• Default
  • Title
  • Date
الأحد, 10 أيار 2020

كـِنزا رَبّـا - الكتاب المقدس للصابئة المندائيين

  تحســين مهدي مكلف
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )


التراث الروحي والتأريخي لطائفة الصابئة المندائيين تم تدوينه وتسجيله في عدد من المخطوطات التي نُظمت على هيئة لفائف، واللفائف عبارة عن اشرطة طويلة من ورق البردي يتراوح عرضها 15- 20 سنتمترا، اما طولها فغير محدد، تُلف هذه اللفائف بشكل اسطواني عند الحفظ ويطلق عليها تسمية دواوين (جمع ديوان). وهنالك نصوص وتعاليم دينية تم جمعها (تدوينها) في متون كتب او كراسات، بعضها على هيئة اوراق منفصلة محفوظة داخل اغلفة سميكة، الا انها جميعا باختلاف اشكالها وطرق تدوينها يُطلق عليها اليوم تسمية – كتب الأدب المندائي - اما الحبر المستخدم في تدوين النصوص فهو حبر اسود اللون يُصنّع يدويا بطريقة خاصة، وتتم عملية الكتابة بعناية فائقة من قبل رجال الدين وبحروف الأبجدية المندائية.

ان ما يميز الصابئة كشعب هو تحفظهم الشديد على نشر تعاليمهم الدينية واسرار طقوسهم وتفاصيل حياتهم الروحية، لذلك بقيت المخطوطات التي تتضمن تأريخهم وتعاليمهم وطقوسهم طي الكتمان طوال تأريخهم السابق وحتى زمن قريب، ولم يكن باستطاعة المهتمين والباحثين عربا واجانبا، الحصول على تلك المخطوطات بسهولة، وان شاءت الصدف وعثر احدهم على نسخة نادرة في احدى المكتبات او المتاحف العالمية فان قراءتها ودراستها تستلزم وجود رجل دين صابئي للمساعدة في ترجمة وتوضيح ماجاء فيها.
المخطوطات الأصلية القديمة لا يستطيع حتى الأفراد من عامة الصابئة الحصول عليها (على سبيل الدراسة او الأطلاع) اِلا عبر مصدر واحد لاغير، وهو رجال الدين انفسهم، ففي الغالب لايمتلك مثل تلك الكتب والدواوين الا رجال السلك الكهنوتي او المتدينين، وهم يحفظونها بحرص شديد لندرتها ويتحفظون عن الأعلان عنها (امتلاكهم لها) ولايتداولونها فيما بينهم ولايعيرونها لغيرهم. وهي عموما محدودة العدد جدا سواء على صعيد الطائفة او على الصعيد العالمي، وهم حريصون على الأعتناء بها وحفظها. وفي حالة أراد رجال الدين المناقشة والتباحث في نصوصها فان هذا الأمر لا يتم الا فيما بينهم او بينهم وبين المتخصصين من ابناء الطائفة، فهم يخشون فقدانها او وقوعها في ايدي الغرباء او تعرض نصوصها للتشويه. وغالبا يتم حفظها لديهم داخل كيس ابيض يسمى (كَدادة) مصنوع من قماش قطني، وتوضع في مكان طاهر وامين.

جميع كتب الصابئة المندائيين دوّنت باللغة (الأبجدية) المندائية، وهي لغتهم الخاصة التي لم يستعملها غيرهم من الأقوام قط، والتراث الروحي المدون للصابئة عديد ومتنوع، فهم يمتلكون مجموعة من الكتب الدينية والتأريخية اختص كل منها بشرح نوع من الطقوس او التعاليم اللاهوتية او الوصايا، ويتضمن بعضها تعاليما خاصة برجال الدين، او نصوصا تشتمل على صلوات وتراتيل دينية او احداث تأريخية خاصة بهذه الطائفة وأتباعها او بمسيرة ديانتهم وتطورها، كما يفرد بعض هذه الكتب فصولا كاملة لتدوين قصة نشوء العالم والخلق وشرحها بشكل مفصل، وتوضيح طبيعة الخالق مسبح اسمه.
اهم كتب الصابئة الدينية واكثرها تداولا هو كتابهم المقدس المسمى (كِنزا رَبّا).

كتاب كِنزا ربّا، هو الكتاب المقدس، وكلمة (كنزا ربا) مؤلفة من مقطعين ومعناها الكنز الكبير او العظيم، وهذا الكتاب يسمى ايضا سِدرا ربا، أو سِدرا آدم، وكلمة (سِدرا) معناها كتاب سماوي، أي الكتاب الذي انزله الله على آدم. والصابئة يعتبرونه الكتاب الرباني الأول بحسب ماجاء في الكتاب نفسه {بأسم الحي االعظيم .. الاغنى والأسمى، هذا هو السر، هو الكتاب الأول لتعاليم الحي الأزلي الذي لا بداية له}، كذلك جاء في الكتاب ذاته }هذا سر الكتاب، والتفسير الأول، والتعليم الحي الأول الذي كان منذ الأزل{ .
النسخة الأصلية من كتاب (كنزا ربا) تحتوي على 600 صفحة من القطع الكبير، وهو يتألف من 22 فصلا، يسمى كل فصل منها كتابا، والكنزا ربا هو كتاب مزدوج، اي يتكون من قسمين، احدهما يُقرأ من اليمين ويسمى الكتاب اليمين، والآخر يُقرأ من اليسار (بعد قلب الكتاب) ويسمى الكتاب اليسار.
يتألف القسم الأيسر من ثلاثة كتب، جميعها تتحدث عن الموت وصعود النفس (النفس الأنسانية وليس الروح) الى العالم الآخر، وكل كتاب من هذه الكتب يتضمن مجموعة تسابيح، فالكتاب الأول يحتوي ثلاثة تسابيح، يتحدث الأول منها عن عودة شيتل (النبي شيت) الى عالم الأنوار (الفردوس)، والتسبيح الثاني يصف عودة آدم الى عالم الأنوار ايضا، بينما يصف التسبيح الثالث حال حواء وحزنها بعد موت آدم وصعوده الى السماء. اما الكتاب الثاني فيتضمن 8 تسابيح تتحدث جميعها عن قلق آدم وتساؤلاته. في حين يتضمن الكتاب الثالث تسعة وثلاثين تسبيحا.
اما القسم الأيمن او جهة اليمين من كتاب كنزا ربا فيتألف من تسعة عشر كتابا او فصلا، ويتضمن التوحيد والوصايا والدعوة الى الزواج وموضوعات عن الخليقة وكيفية خلق ادم وهبوط المخلص وصعود يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا) الى عالم الأنوار، كذلك يتضمن تعاليما ليوحنا الذي يعتبرونه آخر انبيائهم، ومجموعة تراتيل ووصف لمصير الخطاة وعالم الظلام، كما يصف كيفية تكوين الماء الحي (يردنا) وبيان أصل النفس الأنسانية ومنشئها، إضافة الى ذكر بعض المواعظ والحكم. اما الكتاب او الفصل التاسع عشر والأخير فيتحدث عن قصة الطوفان.

وكتاب الصابئة المندائيين المقدس (كنزا ربا) مقسم الى اسفار او فصول، والأسفار مقسمة الى (بوَث) ومفردها (بوثا). تمت ترجمة هذا الكتاب الى اللغات الأجنبية ثلاث مرات، الأولى على يد الباحث السويدي (ماثيو نوربيرغ) عام 1813 وطبع في كوبنهاكن عام 1815 ، والترجمة الثانية تمت على يد الباحث السويسري (بيترمان) الذي اعاد نشره في لايبزك عام 1867 ، وفي عام 1925 ترجمه الباحث الألماني الشهير (ليدزبارسكي) الى الألمانية وهي اهم وافضل ترجمة لهذا الكتاب. ويحتفظ متحف الآثار العراقي في بغداد بنسخة قديمة كاملة من كتاب كنزا ربا مكتوبة بالحرف المندائي، وهي نسخة نادرة. تمت ترجمة كتاب كنزا ربا الى اللغة العربية وصدر عام 2000 في بغداد.

 

الدخول للتعليق