• Default
  • Title
  • Date
الأحد, 21 تموز/يوليو 2013 13:11

امنياتنا بالعام المندائي الجديد

منياتنا  بالعام المندائي الجديد

 

 

 

كثيرة هي امنياتنا بالعام الجديد .. اولها ان لا يعكر حياتنا معكر صحي ، فالصحة والعافية هي راس مال المرء الاهم والاكبر ، ان العلل الجسمانية تضني صاحبها ، وتضعف قدرته على الخلق والعمل والابداع ، انها تذيب الجسم ، وكثيرا ما تضعف العقل ، نتمنى للجميع الصحة والسلامة الدائمة .

 

امنياتنا ان لا تخبو  رغبتنا في التعلم والبحث عن المعرفة ، لان المندائية تدعو لهما دائما .. بل تزداد هذه الرغبة مع مرور الايام ، فالعلم والمعرفة ذخيرة الانسان في حياته ، لانه العنصر الوحيد الذي يؤهلنا لتكييف حياتنا على اسس قويمة ، حياتنا العائلية وحياتنا الاجتماعية وحياتنا الروحية ايضا .

ومتى ما اجتمعت فينا الصحة  والعلم والمعرفة والوداعة.. تتفتح امامنا ابواب عمل الخير، لكي تسعد انفسنا ، ونسعد من يلوذ بنا ، ونسهم في اسعاد مجتمعنا وابناء جلدتنا الاكارم .

 

ان التشجيع الدائم للموهوبين في سبيل الحصول على اعلى الشهادات الجامعية خدمة لمجتمعهم ودينهم المندائي هو اسمى ما يكون ، وتشجيع الطاقات والاقلام المندائية الشابة  والفنانين والمبدعين في مختلف المجالات هو هدف كل الخيرين ، والاهتمام بالطفل المندائي هو اسمى مايمكن عمله لديمومة المندائية ومبادئها السامية .، وتشجيع الشباب على المساهمة في تعلم اللغة المندائية لان اللغة هي هويتنا الحقيقية .

 

اما اهم امنية تراودنا ونحن دخلنا عامنا الجديد ان تتصافى القلوب والافئدة وان تنغمر بالمحبة والالفة والتسامح والاحترام المتبادل والتعاون والتواضع بدل استخدام لغة اللوم والحقد والكراهية والبغضاء ولغة تسقيط الاخر ، نقولها من قلوب حزينة غامرة بالايمان ، مطلوب نيذ خلافاتنا جانبا وان نفكر مليا بمستقبل اولادنا وديمومة ديننا العظيم والتطلع نحو غدٍ مشرق وضاء مليء بالود والمحبة والتاخي للجميع دون استثناء ، ليكن عام خير وبركة ومنعة وتحقيق الامنيات الطيبة وان يكونوا باحسن حال . ان يحفظ رجال ديننا الافاضل وعلى رأسهم شيخنا الجليل الريشما ستار جبار حلو ، وان يمنحهم الصحة والعافية والقوة في اداء رسالتهم الدينية والانسانية لخدمة اخوتهم واخوانهم  المندائيين ، وان يسهل امر اهلنا واعزتنا العالقين في دول الانتظارسوريا والاردن واليمن وغيرها وخصوصا المتواجدين في سوريا الذين يعانون من ظنك العيش والخطر المحدق بهم   في الوصول الى بر الامان ، ان يعم الخير والوئام والسلام في ربوع عراقنا الحبيب ، وان ينعم الجميع بالعيش الرغيد .  

 

كل عيد وكل عام والمندائيين بالف خيروالمندائية تنعم بالديمومة والوئام ، وان تبقى راية نبينا العظيم يحيى يوهانا ( مبارك اسمه ) ترفرف عاليا في سماء المندائية على مدى الايام .

 

 

 

هيئة التحرير                      

نشرت في كلمة الأتحاد
السبت, 06 تموز/يوليو 2013 10:50

أبناؤنا في جيوبنا

 

أستفيد بهذا التعبير من الأخ العزيز مانع السعودي حينما هاتفني وتحدث عن المشروع ومثـّله بمشروع المندي في هولندا حيث قال للمندائببن هناك أن المندي موجود ولكنه في جيوبكم. ونحن نقول: صحيح أن أبناءنا في قلوبنا ولكنهم في جيبونا أيضا، ذلك أن الكثير من الأمكانات متوافرة وقادرة على تقديم النشاطات لخدمة الأبناء وتعزيز المندائية فيهم وما تحتاجه حقا هو الدعم المالي
والمؤازرة المعنوية.ـ

الله.. الله يا كنزبرا سلام على ما أقدمت وأنت المساهم في بذر بذرة التعليم الأول في المدارس في دول المهجر. وها أنت تنتخي للتبرع والدعم وتنذر نفسك لعقد قران الأبناء المندائيين المتعلمين أينما كانوا في أوربا. ومازال مسعى الأكاديمية المندائية قائما، فرغم أنه تحقق منه بيت المعرفة المندائية في العراق فالأمل معقود بالتعاون حين يتوفر الدعم المادي أيضا.ـ

الكلام يرتفع إذا كان تحته عمل، ويغوص إذا كان تحته فراغ. ويقال أن الأفعال أعلى صوتا من الأقوال، وكلنا يريد للفعل المندائي أن يؤسس ويشيد، وأي فعل الآن، إنه لفلذات الأكباد وللنشء القادم الذي هو أملنا وهو صورة المندائية القادمة. فهل نحن مساندون؟ إنهم في جيبونا فهل نحن متبرعون؟

الأخوة المندائيون الكرام
المشروع غير مقترن باسم أحد، إنما جهة التبني الآن هي إتحاد الجمعيات المندائية، وستكون مبالغ الصندوق التي ستجمع معلنة ومسجلة ضمن صندوق الإتحاد ويتم الإشراف من خلاله على تنفيذ الأنشطة المخصصة للأبناء. وعلى هذا فنحن نهيب بالجميع وليس فقط المنضوي مع الإتحاد لأن خدمة الأبناء واحدة، وأن يكون التجميع لدى الجمعيات المندائية في كل بلد أو نعلمكم عن شخص معلوم في حال غير ذلك. يسرنا أن نعلم عن تبرع فضيلة الكنزبرا الشيخ سلام غياض مضافا إلى تبرعات مكتب سكرتايرية الإتحاد بمبلغ 100 دولار وتبرع الدكتور سلام فرحان بمبلغ 200 دولار.

المندائية الكريمة والمندائي الكريم: أدناه الورقة الأولى لقائمة التبرعات. فإن أردت أن تضيف أسمك اكتبه ليفرح بك ابنك ويفرح الأخرون.
قائمة الأسماء
الكنزبرا سلام غياض 100 دولار مع إستعداد لعقد القران المندائي
د. صهيب غضبان الناشي 500 دولار
الأستاذ همام عبد الغني 100 دولار
الأستاذ فهيم عيسى السليم 100 دولار
الأستاذ فراس سميع عبد السادة 100 دولار
الدكتور سلام فرحان 200 دولار
الأستاذ سعيد غازي الأميري 100 دولاؤ
الأستاذ عباس الزهيري 100 دولار
الأستاذ أدور صبيح 100 دولار
الأستاذ مانع نزال السعودي 100 دولار
الفدرالية المندائية في هولندا 100 دولار
الأستاذ قصي كريم الشيخ جوار 100 دولار
الأستاذ نزار حامد السعدي 100 دولار
د. قيس مغشغش السعدي 200 دولار + 50 كتاب كنزا ربا+ 50 قاموس مندائي عربي
+ 50 قاموس مندائي إنكليزي

نشرت في وجهة نظر
الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2013 00:00

في بيتنا آنسة ..؟

يوما ً ما سيستيقظ الوالدان فيجدا في بيتهما آنسة جميلة ، تحمل في ثناياها الرقة والدلال .. تمشي في فناءات المنزل لتبعث أشعة من الفرح والنور والجمال ..تلك هي أبنتنا وقد دخلت من باب المراهقة.

فالمراهقة مرحلة لابد من المرور بها وأستغلال كل ما يمكن إستغلاله لمصلحة نشوء الأبناء والأرتقاء بهم ، وهي كباقي مراحل الحياة تحتاج منا الى الأنتباه والرعاية والعناية والاهتمام ، فهي مرحلة تحول لأولادنا من مرحلة الطفولة الى مرحلة أرقى يتعلموا فيها الخطوات الاولى نحو الاستقلال الأسري والاجتماعي والاقتصادي.

 ماهي منافذ المراهق ؟

 للمراهق حسٌّ مرهف كأوتار القيثارة ، ورقــّة وصلابة خيط العنكبوت ، لذلك وجب علينا إختيار الأسلوب الأمثل في التعرف على خفايا هذه المرحلة المؤقتة المستعدة للانطلاق نحو عالم الكبار من خلال :

ا- الأحاسيس والمشاعر : نلاحظ تغير في دفة أفكار بناتنا في عمر المراهقة ، فهي تميل الى التباطوء في مشيتها ، والتحدث بصوت خافت ناعم يشوبه الخجل ، وتسعى دائما لتجنب نظرات الغير لأحساسها بالتغير الحاصل لها .

إن من واجب الوالدين الأخذ بيد البنت والعمل على تعليمها أهمية المرحلة التي وصلت اليها ، ومدى الفخر الذي يشعران به أزاء هذا الحدث الجميل . وتلعب الأم الدور الكبير مع إبنتها ، إذ تنتهي قوانين الطفولة الصارمة لتبدأ مرحلة الحوار الديمقراطي في كل مايخص إبنتها ، مع الأنتباه لضرورة ترك مجال للخصوصية الشخصية الغير مخدشة للحياء لأبنتهم ، كالأنفراد المعقول في مملكتها الصغيرة (غرفتها ) وترك الحرية لها في ترتيبها وإقتناء الاشياء التي تشبع دافع الفضول لديها ، وبالتالي تقودها هذه الأمورالى سمة أخرى لأنوثتها ، وهي الخصوصية .

2- الخصوصية : كلمة شاملة تتضمن المشاعر والحاجات والأستقلال والعمل وكل ما يتعلق بكينونة الفرد وتواجده. إن ترك جانب من الخصوصية للبنت المراهقة لايعني إحتمال وقوعها في الخطأ بل هو فرصة تستطيع أن تميز من خلالها قدراتها الجديدة لتزيد من ثقتها بنفسها وبمن حولها ، الذين يمدونها بهذه الطاقة الأضافية اللازمة لأجتياز حواجز الخوف والخجل للأنطلاق نحو المجتمع الكبير . تلك هي الحاجة الى الخصوصية .

3- التوجه نحو الفنون ..إن من علامات التحول الجميل هو تبني الفنون بأنواعها وخاصة الموسيقى لما فيها من أحاسيس مرهفة معبرة قد تشعر بها الفتاة دون أن تجد وسيلة للتعبير عنها ، فتلجأ الى الموسيقى وكلمات الأغاني للتعبير عن مايدورفي قلبها الصغير نحو الاخرين كالأم والأخت والصديقة ...الخ

4- الهوية...تبدأ البنت بالبحث عن هويتها الشخصية ، ومميزاتها فتبدأ قدراتها الأبداعية بالظهور إذ نجدها تميل الى إداء الأعمال المنزلية بحرفية وإتقان المهارات اليدوية كالتطريز والخياطة لأنها تضيف الى شخصيتها الأنثوية ، وقد تعاني في بعض الاحيان من الضياع المؤقت للهوية نتيجة للضغوط المتراكمة لهذه المرحلة ، وهي ضغوط طبيعية سرعان ما تتلاشى لتظهر الهوية الحقيقية التي يسهم الوالدان في توجيهها الوجهة الصحيحة عندما تنحرف عن المسار الصحيح ، فالمراهق كالطفل الذي يجرب المشي لأول مرة في حياته ، فهو يحتاج الى من يقوّم عملية سيره لتجنب وقوعه .

5- إختيار الرفقة .. وهي السمة الأكثر خطورة لما يشكله الأصدقاء من تأثير كبير في شخصية المراهق ، فهم الجماعة التي لها قوة في تسيير الفرد نحو أشياء قد لا يدرك مخاطرها في حينها ، إذ يكون شغله الأول هو الحصول على رضا الجماعة التى ينتمي اليها ، لذا ستبقى عملية مشاركة الآباء لأبنائهم في التوجيه نحو الأختيار الجيد واجب الوالدين .

إن إفساح القدر المعقول من التفهم للوالدين يُعد أمرا ً ضروريا ً لاجتياز الابناء هذه المرحلة الحرجة والمهمة بجدارة وبأقل قدر ممكن من التضحيات ، فإعاقة نمو هذه المرحلة قد يسبب كبوة في حياة البنت والولد على حد سواء.

نشرت في وجهة نظر

 لم يسبق لسكان قلعة صالح- مسلمين ومندائيين- ان اقاموا احتفالا ضخما كالاحتفال الذي اقاموه عندما توجهوا بالسفن والزوارق الى منتصف الطريق النهري الذي يربط القلعة بالعمارة في مقاطعة المزارع الكبير داود الحميد، وذلك في انتظار ابنهم البار المعلم الجديد غضبان رومي الناشي الذي قفز من السفينة التي كانت تقله الى الشاطىء وهو يبكي فرحا، ويقبل ايادي الشيوخ الذين تجشموا عناء السفر من اجله ويشد بقوة على ايدي مستقبليه ويعانقهم بشوق وحرارة. لاشك ان المسيرة الشبابية لهذا الرجل كانت حسنة جدا، والا فكيف يستقبل بهذه الحفاوة وهذا التكريم، وهو لما يزل في مقتبل العمر، ولم يتعد عقده الثاني بعد.

 كان ذلك في عام 1923 وهو العام الذي باشرت فيه مديرية معارف منطقة البصرة افتتاح عدة مدارس في العمارة، لان العمارة كانت واحدة من ثلاث مدن تكوّن منطقة البصرة آنذاك. 

اجا كان غضبان اول المرشحين الذين وقع اختيار مديرية المعارف على تحملهم المسؤولية التربوية في مركز مدينة العمارة، فكان لها ( ابو يحيى) وهو المعلم الذي افتتح مدرسة الكحلاء- الامام الصادق في ما بعد عام 1923، والمدرسة الشرقية- فيصل الثاني- - الوثبة- في ما بعد عام 1925، ومن هناك تألق نجمه وصار علما يشار اليه بالبنان فاسندت اليه عدة مسؤوليات تربوية ومهنية اذ اسس جمعية للمعلمين عام 1926 وكانت باكورة اعماله فيها القاء محاضرة قيمة عن تاريخ مدينة العمارة في العهد العثماني. ومن يقرأ تلك المحاضرة يتنبأ بامكانية هذا الباحث، وهو يحلل الاحداث التاريخية، ويضع النقاط على الحروف فيما يكتب. فقد اشار الى السياسة التعسفية التي مارسها العثمانيون الغزاة ضد ابناء شعبنا في مدينة العمارة، ولمح بطرف خفي الى خطط الاستعمار الانكليزي البغيض الذي احتل مدينتنا بعد هزيمة الاتراك في الثالث من حزيران عام 1915 . 

سكن غضبان مركز العمارة، وتطلع الى حالتها الصحية، فوجدها تحتاج دعما، لذلك شمرّ عن ساعديه، واسس دارا للصحة في متوسطة العمارة الفتية، فكان موضع اعجاب وفخر، وطار صيته الى العاصمة بغداد، فتوالت الوفود الصحية على مدينة العمارة، وزاره مدير الصحة العام وامر بالتحاقه بالمستشفى الملكي لتلقي دروسا في الصحة العامة، ومعرفة مسببات الامراض، وطرق الوقاية منها. وما ان اكمل دورته حتى صار يشد الرحال ايام العطل الرسمية الى القرى والارياف النائية، وهو يرشد الناس الى الوقاية من الامراض، ويدعوهم الى زيارة المؤسسات الصحية لاخذ العلاج المناسب. 

قد يتصور المرء ان هذا الرجل سيتوقف عند هذا الحد من النشاط الانساني، فقد زار قلعة صالح في مطلع الثلاثينيات وفد كشفي من المانيا وكان غضبان على رأس المستقبلين رافقهم في عدة جولات سياحية، الى المجر الكبير والكحلاء وعرض عليهم كرم العراقيين وقيمهم الاخلاقية العالية، فترك ذلك انطباعا حسنا في نفوسهم، عبروا عنه برسائل بعثوها اليه باعتباره الكشاف الاول في قلعة صالح والتي افتتح فيها فيما بعد ناديا هو الاول من نوعه حيث جعل منه تجمعا ثقافيا للشبيبة والشباب، وكانت المحاضرات التي يلقيها فيه تنشر على صفحات الصحف المحلية في مدينتنا. 

كل هذا وغضبان منذ الثلاثينيات كان يرقب بعين ثاقبة كالعقاب، الباحثة الانكليزية ( الليدي دراور) وهي تجمع المعلومات عن الصابئة المندائيين في العمارة وضواحيها وهو لم يتدخل في شؤونها ولم يعترض على كل ما تكتب وتسأل، وهو عالم علم اليقين في ما تكتب وتسأل، حتى اذا ما انجزت كتابها البكر آنذاك، طار به شوقا يقلب صفحاته ويدعو واحدا من ابناء طائفته اليه وهو المربي القدير نعيم بدوي ليمنحه شراكة في ترجمة الكتاب الى العربية. فكان بحق واحدا من امهات الكتب التي اعتمدها الباحثون في الاطلاع على الديانة المندائية

 

 

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013 18:55

وقفة جريئة إنقراض المندائية وهم أم حقيقة

الحلقة الأولى 

سبق وكتب البعض من الأخوة المندائيين مقالات عديدة حول إنقراض اللغة المندائية والأسباب التي أدت الى ذلك ، وقدموا أقتراحات لذوي الأمر من المندائيين والجهات ذات العلاقة لغرض إحيائها ، كما ويدرك الجميع إن مسألة إحياء اللغة بالوقت الحاظر هو بالتأكيد خارج إمكانيات الطائفة المتواضعة نفسها ، لذلك عرض الأمر قبل عدة سنوات على المنظمات الدولية وخاصة منظمة اليونسكو لغرض تقديم المساعدة الممكنة لما تملكه من إمكانيات مادية وعلمية وخبرة في هذا المجال ، ولكن مع الأسف لم نلاحظ أي إجراء عملي هام قد تم إنجازه من قبل تلك الجهات خلال السنوات الأخيرة ولغاية اليوم . 

وبودنا التطرق اليوم الى ما يتناقله بين الحين والآخر البعض من المندائيين ومن ظمنهم بعض رجال الدين لمستقبل المندائية المهدد بالخطر خلال بضعة عقود قادمة ، وذلك بسبب الظروف المعقدة التي تمر بها الطائفة . ما لم يتم وضع خطة عمل فعالة يساهم فيها كافة أبناء الطائفة المندائيين وعلى إختلاف إخصاصاتهم العلمية والأدبية والفنية ، وتسخر لها كافة الأمكانيات المتاحة لهذا الغرض . 

نود أن نطرح وجهة نظرنا لواقع حال الطائفة المندائية بصدق وواقعية ، وقد يختلف الكثير من الأخوة المندائيين معنا بما نطرحه اليوم ، أو لربما يتهمنا البعض بإتهامات شتى ، ولكننا نعتقد إن الواجب يحتم علينا دق ناقوس الخطر وأن نكون صادقين مع أنفسنا ، وتبيان الحقيقة وتدارك مواقع الضعف في مسيرة الطائفة الحالية إن كنا جادين في المحافظة عليها وأن يكون شعارنا العمل المشترك الفاعل وليس ( نستنكر ونشجب وندين ) كما نلاحظه من كتابات البعض من الأخوة في هذه الأيام بعد أي حدث أو مصيبة تحل بالطائفة . ولا نود أن نكون من المتشائمين بمستقبل المندائية ، ولكننا نطرح الحقائق كما نلمسها وهي على أرض الواقع ، ونطرح السؤال الذي قد يخشى الكثير من المندائيين طرحه على أنفسهم وهو .. 

( هل إن إنقراض المندائية وهم أم حقيقة ؟؟؟ ) 

وما هو دور المندائيين في هذه المرحلة للحفاظ على هويتهم الدينية وعراقة طائفتهم . 

أنها مجرد وقفة جريئة لمراجعة الذات ووضع الحلول المناسبة قبل فوات الأوان ، وقفة تتطلب من كافة الأخوة أبداء آرائهم وأفكارهم في هذا المجال . 

فمن حق أبناء الطائفة أن يرفعوا أصواتهم أمام المسؤولين في قيادة الطائفة ومؤوسساتها في داخل الوطن وخارجه وتنبيههم إلى الأخطاء التي أرتكبت أو لا زالت ترتكب ، وبذل كل الجهود من أجل تصحيح مسيرة الطائفة المهددة بالخطر . 

إن الطائفة المندائية تتعرض اليوم الى نوع بشع من الإبادة الجماعية وفق مقاييس المنظمات الدولية ، وهي بحاجة إلى إعادة النظر بمسيرتها بما يتناسب وبطبيعة هذه المرحلة التي تمر بها في داخل الوطن وخارجه ، وإن العكس في ذلك يعني استمرار الضعف والتدهور والإضمحلال وخسارة المزيد من أبناء الطائفة يوما" بعد يوم مما يهدد مستقبل الطائفة ككل . 

يدرك الجميع إن الصابئة المندائيين هم بناة حضارة وادي الرافدين ، هم أصل العراق وملحه ، ديانتهم تعتبر من أقدم الديانات الموحدة التي إنتشرت في بلاد الرافدين و فلسطين ما قبل المسيحية ، لغتهم هي المندائية وهي أحدى اللغات الآرامية الشرقية القديمة ، أتخذوا مدن جنوب العراق والأهواز في إيران وبالقرب من الأنهار موطنا" لهم منذ قرون عديدة لأهمية الماء في حياتهم الإجتماعية وإقامة الطقوس الدينية ، عاشوا في تلك المنطقة فأثروا فيها وتأثروا بها ، إنتشرت فلسفتهم الدينية ولغة التوحيد أينما حلوا . وفي فترة ما قبل الحكم البريطاني وخلاله وبسبب الأوضاع الأقتصادية والأجتماعية والأضطهاد والقتل الذي مورس ضدهم من قبل جيرانهم المسلمين ، بدأت هجرة المندائيين الى المدن الكبيرة كبغداد والموصل وكركوك والفلوجة والرمادي والحبانية وديالى ليعملوا في الصياغة والنقش والحفر على المعادن . وتبع ذلك هجرات عديدة أخرى في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي وتجست بشكل أكبر ما بعد سقوط النظام الدكتاتوري في عام / 2003 

الشعب والأمة المندائية ... الهوية 

قد يتسائل البعض ما هي هوية الصابئة المندائيين ؟ وهل هم شعب أم أمة ؟ وهل يمكن أن نطلق عليهم ( شعب مندائي ) أم ( أمة مندائية ) كما يحلوا للبعض من الأخوة أن يذكرهم إعتزازا" بالنفس !!! ووصل الأمر للدكتور تيسير الألوسي ليقترح أطلاق تسمية ( قومية الصابئة المندائيين ) بدلا" من ( طائفة الصابئة المندائيين ) بإعتبار إن المندائيين هم ( قومية تلتزم بدين معين ) ( 1) ، ناسيا" بذلك شروط القومية وهي وجود الأرض واللغة والدين المشترك والعادات والتقاليد . 

ماذا نعني بالشعب

( يعرف الشعب بأنه مجموعة من الأفراد أو الأقوام يعيشون في بقعة جغرافية واحدة ( أرض واحدة ) ولهم لغة واحدة وتأريخ واحد وعادات مشتركة وثقافة واحدة ودين واحد ويعيشون ضمن مجتمع واحد ، ويتميزون بشكل العلاقات الإجتماعية التي تجمعهم في ذلك المجتمع ) . 

فهل ينطبق هذا التعريف على المندائيين ؟ بالتأكيد هناك إختلاف في وجهات النظر تعتمد على مدى ثقافة القارئ وسعة أطلاعه على تأريخ الشعوب عامة وتأريخ المندائيين !! خاصة فيما يتعلق ( بلغة ) ذلك الشعب و( الأرض الواحدة ) التي يعيش بها ذلك الشعب وثقافته . 

ما نعني بالأمة ؟ 

تعرف الأمة بأنها ( عبارة عن جماعة من الناس يرتبط أفرادها بروابط معينة مثل اللغة أو التاريخ أو الجنس ... من ناحية ، والمصالح المشتركة والغايات الواحدة من ناحية أخرى ، ويقطنون بقعة من الأرض حتى لو لم يخضعوا لنظام سياسي معين ) . 

ووفق هذا التعريف يأتي السؤال هل المندائيون ( أمة ) فعلا" ؟ وأذا كان الجواب بنعم ؟ فأين لغة تلك الأمة حاليا" ؟ وأين علم تلك الأمة ؟ وماذا خلفت لنا تلك الأمة من آثار ؟ وأين المصالح المشتركة لهذه الأمة ؟ أين حضارة تلك الأمة وأين جنسها وتراثها لمئات من السنين الماضية ؟ وهل لدينا تراث مكتوب ومنشور يدل على تلك الأمة المندائية ؟ أنها مجرد أسئلة تطرح وتحتاج الى أجوبة علمية مقنعة وقد تحتاج الى دراسة مفصلة من قبل الباحثين المندائيين . 

واذا كنا أمة في السابق ؟ فأين هي الأن ؟ ولماذا انقرضت الأمة المندائية ؟ إن المتتبع للتأريخ يدرك إن بقاء الأمة وأستمرارها يكون بالأنفتاح على الحضارات ، وفي مدى قدرتها على مواكبة متطلبات الحياة وهي التى تملك شروط منافسة باقي الأمم والتي تقتضي التفاعل مع المعطيات الحضارية والتأثر بها وبقدرتها على الإبداع والعطاء ، إن مقدرة الأمة على التنافس هو الذي يؤكد وجودها ويجسد فعاليتها بين الأمم . 

وطالما لسنا بشعب أو أمة ، فمن نحن إذن ؟ 

يؤكد الباحثون المختصين بالمندائية ومن أبرزهم البروفسور نولدكة ، البروسفور ليدباسكي ، البروسفور كورت رودولف ، البروسفور ماتسوخ ، الليدي دراور ، البروسفور ديفيد ديرنجر ، والبروفسورة يون بكلي ، وغيرهم العشرات من الباحثين الأوربيين والمندائيين ، إن المندائيين هم ( طائفـة دينيـة ) وليس شعب أو أمة وأصبح أسمهم المتعارف عليه رسميا" هو( طائفة الصابئة المندائيين ) . فلو كانوا أمة أو شعب بالمعنى العلمي الحقيقي لكانت لديهم كيان دولة ، وإن هذا كيان يحتاج الى مؤوسسات عسكرية للدفاع تحمل السلاح المحرم في التعاليم المندائية ، ولذلك بقي المندائيون يمارسون طقوسهم الدينية فيما بينهم تحت وطأة الأضطهاد والقتل والأجبار على تغيير الدين على مدى قرون عديدة ولحد الأن ، ولذلك نرى إن أعدادهم آخذة بالنقصان سنة بعد أخرى مما يهدد وجودهم ومستقبلهم ككل خلال عقود قليلة قادمة . 

وفي هذا الصدد يؤكد المرحوم الأستاذ والمربي ( نعيم بدوي ) ، إن الدين المندائي لا يؤمن يالمادة ، ولكن يؤمن بالروحانيات . والسلطة هي من ماديات الدنيا . وكلنا نعرف إن هناك ثلاث أركان أساسية لأي دولة وهي : الجماعة البشرية ( الشعب ) ، الإقليم أو الأرض ، السلطة السياسية . ( وفي هاذا الجانب طالما إن السلطة هي من ماديات الدنيا ، فأعتقد لم يفكر المندائيون يوما" أن يكونوا لهم دولة ، بأعتبار إن وجدود الشعب هو أمر أساس في تكوين أية دولة ، وليس هناك دولة بدون شعب . وتؤكد الفلسفة المندائية على إن الحياة هي الطريق الى الحياة الخالدة في عالم الانوار وبذلك كانوا غير مهتمين بالحياة الدنيوية الفانية فمالوا الى التقشف والزهد والبساطة وإنصرفوا لعبادة الخالق ولم يفكروا يوما" بأقامة كيان سياسي خاص بهم وعاشوا كأقلية دينية في ظل دول وعشائر سائدة في مناطق سكنهم ، وطالما لم يفكروا بأقامة دولتهم التي تتطلب وجود الشعب ، والسلطة ، وحدود الدولة والجيش فليس هناك حاجة لكتابة تأريخهم أيضا" . أما تجمعاتهم في أماكن مختلفة مثل الطيب وحران وسهل ميسان وميديا فكانت أساسا" هي تجمعات دينية يقودها رجال الدين للحفاظ على روحية الدين ) ( 2 ) . 

كما ويؤكد الأستاذ الباحث ( عزيز سباهي ) على المندائيين هم طائفة دينية بقوله : ( أن الصابئة آثروا الأبتعاد كليا" عن مجرى الأحداث دفعا" للمخاطر التي قد تهددهم ، وأيثارا" للنجاة ، لا سيما إنهم كانوا مستهدفين بضغط متصل ، لحملهم على أعتناق الأسلام وإن ردة فعلهم كانت مزيدا" من الأنغلاق على النفس والأيغال في تصليب القشرة الطقسية لمعتقداتهم الدينية ، والكثير منهم أعتنق الأسلام والمسيحية . ) ، ( واثر غزو المغول للعراق ، وتدهور الخلافة العباسية ، تشتت الصابئة الحرانيون الذين ألتجأ أغلبهم من قبل الى بغداد ، وآثر بعضهم العودة الى ديار مضر ( حران وما جاورها ) ، ديارهم السابقة في أعالي الفرات وما بين النهرين ، بينما أنصرف آخرون الى ممارسة الزراعة شرق بغداد ، وضمنوا لأنفسهم السلامة من بعد بأعتناق الأسلام ، ولا يزال أحفاد هؤلاء يواصلون الزراعة في مناطق ديالى ويعرفون بأسم الزهيرات . 

وبناء على ما سبق ذكره ، وبما إن الديانة المندائية غير تبشيرية ومحصورة بين أبناء الطائفة فقط ، وبما إن نسبة الوفيات كما تشير الأرقام هي أعلى من نسبة الولادات ، خاصة وإن الكثير من المندائيين الشباب وبسبب هجرتهم الى بلدان عديدة ، وعدم أستقراهم في المهجر ، وأبتعاد الكثير منهم عن عوائلهم ، ولتكاليف الزواج الباهضة والخارجة عن قدرتهم ، تراهم اليوم يفكرون أكثر من مرة قبل الأقدام على الزواج وتكوين أسرة لهم ، ولو نظرنا بعيدا" وبحسب هذا الواقع نرى إن الطائفة تخسر المئات من أبنائها سنويا" فما بالنا والعقود القادمة ، وهذا يحتاج الى حل سريع وأحدها هوالتشجيع على الزواج وزيادة الأنجاب لقلب المعادلة ، وإلا فنحن نسير بطريق الأنقراض التدريجي ( 3 ) . 

الهوامش 


 

1 ـ الندوة التي عقدتها قناة الفيحاء في يوم الأربعاء 11 حزيران / 2008 وفي برنامج قراءات عراقية مع الدكتور قيس السعدي

2 ـ مجلة آفاق مندائية ، العدد 10 ، مايس 1999 ، في رده على المرحوم الأستاذ نعيم بدوي حول صابئة حران

3 ـ عزيز سباهي ، أصول الصابئة المندائيين ومعتقداتهم الدينية ، دار المدى للثقافة والنشر ، الطبعة الأولى 1996 

نشرت في وجهة نظر

إظهارا ودعما لأهمية اللغة في حياة الشعوب والأمم، فقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعتماد عام 2008 سنة دولية للغات وقد أسندت مهمة تنسيق الأنشطة المتعلقة بهذا العام لليونسكو التي أكدت عزمها على القيام بدورها القيادي في هذا المجال إدراكا منها بالأهمية الحاسمة للغات في التصدي للتحديات العديدة التي سيتعين على البشرية مواجهاتها خلال العقود المقبلة.
وقد دعا مدير عام المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم " يونسكو " كوتشيرو ماتسورا الحكومات ووكالات المنظمة الدولية والمؤسسات التعليمية والجمعيات المهنية وجميع الجهات المعنية إلى العمل على احترام وتعزيز وحماية جميع اللغات لاسيما اللغات المهددة بالإنقراض. وأشار ماتسورا إلى أهمية العمل للحيلولة دون اندثار هذه اللغات من خلال وضع سياسات لغوية تتيح لكل جماعة لغوية استخدام لغتها الأولى أو لغتها الأم على أوسع نطاق ممكن ولأطول فترة ممكنة. وأكد ماتسورا ضرورة اتخاذ مبادرات فى مجال التعليم والإنترنت بالإضافة إلى القيام بمشروعات تهدف إلى حماية اللغات المهددة وتعزيزها باعتبارها وسيلة للاندماج الاجتماعي. وأشار إلى أن السنة الدولية للغات 2008 تعد فرصة فريدة لإحراز تقدم حاسم في المساعي الرامية نحو بلوغ هذه الأهداف. وأعلن ماتسورا أن 21 فبراير القادم - الذي يوافق اليوم الدولي للغة الأم - يكتسب أهمية كبرى هذا العام في ظل السنة الدولية للغات، حيث سيكون فرصة لإطلاق المبادرات الرامية إلى تعزيزها.
لقد إعتمدت اليونسكو تاريخ 21 شباط من كل عام يوما للغة الأم، وهذا اليوم هو تخليد لتاريخ أبشع تصفيات جسدية ذهب ضحيتها أساتذة ومتخصصون وناشطون بنغلاديشيون ناضلوا من أجل بقاء لغتهم البنغالية الأم مقابل تسييد اللغة الأردوية المعتمدة في الباكستان قبل إستقلال بنغلادش عن باكستان. وهكذا صار هذا اليوم مناسبة للتأمل في اللغات المهددة بالانقراض، وتقصي الأسباب الكامنة وراء ذلك، والتحرك دولياً للحد منه وتعزيز اللغات الأم وإحياءها. فاللغة هي التي تحمل قيم الجماعات وهويتها الاجتماعية، وهي وسيلة الإنسان للتواصل مع الآخرين، وأداته المعرفية. وبالتالي فاللغة هي الإنسان نفسه، و" هي البعد الأساسي للكائن البشري، بل أننا نحيا في اللغة وبها " كما يقول المدير العام لليونسكو.
إن كل لغة هي نتاج شعب أو أمة وهي دليل قوي على قيمة ذلك الشعب وأهميته وحاجته للتميز بلغة خاصة يأتي ابتكارها وتطويرها واستعمالها مؤشرا على الضرورة الخاصة بالقيمة الاجتماعية والخصوصية. وقد صارت مقوما أساسيا من مقومات كل شعب أو أمة. ولأنه لا يمكن إدراك الحياة دون لغة، فإنها من هذا الجانب غدت بمثابة كائن حي يعيش مع البشر عامة لتميزهم دون سائر الكائنات الحية الأخرى بها. وهي أداة التعبير عن الإحساس والشعور والعاطفة والتفكير والمعنى. ولتميز الإنسان دون سواه بأعلى الدرجات في هذه الخصائص بل وتفرده في بعضها، فلم يعد مجرد التعبير الصوتي واللفظي ولا حتى اللغة المنطوقة كافية لسد حاجة التواصل الإجتماعي وخدمة ثقافة الشعوب. ولذلك فقد تخطت اللغة أن تكون مجرد وسيلة اتصال، بل صارت أداة توثيق ونقل ومعرفة للأنظمة القيمية للشعوب وأساليب تعبيرها الثقافي وعاملا أساسيا في هويتها. فاللغة ابتكار عظيم من قبل البشرية وعليها المحافظة عليه.
إن تعدد الشعوب وتنوعها وقدمها كان وراء وجود ما يقرب من 7000 لغة في العالم بحسب إحصاءات الجهات الدولية المتخصصة. إلا أن ما يسجل الآن أن أكثر من نصف هذا العدد مهدد بالإنقراض بأسباب تسيد لغات أخرى عليها أو قلة أعداد المتحدثين بها. وقد كان ذلك مدعاة لأن تسعى منظمة اليونسكو ومنظمات أخرى لتبني مشاريع للمحافظة عليها وأن ينادى بالعام الحالي عاما للغة.
ومفهوم اللغات المهددة بالانقراض يشرحه عنوانها بوضوح. وميدانيا، إعتبرت اليونسكو أن اللغة مهددة بالإنقراض إذا كان عدد المتحدثين بها لا يرقى إلى 1000 شخص، وإن أقل من 30 % من أبنائها غير قادرين على تحويل ألفاظها إلى تعبير كتابي. وتأسيسا على هذا فإن هنالك لغة تنقرض كل أسبوعين تقريبا بوفاة آخر المتحدثين فيها. وهذا ما كان وراء جهود كثيرة وكبيرة وحثيثة للمساعدة في تدوين هذه اللغات وتوثيقها والمحافظة عليها ، بل وإحياءها. فمثلا كان عدد الناطقين بلغة «الاينو» في جزيرة هوكايرو اليابانية ثمانية اشخاص فقط في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، لكن هذه اللغة تم العمل على إحيائها وصار لها متحفا للغة يقدم دروساً للشبان والشابات المقبلين على تعلمها. وفي انجلترا انقرضت لغة «كورنيك» منذ عام 1777، وتم إحياؤها في السنوات الماضية، وهناك اليوم ألف ناطق بها كلغة ثانية.
وتحددا بالعراق، بلاد ما بين النهرين، فإن موروثه اللغوي يتطلب أقصى رعاية، ذلك أن سجله في تاريخ البشرية يشير الى أن سكانه هم أول من ابتكر اللغة وامتلك أكبر إرث لغوي في العالم، وأنهم سبقوا العالم أجمع بأبجديتهم السومرية التي بدأ بواسطتها تدوين التاريخ مقارنة بعصور ما قبل التاريخ، وعن طريقها تم الوقوف على موروث أدبي وقيمي كبير وقيم خلد جانبا مهما من حضارات سومر وأكد وبابل وآشور وجعلها حاضرة ليس بآثارها المادية الشاخصة على أرض العراق، وليس بلغة الوثائق المكتشفة التي دونت جانبا من عصور وجودها، بل باللغة المنطوقة المحكية التي مازال اللسان العراقي يحفظها ويعتمدها على الرغم من إعتماد اللغة العربية لما يزيد على أربعة عشر قرنا. وحيث صارت اللغة العربية لغة البيت والشارع والتعليم، وبالتالي اللغة الرسمية للبلاد، فإن ذلك لا يمنع من متابعة الأساس اللغوي المشترك بين لغات العراق القديمة واللغة العربية خاصة أن هذه اللغات تشترك جميعا ضمن تسمية عائلة اللغات السامية بالإضافة إلى اللغة الكردية ولهجاتها واللغة التركمانية.
واللغة المندائية واحدة من عائلة اللغات السامية. يصنفها اللغويون بأنها الفرعي النقي للآرامية الشرقية لصرامة محافظتها على عدم التأثر بأي لهجة أخرى. ساهمت، من خلال التدوينات الكثيرة، في توثيق موروث المندائيين الديني والطقسي. وهي الشاهد القائم على طريقة تدوين الأدب البابلي وأسلوب كتابة التلمود البابلي. والدارس لهذه اللغة يفاجئ بالكم الكبير الذي تحتويه هذه اللغة من المفردات التي مازالت مستعملة في اللغة العامية المحكية في العراق وبشكل خاص في وسطه وجنوبه بحكم وجود المندائيين في هذه المناطق، والتي ظلت لصق لسان العراقيين على الرغم من إعتماد اللغة العربية لغة دين ولغة رسمية. فمن من العراقيين لا يقول في لغته المحكية " أكو، ماكو، چـا، يمعود، ياعين موليتين، عالميمر، چـوبي، أبو خـْريّان، صاية وصرماية، ترجية، طرشي، نشمي، ... ومئات الكلمات من التي عكفنا على وضعها بمعجم أصلها المندائي، وسيكون بين أيدي عامة العراقيين قريبا.
إن هذه اللغة التي تعتبر من مقومات كيان الصابئة المندائيين، والتي توثق جانبا أساسيا من تراثهم وأدبهم وطقوسهم ، بل ومن تراث العراق بحكم الإشتراك الذي أشرنا إليه، هذه اللغة اليوم تعد بكل المقاييس لغة مهددة بالإنقراض. وإنه من المؤسف حقا أن تكون هذه النتيجة بأسباب الإهمال التام الذي أصابها في وطنها الأم العراق خلال عصور الإضطهاد ، والأخطر أن هذا الإضطهاد صار وراء تخلي أبنائها عنها على الرغم من فاعليتهم وكفاءتهم المعهودة في جميع مجالات الحياة والتخصص.
لا يتحدث اللغة المندائية من المندائيين البالغ عددهم في جميع أنحاء العالم حوالي 60000 نسمة أكثر من 100 شخص. يشكل رجال الدين نسبة 40% تقريبا منهم بحكم أن الطقوس الدينية المندائية التي يجريها رجال الدين تتم باللغة المندائية. لكن هؤلاء أنفسهم لا يتحدثون اللغة المندائية في بيوتهم ولا حتى فيما بينهم أثناء تلاقيهم. ومن عامة المندائيين في العراق لا يتحدثها أكثر من 10 أشخاص. والعدد الآخر هو من المندائيين المتواجدين في جنوب إيران. علما بأن اللغة المعتمدة من قبلهم يطلق عليها " الرطنة " وهي ليست مندائية خالصة ، بل هي مزيج من المندائية الكلاسيكية والفارسية والعربية.
وتأسيسا على مقاييس منظمة اليونسكو ، فإن اللغة المندائية من بين أكثر اللغات المهددة بخطر الإنقراض. وقد حفزنا ذلك للسعي من أجل جلب انتباه بعض الجهات المسؤولة بهذا الخصوص بما نجم عنه تدوين اللغة المندائية ضمن أطلس اليونسكو للغات المهددة. وبناء على هذا التدوين يتوجب أن يقدم بلد اللغة المهددة بالإنقراض كل الدعم اللازم في التدوين والتوثيق والتعليم وضرورة مساهمة المنظمات المعنية بتقديم الدعم والخبرة المطلوبة بما تلمس نتائجه خلال فترة تحسبا للانقراض.
من هنا، ولأغراض المحافظة على هذه اللغة الأصيلة والقديمة فإننا نرى ضرورة تظافر جهود مكثفة وحريصة يقف في مقدمتها نشاط المندائيين أنفسهم في دعم لغتهم، ذلك أن أي نشاط في هذا المجال إنما يتأسس أولا على إقبال المندائيين على تعلم لغتهم والحرص على قدر مقبول من التخاطب بها ولو ببعض المفردات التي تعزز نطقها وربما تعارف المندائيين فيما بينهم من خلال كلمات التحية والسؤال والجمل القصيرة. كما أن هنالك مسؤولية مباشرة للجهات الرسمية المعنية في العراق ممثلة بوزارة الثقافة ووزارة التربية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتبني ودعم برامج في هذا الخصوص تتمثل في توثيق اللفظ والقراءات المندائية بصيغتها الكلاسيكية التي وردت في الكتب الدينية قبل إنقراض القادرين على التحدث بها، وكذلك توثيق اللغة المندائية المحكية التي تسمى بالرطنة لأغراض المقارنات والحفظ وكذلك جوانب التمايز من أجل الفهم. كما يتطلب الأمر تطوير الحرف المندائي بحسب الأبجدية المندائية الخاصة والمتميزة وتوفيره لأغراض الإستخدام الكومبيوتري لمساعدة المندائيين في إعادة تدوين الكتب الدينية المندائية التي تحفظ لغتهم وتراثهم وإعتماد تقنيات وبرامجيات الكومبيوتر لهذا الغرض وكذلك دعم البرامج التعليمية التي تساعد في تعليم هذه اللغة لأبنائها.
إنها دعوة لأن يساندنا جميع العراقيين، متثقفون ومعنيون، من أجل أن توضع دعوة الأمم المتحدة بجعل عام 2008 عاما للغة الأم موضع التنفيذ. فنحن نأمل ونرجو ونطالب أن يكون هذا العام، على مستوى العراق، عاما لدعم اللغة المندائية بإعتبارها حقا لغة مهددة بالإنقراض بحسب تصنيفها وتسجيلها في أطلس منظمة اليونسكو. كما نرجو أن تقوم الحكومة العراقية بالطلب إلى مندوب العراق في منظمة اليونسكو من أجل متابعة ذلك عن طريق التنسيق مع الجهات المندائية المعنية والأكاديمية المتخصصة علما بأنه سبق وكان لنا إتصال مباشر مع هذا المنظمة في هذا الموضوع. كما أن الأمر يتطلب تخصيصات مالية يقرها مجلس النواب لتنفيذ الكثير من البرامج التعليمية والتوثيقة المهيئة والتي تنتظر تمويلا مناسبا لوضعها موضع التنفيذ ومن ذلك إمكانية إيصال كتابنا التعليمي" أتعلم المندائية " مجانا إلى جميع المندائيين فهو كفيل بمرحلة تعليم القراءة والكتابة الأساسية، وقد حظي بتقييم وتقدير منظمة اليونسكو، ومشاريع أخرى موقوفة بأسباب عدم توفر الدعم. ونشير أيضا أن هذا الأمر يمكن أن تشترك فيه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم المنبثقة عن جامعة الدول العربية ذلك أن مثل هذا الموضوع يقع ضمن ميدان عملها وندعوها لأن تسهم معنا في وضع دعوة الأمم المتحدة بهذا الخصوص .

لقد حفّزني لكتابة هذا الموضوع ما أطالعه يوميا من أخطاء سببها عدم معرفة كثير ممن يكتبون بالعربية بمواضع همزة كلا الحرفين و ما يترتب عليه من إشكالات في المعاني المقصودة ما سيقف عليها المتتبع عند القراءة الدقيقة لهذا المقال الذي سأحدد فيه : وجوب الكسر , وجوب الفتح , جواز الكسر أوالفتح , بأسلوب مبسط بعيد عن التعقيد
مواضع الكسر وجوبا

هناك حقيقة علمية ثابته بالنسبة لكسر همزة { إنَّ } ذلك أنَّها تُكتب كذلك عند وقوعها في جملة الابتداء , مهما كان موقع تلك الجملة

أول الكلام , أو وسطه , ويمكن حصر ذلك في الجمل التالية

أ - الجملة الابتدائية : إنَّ العراقيين لصامدونَ

ب - جملة القول : قال الأستاذُ : إنَّ الصدقَ سلاحُ المخلصينَ , ٌوأضاف قوله : إنَّ خيرَ العلماءِ مَنْ انتفعَ بعلمِه الناسُ , فعقَّبَ سعيد قائلا : إنَّ مصاحبةَ عالمٍ فقيرٍ خيرٌ منها لجاهلٍ وافرِ المالِ

ج - جملة الخبر لمبتدأ هو اسم عين { ذات } : زيدٌ إنَّه فاضلٌ

د - جملة صلة الموصول : حضر الذين إنَّهم زينةُ الدارِ

ه - جملة الحال : قدمتْ سلوى وإنَّها لفي أحسنِ حالٍ

و : الجملة الاستئنافية : التواضعُ مِن أسمى الأخلاقِ , إنَّه تاج

المبدعينَ , وزينةُ المؤمنينَ

ز - جملة جواب القسم : والله , إنَّ كلمةً طيبةً لأثمرُ مِن فعلٍ خبيثٍ

وهنا يُشتَرَط أن تدخل في خبرها اللام المزحلقة

ح - الجملة المعطوفة على جملة ابتدائية : إنَّ الحبَّ لسرٌّ من أسرارِ الكونِ , وإنَّه لمفتاحٌ للقلوبِ

ط - في الجملة المؤكدة لأخرى بالتكرار : إنَّ الصبرَ جميلٌ , إنَّ

الصبرَ جميلٌ

ك - بعد { ألا } الاستفتاحية : { ألاْ إنَّهمْ همُ السفهاءُ } , ألاْ إنَّ

الجاهلَّ مسكينٌ

ل - بعد فعل من أفعال القلوب وقد عُلِّقَ عنها باللام : علمتُ إنَّه لَشاعرٌ

م : بعد { حيثُ } الظرفية التي تلازم الإضافة إلى جملة : اجلسْ حيثُ إنًَ الحكماءَ يجلسونَ

ملاحظة مهمة : انفردتْ { إنَّ } دون غيرها بأن خبرها تلحقه { لام } التوكيد المفتوحة المزحلقة نحو : {إنَّ الأبرارَ لفي نعيمٍ } , إنَّ الطلابَ لحاضرونَ , وإنَّهم لمنشغلونَ , لهذا فإنَّ دخول اللام في خبرها من أسباب كسر همزتها

مواضع الفتح وجوبا

يتوجب فتح همزة { أنَّ } عندما يصح سبك مصدر مُؤوَّل منها , ومن اسمها , وخبرها , والمقصود بالمصدر المُؤوَّل أنَّه يُفَسَّرُ بكلمة واحدة

تشتق من معنى الجملة , ويعرب هذا المصدر حسب موقعه من الإعراب كما مبين أدناه

أ - المبتدأ المُؤَخَّر: من المعلومِ أنَّكَ صادقُ القولِ , من المعلوم : خبر متقدم على المبتدأ , وفُهمَ ذلك لكونه شبه جملة , و{ أنَّ واسمها وخبرها } مصدر مؤول في محل رفع مبتدأ متأخر , والتقدير : من المعلومِ صدقُكَ

ب - الخبر : المعلومُ أنَّكَ صادقٌ : أنَّ ومعمولاها في محل رفع خبر المبتدأ الذي جاء اسم معنى , معرفة { اسم المعنى مثل : الثابت , المقصود , المفهوم , أمّا اسم الذات فمثل: زيد , بحر }

ج - الفاعل : أسعدَ الحضورَ أنَّ الحفلَ بهيجٌ , المصدر المؤول من أنَّ ومعمولَيها في محل رفع فاعل

د - نائب الفاعل : سُمِعَ أنَّ المحتلِّينَ راحلونَ , أمفهومٌ أنَّ أخاكِ قادمٌ ؟

المصدر المؤول في محل رفع نائب فاعل

ه - المفعول به : سمعَ الملحنُّ أنَّ مطربا صوتُهُ جميلٌ , المصدر

المؤول من أنَّ ومعموليها في محل نصب مفعول به

ظنَّ الأحرارُ أنَّ الغزاةَ راحلونَ , المصدر المؤول في محل نصب

سدَّ مسد مفعولي الفعل ظنَّ المتعدي إلى مفعولينِ أصلهما مبتدأ وخبر

أعلمَ المذيعُ المستمعينَ أنَّ الغزاةَ راحلونَ

المصدر المؤول من أنَّ ومعموليها في محل نصب سد مسد المفعولين الثاني والثالث للفعل أعلمَ المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل , ثانيهما وثالثهما أصلهما مبتدأ وخبر

و - في محل جر بالحرف : شعرتُ بأنَّ طيفَكِ قد زارَني , المصدر المؤول من أنَّ ومعموليها في محل جر بحرف الجر , الباء

ز - في موقع معطوف على مصدر صريح : تذكّرْ نصيحَتي وأنِّي حذَّرتُكَ من أصحابِ السوءِ

أو معطوف على مصدر مؤوَّل مثله : تذكَّري أنِّي نصحتُكِ وأنِّي حذَّرتُكِ من أصحابِ السوءِ

جواز الكسر أو الفتح

يجوز كلا الحالين عندما يكون الحرف ومعمولاه قابلا للتفسير بجملة فيجوز عندها الكسر , أو يقبل التأويل بمصدر فيجوز الفتح نحو

أ - بعد { إذا الفجائية } : خرجتُ فإذا إنَّ زيدا يقابلني , خرجتُ فإذا أنَّ زيدا يقابلني

ب - في جواب القسم غير المُقترِن باللام : لَعَمْرُكَ إنَّ أباكَ نبيلٌ

لَعَمْرُكَ أنَّ أباكَ نبيلٌ

ج - بعد فاء الجزاء الواقعة في جواب الشرط : مَنْ يزرْني فإنَّهُ لكريمٌ

مَنْ يزرْني فأنَّهُ كريمٌ

د - إذا وقعت بعد مبتدأ هو في المعنى قول , وخبر إنَّ قول , والقائل واحد : خيرُ القولِ إنِّي أحمدُ اللهَ

خيرُ القولِ أنَّي أحمدُ اللهَ

ففي الأولى { إني أحمد الله } جملة في محل رفع خبر المبتدأ

وفي الثانية { أنَّ ومعمولاها } مصدر مؤول في محل رفع خبر المبتدأ , أي أنه بتقدير كلمة واحدة , وليس جملة

 

الجمعة, 05 نيسان/أبريل 2013 13:55

أسطورة الماء في الأديان ، فكرا وطقسا

أن الإنسان هو ذلك العالم الصغير، الكبير بمفارقاته وتلاوينه وقوته وضعفه وتأثيره وتاثره بمن حوله وبالطبيعة ككل. وهو وحدة لا تقبل الفصل من هذا الكون الفسيح، يؤثر فيه ويتأثر به. هنالك ترابط روحي لا بل حتى مادي ما بين الإنسان والطبيعة التي يعيش في كنفها. فهذا الاتصال والترابط او التعايش ما بين الإنسان والطبيعة بجميع مظاهرها وعناصرها المختلفة .. كان له تأثير كبير جدا، لا بل كان هو المجال الواسع الذي ترعرعت فيه بذرات الفكر الإنساني.
ان هذا التلاقح او الاتصال الروحي ما بين الإنسان وطبيعته، أدى إلى خلق وتكوين أروع واعظم ألافكار الإنسانية التي انبنت شيئا فشيئا الى ان وصلت الى ما هي عليه الان.
فعندما ياتي ذكر التعميد او طقوس الاغتسال، يجب ان يسبقه الحديث عن الماء ودوره التاريخي في روحية وأفكار الأقوام والشعوب. لان ما بين التعميد والماء (واللذان يشكلان وحدة طقسية مهمة في ممارسات الأديان عموما) علاقة رمزية صميمية حياتية لا تقبل الفصل، ولان الماء الوسيلة الوحيدة لاقامة طقوس الاغتسال الديني او ما يعرف (بالتعميد).
فتأخذنا هذه الأسطورة السحرية (الماء) إلى أعماق سحيقة في التاريخ الإنساني، والتي عاصرته وهو يبني حضارته وفكره الديني منذ بدايات طفولته الفكرية إلى الآن. فالماء ملازما عقلا وفكرا وطقسا للإنسان.
لا اعتقد بوجود أي امرئ في هذا العصر، وعلى هذا الكوكب الأرضي، ناضج عقليا، لا يعرف ما للماء من أهمية كبيرة في حياة الكائنات الحية. فحتى الإنسان في تاريخه المبكر (الإنسان القديم)، ومن جملة اكتشافاته الأولية، شعر وأدرك بغرائزه ما لهذا العنصر من أهمية له ولحياته الخاصة، فكانت عبادة الماء وتقديسه من الأفكار الدينية المنتشرة في كثير من مناطق وحضارات العالم القديم. فلذلك سوف لا اتطرق الى اهمية هذا العنصر ودوره من الناحية العلمية واكتفي بالاشارة الى الهم الاكبر للعلماء، وهو محاولة اكتشاف ولو اثر بسيط على وجود الماء في الكواكب الأخرى، لكان دليل قاطع على وجود نفس الحياة في تلك الكواكب. الماء ببساطة يعني الحياة، وان العثور على هذا العنصر الهام يعني العثور على كائنات فضائية أخرى غير الإنسان. فالماء يستعمله العلماء والمستكشفون كجهاز إنذار مبكر رفيع المستوى، يكشف عن وجود حياة من أي نوع كانت، وفي أي منطقة. اذن نستنتج من ذلك ببساطة ان الماء يساوي الحياة.
أن هذا العنصر في الطبيعة قد شكل أهمية كبيرة لا يمكن الاستغناء عنه في حياة الكائنات الحية جميعا فبجانب هذه الأهمية والمكانة الكبيرة التي احتلها من الجانب العلمي، احتل أيضا أهمية كبيرة كما في العقلية الدينية والروحية لكثير من أديان ومعتقدات الإنسان قديما وحديثا لاتقل عن أهميته العلمية. وهذا يظهر جليا واضحا عندما نتتبع النصوص الدينية فقط، بغض النظر عن الممارسات الفعلية والطقوس المصاحبة لهذا العنصر (الماء). فلا تكاد تخلو عقيدة دينية إلا وكانت تقدس هذا العنصر، بطريقة معينة سواء فكرا أو طقسا. وهذا يرجع ما للماء من أهمية كونية، وماله من ارتباط وثيق بحياة الإنسان سواء أكان شعبا أم فردا.
فياخذنا هذا العنصر موغلا في التاريخ الميثلوجي للحضارات القديمة، ومنها الحضارة الرافدينية القديمة. فنرى ان الآلهة انانا قد استعادت الحياة بتناولها طعام الحياة وماء الحياة، بعد ان اوشكت على الموت. ونجد التفريق واضحا بين المياه العذبة (الالهة ابسو) والمياه المالحة (الالهة تيامت).
فالإلهة (تيامت) مصدر أساسي للموت والأمراض عند البابليين، وهي سبب جميع الشرور والأمراض في هذا العالم. ولذلك كان يحتفل بفشلها رمزيا في بداية كل سنة جديدة وفي عيد (الاكيتو) استبشارا بطرد الشرور والأمراض. أما الإله (ابسو) الذي يعتبر مصدر الشفاء والطب، لانه اله المياه العذبة، فهو أبو الإله (ايا) الذي هو رب الطب الأعلى.
وقطرات الماء الساقطة من السماء إلى الأرض على شكل مطر، والذي يسبب إنماء وارواء الأرض - هذه العملية كان لها مغزى كبير وعميق في التفكير الإنساني. فهذه القطرات تمثل في الأساطير الدينية القديمة كالمني التي يطلقها الذكر (المتمثل في السماء الواهبة) لتخصيب الأنثى (المتمثلة في الأرض المستلمة). فهذه عملية حياتية في عمق فلسفة الأديان، ولها دور كبير جدا في فكر الإنسان وتأملاته.
وعلى الأخص كون الماء عنصرا رمزيا للتنظيف والطهارة وغسل الذنوب عند البشر. والله سبحانه تعالى قد خلق الإنسان من ماء وتراب وكان يوحنا المعمدان وقومه يعيشون قرب المياه كي يعمدوا أطفالهم به والمنتمين الجدد، وهناك طوائف أخرى كثيرة تربط حياتها الاجتماعية والدينية بالمياه وتعيش على ضفاف الأنهر.
فالماء ينظر اليه بالمنظار المقدس في جميع الأديان قاطبة القديمة منها والحديثة. فهو في مرتبة عالية في الممارسات والفكر الديني الإسلامي (وخلقنا من الماء كل شيء حي) القران الكريم، أي انه أساس لكل شيء حي، وهذا تقديس كبير للماء. ولا يخلو أي مسجد من مصدر للمياه النظيفة السائلة يستخدمه المسلمون للوضوء قبل الصلاة خمس مرات في اليوم .
وفي الديانة المسيحية نجد في الماء عنصرا مهما في إقامتها لمراسيم التعميد ولا يستعاض عنه. كما أن السيد المسيح (ع) تعمد بالماء الجاري (نهر الأردن) على يد النبي يحيى يوحنا (ع) فكان لهذا التعميد أثره الخاص والمهم بلاهوت المسيح والكنيسة من بعده. فيدخل الماء في عملية التعميد الكنسي وصلوات القربان المقدس عند المسيحيين كرمز للتطهير من الذنوب.
أما في الديانة اليهودية فالماء عندها مقدس تقديسا كبيرا وهذا يظهر جليا واضحا في مراسيمها الدينية، وفي فكرها أيضا (روح الله يرف على وجه المياه) التوراة\التكوين.
ومن فرائض اليهودية أيضا استخدام الماء في طقوس التنظيف وتبرئة الذات من الذنوب وفي التعميد أحيانا. كما يعمد اليهود إلى غسل أياديهم قبل كل وجبة طعام وعن طريق تقليب الماء بين الكفين اليسرى وا ليمني بمثابة تبرك .
وكانت للديانات ا لقديمة قدسية خاصة للمياه لهذا فقد اعتبر الإغريق القدماء أن بعض الأنهر والبحار مقدسة ومنحو المياه آلهة مسؤولة عن الخير والخصوبة والكوارث .
ويرى الدكتور جواد علي بان القدماء كانوا يرون في أعماق الآبار والينابيع والأنهار العذبة قوى خفية مؤثرة تمنح مياه تلك المواضع قدسية خاصة. وفي الواقع أننا لا نزال نرى هذا التقديس باقيا حتى الان عند كثير من الشعوب.
ان الماء الحي (ميا هيي) شعار وصفة ملازمة من الناحية الفكرية والطقسية للديانة المندائية. فللماء في الديانة المندائية قدسية عظيمة وواضحة وضوح الشمس.
لكن ليس كل ماء هو مقدس في المندائية، وانما فقط الماء الجاري الحي الذي يطلق عليه (يردنا) فهناك الماء الراكد اوالميت الذي ترفضه الديانة المندائية، والذي يرمز الى الظلام والموت. أما الماء الجاري الحي (يردنا) فهو الماء الذي يحمل كل صفات الحياة. الماء الذي ينقي نفسه بنفسه.
ف(يردنا) لها أهمية رمزية كبيرة في عملية الخلق وانبثاق الحياة والعوالم. فهي تعتبر من صفات الخالق المقدسة والعظيمة والتي انبثقت في اخر يوم من ايام الخلق العلوي الخمسة (البرونايا). وتذكر بعض النصوص الدينية المندائية بان اليردنا هو مخلوق كائن بذاته، له القابلية على الخلق أيضا (عبارة رمزية).
فاليردنا او الماء الحي هو الذي كان سببا في إنعاش الحياة على الأرض. وكأنه بمثابة مادة الحياة (الدم) في الإنسان وجريانه بدورتيه الكبيرة والصغيرة المعروفتين، سبب في بقاء الإنسان على قيد الحياة. لان الأرض عند خلقها لم تكن روح الحياة متيسرة، فكانت مليئة بالماء الآسن الأسود الذي خرجت منه الأرواح الشريرة والشر. فبامتزاج (يردنا) السماوي في مياه الارض الغير حية ازدهرت الارض وانتشرت رائحة الحياة عليها.
وليس كل ماء جار هو يردنا، وانما جزء منه يردنا سماوي والذي يغذى من قبل عوالم النور العليا السماوية (آلمي اد نهورا). فعملية امتزاج (يردنا) السماوية الجارية في عوالم النور والمحملة بالحياة والنور ب(يردنا) الارضي، تعطي للاخيرة صفة الحياة والقوة على البعث والإخصاب. فلذلك ان وجود يردنا السماوية في يردنا الارضية يثبت وجود العلاقة الحياتية بين عوالم النور (آلمي اد نهورا) وعوالم الظلام (آلمي اد هشوخا) والتي من ضمنها الارض (ارا اد تيبل).
وهذا يعني ان روح الحياة متيسرة في هذا العالم. وحسب الفكر المندائي ان هذا الاتصال مهم جدا بين الماء الجاري الحي العلوي والماء الجاري الارضي. وان لم تصب المياه العلوية في المياه الارضية ستبقى الاخيرة سوداء غير حية كما كانت بعد الخلق. ف(يردنا) السماوية كانت مصدرا وسببا في ازدهار الحياة على الارض بعد الخلق واصبحت مهيئة لخلق الانسانين الاولين (ادم وهوا) عليها.
الخلاصة اذن ان (يردنا) الارضية تغذى من قبل (يردنا) السماوية والتي تعطيها صفة الحياة والديمومة، وهي عبارة عن نور الله المتجسد في الماء. كما ان يردنا هي المادة او المصدر الذي تتزود منه الكائنات الاثيرية والارضية على حد سواء، القوة والحياة.
وان الماء الحي (ميا هيي – يردنا) هو جوهر طقس (المصبتا – الصباغة) التعميد المندائي. و(يردنا) عموما يرمز الى صفة الاب وعنصر الحياة (السائل الحيوي للحياة والتكوين) في الفكر والممارسة الطقسية المندائية. ف(يردنا) هي نفسها التي سيولد بها الانسان المصطبغ (المتعمد) مرة اخرى تاركا خطاياه بعيدة. فالماء اذن مغذ ومنعش ومطهر دائما.
واخيرا يجب ان نذكر بان كلمة (مصبتا) مشتقة من جذر الفعل الثلاثي المندائي (صبا) بسكون الصاد وفتح الباء – وتعني مندائيا التعميد او الصباغة بالذات. ومن هذه الكلمة جاءت تسمية المندائيين بالصابئة أي الصابغة او المتعمدين او السابحة. والأخيرة اقترحها عباس محمود العقاد، في كتابه (إبراهيم أبو الأنبياء)، جعل سببها كثرة الاغتسال في شعائرهم (أي الصابئة المندائيين) وملازمتهم شواطئ الأنهار من اجل ذلك.
وان طقس الاغتسال بالمياه الجارية (التعميد) والذي يأخذ في رأيي أشكالا متعددة بين أقوام واديان وشعوب العالم، لكن يبقى جوهره واحدا وهدفه الرئيسي هو التطهير واكتساب منحة الحياة والاتصال بالقوى الحياتية، لما للماء مثلما أوضحنا، من أهمية بالغة في عقيدة الأديان. والكثير من هذه الأديان تعتقد بوجود القوى الخفية التي تحمي هذه المياه وتعطيها البركة اللاهية والقوة على الإنعاش والتواصل مع الحياة، والتي تظهر مميزات هذه القوة في المياه عندما يرون بان الماء باعث الحياة للأرض الميتة، ومعطية جرعة الحياة للإنسان والكائنات الحية.
ولايخفى بان شعوبا واقواما عديدة قد مارست هذا النوع من الطقوس المصاحبة للمياه. اندثرت بعضها ولم يبق منها غير الذكر التاريخي، والقسم الآخر موجود حاليا يمارس لحد ألان وتمارسه كثير من الأديان والمذاهب بصور تختلف أو تتشابه فيما بينها.
ويذكر لنا التاريخ أن هناك فرقا يهودية قديمة عديدة كانت تمارس مثل هذا النوع من الطقوس. فاليهود الذين سكنوا بلاد مابين النهرين (الشتات) لجاوا اليه حين بشروا بدينهم هناك، إذ كانوا يلزمون من ينضم إلى اليهودية بالتعميد (كان المتهودون يعمدون او يغطسون بالماء في نهر قريب عادة علامة تطهير). وهذه الأخيرة موجودة في الدين الإسلامي حيث يلزم من يدخل الإسلام، الاغتسال وقراءة الشهادة، يقصد به أيضا التطهير والدخول للدين الجديد.
فكانت الديانة اليهودية تفرض تطهيرات عديدة بالماء، وتفرض في العديد من حالات النجاسة، اغتسالات طقسية، تطهر وتواصل للعبادة. ونلاحظ في التوراة والتاريخ العبراني أسماء لمواقع مائية مقدسة جدا في عقيدتهم، وهذا نستطيع ان نجده في الكثير من الأديان.
ولقد اكتشف في السنوات القليلة الماضية منطقة تقع شرق نهر الأردن، ولقد قمت بزيارتها شخصيا، وقد أكد بعض الباحثين بان البلدة المكتشفة ترجع للنبي يحيى يوحنا (ع) ولتلاميذه من بعده. وربما ترجع لطائفة الاسينيين، وخاصة انها قريبة من مركزهم الرئيسي في منطقة قمران. وعلى العموم ان البلدة المكتشفة تحتوي على العديد من الأحواض المختلفة الحجوم، وهي بالتأكيد لأغراض الاغتسال والتطهير الديني.
وعلى الجانب الغربي من نهر الأردن، هنالك طائفة الاسينين التي اكتشفت لها أحواض خاصة في منطقة خربة قمران (شمال غرب البحر الميت) لاداء هذه المراسيم على الرغم من اندثار هذه الطائفة. فلقد كانت الحمامات المرتبة طقسيا مألوفة لدى هذه الطائفة، مثلما كانت عند جماعات دمشق وقمران.
ان البحوث جارية للكشف عن هذه الطائفة التي تعتبر التعميد او الغطس بالمياه الجارية، الطريق الذي يوصلهم إلى الاتصال بالخالق. فمن تعاليم هذه الطائفة انغمار المرء كليا في الماء ثم يشرع في رش الماء على نفسه. ويقول جوزيفوس المؤرخ اليهودي الذي ادعى معرفته بالطائفة، في كتابه (حروب اليهود) المجلد الرابع صفحة 222، أن الطهارة لدى الاسينيين هي شكل من اشكال التعميد لأنها كانت تمارس قبل وجبة الطعام اليومية العمومية. او إذا تدنس أخ بتماسه مع أفراد فئة أدنى منه دينيا، او في حالة قبول مرشح عضوا في النظام الكهنوتي.
فالتعميد اذن هو شكل من اشكال الاغتسال في الماء من اجل التطهر، والذي يتميز بالغطس في المياه الجارية، وتلاوة التراتيل الدينية، التي تدعو الى التقرب للذات العليا، واستلام منحة الحياة والتقديس من خلال عنصر الماء الذي يمثله بكونه عنصرا للتطهير اولا، وبكونه المادة الحية الأولى التي خلق منها كل شيء حي ثانيا.
وبما ان الأساطير الدينية تتحدث عن خلق الإنسان الأول من التراب والماء، وكان الإنسان قد حاول في فكره الديني ان يحول أسطورة خلقه الأولى الى ممارسة طقسية يقوم بها بحياته وكلما احتاج الى أن يولد ويخلق من جديد، فهي اذن عملية تواصل مع الخلق الأول والتجديد في الحياة.
وان عملية الغطس وقطع النفس عند انغمار المرء تحت الماء أثناء مراسيم الصباغة المندائية (مصبتا - التعميد) ليست الا دلالة قيمة وواضحة ترشدنا الى عملية الخلق الاولى للإنسان. فهي تعني الموت والاندحار ومن ثم الخروج من على سطح المياه، دلالة الخلق والولادة والازدهار.
كذلك ان طقوس الاغتسال الديني التي كانت تجرى في بابل او مصر او ربما غيرها أيضا كانت تجرى في الأنهار الجارية، ومن المعلوم أيضا أن ارتداء الملابس البيضاء التي ترمز الى النظافة والطهارة عند التعميد والاستحمام الديني كان شائعا لدى العديد من الأقوام.
من باب آخر يذكر التاريخ وعلى لسان الكثير من المؤرخين والباحثين، وكما ترويه لنا الشواهد الأثرية، بان هذا النوع من الطقوس امتد بعيدا في التاريخ. فحتى الديانات المصرية والسومرية والبابلية والكلدية والآشورية لها ممارسات على مثل هذه الطقوس والتي تقام بمصاحبة المياه الجارية النقية، والتي تمتلك صفة الحياة، فمثلا في مصر كان التلميذ المرشح للكهانة إذا نجح في الامتحان القاسي الذي يجري له، يخلع ملابسه ويستحم (يتطهر) في الماء ويطيبونه بالعطور ثم يرتدي زي رجال الدين، ويجب أن يقوم الكاهن بطقوس التطهير لنفسه وللمعبد، وذلك قبل الشروع في أداء شعائر العبادة. ويقوم الفرعون بمراسيم تبخير المعبود وتطهيره بسكب المياه المقدسة عليه، ثم يقدم القرابين لأبيه الذي يمنحه الحياة، وللعلم ان المصريين القدماء قد عرفوا الأحواض المقدسة المملوءة بالمياه الخاصة للتطهير.
ويعتبر تناول الماء المقدس عند الحضر، من طقوس الاحتفال الديني المهمة جدا، ويكون حوض الماء المقدس دائري الشكل ويستعمل لأغراض التطهير. كما ويعتبر الوضوء عند المسلمين وغسل الجنابة شكلا من أشكال الاغتسال والتطهير في الماء أيضا. وان الغسل في الماء بقصد الطهارة والوضوء في الديانة الإسلامية، ويتحقق الغسل الارتماسي بغمس الجسد في الماء دفعة واحدة.
وهناك ترى الصابئة المندائيين، الذين يحرصون على ان يكونوا في سكناهم قريبين من مصادر مياه جارية وحية، على ضفاف الأنهار، وخاصة دجلة والفرات في عراق اليوم. والمهاجرين منهم، في استراليا خاصة، يمارسون طقوس تعميدهم بكل حرية على ضفاف نهر نيبين في مدينة بنرث.
وان هذا التعميد الذي يقوم به الصابئي المندائي والذي يسميه شعبيا (صباغة) وفي اللغة الرسمية الدينية (مصبتا)، له تأثيراته على أصول وتطبيقات طقوس ومراسيم الاغتسال عند بعض الأديان الأخرى مثل المسيحية.
ومن الجدير بالذكر أيضا، اكتشاف الأحواض والبرك الجارية في كثير من الحضارات القديمة، والتي يؤكد بعض الباحثين على أن الناس كانوا يستحمون (يغطسون) من ضمن المراسيم الدينية (أي بمصاحبة القراءات الدينية).
من هنا تبدأ اهمية المحافظة على المياه العذبة، وعدم تلويثها لانها من العناصر الجوهرية في المحافظة على البيئة وجعل الطبيعة مزدهرة دوما. فعملية تلويث المياه والعبث بها بما يؤدي الى نقصانها او زوالها، يدخل من ضمن المحرمات الدينية التي نصت عليها كثير من اديان العالم القديمة والحديثة، اضافة الى الاعراف الدولية في المجتمع المدني الجديد.

المصادر:
مخطوطات مندائية.
أصول الصابئة المندائيين .. عزيز سباهي.
بخور الآلهة .. خزعل الماجدي.
المصبتا (دراسة في التعميد المندائي) .. الترميذا علاء النشمي.
معرفة الحياة .. سيناثي كندوز ترجمة د. سعدي السعدي.

نشرت في تاريخ

المقدمه:
تعرض المندائيين طيله تاريخهم الذي يمتد الاف السنين الى العديد من جرائم الاباده الجماعيه وموجات من القتل و الاضطهاد و القهر والاجبار على تغيير دينهم وكان تكفير المندائيين هي الذريعه المستخدمه لاباده الشعب المندائي, وقد استخدمت هذه الذريعه من قبل جميع الاديان المجاوره لهم . وقد يكون الشعب المندائي هو الشعب الوحيد في التاريخ الذي تعرض ولا يزال الى هذا العدد من المذابح دون ان يرفع احد صوته. ونحن هنا لا نستطيع سرد كافه هذه الحالات اولا: لكثرتها وتنوعها و ثانيا لقله المصادر الدقيقه حول البعض منها. وادعوا كافه الاخوه المندائيين الى المساهمه في اضافه اي معلومه لديهم حول هذه المذابح او غيرها من انواع الاضطهاد وخصوصا التي حدثت في العصر الحديث وسوف اواصل نشر حالات الاجبار على تغيير الدين قريبا .
تعريف الاباده الجماعيه
جاء في الماده الثانيه من الاتفاقيه الدوليه لمنع ومعاقبه جريمه الاباده الجماعيه ما يلي ((ان جريمه الاباده الجماعيه تشمل كل الاعمال التي تستهدف و بقصد, الى تدمير جماعه عرقيه او اثنيه او دينيه بصوره جزئيه او كليه))
وقد جاء من ضمن الاعمال التي تقع ضمن جريمه الاباده الجماعيه هي :-
1 ) قتل اعضاء من الجماعه(المقصود هنا يكفي قتل بعض من افرادها بقصد ابادتها اوالحاق اضرار بالغه بافرادها)
2) الحاق اضرار جسديه او نفسيه بالغه باعضاء هذه الجماعه
3) فرض ظروف معاشيه قاسيه على هذه الجماعه بقصد تدميرها جسديا بصوره جزئيه او كليه
4) فرض ظروف على الجماعه تؤدي الى منع الولاده
5) نقل اطفال من هذه الجماعه الى جماعه اخرى
وكذلك جاء في الماده الخامسه من هذه الاتفاقيه ما يلي ((على الحكومات اتخاذ الاجراءات اللازمه لمنع ومعاقبه مرتكبي جرائم الاباده الجماعيه))
من اعلاه, نلاحظ ان ما يتعرض له المندائيون الان وفي الماضي يقع ضمن تعريف جرائم الاباده الجماعيه والتي تقع على الامم المتحده ومنظماتها الانسانيه مسؤوليه حمايه المندائيين و انقاذهم.

1) مذابح المندائيين في القرن الاول الميلادي:
المصدر : كتاب حران كويثا( حران السفلى)/من كتب التاريخ المندائي

لقد ورد نص في كتاب ( حران كويثا ) ما يؤرخ حادثة واحده على الاقل حدثت في القرن الاول الميلادي وهي قيام اليهود بالقيام باباده جماعيه للمندائيين في اورشلام(موطن المندائيين) حيث قتل في هذا الحادثة كما روي في هذا الكتاب الاف المندائيين وكان بينهم( ثلاثمائه وستين رجل دين مرة واحدة) لانهم مندائيون مما ادى الى هجرتهم الى خارج المنطقه وهذا هو النزوح الاول للمندائيين خارج وطنهم . ويعلم جميع المندائيين المذابح التي تعرضوا لها على أيدي اليهود في التاريخ القديم و في بدايه الدعوه المسيحيه والذي اشارت اليه كتبنا الدينيه والتي توقف بعدها التبشير بديننا بسبب هذه المذابح , ولا اريد الاسهاب في هذا الموضوع لانه معروف للجميع.

2) مذبحه سنه 273 م في ايران
المصدر : From : Wikipedia
حين جاء الى السلطة الملك الساساني بهرام الأول سنة 273(م) . قام بحمله اضطهاد شعواء قادها الحبر الاعظم للزرادشت (كاردير) ضد المندائيين, الى انه لم يستطع القضاء تماما على المندائية، ولكن التدوين توقف تماما لعدة قرون ولم نشاهد التأثيرات والكتابات المندائية الا فيما يسمى بأوعية ( قحوف ) الاحراز والأشرطة الرصاصية . وقد اجبرت جموع المندائيين ، فيما بعد، الى الدخول الى الاسلام، لأن الدخول الى الاسلام لم يكن هناك بدا عنه، فقد قضت المصلحة الفردية و حب التخلص من تأدية الجزية وما فيها من اذلال والتهرب من الاذى والرغبة في المناصب والتمتع بالحرية والامان من الاجبار على دخول الاسلام.
3) مذبحة (القرن الرابع عشر) في مدينة العمارة جنوب العراق :

المصدر : الليدي دراور- (الصابئه المندائيون في العراق و ايران)

حدثت مذبحه للشعب المندائي في القرن الرابع عشر في مدينة العمارة وهي موثقه في كتاب (الليدي دراور ) بعنوان( الصابئة المندائيين) ترجمة المرحومين غضبان رومي و نعيم بدوي(رواه نهويلخون) صفحات 56 و 57 جاء فيهما :

(( ومهما كان الامر فأن الصابئين في القرون الوسطى يظهرون وقد قهرهم الاضطهاد فقد تركت احد الكوارث في القرن الرابع عشر طابعها في ذكرياتهم حتى هذه الايام وقد عثرت على تسجيل لهذه المذبحه في نهاية احد الاحراز الطلسميه التي تفحصتها اخيرا ,كما وجدت نفس الشيء مسجل في ( التاريخ ) وهو مخطوط يمتلكه الشيخ دخيل يحكي المخطوط عن مذبحه رهيبه تعرض لها الصابئون في الجزيره حين كان السلطان محسن بن مهدي حاكما على العماره وكان ابنه فياض حاكما على شوشتر حيث تعرض بعض الاعراب على امرأة صابئية و نشب القتال واعلنت الحرب على الصابئيين فذبح الكهان والرجال والنساء والاطفال وبقيت الطائفه مهيضه وبلا كهان لعدة سنين )) .

4) مذبحه سنه) 1782( في الجنوب الفارسي :

المصدر : Jean de Morgan (mission scientifique en Perse ) voume 5
الترجمه الحرفيه كما يلي :
(( المسلمين في بلاد فارس ارادوا الحصول على الكتب الدينيه للمندائيين ولكنهم لم ينجحوا بالحصول عليها لا عن طريق الشراء ولا عن طريق السرقه.لذلك قاموا بأعتقال قادتهم وقالوا لهم انهم يتبعون الديانه المندائيه عن طريق التقليد عند القيام بالطقوس المندائيه الدينيه خوفا على كتبهم ,عند ذاك تم رمي قادتهم الدينين في السجن وتحت التعذيب, ولكنهم استمروا في انكار وجود اي كتاب مندائي لديهم ولكن المسلمون الفرس هددوا الكثير من قادة المندائيين بالقتل , البعض خوزقوا واخرون مزقوا ,احد المعذبين المندائيين تم قطع اطرافه الواحد بعد الاخر بدأ من اصابع الارجل ثم الايدي, بعض قادتهم تم جلدهم احياء والاخرين تم احراق اعينهم بوضع حديده حاميه جدا في اعينهم, ثم بعد ذلك تم ذبحهم ,والبعض الاخر تم احراقهم احياء .
الكنزبرا ( ادم ) الذي تم قطع يده اليمنى من قبل المسلمين الفرس كان واحد من هؤلاء المساجين هرب الى تركيا ( من المحتمل المقصود شمال العراق في العصر العثماني ) ولكن قبل هربه اخذ معه نسخه من الانياني ( الكتاب الرئيسي للمراسيم الدينيه المندائيه ) تم استنساخه من قبله رغم ان يده اليمنى كانت مقطوعه وهذا ( الكتاب الانياني هو المصدر الوحيد الذي اعتمد عليه في منطقة العماره ) وفي نفس الوقت فأن أدم هذا هو نفسه علم المندائيه الى شخص انكليزي اسمه (j.e.taylor ) والذي كان نائب القنصل في البصره واستمر تعليمه لمدة 12 سنة ( يبدو ان تيلر هذا بطيء جدا في التعلم ).(يوجد لدينا النص الانكليزي و الفرنسي لمن يرغب الاطلاع اكثر)

5) مذبحة سنه) 1870( في مدينة شوشتر:
المصدر:
http://leocaesius.blogspot.com )
شوشتر هي مدينة ايرانيه تبعد عن مدينة الشوش الحالية اقل من عشرة كيلو مترات وهي سابقا مدينة مندائيه بالكامل يقدر عدد نفوسها حين ذاك( 20 الف مندائي) وتقع شمال الاحواز في جنوب ايران سنة 1870 م تم ابادة اغلب المندائيين فيها على يد الحاكم الايراني انذاك ناصر الدين شاه الذي حكم ايران من سنة 1831 الى 1896 م مع العلم ان العائلة الصابوريه ,وهي من العوائل المندائيه الاصيله ( كانوا يسمون سابقا العائلة الششتريه) هم من مدينة شوشتر هربوا منها انقاذا لانفسهم ولعوائلهم. ومن يراجع الزهيرات على متن دراشة يهيى(تعاليم يحيى) وكذلك سدرا نشماثا الموجودة لدى الاخوى المندائيين في ايران سيجد اشارات عديدة الى هذه المذبحه ومن يزور الشوش حاليا سيجد كتابات مندائيه خصوصا على الجسر القديم للمدينه تشير الى هذه المذبحه, وهناك كتاب بعنوان قصص من حياة امير كبير من تأليف محمود حميدي باللغه الفارسيه جاء فيه ص161 ما يلي :
(( في رسالة من اردشير حاكم خوزستان سنة (1266هجريه) قال له فيها ان طائفة الصابئه الذين يعتقدون في ديانة حضرت زكريا في شوشتر يسكنون على ضفاف النهر ............... عدد من الاعيان والاشراف هناك قاموا بأيذائهم واضطهادهم واجبروهم ان يتركوا دينهم بطريقة العنف والاجبار ويدخلون في الاسلام )) .(ارجوا من الاحبه في ايران بتزويدنا بما لديهم حول الموضوع حتى ولو كان ذلك باللغه الفارسيه)

نشرت في تاريخ

صادف يوم 24/06/2008 الذكرى الرابعة و الاربعين على رحيل العالم الديني الكبير الشيخ دخيل الشيخ عيدان الشيخ داموك إلى عالم الخلود و الانوار فأنه ما يزال يعيش بين ظهرانينا قيما وسلوكا تاركا بصماته على تأريخ هذه الطائفة ، وراسما طريقا واضحا لكل رجل دين مؤمن بالحي العظيم ومخلص لما امن به

و بهذه المناسبة سنقلب صفحات التاريخ اليوم وصولا إلى موضوع معاناة و اضطهاد الصابئة و الدور الذي قام به الشيخ داموك و حفيده الشيخ دخيل في الوقوف ضد هذا الاضطهاد ، ونسترجع ذكرى الرجال العظام الذين تشرفوا بنيل هذا المجد وكانوا رموزا.

لقد نال الصابئة منذ بداية ظهور الأديان ألسماويه ليومنا هذا أنواع شتى من الاضطهاد الفكري و الديني و السياسي و الاجتماعي , و السبب لكل هذا الاضطهاد هو تمسكهم بدينهم ووطنهم , فقد اضطهدوا من قبل اليهود و المسيحيين و الإسلام و كما مدون في كتبهم و تأريخهم .

فهم لا يملكون وطن أو ارض خاصة تجمعهم ولا لديهم قوه أو سلطه تدافع عنهم في كل ألازمنه و العصور و يحصدون الماسي و القهر و التشرد والضياع لكونهم أقلية لا تؤمن بالقتل والعنف وتؤمن بالسلام

مرت على الطائفة عبر تأريخها كثير من الظروف الصعبة و ألازمات ولكن بوجود رجال دين مخلصين مؤمنين بدينهم و بطائفتهم استطاعوا إن ينتصروا على هذه ألازمات و يقدموا صورا مشرقه على إخلاصهم و تضحيتهم وشجاعتهم وعزيمتهم من اجل المحافظة على الدين و الطائفه والسير به إلى شاطى الأمان.

و سأتكلم عن حدثين مهمين تعرضت لهما الطائفه فيوجد الشيخ داموك و حفيده الشيخ دخيل انتصروا على هذه ألازمات بقوة إيمانهم و شجاعتهم و ولائهم لدينهم و لطائفتهم و افشلوا مخططات البعثات التبشيرية التي أرادت مسح و تغيير الهوية المندائيه إثناء فترة سقوط الدولة العثمانية و دخول الإنكليز للعراق

ستظل هذه المواقف شعله تضيء دروب المندائيين و ستبقى الذاكرة المندائيه تتناقلها جيل بعد جيل .

هذا الموضوع سأتناوله في محورين .

المحور الأول بعنوان ( الشيخ داموك و دوره في إفشال مخططات البعثات التبشيرية ) ومن وقف مع هذه البعثات لتغيير الهوية المندائيه .

المحور الثاني بعنوان ( الشيخ دخيل يتصدى و يقف ضد الإرهاب والاعتداء على الصابئة ) في فترة

بداية احتلال العراق من قيل الإنكليز.

الشيخ دخيل الشيخ عيدان الشيخ داموك

المحور الأول

الشيخ داموك و دوره في إفشال مخطط البعثات التبشيرية

سكن في قلعة صالح الشيخ سام الشيخ شبوط و سكن فيها الشيخ عبد الله و ابنه الشيخ زهرون والد الشيخ يحيى قادمين من منطقة الأهواز و قد ارتأت الحكومة العثمانية إن يكون للصابئة رئيسا يمثلهم إمام السلطة العثمانية و ينضم علاقاتهم مع رؤساء العشائر و الجهات الأخرى , و عندها انقسم الصابئة إلى مجموعتين أحداهما رشحت الشيخ داموك لرئاسة الطائفه و الثانيه رشحت الشيخ زهرون لها و بعد تقديم الطلبات و الترشيحات للحكومة العثمانية صدر عنها قرار رسمي بتعيين الشيخ داموك رئيسا للطائفه و هذا القرار معترف به من قبل السلطة العثمانية و بذلك أصبح الدين الصابئي دينا معترف به رسميا كباقي الأديان الأخرى .

أصبح الشيخ داموك له الحق في متابعة وعمل ونشاط رجال الدين رسميا وكانت هذه الفترة محدودة لم تتجاوز خمسة سنوات من 1865-1870 وتولى بعده أخيه الشيخ صحن هذه الرئاسة

اتسمت قيادة الشيخ داموك بالشجاعة والقوة والحكمة والمعرفة وكانت من أصعب الفترات التي مرت على تاريخ المندائيين رغم قصرها ، ففي خلال هذه الفترة حرص الشيخ داموك وأخيه الشيخ صحن على متابعة شؤون المندائيين وتفقد أحوالهم ومتابعة شؤونهم الدينية والاجتماعية أينما كانوا ، فكانت لهم سمعة وشهرة واسعة وعلاقات واسعة مابين رؤوسا العشائر ومسئولين الحكم العثماني كما لهم علاقات وطيدة مع الطوائف والأديان الأخرى كاليهودية والمسيحية وممثلي الدول والمصالح الغربية التي دخلت للعراق .

نظرا لتوسع العلاقة التي تربط الشيخ داموك وأخيه الشيخ صحن مع العشائر والمسئولين من الأديان الأخرى فقد كان لهم مضيف خاص للمندائيين ومضيف خاص لغير المندائيين حتى العاملين فيه من غير المندائيين تميشا للتقاليد السائدة آنذاك .

تزامنت تلك الفترة بنشوب الحرب العالمية الأولى للفترة من 1914-1918 وسقوط الدولة العثمانية سنة 1918 ودخول الإنكليز للعراق واحتلاله مابين سنة 1914-1917 وبالتالي فأن هذه الإحداث والصراعات قد ألقت بظلالها على تواجد المندائيين في أحواض الأنهر والاهوار في جنوب العراق ، فقد كانت هذه المناطق ممرا لدخول قوات الاحتلال ( الإنكليز) والتمركز بها ومن ثم دخولها إلى بغداد .

تعرضت المناطق التي كان يسكنها المندائيين بسبب ظروف الحرب إلى كثير من الاضطرابات والفوضى وفقدان الأمن وبالتالي انعكس هذا الوضع على حياة واستقرار المندائيين في هذه المناطق ، فقد تعرضوا للاضطهاد والظلم والقتل والسطو والنهب ومداهمة بيوتهم ونهب بناتهم وإجبارهم على ترك دينهم ومضايقتهم في ممارسة طقوسهم ومعتقداتهم الدينية .

هذه الإحداث أدت إلى نزوح بعض التجمعات السكانية للمندائيين من المناطق التي تكثر فيها الاضطرابات إلى مناطق شبه آمنه ( وما أشبه اليوم بالبارحة ) ولكن اضطهاد الصابئة في ذلك الوقت بقوا في العراق إما اليوم فقد هاجروا إلى خارج العراق وهذه كارثة تهدد مستقبل المندائيين وتساعد على زوالهم بعد اندماجهم في المجتمعات الأخرى .

هذه الأوضاع المأساوية التي تعرض لها المندائيين في تلك الفترة جلبت انتباه أنظار المبشرين والباحثين والبعثات التبشيرية وممثلي الدول المحتلة وبعد دراسة أوضاع ومعتقدات الصابئة وامتداد تأريخهم ودياناتهم وقدم لغتهم ، اكتشفوا بأن هذه الأقلية ودياناتها من أقدم الديانات الموجودة وهذا عامل مهم في اهتمامهم ومتابعتهم لمعرفة المزيد عن هذه الأقلية الدينية وتأريخها وعلاقاتها بالحضارات الأولى وبالأديان التي جاءت بعدها ومنها الدين المسيحي فوجودا هنالك نقاط مشتركة مابين الديانة المندائيية والمسيحية .

في منتصف القرن السادس عشر أصبحوا الصابئة هدفا لضغوط المبشرين المسحيين الغربين ومن مذاهب مختلفة ولم يتردد هؤلاء المبشرين حتى الاستعانة بالباب العالي لحملهم على الانصياع لدعوة المبشرين والعودة إلى صفوف المسيحية إذ كان يصورونهم بالمارقين على المسيحية وخلال تلك الفترة حصلت ضغوطات عليهم ايظا من الإسلام لاعتناق الإسلام .

استمر الباحثين والمبشرين بالبحث والدراسة والمتابعة لدراسة هذه الديانة وبالتالي لابد من إيجاد منافذ للدخول والتعرف عن قرب لهذه الديانة وكسب أبنائها لهم .

وظهرت البعثات التبشيرية وكانت موجهه من قبل فرنسا وإنكلترا ، فاعتمدوا الفرنسيين على المبشرين الكاثوليك والإنكليز على المبشرين البروتستانت وأصبح بينهم تنافس من اجل الفوز بما سيتحقق لهم من كسب لهذه الأقليات وبعد الاتصال برؤساء الأقليات والعشائر وأصحاب النفوذ في مناطق العراق وإيران

كان من بين هؤلاء الذين قاموا بهذه المهمات وبتوجيه دولهم :-

1- فرانس راودن جسني قائد بعثة الفرات

2- الرحالة السفير عضو مجلس النواب البريطاني هنري لاريارد ، فقد استطاع كسب وتعاطف الصابئة معه وعن طريقه مهد إلى رفع معاناة الصابئة وإصدار فرمان من قبل ملكة بريطانيا لحماية المندائيين وبهذا القرار ساعد على تقرب الصابئة للإنكليز

3- الوكيل السياسي في بغداد الكابتن روبرت تايلور ، فأصبح معنيا في كل ما يتعلق بالصابئة وحلقة الاتصال بهم

4- و . ك لوفتس احد أعضاء لجنة تحديد الحدود العراقية الإيرانية

5- جرونز ، أول المبشرين البروتستانت

صورة نادرة للسيخ دخيل وولده زكي وحاخام يهودي مع القيادة الإنكليزية في لقاء حول الأوضاع

التي يتعرض لها المندائيون واليهود من اضطهاد

بعد توجيهات هؤلاء المبشرين واتصالاتهم مع الصابئة توطدت العلاقة بينهم عن طريق القنصل البريطاني تايلور فقد حضي بالاهتمام والرعاية والانفتاح له من قبل الشيخ يحيى الشيخ زهرون وكسب مودته وعزز علاقته به وأصبح الشيخ يحيى الشيخ زهرون من رجال الدين المهمين بنظر الإنكليز للعلاقة المتينة التي ارتبط بها مع تايلور ، فقد سبق وان طرق تايلورابواب الشيخ داموك وأخيه الشيخ صحن وبقية رجال الدين فرفضوا التعاون معه وبالتالي التجأ إلى الشيخ يحيى الشيخ زهرون فوجد ضالته المنشودة فيه وأبدى له استعداده لتلبية مطالبه وبالتعاون معه في كل المجالات

استطاع تايلور وبواسطة الشيخ يحيى الحصول على كافة المعلومات والمصادر والكتب الدينية المهمة..

كانت هنالك تعريفة متفق عليها من قبل كافة رجال الدين تحدد الإكراميات التي يقدمها أفراد الطائفة لقاء تقديم الخدمات الدينية لهم في الزواج والتعميد وموقعة من قبل حكام الإنكليز وقد صدر أمر بها ، إلا إن الشيخ يحيى الشيخ زهرون لم يلتزم بها ، فلجأ الشيخ يحيى إلى تخفيض هذه الإكراميات إلى النصف وهذا لم يتم من قبله وإنما كان أيعاز وتوجيه من تايلور ضد قيادة الشيخ داموك وأخيه الشيخ صحن ومن اجل منافسة الشيخ داموك وبقية رجال الدين ولكسب مودة المندائيين للشيخ يحيى لقاء تعاونه مع الإنكليز بهذه الخطوة فقد كسب مودة البعض من المندائيين وهذا ما خطط له تايلور مع الشيخ يحيى ضد الشيخ داموك... وهذه أساليب الإنكليز ( أبو ناجي ) سياسة فرق تسد

واستمر هذا التعاون مابين تايلور والشيخ يحيى من اجل كسب مودة الصابئة للشيخ يحيى ، وجاء الوقت المناسب من قبل تايلور لتقديم عرض مغري إلى الشيخ يحيى الشيخ زهرون بتخصيص راتب شهري له مقداره ( 30 ) ليرة عثمانية لقاء تعاونه وتحقيق ما يطلبه منه الإنكليز .

ولم يكتفوا بذلك فقد قدموا له عرضا بمنحه سلفة مالية مقدارها ( 300 ليرة ) عثمانية إلى الشيخ يحيى لبناء ( مندي للصابئة وتحمل ساريته الصليب )وذلك لجعل الصابئة يتبعون الكنيسة المسيحية وهذا العرض قد وافق عليه الشيخ يحيى الشيخ زهرون...! )

لكن أبناء الصابئة وعلى رأسهم الشيخ داموك وبقية رجال الدين عندما سمعوا بهذا الخبر انتفضوا واستنكروا وعم الغضب لدى كل أبناء الطائفة في كل مكان وطالبوا الشيخ يحيى بالتنحي وسحب الثقة منه .

استطاع الشيخ داموك بحكمته وذكاءه وقدرته وشجاعته إن يحتوي الموقف ويسيطر عليه ويهدأ المندائيين.... فوقف متحديا تايلور والشيخ يحيى لهذا المخطط الخطير ويبدوا إن السلطة العثمانية كانت على علم بما يقوم به هؤلاء وهنالك من يعمل لصالح السلطة العثمانية فهي كانت ترصد تحركات ونشاطات هذه البعثات وهم على غير مودة مابين الحكومة العثمانية وقدوم الإنكليز.

وعلى ضوء هذه الإحداث قررت الحكومة التركية ومن خلال قائم مقام العمارة وبالتنسيق مع الشيخ داموك على نفي الشيخ يحيى إلى مدينة ناصرية الأهواز وفرض الإقامة الجبرية والمراقبة عليه وكان الغرض من هذا الأجراء هو حمايته من السلطة العثمانية ومن غضب أبناء الطائفة عليه

وبعد قضاء مدة من هذا النفي أعفى والي بغداد نامق باشا عن الشيخ يحيى وعاد إلى مكانه.

لم يستطيع المبشرين ورجال الساسة الفرنسيين والإنكليز من تحقيق أهدافهم لكسب أبناء الصابئة للديانة المسيحية وذلك بسبب قوة ايماتهم وتمسكهم بدينهم وبوجود رجال دين مخلصين ويمتلكون من الثقافة والمعرفة الدينية والحكمة والعزيمة والقوة والشجاعة للدفاع عن هذه الديانة وأبنائها ، كانوا يعملون لليوم الأخر لا للمنافع والمطامع والمصالح الشخصية وهذا ما كتبه لهم أبناء الطائفة وغير أبناء الطائفة في صفحات التاريخ

المحور الثاني

الشيخ دخيل الشيخ عيدان الشيخ داموك يدافع عن المندائيين

تعرضت الطائفة إلى كثير من الويلات والنكبات عبر تأريخها الطويل ، وهذا ما لمسناه خلال معايشتنا وما قراناه في كتبنا وشروحنا الدينية ولكن بقوة المؤمنين ورجال الدين وأيمانهم وتضحياتهم حافضوا على هذا الدين عبر أجيال متعددة من الانقراض والضياع ..!

هاهو السر الذي ساعد هذه الطائفة البسيطة بكل إمكانياتها المتواضعة أن تبقى وتصمد طيلة هذه السنين .. ؟؟ ألا هذا يفسر بأن هنالك سر أو قوة عظيمة تقف وراء هذا الدين...! دين يهانا ...

وهذا ما قاله الكهنة إلى يهانا في أورشليم ( يايحى ، النار ، لن تحرقك ، والسيف لن يقطعك ، مادام اسم الحي منطوقا عليك ، يا يحيى بابن الحياة ، استقر هنا ....)

من مواعض دراشة يهيا

لقد وهب الحي العظيم هذه الطائفة وانعم عليها بوجود عائلة الشيخ داموك وجذورها التي تمتد مع جذور الدين المندائيي ، فكانت خير من حافظ ودافع وضحى للدفاع عن الدين والصابئة ، فكانت لهذه العائلة العريقة وعلى امتداد تأريخها مواقف وإنجازات كثيرة وعلى يد رموزها .

ما قام به الشيخ داموك وأجداده الآخرين في مسيرتهم لخدمة الدين والطائفة سار عليه حفيدهم الشيخ دخيل وواصل هذه الأعمال الخالدة وهذا ما نقل لنا عن والدنا وعائلتنا لهذه الإحداث حينما وقف بوجه المعتدين الذين أرادوا الشر لهذه الطائفة ، وكما دونت هذه الإحداث من قبل المندائيين الذين عاصروا الشيخ دخيل لتلك الإحداث ومن بينهم المعمر المرحوم خضر جاسر سلمان أل سعد في تسجيل مصور له ومن ضمن برنامج شخصيات مندائية ، يتحدث عن هذه البطولة والشجاعة والإصرار للدفاع عن الصابئة من المعتدين.

خلال ثورة العشرين انتفضت بعض العشائر في جنوب العراق بوجه الإنكليز في تلك الفترة كما نشبت أيضا انتفاضة ( ريسان أل كاصد ) في سوق الشيوخ كما ثارت بقية العشائر في الناصرية والسماوة والديوانية ، فعمت الفوضى والاضطرابات وساد التوتر في معظم مناطق الجنوب ، تزامنت هذه الإحداث بدخول الإنكليز واحتلال العراق ، هذه الأوضاع ساعدت على الانفلات الأمني وانتشار العنف والقتل والسرقة والاعتداء والسلب واستغلت هذه الأوضاع لتصب غضبها من قبل الحاقدين والمعتدين والمتطرفين وقطاع الطرق على الحلقات الضعيفة في المجتمع وهي الأقليات الدينية وفي مقدمتها الصابئة وكانت لهم الحصة الكبيرة دائما في هذه الاعتداءات وهذا العنف والظلم ...

لقد تعرضت محلة الصابئة في سوق الشيوخ إلى كثير من الاعتداءات من حرق بعض البيوت وسرقة حيواناتهم وزوارقهم وسرقة ممتلكاتهم ومحلاتهم من قبل العصابات والمتطرفين والحاقدين وقطاع الطرق وهؤلاء كانوا يسكنون في القرى والعشائر المجاورة والمحيطة لمحلة الصابئة ، فقد كان موقع محلة الصابئة ممرا يستخدم لمرور هؤلاء من والى المدينة وهذا ما شجع هؤلاء في استغلال تنقلاتهم ومرورهم خاصة إثناء الليل للاعتداء عليهم

التقى الشيخ دخيل بالمسؤلين العسكريين والقائم مقام وعرض عليهم هذه التجاوزات وطلب منهم التدخل وحماية الصابئة وكان رد المسؤلين بعدم وجود قوة كافية للقيام بهذه المهمة وقالوا له طلبنا قوة اظافية وفي حالة وصولها سنقوم بردع هؤلاء ..

مضت أيام وازداد الوضع سوء ولم يتخذ المسؤلين اى تحرك ضد المعتدين وهذا أدى إلى نفاذ صبر الشيخ دخيل على هذه الأوضاع فطلب اللقاء مرة ثانية مع القائمقام والمسؤل العسكري واجتمع معهم وبعد التداول اتخذوا قرار على قيام قوة من ( الحرس الموجود في المقر) وعددهم لا يتجاوز 9 على ظهر مركب صغير يحمل رشاش في مقدمته وتحت إمرة وتوجيه الشيخ دخيل كدليل للمواقع والتجمعات والعشائر التي ينطلق منها هؤلاء المعتدين وأصدر القئمقام توجيها للجنود المرافقين للشيخ دخيل بإطاعة وتنفيذ ما يطلبه منهم الشيخ دخيل.

قبل القيام بهذه المهمة عاد للبيت واخبرهم بما اتفق مع القائمقام فطلب من زوجته إعداد له حفنة من التمر وطاسة لشرب الماء ..... اعترضت عليه عائلته وطلبت منه إن لا يقدم على هذه المجازفة وربما قد يتعرض لحادث كما تعرض له أبوه الشيخ عيدان وقتل في يوم البنجة ... قالوا له اترك هذا العمل ورشح غيرك لهذه المهمة فرفض وإصر على القيام بهذه المهمة وقال أنا ذاهب وبيت هيي معي ودعائي إن يوفقني وألقن هؤلاء درسا من اجل حماية المندائيين .

رافق الشيخ دخيل هذه القوة النهرية متجولين في المناطق وأماكن تجمعات العشائر التي تعتدي على الصابئة في المناطق المجاورة لمحلة الصابئة وضربت هذه المناطق السكانية بالأسلحة وحصلت مواجهات متبادلة بين الطرفين واستمرت هذه القوة بمحاصرة هذه التجمعات وإطلاق النار عليهم لمدة ليلة كاملة ولغاية عصر اليوم التالي . وبصحبة الشيخ دخيل

بعد هذه المواجهة شعرت هذه العشائر بالخوف وتراجعت أمام الحكومة والتزمت الهدوء وشعروا بأن الحكومة ستستمر بملاحقتهم وأصبحوا مهددين وبأ مكان الحكومة ضربهم وتلقنهم درسا متى تريد وبذلك عاد الاستقرار والهدوء لمحلة الصابئة وباقي المناطق في منطقة سوق الشيوخ .

بعد هذه المهمة قام الشيخ دخيل لزيارة القئمقام وكان هنالك البعض من رؤساء العشائر التي تنتظر للحصول على رخصة لمقابلة القائمقام فعندما سمع القائمقام بقدوم الشيخ دخيل قدمه على الآخرين من رؤساء العشائر وطلب مقابلته فورا وهذا الأمر قد أغاض هؤلاء ، وفي مقابلته الثانية طلب بتكرار هذه الدورية لهذه القوة من اجل استتاب الأمن والاستقرار للمنطقة وهذا ما تحقق .

بهذه الوقفة الشجاعة للشيخ دخيل وغيرها من المواقف الكثيرة التي اتخذها للدفاع عن الدين والطائفة شعروا المندائيين بالفرح والفخر والزهووالامان نتيجة ما قام به شيخهم ورئيسهم وأزداد تعلقهم وحبهم وإيمانهم به وبشجاعته وبطولته وهذه وقفات الرجال العظام الذين يقفون وقت الشدة يدافعون عن مبادئها وسمعتها وكرامتها ، فإذا قالو فعلوا وإذا تحدثوا صدقوا ، والكلمات عاجزة عن تخليد مآثره ...

لهذه الأعمال والمواقف انضم اسمه في السجل العالمي للأشخاص المميزين والقادة العالميين الذين ساهموا بهذا العمل ألتأريخي وهذا ما دون في معهد البحوث للسير الذاتية العالمية الطبعة الرابعة

الهوامش

الأستاذ نزار ياسر

ملكة بريطانيا العظمى فكتوريا أصدرت فرمانا لحماية المندائيين في منتصف القرن التاسع عشر المنشورة في اتحاد الجمعيات المندائية

الأستاذ المحامي شريف جودة السهر

لمحات من تاريخ الصابئة المندائيين في أواخر عهد الاحتلال العثماني المنشورة في أفاق مندائية

الأستاذ سالم الشيخ جودة الشيخ داموك

شيخ داموك ورئاسته لطائفة الصابئة المندائيين المنشورة في مجلة أفاق مندائية

المعمر المرحوم خضر جاسر سلمان والد كل من ناصر وليلو والدكتور جابر

يتحدث في لقاء معه عن الشيخ دخيل ومن ضمن برنامج شخصيات مندائية

نشرت في تاريخ
الصفحة 1 من 2