• Default
  • Title
  • Date
الجمعة, 09 حزيران/يونيو 2017

المندائية ترفض الحزن وتمسح دموع الثكالا

  أمين فعيل حطاب
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

كان آباؤنا الاولون والى امد ليس بعيد عن وقتنا هذا يلازمون ذوي الفقيد خمسة واربعون يوماً لغاية وصول النفس الى بوابة اباثر الميزان، فقد كانوا يشاركون مادياً ومعنوياً اهل المصاب في اعداد ما يلزم لتجهيز الطعام وعمل للوفاني (طعام الغفران) والقراءات في الكنوز المندائية وسرد القصص الممتعة ترويحاً للنفس وتبعدها عن شبح الحزن المقيت، هذا ما كان يسود اهلنا من الفة ومحبة واحترام متبادل كانهم عائلة واحدة لانهم يدركون ان التحلّي بكل صفة من هذه الصفات هي صدقة بالاضافة الى ذلك فهم يسخِّرون هذة المناسبة الى عمل الخير وازالة الاحقاد بين بعضهم البعض الآخر ويتم الصلح بين المتخاصمين ويميلوا نحو التجمع ونبذ الخلاافات المدمره للمجتمع المندائي فتقوى اواصر المحبة بينهم فما اجمل ذلك.
فمشاركتك في مجلس العزاء وقراءة صلاة الغفران على روح الميت بقلب صادق ومؤمن هي فرصة تجعلك صاحب واجب، فتزيد ثقتك بنفسك وتعتزُّ بها كما يعتزُّ بك الآخرون، وهي بحد ذاتها نعمة اهداها لك النور، وكي تحافظ على هذه النعمة لا تترك فرصة المشاركة ما حييت، انَّ هذه الفرصة لم تقتصر عليك وانَّما تمتد الى مَنْ اعدَّ مجلس العزاء وهم ذوي الراحل، لانَّ مشاركتك مع الآخرين تبعد شبح الحزن والحداد من ذويه وبذلك لاتتعذب روح الميت وهي في طريقها الى عالم النور والحياة الوطيدة، لأنَّ الأسرار التي غرسها النور في الانفس وخاصة التابعة لنفس الشجرة، تلك التي نشأت عند الزواج تجعل الانفس تتواصل فيما بينها، لذا فالألم الذي يشعر به ذويها بسبب الحزن والبكاء ينتقل الى النفس الراحلة مما يجعلها تتلكأ في مسيرتها وهي اقل حذراً، فيسهل اصطيادها من قبل المخلوقات الظلامية في مقراتهم ويعذبونها، لقد أشارت الكنوز المندائية اليه في متونها بهذا النص [لا تبكوا ولا تحزنوا على النفس التي رحلت من بينكم لانَّ الارواح الظلامية تستمد طاقتها من الحزن والبكاء وتسبق النفس في الطرق وتعذبها في بيت محاسبي عالم الظلام] (كنزا ربّا) لهذا السبب ينهي الدين المندائي كل مظاهر الحزن والبكاء على النفس الراحلة، لكن ليس بالامكان فحواء ذاتها بكت وحزنت عند رحيل آدم وجعلت من ايّام الحزن ايّام معظَّمات، ممّا جعل الملاك هيبل زيوا يقول [انَّ حواء أخطأت خطئاً جسيماً قد لايجعلها تصل الى بيت الكمال] (كنزا ربّا) هذا هو شأن الحزن فهولا يمنع صاحبه عن الحياة .. أما من الناحية النفسية؛ فالبكاء المخرج الأفضل لكل التوترات النفسية والانفعالات لأنه لو أخفى الإنسان هذه التغيرات النفسية والعصبية بداعي الرجولة والخوف من الضعف أمام الآخرين أو الشعور بالانهزامية. فهنا تكمن الخطورة. حيث سيعاني من العقد والمشكلات التي يزخر بها الطب النفسي ، سيؤدي ذلك لارتفاع ضغط الدم المنتشر كثيراً هذه الأيام وربما لإظهار داء السكري إذا كانت عنده ميول أو تاريخ اسري للسكري. كذلك حبس البكاء والمشاعر كثيراً ما يؤدي إلى تقرح بالمعدة وأمراض القولون العصبي ولهذا نجد أن النساء وهن أكثر قدرة على البكاء بسبب الاختلاف الفسيولوجي والهرموني عن الرجال ولأن البكاء ربما يكون مظهراً مقبولاً من السيدة كتعبير عن الرقة أو الضعف أو الشفافية لهذا نجد أنهن اقل عرضة لكثير من الأمراض التي تنجم عن كبت البكاء. لذلك علينا إلا نحرم أنفسنا رجالاً ونساءً من البكاء إن طاب لنا ترطيباً للنفس وحرصاً على الصحة، فللبكاء فوائد كثيرة على سبيل المثال قد يحمى من الإصابة بالأمراض النفسية فالشخصية التى تفرغ شحنات الانفعال أولا بأول قد لا تصاب بمرض مثل الشخصية الأخرى التى تكبت انفعالاتها ولا تعبر عنها بالبكاء، كما إننا نحن المندائيون نعلم ان الدين المندائي لايحمِّل النفس اكبر من طاقته بل يريدك ان تسعى لمسح دموع الثكالا رغم انَّك قد تشعر احياناً بعدم القدرة على المساعدة عندما احداً قريباً منك حزيناً على فقدانه عزيزاً عليه واحياناً انت تشعر بانك غير متأكِّد ماذا تقول او ماذا تعمل وبذلك تكون مشاركتك لاقيمة لها، لكن دينك يزرع بك الثقة وعزة النفس، فكلما يتطلب منك الحضور والمشاركة البسيطة بالمشاعر ولو بالقول انا آسف وتعانق ذلك الشخص او تطبطب على كتفه بخفة تشعره بالعناية والراحة النفسية، امّا اذا كان الشخص يريد التحدث اصغي له بتعاطف والاحسن من كل شيء ان تعمل بعض الاشياء لعائلة الفقيد. ربما تبدأ بدعمه اذا كان غير قادرعلى العناية بالآخرين كالمساهمة باعداد الطعام او العناية بالاطفال او المساهمة في تراتيب حمل الراحل اذا كان ذوي الفقيد راغبين بذلك، في الوقت نفسه تحرك للكلام حول الراحل بالتركيز على صفاته الجيدة وتجاربه السعيدة ولو بالمبالغة في ذلك مثل هذا الحديث قد يجلب البسمة على وجوه الثكالا وخاصة اذا كان التحدث على اشياء جيدة لم يكونوا الثكالا قد عرفوا عنها مسبقاً اذن إمتحن نفسك ايها المندائي النزيه فما زال امامك متسع من الوقت فلا تهدر فرصة عظيمة و نعمة كبيرة منحها لك الحي العظيم كي تكسب منها صدقة لنفسك وإلّا ستندم وتذرف الدموع تلوَ الدموع، فالذي يطرد النعمة من بابه، لا ينالها طالما هو حيّاً

الدخول للتعليق