طباعة هذه الصفحة
الجمعة, 08 تشرين2/نوفمبر 2013

حرب واشياء اخرى من قصص الحرب العراقية الايرانية.

  جمال حكمت عبيد
تقييم هذا الموضوع
(2 عدد الأصوات)

 

القصص تدو رحول شاب اسمه خالد؛ شاب جميل في الثاني والعشرين من العمر، اسمر البشرة متوسط القامة واسع العينين، له اصابع يد ناعمة لم يمسها سوى القلم . عند تخرجه من الجامعة كان يمسك بيد وثيقة تخرجه وبالأخرى يؤشر الى السماء على الطائرات التي بدأت اليوم بقصف بلاده معلنتا بدا الحرب العراقية الايرانية .وبعدها بأسبوع استدعى الى الخدمة العسكرية وقد انهى تدريبه العسكري والفني في خمسة شهور وحاز على لقب مخابر في صنف المخابرة اللاسلكية بشارة عريف مجند.
حرب واشياء اخرى

السيد الرئيس

كانت اعمدة الغبار المتصاعد فوق الطريق الترابي كأنها عاصفة ،جاءت بها ارتال من عجلات مصفحة واخرى مقاومة للطائرات ؛ حملت جنود واشياء عسكرية اخرى.
- متوجهة الى مقر جوال قائد الفيلق الرابع ، المكان الامين لضباط ركن حركات احدى فيالق القاطع الجنوبي حيث تدار به المعارك عن بعد ..محيطه ساتر ترابي دائري بارتفاع اربعة امتار ، مساحته لا تتجاوز كيلومترين مربع،؛ يتاخمه موقع صغير لوحدة المخابرة فيه غرفة من الطابوق يسكنها ملازم مسؤول عن الموقع وأربعة خيام ، في كل خيمة جهاز لاسلكي وثلاثة جنود اغلبهم مطوعين وبعض المكلفين عريف خالد احد الجنود المكلفين المسؤولين على احدى الخيم ؛ تخرج من الجامعة قبل ثلاث سنين وهو ما يزال في خدمة الاحتياط بسب الحرب المشتعلة منذ تخرجه ، كان واقفا ورفاقه فوق الساتر ينظرون الى الارتال ويعدونها وقد وصل الرقم الى ثمان وسبعين عجلة ،في ظهيرة يوم كانت شمسه عمودية ساطعة.
- عند وصول الارتال الى مقر الجوال، علت السماء ثلاث طائرات سمتيه، حامت حول الجوال ؛حطت واحدة منها ثم هبطت الآخرتين بعدها.
- عريف خالد ورفاقه المقاتلين توقعوا وزير الدفاع قد قدم من بغداد!! فهو لن يعتاد رؤية هكذا حدث منذ ان نقلت خدماته الى هذا المكان منذ ستة اشهر، كل التوقعات تشير الى معركة قادمة هذا اليوم.
- كان رتل القوات الخاصة ، منذ الصباح مر باتجاه الوحدات الامامية حاملا جنود ابطال، اولاد الامهات السمراوات اللاتي ارضعتهم من ملح الارض ؛بوجوههم مسحة الخوف والحزن والكبرياء الممزوج بابتسامات كاذبة،
كل منهم لا يعرف من سيروي قصة بطولته و بطولة رفيقه عند انتهاء المعركة.، بعضهم يلوح بيده بخجل مجاملا عريف خالد ورفاقه الذين كانوا يلوحون لهم بعلامة النصر .
فجأة اعتلى ساتر الجوال جنود ممتلئين، ملابسهم خضراء مرقطة ، اختلطت علامات البداوة والريف في سحنتهم؛ طالبين الجميع دخول خيمهم . واكد اهمية الحدث ظهور ضابط المخابرة مسرعا وخلفه العقيد آمر الكتيبة ورائد جواد ضابط التوجيه السياسي، كانا قد جاءا من المقرات الخلفية.
- كان عريف خالد مسؤول عن تأمين اتصال لاسلكي للفرقة العاشرة بقائدها والويتها مع قيادة حركات الفيلق، بواسطة جهاز لاسلكي بحجم التلفاز الصغير يخرج منه سلك ربطت نهايته بهاتف وضع في غرفة ضباط حركات الفيلق ،وقع الاختيار على خيمته ...المعركة ستدور عند الفرقة العاشرة، عمد عريف خالد مسرعا بإزالة الغبار من جهازه اللاسلكي بقطعة قماش لكي يظهر نظافته، فهذا عرف عسكري.
- دخل الخيمة العقيد آمر الكتيبة ،يتبعه رائد جواد والملازم ضابط الموقع، نهض عريف خالد مؤديا التحية العسكرية ، قال له العقيد: هل جهازك وعدَّته كاملة يا ابني؟ اجاب عريف خالد: نعم سيدي كل شيء جاهز؛ كانت الخيمة تحتوي على طاولة خشبية صغيرة وضع عليها جهاز لاسلكي بحجم التلفاز الصغير وثلاث أسرة خشبية صنعها عريف خالد ورفاقه الجنود من صناديق العتاد الفارغة. جلس الضباط على السرير المقابل لخالد ، قال رائد جواد للجنديين: اخرجا فهذا العريف يكفي . كان غالبية الجنود يكرهونه ويكرهون صلعته كانه دب وانفه المفروش وشفته الممدودة العريضة العارية السطح كشفة بعير.


-جميع من في الخيمة كانوا ينتظرون دقة جرس تلفون الحركات، لحظات ودق الجرس ؛قال عريف خالد: مجيبا ضابط الحركات تفضل سيدي.. قال الضابط: احضر لي امراء الوية الفرقة العاشرة والمتجحفلين معهم من الالوية الاخرى؛ السيد رئيس الجمهورية يريد التحدث معهم!! وبحركة لا ارادية من رائد جواد فزع و نهض من مكانه واخذ يرفع حزامه بيديه ساحبا كرشه الى الاعلى متوجها صوب الجهاز وكأن الرئيس نده عليه! بينما العقيد وضابط الموقع كانا اكثر هدوء منه؛ اخذ عريف خالد وبكل ثقة ينادي بجهازه اللاسلكي امراء الالوية للتهيؤ بالحديث مع السيد الرئيس.
- استعد الامراء منتظرين الحديث مع الرئيس.. بينما كان رائد جواد يأمر عريف خالد بتحويل المكالمة فورا دون تأخير ، اعتقادا منه ان المعركة ليست وطنية فقط بل حزبية وعلى الارجح كان يقصد الاخيرة من موقعه وتصرفاته وتجاوزه العرف العسكري بينه وبين العقيد بحركاته الغير منضبطة باحترام الاقدم رتبة عند الكلام والحركة. بدأ السيد الرئيس بالتحدث مع امراء الالوية بالسلام عليهم وعلى جنودهم ، يشد هممهم والامراء يستعرضون استعدادهم واستعداد جنودهم للدفاع عن شرف الرئيس والذود عنه متناسين اسم الوطن ، والسيد الرئيس يقهقه ويقول لهم انا انتظر منكم البشارة؛ بينما رائد جواد يقترب من عريف خالد، وراسه ينضح بولا كانه اصيب بحمى فالعرق ملأ صلعته التي كانت من المفترض ان تكون حكيمة لا لئيمة، ورائحته بدت تثقب انف عريف خالد فقد كان يفرز افرازات نتنة ؛ تابع امراء الالوية الواحد تلو الاخر يعلنون الولاء للسيد الرئيس . والعقيد ورائد جواد وضابط الموقع يبتسمون بابتسامة الرئيس اما عريف خالد كان حذر ان يظهر ابتسامته خوفا من خرق العرف العسكري .
- ضوء زاد النهار ضياءا مع اصوات تتبعه.. كانت ثلاثة صواريخ ارض ارض تبعد مسافة من الخيمة قد اطلقت معلنتا بدء المعركة واستبشرت انهار الدماء بفتح مجاريها ، وقتام الحرب بان في الافق من بعيد ، بغبار معركة كان سمع طلقاتها قد هزّ الخيمة فكيف مكان وقعها.. اشتبكت الجنود بحرابها ، تاركة احلامها في ارض المعركة، التي استنفذ السيد الرئيس بها كل القوات التي ملأت مواضعها وعرباتها التي نقلتها. ووصلت هدفها المقرر ببحر من دماء الابطال ابناء الفقراء، الذين باتت امهاتهم تعجن بالدموع خبزها وتصبغ بطين الحزن جدائلها .
ثلاث ساعات متتالية معركة دموية سريعة تعالت بها اصوات التقدم والانسحاب ثم التقدم كلها مسموعة بالجهاز اللاسلكي حتى وصلت الى هدفها وكانت( تلة ترابيه في قاطع الطيب تشرف على مخفر حدودي) سببت ازعاجا لبعض القطعات المتواجدة امامها.
شكر ألآمر عريف خالد على حسن التعامل مع الموقف مطبطب بيده على كتفه قائلا لعريف خالد: بارك الله بك يا ابني .


- اختفى الجنود الممتلئين فوق الساتر غادرت السمتيات مدرجها وعادت اعمدة الغبار وهي تبتعد عن المكان راجعة من حيث ما أتت.
كان العقيد والملازم يتحدثان وهما يبعدان عن الخيمة ،بينما بقى رائد جواد يتحدث مع نائب الضابط الحزبي المسؤول الثاني عن هذا الموقع الصغير وهو في داخل الخيمة..
ذهب عريف خالد يقضي حاجة، بعد توتر دام ثلاث ساعات بل اكثر؛ وحينما عاد فوجئ من قبل رائد جواد بعدم السماح له البقاء في هذا المكان!! معللا أهميته ولا بد من وجود موثوق بهم وبماضيهم- -اندهش عريف خالد مستهجنا هذا القرار الثوري المفاجئ وقال سيدي: ما الذي فعلته انا؟ ألم أكن موفقا؟ قال رائد جواد: هذا لا يعنيني ، حياة قيادتنا الوطنية اهم شيء وانت لا تصلح في هذا المكان !! ابتسم عريف خالد ابتسامة استخفاف قائلا ماذا تقول سيدي هل عندك شك بوطنيتي ، هذا بلدي وبلد اجدادي ؛اذا نحن لا نفتديه ..من يفتديه.. قال رائد جواد انا اريدك ان تفتديه هناك عند خط النار لكي يفرغ الوطن منك ومن امثالك الذين يدعون الوطنية... ارتفع الجنون براس عريف خالد وانطلق لسانه يطرح حديث قلبه وبشكل لا أرادي قائلا بوجه الرائد : انا غير وطني كيف تقول هذا يا سيدي الوطن بشعبه والحزب شيء اخر، قاطعه رائد جواد بالسكوت ولكنه استطرد قائلا: اذا كنت تشكك بوطنيتي وماضيها فهذه مدينة الحلفاية التي تبعد عشرين كيلومتر خير شاهد على تاريخي ، اتعلم ان هذه المدينة شهدت زواج امي وابي وما زال عبق عطرهما يفوح بخيمتي ، اتدري ما فعلته اشجار القصب يومها: كانت تزين نفسها بشرائط الذهب ،ترقص على وقع الطبول والدفوف كلما مرت بها مشاحيف (زوارق) العرس وهي ذاهبة الى مدينة الكحلاء حيث بيت جدي... انا غير وطني لا ياسيدي ...ماذا اقول لابي وامي واجدادي :أتريدني ان افسد عليهم ليلة عرسهم ؛ -اذهب وانظر الى قصب مدينتهم فستراه واقفا رافعا حرابه ليمزق بها من يحاول ان ينتزع كرامته...ثم عاد يقول انا غير وطني ؛ جن جنون رائد جواد واخرج مسدسه وقال له اذا لن تذهب الان سأرميك قتيلا، كاد ان يفعل شيء! لولا يد سحبت عريف خالد؛ وكانت يد النائب الضابط، ابعده عن المكان وهو يلتفت الى رائد جواد كانه ضابط من المرتزقة لا يعرف تاريخ هذه الارض...
صرخ خالد مهضوم وهو يقول هل الوطن هو الحزب، والدمع ينهمل من عينيه فقد خونه بوطنيته هذا الكلب المسلوخ ؛ لأنه غير منتمي الى حزب السيد الرئيس ؛ والنائب الضابط احتار بأمره وهو يحاول ابعاده عن الخيمة ؛ واذا بعريف خالد يفلت من يده ويسرع باتجاه الساتر الترابي واقفا رافعا يده اليمنى الى جبهة القتال التي لن تجف دماء شهدائها بعد.. ورفاقه ينظرون اليه بألم وحسرة وفخر .. صرخ بصوت عال قائلا: ( هناك يموتون الابطال ابناء الفقراء ..لكي يحيا الجبناء) وقف صامتا؛ ثم عاد الى خيمته بعد خروج رائد جواد منها ،يلملم اغراضه وجراحه، يتصفح بذاكرته كل الاحداث ؟... آه قالها عريف خالد انه ( حسن) كاتب التقارير الحزبية ؛حقا : (ذيل الكلب لن يعدل) ، غالبية زملاءه في الجامعة كانوا يكرهونه و سجن على يده كثير من الطلبة حينها رآه عريف خالد صدفة قبل ثلاثة اسابيع بينما كان عائدا من اجازته الشهرية جالسا معه ببدلته الزيتونية في احدى السيارات العسكرية التابعة لمقرات الفيلق الخلفية. ؛ فلن يراه منذ تخرجهم من الجامعة قبل ثلاث سنوات . لقد استدرج خالد في الكلام بكل هدوء وخبرة سنين وحاز على كل ما يريد من معلومات تخص خالد فاستدل على وحدته ومكانها ؛ لكن خالد كان يعتقد ان الحرب تغسل النفوس ويكون عدوها واحد ، وعند وصولهم قال لخالد : انا اعمل جندي في مكتب التوجيه السياسي للفيلق الرابع لو احتجت أي شيء سأساعدك..
كان نائب الضابط جالس في سيارة (الواز) العسكرية الواقفة قرب الخيمة ينادي : أأنت جاهز يا عريف خالد ؟قال عريف خالد: نعم وضع بندقيته و فراشه وحقيبته في السيارة.. وانطلقت الى حيث لا يدري في اية معركة سيكون...

الدخول للتعليق