• Default
  • Title
  • Date
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    في لحظات من الخوف والقلق زاد من شدتها احمرار لون
  • بقلم. نعيم عربي ساجت
    المزيد
    اليوم هـو الجمعـة ، عــطـلة ( نـضال ) عـن الـعمل ، الشَّمـسُ تـتأَلـقُ في
  • صلاح جبار عوفي
    المزيد
      رنَّ جرسُ الدار..! تسابقت الصبایا الثلاث ( شھد ، تمارا ، مایا
  • فارس السليم
    المزيد
    في ليلة ممطرة شديدة البرودة والصواعق تنشر الرعب في نفوس
الأحد, 01 أيلول/سبتمبر 2013

صنف الملائكة

  سوسن سيف
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

لم اكن احبها,لا ادري  كيف كنت اتعامل مع الحب وانا في تلك السن

الصغيرة التي لا تتعدى الثالثة عشرة ولا ادري كيف يولد الحقد وكيف تولد الكراهية وهل ينمو الشر في اعماق البشر وهم صغار , فتنمو في قلوبهم تلك الصفات التي تنمو في الكبار؟ واتعجب كثيرا متسائلة :  كيف يمكن  لطفل هو أقرب الى صنف الملائكة أن يفكر هكذا ؟  لست ادري كيف تسللت الكراهية في نفسي لتلك الفتاة وكيف اصبحت لا اطيق وجودها مع العلم انني كنت احب الكثيرات  من الفتيات  واتفانى في مساعدتهن ؟! هكذا انا كنت لا احب سعاد ولا أطيقها وكان لي العديد من الصديقات اللواتي احبهن ولا أستطيع البعد عنهن كان هناك بون شاسع بين مقدارحبي لبعض الناس وحجم بغضي لاخرين ومنهم سعاد

  سعاد البنت الفقيرة المعدمة التي تاتي دائما الى الصف بالملابس نفسها لا غيرها القميص الابيض النظيف والمكوي دائما والتنورة السوداء وشعرها الطويل المجدول في ضفيرة واحدة خلف ظهرها وكانت تبدو بقامتها الضئيلة ووجهها الشاحب انسانا انسلخ من هذا العالم وجاء ليعيش فيه ثانية .     كنا صغارا لكننا كنا نملك الصفات الانسانية كلها من حب وشوق وحقد وغيرة وبغض‘ ولم نكن نميز حدة تلك المشاعر ولا نعرف اننا نحب او نكره ‘ همنا ان نعبر عن تلك المشاعر ببراءة واضحة وتلقائية غريبة , لم اسال يوما نفسي وانا في تلك السن الصغيرة .. لماذا حقدت على تلك الفتاة المسكينة وحملت لها كل ذاك الكره , وكم كنت اتمنى ان ادمر صبية صغيرة في مثل سني واتمنى لها ما لا اريده لنفسي ولا ادري لماذا كنت اتمنى ان تهان امامي في الصف وامام انظار الجميع : ألأنها المتفوقة بكل المواد ؟والذكية الى ابعد حدود الذكاء ؟  والتي تجيب على أسئلة الكيمياء كلها دون تردد ولانني لا أحب ذاك الدرس ولاأفهمه ؟, هل كنت اريد ان اكون انا المتفوقة الوحيدة لا هي ,  بل كنت اريد ان تتعرض لتقريع المعلمة بلا رحمة وانا اتفرج واتسلى ! هل يمكن ان يحمل الطفل كل تلك القسوة ولا يفهمها ايضا؟  سعاد  لم تتعرض لهفوة اوتتخلف في الاجابة او تتلكأ في الدرس , كانت هادئة متزنة تجيب على كل الدروس وترد على كل الاسئلة ,واعود لنفسي وانا امتص قطعة حلوى  هل وجدت نفسي في موقع الفشل وهي في موضع الذي كنت فيه الاولى دائما ؟وجاءت هذه الفتاة هذا العام لتكون الحاجزالذي اتعثر به وتحرمني من التباهي  بتلك الورقة الكارتونية البيضاء التي يسمونها الشهادة والتي نستلمها في نهاية كل شهر. ونذهب بها الى آبائنا ليضعوا عليها بصمتهم شاهداعلى التفوق ام الاخفاق .

    في ايام الاعياد والحفلات كانت مدرستنا تتصدر كل المدارس في مناسباتها , وكان هذا يجعلني سعيدة ‘ ففي تلك الايام  كانت امي تخيط لي فستانا جميلا للمناسبة فتزينه بالدانتيلا والخرز اللامع والخيوط الملونة عوكنت ازهو بذلك الفستان بين رفيقاتي واتبختر به كالطاووس واتباهى حين يسالن عنه ‘ واحيانا اذهب مع ابي الى السوق ليشتري لي فستانا جاهزا ثمينا تزينه الطيور او الزهور او الفراشات  ‘ وكان سر سعادتي ان اذهب بالفستان الى  تلك المناسبات تلك بذلك الفرح الطفولي الممزوج بالمغالاة والكبرياء والغرور ..الا سعاد المسكينة الهادئة التي تاتي بثوبها البسيط الازرق نفسه واضعة دبوسا ذهبيا رخيصا ذا فص زجاجي ازرق , ولم يكن يهتم بها احد اويسالها احد عن شئ ’  فقد كان الثوب نفسه والدبوس نفسه في كل مرة ولم تكن المسكينة تحلم باقتناء ثوب جديد او حتى التفكير بتغييره , كنت اشعرباني المتفوقة هنا عليها وانني اسبقها كثيراوبكل شئ الا بدرس الكيمياء فاغض الطرف عنها وانا اجلس في الصف كالبلهاء اكاد لا  افهم شيئا  . وبقيت لا احب الكيمياء واكرهها لسنوات طويلة  بل كنت اتصور ان الكيمياء قد تقود العالم الى الدمار.  بعد مااصبحت كبيرة ازدادت كراهيتي للكيمياء التي  جعلتني امقت الوقت والساعة واليوم الذي يضعني في وسطها فاضيع في الرموز والمعادلات الكيميائية ‘ وقد عرفت الكيمياء حين انتقلنا للمرحلة المتوسطة . كرهت الكيمياء بقدر كراهيتي لسعاد حتى اطلقت اسم سعاد على درس الكيمياء واصبحنا جميعا نسميه درس سعاد‘  لقد وضعتني سعاد في المؤخرة في ذاك الدرس دون ان تدري ‘ولعل توفقها في الكيمياء جعلنا نكرهها جميعا وخصوصا انا .

  لم اكن احبها ابدا ولم اكن احب الحديث معها بل كنت افضل ان اشيح بوجهي عنها بعيدا وافضل عدم الاقتراب منها كلما وجدتها امامي حتى اصبحت سعاد شبه منبوذه .

  مر العام بمواسمه الاربعة في تلك المدينة الصغيرة كركوك التي تقع في الشمال من العراق ,  وما زلت اذكرشتاءها القاسى البارد جدا وكيف تجبرني امي ان ارتدي الكثير من  الملابس الثقيلة ونحن نتزحلق على برك الماء المتجمدة في الشارع ونحن نذهب الى المدرسة والريح والمطر تدفع باجسادنا الصغيرة الى الخلف ‘ ولم تكن المدرسة بعيدة الا انها تبدو هكذا ايام جنون الشتاء . واذكر كيف تبعتني سعاد يوما في ذلك الجو العاصف وهي مبللة الشعر والثياب من دون معطف مطري فشعرت ان السماء تعاقب سعاد لا انا فسرت بجانبها وانا اتأمل زرقة اصابعها وشعرها المبلول صامتة .

حين جاء نقل ابي الى مدينة البصرة في الجنوب , مدينة الدفء والشمس وقد رايتها كثيرا لانني ولدت هناك ‘ ومع هذا بكيت كثيرا لفراق صديقاتي وعالمي الجميل بينهن وحيطان المدرسة ووجوه مدرساتي والصور وحديقة المدرسة ذات الاشجار العالية التي طالما لهونا حولها ‘ وجئنا انا وابي كي ناخذ وثيقة نقلي الى مدرسة هناك في الدنيا الجديدة تركني ابي كي اودع صيقاتي فاحطن بي وبكين معي , ولم انس ذلك الحب و تلك الصداقات التي نصنعها ونحن صغار في اعمارنا تلك وسنواتنا الاولى التي تنشأ فيها المشاعر والتي تولد مبكرة فكنا نتعلق بالصديق ولا ننساه ‘ واخذت صديقاتي يعطينني هداياهن الجميلة وعناوينهن كي اراسلهن دائما ولا انقطع عنهن ‘ وكان يوم الرحيل يوما مشهودا وكنا نذرف الدموع السخية لهول ساعة الوداع واعرف اننا لن نرى بعضنا ثانية..  رايتها تقف بعيدا تحدق فينا  .. سعاد تلك الفتاة التي كنت دائما ابعد عنها كلما اقتربت ولا اعترف بوجودها تحمل بيدها شيئا وعرفت انه الدبوس الوحيد الذي تملكه وتضعه دائما على صدرها في كل مناسبة واثمن شئ لديها  , جلبته لي عربونا لايام قضيناها معا ولصداقة كانت تعتز بها هي وتعترف بها هي ولم اكن انا اشعر بها او احس بوجودها  لتقول لي : انه للذكرى ارجو ان تاخذيه ويعجبك , شعرت وانا امسك بالدبوس ان ما يشبه النار في داخلي وشيئا يشبه الوخزات في اعماقي ‘ شعرت انني اذوب خجلا امام عظمة النفس البشرية وهذه المرة أمام فتاة اسمها سعاد وما انا سوى حشرة صغيرة امام تمثال مرمري يلهث باللمعان تحت شمس ايار ..طفلة تعلمت منها درسا لا ينسى .. ان نحب بلا مقابل ونعطي بلا مقابل . سالت نفسي في ذلك الموقف ماذا اعطيت انا  لسعاد ؟ لم تكن المسكينة تريد شيئا غيرالالفة والمحبة والصداقة بل لم  تطلب هذا يوما ‘ ولكن لم افعله انا وهو لم يكن يكلفني شيئا .

  عبرت سنوات طويلة وذلك الدبوس ما زال معي ومعه دموع سعاد تسالني ان اقبل به وهي لا تملك شيئا آخر لتهديه لي عرفت انني احببت سعاد منذ  تلك اللحظة اكثر من الجميع ‘  وبدات بيني وبينها صداقة نمت في روحي , واصبح اسم سعاد ومحياها شيئا لا ينسى في  ذاكرتي  ,اذ نسيت صديقاتي الصغيرات الواحدة بعد الاخرى وتلاشت صورهن وبقى وجه سعاد مضيئا حلوا كسنوات العمر تلك..

                                                                                                               

الدخول للتعليق

مسابقة القصة القصيرة جداً

فارس السليم - حال الدنيا - 2.4%
إلهام زكي خابط - حبات اللؤلؤ - 4.9%
عزيز عربي ساجت - اليمامة - 0%
جمال حكمت عبيد - لمسة إصبع - 17.1%
فاروق عبد الجبار - موسيقى - 56.1%
هيثم نافل والي - الراقص - 19.5%
د. نصير عطا - حادثة تحصل يومياً - 0%

Total votes: 41
The voting for this poll has ended on: حزيران/يونيو 15, 2014