• Default
  • Title
  • Date
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    في لحظات من الخوف والقلق زاد من شدتها احمرار لون
  • بقلم. نعيم عربي ساجت
    المزيد
    اليوم هـو الجمعـة ، عــطـلة ( نـضال ) عـن الـعمل ، الشَّمـسُ تـتأَلـقُ في
  • صلاح جبار عوفي
    المزيد
      رنَّ جرسُ الدار..! تسابقت الصبایا الثلاث ( شھد ، تمارا ، مایا
  • فارس السليم
    المزيد
    في ليلة ممطرة شديدة البرودة والصواعق تنشر الرعب في نفوس
الجمعة, 08 تشرين2/نوفمبر 2013

رماد - قصة من خيال بلاد مابين النهرين القديمة

  حامد خيري الحيدر
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)


مهداة للأم العراقية الصابرة

مثل حمامة حانية أنحنت على الجسد المُسجى الملفوف بالقماش العتيق ، محاطة ببكاء النسوة و صراخهن الذي ملأ فناء البيت ، و بأيادٍ نحيلة مرتجفة كشفت عن وجهه ... أنه هو ، أجل أنه هو ، أخيراً تراه بعد كل تلك السنين .. لم يتغير منه شيء سوى لونه الأبيض الباهت الذي يوحي ببراءة الموتى و خلو أياديهم من نفايات الدنيا .. هاهو أخيراً يعود اليها منذ أن فارقها يوماً ليمتطي ريح الجنوب .. (أنا راحل يا أماه ... سالتحق بركب النسور الحالمة بالحرية) ... هكذا قالها بهدوء ثم رحل ... لازالت تذكر بريق عينيه الممتلئين بالتحدي و حب سومر .. لم يترك خلفه سوى نظراتٍ و حسراتٍ لأمٍ حزينة أودعت روحها لكف الأقدار مع رشقة ماءٍ نثرتها وراء دربه الطويل ، و دقات قلب سريعة لحبيبة خائفة منحت حبيبها لمخالب المجهول ..... أمسكت براحتيها ذلك الوجه الذي لم يفقد بريق شبابه رغم قسوة الموت ، راحت تتأمله بعينيها المُبيضتين .. (أحقاً أنه نفس الطفل البريء الذي كان يلهو يوماً مثل فراشات الحقول و عصافير الربيع؟) .. برفق أخذت تهزه كمن تحاول أيقاظه من نوم عميق كما أعتادت دوماً أن تفعل ، لتتفتح عيناه على نور الصباح و وجه أمه الذي أختطت عليه الأيام تجاعيداً عميقة أصبحت سواقياً لجريان الدموع على مدى طول الصبر و الفراق ... (أنهض يا حبيب النجوم ... أنهض يا شدة الياسمين و ضياء القمر ..... ضفة الفرات تناديك .. موسيقى سومر تحّن لصوتك العذب .. حبيبتك الجميلة تنطرك لتزف اليك) .. لم يرد عليها سوى السكون .. و بشكلٍ تدريجي تحول هز جسده الى حركة هستيرية بعيدة عن الشعور .. دون جدوى .. الصمت هو الصمت .. الموت هو الموت ، صلباً قاسياً ، قاض ٍ غير عادل .. كلمته و احدة و حكمه واحد ، لا يعرف محبة أو حنين ...... (من يموت من أجل سومر يصبح حبة قمح ، تغدو سنبلة تزهو بها الأرض القاحلة) . هكذا أجابت سؤاله بعد قدوم أبيه محمولاً على أجنحة النوارس ... حينها لم تذرف دمعة واحدة رغم قلبها الدامي بهول الفاجعة ... رددت ذات الكلام مع عودة أخيها عائماً على أشعة الشمس ... ليبادرها ببراءة قلوب الأطفال (ستمتليء الأرض بحبات القمح ... فمتى نرى السنابل؟) .... (أجل متى نرى تلك السنابل؟) .. هاهي اليوم بعد أن أكتمل لديها ذلك الثالوث الأليم تعيد نفس السؤال الصعب الذي لم يعد أحداً في سومر يمتلك الأجابة عليه .

سار موكب الموت بطيئأ رتيباً بين طرقات المدينة المتهاوية حاملاً حزمة قصبٍ أحتضنت جسداً كان يوماً ينبض حياتاً و أملاً بسعادة شعب سومر ، يدور حوله العويل بتناغم موسيقي غريب ينم عن تعود و أحترافية ، مصحوباً بلطم الصدور و نثر التراب على الرؤوس ، بأتجاه أرض كئيبة غدت متخومة من كثرة أبتلاع أجساد البشر مع مرور الأيام و سيل الجنائز .... تلاصقت شواهد القبور مع بعضها لضيق المكان لتغدو غابة من غابات الجحيم ، و تشابهت حتى لم يعد يُستدل على قاطنيها .. أنتشرت النسوة المكللات بالسواد بين تلك الحفر اللعينة التي سلب ظلام قعرها الأحبة و رفاق الدرب ، باكيات صارخات يندبن راحليهن ، يرافق بعضهن كهَنة متزلفون بلِحاً طويلة يقتادون من الأفتاء بمواعض الموت و الحياة ..... و رويداً رويداً أنزل أبن سومر الى تلك الهوة السحيقة التي ليس لها قرار ، ثم بهدوء أهالت عليه الأكف قبضات التراب ، لتغلق أمامه نافذة الحياة الى الأبد ..... تبعثر المُشيعون ، واحداً تلو الآخر دون مبالاة بعد أن سلموا من جمعهم الى شياطين الموت ليكملوا دورة حياتهم و أنتظار مصائرهم ، غير مكترثين بأمٍ ثكلى أرتمت على تلك البقعة التي سرقت منها وحيدها و كل ما جنته من متاع هذه الدنيا ، محتضنة أياها لاتريد مفارقة من كان يوماً قطعة من أحشائها .
لم تدري كم مضى عليها من الوقت ، ربما كانت ميتة هي الأخرى .. ربما كانت في رحلة لعالم الموت ، لتطمئن على من فارقها في سفرته الأبدية ، أو في محاولة يائسة أخيرة منها لأطلاق أموات سومر من محشرهم الخانق ، كما سعت قبلها عشتار .... مع غروب الشمس ، و بعد أن يأست من أسترجاع روحها الثانية ، تركت القبر بأيادٍ و ثياب مُعفرة ، سارت متثاقلة مبتعدة عنه شيئاً فشيئاً ملتفتة اليه مع كل خطوة تبعدها عنه ، غدت وحيدة بعد أن خلى موطن الموتى من رواده ، ألا من مُغني مَنسي ضيعه فراق الراحلين و غدر الزمان ظل جالساً عند أحد الشواهد .. غير عابيء بقدوم عتمة الليل التي أخذت تزحف بهدوء نحو القبور لتبتلعها الواحد تلو الآخر .. محتضناً بحنو قيثاراً قديماً ، تداعب أنامله برفق أوتاره المهترئة ، راح يردد بصوتٍ خافت مبحوح مخافة أن يزعج أولائك المُتلحفين بالثرى أغنية قديمة لم يتبقى بين ثنايا ذاكرته سواها .....
كًلكًامش لم يزل هائماً .. حائراً
يسعى وراء حلماً بعيد يدعى الخلود
متى يعود الشريد .. متى يعود
شعبه مقهور ملئته الجراح
يبحث عن شعاع في ظلمة هذا الوجود
متى يعود له الأمل .. متى يعود
سومر زنبقة غضة بيضاء
أغتصبتها حراب الجنود
متى يعود ربيعها .. متى يعود
سمعت تلك الكلمات مع هروب آخر شعيراتٍ للضوء ، فنظرت بذهول بعد أن أستعادت شيئاً من وعيها الى الأرض المزروعة بحبات القمح و الممتدة نحو الأفق كأنها تراها لأول مرة ، أبتلعت شهقة عميقة ، ثم أطلقت صرخة مدوية مزقت السكون (أما أرتويت دماً يا أرض سومر؟)

الدخول للتعليق

مسابقة القصة القصيرة جداً

فارس السليم - حال الدنيا - 2.4%
إلهام زكي خابط - حبات اللؤلؤ - 4.9%
عزيز عربي ساجت - اليمامة - 0%
جمال حكمت عبيد - لمسة إصبع - 17.1%
فاروق عبد الجبار - موسيقى - 56.1%
هيثم نافل والي - الراقص - 19.5%
د. نصير عطا - حادثة تحصل يومياً - 0%

Total votes: 41
The voting for this poll has ended on: حزيران/يونيو 15, 2014