجةً  لتفوقه الدائم  في الدراسة ]  ، غضٌّ ، قد خُطَّ شاربه توّاً  ،لكنه قويُ  البنية ، جسمٌ رياضي ، يكاد طوله يكون  أفضل  من أقرانه . مع ما يمتاز به  عنهم  بما يملكه من روح المثابرة  والجـد في اُمور الدراسة والتحصيل العلمي ؛ فما  كان ليفوّت محاضرة واحدة خلال السنة الدراسيّة الأخيرة

وثانية ثاب إلى رشده  ؛  فللوصول إلى مبتغاه النهائي أي  { الدكتوراه } عليه أن يحسب بدقة كم سيكون عمره وقتذاك !

 وكما تعوّد أن يفعل كلما أراد أن يخطو خطوة في تحصيله العلمي والمهني  ؛ بــــــــــدأ   يحسب وكانت بداية  حسابه  الرقم {  ستة  }  !

و بأصابعه بدأ يحسب ، لكن، بتمهلٍ وبدون إستعجالٍ أو تهــوّر ؛ لأن المستقبل مهمٌ و يجب أن يتم الحساب له دونما تهاون ، ودونما  إغفال لأي جانب من جوانب الحياة الأُخرى ؛ ستة ، نعم ستة ؛ الكلّية الطبية الدراسة فيها ستُّ سنوات ،ثلاث أو اربع سنوات طبيباً مقيمـــاً ، سنة دراسية تحضيرية للماجستير أو على أكثر تقدير سنة ونصف ، لتكن سنتان ! وستكون ثلاث سنوات للدكتوراه  ؛ وأفرد أصبع الخنصر  من يده اليسرى ،  {ست سنوات، أربع سنوات البنصر ، الوسط سنتان ، السبابة ثلاث سنوات  ، الإبهام وكان هو المحصلـة النهائية  ، خمسة عشر عامـــــا  }، وأضاف سبعة عشر ؛ فكانت النتيجة { إثنان وثلاثون }، واتسعت عيناه  رعبـــاً ممزوجـــاً بالإندهاش ؛ فأعاد الحساب ثانيةً  على عجل ،( ست + أربع+ إثنان + ثلاث= إثنان وثلاثون  ) وصرخ يا الله يا مندادهيي ! إثنتان وثلاثون سنـــةٍ على أقل تقدير ، متى سأتزوج ، متى سأكوّن عائلة ، متى ...... آلاف المشاريع في بالي ، السفر ، التمتع بمباهج الحياة  ، وهل سأتزوج عندما أتخرج من الكلّـــية  أم عندما اُنهي الدكتوراه  ، أم خلالهما ، أو أثناء الماجستير؟    وعاد يُسائل نفسه ،أنا أعرف إن الزواج والطب خصمان أبديان ؛ خاصة لمن كان مثلي يريدالحصول على ما يُريد بأسرع وقت ! الزوجة لها حقُهـــــــا ، والطبُ والمرضى لهم الحق أيضاً في إهتمامه بهم  ،  والعيادة  ...العيادة !  كيف نسي أن يضع العيادة في حسبانه ، الطبيب ( يجب أن تكون له عيادة ) هذا هو المنطق الصحيح  والمعمول به في جميع الأوقات وفي جميع البلدان ، نعم ستكون لي عيادة ، لكن متى سأكون في العيادة ومتى سأعود إلى البيت  ؟  الزوجة لها حقها الطبيعي والمرضى لهم حقهم  والمستشفى  والخفارات  ، والحالات الطارئة  ويمكن أن يطلب أحدهم عيادة في بيته  كيف سيكون وضعه لو أن أحداهـن جاءها المخاض وأرادت أن تضع وليدها !  تُرى كيف ساُوفق بين الإثنين  ؟

ياإلهي ما أصعب أن يكون الإنسان طبيبـــــا  ! وماذا لو تزوّج وأنجبت زوجته  مولوداً ؟ ماذا  ؟ وليدٌ في البيت ؟ كيف هذا ؟ لا ،  لا أُريد أن أتزوج كيلا يُفسدَ عليَّ الوليدُ ما اُخطط له ؛ إن المستقبل أكثر أهمية من إنجاب الأطفال ، لكن أبي يحبُّ الأطفال ، وسيكون سعيداً عندما يحمل حفيده  بين يده ،يناغيه ويلاعبه ويدلعه ،  وماذا عن أمّـي  ؛ فهي الأخرى لا تمّـــلُّ من الإنجاب  ، ورعاية الأطفالِ هوايتها المفضّلة  ؛ فمنذ أن وعيت  وتفتحت عيناي في هذا العالم ، وأُمّـي أمّـا حاملاً أو أنها وضعت وليداً جديداً قبل شهر أو شهرين  ! إنه أمر لا يُصدّق ! ياإلهي ما العمــــــل ؟ لو حملت زوجتي ووضعت توأمـــــــاً ، توأم  ! إنها والحق يقال ستكون الطامة الكبرى  ! كيف سيكون وضعي ووضع زوجتي وهي تتحمّـل أعباء بكرين ، البكر الواحد حمل ثقيل على الزوجةِ الحديثةِ  الولادة ؛  لطالما سمعتُ أن المولود البكر تكون تربيته في غاية التعب والإرهاق للأم  ، تؤأم ، وماذا سيحدث لو كان التوأم مختلطا   ! وماذا يفرق لو كان كذلك  لا أدري ولا اُريد أن أعرف ، لا ،لا إن هذا الأمر خارج عن إرادتي وإرادة زوجتي ، إنها إرادة الله أن نبتليَّ بتوأم !  لا يهم سأتدبر الأمر مع أمي  ، وإن كان الأمر فوق طاقتها سأعمل على إستخدام مربيّة ، أو مدبرة منزل لتحملَ بعض الأعباء عن زوجتي . وما هي إلا لحظة ، حتى إستدرك هذا الموقف الطاريء ، لكن كم سيكلّــــف هذا الإستخدام وأنا في أول سلّمة على طريق بناء حياتي المهنيـّة ؟  وفي اللحظة التالية ، همس يحاور نفسه : إذا كان أمر الزواج بهذا التعقيد سأقوم بتأجيل الزواج لما بعد الدكتوراه ، هذا أفضل وأسلم  لكن ، من سيقوم بأمور البيت ،  في حال قيامي  بتأجير بيتٍ بعيداً عن بيتنا الحالي ؟   ، ولماذا تأجير بيت ؛ وسأكون في معظم الأوقات في المستشفى  ، لكن من سيقوم بغسل ملابس وتهيئة الطعام  ، -الزواج والطب خصمان لدودان  - ؛ فلهذا  فمن الأنسب ألّا اتزوج لأني لن أكون متفرغـاً للزوجة ومطاليبها التي لن تنتهي ؛ خاصة وأنها ما زالت عروسا !   ومن يضمن لي أنها ستكون متفرغة لي  ولإحتياجاتي ، إحتياجاتي   ! وحينها هوت على أمِّ رأسه صاعقة  لم يكن قد  وضع لها حساباً ولم يعرها قبل الآن أية أهمية ؛ أنا دكتور ، و.. وضعي الإجتماعي يحتّـم عليِّ أن أتزوج بمن تليق بمستواي وبمركزي  ومركزها يجب ألّا يقـل عن مستواي العلمي ؛ فقد يحدث وأن اُعيّن أستاذاً في إحدى الكليّات الطبيّة  وعندها سيكون الأجدر أن تكون زوجتي طبيبة أيضـــا أو لنقل : لتكن مهندسة على أقلِّ تقدير؛ لأن المهندسين أقل إنشغالاً من الأستاذة في الكليات الطبيّة   ، وانتبه لامر قد سها عن باله : في أي المواضيع سيكون إختصاصي  ؟ إختصاصي ، هو طب الأطفال ، لا ، لا الأطفال لا يتكلمون ليفصحوا عمّـا بهم ، إذن سأكون طبيب باطنية  ، ولماذا لا يكون الأمر باطنية وأطفال ؛  لكثيراً ما أقرأ في شارع الرشيد ، وحافظ القاضي ، وشارع السعدون بالذات  ( دكتوراة باطنيّة وأطفال )  ، وسرعان ما نفى تلك الفكرة أيضا ، أنا لا أحب أن اعالج الأطفال ؛ لأني لا أعرف كيف اُمسك بأحدهم ، إذن سأختار ( جلدية وتناسلية ) وغرق بعدها بضحكة مكتومة وهو يتساءل : ما علاقة الجلدية بالتناسلية ؟ ألم يكن الأجدر أن تكون بولية وتناسلية ؛ للمجاورة بين الإثنين ! لا يهم ، ليكن ما يكن ،المهم أني الدكتور ......ولم يُكمل الجملة التالية ؛ فلقد كانت هناك يدٌ توضع على كتفه الأيمن وصوت أبيه يسمعه يقول له : هيا لنذهب إلى دائرة الجوازات  لإستخراج جوازسفر باسمك  ؛ ليتسنى لنا الخروج من العراق بأسرع وقت ؛  فسيكون عمرُك  في العام  القادم ثمانيةَ عشرَ عامــــاً ولن يكون  بعدها بمقدورك مغادرة البلــــــد   ، ولن نغادر بدونك  ......

الدخول للتعليق