• Default
  • Title
  • Date
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    في لحظات من الخوف والقلق زاد من شدتها احمرار لون
  • بقلم. نعيم عربي ساجت
    المزيد
    اليوم هـو الجمعـة ، عــطـلة ( نـضال ) عـن الـعمل ، الشَّمـسُ تـتأَلـقُ في
  • صلاح جبار عوفي
    المزيد
      رنَّ جرسُ الدار..! تسابقت الصبایا الثلاث ( شھد ، تمارا ، مایا
  • فارس السليم
    المزيد
    في ليلة ممطرة شديدة البرودة والصواعق تنشر الرعب في نفوس
الجمعة, 08 تشرين2/نوفمبر 2013

الذليل

  هيثم نافل والي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

 

 يحسب البعض أنفسهم بقليل من الدموع، وبكثير من التمثيل التراجيدي أنهم يستطيعون تمرير قضاياهم على الغير، لكنهم تناسوا بأنهم ما أن يتعروا، يبانون، ومن حسابات ونظر الآخرين على أنهم من فئة البشر يسقطون، بعدها في الحياة أمواتاً يصبحون، وهم غافلون لا يدركون. 

 

ما أن ركن ستار الذي يعيش في بروكسل، عاصمة القرارات الأوربية، منذ قرابة خمسة أعوام، سيارته في تلك الليلة المقمرة من شهر أيلول، التي تهب فيها النسائم من كل جانب كالعطر، لطيفة ورقيقة، والنجوم تتمايل في السماء كأنها عيون قطط لامعة، أو كماسات متوهجة وهي ترصع صدر الفضاء، في المكان المخصص والمسموح به تحت دار صديقه عباس الذي أراد زيارته بعد اتفاق مسبق بينهما؛ وما أن ترجل من سيارته وحط قدمه على أول درجات السلم الخارجي المقابل لباب شقة صديقه، حتى سمع صوتاً مدوياً كالانفجار خلفه...

 

كان ستار شاباً ذواقاً، خفيف الظل، لطيف المعشر، مرهف الإحساس، يحب النكتة ويرتاح للمزاح، متساهلا، بسيطا ومتواضع إلى حد يصل أحياناً حدود اللعنة، حاضر الذهن، سريع الخاطر، نظيف الكف، شهماً ولا يساوم على الحق؛ يتمتع بصوت ناعم، هادئ، وبسمعة راقية معروفه كسمعة الياسمين، ولم يرد في تلك الليلة سوى زيارة صديقه عباس؛ لكن الصوت المدوي الذي سمعه من خلفه حال دون تحقيق رغبته...

 

أدار ستار رأسه حتى رأى أحدهم يحاول تغيير مسار سيارته وبطريقة وجدها صعبة ومعقدة كأن سائقها ثمل أو مسطول... فَهمَّ إليه راكضاً، راجعاً مشدوها في حالة ذهول كأن قلبه في معدته...

 

فرأى سيارته قد تحطمت بشكل مروع، في مؤخرتها بعد أن تناثرت على الأرض حطام قطعها وأجزاء مصابيحها الخلفية، فبانت تلك الأشياء في تلك اللحظة من الليل المقمر تلمع كقطع الزجاج على الشاطئ...  

 

صاح ستار كالموجوع بسائق السيارة ملتهباً بحماس وبلهجة ما بين الطلب والأمر:

 

توقف!! بعد أن رآه يهمّ بالهروب...

 

توقف السائق ثم فتح قليلاً زجاج  نافذته وهو يقول مترنحاً بعنجهية خاملة:

 

ماذا تريد مني، بابا؟!

 

- أنا لست بأبيك، ثم أعلن متجاهلاً نظراته الشاردة، الزائغة:

 

أريدك أن تتوقف، وأردف برصانة أقرب إلى التأنيب:

 

لقد سمعت الصوت المدوي الهائل الذي أحدثه ارتطام سيارتك بسيارتي الواقفة... وتابع مرتجف الأطراف:

 

ترجل وانظر بنفسك.

 

- بلسان ثقيل:

 

انظر إلى ماذا؟

 

- عجباً، كيف تنظر إلى ماذا؟ ثم أضاف منفعلاً بعد أن وجد نفسه في حال لا يعلم بها إلا الله:

 

انظر ما فعلته منذ لحظة...

 

- أنا...!! ( قال ذلك كأم لا تشك بطهارة ابنتها ) ثم شرع والدهشة تطل من عينية بعد أن نسي نفسه، فعلا صوته:

 

أنا لم أفعل شيئاً، وإذا كنت تقصد سيارتك، فهي التي صدمت سيارتي!! ثم لوى شفتيه ومصهما بلسانه وقال:

 

 بابا، إذا كنت لا تصدقني، انظر إلى سيارتي وما حصل فيها ثم شهق وسكت...

 

- أطالبك أولاً بالترجل واترك أبيك، ثم ننظر ونعاين الحادث وسنعرف وقتها من هو المتسبب... وهو ينظر له بعينين متعبتين بعد أن جعله يخرج عن طوره واستطرد:

 

لقد نسيت شيئاً مهماً، هو إني لم أكن أصلاً داخل السيارة، فكيف صدمتك وأنا لم أكن فيها موجوداً؟!

 

- هراء... ما تقوله وحق آلهتي التي أحبها وأعبدها، هراء... كل ما تقوله من نسج خيالك المريض يا هذا، فأنا كنت جالساً أتأمل الليل الهادئ الجميل وانظر إلى هذا القمر البهي الساطع، وصاح فجأة كالملسوع :

 

إلا تراه، انظر إليه كيف يبدو؟ كالشمس في النهار وحق آلهتي!! وتابع بصوت متهدم:

 

ماذا قلت قبل قليل؟ ها... نعم تذكرت، لقد كنت أقول إنني كنت جالساً في سيارتي أتأمل منظر السماء ولم أسمع سوى أنك أتيت كالمجدوب وصدمت سيارتي النظيفة، الجميلة التي كانت قبل قليل رائعة، لكنك جعلتها الآن حطاماً لا تساوي شيئاً...

 

قاطعه ستار بأعصاب مثاره والغيظ يغالبه:

 

إذن لم يبق أمامي سوى استدعاء الشرطة، وهم سيحكمون بيننا بالعدل وسنعرف منْ هو المتسبب في هذا الحادث اللعين الذي لا يمكن له أن يحدث لو كنت على غير ما أنت عليه الآن... وهمَّ بإخراج هاتفه للاتصال بالشرطة...

 

فترجل صاحب السيارة بسرعة، فرآه ستار بوضوح...

 

شاب في مرحلة الهموم، لم يتجاوز ربما الثلاثين، زائغ النظرات، مضطرب الفؤاد، واهي القوى، يميل إلى السمار، رفيع وطويل، ولظهره من الأعلى انحنائه كالحدبة، وهو يحاول بصعوبة الوقوف على ساقيه وأشعل لفافة ثخينة لم يدرك ستار نوعها، وبدأ ينفث دخانها المتصاعد بوجهه كالمعتوه، وهو يردد متوسلاً:

 

توقف أرجوك، لا تتصل بالشرطة، كنت أمزح معك، وسأله مباغتاً، وكأنه صديق الطفولة الحميم:

 

اللعنة على الشيطان، إلا تعرف المزح في الليل يا هذا؟ اصفح عني إن كنت قد أسأت إليك... ثم بدأ يبكي وينوح بطريقة مروعة كغجرية رومانية اغتصبت للتو، ونثار ريقه ينتشر في المكان كالرذاذ، بعد أن زم شفتيه وقطب حاجبيه وهو يركع على ركبتيه أمام ستار وكأنه يتعبد به، وتابع نواحه مسترسلاً:

 

بابا، الرحمة حلوة، ولا تكن سيء النية كمحققين الشرطة، ثم خفف من لهجته ونبر:

 

اعطف على أخيك المسكين هذا( وهو يشير بأصبعه نحو صدره ) فأنا أعيل خمسة أطفال أكبرهم في العاشرة، وزوجة لا تبصر، لا تهش ولا تنش، بالإضافة إلى ذلك لا أحب رؤية رجال الشرطة، أسكن هنا وجئت للتو راجعاً من عملي متعباً جداً، فقل تركيزي، ولم أر أو انتبه لوجود سيارتك الرائعة هذه...

 

- وماذا بعد، بابا؟ ( قالها ستار باستهزاء )

 

- أرى إننا نتفق، وهذا خير الحلول!!

 

- أنا موافق. ( وردد ستار في خلده: أطفئ الله نورك عينيك الخافت أصلاً )

 

- بابتسامة صفراء طافية على شفتيه لهج:

 

وأنا كذلك وحق هذا القمر الذي يشهد موقفنا!!

 

- دع القمر في سمائه، وقل لي ما هو اسمك، واكتب لي كل المعلومات المتعلقة بشركة تأمين سيارتك، عندها نكون قد حققنا ما نصبو له، بسلام وهدوء، بعدها يمكن لك الذهاب إلى زوجتك التي لا تهش ولا تنش...

 

- جعجع بحماس كنعجة شاردة من حظيرتها:

 

أنا شاهينان من أفغانستان والحمد ولله، بابا!! ثم تابع برنة غير مريحة:

 

نعم، سأكتب لك كل شيء، ولنجعل رجال الشرطة ينامون في هذا الليل الجميل الهادئ، لا يهمنا شيء ما دمنا سنتفق، نعم علينا أن نتفق إذا أردنا أن نكون في مأمن من الشرطة وأسئلتهم التي لا تنتهي وإزعاجاتهم التي تدعو النفس إلى التقيؤ! وسعل سعالاً موصولاً كريهاً، وكأن روحه ستزهق... ثم أضاف منهكاً:

 

ولكن عليك أن تعطيني معلوماتك أيضاً كي أعطيها للتأمين الذي أتعامل معه، وسوف ترى ما لم تصدقه من رجل أفغاني والحمد لله، سأجعلهم يدفعون لك كل التكاليف والخسائر التي سببتها لك وبسرعة لا تحلم بها، نعم، ماذا تظنني؟! هيا اكتب لي ذلك وستكون بعون الله وتأييده من الرابحين...

 

قال ستار محدثاً نفسه بصوت خفيض:

 

سلخ الله رأسك... لا تذكر أسم الرب على لسانك الملتوي الثقيل هذا وأنت مسطول لا تستطيع التركيز ولا حتى الوقوف، وحالتك مقلقلة وأمورك مضطربة، وتابع بذات الرنة الهامسة:

 

أنت ينطبق عليك المثل الذي يقول" أسرحه مع الغزلان، يعود إلينا مع الثيران "  ثم تبادلا المعلومات بصمت مطبق، وطار ستار بسيارته التي كانت تصيح وتقرقر دون أن يكون له مزاجاً معتدل، طيب، بعد الذي حصل لزيارة صديقه عباس...

 

في حين لم يقد سوى بضعة أمتار حتى داهمته الشرطة فجأة... فاستوقفوه عنوة، فبدا الجو مشحوناً بالرهبة والخوف، وبسرعة خاطفة تم سحب رخصة قيادته وأوراق سيارته بعد تفتيشها بشكل مفزع ومروع، وهو يقف بجانب السيارة وبقرب أحد رجال الشرطة وهو يتابعه بحذر شديد ويردد آمراً:

 

لا تتحرك من مكانك، التزم الهدوء حتى يتم الانتهاء من تفتيش السيارة...

 

لم تمض سوى دقائق من الصمت الثقيل الذي خيم عليهما وستار مكبل دون قيود حتى تقرب منه رجل آخر من الشرطة وهو يبتسم بخبث رهيب وعجيب ويقول له بانزعاج بدا مصطنعاً:

 

ماذا كنت تتوقع؟ تستطيع الهروب!!

 

- أجابه مستغرباً وهو يغمض عينيه وكأنه يستريح:

 

الهروب!! ممنْ؟

 

- لا تحاول النكران... لقد ضبطناك وأنت تقود سيارتك هارباً من موقع الحادث بعد أن صدمت سيارة المدعو شاهينان عندما كنت تحاول الرجوع إلى الخلف، في حين كانت سيارته مركونه... وهو الذي أبلغنا بهروبك بعد تركك مكان الحادث دون محاولة إخطارنا بما حصل... ثم أردف بهدوء قاتل:

 

ماذا كنت تظن، ها...؟

 

لم ينبس ستار ببنت شفة، بقي صامتاً، جامداً كالصخرة على شاطئ، وهو يتذكر بكاء وكلام شاهينان الأغبر، عندما كان يبكي أمامه، وكلماته التي كان يتغزل بها:

 

أنا من أفغانستان والحمد لله!!

 

فتلألأت دمعة بقيت متأرجحة في مقلتيه لم ترغب بالانحدار وهو يستمع بذهول لاتهامات رجال الشرطة النازلة عليه كالصاعقة، يرسل نظرات حيرى ويضرب كفاً بكف.    

 

 

 

  

الدخول للتعليق

مسابقة القصة القصيرة جداً

فارس السليم - حال الدنيا - 2.4%
إلهام زكي خابط - حبات اللؤلؤ - 4.9%
عزيز عربي ساجت - اليمامة - 0%
جمال حكمت عبيد - لمسة إصبع - 17.1%
فاروق عبد الجبار - موسيقى - 56.1%
هيثم نافل والي - الراقص - 19.5%
د. نصير عطا - حادثة تحصل يومياً - 0%

Total votes: 41
The voting for this poll has ended on: حزيران/يونيو 15, 2014