• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 08 تشرين1/أكتوير 2012 13:19

الجذور الحقيقية للديانة المندائية

في عام 1997 نشر د.خزعل الماجدي بحثه الموسوم اصول سومرية في الديانة المندائية، ومنذ ذلك الحين اخذ الكثير من المثقفين او ممن يدعون الثقافة البناء على هذه الفرضية ،كأساس لفكرة ان المندائية هي من بقايا الديانة السومرية ،من دون التدقيق في مصداقية ذلك البحث او مصادره . وكنا في تلك الفترة قد نبهنا مسؤولي الطائفة في بغداد من خطورة احتضان هكذا بحث، سيما وانه لايقيم علاقة عرقية بين السومريين والمندائيين وانما تطرق فقط الى ان المندائية ابتدأت من خلال ماتبقى من الديانة السومرية ! وقد تخلل البحث نقاط من الممكن ان تنسف الاركان الاساسية للدين المندائي ومنها التوحيد . وكان قد عزل الديانة المندائية عن ما يطلق عليه بالديانات التوحيدية، واصفا تلك الديانات( بالسماوية ) على الرغم من انه تمنطق بمسألة البحث الاركولوجي . فكيف لباحث يدعي علمانية النضرة ،واركولوجية البحث ،ان يوصف اديان بالسماوية واخرى لاسماوية!. وعلى الرغم من وصفه الديانة المندائية بأشكال العبارات التي لاتليق بالمندائية وتأريخها الموحد فقد تم تبني البحث من قبل المؤسسة المندائية آنذاك ، . وكنا قد نشرنا ردا على البحث المذكور اثبتنا من خلاله المغالطات الكثيرة التي حاول الباحث لسقها بالديانة المندائية ذلك انه اعتمد على بعض التشابهات المفترضة بين الديانتين المندائية والسومرية مفترضا ان المندائية ابتدأة من خلال ماتبقى من الديانة السومرية والتي هي اصلا ذات نضام ديني تعددي غير موحد وحاول التأكيد من دون اي سند تأريخي على ان الديانة الصابئية أخذت بمرور الزمن تحيط نفسها بما تقتبسه من الاديان الاخرى ... . كما وصور المرويات المندائية على اعتبارها مثيولوجيا مرتبكة تحاول الاختفاء وراء حوادث عرفانية ذهنية تشبه الفيض والحلول . اما الاساطير الموروثة فلم يبقي منها غير( اساطير الخليقة) فيما البقية الباقية مثلها وكأنها اساطير شعبية ... ؟ .
والآن وبعد مرور اكثر من عشر سنوات على اصدار الكراس الا اننا لانزال نسمع صدى الكراس يدوي في آذان الكثيرين عبر شبكات الانترنيت ، منهم عن حسن نية كمدافعين عن الطائفة من الزوال ونحن نثمن تعاطفهم والقسم الآخر يتاجر في التمنطق من دون اي اثبات ملموس. ولوقت ليس بالقصير نشر في جريدة العراقية في اوستراليا بحث للسيد سالم عيسى تولا يتناول نفس الموضوع وهو في حقيقته مقتبس مع بعض التعديلات من البحث الاصلي . 
ومن جديد يتحفنا خزعل الماجدي بموضوع (اساطير الخليقة المندائية) مقدما من خلال احدى المؤسسات المندائية ! وكان التأريخ يعيد نفسه! ومن اجل تنبيه اخوتنا في بلاد المهجر حول مخاطر تبني هكذا بحوث مسمومة اقدم بحثي ادناه والذي يثبت بما لايقبل الشك من ان المندائية ابتدأة بمعزل عن الديانة السومرية وان لها خصوصية في هذا الشأن.

مقدمة
هنالك مسألة خطيرة لم ينتبه لها المشغوفين بالحضارة السومرية ولم يعوا خطورتها وهي اننا كطائفة صغيرة العدد لم نحضى منذ الازل والى يومنا هذا بأي دعم مادي او سياسي وبالتالي فان وجودنا يكمن في تناسي الآخرين عن محاربتنا ،وهذه حقيقة لايمكن لاحد نكرانها، فليس من الحكمة التشبث باصول وثنية سيما وهي بعيدة كل البعد عن جوهر الديانة المندائية ولا اقول هذا اعتباطا او رغبتا في التشبث بالتوحيد والذي هو اساس الديانة المندائية ولا هو انتقاص من حضارة سومر العريقة والتي نفخر بها وانما لتبيان حقيقة الاصول المندائية . 
من الثابت ان لكل دين مجموعة من الركائز الاساسية التي تميزه عن الاديان الاخرى وهذه الركائز هي ( قصة خلق الكون ، قصة خلق الانسان ،العالم الآخر ، التشريعات القانونية الاساسية وما الى ذلك ) وبالتالي فالمقياس في تقارب اي دين مع آخر لابد وان يستند على مدى تقارب وجهات النضر في تلك الركائز . ومن خلال مراجعتي للنصوص السومرية ونصوص الديانات الابراهيمية الثلاث ( اليهودية والمسيحية والاسلامية ) وجدت انها تتطابق في كثير من الاحيان فيما بينها على العكس من المندائية والتي كما سنرى من خلال البحث من ان نشأتها قد تمت بمعزل عن الديانة السومرية ولها ما يميزها في نضرتها الى الكون ونشأته والانسان وخلقه والجنة والعالم الآخر والتشريعات القانونية ؟ وهنا اقدم مقارنة بين كل من المندائية من جهة والسومرية والديانات الابراهيمية من جهة اخرى:

قصة الخلق في الديانة المندائية
بوثة التكوين (كنزا ربا يمين ص65)
بسم الحي العظيم
حينما كانت الثمرة العظيمة بداخل الثمرة العظيمة
وحينما كان الاثير بداخل الاثير
وحينما كان مانا العظيم مكنون هناك
ومنه تكونت المانات العظيمة 
انتشر بريقها وعظم نورها وما كان قبلها في الثمرة العظيمة شيء
فانتشر نورها بلا حدود اسرع من انتشار الصوت
وجّل نورها من ان يوصف باللسان والذي كان وقت اذ في تلك الثمرة ثم تكون منها آلاف مؤلفة من الثمار بلا نهاية* وملايين الملايين من المواطن* بلا عدد
تقف هناك وتمجد مانا العظيم
المكنون في آير العظيم
وتكون الماء الجاري* العظيم الذي لاحدود له
وبقدرة الحي* العظيم انبثقت منه مياه جارية حية بلا نهاية
وبقوة الحي العظيم انبثقت منه مياه حية بلا نهاية
ومن تلك المياه الحية* كانت تلك الحيات ومن ثم تكون جميع الاثري


قصة الخلق في الديانة السومرية
1 - في البدء كانت الآلهة (نمو) ولا أحد معها, وهي مياه البحر الاولى التي انبثق عنها كل شيء.
2 - أنجبت الآلهة (نمو) ولدا وبنتا, الأول (آن) إله السماء المذكر والثانية (كي) آلهة الأرض المؤنثة, وكانا ملتصقين مع بعضهما, وغير منفصلين عن أمهما (نمو).
3 - ثم إن (آن) تزوج (كي), فأنجبا بكرهما (إنليل) إله الهواء الذي كان بينهما في مساحة ضيقة لا تسمح له بالحركة.
4 - (إنليل) الإله الشاب النشيط, لم يطق ذلك السجن, فقام بقوته الخارقة بإبعاد أبيه (آن) عن أمه (كي), رفع الأول فصار في السماء, وبسط الثاني فصارت أرضا, ومضى يرتع بينهما.
5 - ولكن إنليل كان يعيش في ظلام دامس, فأنجب (انليل) ابنه (نانا) إله القمر, ليبدد الظلام في السماء وينير الأرض.
6 - (نانا) إله القمر أنجب بعد ذلك (أوتو) إله الشمس الذي بزغ في الضياء.
7 - بعد أن ابتعدت السماء عن الأرض, وصدر ضوء القمر الخافت, وضوء الشمس الدافئ قام انليل مع بقية الآلهة بخلق مظاهر الحياة الأخرى.


ولتوضيح اوجه الاختلاف بين كل من السومرية والمندائية ساحاول تقسيم مراحل التكوين لكل منهما كما يلي:
من البوثة المندائية يتبين تسلسل الخلق، من حيث ان الكون كان متداخلا بعضه مع بعض ،ولاوجود لغير الحي العظيم والذي هو خارج نطاق الاكوان . ومن خلال أمر الحي العظيم انتشرت اشلاء الكون البدائي في لحضة واحدة ،وفي كل مكان، والذي كان عبارة عن ضوء واشعاع .ومن خلال الضوء والاشعاع تتكون آلاف مؤلفة من الثمار العظيمة (المجرات) ،مع ملايين الملايين من المواطن،( اي الكواكب ) .ثم تأتي مرحلة تكون المياه الجارية، لتنبثق منها مياه حية والتي من خلالها تكونت الحيات الاولى في الكون الاول، وهي مرحلة خلق العوالم الأولى . 
وفيما يخص كوننا الحالي، والذي نعيشه، فهو يأتي بعد مرحلة الخلق الرابعة، اي الكون الرابع بملايين الملايين من السنين ،ذلك ان الفترة الزمنية التي تفصل بين الخلق الاول والثاني، هي ستة آلاف مليون عام، ((اشتا ألفي روبان اشني)). وهكذا حتى الخلق الرابع . 
وكمقارنة مع قصة الخلق السومرية، والتي هي اساس قصة الخلق البابلية والتوراتية، وما بعدهما ، نرى مدى الاختلاف بينها وبين المندائية ،حيث الماء في السومرية كان موجودا قبل الخلق والذي نراه يأتي متأخرا من حيث التسلسل في المندائية ،فالالهة السومرية الاولى والمتربعة على المحيط المائي ( مياه البحار)، تخلق كل من السماء والارض ومن خلال اتحاد السماء بالارض يأتي الهواء، والذي يقوم بدوره بابعاد السماء عن الارض، ثم تأتي مرحلة تكون القمر(نانا) ، والذي من خلاله تتكون الشمس.
من قصة الخلق السومرية يتبين لنا ان الخلق السومري يقتصر على الارض وما حولهما، بمعنى ادق ان الارض هي مركز الكون،وهذا ما يتطابق والنضرة البابلية واليهودية وما تبعها من اديان ابراهيمية في الوقت الذي يخالف النضرة المندائية في وصفها الكون على اعتباره لامتناهي ((روبان روبان آلمي )) اي ملايين الملايين من العوالم الحية.


كما ان التشريعات والقوانين السومرية، والتي تؤكد على القصاص في العين بالعين والسن بالسن، لاترى لها اثرا في الكتب او الموروثات الاجتماعية المندائية، والقائمة على 
الوعي الجمعي ،على الرغم من وجودها راسخة في كل من الديانة البابلية واليهودية والاسلامية ؟ فقانون العين بالعين والسن بالسن ذي الاصول السومرية، تراه جليا في العهد القديم . انظر سفر اللاويين (21-17-24)
))وإذا أمات أحد إنسانا فانه يقتل, ومن أمات بهيمة يعوض عنها نفسا بنفس , وإذا أحدث إنسان بقريبه عيبا فكما فعل ذلك يفعل به كسر بكسر وعين بعين وسن بسن كما أحدث عيبا في الإنسان كذلك يحدث فيه من قتل بهيمة يعوض عنها ومن قتل إنسان يقتل . ))وهذا ما لاتجده مطلقا في اي نص او شاردة في الكتب المندائية . فالمتتبع للكتب والمرويات المندائية، يرى ان فلسفة الدين المندائي، قائمة على اساس تحريم القتال بكل انواعه، على اعتباره من اسرار عالم الظلام، حتى العقوبات، فانها لاتصل وفي اسوء الحالات الى حد القصاص بالمثل.فجوهر الفلسفة المندائية قائم على أساس التعايش السلمي المبني على المساوات في الحقوق والواجبات، وتكاد تكون المندائية الديانة الوحيدة من بين الديانات القديمة التي تحرم تحريما تاما تصنيف المجتمع الى طبقات ((سيد وعبد) ،وهذا ما يؤكد عنصرين الاول تنافرها مع السومرية والثاني تأصل جذورها المشاعية . ومما يؤكد الجذور المشاعية للديانة المندائية هو آثارها المغروسة في طريقة اعداد الطقوس الدينية واللوفاني، ولا يفوتنا ان نذكر ان الزي الديني الاجتماعي (في نفس الوقت ) هو هو لكل فرد لافرق بين شخص وآخر رجلا كان ام امرأة ترميذا كان ام كنزبرا (عدى فوطة الرأس للمرأة) كما وتؤكد النصوص الدينية على تحريم الاكتناز . اضف الى ذلك ان صناعة الأدوات الطقسية تذكرنا بالعصور البدئية الاولى حيث الطريانة و الكنكانة واللتان تصنعان من الطين فان صناعتهما تعود الى ما قبل الفخار وقد استمرت الى وقتنا هذا لتكون شفرة الماضي البعيد .اضف الى ذلك فان مراسيم الدفن لدى المندائيين تختلف جذريا عما هو لدى السومريين فاستخدام كل من القصب والبردي كوعاء لجسد المتوفي وطريقة صنع الحبال من سعف النخيل وهي طريقة موغلة في البدئية يؤكد على ان هذا الطقس والخاص بالمندائيين ضارب في القدم . كما وتخبرنا كل من الكتب والمرويات المندائية، الى ان المندائيين القدماء، اولائك الناصورائيين الأوائل لم يدونوا الكتب الدينية. ذلك انهم يحفضونها حفظا وقد شاعت ثقافة الحفظ هذه للآلاف السنين قبل السومريين، ولم تدون الا بعد انتشار الديانات الاخرى انذاك، واظطهادها للمندائية، مما اضطر المندائيين القدماء الى اختراع ابجدية خاصة بهم ليدونوا ما هو مهم في مخطوطات من الرصاص . وما يؤكد كلامي هذا ان الكثير من الطقوس المندائية وتفسيراتها بقيت متداولة بالتوارث دون ان تدون ذلك ان آثار ثقافة الحفض لم تنتهي بمجرد ان تم التدوين، بل استمرت ولوا بوطأ اخف، وكنتيجة للاضطهاد التي عانت منه المندائية، وفقدانها للمناخ العلمي الذي امتازت به في العصور المنصرمة، فقد ضاع ومع الاسف الكثير من تفاسير الطقوس والاعياد .
لم تستسلم ثقافة المشاع مع بروزثقافة العبودية في سومر بسهولة، ذلك ان الموروث المندائي يخبرنا عن تجارب عدة في هذا المجال ،ولكنها كانت تستمر لفترات قصيرة نسبيا حتى يدب فيها الضعف وتنتهي لتبتدء عند مجاميع اخرى، وفي اماكن اخرى، ويمكن القول ان آخر نموذج مشاعي منظم هو ما يطلق عليه بجماعة الاسينيين في فلسطين، تك الجماعة المندائية التي خرج منها ابونا يحيى (م. أ).

الاسراء والمعراج
ان قصة الاسراء والمعراج (لأدابا) الذي يعده بعض الآثاريين على انه آدم الاول لاتتفق وقصة خلق آدم في المندائية.بمعنى ان لاوجود لما يسمى بالاسراء أو الاعراج في قصة خلق آدم .اضف الى ذلك ان طقس تقديم القرابين الى الآلهه في الديانة السومرية ، تراه موجودا لدى أغلب الديانات التي أتت بعد السومريين، وخصوصا في الديانة اليهودية، والذي يطلق عليه بالهولوكست أي (حرق القربان بالكامل) ، والذي يعتبر من أكثر الطقوس قداستا .ومع ذلك فانك لاتجد لمثل هذا الطقس أي وجود في الكتب المندائية . وكنت قد اشرت في ردي السابق الى هذه المسألة واعيد هنا الى ان طقس اللوفاني يقصد منه استفادة المتوفين من طعام يقدم باسمائهم الى المحتاجين وليس لتبرأة ذنب مقترف .فليس في المندائية شيء اسمه تبرءة من ذنب وانما طلب غفران .
وعن مقارنة كل من النصوص السومرية ونصوص ما يطلق عليه بالديانات التوحيدية الثلاث، نرى مدى التشابه، في نضرة كل منهما الى قصة خلق حواء من ضلعة آدم ، في الوقت الذي نرى فيه انفراد المندائية بنظرة خاصة، تختلف اختلافا جوهريا عن قصة الخلق السومرية ، ففي سفر التكوين 352
((فأوقع الربُّ الإله سباتاً على آدم فنام فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما وبنى الرب الإله الضلع التى أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم فقال آدم هذه الآن عظمة من عظامى ولحم من لحمى هذه امرأة لأنها من امرءٍ أخذت )) وتؤكد قصة الخلق السومرية على ان الانثى خلقت من ضلع الذكر اثناء مرضه نتيجة لعنة اصابته ،كونه اكل من الشجرة المحرمة في دلمون . وتعتبر دلمون جنة السومريين والتي تقع في منطقة البحرين الحالية . كما ان قصيدة دلمون السومرية تحاكي جنة عدن التوراتية كونهما تقعان داخل نطاق الارض.

الجنة السومرية : " أرض دلمون مكان طاهر , أرض دلمون مكان نظيف , لا تنعق فيها الغربان , حيث الأسد لا يفترس أحدا , حيث لا يشتكي الرجل من الشيخوخة ولا تشتكي المرأة من العجز , انها ارض الخالدين حيث يعيش الأله انكي " 
التوراة : " وأخذ الرب الأله أدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها , وأوصى الرب الأله أدم قائلا : من شجر الجنة تأكل أكلا وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها " - سفر التكوين الأصحاح الخامس" .فيما تؤكد النصوص المندائية على ان حواء خلقت من طين كما خلق آدم من طين ولا وجود لسيدة الضلع أو قصة طرد ادم من الجنة في الادب المندائي على الاطلاق . اضف الى ذلك، عدم تشابه كل من مفهوم الجنة لدى السومريين ومن تبعهم من الاديان الاخرى، مع مفهوم الجنة لدى المندائيين، من حيث ان العالم المثالي المندائي ،يقع خارج نطاق العالم الارضي وما يحيطه .اضف الى ذلك عدم وجود اي ذكر لحيوانات ارضية هناك، على العكس من دلمون، ثم النضرة المزدرية للارض على اعتبارها خلق مادي متدني.
وهنالك اختلافات اخرى لاتقل اهمية عما تناولناه منها:
يعتبر اللون الازرق رمزا لعالم الضلام في المندائية، فيما تعتبره الديانة السومرية لونا مقدسا كما وتعتبر الارض مركز الكون في كل من الديانة السومرية والديانات الابراهيمية ، بينما في المندائية فان الارض هي خلق متأخر، أتى بعد مرحلة الخلق الرابعة ،اي بعد ملايين ملايين السنين من الخلق الاول . ( تؤكد المندائية على ان الخلق لايقتصر على الارض، بل ان الكون مليء بملايين الملايين من الكواكب الحية ) .
اضف الى ذلك ان الديانة السومرية تقدس كل من الكواكب والشمس ، فيما ترى الديانة المندائية في الكواكب والشمس والنجوم مخلوقات مادية زائلة وان تقديسها يأتي بالضرر .
وفي الوقت الذي تحرم فيه الديانة المندائية تحريما تاما بناء الهياكل والاصنام والمراقد بأي شكل من الاشكال، نرى ان بناء الهياكل وتمائيل الآله من مسلمات الديانة السومرية . فيما حافضت الديانات الابراهيمية على بناء الهياكل والمراقد.
اضف الى ذلك ان طقس الجنس المقدس تراه شائعا لدى السومريين والذي يتجلى في عيد رأس السنة السومرية (عيد الزكمك الاول)، والذي يتم فيه زواج ممثلة الآلهة نانا (الكاهنة العليا) وممثل الاله دموزي ( الملك) وهو عيد قاصف تسفح فيه الخمور ، فيما تشدد الديانة المندائية على نبذ الشهوات، على اعتبارها من الشرور، وتؤكد على كبح الشهوات وخصوصا الجنسية منها ، والاكثر من ذلك ،فانها توصي المتزوجين على ان لايحولوا الارتباط الروحي الى وسيلة غايتها اللذة الجنسية، بل التركيز على الغاية الاساسية وهي الانجاب.ونورد مثال من دراشا اد يهيى ( كتاب تعاليم يحيى) كيف ان النبي يهيى "م أ"يتردد من الزواج مخافة ان يأخذه من صلواته.... ((يايحيى انك كالجبل الذي سعفته النار ولم يعد يعطي عنبا في هذا العالم، انك كجدول جف ولم تعد تنبت على ضفتيه الاشجار . اصبحت بيتا بلا قيمة ...من سيخلف اسمك، ومن سيزودك بالمؤونة، ....وعندما سمع النبي يحيى"م أ" الصوت تجمعت دمعتا في عينه وقال : سيكون من السار ان اقترن بزوجة، وسيسعدني ان اخلف اطفالا ، ولكن لوا اني اقترنت بزوجة ثم جاء النوم، والرغبة فيها تملكتني ونسيت ذكر الرب ....؟. ما ان قال يحيى ذلك، حتى جائته رسالة من اباثر، تقول: يايحيى "م أ" تزوج وكون عائلة ،وانضر ان لاتسمح لهذا العالم أن يصل الى نهايته ....))ثم توصيه الرسالة، بكيفية التوفيق بين واجباته اتجاة زوجته وعبادة ربه.وهذه الرسالة ذات المغزى المجازي، تعطينا صورة عن مدى تباعد الخطوط بين السومرية والمندائية، والتي تؤكد تشريعاتها على ان كل ما يبعد عن ذكر الرب فهو باطل (( كل سهوة بيشي باطل )فيما نرى في طقوس الجنس المقدس لدى السومريين كيف تغني انانا للاله.....
(( أي حبيبي وأخي دموزي، لقد غسلت لك بالماء والصابون، وارتديت لك ثوب الملوكية ، ملوكية السماء ، وكحلت عيني وارخيت شعري على كتفي وزينت شفتي ولبست لك اساور الفضة وقلائد الخرز وسيحضر الناس فراشي ويكسونه بورد لونه مثل حجر الدورو وسأخذ حبيبي الى هناك حيث يضع يده بيدي وقلبه جنب قلبي . ايها العريس العزيز على قلبي ما الذ وصالك ، حلو كالشهد أيها الاسد العزيز على قلبي ليتك اخذتني الى غرفة النوم ....لقد اسرتني وها انا اقف مرتعشة امامك ....!ّ ويذّكرنا طقس الزواج المقدس هذا بسفر نشيد الاناشيد عند اليهود.
ثمة سؤال منطقي يطرح نفسه:
اذا كانت المندائية قد ابتدأت من خلال ماتبقى من الديانة السومرية كما يرى البعض ، فما الذي يدعوها الى التنازل عن قصة خلق الكون، وقصة خلق حواء من ضلعة ادم، والتشريعات القانونية، والعالم الآخر؟؟ في الوقت الذي نرى فيه، ان هذه الافكار كانت مقبولة ومستساغة من قبل الاقوام الاخرى، كالبابلية ...واليهودية ....والمسيحية ....ومن بعدها الاسلامية ؟ مادامت قد حولت الآلهة الى ملائكة ؟ وبالتالي هل من حاجة منطقية تحتم التخلي عن كل تلك الافكار الدينية !
مما لاشك فيه ان المجتمع السومري كأحد المجتمعات العراقية القديمة، اول من كتب الحضارة البشرية، لتكون البداية الحقيقية للتأريخ، ومع ذلك، فهذا لايعني ابدا بانهم هم اول من ابتدا الحضارة ،فليس من المنطق ،ولا من المعقول ،ان تبتدء الحضارة هكذا وبلمح البصر ،لينتقل الانسان من حياة الغاب الى المدينة. فحضارة الحفض ذات المجتمعات الصغيرة (اللاكتابية) قد سبقت السومرية بآلاف السنين ،وما السومرية الا انقلاب فكري على المشاعية، والتي كانت ركيزة الحضارات العراقية القديمة، لتبتدء بعدها مرحلة العبودية والصراع الطبقي .ان تأصل فكر المشاع في التشريعات المندائية من جهة ، والاختلاف الجوهري في النضرة الى نشوء الكون، وخلق الانسان الاول بينها وبين السومرية، وما تبعها من اديان( ابراهيمية )، تؤكد وبما لايقبل الشك ،على أن الدين المندائي كدين عراقي، موغل في القدم، له خصوصيته في هذا الشأن، وانه ابتدأ بمعزل عن الديانة السومرية. بل استطيع أن أذهب الى أبعد من ذلك في القول ان ضعف الديانة المندائية، ابتدأ مع بروز حضارة العبودية في سومر .

الهوامش
* (الطريانة والكنكانة) ادوات تدخل في الطقوس المندائية مصنوعة من الطين تفخر بدائيا من خلال تعريضها لاشعة الشمس.
* الثمار ويراد بها المواقع الجبارة في الكون كالمجرات والنجوم. 
*المواطن ويراد بها المساكن العظيمة اي الكواكب الكونية.

المصادر:
* ترسر الف شيالة( ألف واثنا عشر سؤال)
*درشا اد يهيا ( تعاليم النبي يحيى م.أ) 
*النشوء والخلق د.صبيح مدلول
*طقوس الجنس المقدس عند السومريين ، صموئيل كريمر، ترجمة نهاد خياطة مطبعة علاء الدين دمشق 1993 الطبعة الثانية.
*الواح سومر :صموئيل كريمر_ترجمة طه باقر 
عشتار ومأسات تموز :د.فاضل عبد الواحد على
* سومر اسطورة وملحمة :_د.فاضل عبد الواحد علي 
*العهد القديم
*سفر اللاويين
*سفر التكوين

نشرت في تاريخ
الصفحة 3 من 3