• Default
  • Title
  • Date
الأربعاء, 03 نيسان/أبريل 2013 15:04

انواع السلام او التحية عند المندائيين

الشعوبُ في سابق الزمان ووفقاً للتاريخ سواء كان المكتوب منه او المنقول شفاهاً كانت لها عاداتٌ وتقاليد فيما يخص السلام والتحية فنرى ان عادة السلام انما هي ليست كلامٌ فقط وانما يرافقها حركةٌ تجسد ذلك السلام او التحية ففي الصين والبلدان التي تحيط بها على سبيل المثال يَطْبقون اليدين ويطأطئون الرأس وذلك تأثرا بحمة كومفوشيوس الفليسوف والحكيم الصيني المشهورالذي يقول ان انحناء الرأس وطبق اليدين انما هو تواضع واحترام وهو يدل على السلام والتسامح والمحبة ويقول ان الانسان المقابل ان احس ان قبالته شخصٌ بهذه المواصفاة من خلال الحركة مع السلام انما سينبذ كل انواع التغطرس والتعالي وسيجبر على ان يكون مثل الاخرين وترى ان جميع المستويات في هذه البلدان تؤدي ذلك السلام. وهناك شعوبٌ اخرى يتماسك افرادها بالايدي ويُقبلوا بعضهم الاخر وبطرقٍ مختلفة فتارة من الانف او بتقبيل الخدين او الجبين وهي لاتختلف ابداً في الجوهر والذي اساسه التسامح والمحبة واعلاء الاخر وهناك حركاتٍ وانواعٌ غريبة للتحية والسلام لدى شعوبٍ اخرى لامجال لذكرها .

والمندائيون هم شعبٌ ايظاً ولاغبار على ذلك بالرغم من قلتهم لكونهم يمتازون بلغةٍ وارضٍ وعاداتٍ وتقاليد ومن هذه العادات والتقاليد التحية والسلام ،ولو نلقي نظرةً على نصوصنا الدينية نرى ان هيي ربي قد اوصى البشر عموما بأن يكونوا متاسمحين مُحبين لبعضهم وان ينبذوا الحقد والفرقة والشقاق ((ولاو بلهود زَهبا وكسبا نِشماثا تيفرقون هينِلا بكُشطا وهيمنوثا وميمرا دَخيا اد فُما ،نِشماثا تيفرقون من هشوخا لنهورا ومن اطيي لشرارا ومن سيطي وامرِيدوثا لبوثا وتُشبِهثا ومن كفروثا لواث امهَيمَنوثا)) وليس بالذهبِ والفضةِ تُنقذ الأنفُس انما بالحقِ والايمانِ والكلمةِ الطاهرة (التي تخرج من) الفم او(وكلمة الفم الطاهرة)،الآنفُس ستنقذ من الظلام الى النور ومن الرذيلة الى الفضيلة ومن السطوة والتمرد الى البوث والتسابيح(التواضع والتسامح) ومن الكفر الى الأيمان.

ومن هنا جاءت الكلمة الطيبة التي بها يُسعد الانسان ويحس بالثقة والامان فعندما نرى انسانٌ نعرفه فأننا نتوجه نحوه ونلقي عليه التحية او السلام ولكننا ان القينا التحية ولانسمع ردا او اجابة ترانا ننزعج ويصيبنا الاحباط .

وعندما نذهب ابعد من ذلك وخاصة في المجتمعات الواعية نرى ان التحية تاتي من اشخاصٍ لانعرفهم فهي اذن علامة او رمزٌ للارتياح والمودة والالفة.

السلام او التحية في المندائية هو مرتبطٌ بمعنيين مهمين هما الصحة والسلام ، فنرى ان اسوثا والتي تعني السلامة او الصحة وهي من جذر اسا تأتي في اغلب الاحيان مع كلمةٍ اخرى هي زَكوثا اي التزكية او الرفعة وهو ما تحدثا عنه لانه بدون الصحة او العافية اوالسمو لايستطيع الأنسان ان يواصل حياته بحيوية وان يكون قويما.

اما التحية الاخرى فهي شلاما وتعني السلام اي ضد الحرب وهي مفردة مهمة لأمن الانسان واستمراره حياً متواصلا مع الاخرين ،وهنا نرى ان مفردة شلاما هي نفسُها كلمة سلام العربية والفرق هو ان السين قد قلبت الى شين ففي السابق كانت الشين هي السائدة مثل شامش الشمس او شليمون اي سليمان او اشم اي اسم الخ..

في العربية الجذروالتصريف واحد هو سَلم يسلم سالم ومن هنا فأن الانسان ممكن ان يسلم من المرض او من القتل في الحروب فكلاهما مُميت ،فالسلامة او السلام هو واحد في النهاية.

لقد اخترت هذين المثلين بالرغم من ان المندائية غنيةٌ بكلمات السلام والتحية مثل طابا اي الطيبة او شفير اي السعادة الخ..

واليكم السلام والتحية مفصلةً

 

اسوثا نهويلخون السلامة او الصحة او السلام لكم او عليكم وهي بصيغة الجمع للمذكر

اسوثا نهويلخين السلامةُ لَكُنَ وهي بصيغة الجمع للمؤنث

اسوثا نهويلخ السلام عليك او لك وهي صيغة المفرد المذكر

اسوثا نهويلِخ السلام عليكِ او لكِ وهي صيغة المفرد المؤنث وهي بكسر اللام

 

وكذلك شلاما فينطبق عليها ما ذكر من ضمائر اعلاه

وهناك التحية وهي مقسمةٌ على اوقات اليوم وهي

بَين طاب ايلاويخون او ايلاوخون اي طاب مسائكم وهي صيغة جمع المذكر

بَين طاب ايلاويخين او ايلاوخين اي طاب مسائكنَ وهي صيغة جمع المؤنث

بين طاب ايلاوخ او الخ اي طاب مَسائُك وهي صيغة المذكر المفرد

بين طاب ايلاوِخ او الِخ اي طاب مسائكِ وهي صيغة المؤنث المفرد وهي بكسر الواو

 

اصباح طاب ايلاويخون اي طاب صباحكم واليغ اعلاه تنطبق على هذا النوع من التحية

 

طاب يومخ اي طاب يومكَ

طاب يومخون اي طاب يومكم

طاب يومخين اي طاب يومكنَ

طاب يومِخ اي طاب يومكِ وهي صيغو المؤنث المفرد وهي بكسر الميم

 

وهنا اكتفي بهذا القدر من انواع التحية او السلام والذي دائما يقترن بحركات مثل رفع اليد او المصافحة والتي هي جزء من طقوسنا لان في المصافحة اتحاد ومصالحة ووفاق متمنياً ان يكون الوئام والتكاتف والسعادة هي اسلوب حياتنا امين.

ورد في كتاب الكنزا ربا (الكتاب المقدس للمندائين) انهم غرس التوحيد الاول‘ لكون الصحف الاولى انزلت لادم. ففي ف

(صفحه 18 اليمين) نص واضح بهذا الشأن :لاتسجدوا للشيطان ولا تعبدواالاصنام والاوثان......الخ‘كما ان هناك عدة نصوص في كتبهم تشير الى ذلك سنذكر البعض منها لاحقا.

ففي كتاب ادراشة اد يهيا وصايا الملاك لادم: لاتلهث وراء المظاهر الخدادعه‘ لاتقرب الخمر‘ ليكن ربك حاضر في ذهنك....الخ. ولكون كتبهم هي صحف سادة البشر الاولين‘كادم وشيت وادريس ونوح (أنظر ادريس قبل نوح)‘ يرفعهم الى مصاف بدايات الاديان والشرائع الموحده في التاريخ‘ والكثير من الديانات نحلت من منحلهم (الدكتور رشيد خيون _المندائين في الفقه والتاريخ الاسلاميين)‘ فعلى ادم نزلت احدى وعشرين صفحه‘ وعلى شيت 29 صفحه‘ منها تهليل وتسبيح‘ وعلى اخنوخ او دناخوتالذي عرج الى السماء (وقصة عروجه وارده في نصوص الكنزه)‘ صحف كان يحتفظ بها في غرفه مغلقه‘ و8 كتب اخرى نزلت له‘ كما ان المندائين يعتبرون احد كتبهم نزل الى يهيا يهانا‘ وقصة عروجه لعالم الانوار والحديث الذي دار بينه وبين الملاك الاول مندادهيي في الكتاب السادس - النسيج الثالث من كتاب الكنزه ربه.

كما ان اعتقادهم بالخالق يشبه الى حد كبير الفئات الغنوصيه ( المعرفين )‘ فهم يدركونه عن طريق الفيض الالهي ‘ ومن مظاهر الخلق‘ وهم لايعبرون عنه الا بصيغة الجمع ويقولون عنه (اله اد من نافشي افرش ) اي انبعثه من ذاته.

فالمحقق من امرهم انهم يرجعون الى اصل قديم‘ لان استقلالهم باللغه الدينيه والكتابه الابجديه لم ينشأ في عصر حديث. كما يعتبرون السجود للنار امر محرم ( نوره واسفادي مبطل باطلي )‘ اي السجود للنار باطل مبطل‘

ولا يعرف دين من الاديان تخلو العقيده المندائيه من مشابه له في احد الشعائر. ولا يفرض عليهم الصيام بمعناه المعروف‘ وهم ينزهون الاله غاية التنزيه‘ ويعتقدون مقر الملائكه ( ملكي ) في الكواكب لذلك هم يعظمون الملائكه لا الكواكب‘ ليس لهم هياكل واصنام‘ في عقيدتهم مخلوق متوسط بين الروحانيه والماديه يهدي الى الحق‘ والروحانيات مخلوقه من كلام الرب‘ وان كلام الرب لايصل الناس الا بواسطة مخلوق بين النور والتراب ( العقاد)

وقد اكد الرصافي ما ذهب اليه العقاد بقوله :

لا اعتقد بصلاحية انسان لحمل رساله سماويه من غير المندائين‘ لان ذلك من اختصاص الملائكه والكائنات النورانيه‘ يقول: لا ريب ان الاله اعظم واجل من ان يعمد الى انسان فيرسله الى الناس ليخبرهم عنه بما يريد‘ هذا لايليق بذاته الفعاله المطلقه‘ ولا بوجوده الكلي السرمدي ( الشاعر معروف الرصافي -كتاب الشخصيه المحمديه).

وعنهم قال ابو الفتح عبد الكريم الشهرستاني : ان مدار مذهبهم على التعصب للروحانيات يؤكد ميلهم الى الرسل من الكائنات النورانيه‘ اي توعلهم في الروحانيه مثل الملاكيت ( مندادهيي وهيبل زيوا )‘ فالبشر بسبب خطاياهم لايصلحون للوساطه بين السماء والارض‘ وقال في عقيدة المندائينفي الوصول لمعرفة الخالق : ان للعالم صانعا فاطرا حكيما مقدسا عن سمات الحدثان‘ الواجب علينا معرفة العجز في الوصول لجلاله‘ وانما نتقرب اليه بالمتوسطات المقربين اليه‘ وهم الروحانين المطهرون المقدسون جوهرا وفعلا وحاله.

وقال فيهم البريوني :ان المندائين يوحدون الاله وينزهونه من القبائح ويصفونه بالسلب منزه من الصفات‘ لا بالايجاب كقولهم لا يحد لايرى لايظلم لايجور...الخ‘ ويسمونه بالاسماء الحسنىمجازا‘ وينسبون التدبيرللفلك واجرامه‘ ويقولون بحياتها ونطقها وسمعها‘ ويعظمون الانوار لانها فيض من النور الازلي وهو الحي القدير .

اما الشهرستاني في الملل والنحل في مستهل الجزء الثاني :ان اهل الاهوار والنحل من الصابئه والفلاسفه واراء العرب في الجاهليه واراء الهند وهؤلاء يقابلون ارباب الديانات تقابل التضاد‘ واعتمادهم الفطر السليم‘ والعقل الكامل ‘ والذهن الصافي‘ وبهذا لم يضع فاصل بين الدين والفلسفه وحسب‘ بل اشار بموضوعيه الى اعتماد الفلسفه على الفطر السليم‘ والعقل الكامل والذهن الصافي.

وفي تقسيم له سماه التقسيم الظابط : بين الناس من لا يقول بالمحسوس والمعقول وهم السفسطائيه‘ومنهم من يقول بالمحسوس فقط وهم الطبيعيه‘ ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول ولا يقول بحدود واحكام وهم الدهريه‘ ومنهم من يقول المحسوس والمعقول والاحكام والحدود ولا يقول بالشريعه وهم الصابئه ‘ومنهم من يقول بهذا كله وهم المجوس واليهود والنصارى .

وذكر ابن النديم عنهم :كان لهم كتاب يشمل على مقالات في التوحيد‘ وهم ينسبون هذا الكتاب الى هرمس احد انبياءهم‘ وقد وصف ابن النديم هذا الكتاب في غاية الاتقان في التوحيد‘ لا يجد الفيلسوف اذا اتعب نفسه مندوحه عن مقالاته والقول بها .

هذه بعض اللمحات لمؤرخين معروفين عن شهاداتهم في التوحيد واتجريد والتنزيه المندائي‘ كما نوعد القارئ بانه سيتم عرض الكثير من وجهات النظر في هذا المجال .

لكن قبل ذلك علينا ولو بشكل بسيط ومختصر ان نبحر مع العمق التاريخي للمندائيه محولين وبشواهد تاريخيه من كونها الديانه الاقدم .

الأربعاء, 03 نيسان/أبريل 2013 18:36

قوالب العامية العراقية-2

من المعروف أن اللهجة العامية العراقية ذات قوالب خاصة تختلف اٍختلافاً شاسعاً عن أمها الفصحى حتى ليخيل للمرء أحياناً أنها لغة مختلفة أو أنها طريقة تعبير غير عربية اٍنما تستخدم الحروف العربية ويضيف اٍختلاطها بلغات وادي الرافدين السومرية والأكدية وبناتها السريانية والمندائية اٍضافة للتركية والفارسية طعماً ونكهة خاصة تتميز بها وتجعلها مستقلة اٍستقلالاً واضحاً عن الفصحى ويجري باستمرار وبمرور السنين والحقب اٍستحداث تعابير جديدة وكأن التعبير الذي أستخدم في العشرينات من هذا القرن أصبح قديماً فينبذه المتحدثون ويستخرجون لهم بدلاً عنه تعابير حديثة تليق بأهل هذا الزمان وقد تشيع كلمات وتعابير جديدة تغدو على كل لسان نتيجة لحدث معين أو لاٍرتباطها بذهن الناس بقضية شديدة الأهمية وكلما كانت هناك عودة الى الموضوع تأتي الكلمة أو الجملة أو المثل تلخيصاً للقضية موضوع البحث .

 

يخلط العراقيون بشكل ممتع الأمثال بالشعر بالأدب الشعبي بالكلمات الأجنبية أو أجزاءها وكثيراً ما يخترعون كلمات وتعابير جديدة عن طريق الدمج والتأليف والتحريف والالصاق المدهشين وكل ما يمكن تخيله من أجل التعبير المباشر القصير الحاسم الذي يؤدي الغرض بدون زيادة أو نقصان.

 

اٍن أغلب هذه التعابير ليست جملاً كاملة وبعضها كلمة واحدة وهي عادة تتصف بالآتي

 

· أغلب العراقيين يستعملون نفس التعبير عند حصول الحالة التي تستوجب ما يقال ولا يبدلون أبداً هذا التعبير الذي يجمعون عليه

 

فالخارج من الحمام يقال له نعيماً

 

والساقط فجاة يقال له أسم الله

 

والمكان البعيد النائي يقال له تلفات الدنية

 

والمستفسر عن الأحوال يقول شكوماكو

 

والقادم عند الجلوس يقال له الله بالخير

 

واللابس الجديد يقال له :ملبوس العافية فيجيب :بالعرضة

 

· تكتسب هذه التعابير خصوصية عراقية لاٍرتباطها الوثيق بطريقة التفكير والتعبير المرتبط به وهي تركيبات معقدة على غير العراقيين حتى لو فهموا جميع كلمات التعبير فمثلاً حين نقول (مفتّح باللبن) يمكن للعربي بسهولة أن يفهم كلتا الكلمتين لكنه لا يستطيع أن يفهم الربط بينهما ومثل ذلك القول(القاضي راضي) أو (وردة وبيتهم بالمشتل) ومن الواضح أن البعد الثالث لهذه القوالب يستعصي على غير العراقيين وربما كان هذا مقصوداً أو جاء كنتيجة طبيعية للخصوصية العراقية في الحديث

 

· الكلمة الواحدة تكون مكثّفة ومباشرة الدلالة فللاٍجابة على كلمة (اٍشلونك أو اِشلون فلان أو أن تصف شخصاً ما ) يمكن أن تسمع

 

- مدوهس

 

- مريّش

 

- مِدّوهن

 

- مرعبل

 

- مشنتر

 

- مخربط

 

- مطكطك

 

- مصحصح

 

- مستورة

 

- ماشية

 

- چربزة

 

- نص ونص

 

- دارجة

 

- مليوصة

 

- قنقينة

 

- سوطري

 

- سربلي

 

- بربوگ

 

• قوالب العامية العراقية تنحو منحى الحدة في التعبير خصوصاً تعابير الذم والقدح واٍظهار المعايب وتتفنن في الأوصاف والنعوت القبيحة واٍليكم جملة منها

 

- قلاقيلة واگعة

 

- يطبّة مرض

 

- ألعب بيه طوبة

 

- شد عليه قايش

 

- سوّاه سينما

 

- شوّفة اٍنجوم الظهر

 

- شريف روما

 

- يشلع الگلب

 

- يطلّع الروح

 

- ينرادله گلب ما مدشّن

 

- حطّه عالشحن

 

- أدب سز

 

- اٍسقاقي

 

- بطران

 

- حاروگة

 

- حنقبازي

 

- حُولي

 

- خرنگعي

 

- دچة دبنگ دماغ سز

 

- زعطوط

 

- زقچ

 

- شقندحي

 

- شلاتي

 

- طرطور

 

- مگدي

 

- سكوتي

 

- عفطي

 

- لوتي

 

- لوگي

 

- قرقوز

 

- كلاوچي

 

- مخرگن

 

- شايل خشمه

 

- زنانة

 

- شايف روحه فد شوفة

 

- ماعنده صاحب صديق

 

- لازمها من ذيلها

 

- مشخنب

 

- ماينطلع بيه

 

- بايع ومخلّص

 

- يدوّر طلايب

 

• أما قوالب المديح والتحبب فهي كثيرة أيضاً ومتعددة

 

- حباب

 

- اٍبن أوادم

 

- أرباب

 

- شايف وعايف

 

- اٍيده فوگ الايدين

 

- رزن

 

- فلتة زمانه

 

- اٍبن حمولة

 

- خندان

 

- بت بيت

 

- رفعة راس

 

- عالي جناب

 

- صرّاف أوادم

 

- خوش ولد

 

• قوالب العامية العراقية فيما يخص النداء وجواب النداء فيها الكثير من العذوبة

 

والخصوصية فنقول

 

- عيني

 

- أغاتي

 

- تاج راسي

 

- حبيبي

 

- عيوني

 

- يا بنية

 

• قوالب العامية العراقية ترتبط بحوادث وقصص وهي تشكل جزءً مهماً من التراث

 

الشعبي العراقي وتستلهم منه الكثير وهي الوسيلة الأساسية للتواصل والتفاهم بين العامة

 

ولا يخلو الحديث أي حديث بين العراقيين عن مثل هذه القوالب الجاهزة التي تدل

 

وتعبر وتلخص الوضع بما قل ودل لذا يشيع اٍستعمالها شيوعاً منقطع النظير وهذه في

 

الحقيقة هي وظيفة اللغة الأساسية

 

- شغلة عوجة

 

- ضوجة خلگ

 

- طراطيش حچي

 

- تسوه وتستاهل

 

- ضاگت بعيونه الدنية

 

- ما صايرة ولا دايرة

 

- ماكو هيچي حچي

 

- شغلة مجعمرة

 

- ينرادالهه شغل وعمل

 

- خانة الشواذي

 

- ماكل تبن

 

- دربونة ماتطلع

 

- لاگفه طين

 

- سوالف عتيگة

 

- الشغلة بالتساهيل

 

- شغلة ماينلبس عليها عگال

 

- من هالجيب لهالجيب

 

- الحديدة حامية

 

- شغلة بيها اٍنْ

 

- لو ألعب لو أخرّب الملعب

 

- العافية عدكم

 

- خوش تنكة

 

- مثل سوگ الصفافير

 

- شغلة مرندجة

 

- گمرة وربيع

 

- اٍطيني عرض اٍچتافك

 

- مطلّگ الدنية

 

- بطرگ المُلُك

 

- ماكو منّة

 

- محلولة

 

- فچ بالسمة و فچ بالگاع

 

- ماتنحچي حچايته

 

- سلگها للشغلة

 

- مال هالوكت

 

- گاعد وزن

 

- مايشوف دربة

 

- ظلمة ودليلها الله

 

- من أهل الله

 

- شغلة بايگه هوا

 

- غِباريّة

 

- ينرادله گلب ما مدشّن

 

- لحم عله بارية

 

- ينرادألها بخت

 

- عاريّة

 

- خابرني أرتاحلك

 

- سولفها للدبّة

 

- زقنبوت

 

- طرگاعة

 

- لحمته باردة

 

- يلگفها وهيه طايرة

 

- عشنه وشفنه

 

- مرگتنه على زياگنه

 

- الله لا يحيّر عبدة

 

- عفترة

 

- ملحوگة

 

- المايلوح العنب

 

- تك وتك

 

- النار جوّه ياخيار

 

- ماألي بيها خبزة

 

- سوّا الهور مرگه والزور خواشيگ

 

- مثل خلالات العبد

 

هذا غيض من فيض من قوالب الكلام بالعاميّة العراقية وخصوصاً لهجة جنوب ووسط العراق وأنا متأكد أن هناك العشرات وربما المئات مما لم ألم به وأتمنى جمعه كاملاً و تبويبه مع معانيه وأكون سعيداً لو أضاف له القراء ما يجود به خزينهم من المفردات الشائعة الاستعمال ولنا عودة الى الموضوع.

وجدت من ولعي بتحليل و مقارنة العربية الفصحى مع اللهجة العراقية (لهجة أبناء وادي الرافدين) وجود مجموعة لا يستهان بها من الأفعال الرباعية التي تشكّل جزءً مهماً من هيكل الحديث بالعامية وتنتشر بشكل غير اٍعتيادي في العامية العراقية في حين أننا نعلم أن الفعل الثلاثي هو العمود الفقري للفصحى ,وأن الفعل الرباعي المجرد قليل الاٍستخدام بشكل واضح في الفصحى ويكفي القول أنه باٍحصاء ماورد في القرآن الكريم من الأفعال الرباعية وجد منها ثمانية فقط هي (وسوس،حصحص،عسعس،دمدم،زلزل،زحزح ،كبكب وبعثر) وهذا يدل على ندرة اٍستخدامها ومحدودية اٍنتشارها في العربية الفصحى مع ملاحظة أن فعلاً يتيماً واحداً منها وهو( بعثر) هو رباعي مجرد أصيل أي غير مكرر .

 

واٍليكم ما جمعته من هذه الأفعال المستخدمة في العامية العراقية التي هي أما غير مستخدمة في الفصحى أو مستخدمة بمعنى مختلف تماماً عن الاٍستخدام في العامية مثل الفعل بكبك الذي يعني في الفصحى قلب فنقول بكبك المتاع أي قلبه وهي من بكك (بكّ) الشيئ أي فرّقه في حين يعني في العامية العراقية التباكي أو التظاهر بالبكاء(راجع معجم الأفعال الرباعية في العربية للدكتور ألياس عطا الله/الناشرون مكتبة لبنان) :

 

حرف الباء

 

بحلق بحرث برجم بربخ برمك بركس برطل بنچر بغلط بندل برطم بقبق بهبه بلعس بزبز بصبص بثبث بسور بلتق بلطج بلهث بلتح بلبل بربق بسبس بسمر بغّل بحبح بربگ

 

حرف التاء

 

ترتخ تركم تلل تلتل تمبل تكتك تنّح تلفس تكّن تبّل تنحر ترخم

 

حرف الثاء

 

ثعول ثغبر

 

حرف الجيم

 

جرجر جكجك جربز جرذم جكنم جنبد جندل جنتل جعمر جعمص جبجب جرجب جلفط جورب جنجل جرجف جعبن جقلب جقجق

 

حرف الحاء

 

حنبج حلحل حرجم حقرص حندل حنفش حرمص حسحس حرمن حرفص

 

حرف الخاء

 

خرخش خردل خنفس خشخش خشّش خلبص خربص خنجر خطّم خربط خربج خنزر خرمش خنخن

 

حرف الدال

 

درسك درعم دستر دسمل دعّم دعمث دربن دهرب دعبل دندل دندن دنبك دبدب دردم درفع درمج دردع دوهس

 

حرف الذال

 

ذبذب

 

حرف الراء

 

ربرب رندج رصرص رعبل ركرك رسمل رغرغ رمرم

 

حرف الزاي

 

زاغل زحلف زنبر زعبل زغلط زربن زامط زقزق زنجر زنجل زحّج زقنب زلوت زنكن زوبل

 

حرف السين

 

سكرش سحول سردح سرسر سرمح سربل سرجن سلّك سمسم سحسل سلبح سكرب سولف سورب سوطر

 

حرف الشين

 

شربت شربك شندخ شروش شوشر شرشب شحشط شلّح شنكل شنبخ شرمخ شلّل شلّه

 

حرف الصاد

 

صعصع صخرج صخم صحصح صلّخ صنّن صنّف صنصل صكّك صنكر صندح صنكر صرصف صوبن صوخل

 

حرف الضاد

 

ضربط ضكضك ضجور ضبضب

 

حرف الطاء

 

طفّش طركع طرطش طربك طشّر طمطم طمبر طنطل طنكر طبطب طربس طربل طربك طيّز طيّر طيّح طكطك طخطخ طوجل

 

حرف الضاء

 

حرف العين

 

عربش عبعب عصمص عصلج عنتك عنجل عربن عرّت عكنن عنقر عروج عجّج عنطز عكرف عوّر

 

حرف الغين

 

غرغر غشّم غتّر

 

حرف الفاء

 

فستق فلفس فلفل فرفح فبرك فركش فرغص فطفط فرزن فنطز فلحم فلحط فلّش فرعن فسّس

 

حرف القاف

 

قنبل قنزع قشمر قشقش قنطر قنعر قندر قلقل قلفص قنبص قرمط قرّم قندل قنزع قرقش قحوط قحور قرطف

 

حرف الكاف والگاف

 

كنكر كرمش كرمع گرگد كركح كربح گرگر كهكه كربس كرفت كولب

 

حرف اللام

 

لفلف لبلب لعوس لغلغ لولو لقلق لطلط لغمط لهمد لحلح لوبح

 

حرف الميم

 

مرغث مرغل مرزب مرجل مرجح مسكن مرعد مسلت مطمط مخرط مشمش مندل

 

حرف النون

 

نغّص نغبش نغنغ نعثر نشنش نحنح نعنع نگبر نگرز نسور نوّص نبّل نعوص

 

حرف الهاء

 

هبّش هربش هنجل هربت هدهد هذرى هفّى هبّت هودر

 

حرف الواو

 

وهوه وندخ وزوز ورشع ودّر وهدن ورعش ورور

 

حرف الياء

 

الملاحظات والشرح و التحليل

 

ا-معاني أغلب الأفعال الوارده هنا معروفة لدى أبناء وسط و جنوب العراق وسأكون شاكرا" لو أمدني القراء بالمزيد مما فاتني ذكره أو ما لا أعرفه أو لم أسمع به من عامية غرب و شمال العراق .

 

ب- عدد الأفعال الذي يزيد عن 300 فعلا" يشير بشكل لا يقبل الجدل الى أن العامية العراقية قد غطت تماما" نقص الفصحى الواضح في المفردات التي أعتمدت على الفعل الثلاثي ومزيد الثلاثي ورغم أن الفصحى لا تخلو من الرباعي المجرد الا أنه لا يمثل كما في العامية ركناً هاماً بل هو في الحقيقة نادر الاٍستخدام كما تقدم من مثال القرآن الكريم .

 

ج. من الواضح أنّ الكثير من الأفعال لا تمتّ اٍلى العربية بأي صلة ولو بعيدة وأغلبها لم يرد في لسان العرب ولقد اٍعتمدت على المعجم آنف الذكر للدكتور ألياس عطا الله في المقارنات بين الفصيح والعامي حيث أنه قد قام بجهد واضح في تجميع كل ما ورد من الرباعي في لسان العرب والعين والمعجم الكبير والوسيط وباقي أمهات الكتب العربية في الاٍشتقاق.

 

د. لا شكّ أن محاولة الوصول الى أصول هذه الأفعال ستكون مهمة ليست بالسهله خصوصا" وأن العامية العراقية تمثل قمة التلاحم العرقي واختلاط الدم على مر القرون بين أهل البلاد الأصليين من سومريين و بابليين واشوريين وأكديين و اراميين ومن نزح اليها أو غزاها على مر التاريخ .وكانت لغة جميع العراقيين هي اللغة السريانية العراقية ومن الواضح أن التلاقح بين لغة العراقيين الأصلية والعربية قد أنتجت العامية العراقية الهجينة مع الأخذ بنظر الاٍعتبار أن كلا اللغتين ساميتان نهلتا من السومرية والأكدية مع بقاء بعض حروف الأكدية في السريانية واٍنتقالها الى العامية العراقية في حين أن هذه الحروف اٍختفت من العربية الفصحى وكذلك وجود آثار السومرية في اللهجة العراقية . سأحاول هنا المرور على بعض الأفعال واسعة الاستعمال و تفوح منها في نفس الوقت النكهة العراقية المتميزة .

 

· جنجل : هي اخف من جن الفصحى في معناها العامي وتقال لمن يغضب غضبا" شديدا" بحيث يقلب الدنيا عاليها سافلها وربما هي خليط من جن وجال .

 

· حنفش : وهي جمع رائع بين حنش ونفش ،فحنش تعني تفرق وانتشر وخاصه للطائر ينفش ريشه لذا فأن حنفش العاميه تسد فراغاً واضحاً للكلمه غير متوفر في الفصحى حيث تعني التألب والتهيؤ النفسي والبدني للهجوم.

 

· حرقص: يتحرق شوقا" لفعل شىء مصحوبا"بالتحرك وعدم الصبر على الجلوس في مكان ما، أنها مزيج من حرق ورقص الفصيحتان ورغم أن الفعل فصيح الا أن المعاجم تعطيه معنى آخر بعيد عن المعنى المستخدم في العاميه .

 

· حرمن : سرق وهي مزيده من حرم ففي الفصحى الحرامي فاعل الحرام من فعل حرم ذات الاستخدام الواسع بالفصحى في حين أن حرمن تقتصر على فعل السرقه فقط.

 

· خربط : المعنى في العامية معروف لكن ليس له مرادف مباشر في الفصحى فهناك

 

خرب

 

خلط

 

خبط

 

خرط

 

والعراقية تجمع الأفعال الأربعة وتخلق (خربط ) ذات المعنى المتميز.

 

· خرخش : هز شيئا" محدثا" صوتا" وفي الفصحي هناك خرخر تطلق على تردد صوت الماء حين يعترض مجراه شيء. وهناك في الفصحى أيضا ( خرالماء والريح ) أحدثا صوتا . ولم أستطع الوصول الى مصدرها الذي ربما هو جمع بين خر وخش . في الفصحى هناك أيضا" خشخش للسلاح وغيره صوت أذا حرك.

 

· بحرث : العامية تعني فتت الشيئ وأكثر ما تطلق على تفتيت التربة وفي الفصحى هناك

 

بحر،حرث ،بحث ،بحثر ،بثبث

 

والعراقية تجمع الأفعال الأربعة وتخلق (بحرث)

 

· قشمر : غش وضحك على الذقون ولا توجد مرادفات قريبة في الفصحى اللهم اٍلا اٍذا كانت غين غش قد قلبت قافاً كما يفعل العراقيون في بعض المناطق حيث يلفضون غني قني ودمجت قشّ مع غشم وغشّم التي يستخدمها العراقيون بمعنى غشّ

 

· قرطف : قص أطراف الشعر وكذلك ريش الحيوان حتى يمنع من الطيران وهناك في الفصحى قرط ،قطف ،قطّ

 

لكنها لا تؤدي الغرض من قرطف (بالكاف العراقية بديلة القاف)

 

· دردم : تحدث مع نفسه واشتقاقها محير ف-( درد و درم )لا تعطيان هذا المعنى بل هما تبينان سقوط الاسنان

 

وربما يكون الاشتقاق هو تحدث من لا أسنان له حيث يكون الكلام غير واضح وغير مفهوم.

 

· دردع : شرب الماء بل عب الماء مع صوت وهي أيضا" غير واضحه الاشتقاق .

 

· دسمل: لبس الثياب الوسخه القذره الباليه وهي جمع واضح بين دسم وسمل الفصيحتان.فنقول دسمت الثياب ( أتسخت ) ونقول سمل الثوب ( بلى) .

 

· دعبل : بمعنى رمى شيئا" على الارض يتدحرج ومنها( الدعبل) الذي هو كرات الزجاج الملونه التي يلعب بها الأطفال . وفي المعاجم الدعبب : اللعب ودعب ذاتها تأتي بمعنى مشابه أو مقارب ودعل تعني هرب .

 

· درعم : تقال للذي ضيع سبيله وسار سيرا" سريعا" على غير هدى . وهي خليط من درع ودعم .

 

· دعمث : لوث بشىء غير نظيف وهي من لوث ودعم .

 

· دمبل : تورم وهي خليط واضح من دبل التي هي سمن وامتلاء ودمل الذي من معانيه ألتهاب الجرح أوالجلد والنسج التي تحته مصحوب بتقيح .

 

· درفع : خليط من( دفع ورفع ودفر ) وتستعمل في العاميه لوصف الذي يقوم بدفع شخص بالقوة لازاحته من مكانه الى مكان منخفض .

 

· دستر : تقول المعاجم أن كلمة الدستور معربه عن اصل أجنبي لكن يبدو أن الاستخدام العامي لها بمعنى رتب الشيء وسنه على شاكلة معينه تشير الى غير ذلك. يلوح لي أنها مزيج من( دست) العربيه القديمه وهوالمنصب أو التنظيم المعين زائدا" ( دسر ) التي تعني جمع الشيء بقوه والتنظيم المعين زائد ا" ("ستر) التي تعني تعقل

 

وتفكير وتدبر ومنهاالستر اي العقل .

 

· دهدر : دحرج وهي تشبه دهدى الفصحى لكنها تختلف عنها فهي في ظني جمع بين (هدر ) و (حرج ) و(دهر)

 

ودهدر أقرب ما تكون لمعنى دهور الفصحى .

 

· دهرب : أيضا" دحرج للشى الكروي عادة" وهي خليط من( دهر) و( هدر) و( هرب) .

 

ه.أرى أن العامية العراقية قد أبلت بلاءً منقطع النظير في توليد وتوليف الرباعي من خليط الآرامية والسومرية والعربية وغيّرت كثيراً في معاني العربي الفصيح وكل هذا مقصود كجزء من فكر مقاومة التعريب وخلق بيئة عراقية خاصة تجد فيها طعم ومذاق وادي الرافدين

 

من ردت أجيسك جست روحي وفرفحت

 

فأي مفردة فصيحة ستنوب عن ( فرفحة ) روح العاشقة في شعر مظفر النواب ؟

 

وعلى هذا الأساس أرى أن العامية العراقية هي لغة أبناء وادي الرافدين باٍمتياز واٍستخدام الفعل الرباعي خصوصاً بعد أن يجري اٍشتقاقه يصبح مستغلقاً على كل من هو غير عراقي

 

يتصوخل يطوجل يتبربد يتمقلج يتمرغث يتنكرز يتنعوص يتمرغل يتمندل يتحندل

 

اٍضافة لسهولة التوليد وطواعية العامية ولسد النقص المتزايد في الفصحى وأظن أن العامية ستستمر في توليد المزيد من الأفعال مادامت الحاجة ماسة لذلك وعلى القاعدة المعروفة أن اللغة هي وسيلة اٍتصال بين البشر.

 

 

الأربعاء, 03 نيسان/أبريل 2013 18:25

حركات وطقوس

يلجأ الانسان تلقائيا او بصورة موروثة الى استخدام بعض الحركات او العلامات بواسطة اليدين ووضعية جسمه او تعابير وجهه او ملابسه في بعض الطقوس لكي يعبر عن مشاركته الفعلية في اجراء الطقوس ، جماعية ام فردية . فهي عبارة عن وسيلة وعامل مساعد للتعبير عن علاقة الانسان بالحي العظيم ( مسبح اسمه ) وكلما كانت هذه الحركات والعلامات والرموز والوسائل متناسقة ومنتظمة جاءت معبرة عن معنى لاهوتي . فنحن نشاهد المندائيين ورجال الدين عند قيامهم بالبراخة أو الطقوس الدينية الاخرى يقومون بالغطس بالماء ويمدون أذرعهم ( كما في المصبتا عند أداء القسم ) وأحيانا اخرى يقومون بالانحاء ، حيث يبتغون من ذلك التقرب من الخالق ، روحا وجسدا ، ويرددون كلمات تعبر عن حضورهم أمام الخالق العظيم ( مسبح اسمه ) هذه الرموز والحركات ليست وليدة الأمس ، وليست بدعة جماعة معينة في زمن محدد بل نراها مغروسة عبر الحقب الزمنية المختلفة ، لأنها مرتبطة بالطقوس ، مرتبطة كجزء لا يتجزأ من الفرد المندائي أثناء أدائه الطقس . لذلك لا يمكن لأي شخص كان ان يغير أو يجتهد أو يضيف في هذه الحركات إلا رجال الدين . هذه الملابس التي ترتدى في الطقوس والحركات والرموز التي يؤديها المتعبد بانتظام ووقار ليست كافية لتعطي الطقس بعده ومعناه الحقيقي وليست كافية لتؤدي الاتصال مع الخالق ، دون ان يكون للروح فيها دور بارز ومهم وحاصل على حيز كبير جدا من الطقس ، فان الحضور الفكري والصدق فيه والتركيز على فحوى الكلمات المستخدمة يولي الطقس معناه العميق ويرتقي بالمؤمن الى اقرب ما يمكن من الخالق . ان الهدوء الروحي والسكينة الداخلية ، تساعد الانسان على ان يتسامى في عالم روحاني عذب ، عالم الحي العظيم ، فبقدر ما يتلخص الجسم من تشنجاته الجسمية وتوجهاته المادية ، بقدر ما يندمج في عالمه الروحاني ليخلق نوعا من الاتصال ما بينه والخالق العظيم .

الأربعاء, 03 نيسان/أبريل 2013 14:09

الدهفة حنينا ..عيد الازدهار عند المندائيين

في الثامن عشر من شهر( تورا) المندائي هو العيد الصغير (دهفة حنينا)، ويسمى احيانا (دهفة طرمة)، وقد صادف هذا العيد في عامي 1932 و1935 الثالث والعشرين من تشرين الثاني... وهذا العيد يستمر ثلاثة ايام تقام خلالها مراسيم التعميد وقراءة الفاتحة للموتى (اللوفاني) وهو يقام احتفالا بعودة هيبل زيوا الى عالم الانوار من عالم الظلام). هذا ما قالته الليدي دراوور في كتابها (الصابئة المندائيون) عن الدهفة حنينا، لكن هامش المترجمين وهم من ابناء الطائفة المندائية يشير الى ان مدة عيد الدهفة حنينا الدينية هي يوم واحد فقط وليست ثلاثة ايام، رادين استمرار الاحتفالات ليومين اخرين لاغراض التزاور. وقد صادف العيد هذا العام 2005 في الخامس من تشرين الثاني وسبب هذا الاختلاف في التواريخ الميلادية يعود لاشهر السنة المندائية الاثني عشر التي يتكون كل شهر منها من ثلاثين يوما فقط يضاف لها خمسة ايام البنجة التي يعدها المندائيون اياماً نورانية مقدسة.

عيد الازدهار

وقد حدثنا الترميذة (الشيخ) سرمد سامي الذي حضر من مدينته الشطرة الى مندى الناصرية للمشاركة في طقوس العيد واقامة مراسيم التعميد التي لايمكن ان تتم من دون حضور رجل الدين عن الدهفة حنينا قائلا:

الدهفة تعني مناسبة او عيد وهي تختلف عن كلمة (دهبة) التي تعني الذهب كما ذهبت الى ذلك الليدي دراوور في كتابها (الصابئة المندائيون) فقد جاء في كتاب (ديوان الف ترسر شيالة) المندائي الذي معناه الف واثنا عشر سؤالاً النص التالي (اترص تاغة ابكل دهفة) ومعناها ثبت تاجك في كل مناسبة وقد جاءت كلمة دهفة هنا بمعنى مناسبة اما كلمة حنينا فتعني الازدهار، والعيد هو عيد الازدهار فالحياة دبت في الارض في مثل هذا اليوم وازدهر العالم المادي.

وعن خصوصية العيد قال: 

يتميز العيد باقامة مادبة افطار تحتوي على الرز واللبن والتمر والسمن الحيواني (الدهن الحر) وهذه عادة اجتماعية اكثر منها دينية وكذلك تقام طقوس التعميد وعمل الثواب (اللوفاني) اضافة الى اقامة الاعراس 0 

واثناء حديثنا مع الشيخ حضر الى المندى عروسان بملابسهما الدينية البيض الجديدة تحف بهما جوقة من الرجال والنساء حيث ستقام مراسيم الزواج بعد ذلك على يد الشيخ.

مأدبة الافطار

وعن الاستعدادات لهذه المناسبة حدثنا السيد حكيم سليم حنظل رئيس الطائفة في ذي قار قائلا : 

تبدأ الاستعدادات للعيد منذ ساعات الفجر الاولى حيث يؤدي المندائيون الصلاة وقراءة الادعية والتراتيل الدينية ولا سيما دعاء الرحمة (نياني رهمي) كما يقومون بالاعداد والتحضير لمأدبة جماعية في المندى يقدمونها كوجبة افطار بعد شروق الشمس.

وقد دعاني السيد حكيم لمشاركتهم هذه الوجبة، فتناولت مع مجموعة من المندائيين الرز المطبوخ واللبن والتمر والسمن الحيواني من احد الصحون الممتدة على طول ساحة المندي الداخلية وقد علمت من احد الجالسين ان هذه الوجبة لا تقتصر على اليوم الاول من العيد بل يمكن اقامتها في أي يوم من الايام الثلاثة 

عالم الانوار

وعن الفعاليات الاخرى التي يتضمنها العيد حدثني السيد نعمان جوبان قائلا : 

يجري الاحتفال بهذا اليوم ابتهاجا بعودة الملاك(هيبل زيوا) من عالم الظلام الى عالم الانوار حيث قام بتطهير العالم المادي من قوى الشر وهيأه لسكن بني البشر بعد ان تمكن من الحصول على (السكين دولة) التي تعتبر سر قوة ذلك العالم، وفي هذه المناسبة يقوم المندائيون بتقديم التهاني الى الشيخ والتزاور فيما بينهم وتقديم التعازي للعوائل التي فقدت احد افرادها في الايام التي سبقت العيد وكذلك يقومون بعمل الثوابات على ارواح الموتى (اللوفاني)وزيارة العوائل المتعففة من ابناء الطائفة وتقديم الدعم المادي والاغذية لها فضلا عن مراسيم التعميد التي تعتبر تطهيرا للنفس والجسد كما يمكن اقامة الاعراس في هذه المناسبة وفي ايام غير ايام الاحاد كما هو معتاد فايام الاعياد مقدسة وصالحة لاقامة مراسيم الزواج.

وعن ذكريات العيد قالت السيدة عدوية جوبان :

هي فرحة بانتصار قوى الخير وهي مناسبة نسهر فيها حتى الصباح خوفا من مضي الوقت قبل اتمام وانضاج مأدبة الافطار التي تقدم في ساعات الصباح الاولى وقد قضينا الليلة الماضية باقامة الصلوات وقراءة الادعية وشرح مضامين هذه المناسبة لافراد العائلة هذا فضلا عن الاستعداد لاقامة المأدبة 

في حين عبر السيد عارف ابراهيم عن قلقه من هجرة المندائيين وحزنه على بعدهم وعدم تمكنه من الاحتفال معهم بهذه المناسبة قائلا : 

لقد كانت اعداد المحتفلين اكبر بكثير مما هي عليه الان والسبب في ذلك يعود الى رحيل اعداد كبيرة من العوائل سواء بالهجرة الى خارج القطر او بالانتقال الى العاصمة مما انعكس سلبا على بهجة العيد. وتابع قائلا لقد كنا في مثل هذه الايام نلتقي بالاحبة والاصدقاء اما الان فليس امامنا سوى النقال واجهزة الهاتف للتواصل معهم، وعبر عن امله بعودة المهاجرين بعد تحسن الوضع الامني.

عرس مندائي

ما ان فرغت الجموع من تناول وجبة الافطار حتى اخذ مساعدي الشيخ واقارب العروسين بتحضير مستلزمات الزواج، فتم بناء كوخ الزواج الـ(اندرونا) من القصب وجرى تحضير الاس والطريانات (الاواني الطينية) وجرتين فخاريتين وسلتين تحويان ملابس العروسين اضافة الى الزبيب واللوز والخبز والتمر والسمك المشوي والملح وكأس نحاسية صغيرة (كبثة) يسقي بيها الشيخ الـ(همرة) العريس من قنينة مملوءة بسائل بني اللون ناتج عن عصر حبات العنب او التمر في الماء حيث يتم اعداده خلال الاستعداد لمراسيم الزواج ولايجوز تحضيره قبل ذلك خوفا من التخمر وقد بدات المراسيم بالتأكد اولا من سلامة العروسين جسديا فمراسيم الزواج الدينية الصحيحة لا يمكن ان تتم من دون ذلك وقد تولت احدى النسوة فحص الفتاة في احدى غرف المندى على الرغم من حصول الاخيرة على شهادة طبية تثبت عذريتها بينما تاكد الشيخ من سلامة العريس وهو يقوم بتفحص رستته (الملابس الدينية) واعادة ربط الحزام الصوفي (الهميانة) وبعد ان تاكد الشيخ من سلامة العروسين جرت المراسيم الاخرى، إذ قام الشيخ بتعميد العريس اولا ومن ثم العروس واثنين من النسوة وقد جرى تعميدهم الواحد تلو الاخر، فلا يجوز اقامة مراسيم التعميد بشكل جماعي وقد كان من بين النسوة والدة العروس وبعد التعميد دار العريس حول الدرفش وهو يردد وراء الشيخ (اسوثة زكوثة نهو يلخون ياملكي اواثري ومشكن ويردني ومشخناثي اد المة دنهورة كليخون) وقد تطوع السيد عبد السلام العيبي لترجمة هذه الكلمات واجملها بالنص التالي: 

(السلام والتزكية نهدي لكم ايها الملائكة والاثريون والمساكن والجداول والانهار في عالم الانوار) وما ان اتم العريس الدوران حول الدرفش حتى جاء دور العروس وبقية المتعمدين ثم واصل بعدها الشيخ اكمال مراسيم التعميد التي تضمنت رسم جباه المتعمدين بزيت السمسم واطعامهم قطعة خبز (طبوثة) مشوية بنار الطريانة ومن ثم انتقل العروسان من الساحة الخارجية للمندى الى ساحته الداخلية التي نصب فيها كوخ الزواج واثناء انتقال العروسين سألت العريس قصي فوزي مالك عن رايه بتلك المراسيم فقال : 

مراسيم وطقوس جميلة توارثناها عن الاجداد وهي رسم ديني واجب على كل مندائي حيث يتم تطهير النفس من الاخطاء وطلب المغفرة وعبر عن فرحته وهو يرتجف من برودة الماء الذي خرج منه قبل فترة قصيرة 

بينما قالت العروس سلمى شاكر حين سألتها هل تودين ان تجرى مراسم الزواج من دون تعميد ردت قائلة : 

لا.. لا اتمنى ذلك فهذه المراسيم مقدسة في ديانتنا 

الاندرونا

بعد ان انتهى التعميد انتقل العريس وحده الى كوخ الزواج (الاندرونا) بينما انتقلت العروس الى مكان اخر تحف بها امها وصديقاتها وجلست تحت قطعة من القماش الابيض (كلة) وبالقرب منها صينية من الاس والشموع الموقدة، وما ان اخذ العروسان مكانهما حتى انتقلت مع الشيخ الى مكان العريس في كوخ الزواج (الاندرونا) فرأيته هيكلا مبنياً من القصب وفق حسابات هندسية وفيه تسعة طريانات (اواني من الطين) وليست ثمانية كما تذكر دراوور حيث قال لي الشيخ انها تمثل اشهر الحمل التسعة وقد لاحظت ان الطريانات تحوي كمية من الاطعمة كالجوز واللوز والفستق والزبيب والسمسم والملح والتمر والخبز والماء والسمك المشوي وغير ذلك من الاطعمة اضافة الى اغصان من الاس وقطعة نقد معدنية وسلتين تحويان ملابس العروسين كل على حدة. وقام الشيخ فيما بعد بقراءة الادعية وخلطهما ليرمز بذلك الى شراكتهما في الحياة كما تم احضار جرتين فارغتين قام احد الصبيان بكسر احداهما امام كوخ الزواج الذي يجلس فيه العريس فيما كسر الثانية ام كلة العروس حيث لا يتم تحطيم الجرتين الا بعد قراءة التراتيل من كتاب (القلستة) كتاب اناشيد وتراتيل الزواج عند لمندائيين وعندما ينطق الشيخ بحرف (القاف) فقط 0 

وقد ذكر لي الترميذة سرمد سامي الذي قام بتلك المراسيم ان حرف (القاف) يعني الخطوة الاولى وهو من كلمة قال التي نادى بها الخالق العظيم واعلن خلق الكون0 

وقد استمرت قراءة التراتيل وتواصلت مراسيم الزواج بانتقال الشيخ ومساعده من كوخ العريس الى كوخ العروس لاكثر من مرة لتبلغ ذروتها بانتقال العريس الى كلة العروس وجلوسه على الارض ظهره الى ظهر العروس ليقوم الشيخ فيما بعد بقراءة التراتيل والادعية ودق رأسيهما برفق الواحد بالاخر ثلاث مرات حيث اوقدت النسوة بعد ذلك البخور وجرى نثر مسحوق الورد على كلة العروس وتعالت الزغاريد والاغاني والتصفيق ومن بعدها قام الشيخ باصطحاب العريس الى كوخ الزوجية لاكمال بقية المراسيم ليتم بذلك عقد القران وينتقل العروسان متشابكي الايدي من المندى الى بيت العريس وسط فرحة الاصدقاء وهلاهل النسوة ونثر الحلوى على رؤوس الحاضرين حيث سينتظر العريس الساعة الفلكية الملائمة ليقترب من عروسه لان العريس لا يمكن ان يقترب من عروسه الا في ساعة فلكية ملائمة كما تذكر ذلك دراوور.

وبوجه عام يحق للرجل المندائي الاقتران باكثر من امراة ولا يحق له الطلاق لان الطلاق محرم دينيا.

الأربعاء, 03 نيسان/أبريل 2013 17:54

الديانة المندائية وانبيائها المقدسين

 

أن المندائية ديانة قديمة موحدة مستقلة بذاتها، لها فلسفة دينية ولاهوتية، وكتاب مقدس، ومجموعة من الانبياء والاباء والمعلمين المقدسين، التي تتبع تعاليمهم لحد الآن، ولها أيضا نظام ديني طقسي يتم بموجبه أداء كافة مراسيمها الروحية. ومثلما تتفق الديانة المندائية مع الديانات الأخرى في بعض المفاهيم والطقوس والفلسفة الدينية، تختلف مع بقية الأديان بكثير من الأمور وهذا ما يميز الديانة المندائية عن غيرها، وما يميز الديانات الأخرى. فلذلك أن الديانة المندائية وببساطة ليست طائفة يهودية كما يزعم البعض خاطئين لأنها لا تتبع تعاليم التوراة، وأيضا ليست طائفة مسيحية كما يزعم البعض الاخر لأنها لا تعترف بالمسيح كاله متجسد، على الرغم من وجود تشابهات كثيرة فيما بين تلك الاديان او غيرها والديانة المندائية. سوف نحاول ان نسلط بعض الضوء على مفاصل مهمة من المندائية، وبقدر ما يسمح به وقتنا.

 

أن الصابئة المندائيون يؤمنون أشد الأيمان بأنبيائهم ومعلميهم وآباءهم الأوائل الذين انبنت على أيديهم وعلى مختلف عصورهم الديانة المندائية .. فكان لهم الأثر الكبير على تعاليم الديانة الصابئية المندائية ومبادئها وفلسفتها وحتى طقوسها ومراسيمها الدينية .. وان الآباء والمعلمين الأوائل هم:

• النبي والأب والرجل الأول آدم (أبو البشر) والذي يحتفظ المندائيون بصحفه السماوية.

• النبي شيتل بن آدم الرجل الأول (الغرس الطيب) والذي أفدى والده ، فكانت روحه الأقدس من بين البشر.

• النبي سام بن نوح (المتعبد الخاشع) والذي تزخر الكتب الدينية المندائية المقدسة بصحفه وقصصه وتراتيله.

• النبي يهيا يوهنا _ يحيى بن زكريا _ يوحنا المعمدان (الحبيب المرتفع) ويحتفظ المندائيون بكتابه الذي خطت قسم منه أنامله المقدسة وزاد عليه تلاميذه من بعده .. وهو معلم الحق الأخير الذي يؤمن به الصابئة المندائيون.

 

إن المندائية، من الديانات الموحدة (Monotheism) ، والتي تؤمن باله واحد معبود مستقل ومبعوث بذاته (الاها اد من نافشي افرش – الإله الذي انبعث من ذاته)، غير محدود الأسماء والصفات والقوة والإرادة، فلذلك تطلق عليه اسم (هيي – الحي = الحياة) والحياة هنا يقصد مفهومها العام والشامل المتمثلة بالحركة اللانهائية للوجود. والحي الرب موجود ومنتشر في جميع الفضائل ويسكن الشمال القاصي، فلذلك يتجه المندائيون في اداء كافة مراسيمه الدينية الى جهة الشمال والتي تسمى ب(بيت اواثر).. ويسمى في اللغة المندائية ب(هيي) أي الحي أو الحياة .. لان الحي هو جميع الحياة، والحياة بأكملها هي الحي.

 

اسس الايمان المندائي:

 

ان أهم نقاط وأسس الأيمان المندائي ممكن ان نلخصها بالاتي:

• الأيمان برب خالق الأكوان منزه عن السيئات مقيم في ملكوته الحي في أقصى الشمال ومقيم في جميع الفضائل والجمال. وهو غير محدود ابدي وأزلي في كينونته، ليس له حدود في صفاته، وقوته، وعظمته. فلذلك تسميه الحياة العظيمة.

• الأيمان بان هذا العالم جزء بسيط وصغير جدا من خلق الحي العظيم. فلذلك يؤمن المندائيون بوجود كائنات اخرى ربما تعيش في بعض الكواكب.

• الأيمان بان هناك معركة ما بين الخير والشر في هذه الحياة. ويمثل الخير بالنور وبالمياه الحية العذبة الجارية، ويمثل الشر بالظلام وبالمياه الميتة المالحة .. وتؤمن المندائية بان من الاهمية امتزاج المياه الحية التي جاءت من عوالم النور والحياة، بالمياه الاسنة الارضية، لان من عبق وعطر الاولى تزدهر الاخيرة وتنتعش. 

• الأيمان بوجود الحياة الأخرى وبان الإنسان يجب أن يحاسب على أعماله وعبادته عند وفاته في أماكن خاصة تدعى (مطراثي – مطهرات)، فالمندائية لا تؤمن بوجود الإنسان الخير المطلق ولا الإنسان الشرير المطلق، وانما تؤمن بان على الجميع الاعتراف بأخطائه وزلاته ونقصه وعليه ان يطهر قلبه وافعاله من كل ما لحق به في حياته على الأرض ويرتقي بعدها الى عوالم النور حيث الحقيقة والصفاء والنور والحياة المتقنة.

• الايمان بان نفس الانسان والتي تسمى (نيشمثا) والتي هي نفسها (مانا – العقل) هي نفحة من نفحات الخالق الرب العظيم والتي جاءت من ملكوت الحياة (بيت هيي) واستقرت في جسد الانسان، وتدعى ايضا بالجوهرة النقية التي يجب ان ترجع الى ملكوت الحياة بعدما تنقى من الشوائب التي لعقت بها اثناء مرورها بالحياة الارضية .. فلذلك يؤمن المندائيون بفلسفة عودة الاشياء الى اصلها بدورة كاملة ومتقنة وهي دورة الحياة الطبيعية.

• الايمان بان التعميد (المصبتا) هو الطقس الضروري لانقاذ الانفس من براثن الاسرار المادية وتقوية النفس البشرية بانعاشها بنور الحياة المتجسد بالمياه الحية الجارية.

• الأيمان بالمعرفة لأنها الطريق الموصلة الى رب الوجود وعلة هذا الكون. وبالتالي الاتحاد بحياته العظيمة. وخاصة ان المعرفة (مندا) صنو الايمان (هيمنوثا) في الفكر المندائي، ويعتبران حالة مثالية للانسان المؤمن الذي يبغي الحياة الروحية في المندائية. والتي من خلالها يصبح جبلا لا تزحزحه الرياح.

• الايمان والتمسك بالسلام وعدم الاتكال على قوة السلاح في مواجهة المصاعب والمحن في تلك الحياة.

• الايمان بان الحياة هي المصدر العظيم للمعرفة.

 

اهم المحرمات المندائية:

 

اما اهم المحرمات التي تنهي عنها الديانة المندائية فهي:

• جدف أسم الله ( أي الكفر به وتوطئة شانه).

• القتل ، السرقة ، الخداع ، الزنا، الكذب ، التأويل ، شهادة الزور ،الحسد ، النميمة ، الغيبة ، خيانة الأمانة والمعشر ، وكل ما يسيء التصرف الإنساني .

• السجود لغير الحي العظيم وعبادة الكواكب والأفلاك و البشر والنار والماء ، وكل شيء غير الخالق الأزلي (هيي ربي).

• السحر والشعوذة بكل أنواعه.

• قتل الحيوان بدون سبب، وتاذيته عند نحره.

• أكل دم الحيوانات والميتة منها ، وذبح الحامل، واكل الحيوانات المفترسة.

• كل الأعمال التي تضرر صحة الإنسان الجسدية والروحية والعقلية.

• البكاء والنواح ولبس السواد على الموتى .

• إعطاء الصدقة والتحدث بها.

• االختان وأي تغيير في جسد الإنسان الذي وهبه الله له.

• تلويث الطبيعة والأنهر.

• الانتحار وإنهاء الحياة والإجهاض المتعمد .

• الحلف او القسم اذا كان باطلا.

• الرهبنة.

• التشبث حد العبادة بالدنيا الفانية وبمقتنياتها الزائلة.

 

المصبتا .. شعار الديانة المندائية:

 

ان الطقس المركزي في الديانة المندائية هو (طقس المصبتا = الصباغة = التعميد) والذي يجري في الماء الجاري (الحي) الذي يعتبر رمزا للحياة.

 

الميثولوجيا المندائية تعتبر المصبتا سماوية وليست أرضية، فالمصبتا تمارس من قبل جميع الملائكة في عوالم النور، لغرض الارتقاء بالعلم والمعرفة إلى عوالم أنقى والتبجيل للحي العظيم "مسبح اسمه".

 

ومن لاهوتية المصبتا ان الارتماس (الطماشا) في الماء الجاري الحي (يردنا) هو انغماس في السائل الحيوي للحياة فهو يمنح الجسد المادي الصحة والعافية والقدرة والديمومة على المواصلة، ويخلص الإنسان من قوى الموت ويعد بحياة خالدة أبدية.

 

والمصبتا في نفس الوقت علامة التطهير الاولى، التي جبل عليها الانسان فطريا، فكما يطرد الماء القذارة والاوساخ والنجاسة من الجسد، كذلك يطرد الخطيئة والنجاسة من النفس، وخاصة اذا كان مصاحبا بذكر الحياة الحية (الحي العظيم). ولاننسى هنا بان جوهر الفكر المندائي ان يصاحب النظافة والطهارة وصحة الجسد والطاعة في اداء المراسيم، سلامة العقل والفكر والضمير واطاعة القواعد الاخلاقية والالتزام باركان الدين.

 

والمصبتا ولاهوتها عبارة عن مراسيم فيها رموزا كثيرة تعبر عن الحياة وديمومتها، ومترابطة مع صلوات وتضرعات وتراتيل وشعور بالندم، والاحساس بامكانية الخلق والولادة الجديدة، وندم الى الحي العظيم (مسبح اسمه). فهذه كلها مجتمعة تجلب مميزات اليردنا السماوي وخواصها الالهية وتجعلها حالة في الطقس. فهي تجعل طالب التعميد المندائي قادرا على الاستفادة منها والانتعاش من قوتها السماوية، وصفة الحياة والطهارة بشقيها الروحي والمادي تكسبها لمن يتناولها.

 

فخلاصة (المصبتا) صيرورة الانسان من ابناء النور والعهد الحق، واكتساب الخلود الروحي في عالم الانوار عن طريق الاتحاد بالشبيه (دموثا) والمعرفة الحية والتطهر من الخطيئة التي تثقل حاملها، وتجره الى مسالك ومهالك الظلمة.

 

الطائفة وبعض تسمياتها في التاريخ:

 

أطلقت عدة تسميات على المندائيين في التاريخ، سواء هم أطلقوا على أنفسهم أو الأقوام المجاورة عرفتهم بها. ومن هذه التسميات ومعانيها كالآتي:

• المندائيون .. من (مندا) أي العارفون بوجود الحي العظيم، أي الموحدون.

• الناصورائيون .. وهي تسمية قديمة جدا، وتعني المتبحرين او العارفين بأسرار الحياة. أو (المراقبين ، الحراس).

• الصابئة .. من (صبا) أي المصطبغون (المتعمدون) باسم الرب العظيم.

• المغتسلة .. من (غسل) أي تطهر ونظف. وأطلقها المؤرخون العرب، وذلك لكثرة اغتسالهم بالماء (تعميدهم وغطسهم بالماء). 

• شلماني .. من (شلم - سلم) وهي تسمية آرامية مندائية تعني المسالم.

• ابني نهورا .. أبناء النور، وهي تسمية أطلقت عليهم في كتبهم الدينية.

• اخشيطي .. من (كشطا) أي أصحاب الحق او أبناء العهد، وهي تسمية أيضا أطلقت عليهم في الكتب الدينية.

• المصبتيين .. من (مصبتا) أي المتعمدين او المصطبغين وهي اصل كلمة (الصابئة) في اللغة العربية .. وقد أوردها الكاتب المسيحي هيغوسيبوس.

 

المندائية وتساوي الجنسين:

 

ان الفكر المندائي يعطي قدسية عظيمة للعنصر الذكري والعنصر الانثوي في هذه الحياة، ويعتبرهما من التكوينات السماوية الاولى والمتوازية في الخلق، حيث يرمز للعنصر الذكري ب(سيندركا- النخلة او رمز التكاثر والثبات) ويرمز للعنصر الانثوي ب (اينا – عين او ينبوع المياه). وان اتحادهما يمثل القوة الخالقة والتي هي الحياة.

 

من هنا نفهم أن المندائية تؤمن بان العنصر الأنثوي ليس طارئا على الخليقة، وانما موجود في الأصول الاولى للخلق. فهناك نرى ورود عدد كبير من اسماء الكائنات النورانية الانثوية، التي لها قداستها في الايمان المندائي، والتي تاتي مصاحبة للكائنات النورانية الذكرية (من ملائكة، اثري، ناطري) وقرينة لهما. ومن امثال تلك الكائنات النورانية الانثوية نورد بعضها: سيمات هيي (ام الحياة)، ازلات ربتي (ازلات العظيمة)، مركنيثا دكيثا (الجوهرة الطاهرة)، بهرات انانا (السحابة النقية) ...الخ. فقد جاء في كنزا ربا ما يلي: 

(( اذهب واخلق رجلا واحدا وامرأة واحدة وأطلق عليهما الاسمين آدم للرجل وحواء للمرأة)).

 

درجات الكهنوت المندائي:

 

ان رجال الدين المندائيين على درجات متفاوتة، كلا حسب درجته الدينية التي ينالها نتيجة دراسته واكماله الطقوس الروحية الواجبة ونتيجة ايضا ترشيحه من قبل رجال الدين البقية. وان درجات رجال الدين المندائيين كالاتي:

• الربي: أي معلم الحق .. وهذه الدرجة روحية لايمكن احد ان يصلها الا باختيار من الرب العظيم، وهي بمثابة النبي او المشرع لامور الدين، وان اخر انسان وصلها حسب ايمانهم هو يوحنا المعمدان او كما هو معروف عند المسلمين النبي يحيى بن زكريا. أي قبل حوالي 2000 سنة.

• الريشما: أي رئيس الامة، ويوجد شخص واحد فقط بهذه الدرجة.. وهو رئيس الطائفة الروحي.

• الكنزبرا: أي (ابن الكنز) ويقصد به (المفروض!!) من هو فاهم فهما عاليا بامور الكتاب المقدس للطائفة من تشريع وتفسير .. وهو المسؤول عن اداء كافة الطقوس الدينية مثل الزواج وغيرها .. ويوجد اربعة من هذه المرتبة.

• الترميذا: وهو رجل الدين الذي له الحق في اداء المراسيم الدينية لعامة الطائفة وهو الذي يقوم بتثقيف ابناء الطائفة وتعليمهم .. ويوجد 30 ترميذا في العالم.

• الشكندا: وهو المساعد الديني لرجال الدين عند ادائهم الطقوس الدينية، وبدونه لايتم أي طقس ديني كبير.

 

ويجب ان يمر المرشح لنيل الدرجة الاولى من سلم رجال الدين، باختبارات دينية وسلسلة من الطقوس التي تستمر لمدة اسبوع واحد يلبس خلالها مع استاذه المشرف، الملابس الدينية البيضاء الخاصة بالموت والتي ترمز الى موت حياته القديمة وولادته مرة اخرى .. يتبعها فترة اعتكاف للصلاة والتامل والدراسة لمدة 60 يوم من العزلة التامة، حينها يستلم هداياه واسلحته الكهنوتية وهي (خاتم الحياة وهو من الذهب الخالص ويجب ان يرتديه مادام حيا في خنصر يده الايمن، وعصا الكهنوت من شجرة الزيتون، والتاج الذي يحاك من الحرير الخالص، وباقة من اغصان شجرة الاس التي ترمز لخلود عطر الحياة الطيب) بعدها يصبح المرشح برتبة ترميذا. ومن المفيد ان نذكر ان رجال الدين المندائيين يتزوجون وينجبون لان عدم الزواج لديهم محرم، وايضا ان رجل الدين يجب ان يكون خاليا من أي عاهة جسدية او عقلية، وصحيح النسب من ابويه. وان رجل الدين المندائي يعد وجبات طعامه بنفسه والمتكون من مواد طازجة وطبيعية غير صناعية، ولا يحق له تناول الطعام مع عامة الناس.

 

بعض الشروط التي يجب توافرها في الشخص الذي يبغي ان يصبح رجل دين:

• ان يكون سالما من الامراض العضوية والعقلية.

• ان يكون جسده كاملا ولا يوجد اي نقص او زيادة في اعضاءه.

• ان يكون عمره 21 سنة فما فوق. ويوافق عليه مجلس عموم الطائفة من الناحية الاجتماعية (حسب ماورد في النظام الداخلي للطائفة في بغداد).

• ان يتخرج من المدرسة الدينية، وان يكون تلميذا لاحد رجال الدين.

• ان يكون لديه خبرة في كيفية اداء المراسيم الدينية.

• ان يكون على درجة جيدة من الثقافة العامة.

 

اوردت الباحثة والمستشرقة الانكليزية المشهورة في الشان المندائي (الليدي دراور) في كتابها (المندائيين في العراق وايران) بان الطائفة سوف لا تستمر الى فترة اطول لان رجال دينها الموجودين في تلك الفترة كبار في السن وان حتى ذريتهم ترفض ان يكونوا رجال دين ..اعتقد لو ان الباحثة اعلاه لازالت على قيد الحياة وموجودة في ما بيننا الان لكانت قد غيرت رايها وهي تتجول فيما بين طائفتنا الان!!

 

على كلا هنالك حقائق وراء تبنيها لرايها السابق .. ومن اهم الحقائق هي ان الانخراط في السلك الديني بقى محصورا لفترات طويلة وراثيا في عوائل خاصة في الطائفة، الى ان جاء الريشما عبدالله الكنزابرا نجم الى رئاسة الطائفة الروحية( مع عدة عوامل اخرى) بدأ عدد كبير من الشباب المندائي بالانخراط في السلك الكهنوتي.

 

لم اكن يوما افكر بان اصبح رجل دين، وانما كنت ملهما ومتلهفا بالمفاهيم الدينية والاخلاقية المندائية، ومتمسكا بالحياة الدينية والاخلاقية المندائية. فلم تكن عائلتي من فئة رجال الدين وانما فئة لها مؤهلاتها العلمية والمهنية. وما تروني الان كحالة واقعية امامكم الا نتيجة هذا التحول في بعض المفاهيم الدينية والاجتماعية للطائفة، بعدما كانت مغلقة لعدة اسباب على نفسها في بيئة قاسية ومضطهدة لها وهي بيئة جنوب العراق. فقد اصبح الان اكثر من 27 رجل دين واكثرهم من الفئة الشابة بعدما كانوا 7 في فترة بداية الثمانينات من القرن الماضي. هذا احد الادلة القوية على تمتع هذه الطائفة بقدرة ورغبة كبيرة في البقاء والاستمرار .. لان مؤمنيها يؤمنون بان اذا انقرضت المندائية من هذه الحياة فان فناء الارض سوف يكون قريبا.

 

بعض الامور العصرية التي تواجه الطائفة المندائية:

 

في فترات معينة وطويلة، استطاع المندائيون ان يجابهوا الظروف القاهرة المحيطة بهم، بالانعزال التام عن مسرح الاحداث، او على الاقل الابتعاد نسبيا عن مدى تاثيراتها .. وساعدتهم في ذلك البيئة القديمة التي كانوا يعيشونها في جنوب بلاد الرافدين، في قرى صغيرة موزعة على ضفاف الانهر وما بين الاهوار، والاضطهاد الكبير والمستمر الذي تعرضوا له من قبل اغلبية جيرانهم وذلك بسبب النظرة الخاطئة والمريبة (مع العلم ان لهذا الانعزال ايجابياته في وقته، وسلبياته التي نجابهها الان بسبب ذلك الانعزال). ولكن هل الانعزال في ظل هذا الوقت هو الحل الصحيح لديمومة الطائفة؟! في ظل فرص الحرية والديمقراطية التي تتمتع بها في الدول المتحضرة وفي ظل التحول السريع للنظام العالمي والذي جعل من العالم قرية عالمية صغيرة وما رافقه تحول في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية!! سؤال مطروح لابناء الطائفة. وان التغير في الظروف التي تعيشها الطائفة في الوقت الحاضر هو من اكبر التحديات التي مرت بها الطائفة على مدار مئات السنين الماضية.

 

من اهم الامور التي تواجه الطائفة هي:

1. كيفية تثبيت حقوق الطائفة الدينية والمدنية في كل من العراق وايران.

2. كيفية ابقاء وسائل الاتصال بين جسد الطائفة التي تقطع الى اوصال صغيرة منتشرة على اكثر من 12 دول في العالم.

3. كيفية تخليص المندائية من بعض الافكار الغير جوهرية والغير مناسبة والتي علقت بها مع مرور الزمن، وتشذيب الطقوس والمراسيم واظهار الجانب الروحي والمهم والحقيقي منها.

4. هنالك عدد من ابناء\بنات الطائفة الصابئية المندائية الذين تزوجوا من خارج محيط الطائفة لاسباب متعددة .. وفي نفس الوقت مصرين على ايمانهم المندائي، وترغب ذريتهم بالانظمام الى الجماعة المندائية.

5. كيفية استقطاب الفئة الشابة في المجتمعات الجديدة التي تعيش بها الطائفة، وكيفية وضع الخطط الناجعة لاستقطابهم.

 

يؤمن الكثير من ابناء الطائفة بان على المندائية ان تتبنى خطوات جديدة لتستطيع ان تستمر حية وقوية وخاصة في ظل الظروف الجديدة التي تعيشها الطائفة وكذلك في ظل التحول الذي حصل لابناء الطائفة من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والعلمية. فلذلك ان رجال الدين ومثقفي الطائفة ومؤسساتها كافة يتحسسون اهمية عقد مؤتمر عام لرجال الدين المندائيين في العالم من اجل مناقشة بعض الامور المهمة التي طرات على حياة هذه الطائفة، ومناقشة تشكيل مجلس ديني عالمي يضم جميع رجال الدين في العالم له الية خاصة من اجل مواصلة خدماته والوصول بنجاح الى اهدافه .. نطلب من الرب العظيم القوة والشجاعة لتحقيق هذا الامر المهم .. دعوتنا ان يلتفت رجال الدين ومثقفي الطائفة وخادميها الى امور اكثر جدية ويتركوا المهاترات والمناحرات الداخلية التي لاتغنى ولاتسمن احدا سوى المنتفعين والطفيليين.

 

 

الأربعاء, 03 نيسان/أبريل 2013 17:39

خروج النشمثا من الجسد وفق النصوص المندائية

 

كثرت التساؤلات حول كيفية خروج النشمثا من الجسد الفاني، وما هي الوضعية التي يكون بها الجسد بعد الخروج ؟ لقد طرح هذا السؤال على الكثيرين من الفقهاء من الاديان الاخرى ولكنهم جميعاَ قالوا بعدم العلم بهذا ونسبوا علمة الى الله .. اذ ان جميع الكتب المقدسة في ديانتهم والتي يعتمدون عليها في التشريع لا تجيب بصورة صريحة ولا يقبل معها التفسير او التأويل في النص عن هذا السؤال المهم ..... بل تركت الباب مفتوح لما قولناه ... وقيدت بعض الإجابات بأنها محصورة ب الله وحده.. وهذه تعتبر اسرار ربانية .. ولا يسع المقام هنا لشرح هذه النصوص و المقارنة بينها فنترك امر ذلك للقارئ العزيز. لكن لو تصفحنا كتب الشريعة المندائية والتي هي أقدم شريعة بشرية لوجدنا أن هيي قدمايي) قد أجابنا عن طريق نبيه و رسوله(نبيها و شليها) يهياهانا( امبرخ اشمة) مبارك اسمة على هذا التساؤل الذي باتَ يحير عقول من تطرقت اليه... لأن طبيعة العقول البشرية مهما أتسعت فهي ناقصة.. ومهما بلغت من حيث العلم و المعرفة فهي قاصرة عن معرفه بعض الحقائق التي تعجز العقول على ادراكها ولكن هيي قدمايي) الحي الازلي مبارك اسمه هو الاوسع و الاشمل لآنه ( أزيزا هكيما ويَدويا هازَي وشَليطا أد ال كُل صبو) الكنزا ربا القسم الايمن{ العزيز الحكيم و العليم البصير و القادر على كُل شئ} .... فقد جاء في كتابنا المقدس (دراشا اد يهيا) تعاليم ابونا يهيا يهانا مبارك اسمه في النص ثلاثين عن المحاورة التي جرت بين النبي يسوع (علية السلام) ونبينا ورسولنا يهيا يهانا (مبارك اسمة)حول كيفية خروج النفس ( النشمثا) من الجسد الفاني . وهاك عزيزي القارئ النص المترجم 

{ باسم الحي العظيم ـ معظم النور السامي

يهيا وعظ في لياليه يهيا في اماسي الليالي , يهيا وعظ في لياليه وقال:

....... تكلم المسيح قائلا ليهيا في أورشليم , حلفتك يا يهيا بالحي العظيم وبملاك الاحد (هبشبا) الموقر أسمة أقسمت يا يهيا عليك با الدرب الذي سلكه المختارون الصالحون حدثني ماذا يشبه دفة سفينه صاورئيل* أجبني النفس (النشمثا) عندما تغادر الجسد بماذا تكون مغطاة وماذا تشبه وهي داخل الجسد الفاني, أليست تشبه الدم (زما) حيث تسخن الجسم وهو منغلق أم ربما تشبه الريح عند خروجها من الجبل تتأخر وتعاق . اولا تشبه الندى عندما يسقط على أوراق الآشجار يتبخر و يتلاشا. عندما قال ذلك المسيح صرخ يهيا بصوتٍ عالٍ وهو يسترسل الدموع دونما انقطاع ثم قال: النفس لا تشبه الدم الذي يسخن الجسم وهو مغلق ولا تشبه الريح عندما تخرج من الجبال تتأخر وتعاق ...النشمثا محتجبة ومتلفعة بالنور , تدخل الجسد الفاني خفية .عندما تكون مجهزة بلباس النور , تصعد على دفة سفينة صورئيل.تظهر ثلاثة ألسنة من الضوء مسرعة لتلحق بها ثم تتركها على التعاقب, اما الثالثة فتغادرها تاركة لها رايه بيضاء. وعندما تغضب النار.. فأن النسمة تخرج منسلة من القدم و الركبه وتقترب من الخاصرة حيث ترحل منها وتأتي قابضة على قلبه ثم تنزل على الصدر منحسرة, فتغم عيني الانسان وسيمائه وشفتيه ثم تلتف حول لسانه , صورئيل يناديها قائلاَ أنفصلي يا نشمثا.

لماذا ترقبين الجسد؟ قالت له’ : من جسدي أخرجتني يا صورئيل , أمنحني لباسي وحررني . قال لها أ تيني أعمالك ** و أجرك الذي سيمنحك لباسك . قالت لم أعرف صاورئيل أن أجلي قد حان ,وبصورة سريعة أرسلوك لي : اذا كانت أعمالي التي اديتها حسنة فأنك ستحضر لي الملابس وتلبسني أياها عندما تخرج النسمة ( نشمثا) من الجسد يحمله أربعة رجال مجهزين بملابس النور*** يسيرون به نحو المقبرة يبكون

تاره وينوحون تاره أخرى ويصرخون**** حتى يوضع داخل حفرة ضيقة ويواروا الجسد بالتراب في هدوء وفي عويل مكتوم ثم يطمروا الحفرة ويسحب الرجال أحدهم تلوا الاخر تاركين بسرعة الجسد داخل القبر, وبعدها يحضرون كأساَ من الماء ويقطعون الخبز***** وينسون الجسد الفاني}****** هذا هو ما جاء بالنص المستل من كتابنا المقدس دراشا اد يهيا والذي يوضح به بصورة جلية خروج النشمثا من الجسد الفاني .. فأن دل على شئ ؟ يدل على عظمة و شمولية الشريعة المندائية و أرتكازها على العلم الرباني في كل صغيرة و كبيرة فما من شئ توصي بهِ الشريعة المندائية ألاهو تأكيد على وصايا ( هيي قدمايي) مبارك اسمه الى عبادة الملتزمين و الماسكين شريعته{ طوبى لمن سمع وعلم وأرتقا بالنصر وشاهد مكان النور} الكنزا ربا القسم الايمن.

 

والحـــــي مزكـــى

وجدت من المناسب أن ابتدئ الحديث عن التوحيد الصابئي المندائي بذكر نصوص من كتابهم المقدس ( كنزا ربا ) الكنز العظيم لتكون مدخلا لمعرفة هذه الديانة وإضاءة أسسها التي تستند أليها وجواهرها التي قامت عليها .. (باسم الحي العظيم .. مسبّحٌ ربي بقلبٍ نقي .. هو الحي العظيم.. البصير القدير العليم العزيز الحكيم.. الأزلي القديم.. هو العظيم الذي لا يرى ولا يحد لأشريك له في سلطانه ولا صاحب له في صولجانه.. هو الملك منذ الأزل لا أب له ولا ولد ولا يشاركه ملكه احد.. موجود منذ الأزل .. باق ٍ إلى الأبد(1) ( قل يا عبادي لا تزنوا ولا تسرقوا ولا تنتهكوا حرمات الناس.. لا تكنزوا الذهب والفضة فالدنيا باطلة ومقتنياتها زائلة.. لا تسجدوا للشيطان ولا تعبدوا الأصنام والاوثان.. صوموا الصوم الكبير.. صوم القلب والعقل والضمير.. يا أصفيائي لا تقربوا الملوك والسلاطين والمردة في هذا العالم ولا تثقوا بهم .لا بأسلحتهم ولا بحشودهم ول تلووا أعناقكم للذهب والفضة التي يكنزون أنها سبب كل فتنة سيتركونها وراءهم يوم إلى النار يذهبون .. لا تأكلوا الدم ،ولا الميت، ولا المشوه، ولا الحامل ولا المرضعة ولا التي أجهضت ولا الجارح ولا الكاسر ولا الذي هاجمه حيوان مفترس وإذا ذبحتم فاذبحوا بسكين من حديد.. إذا اتخذتم لأنفسكم أزواجا فاختاروا من بينكم وأحبوهن وليحفظ أحدكم الأخر. هبوا الخبز والماء والمأوى لبني البشر المتعبين المضطهدين .. إياكم والهُزءَ بمعوق أو السخرية من ذي عاهة . أن الأجساد قد تبتلى بالأوجاع ولكن نشماثا ( الأنفس) لا تهان ولا تزدرى ألا بإعمالها. أن عكازتكم يوم الحساب أعمالكم التي عليها تتوكأون فانظروا إلى ماذا تستندون)(2) يعتبر الدين الصابئي المنداني من أقدم الديانات الموحدة بل هو أقدمها على الإطلاق لان جذوره تمتد بعيدا في حضارة وادي الرافدين القديمة منذ العهد السومري ومن بعده الاكدي والبابلي وقد أثارت هذه الديانة حولها كثيرا من الخلافات في وجهات النظر والآراء المتعددة وان قراءة دقيقة متأملة لما ورد فيها من عقائد وشعائر ومثولوجيا ستضعنا أمام تلك الحقيقة حقيقة قدم هذه الديانة وتأثيرها في الوسط الذي نمت وعاشت فيه وتأثرها به في الوقت نفسه لقد أكد معظم الباحثين والمؤرخين العرب المسلمين القدامى على قدم الديانة الصابئية المندائية بعد أن ورد ذكرهم في القران الكريم باعتبار ديانتهم ديانة موحدة قائمة بذاتها حالها حال الديانات الكتابية التي ذكرت فيه في ثلاث سور مباركة هي سورة البقرة ، وسورة المائدة، وسورة الحج .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) كنزا ربا/ اليمين/ الكتاب الأول التسبيح الأول/ التوحيد 

(2) كنزا ربا / اليمين / الوصايا 

( أن الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الأخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (1) 

فالقران الكريم إذ يذكرهم مع اليهود والنصارى أنما يعتبرهم موحدين مؤمنين بالله واليوم الأخر. 

وقد اختلف الرأي فيهم فالبعض اعتبرهم وثنيين عبدة كواكب والبعض الأخر عدهم من أهل الكتاب كما ورد في القران الكريم .. فقد ذكر ابن النديم في كتابه الفهرست من مذاهب الحرانية الكلدانيين المعروفين بالصابة .فأورد حكايتين مطولتين الأولى مكتوبة بخط احمد ابن الطيب تلميذ الكندي ، والكندي كما يقول ابن النديم من عظماء الفلاسفة وأفذاذ المفكرين كان يعرف السريانية واليونانية والهندية والفارسية لذا فان ما ورد في حكايته يطابق ما نجده في الكتابات المندائية ولا سيما فيما يخص الأيمان بالله واليوم الأخر. 

قال ابن النديم ( حكاية من خط احمد بن الطيب في أمرهم حكاها عن الكندي: اجتماع القوم على إن للعالم علة ولم يزل. واحد لا يتكاثر لا يلحقه صفة شيء من المعلولات كلف أهل التمييز من خلقه الإقرار بروبيته وأوضح لهم السبيل وبعث رسلا للدلالة وتثبيتا للحجة أمرهم أن يدعوا إلى رضوانه ويحذروا غضبه ووعدوا من أطاع نعيما لا يزول ووعدوا من عصى عذابا واقتصاصا بقدر استحقاقه) وتستمر الحكاية( بان دعوة هؤلاء القوم كلهم واحدة وسنتهم وشرائعهم غير مختلفة وان قبلتهم واحدة فقد صيروها لقطب الشمال وقصدوا بذلك البحث عن الحكمة وان المفترض عليهم من الصلاة في كل يوم ثلاث ولا صلاة عندهم الأعلى طهور والمفترض من الصيام ثلاثون يوما وعليهم الغسل من الجنابة وتغيير الثياب ومن مس الطامث ويتركون الاختتان ولا يحدثون على فعل الطبيعة حدثا ويتزوجون بشهود وفريضة الذكر والأنثى سواء ولا طلاق إلا بحجة بينة عن فاحشة ظاهرة ) وتستمر الحكاية ( بان الثواب والعقاب عندهم إنما يلحق الأرواح ويقولون النبي هو البريء من المذمومات في النفس والآفات في الجسم والكامل في كل محمود ويكون مذهبه ما يصلح به العالم.وقولهم في النفس أنها دراكة لا تبيد وأنها جوهر وليس بجسم ولا يلحقها لواحق الجسم ) ( وقال الكندي انه نظر في كتاب يقر به هولاء القوم وهو مقالات في التوحيد على غاية من التقانة في التوحيد لا يجد الفيلسوف إذا اتعب نفسه مندوحة عنها والقول بها )( 2 ) ان حكاية الكندي هذه توضح ان صابئة حران هم قوم موحدون وهم كصائبة جنوب العراق المندائيين يؤمنون بالله وباليوم الأخر. وتتفق مع مضمون الآيات القرآنية وهذا يضعنا أمام حقيقة أخرى أن صائبة حران هم أخوة في الدين مع صابئة البطائح في جنوب العراق بالرغم من وجود أقوام انتحلت هذه التسمية في حران.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) البقرة – أية 62 

(2) ابن النديم الفهرست ( 442 – 445 ) ينظر كتاب مفاهيم مندائية / ناجية مراني 

ثم يذكر ابن النديم الحكاية الثانية التي ترجع إلى زمن المأمون وهي منقولة عن أيشع ألقطيعي النصراني أراد بها الإساءة إلى صابئة حران وعموم الصابئة فلفق الكثير من الأفكار ودس العديد من التهم التي لاتمت إلى الصابئة بصلة وذالك بدافع الحقد والضغينة حيث كان البلاط العباسي يزخر بالعلماء والأطباء والفلكيين والمترجمين والأدباء من الصابئة المندانيين . وقد أشار العالم العربي المعروف البيروني في كتابة ( الآثار الباقية عن القرون الخالية ) ما ذكره بعضهم عن الصابئة يقول ( حكى عنهم ابن سنكلا النصراني في كتابه الذي قصد فيه نقص نحلتهم فحشاه بالكذب والأباطيل، ونحن لا نعرف عنهم إلا أنهم أناس يوحدون الله وينزهونه ) (1) 

كما تحدث الشهرستاني في كتابه ( الملل والنحل)(2) عن الصابئة لا سيما عن الجانب المتعلق بالمعرفة أو العلم الإلهي ويشير إلى ان الصابئة يوحدون الله تعالى وتشتمل عقائدهم على تلقي المعرفة العليا الإلهية بواسطة الروحانيات . ويجري بينهم وبين الأحناف مناظرة كانت تدور حول الروحانيات التي يتعصب لها الصابئة ويتعصب الأحناف للماديات ويقول عن فعل الروحانيات والملائكة يستمدون القوة من الحضرة القدسية ويفيضون الفيض على الموجودات السفلية ثم يذكر ان الصابئيين كلهم يصلون ثلاث صلوات ويغتسلون من الجنابة ومن مس الميت وحرموا أكل الجزور والخنزير ومن الطير كل ماله مخلب وأمروا بالتزويج بوليٍّ أو شهود ولا يجوز الطلاق إلا بحكم حاكم كما أورد ابن النديم أمورا مهمة عن الصابئة منها ( يوم دخل العرب المسلمون العراق قام أنش دنقا رئيس كهنة الصابئة آنذاك لمقابلة قائد المسلمين يحمل معه الكتاب المقدس للصابئة ليبين له ان قومه من أهل الكتاب وقد اقره على ذلك. 

وقال ابن النديم عن احمد بن عبد الله بن سلام مولى هارون الرشيد( ترجمت هذا الكتاب ويقصد 

به ( الكتاب المقدس ) من كتب الحنفاء وهم الصابيون الإبراهيمية الذين امنوا بإبراهيم عليه السلام وحملوا عنه الصحف التي انزلها الله عليه وهو كتاب فيه، ألا أني اختصرت منه ما لا بد منه ) وقال المترجم احمد بن سلام ( ترجمت هذا الكتاب والصحف والتوراة والإنجيل وكتب الأنبياء والتلامذة من العبرانية والصابية وهي لغة أهل الكتاب إلى اللغة العربية)(3). كما ذكر ابن أبي اصيبعة ان المحسن بن إبراهيم بن هلال الصابي مصنف كتاب ( شرح مذهب الصابئي ) ترجم كتاباً إلى العربية بعنوان السور والصلوات التي يصلي بها الصابئون )(4) لقد اتسمت كتابات ابن النديم في كتابه( الفهرست) والشهرستاني في كتابه(الملل والنحل) بشيء من الموضوعية حيث أنهما ذكرا الآراء المختلفة التي كانا يعرفانها في تلك الفترة وقد أكد كلاهما أن الصابئة يؤمنون بالله وباليوم 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

1. البيروني/ الآثار الباقية عن القرون الخالية 

2. الشهرستاني/ الملل والنحل 

3. ابن النديم/ الفهرست 

4. ابن أبي اصعيبه /عيون الإنباء في طبقات الأطباء(2ص 199)

 

الأخر ولديهم طقوس يقيمونها، كما إن لديهم أحكاما وفرائض يلتزمون بها كالصلاة والصوم والزكاة وتحريم السكر كما أنهم يحرمون لحم الخنزيروالاختتان. ولهم أحكام في الزواج والطلاق ومع هذا فقد شاب الكثير من أرائهم الخلط والضعف شانهم في ذلك شأن العديد من الكتاب والباحثين التراثيين حيث جاءت اغلب كتاباتهم تنقصها الدقة والتمحيص. وعن الذين تحدث عنهم أبو حنيفة ( أنهم ليسوا بعيدة أوثان وانهم يعظمون النجوم كتعظيم المسلمين الكعبة ويؤمنون بدين نبوي ويقرون بكتاب ) (1) ويقول عنهم الشيخ محمد جواد مغنية (2) أنهم أقدم الأديان ( يقرون بالله وبالمعاد وببعض الأنبياء )، كما ذكرهم العلامة جلال الدين عبد الرحمن السيوطي في كتابه حسن المحاضرة (3)( إن النبي إدريس عليه السلام دعا الخلق الى الله تعالى فأجابوه وكانت عقيدته الصابئية وهي توحيد الله تعالى والطهارة.) كما يؤكد معظم الباحثين المحدثين على ان الصابئة المندائيين موحدون يؤمنون بالروحانيات. يقول العقاد في كتابه ( أبو الأنبياء) (4): ان دين الصابئين كما هو مدون في كتبهم الدينية يتلخص في أنهم يؤمنون بالله واليوم الأخر ويؤمنون بالحساب والعقاب وان الأبرار منهم يذهبون بعد الموت إلى عالم لنور وان المذنبين يذهبون إلى عالم الظلام ولا يفرض الصوم عليهم بمعناه المعروف وهو الامتناع عن الطعام والشراب إنما يمتنعون عن أكل اللحوم المباحة لهم خمسة أسابيع متفرقة أيامها على طول السنة وهم ينزهون الله غاية التنزيه ويعتقدون ان مقر الملائكة(ملكي) هو في الكواكب نفسها لذلك فهم إنما يعظمون هؤلاء الملائكة لا الكواكب نفسها وليست لديهم هياكل أو أصنام ولابد عندهم في عقيدتهم من مخلوق متوسط بين الروحانية والمادية يهدي الناس إلى الحق فالروحانيات لديهم مخلوقة من كلام الله عزّ وعلا دعاها بأسمائها فوجدت وان كلام الله إلى الناس لا يصل ألا بواسطة مخلوق بين النور والتراب) .ويقول كذلك ( ولا يعرف دين من الأديان تخلو عقيدة الصابئة من مشابهة له في أحدى الشعائر .... والمحقق من أمرهم أنهم يرجعون إلى اصل قديم لان استقلالهم باللغة الدينية والكتابة الأبجدية لم ينشا في عصر حديث). ومن الدراسات الحديثة التي تناولت المندائية وفق منهج اركيلوجي تاريخي علمي مقارن هي دراسة الدكتور خزعل ألماجدي في كتابه( جذور الديانة المندائية) (5)

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

1.ينظر كتاب ناجية مراني/ مفاهيم صابئية مندائية ، ناجيه مراني2 

2. التفسير الكاشف- محمد جواد مغنية-بيروت -2ص117 

3.جلال الدين السيوطي- حسن المحاضرة 

4.العقاد- أبو الأنبياء- 108 

5.خز عل ألماجدي- جذور الديانة المندائية 

إذ استطاعت هذه الدراسة ان ترجع أصول هذه الديانة وجذورها الى الديانة السومرية التي هي اصل الديانات التاريخية في العالم كله على حد قوله فهو يرى( ان اصول الصابئية القديمة تكمن في الديانة السومرية ولكن نشأتها تبدأ من النمو تحت شبكة العقائد الاكدية والبابلية الجديدة) ويقول ( وبعبارة واحدة يمكننا القول ان الدين الصابئي المندائي هو ما تبقى او بقايا الدين السومري وهذا وحده هو الذي يفسر قول المندائيين عن دينهم بانه اقدم الأديان على وجه الأرض ) ومن خلال هذا المنظور فان الباحث يتقاطع مع كل الآراء التي ترجع أصول الديانة الصابئية المندائية الى اصول الديانات البابلية او الى أصول يهودية او يونانية او فارسية او مسيحية . والصابئة المندائيون يعتقدون أنهم غرس التوحيد الأول وان ديانتهم هي الأقدم منذ أدم وشيت وسام ويحيى (عليهم السلام) ولابد لنا من الإشارة الى الدور الكبير الذي اضطلع به المستشرقون المهتمون بالديانة المندائية والذين اطلعوا على أهم كتبها المدونة باللغة المندائية الارامية وتقصوا ما فيها من طقوس وعقائد واساطير وقد تمت ترجمتها الى اللغة الأنكليزية والألمانية لاسيما الكتاب المقدس (كنزا ربا) ونخص بالذكر من هؤلاء المتشرقين ليدزبارسكي الذي قام بترجمة أهم الكتب المندائية الى الألمانية ومنها كتاب كنزا ربا (الكنز العظيم) وكتاب (دراشة إدبهيا) مواعظ وتعاليم يحيى بن زكريا (عليه السلام) في عامي 1925 و 1905 وكذلك الليدي دراور التي عاشت في العراق ما يقرب من ربع قرن وأنصرفت الى دراسة المندائية فأتقنت لغتها كما أتقنت السريانية والعربية فنشرت كتابها الأول (المندائيون في العراق وايران) عام 1937 كما وضعت بالتعاون مع رودولف قاموس اللغة المندائية عام 1963 أما عن وجود الصائبة المندائيين فقد مال أغلب الباحثين المتشرقين المهتمين بهذه الديانة الى النظرية الغربية التي ترى انهم كانوا في فلسطين وحوض نهر الأردن ضمن طوائف البحر الميت تستند في ذلك الى ظهور شخصية يوحنا المعمدان، يحيى بن زكريا (ع) هنالك حيث كان يعمد الناس في نهر الأردن وقد عمد ابن خالته السيد المسيح، ولكن تحت ضغط المؤسسة الدينية اليهودية التي مارست العنف والاضطهاد ضد المندائيين بأعتبارهم معارضين بل مناوئين لسلطتهم السياسية ولآرائهم ومعتقداتهم وتحريض الناس ضدهم هاجر عدد كبير منهم الى حران ومنها الى جنوب العراق وقد ذكر هذه الهجرة كتاب (حران كويتا) حران السفلى وهو من الكتب المندائية التي تحدثت تاريخياً عن جزء من تاريخ المندائيين الضائع حيث لم يكن المندائيون مهتمين بتدوين تاريخهم، اما النظرية الثانية فهي النظرية الشرقية التي ترى ان الوجود الأول لهم كان في جنوب العراق حيث وفرة المياه وملاءمة المناخ ووجود عناصر مشتركة بين العقائد والطقوس والمثلوجيا المندائية وبين ديانات وادي الرافدين القديمة اذ كان للماء والنور دور واضح فيها (من يردنا العظيم الماء الجاري أنبثقت النطفة الأولى)( ) (صار الماء الحي الماء المتألق ومن المياه الحية نحن الحياة صرنا)( ) (لا حد للنور لا يوجد حد للنور ولا يدرى متى صار، ما صار الا بوجود الحي العظيم)( ). ورد هذا في الكتاب المقدس للصائبة المندائيين (كنزا ربا) ونحن نميل أنهم ظهروا في جنوب العراق للأسباب التي ذكرت.ولوجود ذكر لنهري دجلة والفرات والفرات في المندائية يسمى (فراش زيوا) فرات الضوء وان المثلوجيا المندائية في بعض صيغها وابنيتها تكاد تكون مشابهة للمثلوجيا الرافدينية القديمة .. بعد هذا من اين جاءت تسمية الصابئه المندائيين .. ما إن جاء ذكر الصابئين في القرآن الكريم حتى كان حافزاً لتناول هؤلاء القوم بالبحث والدراسة من لدن كتاب التراث العربي فقهاء ومؤرخين ولغويين. 

فيرى معظم اللغويين أن مفردة صابئي من الجذر صبأ وقالوا : صبأ خرج من دين الى اّخر .. لذا فقد اطلقت قريش على الرسول (ص) كلمة صابئي وكذلك على الذين آمنوا برسالته .. اي أنهم تركوا دين إبائهم وهو على الوثنية وجاءوا بدين جديد غيره ونعتوا عمر وابا ذر الغفاري والصحابه كونهم صابئين. وحين أسلم الشاعر الجاهلي لبيد (4) وهو صاحب احدى المعلقات قالوا عنه جاء بدين الصابئين.. ولأن التعاليم التي جاء بها الإسلام من توحيد وآخرة وثواب وعقاب وجنه ونار مشابهه لمعتقدات الصابئة المندائيين في كثير من جوانبها.لذا فأن قريش لم تنعت المسلمين الاوائل باليهودية أو النصرانية أو المجوسية وانما نعتهم بالصابئين (5) وهذا ما يجعلنا على يقين ان الصابئين كان لهم وجود وتأثير وان ديانتهم كانت معروفة على نطاق واسع. 

اما الجذر الحقيقي لكلمة صابئي فهو من (صبا) الآرامية التي تعني تعمد او ارتمس في الماء للتطهير وهي من الشعائر المندائية التي تمارس حتى يومنا ، ويطلق المندائيون على هذه الشعيرة (الصباغة)(6) من الفعل صبغ الذي يقترب من معنى الفعل (صبا) الآرامي وصبغ يعني غمس او تغيرّ وتشير كذلك الى معنى ديني هو التطهر .. ويذكر البيروني في حديثه عن الصوم كلمة صبغ بمعنى تعمد فيقول (ويوم المعمودية الذي صبغ فيه يحيى المسيح وغمسه في ماء المعمودية بنهر الاردن عند بلوغه الثلاثين) .. وكلمتا الصابئي المندائي تسميتان لمعنى واحد فكلمة مندائي مشتقة من كلمة (مندا) الاراميه والتي تعني المعرفة أو العلم وبهذا يكون الصابئي المندائي : المتعمد بالماء صاحب العلم والمعرفة لهذا فالديانة المندائية ديانة عرفانية غنوصية. وكلمة غنوص كلمه يونانية (gnosis ) ومعناها المعرفه وتستخدم بمعنى العلم والحكمة .. والغنوصيه مذهب شاع في القرن الثاني الميلادي رغم ان جذوره تمتد بعيداً قبل الميلاد ومنذ وجود وانتشار الديانة السومرية مرورا بالديانات والمذاهب الوثنية والموحدة وبالعصر الهلينستي .. ( إن المندائية هي الغنوصية وهي العرفانية بأدق واكمل اشكالها ) كما يقول الدكتور خزعل الماجدي (1) . وهي بذلك تؤسس طريقة لادراك المعرفة العليا وكنه الاسرار الربانية. وهذا ما يقابله ( الكشف ) عند الصوفية لذا فأن رجال الدين المندائيين لايقرون علنية الدين لأن ذلك يتعارض وباطنيته.. ويقول الباحث محمد عبد الحميد الحمد في كتابه ( صابئة حران والتوحيد الدرزي) (2) (اثر الصابئة في النزعات الصوفية ومذاهب التوحيد ومنهم ( الدروز ) الذين هم قوم آمنوا بالله وباليوم الاخر ولهم جذور عريقة في الفكروالتاريخ يقول ايضاً (الصابئة ديانة عرفانية سرية كان مقرها حرّان في شمال سوريا وهم اتباع ابراهيم الخليل (ع) ويدعون ( الحنوفون ) ويقصد بهم الأحناف .. وقد برز نشاط الافكار الغنوصية في القرن الاول الميلادي واتسع في القرنين الثاني والثالث وفق انظمة فكرية متعددة بتعدد الفرق والطوائف التي ضمتها خيمة الغنوصية .. (ولم يبق من فرقها اليوم سوى المندائية )(3 وقد عارض دعاة المسيحية الاوئل لاسيما في القرن الاول الميلادي الدعوات الغنوصية مما ادى الى الاصطدام بها ومحاربتها واعتبار كل دعوة خارج حدود الأناجيل الأربعة هرطقة لايجوز التعامل معها ورفض اية فكرة تمس الأيمان وتضع العقل في منزلة اعلى من منزلة الأيمان .. والغنوصية تقوم على اساس تحرير النفس البشرية التي هي نسمة ( نشمثا ) او قبس من الله من الجسد الذي هو بمثابة سجن والتحاقها بالعالم العلوي الذي هبطت منه وهذا يذكرنا بقصيدة الفيلسوف ابن سينا التي مطلعها : هبطت اليك من المحلِ الارفع ورقاءُ ذاتُ تعزز ٍ وتمنع ِ 

ويقصد بذلك هبوط النفس الى جسد الإنسان وهذا دليل على انتشار أفكار وعقائد الغنوصية ويقول احد دعاة الغنوصية ( فالنتينوس) (ان من يملك قلباً طاهراً . لم تدنسه الخطيئة ويشع بالنور . فأنه يبارك برؤية الله ) لقد لاحظنا ان اغلب الذين تناولوا الدين الصابئي المندائي اشاروا الى حقيقتين اولهما قدم هذا الدين كونه سابقاً على جميع الديانات الموحدة وثانيهما انه دين توحيدي يؤمن بالله وباليوم الأخر وبالعقاب والثواب وبالجنة والنار وهي اهم الثوابت المشتركة بينه وبين الديانات الأخرى فبالنسبة للتوحيد يؤمن الصابئة المندائيون بوجود اله واحد خالق الكون. .. والحياة والكائنات الروحية النورانية والكائنات المادية. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

1 خزعل الماجدي – مجلة الطيف المندائي العدد الثاني 

2- محمد عبد الحميد/ صابئة حرن والتوحيد الدرزي 

3- عزيز سباهي- اصول الصابئة ومعتقداتهم الدينية 

(هو العظيم الذي لا يرى ولا يحد هو الملك منذ الأزل، لا أبَ له ولا ولد ولا يشاركه ملكه أحد)(1 وبهذا التوحيد لله وتنزيهه يلتقي الدين المندائي بالديانات الموحدة الأخرى لاسيما مع الدين الإسلامي فالتسبيح الأول من كتاب كنزا ربا (الكنز العظيم) الخاص بالتوحيد يقترب كثيراً مما ورد في القرآن الكريم لاسيما الأسماء الحسنى. والملاحظ ان اغلب نصوص الكتاب المقدس كنزا ربا لابد من الإشارة فيها الى الله الذي يطلق عليه الحي العظيم، الحي الأزلي (هيي قدمابي)، ملك النور السامي (ملكا اد نهورا) الله الذي انبثق من ذاته (الها اد من نافشي افراش) وبأرادبه كان كل شيء (الكون والخليقة والحياة والإنسان) والعبارات الثلاث التي تتكرر في أكثر من نص من نصوص الكتب المندائية (‘اكاهيي، ‘اكاماري، إكامندا دهيي) معناها (الحي موجود، المولى موجود، عارف الحياة العليم موجود) تمثل قمة التوحيد وهذه العبارات الثلاث بتداولها المندائيون باستمرار. ويذكر اسم الحي الأزلي في جميع الطقوس المندائية بل هو فاتحة كل نص أو شعيرة، والصفات التي تطلق عليه إنما تطلق مجازاً فهو فوق كل صفة أو نعت. ويؤمن الصابئه المندائيون باليوم الأخر وبالثواب وبعودة النفس الى بارئها بعد الموت إذ تؤكد معظم النصوص الدينية خاصة في الكتاب المقدس وفي كتاب مواعظ وتعاليم يحى (ع) (دراشة اديهيا) على ان النفس (نشمثا) بعد الموت تعرج إلى السماء وصولا إلى عالم الأنوار ( الجنة) ( الما دنهورا) متحررة من سجن الجسد المجبول من التراب والطين لتلتحق بعالمها الذي جاءت منه فهي أسيرة وفي الموت خلاصها وتحررها لترجع إلى مكانها السامي الذي هبطت منه وبهذا فالموت في الديانة الصابئه المندائية تحرر وانعتاق وعودة إلى عالم الأنوار والخلود الأبدي. ولابد لنا ان نذكر ما جاء في القرآن الكريم (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربكِ راضية مرضية فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي) والنفس بعد الموت في المندائية تظل ثلاثة أيام تتردد بين القبر والبيت بعدها تبدأ رحلتها نحو السماء لتصل إلى محطات الحساب والتطهير (مطراثي) فيسألها الملائكة الموكلون عن أعمالها فتقف في مطهر الملاك أباثر موزانيا ملاك الميزان لمعرفة درجة نقائها وطهرها مقارنة بنقاء نفس شيت (شيتل) بن آدم فأن ماثلتها فأنها تمر بسلام عبر المطاهر الأخرى حتى تصل إلى عالم الأنوار وأن كانت مثقلة بالذنوب والسيئات 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

1 كنزا ربا – اليمين / التسبيح الأول- التوحيد 

فستعاني كثيراً حتى تتطهر لتصل إلى العالم المنشود وفي الديانة المندائية مصطلحان النفس والروح. النفس تمثل النقاء والطهر والخير والخلود لأنها نفحة أو نسمة من الله وهي في صراع مع الروح داخل الجسد التي تمثل الغرائز والنزوات المادية للجسد وتحاول النفس ان تحد من نشاطها وهذه مهمتها فأن فشلت او عجزت فستحاسب كما رأينا. وهنالك نصوص عديدة في كتاب كنزا ربا تتناول صعودها وعروجها ومرورها بالمطاهر. وهذه مقتطفات منها : 

(صرخة، صرختان، صرختان اثنتان، انهما معاً جالستان، تبكيان وتتعلمان .. الروح ونشمثا (النفس) .. الروحُ تقولُ لنشمثا: بحياتكِ يا أختاه .. بحياة كلَّ تلك السنين .. خذيني معكِ حين تنطلقين – كيف آخذكِ معي الى من ادق بابه، وانتِ روح كذّابة ؟ إنكِ يا أختاه تكذبين .. انتِ لا ترين وتكذبين وصاحبُ الميزان، الذي لا يحابي انسان .. والذي يزن الأعمال ويرفعها الى الديان كيف اوصلك اليه ؟ وكيف ادخلك عليه ؟ إنه يصعد الكامل لكماله .. ويمسك بالناقص لسوء أعماله .. فكيف اخرج بكِ من اقفاله ؟)(1 

(باسم الحيّ العظيم .. يا عصافير القفار الجالسة فوق قناديلها . ماذا من القفار تأكلين ؟ .. وماذا من القناديل تشربين ؟ وبماذا في طريقك تتزودين ؟ يا عصافير القفار .. لا الفضةُ ولا النضار، زاد في الطريق يكونان .. ولا المال ولا المرجان .. الصدقة والأحسان وثبات قلبك في الأيمان .. ذاك هو زادك في طريقك الى الديان)(2). 

(بأسم الحيّ العظيم .. أسمع صوت نفس ما، وهي تخرج من جسد الحرمان .. من داخل هذا العالم خرجت . اسمعها تقول: عارية اتيت الى هذا العالم فارغة منه اخرجوني .. مثل عصفور لم يرافقه شيء .. ثم التفتتْ الى الهيكل الذي منه خرجت : ماذ افعل بك يا جسدي ؟ الباقي في هذا العالم ماذا افعل بك ؟ يا جمال جسدي الذي سيأكلك في القبر الدود .. ماذا أفعل بك ؟ يا قميص الورد ماذا افعل بك . لو كنت ثوب ضياء ونور للبستك يا جسدي ولصعدت معي الى بيت هيي (الحي) .. لو كنت اكليل ضياء ونور لضفرتك على رأسي ولصعدت معي الى بيت هيي .. ماذا افعل بك يا جسدي وانت من طين جبلت ؟)(3)._______________________ 

1- كنزا ربا اليسار – التسبيح الخامس والعشرون 2- كنزا ربا اليسار / التسبيح الخمس والثلاثون 3 - كنزا ربا اليسار – التسبيح الثامن والثلاثون 

فالجسد في الديانة المندائية، زائل وهو من عالم النقص والعوز .. العالم السفلي : العالم الزائل، عالم الظلام، والنفس من عالم النور، العالم العلوي، عالم الخلود الذي انفصلت منه واليه تعود .. وتشترك جميع الديانات الموحدة ان الله خلق آدم من طين وتراب، والديانات الرافدينية القديمة يشير كثير من نصوصها ان الآلهة خلقت الإنسان من الطين كذلك .. ففي كنزا ربا تتوفر تفصيلات كثيرة في عملية خلق آدم وتؤكد ان الحي الأزلي أمر الملائكة بخلقه فجبل من التراب والطين .. (ومن التراب والطين الأحمر والدم والمرارة ومن سرّ الكون جبل آدم وحواء زوجة وحلّت فيهما نشمثا (نفس) بقدرة ملك النور)(1). وفي القرآن الكريم يتم خلق آدم من الطين .. (إذ قال ربُك للملائكة أني خالق بشراً من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)(2) (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون)(3). 

(إن مثل عيسى كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون)( ) وجاء في العهد القديم (ثم جبل الرب الإله آدم من تراب الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياةٍ فصار ادم نفسْاً حية)( ) .. كما تشترك جميع الديانات الموحدة ومنها الديانة المندائية بوجود الملائكة وهي كائنات غير مرئية تسمى في المندائية (ملكي) وترافقها كلمة (أثري) وتعني كائنات نورية وتسمى ملائكة النور وملائكة الضوء وقد خلقها الله وأوكل لها مهمات عديدة منها حراسة الحياة والناس والمراقبة والمحاسبة وتنفيذ أرادته السامية. كما ان بعضهم قام بعمليات خلق بأمر منه. وكثير من النصوص المندائية تحفل بعدد كبير منهم وبأسمائهم وبهذا تشترك المندائية مع أخواتها الديانات الموحدة بالأيمان بوجود الملائكة ونلاحظ ذلك أيضاً في القرآن الكريم وفي العهد القديم وفي الأناجيل .. ان الشعائر والطقوس في جميع الديانات الموحدة وحتى في الديانات القديمة الوثنية تعتبر الجانب العملي والتطبيقي للعقائد والأفكار التي تمثل الجانب النظري تشترك بصلات عديدة في الشكل والمحتوى وان اختلفت في بعض التفصيلات ففي جميعها صلاة وصوم وزكاة وشعائر تقام للزواج والوفاة وطقوس للتطهر من الخطيئة وتقدميات أو تضحيات. فالصلاة في الديانة المندائية تعد من الشعائر المهمة وهي تقترب في مظهرها ومحتواها من الصلاة في الإسلام ففي المندائية تبدأ الصلاة بالرشامة (الوضوء) والرشامة

 

مصدر من رشم في العربية تقول رشمت الطعام ارشمه إذا ختمته(1) وتعني أيضاً الاغتسال بالماء والرشامة هي رسم المندائيين وختمهم .. يقول المصلي أثناء الرشامة وهو واقف عند الماء (روشما الاوي لا هوا بنورا ولا هوا بمشّا ولا هوا ادمشيها، رشماي بيردنا (الماء الجاري) ادميا هيي) ومعناها : ليس رسمي بالنار (يقصد المجوس) وليس بالزيت (يقصد اليهود وليس بالمسح (يقصد المسيحيين) رسمي هو الماء الجاري، ماء الحياة .. ثم يبدأ برسم جبهته بالماء (غسلها) من اليمين الى اليسار، ويغسل الأذنين والأنف والفم وغسل الركبتين والرجلين وتذكر التراتيل مع كل جزء من الجسم الذي تم رسمه بالماء وان التراتيل تكرس توحيد الله وعدم السجود للشيطان وآخر ما يقوله المصلي في شعيرة الرشامة (الوضوء) (أنا فلان بر فلانة صبيت بمصبوتا بهرام ربا بر روربي، مصبوتي تناطري وتسق لريش، اشما ادهيي واشما اد مندادهيي مدكر إلاي) ومعناها انا فلان بن فلانة اصطبغت (تعمدت) بصبغة إبراهيم الكبير عمادي يحرسني وسمو بي إلى العلا، اسم الحي واسم عارف الحياة العليم منطوقٌ علي. اما القسم الثاني من الصلاة تسمى (البراخا) (التبريكات) وتبدأ بعد الانتهاء من الوضوء (الرشامة) ويكون المصلي واقفاً متجهاً إلى الشمال وعليه الانحناء كلما ذكرت كلمة السجود وتبدأ التراتيل (إكاهيي .. إكاماري .. إكا منداد هيي) ومعناها : الحي موجود ، الرب موجود، عارف الحياة العليم موجود وتستمر التراتيل إلى أن تنتهي بالسلام على الملائكة والأسلاف الآباء القدامى ومنهم آدم وشيت ويحيى (يوحنا المعمدان) .. ويبقى معنى ومحتوى الصلاة واحداً في جميع الديانات وهو السجود لله وحده وعبادته وعدم الشرك به والالتزام بما أمر واوصى والتقدمات أو التضحيات في المندائية(2) والتي يقدمها الصايئي للتقرب للحي الأزلي وابتغاء مرضاته هي ان تكون منحة وعطاء إذ يعطي بعضاً مما رزقه الله للفقراء والضعفاء والمحتاجين وتسمى (زدقا) صدقة. (إذ تهبون صدقة يا اصفيائي فلا تشهدوا عليها، بئس من وهب صدقة فأفسدها بالتشهير)(3) ومن التضحيات الأخرى الامتناع التام عن ممارسة المحرمات والابتعاد عن كل ما يسيء إلى علاقة الفرد بالحي الأزلي ومحاسبة ألذات باستمرار والالتزام بتأدية الشعائر لاسيما الخاصة بالتطهير وفي مقدمتها التعميد (الصباغة) والتي هي من أهم الطقوس المندائية التي تعني تطهير الجسد والنفس من النجاسة والخطيئة والآثام وهو طقس تنفرد به ألان الديانة المندائية بعد 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

1ـ معجم الصحاح للجوهري 2- ناجيةمراني/ مفاهيم مندائية 3-كنزا ربا/ الوصايا 

ان انقرضت الطوائف التي كانت تمارس هذهِ الشعيرة التي تجري في المياه الجارية حيث عمد يحيى 

(يوحنا المعمدان) السيد المسيح في مياه نهر الأردن .. وكذلك تأدية شعيرة الصوم (صوما) حيث تؤكد الديانة الصابئة المندائية على وجود نوعين من الصيام .. الصيام الكبير وهو الابتعاد عن المحرمات وعن الأذى فقد ورد في الكتاب المقدس (كنزا ربا) (صوموا الصوم الكبير صوم القلب والعقل والضمير)( 1 أما الصوم الأخر فهو الامتناع عن تناول اللحوم ونحر الحيوانات مدة ثلاثة وثلاثين يوماً متفرقة على مدار السنة وتشترك جميع الديانات الموحدة بهذه الشعيرة وهي واضحة في الاسلام.. ان الماء الجاري في الديانة المندائية ذو أهمية بالغة فمعظم الطقوس التي تقام لابد وأن يكون للماء دور بارز فيها ويسمى بالمندائية (يردنا) وهو ماء الحياة (مياهيي) وفي النصوص الرافدينية القديمة. العهد السومري والاكدي والبابلي كان نهر دجلة والفرات من الأنهار المقدسة وكان كاهن (بارو) يجري التطهير في النهر عند شروق الشمس(2). إن اصول الشعائر المندائية المتعلقة بالماء ترجع إلى اصول قديمة مارسها سكان جنوب العراق واستمرت ممارستها حتى عهود متأخرة، والماء الجاري جوهر من جواهر الديانة الصابئية المندائية فالماء هو الحياة وهو اول عمليات الخلق (بقدرة ملك النور السامي صارت الحياة وإذ صار (يردنا) الماء الجاري صار الماء الحي الماء المتألق البهيج ومن المياه الحية نحن الحياة صرنا)(3) . 

وأخيرا فان الديانة المندائية توصي بالمحبة والتراحم وبالسلام والابتعاد عن العنف والحروب واراقة الدماء وعبر تاريخهم الممتد في الزمن لم نجد لهم سلطة او صوتا سياسيا او كانوا قد اعدوا انفسهم لحرب او صراع تسفك فيه الدماء وهذا يدخل في صلب عقائدهم وافكارهم الدينية التي تعتبر هذه الدنيا زائلة وتدعو الى التقشف والابتعاد عن ملذاتها واهوائها وعلى الناس ان تسوسها وتقودها كلمات الخير والنور والمحبة التي تجعل من العلاقات بين الناس قائمة على اساسها لان السلطة تمثل القوة التي تقود الى العنف فقد ذكرنا ما جاء في الكتاب المقدس كنزاربا التسبيح الثاني/ الوصايا عبارات فيها اشارة للابتعاد عن السلطة وقوتها واسلحتها (يا اصفيائي ... لا تقربوا الملوك والسلاطين والمردة في هذا العالم ولا تثقوا بهم لا باسلحتهم ولا بحشودهم ، ولا تلووا اعناقكم للذهب والفضة التي يكنزون انها سبب كل فتنة سيتركونها وراءهم يوم الى النار يذهبون).______________ 

1- كنزا ربا/ الوصايا 2-الليدي دراور/الصايئة المندائيون ص109 3- كنزا ربا/الخليقة ص42 

لذا فان الديانة الصابئية المندائية تحاول تأسيس سلطة الروح وقيمها المشبعة بالمحبة والسلام والتعاون ، سلطة الكلمة لا سلطة السلاح ، فهل كانوا يفكرون بإقامة مجتمع يعتمد المؤسسات المدنية ؟ كما ان الديانة المسيحية تدعو إلى السلام والمحبة ويكفي ان نذكر هنا العبارة الشهيرة ( وفي الأرض المسرة).وجاء في الرسالة الثانية لبطرس في العهد الجديد لتؤكد ما قلنا (عليكم ان تبذلوا كل اجتهاد ونشاط في ممارسة إيمانكم حتى يؤدي بكم إلى الفضيلة واقرنوا الفضيلة بالتقدم في المعرفة والمعرفة بضبط النفس وضبط النفس بالصبر والصبر بالتقوى والتقوى بالمودة الأخوية والمودة الأخوية بالمحبة)(1). 

وقد ورد في القران الكريم ما يدعو إلى المحبة وعدم الاعتداء والى السلام والتعارف بين الشعوب ( يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم)(2). 

في كل ما تقدم دعوة للمحبة والتآخي والسلام تطلقها الديانات الموحدة من اجل ان تسود إرادة الخير.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

1. العهد الجديد/ الرسالة الثانية لبطرس 

2. سورة الحجرات / آية 13

 

المصادر

 

1. ناجية مراني / مفاهيم صابئية مندائية 

2. الليدي دراور/ الصابئة المندائيون 

3. عزيز سباهي / اصول الصائبة ومعتقداتهم الدينية 

4. خزعل الماجدي/ جذور الديانة المندائية 

5. عبد الحميد افندي بن بكر عبادة/ مندائي او الصابئة الاقدمون 

6. كنزا ربا / الكتاب المقدس للصابئة المندائيين 

7. دراشة ادببيها/ مواعظ وتعاليم يحيى بن زكريا 

8. القران الكريم 

9. العهد القديم والجديد 

10.رشيد الخيون / الاديان والمذاهب بالعراق 

11. محمد عبد الحميد الحمد/صابئة حران والتوحيد الدرزي 

12. ابن النديم/الفهرست 

13. الشهرستاني / الملل والنحل

نـفحـات قـدسية من كتاب {{ كنـزا ربـــّا }} المقدس

كنزنا العظيم إرث المندائيين والبشر جميعا" كنز بما يحويه من مواعظ وحكم تحث البشر لأن يرتفعوا بذواتهم نحو العلا ، حاثا" إياهم ليكونوا اخوة حافظين للعهد وبأن يكونوا مع بعض في السراء والضراء ، مذكرا"إياهم بأن أفضل وسيلة لصعودهم وهم أنقياء بأن لا ينسوا أن خالقهم واحد أحد ويصلوا ويتباركوا ويصطبغوا ليتطهروا مما يعلق بهم من أدران عالمنا المادي ولتبقى نشمثا طاهرة نقية . 

في البوثة التالية يوضّح لنا صاحب العزة العظيم ويأمرنا أ لا نبدّل في كلامنا وأقـوالنا وأن نتجـنب الكذب فيقول ** جـلّ وعـلا** { ايها الكاملون والمؤمنون ، أيها المؤمنون والكاملون؛ لا تبدلوا الكلام ولا تحبوا الكذب والآثام ، لا تكنزوا الذهب والفضة ؛ فالدنيا باطلة ومـقـتـنياتها زائلة . لا تسجدوا للشيطان ،ولا تعبدوا الأصنام والأوثان ؛ من سجد للشيطان فمصيرة النار ، بئس المنتهى وبئس القرار . خالدا" فيها الى يوم الدين }} صدق رب العزة والكمال . أن أول ما يطالعنا في البوثة قول الله العظيم [ أيها الكاملون ،والمؤمنون .. ايها المؤمنون والكاملون ] فكم هو عظيم ورائع هذا القول الكريم فسبحانه يصفنا بأننا __ الكاملون _ وسبحانه يعلم علم اليقين ، أن لا كمال إلا لعزته لكن تقديرا" لنا نحن أصحاب العقول المميزة ، نحن الذين نؤمن والذين نجدّف ، المملوءين حبـا" وكراهية ، ليـنـا" وقـسوة ، تسامحـا" وحـقدا" وكـلّ ما هو متناقض في هـذه الحياة الفانية الزائلة تجـده في ذواتنا وعقولنا . الرحمن يوصينا لكننا نأبى أن نصغي ونسمع ونغلق أنفسنا قبل آذاننا ؛ وهذه بداية لمسيرةالخطيئة التي لـن تنتهي ،و هنـا يسـجّل البشر أول الخطايا . [ لا تبدلوا في الكلام ] وصيـة ربانية من عارف الحياة الينا نحن البشر الفانين ، وصية الحكيم العليم الذي لا تخفى عليه خافية ؛ فمن منّـا ثبت على كلامه ولم يبـدّل ،ولم يحـرّف ، ولم يحذف ، ولم يضف ، من منّـا صمـد وظلّ على موقفـه حين تشتد الخطوب !! 

[ ولا تحبوا الكـذب والآثام ] سبحانك ربـّي يا من تسكن القلب والروح لأنك ـ يامن تقـدست أسماؤه وتباركت صفاته – تدرك أن من ينزلق الى هاوية ولا سبيل الى خلاصـه سـوى ذلك العضـو الصغير الذي يتلوى *كالأفعى * في فم صاحبـه لن يتخلى عـن صاحبـه حين يجد صاحبه أنـه محاصر ويكاد يختنق ولا مناص من استعمال أضعف الأيمان ليبتعد عن حبل المشنقـة ؛ فيدلي بالحقيقة ...لكن ليس كل الحقيقة ! 

يعتقـد البعض أن الكـذب أيسـر الطرق لكنهم لم يحسبوا لعـواقب الامور حسابا" ؛ فكلّ ما نقوم بـه نجزي بـه أو نعاقب عـليــه ؛ أذن لنعمـل صـالـحا" وخيرا" عسـى أن نجـد الراحـة والطمأنينة وأن ننام ملء العيون لأننا لن نشعر بالراحـة إلا بنكران الذات وبأن نعرف ونعترف بأن الحق أحـق أن يتبع . [ ولا تكنزوا الذهب والفضـة] أيها المبارك الممجـد المملوء نـورا" لا يخبـو ، يا من جعلت الذهب والفضة سـببا" واختبارا" مستمـرا" لنا نحن بني آدم ،نحن البشر لنعرف مـدى ايماننا ونمسك بأردان الفضيلة ... لكن هيهات هيهات . ترى لماذا لا نهتم بالحديد والخشب ! لماذا لم يهب الخالق المبدع ** الألمنيوم والكلس**تلك المنزلـة الرفيعة التي أعطاها للذهب والماس والفضة ؟ أن الخالق العظيم المبدع للجمال قـد زرع المعرفة في عقل * آدم* مبارك اسمه ، ليحب كلّ ما هو جمـيل ليبدع فيـه ما شاء له الابداع ؛ ومع هـذا الخلق المتميز ، أوصانا العزيـز القديـر ألا نكنز الذهب هـذا المعـدن البرّاق الذي يخلب العقول قبل العيون ، وتقاتلت لأجل الحصول عليه امم غبرت وعبرت التاريخ وامم ما زالت تتقاتل لأجل الحصول عليه ،كأن سحر الشيطان قـد حلّ بـه وعجن مع سبائكه فصار رمـزا" للجمـال ورمـزا" للشر ورمـزا" من رمـوز الثراء والبخـل والرفاهية والعوز والغنى والفـقـر . سبحانك أللهم من قادر مقـتدر ، غـني مغني ، عارف بالخفايا والنوايا . ** الدنيا زائلــة ومقتنياتها باطلة ** كم بعنا واشترينا وكم باع واشترى آباؤنا وقبلهم آباؤهم وأجدادهـم وتوارثنا ما ترك الآباء فزاد بعضنا تلك الثروة أو أضاعها وبذا فقـد المنزلة والجاه فلقد أصبح البشر يقـيّمون بما يملكون من أموال لا بما يحملون في الأبدان ! لكن الحياة مازالت وستبقى مستمرة لا تتوقف ولن تتوقف تلك الرحلة العجيبة للأنسان الا اذا أمـر الدّيـان الأكبر وعندها ستكون الساعة التي يتوقف فيها كل شيء سوى العقاب والثواب . أيمكن لنا أن نتساءل : ترى هل ورث أحدهم وبقى ارثه خالدا" ؟ نحن زائلون وغير الكفن لا يكون ، وغير تلك الحجارة التي تسد الأفواه والعيون لن نحوز ، لن نأخذ في رحلتنا الطويلة الشاقة لذلك العالم المجهول والسرمدي الذي وعدنا به خالق الخلق العظيم غير أعمالنا وما جنت أيدينا ، فلمن هذه المشاحنات وتلك المغالطات وذلك التباهي ، لماذا لا نزكي أنفسنا وأموالنا فنعطي حق الرب وحق العباد ! ، ونحن نعلم يقينا" راسخا" أننا لن نأخذ من هذه الفانية سوى حسناتنا [ أن وجدت] وخطايانا و[ ان كثرت] لانأخذ سوى نقائصنا وفضائلنا وتعود نسمة الحياة الى بارئها الخالق الاوحد ومباركها ، أمـا نحن فتراب يعود الى تراب . ( لا تسجدوا للشيطان ولا تعبدوا الأصنام والأوثان ) يا ملك ومالك الأكوان جميعا" يا رافع البنيان من غير عمد ، يا ربيّ : هـل كتبت علينا نحن بني البشر الإختبار باستمرار ؟هل وضعت لنا الأبيض والأسود لترى كيف نميّـز بينهما ؟ وأوجدت الخير والشر ؛ لماذا خلقت الملائكة والشياطين ؟ الأنس والجان ! لماذا ؟ سؤال ليس لي ولا لغيري حق الاجابة عنه أو حتى التفكير به ؛ نحن بشر مخلوقين وأنت الخالق الأوحد فلن نعرف سرا" انت واضعه ولأنك العليم البصير فبك نستعيذ واليك ونعود ، خلقت الشيطان وهيأت له من سبل الغواية أساليب لا نقـوى عليها أو التفكير بها ، لكن بالايمان وبالايمان وحده ينهزم االشيطان وأصنامه وازلامه وأوثانه تلك التي أحلها الموسوس الرجيم في العقول المريضة وأمرها أن تعبدها وتمتثل لأمره فكانوا للشيطان عبيدا" ولأمره خاضعين . لنصن أنفسنا وذواتنا بالايمان بأن الحي العظيم واحد أحد وأن الحي الأزلي ينصر من ينصره ؛ فنكونن بعيدين عما توعدنا به ملك الأنوار السامي بأن نكون وقودا" دائما" لتلك النار الآكلة ، والتي ما انفكت فاتحة فاهها الى كلّ خطّـاء مسيء ، ربنا إجعلنا بهداية نورك نرى نورطريق الحق لنتبعه وارفع عن أعيننا غشاوة الذهب الزائفة البرّاقة لنجد مواضع أقدامنا نحو العلا ، وارفع عن أفواهنا البكم لنلهج ونسبّح مجدك ليل نهار ، صن قلوبنا وازرع فيها الحب والتسامح وانزع منها يا مبارك شوك الكراهية والخبث والحقد ، وتقبّـل دعواتنا وأنزل رحمتك لتهدأ أرواحنا وتهدأ نفوسنا فنحن الى السكينة أحوج وبها نعبر بحر الظلمات الى أرض النور والسناء وسيغمر الضياء ذواتنا ويطهرها مما علق بها من أدران هذه الفانية المخلوقة من الدم والمرارة . 

أيها الرؤوف الرحيم الرحوم انزع من قلوبنا القسوة وازرع الرحمة ، اقلع الحقد وازرع الحب فبدون الحب لن نكون بشرا" وبدون الرحمـة لن تهـدأ سرائرنا ، ياغافر الخطايا وعارف المنايا ، اغفر خطايانا وأجّــل منايانا وبارك خطانا ، أيها الحق المبين ثبـّت أقدامنا لنسر بها نحوك بخطى ثابتة واثقة ،ايها المبارك في ملكه وملوكته بارك العراق وأهل العراق ليكونوا اخوة متحابين متآخين .انك على كــلِّ شيء قديــــر .

{{ والحي الأزلي مزكـّـي لجميع الأعمال والنيّــات }}