سأقص عليك كيف رأيت ملاكا لاول مرة. كنت في الرابعة عشرة من عمري، وكان بيتنا من القصب، وكان امامه جدار من الطين، وكان والدي يحب ان يرى البيت نظيفا، وكان النهر يجري امام البيت، وقد نمت على ضفته الحشائش والقصب. وقد كان مكانا جميلا، لطيفا، وكان الوقت وقت عيد" دفة شيشلام ربه". وفي ذلك اليوم وفي الليلة التي تسبقه تفتح ابواب عالم النور على مصراعيها، والمسلمون يعرفون ليلة كهذه. ان هذا العيد يقع بعد نضوج التمر.
وكان من عادة والدي ان ينهض مبكرا ليصلي، وكان ذلك اليوم عيدا ويوما سعيدا، فنهضت في الفجر كوالدي، وكانت الشمس لما تشرق بعد حين خرجت، وكان والدي في النهر لم ينته من صلواته بعد. شاهدت في الساحة المنبسطة امام البيت كائنا وعصاه" مركنه" على كتفه، يصلي متجها نحو الشمال. لقد كان ابيض، براقا. اسرعت الى امي التي كانت لاتزال نائمة وايقضتها وقلت لها،" يا امي من هذا الذي يصلي امام البيت؟". ولم يكن يصلي بصوت مسموع.
قالت " لااحد لاتخف، لايوجد احد". قلت " بلى يوجد شخص يلبس "رسته بيضاء". وعدت ثانية لانظر اليه فاستدار ونظر اليّ، وظهر ان ضوءا ينبعث من وجهه، لقد كان في غاية الجمال، ثم لم ار شيئا بعد.
وحين عدت الى امي ثانية قالت لي" كان احد الناطري (1) – الروح الحارسة- لبيتنا فلا تخف".
وجاء والدي من النهر، فاخبرته بما رأيت قائلا" لقد جاء شخص الى هنا في زي درويش بملابس بيض، وذهبت لادعو امي، فلما عدت اليه ثم اختفى".
قال والدي" لماذا لم تأت اليّ؟ او فعلت ذلك لكنت قد تحدثت اليه، لقد كان ذلك حارسا، ولا داعي للخوف لانه من الصالحين". وحزن والدي وبدأ يصلي، وحين انتهى من صلاته غمره السرور وقال لي" انت تشبه اسرتنا، لانك ترى وتكشف، انك ترى الارواح، فاذا رأيت احدا منهم فادعني لاتمكن من التحدث اليه".
وبقيت كلمات والدي في ذاكرتي فاذا رأيت اي شيء اخبرته بذلك، وفي مرة اخرى، رأيت احد الجان وكانت
" قرطاسة" اخت الشيخ جودة قد عملت لي عباءة، وقد تعودت ان اعلق تلك العباءة التي كنت احبها كثيرا في غرفة جدي، في بيت الشيخ محيي، وذهبت في احد الايام لاعلقها هناك، وكانت الساعة العاشرة نهارا، كان المكان قديما وواسعا ومظلما فدخلت وذهبت لارمي عباءتي على الحبل(2) وكانت توجد منضدة عالية في مؤخرة الغرفة موضوع عليها بصل وقرع واوان من الطين، فنظرت فرأيت على المنضدة" روحا طولها حوالي القدم الواحد، وكان جنيا صغيرا قبيحا، قلت له" لقد امرني والدي ان لا اخاف ، فمن انت؟".
فهز رأسه، وكانت ابنة خالي معي في الغرفة وكان اسمها"عليوه" فصحت بها" تعالي وانظري فههنا جني". فصعدت على مقعد خشبي، وكانت هي في الطرف الاخر من الغرفة، قلت لها" اعطني عصا لاضربه ولآخذه فاريه لوالدي".
لقد كنت طفلا لا افهم. واردت ان اعامله معاملتي للحيوان. وناولتني العصا. فضربته ولكنني ام انله، فقالت
" اضربه على الرأس ودعني اراه حين تقتله" الا انه فر ونجا.
ذهبت الى والدي الذي كان مشغولا في عمله، واخبرته بما رأيت، وكيف ان الجني هرب حين اردت ان اقتله.
وبدأت اشعر بالخوف ولم اضع عباءتي في تلك الغرفة ابدا ولم ادخلها.
وكان في بيتنا شجرة آس نبتت في الساحة، وكان والدي قد غرسها، وفي احد الايام رأيت جنيا يجلس تحت شجرة الآس. فبدأت اصيح" أبي، أبي تعال، فهذا هو" فقال والدي" قل له اشم اد هيي( اسم الحياة) ولاتخف". وقالت عمتي ان الصبي خائف ان يوقع به الجني، فيجب ان اكتب له "زرسته"(3) قال والدي" نعم اكتبي له واحدة فانا لاوقت لي". وكتبوا لي زرسته، وحين وضعتها في صدري لم اعد اشعر بالخوف. فقد تخلصت من القلق واحسست بالسعادة.
ملاحظات
(1)ناطري : مفردها ناطره اي حارس او ناطور
(2)على الحبل: علاقة الملابس ولاتستعمل في بيوت القصب وترمى الملابس غير المرتداة على حبل كما وصفت هنا
(3)زرسته : درج طلسمي يحفظ في حق ويلبس. وقد قدم اليّ واحد من قبل رواي هذه القصة قائلا" انه مكتوب من قبل" رابي سام" الذي مات منذ مائة وخمسين سنة او اكثر. وكان عمره لدى وفاته قد بلغ مائة وثمانين عاما وكان على قدرة عظيمة وكانت ذاكرته نشيطة. لقد كان يحب الازهار. ويقولون انه لايزال يعمل بين الازهار حاملا سيفا ومسحاة. لقد اصبح غنيا، وكان اسمه يذكر عند الحاجة، فاذا كان هناك زائرا ثقيل مثلا، وان زيارته ستطول، فان الصابئي المزار، يهمس قائلا" رابي سام هات مسحاتك وسيفك واجعله يمضي".
وبهذا يستأن الزائر ويذهب باختياره