• Default
  • Title
  • Date

باسم الحي العظيم 

اسمع صوت احدئ النشماثاوهي تصرخ من داخل الظلام ...انها تصيح من دار الشر والاثام..

الويل لي .. ماذا ادخرت لنفسي بعد اجلي؟ لقد شغلني ذهبي ... وشغلتني فضتي.

ذهبي رماني في الجحيم ، وفضتي اسكنتني في ظلام بهيم وحلي ومرجاني.. اليت ان يصادقاني.. فاي شر علماني؟

ومالي وارجواني.. تعلقا بي فاهلكاني. صارت شهواتي سدودي ، وغرائزي سلاسلي وقيودي

لقد اضلني الاشرار والخطاة فغرقت في اثام الحياة. قلبي للشر ينجذب.. ولساني اثقلني بالكذب .. حتئ قال لي 

مندادهيي رسول جميع المصابيح: يانشمثا.. ناديتك فلم تجيبي.. وها انت تنادين .. فمن يجيبك ويكون لك المعين؟

لقد ولعت بالفضة والذهب فالقيابك في لجة اللهب وتعلقت بالشرور فوقعت في مراجل تفور.

فاذا خطاياك علقت.. وسجلاتك غلقت واذا جميع ذنوبك محقت فانك يانشمثا ستصعدين 

بالمصعد الي يصعد به الكاملون. فان خطاياك مدارجها لم تغلق... وذنوبك جميعها لم تمحق... فانك يانشمثا موتا ثانيا ستموتين

لا النور تبصرين، ولا بلد الحي تصلين. 

مبارك هيي . مبارك بيت هي .. ومبارك مندادهي 

والحي المزكي

 

الخميس, 18 نيسان/أبريل 2013 05:51

الإستشهاد طبقاً لتعاليم الدين المندائي

 "يوم ذكرى شهداء النور والمحبة والسلام المندائي"

  عُرِف المندائيون بحبهم للرّب، وبأنهم يحبون كل مخلوقاته ويحافظون على البيئة والحياة عليها، وانهم يشكرون النعمة ويقدرون عظمة جمال الحياة (المادية والروحية)، والمهم ايضا انهم عرفوا بالسلام والمحافظة عليه. 

إنّ القتل وحمل السلاح والقتال محرّم على المندائي، حتى ولو من أجل الدفاع عن النفس. وقد أُستُغِلَّ ذلك في الماضي من قبل العديد من مجاوريهم (والى الوقت الحاضر) فقاموا بممارسة شتى أنواع الإضطهاد والقتل والتجويع والتشريد ضدهم وهم صابرون مؤمنون لا يغيرون دينهم ومبادئ عقيدتهم المسالمة المحبة للخير والسلام.

 مع ذلك فإن في النصوص الدينية المندائية (وخاصة كَنزا ربا)، وكذلك التاريخ والتراث المندائي ما يشير الى وجود مبدأ الشهادة والتضحية بالجسد ضمن ضوابط ومعاني تختلف كثيرا عن معنى الشهادة عند بعض الأديان والعقائد الأخرى.

 إن الإستشهاد في الدين المندائي له أهمية كبيرة، ويتمحور معناه بشكل رئيسي حول  رمز التضحية في سبيل الرّب وذلك من خلال الإخلاص الكامل لعقيدة المندائيين، "عقيدة النور والحياة"، الموصلة الى الرّب.

 إن الإبتعاد عن الشر والقتل ما استطاع إليه سبيلا هو حالة يقاس عليها مقدار الإيمان المندائي الصحيح. لذلك نرى المندائيين قد ثبتوا على دينهم فاستطاعوا البقاء والنجاة الى يومنا هذا

ولقد كان اسلوب الهرب من أجل عدم تغيير دينهم والخضوع للآخرين، وكذلك من أجل المحافظة على حياتهم وحياة أجيالهم احد الأساليب التي اتبعها المندائيون، مما اضطرهم في أحيان كثيرة للهجرة والتضحية بالغالي والنفيس. وكان الأمر يصل في بعض الأحيان الى أن يضحي الشخص المندائي بحياته من أجل انقاذ البقية عن طريق عدم المقاومة وعدم الهرب وإختيار موت الجسد على تغيير الدين وعقيدة الأيمان بالرب

إنّ إستشهاد ال 365 رجل دين في أورشليم القدس، لَهوَ أحد الأمثلة التي تعطي أهمية بالغة في معنى الشهادة في سبيل حبّ الرّب، حيث نَستذكر تلك الحادثة في الطقوس

الدينية وإلى يومنا هذا. لأنها تمثل الترابط الروحي ما بين الأحياء وأهاليهم مِمَّنْ غادروا هذا العالم شهداءاً

المندائية كديانة وفلسفة تدعو الى تنوير الإنسان للمحافظة على نفسه بالكامل (روحاً ونفساً وجسداً) من الظلام وضرباته، محاولات قضائه على استمرار الحياة.

الإنسان المندائي يجب أن يبتعد عن الشر والأشرار قدر ما يستطيع. لكن ذلك الإنسان الذي يموت من اجل حبّ الرّب (بعد كل محاولاته لتجنب الموت وأذى الأشرار) يكون موته بلا خطيئة ترتكب ضد الحي والحياة، لأنه في تلك الحالة لن يقم بالشر ولن يرتكب اثما. وبتلك المعاني يوجهنا كتابنا كنزا ربا الأيمن في الفصل الأول: 

"كُلمَنْ إد برهموتْ مارَه فَغرَه لغيطلا نَشلِمْ زَكايَ اد موما ليتبه".

 

الإستشهاد بالحروب

يوصينا كتابنا المقدس الكنزا ربا: بأنه اذا نزل علينا شرّاً أو بلاءاً فعلينا أن نتحمل المصيبة وأن نصبر وأن نتمسك بالإيمان بعقيدتنا المندائي. ويعلِّمنا بأن موت الجسد عند الإستشهاد في سبيل حب الرَّب لا يعني شيئاً، لأن روح الشهيد سوف تمكث في أرض النور

 

لذلك إذا قُتِلَ الشخص المندائي من جرّاء القصف مثلاً (بشكل خارج عن إرادته) فيمكن أن يفسر بأن موته كان إستشهاداً في سبيل الدين، إذا كان ذلك بسبب تمسكه بمندائيته. وهذا ينطبق تماماً على جميع المندائيين الذين تركوا الوطن هرباً من التعسف أو الإضطهاد الديني، بمعنى ان ذلك الشخص هرب من وطنه بسبب إصراره على مندائيته ومات في بلد غير آمن أو غير مستقر أو بلد فيه حرب.

 

يوم الشهيد المندائي

طبقاً لديننا المندائي، تعتبر أيام البروانايي/البنجه الخمسة (إضافة إلى خصوصياتها المتعددة) أيضاً أطهر الأيام، إذا توفى فيها المندائي. كذلك وهو الأهم انها تعتبر أيام ال"دخراني" (الذكرى: أي تذكر أرواح المنتقلين من أجسادهم، وخاصة الشهداء الذين أُضطِهدوا أو ماتوا من اجل العقيدة المندائية)، وهي أيام إحياء ذكرى الراحلين والمساعدة في إرتقائهم وتوحيدهم مع الأحياء على هذه الأرض ومع سرب الحياة الأعظم.

لذلك نرى بأن يخصص أحد أيام البنجة لإقامة صلوات الغفران والمسقثا على أرواح كل المندائيين الشهداء في كل عام، فيكون ذلك اليوم بإسم: "يوم ذكرى شهداء النور والمحبة والسلام المندائي" لنستذكرهم في ذلك اليوم.

 

 

برع صابئة العراق في صناعة مصوغات المعادن الثمينة كالذهب والفضة وتوارثوها أبا عن جد، فكانت أعمالهم كلوحات مشاهير الفنانين يقتفى أثرها، لكن الغزو الأميركي للعراق وتردي الوضع الأمني دفع معظمهم للانتقال والرحيل خوفا على حياتهم. 

يقول صائغ الذهب غضبان مناتي السهيري إن أسماء الصاغة الصابئة الذين أجادوا التعامل بمهارة مع الذهب والفضة أمثال زهرون وفرحان الخميسي وحرج مدلول وخالد مال الله تجعلنا نحن الصاغة نقف احتراما للمهارة والخبرة والفن الذي لا يضاهى أبدا في الصياغة واختيار أساليبها ونقشاتها المزركشة. 

ويضيف السهيري الذي ما زال يتعامل مع هذا المعدن الثمين في محله في شارع النهر التجاري أنه لم يسبق أن تعامل صائغ مع الفضة خاصة مثلما تعامل معها المرحوم زهرون الذي أقام ومات وبرع في فنه الذي لا يضاهيه أحد فيه في مدينة العمارة بجنوب العراق، فهو الوحيد الذي كان يجيد نقش المينا في الفضة, مشبها أعماله بلوحات كبار الفنانين.

ويعتقد الصائغ الشاب حسان الذي مازال في طريقه لتعلم المهنة عن جده أن الصابئة شعب صغير وصبور وتعلم من تقلب الأحوال ومن الاضطهاد أن ينزوي على نفسه فاختار التعامل مع أكثر المعادن ندرة عند البشر. 

الصبر والتأمل -يضيف حسان- هما فقط من قاد الصابئة إلى هذه المهنة التي تحولت في ظل الظروف الحالية في العراق إلى مصدر خطر كبير على حياة من تبقى منهم في بغداد حتى الآن.

جذور تاريخية

الدكتور رعد الناشئ صابئي يعمل مدرسا للفنون التشكيلية في معهد الفنون الجميلة ببغداد يستعرض الجذور التاريخية لهذا الشعب الصغير الذي تقدر عدده بـ65 ألف نسمة حسب إحصاء عام 1975 ولم يتبق منهم سوى 12 ألفا في جميع أنحاء العراق حاليا حيث هاجر معظمهم إلى أوروبا. 

يقول الناشئ إن الصابئة شعب هاجر من أورشليم سنة 70 ميلادية بعد أن تعرض للاضطهاد هناك، فعاد إلى موطنه الأصلي الذي كان غادره قبل ذلك وهو وادي الرافدين. 

ويوضح الناشئ الذي يملك دائرة معارف متكاملة عن أبناء شعبه الصغير وهو يتحدث عن العلاقة بين الذهب والصابئة وعن تسمية الصابئة في الأصول التاريخية إن هذه التسمية جاءت من الفعل الآرامي القديم سبا أو صبا ويعني الغاطس في الماء أو الذي يرتمي في الماء, وهي تسمية تفسر العلاقة بين الصابئة والماء. 

ويلفت إلى أن الصابئة لا تعرف مهنة أكثر قدما من التعامل مع الذهب, حتى إن تسمية المندائية المرتبطة بالصابئة المندائيين تدل هي الأخرى على النقاء والصفاء الذي هو من الصفات التي يتصف بها الذهب، فالمندائية تعني فيما تعنيه أيضا العالم والعارف بدين الحق. 

نزوح مزدوج

وتتسم حياة الصابئة بالترحال فنحو 44 عائلة كانت تسكن مدينة السليمانية وكذلك العوائل الـ12 التي هاجرت إلى أربيل هربا من المعاناة والقتل والسلب بسبب تعاملها مع الذهب, اختارت مهنة الأجداد فبرعت في أسواق منطقة كردستان العراق. 

وعن رغبة النزوح الدائم يقول مازن عبد الله إن الصابئة بحكم تخصصهم بصناعة الذهب وحملهم خزينتهم أينما ذهبوا، فهم هدف دائم للصوص وقطاع الطرق الذين نشطوا مع الانفلات الأمني في العراق وفي بغداد بشكل خاص، فكان أن قتل واختطف واختفى وسرق العديد من الصاغة الصابئة ما اضطرهم إلى الهرب إلى الدول المجاورة كسوريا والأردن أو إلى أوروبا, فيما اختار آخرون شمال العراق مكانا لإقامتهم الجديدة وربما الدائمة.

غير أن الشيخ طاعن مداح (72 عاما) اعتبر أن لا وطن للصابئة سوى العراق، فهو البلد الوحيد الذي يشقه نهران عظيمان هما دجلة والفرات وتتوزع فوق أرضه الأهوار، مشيرا إلى ارتباط الصابئي بالماء في حالات التعميد الثلاث، وهي تعميد الطفل بعد الولادة وطلب المغفرة من الله وطقوس العبادة. 

 

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013 19:44

العلاقة بين المثقفين

مألوف ، وصار تقليديا، ذلك الأسلوب التنافسي الذي يحكم العلاقة السائدة في الأجواء الثقافية. وهو اسلوب مقبول لو بقي بالفعل ضمن حدود التنافس، ولم يتجاوزه الى اشكال تناحرية خطرة من المقولات التي تدين صاحبها في النهاية اكثر ما تدين الاخرين. مقولات، اقل ما توصف به، انها حصيلة خلل في التوازنات الذهنية وعدم موضوعية لدى المثقفين المعنيين.

الرابطة المندائية ، كانت احدى الواحات الثقافية التي عاشت مثل هذه الصراعات، ربما بسبب غزارة الوقت المهدور في حياة بعض من زملائنا، وهم في بلدان الاغتراب يقتلونه بالتلاسن الخفي والخبيث والذي تتردد اجوائه وروائحه الكريهة في المحافل المندائية هنا وهناك، يتهمون من يعمل بجد واخلاص بالتآمر والحفر من تحت الاقدام والالتفاف على الزعامات الوهمية ،مستمدين هذه السلوكية ، من التربية التآمرية التي خلقها النظام السابق في نفوس الناس. وهذا قد تفرغ عنه بالضرورة، بعض من التراجعات والانكسارات فرضت نفسها على طبيعة العمل الذي كنا نرتقبه ويرتقبه معنا العديد من الزملاء والاصدقاء ليرتقي الى مجالات فسيحة وواسعة تشمل نشاطات وابداعات ،والقيام بحملات تضامنية مع محنة المندائيين في داخل العراق الذين يتعرضون الى مخاطر الابادة الجماعية.

بقي بعض من مثقفينا متمرسا في موقعه الاول الذي تربى عليه زمن الديكتاتورية، صاحب الرأي الابوي الذي يجوز له ان يقول كل شيء، ولا يجوز لغيره ان يقول شيئا، وبقي هذا البعض يحاول تهديم الاسس التي شاركنا جميعا في بنائها من اجل اعادة هذا البناء على مقاسات واسس يرتأيها هو وتكون وفق مقاييسه الشخصية لتحقيق طموحات ونزوات ضيقة لاتعترف بالعمل الجماعي بقدر ما تشيد بشخصه وتحقيق طموحاته.

عدد من المثقفين المندائيين لايشذون عن القاعدة التآمرية ، التي اشرنا اليها، فهم على اي حال خريجوا الاساليب التربوية التي تربت عليها جحافل كثيرة، من مثقفين وغير مثقفين، ورغم التزام هذا البعض في بداية عملية التأسيس بالعمل والمواضبة، فان ممارسته تلك سرعان ما خفتت مساراتها وحرارتها الاولى ما ان تم انتخاب غيره لقيادة العمل ، حتى صرنا كأعضاء في الهيئة القيادية نتوسل من اجل حضور هذا البعض اجتماعاتنا الدورية المقررة !!

ثمة عمليات استقطاب كانت جارية بنهم شديد لاجل خلق تجمعات وتكتلات تبنى حسب توافق في الذهنية والتقاء في الاراء ازاء مواقف اغلبها لايحمل صفة الوضوح، ولم نعارض اي من هذه الاتجاهات ، بل كان اصرارنا على ضرورة التعامل باسس العمل الديمقراطي كمبدأ تربوي لايمكن تنحيته او اهماله او الغاؤه، الا ان المسلكية العشائرية الحزبية التي اتبعها هذا البعض والتي لاتمت الى الوعي الثقافي باي صلة، ظلت مصرة على التهديم. 

فماذا شكل هذا العمل من خطورة على بناء الرابطة الوليدة؟ باختصار انه زعزع الهيكيلية الثقافية برمتها، بل هو ايضا، زعزع الذهنية الابوية نفسها التي اراد فرض هيمنتها على الجميع وجعلها في النهاية عاجزة عن التقييم الموضوعي لانها تكون في الاصل عاجزة عن استيعاب الاعمال الجدية لغيرها ولاترى في المرآة الا نفسها.

لكننا الان وبعد هذه المراجعة التي اجريناها على انفسنا ورحلة العمل التي امتدت اشهرا طويلة، قادتنا لاتخاذ قرار شجاع، هو التواصل والاستمرار في العمل، لانجاح هذه التجربة الفريدة والمتميزة وامامنا جولة قادمة نحتكم بها الى التاريخ ليحاسب.

الغضب وحده لايصنع حلولا نطمح لتحقيقها جميعا، والسخط لاينتج حقوقا نريدها لابناء المندائية اينما كانوا، فعلى الرابطة وهي تستكمل بناء نفسها، تفعيل العمل الايجابي بالتوسع لتصبح حركة ثقافية حقوقية نضالية تستطيع جذب جميع المثقفين والفنانين المندائيين، وهي تلتزم باطار صارم من العمل الموضوعي الثقافي والاخلاقي المهني، لتساهم جنبا الى جنب اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر،والجمعيات والروابط المندائية الاخرى، برصد كل ما يتعلق بانتهاك حقوق الانسان المندائي، ورفض التهميش والاضطهاد التي تقوم بها قوى الظلام والسلفية.

الرابطة تناشد الجميع بأهمية توحيد الصف، والتعبير عن المطالب المنشودة التي جاءت بالميثاق الثقافي والنظام الداخلي. وتدعو جميع الزملاء اعضاء ومناصرين ومؤيدين للرابطة في الالتفاف حول هذه النافذة الثقافية العراقية لدعمها وتأييدها والوقوف الى جانبها لتجاوز كل العقبات التي يرسمها الاعداء امامها.

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013 23:23

فراس السواح: حوار في الغنوصية والمندائية

 يعتبر مؤرخ الأفكار السوري فراس السواح واحدا من المنقبين في آثار الحضارات البائدة عل أجوبة تتجلى على أسئلة عصرنا.. فمن كتابه الأول "مغامرة العقل الأولى" الذي صدر اواخر سبعينات القرن الماضي وحتى كتابه الأخير "الوجه الآخر للمسيح، مدخل إلى 

 

الغنوصية المسيحية"، يستبطن الميثولوجيا وتاريخ الأديان. التقيناه في حمص مؤخرا، فكان هذا الحوار:

س ـ اصدرتم مؤخراً كتابكم "طريق اخوان الصفا" وفيه تشيرون الى تأثر اخوان الصفا بالغنوصية والفكر اليوناني وتأسيسهم لإسلام كوني شمولي يستوعب المذاهب كلها من خلال نظرة منفتحة ترى الوحدة من خلال التنوع. الا تجدون في بحثكم هذا طرحاً جريئاً لم يتناوله احد من قبلكم؟ 

السواح ـ نعم، هو بحث جديد لم ينتبه الباحثون العرب الى المعنى الذي تذهب اليه رسائل اخوان الصفا، فقمت بدراسة وتحليل هذه الرسائل فوجدت مذهبهم مذهباً غنوصياً وعلى هذا حللت الأفكار وجمعتها في محاور سبعة هي: نظرية التكوين وصفة العالم ومعرفة النفس وارتقاء النفس والنجاة من أسر الطبيعة والآخرة والنشأة الثانية والاسم اخوان االصفا وطريق النجاة المشترك والمسائل التنظيمية. ويقوم مذهب اخوان الصفا على التوفيق بين الأديان والابتعاد عن التعصب الذي اعتبروه "آفة العقول يعميها عن رؤية الحقائق". ومثل الغنوصيين يقول اخوان الصفا بأن موت الجسد هو ولادة الروح، ويشبهون ملاك الموت بقابلة الأرواح لأنه يستولد النفس (الروح) من الجسد كما تستولد القابلة الجنين من الرحم.

 

ـ باعتقادي انه بحث ناجح ويمكن ان يكون مصدراً من مصادر البحث.

السوح ـ نعم، انا اعددته لهذا الغرض.

 

ـ وماهي التأثيرات الشرقية على الفكر الغنوصي الثنيوي وهل الغنوصية هي نتيجة لتلاقح الأفكار الغربية مع الشرقية البابلية والزردشتية؟

السواح ـ زرادشت مصدر الثنيوية ثم اتخذت اشكال متعددة، الغنوصية والمانوية وحتى الأزيدية في سوريا معتقدها ثنيوي، ولدينا في سوريا الكثير من الأزيدين.

 

ـ هل تعتبر يوحنا المعمدان غنوصياً وكيف تفسر علاقة المندائيين به؟ 

السواح ـ يوحنا المعمدان ليس له صلة عضوية بالغنوصية، بعض الفرق الغنوصية نسبت نفسها الى يوحنا المعمدان ولكن لم تكن له صلة بهم. يوحنا المعمدان اقرب الى الشخصية الأسطورية لأننا لانملك معلومات عنه ولانعرف ماهي تعاليمه. المندائية مثل مانقول عبارة عن صدفة جيولوجية اي مثل الأحفور الذي جاءنا من العصور القديمة بسبب محافظة المندائيين عليها مما ادى الى عدم ذوبان المندائية في المحيط الذي كانت تعيش فيه. مع الأسف ان اكثر الدراسات التي تمت عن الغنوصية تمت على ايدي باحثين معادين لها، اي من قبل خصومها، الا ان النظرة تغيرت بعد السبعينات من القرن الماضي مثل كتابي "الوجه الآخر للمسيح"، كما ان هناك حركة علمية بدأت بالظهور في اواخر القرن الماضي تعنى بالدراسات الغنوصية في الولايات المتحدة والمانيا وفرنسا. اليهود ليس لهم مصلحة في دراسة العقيدة الغنوصية لأن الغنوصية تقف على طرف نقيض مع الفكر اليهودي... فالغنوصية معتقد خلاصٍ، وكل مفاهيمها وتصوراتها الكونية تتلخص في مفهوم واحد عن التحرر والانعتاق. ولكن الخلاص الغنوصي لن يتأتى عن طريق العبادات الشكلية والطقوس اذا لم تترافق مع المعرفة وتكون مقدمة له. فعلى العكس من بقية النظم الدينية التي تبشر ببعث أجساد الموتى في اليوم الأخير، فإن البعث الذي تبشر به الغنوصية هو بعث الأرواح، انه خلاص من الجسد ومن العالم في آن واحد. ان مايبحث عنه الغنوصي ليس الإله الذي صنع العالم المادي الناقص والمليء بالألم والشر والموت، بل هو الآب النوراني الأعلى الذي يتجاوز ثنائيات الخلق، ولايحده وصف او يحيط به اسم. فالغنوصية ديانة خلاص، وكل مفاهيمها وتصوراتها الكونية تتلخص أخيراً في مفهوم واحد عن التحرر والانعتاق. والصراع الرئيسي الذي يخوضه الانسان هو صراع بين العرفان الذي يقود الى الخلاص، وبين الجهل الذي يبقيه في دورة الميلاد والموت. 

 

ـ هل للمندائيين (الناصورائيين) علاقة بالطوائف التي ظهرت اثناء الوجود الهلنستي في فلسطين بحدود القرن الثاني ق. م. وماهي علاقة المندائيين بالأسينين وكذلك بالطوائف الغنوصية فيي الشام؟

السواح ـ تاريخ الغنوصية هو تاريخ غامض فالغنوصية ظهرت في المشرق العربي في مطلع القرن الأول الميلادي، وهو يموج بالحركات الفكرية ويفيض بالثقافات المتنوعة، ويمكننا تلمس أصول الغنوصية في الرسائل الهرمسية وهي رسائل اسكندرانية وعليه فإن منشأ الغنوصية هو مصر وهي البوتقة الأولى التي احتوت هذه الأفكار ثم اصبحت لها علاقة بالثقافة الهلنستية. ومن اهم معلمي الغنوصية في مصر هو فالنتينوس، الذي ولد بمنطقة الدلتا المصرية من أسرة ذات أصول يونانية عام 100 م. وتلقى علومه بالاسكندرية، مدينة العلم والثقافة في ذلك العصر، وبؤرة الفكر الأفلاطوني والهرمسي. وقد اخذت الغنوصية من الأفلاطونية كذلك ويمكن اعتبارها خلطة لمعظم التيارات التي كانت سائدة في المنطقة. في الحقيقة ان تاريخ الغنوصية في سوريا غامض لأننا لانملك اية وثائق عنهم. لانستطيع القول بأن هناك غنوصية سورية مميزة لأنه في ذلك الوقت لم يكن اي قطر من الأقطار ذا خصوصية مميزة فسوريا لم تكن تتميز ثقافياً عن بلاد الرافدين ولا عن الثقافة المصرية. نزوح الغنوصية الى اوربا متأخر وأصول الغنوصية هي اصول مشرقية وليس العكس. نعم هناك غنوصية سورية ولكن معلوماتنا عنها مبعثرة. بعض الباحثين من امثال سبنسر لويس يعتقد بأن الناصورائيين هم شيعة سرانية غير يهودية مثل شيعة النذريين وشيع اخرى وكان لهم مقام ديني مقدس على جبل الكرمل، ودير هو أشبه بالمعهد الديني يلتحق به الفتيان في سن الثانية عشر، من أجل الإعداد الديني وتلقي الأسرار، وكان لهذا المقام الديني شهرة واسعة خارج فلسطين وقصده العديد من الحكماء وامضوا فيه وقتاً لابأس به خلال فترة اعدادهم الروحي، ومنهم فيثاغورس الذي تروي سيرة حياته عن اعتكافه لسنوات في جبل الكرمل. 

 

ـ بعض المستشرقين مثل الألماني ليدزباركسي، الذي ترجم كتاب المندائيين المقدس "الكنزا ربا" او الكنز الكبير في بداية القرن العشرين، يعتقد بأن اصل المندائيين من شمال بلاد الشام بدلالة تشابه تسميات بعض الكائنات النورانية المندائية مع بعض الإلهة السورية القديمة مثل حراس النهر الحي شلمي وندبي؟

السواح ـ من الجائز تماماً، الا ان الموضوع يحتاج لمزيد من البحث. ولكن حسب علمي لم تكن هناك فرق مغتسلة في سوريا.

 

ـ المندائية كلمة آرامية تعني المعرفية وقد حولها اليونانيون الى كلمة غنوستكا ومن ثم الى كلمة "الغنوصية" في اللغة العربية، ماهو أصل الغنوصية برأيك؟

السواح ـ أصول الغنوصية غامضة ولانستطيع متابعة تاريخها الا بحدود القرن الأول الميلادي، وتاريخ الغنوصية تاريخ يشوبه الغموض حيث ظهرت في زمن كانت منطقة الشرق الأوسط تموج بالحركات الفكرية نتيجة لتمازج الثقافات والشعوب وظهور وغياب طوائف فيها بكثرة، ويرجح ظهورها في القرن الأول الميلادي في الرسائل الرمزية لهرمز مثلث الحكمة او مثلث العظمة وتعتبر الشرارة التي فجرت هذا الاتجاه. وقد اخذت الغنوصية من الأفلاطونية ـ الوسيطة والمحدثة ـ الكثير من الافكار رفدها تيار يهودي غنوصي حيث ان الكثير من يهود الاسكندرية قد تحولوا الى الغنوصية آنذاك كما ان المسيحيين قد ساهموا بتطوير الفكر الغنوصي وعليه فإن الغنوصية هي بمثابة مزيج من معظم التيارات التي كانت سائدة في تلك الحقبة. أما بالنسبة للغنوصية السورية فنحن لانعرف عنها الكثير، كما اسلفت، لعدم وجود وثائق ولكننا نعلم بوجودها من خلال وجود سمعان ماغوس او سايمون ماغوس (الساحر)، والذي يقال بأنه كان من تلاميذ يوحنا المعمدان، وهو مؤسس المدرسة الغنوصية السورية ولكنه من اكثر الشخصيات الغنوصية غموضاً، لأن مؤلفاته قد ضاعت، ولم يبق منها إلا افكار متفرقة وصلت الينا عن طريق نقاده المسيحيين. وقد نشط سمعان خلال اواسط القرن الأول الميلادي، وهذا يعني انه قد عاصر يسوع ونشط خلال فترة نشاط الرسل الأوائل.

 

ـ وماهي تعاليم سايمون ماغوس؟

السواح ـ يقول سمعان وفقاً لناقده هيبوليتوس، بأن الله قوة أزلية موحدة وغير متمايزة، منغلقة على نفسها في صمت مطلق. ثم إن هذه القوة اتخذت شكلاً وانقسمت على نفسها فظهر العقل Nous وهو مذكر، والفكرة Enoia وهي مؤنثة. وبذلك انشطرت الألوهة الى قسم علوي وهو عالم الروح، وقسم سفلي هو عالم المادة. وقد كان لسمعان عدد من التلاميذ اشهرهم دوتيسيوس وميناندر اللذان بشرا في سورية، واتخذا من انظاكية مقراً لهما.

 

ـ المندائيون لديهم وثيقة تسمى "حران كَويثا" اي حران الداخلية وهي تتحدث عن هجرة المندائيين من اورشليم الى ارض ميديا ومن ثم الى بابل ومملكة ميسان في جنوب العراق وذلك عند خراب الهيكل الثاني اي بحدود سنة 70 ب. م. نتيجة لاضطهاد اليهود لهم، كيف تفسرون انتقال هذا الفكر المصري الغنوصي الى مندائيو بلاد الرافدين؟

السواح ـ هذا ممكن، ولكن ليس لدينا وثائق تاريخية تثبت هذا القول.

 

ـ تشهد الغنوصية والآرامية حركة انتعاش فكرية كبيرة في الجامعات والمعاهد الغربية، والآرامية كما نعلم منشؤها بلاد الشام، لماذا لاتشجعون مثل هذا التوجه البحثي بدلاً من الأعتماد على المستشرقين والباحثين الغربيين؟

السواح ـ هذه الدراسات تمر في حالة سبات في سوريا فالجامعات السورية لاتقوم بواجبها في هذا المجال. البحوث والدراسات بحاجة الى التفرغ وبحاجة الى تمويل، فمثلاً انا متفرغ للبحوث منذ عشرين عاماً ولولا ان لدي مردوداً مالياً من اعمالي لما استطعت الاستمرار لأنه لاتوجد جهة تسند البحوث وتعطي المنح للباحثين. ومع ذلك توجد جهود فردية قليلة في مجال الآراميات منها اخيراً كتاب "اللغة الآرامية القديمة" للدكتور فاروق اسماعيل الأستاذ في جامعة حلب، بالاضافة الى كتابي آراميو دمشق واسرائيل.

 

ـ ممكن نبذة عن حياتك؟

السواح ـ انا مولود في مدينة حمص سنة 1943 ودرست ادارة الأعمال في جامعة دمشق.

 

ـ اذاً انت بعيد عن مجالك الحالي!

السواح ـ نعم، وقد تفرغت خلال العشرين سنة الأخيرة تفرغ كامل للبحث والكتابة وهما مجال عملي الوحيد الآن.

 

ـ كيف تكوّن لديك هذا الأهتمام بالتاريخ والأديان والتراث؟ وماهي انطلاقتك الأولى؟

السواح ـ دائماً يوجه لي هذا السؤال، والحقيقة لا أعلم! انطلاقتي االأساسية هي كتابي "مغامرة العقل الأولى" الذي صدر سنة 1976 وطبع منه العديد من الطبعات. لقد كان همي دوماً البحث عن وحدة التجربة الروحية الإنسان عبر التاريخ، بصرف النظر عن مصدر الخبرة الدينية، وهل هي من أصل ماورائي ام نتاج تجربة انسانية وكدح روحي!

 

ـ الكثيرون يثمنون عملكم "جلجامش"، وخصوصاً الجزء المسرحي الذي قمتم باعداده. هل اعتمدتم النص السومري ـ الآكادي في هذا العمل، أم على النصوص المترجمة؟

السواح ـ أنا لا اقرأ أية لغة قديمة، وانما اعتمدت على النصوص المترجمة الى الأنجليزية وعلى ترجمتي طه باقر و سامي سعيد الأحمد.

 

ـ كم يبلغ عدد مؤلفاتك، وبماذا تعزو اقبال القراء عليها؟

السواح ـ اعمالي تتجاوز الأربعة عشر عملاً منها جلجامش ولغز عشتار ومغامرة العقل الأولى والوجه الآخر للمسيح وارام دمشق واسرائيل وطريق اخوان الصفا وغيرها. لحد الآن لا أسمي نفسي باحثاً محترفاً بالرغم اني اعيش من دخل مؤلفاتي. انا هاوي ولكني اعمل بغرام ومحبة والموضوع هو الذي يختارني ولست الذي انا اختاره ويمكنك القول بأن الموضوع يهجم علي ومن محبتي للموضوع اتعمق فيه، فأنا ابذل نصف جهدي بتوليد الأفكار والنصف الثاني بطريقة ايصال الفكرة الى القارئ. انا اكتب بمرجعية حديثة وربما هذا هو سبب اقبال الناس على اعمالي.

 

ـ ماهي اعمالكم الأخيرة؟

السواح ـ انتهيت من كتاب "الأنجيل برواية القرآن" و كتاب "القصص القرآني والمتوازيات التوراتية" وكذلك كتاب "من إيل الى الله".

 

ـ لماذا انت مقل في المقابلات الأعلامية، ولماذا وافقت على مقابلتنا؟

السواح ـ في الحقيقة ليس لدي الوقت الكثير للمقابلات، فنادراً ماتأتيك مقابلة محرضة، كما اني مقل في الكلام ولا احب الكلام الكثير. حضوركم استثارني. ان ارى مندائيين في سوريا ولديكم جمعية في سوريا لم يكن بالحسبان، والحقيقة استغربت فانكم تشبهون السوريين، وجوهكم سورية. انا لم اتعمق في دراستي للمندائية لأنه تعوزني المصادر، ولهذا سأحاول ان اعمل برنامجاً تلفزيونياً عنكم لاطلاع الرأي العام عن طائفتكم وعلى طقوسكم المندائية.

 

ـ نحن مسرورون بلقائك ونعتبرها فرصة جميلة جدا?

السواح ـ انا محظوظ بلقاء المندائيين، فقد اثرتم خيالي منذ بضعة عقود ولم اتوقع بحياتي ان التقي بالمندائيين. واعتقد بأن المندائية تيار من التيارات الدينية المهمة جداً والتي حفظت لنا كل روحانية الشرق، انا سعيد جداً بلقائكم.

س ـ نطمح ان تخصصوا جزءاً من بحوثكم للمندائية في دراساتك م المستقبلية ونأمل في لقاء قريب آخر. 

السواح ـ انا سعيد جداً بلقائكم.

 

وتم تقديم كتاب المندائيين المقدس "الكنزا ربا" هدية من الجمعية المندائية في سوريا التي تقبلها بسرور بالغ وعلق بأن هذا اللقاء والتعريف بالمندائية كان يجب ان يتم قبل هذا التاريخ باعتبار ان الأرث المندائي ثروة معرفية كبيرة. 

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013 18:34

اخلع جلبابك, يا مشحوت

حدَّثني عميد المسرح العالمي { بريشت } قال : لا تبتئس إذا وضعوا إنسانا لأربعين يوما بين أربعين من الفاشيين؛ فهو يبقى في الداخل حاملا لأسمى مبادئ الإنسان, فقلت مستدركا : لا يا معلمي, أما استثنيت مَنْ اعوجَّ طبعهم مثل ذلك الذي به تُضرَب الأمثال ؟

 

علَّمَني أن الثورة تنبع من داخل الإنسان, لأجل أن تكون قويا , قادرا, مؤهلا لتقويم اعوجاج الآخرين, وأن الثورة لاجتثاث ظلم, أو فساد تقتضي الصدق, ووحدة الأخيار أساسا لباقي المقومات, وبعدها قرأت عنها ما أبقى تنور أمي في اشتعال دائم ليومين بعد انكشاف فخِّهم اللعين, أولئك الأوغاد؛ فأحببت { مدينة الثورة } من ذلك, ليس لأن الذي جمع المساكين فيها الزعيم عبد الكريم فحسب؛ بل لأن حيثما يوجد الفقر يولد العظماء, والمتعبون , ومنهم المبدعون, والمغرر بهم, كلهم مظلوم يصطف مع الثوار

 

صديقاي شاعر وفنان من أهلها, كما هم أهلنا العراقيون الكرام, لا يتركون ضيفهم إلا بعد أن يطمئنوا أنه في أمان؛ بل حاولا هضم غداء من النوع الثقيل { خبز الطابك, والسمك المسكوف } لم تنفع معه أقداح شاي مع الهيل, أو علبة ببسي من التصنيع المحلي, والثلاثة نحن لا نملك من الدنيا سوى معين لا ينضب من الهموم نجترها حين نطمئن أن الغابة قد خلت من الذئاب

 

لمحته عن بعد, كبير السن يبدو, ضخم الجثة, مربوع القامة, يتقدمه قليلا كرش متوسط, جلباب أسود فضفاض, عمامة خضراء, يشماغ مثلها تدلى على الكتفين, يمسك باليمنى مسبحة طويلة سوداء, وباليسرى عصا يستدل برأسها يمنة ويسرة معالم الطريق, ونظارتاه الكبيرتان بلون بني تنبئان الناظر أنه بصير واقف بانتظار ابن الحلال, الدليل الذي يجتاز به الشارع نحو الجانب الثاني حيث يقام مجلس للعزاء, تعالت من جانبه مكبرات الصوت بما يشغل المعزين

 

تأبطتُ ذراعه الأيمن بعد أن تلقيت منه { عليكم السلام ورحمة الله } ردا على سلام ألقيته عليه, من أنت, أيها الطيب ؟ همست بأذنه خافتا أسماني والداي { شرهان الصادق } ولما كان الأوباش يكرهون الصدق والصادقين اكتفيت - مضطرا - باسمي الأول { شرهان } هل أعجبتك يا حاج ؟

 

باركك الله, يا بني, وجازاك بخير جزاء, لك قصر في الجنة فيه من الطعام والشراب ما لذ وطاب, ومن الجواري الحسان حور العين, لا ليل فيها فكلها نهار, تأمر فأمرك مستجاب, ولتقر عينك فأنت هناك في أمان, أبشر بالجنة أبشر, أيها الكريم

 

لا أخفيكم أن قد سال لعابي على قدر ما سمعت من مغريات باتت في حياتنا اليوم رؤى تراودنا في الأحلام؛ فبادرته السؤال كي أكون على يقين بأنني مشمول فعلا بهذا الكنز الموعود : أتسمح لي بالسؤال, يا حاج ؟ سل ما شئت فأنت من الآن من الأطهار : ما نصيبي مما وعدتني به إن أخبرتُك أني { لست من المسلمين } ؟

 

استدار دورة كاملة كأن قد مسه طيف من الجنون, انتزع كفه من كفي وأبقى على الخنصر عالقا لئلا يفقد الدليل, لن ينالك من هذا نصيب سوى { حسنة طيبة } قد تسجل لك يوم الحساب, لا تطمع بالمزيد, ما زلنا منتصف الشارع فيما يسمى { جزرة الوسط } التي يكون فيها المرء مضطرا - حتى يجتازها - إلى المزيد من التنازلات, سحبت كفي من أصبعه, سامحني ياعم فأنا لا أطمع إلا بالقصر الذي وعدتني به, لهذا فليس بإمكاني أن أكمل معك المشوار

 

ألقي بجثته علي حتى خلت أنه هجوم مباغت مثل الذي يقوم به دعاة الدين الفاسقون؛ لكن ضحكة طويلة, أعقبها عناق حار, افترش الأرض على التراب, أجلسني بجانبه, لا عليك يابن أخي { إحنا والله مخابيل نوزع الجنة طابو بكيفنا, ونودي بكيفنا للنار } هل هذا إغراء منك كي أعبر بك الطريق ؟ إن كان ذلك ما تبغي فانزع جلبابك وما وضعت على الرأس, والبس { غترة وثوبا أبيضين } حملتهما معي في الكيس, وحدثني عنك, عن المخفي عندك والمستور

 

إن سألت عن اسمي فقد أسماني خلق الله ب { مشحوت } لكثرة ما نالني من طرد من محاضر الشر قبل الخير, مارست دور الرقيب على الأغراب والأهل حتى ابتلاني الله بفقد الدليل, وأكرمني الناس الذين ظلمتهم بأن نادوني { البصير } وكي أحظى بالنصيب الأكبر

 

مما يمنح من بيت المال للمعاقين فقد مثلت دور { المجنون } إلى أن صدقت كذبتي, مثل جحا, فلم تعد تسعني مجالس العاقلين, وعندما ادعيت أني من نسل أهل البيت لأجني نصيبي من { الأخماس } طولبت بما يثبت ذلك ولم تسعفني قائمة الأنساب, صدقني لقد طاردني المتسولون الذين زاحمتهم على موائد الأغنياء, أما صدقت بأنني فعلا ذلك { المشحوت } ؟ فالويل لهم مني هؤلاء الأسوياء, لقد صبغت لحيتي, واعتممت بما يعتم به الصالحون, وتحت جلبابي هذا أخفي صكوك الغفران, أثمانها تدفع طوعا من مغفلين يجهلون أن تحته آلاف الشياطين, وأن جبهتي التي كويتها بالنار جواز به أتخطى محطات الفضوليين, واليوم, على يديك أعلن توبتي, ألا تتعدى بي المحطات, فتوصلني العزاء المقابل حتى أقول قولي في الحق

 

شكرا جزيلا لك, ياولدي فقد أنرت لي من نورك ما تبقى من مجاهل الطريق, لامَست رصيف الجانب الثاني قدماه, انتزع كفي من كفه بعنف, طرف العصا الغليظة في صدري, انكفأت إثرها على ظهري إلى الخلف, سيل من الشتائم مما سمعت أو لم أسمع به من قبل, صاح بأعلى صوته : لا تصدق أبدا { مشحوتا } على الأرض

يا { شرهان } فنحن - معاشر المشاحيت - نكرهكم مثل كرهنا للدم في أسناننا - يا معشر الشراهين - لأنكم أوفياء بعهدكم

صادقون

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013 18:21

هنهنات لغوية : لام التزلف والتزحلق

1- فـُجّرَ.. دُمرَ.. قـُتلَ.. سُرقَ... نـُهبَ

 

كلُ هذا في العراق

 

يا للهول!

 

أهو زمن المبني للمجهول؟

 

2- كلٌ يريدُ أن يكون فاعلا ً

 

أنا، أنت، أنتم، هو، هم، هنَّ

 

نحنُ جميعا فاعلون

 

تـُرى

 

متى نفكر بالفعل؟

 

3- أتعملينَ في العراق

 

يا حروف الجر؟

 

جَررتِ لفظ الجلالةِ

 

فهل تقدرين على جرِّ رئيس الوزراء؟

 

4- كـُثرٌ هم المبنيونَ على الضّم

 

سواكَ أنت منفتحٌ

 

فاحذر أن تقبل الكسرة

 

واحذر إلتقاء الساكنين

 

هكذا تبقى العراق

 

5- كـُنتَ المبتدأ

 

وكنا جميعا لكَ الخبر

 

حتى دخلتْ حروفَ العِجمة

 

فانخســفت الشمس!

 

وانكســـف القمر!

 

6- لا تعملوا جداولا ً بـ

 

الكلمة: معناها

 

فقد غيّروا معانيَ الكلمات

 

صارت حسبما يشتهـــون

 

العراق: العراك

 

7- مزدهرٌ سوق الصفات في العراق

 

بضاعة ٌكاسدة ٌ

 

لندرة الموصوف!

 

8- كلُ شيءٍ في العراق" أكو"

 

كلُ شيءٍ في العراق" ماكو"

 

فهل سألنا أنفسنا:

 

ما حلّ بالصابئة المندائيين

 

أصحاب هاتين المفردتين؟

 

9- بُحّ صوتُ حروفِ النداء

 

وضميرهم ما زال مستترا

 

أواه!

 

لقد استجاب الجماد

 

فهل يعدون أنفسهم بشرا؟

 

10- نعم، أنتَ اسمٌ مرفوعٌ

 

لكن بأي علامة، يا عراق؟

 

أبفتح الأبواب للنهب

 

وكسر الخاطرِ؟

 

11- كلُ الجموع صارت جمعُ تكسير

 

ليس فيهم سالمات.. سالمين

 

صارالكوفيون كفأة

 

وصار البصريون بصاروا

 

فهل هذا هو الدرس الأخير؟

 

12- لم ينصبوا الماء ولا الكهرباء

 

لم ينصبوا الجسر ولا الدار

 

قد أبطلوا علامات النصب

 

فصارت علامة الكلِّ إنفجار

 

13- ساستنا

 

ألغوا جميع اللامات

 

وأبقوا على لام التزلف والتزحلق

نشرت في وجهة نظر
الأربعاء, 10 نيسان/أبريل 2013 17:33

الثقافة المندائية الغائبة

اننا لا نتجنى على مجتمعنا المندائي ، ولا على انفسنا حينما ننعتها بالمغيبة ثقافيا ، بل ان القاعدة الثقافية المتينة المكونة لحالة المجتمعات المتطورة تكاد تكون غائبة ، وان من اهم عوائق التغيب واعمقها اثرا عدم وجود قوانين او قواعد تعمق العمل الثقافي وترشده نحو الافضل وفق خطوط وضوابط جادة ، تلك التي تحمل قدسية التقاليد المتاصلة في نهج التقيد المطلق بما هي عليه ، وعدم الاتصال على فضاءات التجديد والتغيير ، واغفالها احتياجها الى تاسيس نهج ترعوي ، يخرج الثقافة المندائية من الغيبية والاستهلاكية الى العلمية المنهجية ، على اسس واستراتيجيات ورؤى خاصة ، تتفاعل مع المحيط ، بل وتؤثر فيه وتنفتح على ثقافة الاخر ، وتدخل تحت سقف انفتاحها على المتغيرات ، ضمن حملة التطوير لواقع يتهافت على نفسه ، ويغفو على (تابوهات ) تمدها بروح المنهيات ، والمسكوت عنها ، وتدفع الاشياء دفعا باتجاه انقضائها فقط ، دون تحريك العقل باتجاه متنور لا يملك روح الانتاج , ولا الابداع ، ولا التشارك في صناعة الحضارة الانسانية ، بل نلجا احيانا الى الالتجاء الى نماذج ثقافية جاهزة ليس لمجتمعنا المندائي اي دور في انتاجها وابداعها ، وخصوصا اننا ننتمي الى تاريخ وحضارة عريقة كانت تملك ابداعا يمد البشرية بمفردات تكوينها ، وصعودها الحضاري لتفاعلها المستمر معه ، ويحتجب عن اهلها الغائبين عنها . لابد من دور هام في رعاية وحماية المجتمع المندائي ، لان المثقفين الواعين لخطورة المرحلة الحالية ، هم الدعامة الاساسية وهم الصمام الامان لحماية المجتمع من الانحراف والسقوط الى الهاوية والاضمحلال ، هذا الدور الهام الذي يقوم به المثقفون يحتاج الى تشريعات وقوانين ، يشرعها اهل الفكر النير واهل الدراية والمعرفة من ذوي الحكمة والخبرة ، والا فلن يجدي الحديث عن الثقافة والمثقفين في بيئة ، لا تحمي الفكر ومنتجيه ، وتدع الاستهزاء والتشبث بامور شكليه وفارغة لايخدم بقدر ما يخدم اصحابها ويظل فكرا سطحيا هشا لا معنى له ، وبما ان المثقف وخصوصا المثقف المندائي هو الذي ينتج الثقافة الرائدة ، فحماية المثقف ورعاية افكاره ، اهم بكثير من حماية الثقافة نفسها ، كما ان التركيز يجب ان يكون على انتاج المثقف وليس على غيره ، واعتماد صناعة المثقف واحتضانه ، وفتح سوق الامكانات والاهتمامات ، وتقديم الممكن الغائب في صناعته داخل اجواء تسيطر عليها ثقافة المصادرة والمنع والتغيب او الاهمال واللامبالاة ، ثم ما المانع من تثمين اعمال اي مبدع او منتج او مثقف بل وتكريمه ، لماذا ننظر الى المثقف المندائي كانه شحاذ يتسول ببضاعه كاسدة ، التي لا مشتري لها سوى اصحاب الاقلام الفارغة التي لا تعرف الرحمة ، همها الوحيد هي ايقاف ابداعه بشتى الوسائل وبشتى الصور ، ولغاية غير مفهومة ، ومهما كانت النتيجة بل الواجب جعله اسمى من ذلك ، بل وتجاوز ذلك الى صناعة فضاء لا يفكر فيه المبدع الا بابداعه الثقافي والفكري وكيفية انضاجه وتطويره ، وليس بمصادرة فكره ، وجره باتجاه فضاءات يجب ان يكون ابعد ما يكون عنها

 

ان كل ما نصبو اليه في المستقبل ونطمح له ان تكون هناك نظرة جيدة لخطة تجربة رائدة وشاملة للثقافة المندائية ووضع الخطوط العريضة في هذا المجال ، لكي نعي نجاحاتنا واخفاقاتنا ما يكفي لبناء وتغيير ثقافي حقيقي .

نشرت في وجهة نظر
الجمعة, 05 نيسان/أبريل 2013 13:55

أسطورة الماء في الأديان ، فكرا وطقسا

أن الإنسان هو ذلك العالم الصغير، الكبير بمفارقاته وتلاوينه وقوته وضعفه وتأثيره وتاثره بمن حوله وبالطبيعة ككل. وهو وحدة لا تقبل الفصل من هذا الكون الفسيح، يؤثر فيه ويتأثر به. هنالك ترابط روحي لا بل حتى مادي ما بين الإنسان والطبيعة التي يعيش في كنفها. فهذا الاتصال والترابط او التعايش ما بين الإنسان والطبيعة بجميع مظاهرها وعناصرها المختلفة .. كان له تأثير كبير جدا، لا بل كان هو المجال الواسع الذي ترعرعت فيه بذرات الفكر الإنساني.
ان هذا التلاقح او الاتصال الروحي ما بين الإنسان وطبيعته، أدى إلى خلق وتكوين أروع واعظم ألافكار الإنسانية التي انبنت شيئا فشيئا الى ان وصلت الى ما هي عليه الان.
فعندما ياتي ذكر التعميد او طقوس الاغتسال، يجب ان يسبقه الحديث عن الماء ودوره التاريخي في روحية وأفكار الأقوام والشعوب. لان ما بين التعميد والماء (واللذان يشكلان وحدة طقسية مهمة في ممارسات الأديان عموما) علاقة رمزية صميمية حياتية لا تقبل الفصل، ولان الماء الوسيلة الوحيدة لاقامة طقوس الاغتسال الديني او ما يعرف (بالتعميد).
فتأخذنا هذه الأسطورة السحرية (الماء) إلى أعماق سحيقة في التاريخ الإنساني، والتي عاصرته وهو يبني حضارته وفكره الديني منذ بدايات طفولته الفكرية إلى الآن. فالماء ملازما عقلا وفكرا وطقسا للإنسان.
لا اعتقد بوجود أي امرئ في هذا العصر، وعلى هذا الكوكب الأرضي، ناضج عقليا، لا يعرف ما للماء من أهمية كبيرة في حياة الكائنات الحية. فحتى الإنسان في تاريخه المبكر (الإنسان القديم)، ومن جملة اكتشافاته الأولية، شعر وأدرك بغرائزه ما لهذا العنصر من أهمية له ولحياته الخاصة، فكانت عبادة الماء وتقديسه من الأفكار الدينية المنتشرة في كثير من مناطق وحضارات العالم القديم. فلذلك سوف لا اتطرق الى اهمية هذا العنصر ودوره من الناحية العلمية واكتفي بالاشارة الى الهم الاكبر للعلماء، وهو محاولة اكتشاف ولو اثر بسيط على وجود الماء في الكواكب الأخرى، لكان دليل قاطع على وجود نفس الحياة في تلك الكواكب. الماء ببساطة يعني الحياة، وان العثور على هذا العنصر الهام يعني العثور على كائنات فضائية أخرى غير الإنسان. فالماء يستعمله العلماء والمستكشفون كجهاز إنذار مبكر رفيع المستوى، يكشف عن وجود حياة من أي نوع كانت، وفي أي منطقة. اذن نستنتج من ذلك ببساطة ان الماء يساوي الحياة.
أن هذا العنصر في الطبيعة قد شكل أهمية كبيرة لا يمكن الاستغناء عنه في حياة الكائنات الحية جميعا فبجانب هذه الأهمية والمكانة الكبيرة التي احتلها من الجانب العلمي، احتل أيضا أهمية كبيرة كما في العقلية الدينية والروحية لكثير من أديان ومعتقدات الإنسان قديما وحديثا لاتقل عن أهميته العلمية. وهذا يظهر جليا واضحا عندما نتتبع النصوص الدينية فقط، بغض النظر عن الممارسات الفعلية والطقوس المصاحبة لهذا العنصر (الماء). فلا تكاد تخلو عقيدة دينية إلا وكانت تقدس هذا العنصر، بطريقة معينة سواء فكرا أو طقسا. وهذا يرجع ما للماء من أهمية كونية، وماله من ارتباط وثيق بحياة الإنسان سواء أكان شعبا أم فردا.
فياخذنا هذا العنصر موغلا في التاريخ الميثلوجي للحضارات القديمة، ومنها الحضارة الرافدينية القديمة. فنرى ان الآلهة انانا قد استعادت الحياة بتناولها طعام الحياة وماء الحياة، بعد ان اوشكت على الموت. ونجد التفريق واضحا بين المياه العذبة (الالهة ابسو) والمياه المالحة (الالهة تيامت).
فالإلهة (تيامت) مصدر أساسي للموت والأمراض عند البابليين، وهي سبب جميع الشرور والأمراض في هذا العالم. ولذلك كان يحتفل بفشلها رمزيا في بداية كل سنة جديدة وفي عيد (الاكيتو) استبشارا بطرد الشرور والأمراض. أما الإله (ابسو) الذي يعتبر مصدر الشفاء والطب، لانه اله المياه العذبة، فهو أبو الإله (ايا) الذي هو رب الطب الأعلى.
وقطرات الماء الساقطة من السماء إلى الأرض على شكل مطر، والذي يسبب إنماء وارواء الأرض - هذه العملية كان لها مغزى كبير وعميق في التفكير الإنساني. فهذه القطرات تمثل في الأساطير الدينية القديمة كالمني التي يطلقها الذكر (المتمثل في السماء الواهبة) لتخصيب الأنثى (المتمثلة في الأرض المستلمة). فهذه عملية حياتية في عمق فلسفة الأديان، ولها دور كبير جدا في فكر الإنسان وتأملاته.
وعلى الأخص كون الماء عنصرا رمزيا للتنظيف والطهارة وغسل الذنوب عند البشر. والله سبحانه تعالى قد خلق الإنسان من ماء وتراب وكان يوحنا المعمدان وقومه يعيشون قرب المياه كي يعمدوا أطفالهم به والمنتمين الجدد، وهناك طوائف أخرى كثيرة تربط حياتها الاجتماعية والدينية بالمياه وتعيش على ضفاف الأنهر.
فالماء ينظر اليه بالمنظار المقدس في جميع الأديان قاطبة القديمة منها والحديثة. فهو في مرتبة عالية في الممارسات والفكر الديني الإسلامي (وخلقنا من الماء كل شيء حي) القران الكريم، أي انه أساس لكل شيء حي، وهذا تقديس كبير للماء. ولا يخلو أي مسجد من مصدر للمياه النظيفة السائلة يستخدمه المسلمون للوضوء قبل الصلاة خمس مرات في اليوم .
وفي الديانة المسيحية نجد في الماء عنصرا مهما في إقامتها لمراسيم التعميد ولا يستعاض عنه. كما أن السيد المسيح (ع) تعمد بالماء الجاري (نهر الأردن) على يد النبي يحيى يوحنا (ع) فكان لهذا التعميد أثره الخاص والمهم بلاهوت المسيح والكنيسة من بعده. فيدخل الماء في عملية التعميد الكنسي وصلوات القربان المقدس عند المسيحيين كرمز للتطهير من الذنوب.
أما في الديانة اليهودية فالماء عندها مقدس تقديسا كبيرا وهذا يظهر جليا واضحا في مراسيمها الدينية، وفي فكرها أيضا (روح الله يرف على وجه المياه) التوراة\التكوين.
ومن فرائض اليهودية أيضا استخدام الماء في طقوس التنظيف وتبرئة الذات من الذنوب وفي التعميد أحيانا. كما يعمد اليهود إلى غسل أياديهم قبل كل وجبة طعام وعن طريق تقليب الماء بين الكفين اليسرى وا ليمني بمثابة تبرك .
وكانت للديانات ا لقديمة قدسية خاصة للمياه لهذا فقد اعتبر الإغريق القدماء أن بعض الأنهر والبحار مقدسة ومنحو المياه آلهة مسؤولة عن الخير والخصوبة والكوارث .
ويرى الدكتور جواد علي بان القدماء كانوا يرون في أعماق الآبار والينابيع والأنهار العذبة قوى خفية مؤثرة تمنح مياه تلك المواضع قدسية خاصة. وفي الواقع أننا لا نزال نرى هذا التقديس باقيا حتى الان عند كثير من الشعوب.
ان الماء الحي (ميا هيي) شعار وصفة ملازمة من الناحية الفكرية والطقسية للديانة المندائية. فللماء في الديانة المندائية قدسية عظيمة وواضحة وضوح الشمس.
لكن ليس كل ماء هو مقدس في المندائية، وانما فقط الماء الجاري الحي الذي يطلق عليه (يردنا) فهناك الماء الراكد اوالميت الذي ترفضه الديانة المندائية، والذي يرمز الى الظلام والموت. أما الماء الجاري الحي (يردنا) فهو الماء الذي يحمل كل صفات الحياة. الماء الذي ينقي نفسه بنفسه.
ف(يردنا) لها أهمية رمزية كبيرة في عملية الخلق وانبثاق الحياة والعوالم. فهي تعتبر من صفات الخالق المقدسة والعظيمة والتي انبثقت في اخر يوم من ايام الخلق العلوي الخمسة (البرونايا). وتذكر بعض النصوص الدينية المندائية بان اليردنا هو مخلوق كائن بذاته، له القابلية على الخلق أيضا (عبارة رمزية).
فاليردنا او الماء الحي هو الذي كان سببا في إنعاش الحياة على الأرض. وكأنه بمثابة مادة الحياة (الدم) في الإنسان وجريانه بدورتيه الكبيرة والصغيرة المعروفتين، سبب في بقاء الإنسان على قيد الحياة. لان الأرض عند خلقها لم تكن روح الحياة متيسرة، فكانت مليئة بالماء الآسن الأسود الذي خرجت منه الأرواح الشريرة والشر. فبامتزاج (يردنا) السماوي في مياه الارض الغير حية ازدهرت الارض وانتشرت رائحة الحياة عليها.
وليس كل ماء جار هو يردنا، وانما جزء منه يردنا سماوي والذي يغذى من قبل عوالم النور العليا السماوية (آلمي اد نهورا). فعملية امتزاج (يردنا) السماوية الجارية في عوالم النور والمحملة بالحياة والنور ب(يردنا) الارضي، تعطي للاخيرة صفة الحياة والقوة على البعث والإخصاب. فلذلك ان وجود يردنا السماوية في يردنا الارضية يثبت وجود العلاقة الحياتية بين عوالم النور (آلمي اد نهورا) وعوالم الظلام (آلمي اد هشوخا) والتي من ضمنها الارض (ارا اد تيبل).
وهذا يعني ان روح الحياة متيسرة في هذا العالم. وحسب الفكر المندائي ان هذا الاتصال مهم جدا بين الماء الجاري الحي العلوي والماء الجاري الارضي. وان لم تصب المياه العلوية في المياه الارضية ستبقى الاخيرة سوداء غير حية كما كانت بعد الخلق. ف(يردنا) السماوية كانت مصدرا وسببا في ازدهار الحياة على الارض بعد الخلق واصبحت مهيئة لخلق الانسانين الاولين (ادم وهوا) عليها.
الخلاصة اذن ان (يردنا) الارضية تغذى من قبل (يردنا) السماوية والتي تعطيها صفة الحياة والديمومة، وهي عبارة عن نور الله المتجسد في الماء. كما ان يردنا هي المادة او المصدر الذي تتزود منه الكائنات الاثيرية والارضية على حد سواء، القوة والحياة.
وان الماء الحي (ميا هيي – يردنا) هو جوهر طقس (المصبتا – الصباغة) التعميد المندائي. و(يردنا) عموما يرمز الى صفة الاب وعنصر الحياة (السائل الحيوي للحياة والتكوين) في الفكر والممارسة الطقسية المندائية. ف(يردنا) هي نفسها التي سيولد بها الانسان المصطبغ (المتعمد) مرة اخرى تاركا خطاياه بعيدة. فالماء اذن مغذ ومنعش ومطهر دائما.
واخيرا يجب ان نذكر بان كلمة (مصبتا) مشتقة من جذر الفعل الثلاثي المندائي (صبا) بسكون الصاد وفتح الباء – وتعني مندائيا التعميد او الصباغة بالذات. ومن هذه الكلمة جاءت تسمية المندائيين بالصابئة أي الصابغة او المتعمدين او السابحة. والأخيرة اقترحها عباس محمود العقاد، في كتابه (إبراهيم أبو الأنبياء)، جعل سببها كثرة الاغتسال في شعائرهم (أي الصابئة المندائيين) وملازمتهم شواطئ الأنهار من اجل ذلك.
وان طقس الاغتسال بالمياه الجارية (التعميد) والذي يأخذ في رأيي أشكالا متعددة بين أقوام واديان وشعوب العالم، لكن يبقى جوهره واحدا وهدفه الرئيسي هو التطهير واكتساب منحة الحياة والاتصال بالقوى الحياتية، لما للماء مثلما أوضحنا، من أهمية بالغة في عقيدة الأديان. والكثير من هذه الأديان تعتقد بوجود القوى الخفية التي تحمي هذه المياه وتعطيها البركة اللاهية والقوة على الإنعاش والتواصل مع الحياة، والتي تظهر مميزات هذه القوة في المياه عندما يرون بان الماء باعث الحياة للأرض الميتة، ومعطية جرعة الحياة للإنسان والكائنات الحية.
ولايخفى بان شعوبا واقواما عديدة قد مارست هذا النوع من الطقوس المصاحبة للمياه. اندثرت بعضها ولم يبق منها غير الذكر التاريخي، والقسم الآخر موجود حاليا يمارس لحد ألان وتمارسه كثير من الأديان والمذاهب بصور تختلف أو تتشابه فيما بينها.
ويذكر لنا التاريخ أن هناك فرقا يهودية قديمة عديدة كانت تمارس مثل هذا النوع من الطقوس. فاليهود الذين سكنوا بلاد مابين النهرين (الشتات) لجاوا اليه حين بشروا بدينهم هناك، إذ كانوا يلزمون من ينضم إلى اليهودية بالتعميد (كان المتهودون يعمدون او يغطسون بالماء في نهر قريب عادة علامة تطهير). وهذه الأخيرة موجودة في الدين الإسلامي حيث يلزم من يدخل الإسلام، الاغتسال وقراءة الشهادة، يقصد به أيضا التطهير والدخول للدين الجديد.
فكانت الديانة اليهودية تفرض تطهيرات عديدة بالماء، وتفرض في العديد من حالات النجاسة، اغتسالات طقسية، تطهر وتواصل للعبادة. ونلاحظ في التوراة والتاريخ العبراني أسماء لمواقع مائية مقدسة جدا في عقيدتهم، وهذا نستطيع ان نجده في الكثير من الأديان.
ولقد اكتشف في السنوات القليلة الماضية منطقة تقع شرق نهر الأردن، ولقد قمت بزيارتها شخصيا، وقد أكد بعض الباحثين بان البلدة المكتشفة ترجع للنبي يحيى يوحنا (ع) ولتلاميذه من بعده. وربما ترجع لطائفة الاسينيين، وخاصة انها قريبة من مركزهم الرئيسي في منطقة قمران. وعلى العموم ان البلدة المكتشفة تحتوي على العديد من الأحواض المختلفة الحجوم، وهي بالتأكيد لأغراض الاغتسال والتطهير الديني.
وعلى الجانب الغربي من نهر الأردن، هنالك طائفة الاسينين التي اكتشفت لها أحواض خاصة في منطقة خربة قمران (شمال غرب البحر الميت) لاداء هذه المراسيم على الرغم من اندثار هذه الطائفة. فلقد كانت الحمامات المرتبة طقسيا مألوفة لدى هذه الطائفة، مثلما كانت عند جماعات دمشق وقمران.
ان البحوث جارية للكشف عن هذه الطائفة التي تعتبر التعميد او الغطس بالمياه الجارية، الطريق الذي يوصلهم إلى الاتصال بالخالق. فمن تعاليم هذه الطائفة انغمار المرء كليا في الماء ثم يشرع في رش الماء على نفسه. ويقول جوزيفوس المؤرخ اليهودي الذي ادعى معرفته بالطائفة، في كتابه (حروب اليهود) المجلد الرابع صفحة 222، أن الطهارة لدى الاسينيين هي شكل من اشكال التعميد لأنها كانت تمارس قبل وجبة الطعام اليومية العمومية. او إذا تدنس أخ بتماسه مع أفراد فئة أدنى منه دينيا، او في حالة قبول مرشح عضوا في النظام الكهنوتي.
فالتعميد اذن هو شكل من اشكال الاغتسال في الماء من اجل التطهر، والذي يتميز بالغطس في المياه الجارية، وتلاوة التراتيل الدينية، التي تدعو الى التقرب للذات العليا، واستلام منحة الحياة والتقديس من خلال عنصر الماء الذي يمثله بكونه عنصرا للتطهير اولا، وبكونه المادة الحية الأولى التي خلق منها كل شيء حي ثانيا.
وبما ان الأساطير الدينية تتحدث عن خلق الإنسان الأول من التراب والماء، وكان الإنسان قد حاول في فكره الديني ان يحول أسطورة خلقه الأولى الى ممارسة طقسية يقوم بها بحياته وكلما احتاج الى أن يولد ويخلق من جديد، فهي اذن عملية تواصل مع الخلق الأول والتجديد في الحياة.
وان عملية الغطس وقطع النفس عند انغمار المرء تحت الماء أثناء مراسيم الصباغة المندائية (مصبتا - التعميد) ليست الا دلالة قيمة وواضحة ترشدنا الى عملية الخلق الاولى للإنسان. فهي تعني الموت والاندحار ومن ثم الخروج من على سطح المياه، دلالة الخلق والولادة والازدهار.
كذلك ان طقوس الاغتسال الديني التي كانت تجرى في بابل او مصر او ربما غيرها أيضا كانت تجرى في الأنهار الجارية، ومن المعلوم أيضا أن ارتداء الملابس البيضاء التي ترمز الى النظافة والطهارة عند التعميد والاستحمام الديني كان شائعا لدى العديد من الأقوام.
من باب آخر يذكر التاريخ وعلى لسان الكثير من المؤرخين والباحثين، وكما ترويه لنا الشواهد الأثرية، بان هذا النوع من الطقوس امتد بعيدا في التاريخ. فحتى الديانات المصرية والسومرية والبابلية والكلدية والآشورية لها ممارسات على مثل هذه الطقوس والتي تقام بمصاحبة المياه الجارية النقية، والتي تمتلك صفة الحياة، فمثلا في مصر كان التلميذ المرشح للكهانة إذا نجح في الامتحان القاسي الذي يجري له، يخلع ملابسه ويستحم (يتطهر) في الماء ويطيبونه بالعطور ثم يرتدي زي رجال الدين، ويجب أن يقوم الكاهن بطقوس التطهير لنفسه وللمعبد، وذلك قبل الشروع في أداء شعائر العبادة. ويقوم الفرعون بمراسيم تبخير المعبود وتطهيره بسكب المياه المقدسة عليه، ثم يقدم القرابين لأبيه الذي يمنحه الحياة، وللعلم ان المصريين القدماء قد عرفوا الأحواض المقدسة المملوءة بالمياه الخاصة للتطهير.
ويعتبر تناول الماء المقدس عند الحضر، من طقوس الاحتفال الديني المهمة جدا، ويكون حوض الماء المقدس دائري الشكل ويستعمل لأغراض التطهير. كما ويعتبر الوضوء عند المسلمين وغسل الجنابة شكلا من أشكال الاغتسال والتطهير في الماء أيضا. وان الغسل في الماء بقصد الطهارة والوضوء في الديانة الإسلامية، ويتحقق الغسل الارتماسي بغمس الجسد في الماء دفعة واحدة.
وهناك ترى الصابئة المندائيين، الذين يحرصون على ان يكونوا في سكناهم قريبين من مصادر مياه جارية وحية، على ضفاف الأنهار، وخاصة دجلة والفرات في عراق اليوم. والمهاجرين منهم، في استراليا خاصة، يمارسون طقوس تعميدهم بكل حرية على ضفاف نهر نيبين في مدينة بنرث.
وان هذا التعميد الذي يقوم به الصابئي المندائي والذي يسميه شعبيا (صباغة) وفي اللغة الرسمية الدينية (مصبتا)، له تأثيراته على أصول وتطبيقات طقوس ومراسيم الاغتسال عند بعض الأديان الأخرى مثل المسيحية.
ومن الجدير بالذكر أيضا، اكتشاف الأحواض والبرك الجارية في كثير من الحضارات القديمة، والتي يؤكد بعض الباحثين على أن الناس كانوا يستحمون (يغطسون) من ضمن المراسيم الدينية (أي بمصاحبة القراءات الدينية).
من هنا تبدأ اهمية المحافظة على المياه العذبة، وعدم تلويثها لانها من العناصر الجوهرية في المحافظة على البيئة وجعل الطبيعة مزدهرة دوما. فعملية تلويث المياه والعبث بها بما يؤدي الى نقصانها او زوالها، يدخل من ضمن المحرمات الدينية التي نصت عليها كثير من اديان العالم القديمة والحديثة، اضافة الى الاعراف الدولية في المجتمع المدني الجديد.

المصادر:
مخطوطات مندائية.
أصول الصابئة المندائيين .. عزيز سباهي.
بخور الآلهة .. خزعل الماجدي.
المصبتا (دراسة في التعميد المندائي) .. الترميذا علاء النشمي.
معرفة الحياة .. سيناثي كندوز ترجمة د. سعدي السعدي.

نشرت في تاريخ
الخميس, 04 نيسان/أبريل 2013 03:38

احاديث تربوية .... من الكنزا ربا

 ان منداد هيي يقول :" كل نفس تسال عن اعمالها لا تشارك نفس نفسا ولا تتحمل نفس نفسا وكلهم يومئذ منخطفون هالكون عن هالكين مشغولون لا يلتفتون ولا يلقون السلام ولا يستطيعون الكلام مثلهم مثل ناصورائي ترك تعاليم الحي وسار في طريق الظلام هؤلاء ايضا في الظلام يقعون يسال بعضهم بعضا الى متى هم في عذابهم مقيمون" .

- في هذا الحديث التربوي المبارك نتعلم درسا من دروس المعرفة الربانية في كتابنا المقدس الكنزا ربا ( م) .. حيث يقول ( كل نفس تسال عن اعمالها لا تشارك نفس نفسا ) وهذا هو الحساب في ميزان الاخرة بعد ان تفارق النفس عالمها المادي جاءت للامتحان فيه تغادره لتاخذ معها حقيبة اعمالها اعمال هذه الدنيا لتخضع لسؤال عن اعمالها في عالم الحساب ثم تمثل امام الديان وصاحب الميزان .. من يبلغ عنا ابنائنا اننا غارقون في الديجور وان اعيننا لا ترى النور وان ابواب الظلام موصدة علينا منذوا دهور في الليل والنهار يسالوننا جميعا ويقطعوننا تقطيعا كل يوم توضع اعمالنا امام اعيننا ونسحب من ارجلنا لنحدق فيها عملا عملا ثم لندفع عنها العذاب بدلا .

يتضح من هذا النداء المؤلم الذي تنادي به كل الانفس التي تمثل للحساب ان نرفع اعيوننا صوب ابائنا لنطلب لهم الرحمة .. وهنا سؤال يطرح نفسه ؟؟. هل ان الانفس التي في عالم الحساب بعد وفاتها لها علاقة او صلة مع عالمنا المادي .؟ للجواب على هذا السؤال تتحدث الوصايا ..

( من احب موتاه فليطلب لانفسهم الرحمة واقيموا عليها الصلاة والتسبيح واقراوا الابتهلات واقيموا مسقثا الرحمة من اجلها عند ذلك يسير الضياء امامها وياتي النور وراءها ورسل الحي عن يمينها وملائكة النور عن شمالها فتنجوا من مطراثا ومراجل النار ) اذا ...

نداء الوصايا يحثناء ويعظنا ويفتح ابصارنا بان نترحم لنرحم موتانا وان نصلح في انفسنا حتى لا نكون على ما كان عليه اباؤنا .. وهذا نداء اخر ينادي به من وافهم الاجل .. ( من يقل لاولادنا ان لا يسلكوا الطريق الذي سلكناه، من يقل لهم ان لا يفعلوا ما فعلناه من يقل لهم ان لا تهلكوا انفسكم فتدخلوا الظلام الذي دخلناه ) وهذا نداء اخر يوصينا بان نصحوا من غفوة الحياة ومغرياتها وعلينا ان نبدا بداية جديدة اساسها العهد

( كشطا ) ونعاهد انفسنا لا نسير في طريق الظلالة الطريق الذي تجرنا اليه الشهوات وهو الفخ الذي يضعه الشر امامنا .. فاذا منحنا الحي 

( م) نعمه وخيراته علينا في عملنا وشقانا .. فعلينا ان نعي ونتحكم بهذه النعم بخير العمل لهذه الدنيا الزائلة وهذا هو سر ( سر الطاعة ) لكل العباد الصالحين الذين وهبوا النعم .

وبذلك لا نتجاوز حدود الله ونقف امام طاعته ووصاياه وذلك هو الصوم الكبير فمبارك هو الانسان الذي يحترم حدود الله ويقف عندها .......

ولكي نرحم اموتنا علينا ان نقيم اليهم الصلاة والتسبيح ونلاحظ ان الصلاة تسبق التسبيح فهي اكبر درجة والتي من خلالها يبين الانسان طاعته للخالق (م) اما التسبيح فهو التوسل والرجاء ثم الدعاء .. والصلاة هنا طلب قبول الطاعة لمن وافهم الاجل لانها فرصتهم الوحيدة في الحياة والامل بمن هم في هذه الدنيا _e1يرفعوا الرحمة .. اما الابتهالات فهي طقوس طعام الغفران ( اللوفاني ) والصدقة المباركة ( زدقا بريخا 

ويغلفها طقس المسقثا المبارك والذي به تحصل الانفس على غفران الخطايا وتخلص من العذاب الاليم ولذلك سيسير الضياء امامها والنور من خلفها ورسل الحي عن يمينها وملائكة النور عن شمالها فتنجوا من مطراثا ومراجل النار .

اما قول ( كلهم يومئذ منخطفون ) فهذا هو حصاد الدنيا والمنخطفون قد حصدوا الادران والاشواك والعليق من هذه الدنيا ولم يحصدوا منها الثمر الصالح طالما لم يزرعوه فكان هذا هو الجزاء .. لا تنفعهم الاموال ولا القصور التي كانوا لها يكنزون .

وفي قول ( هالكون عن هالكين مشغولون ) فهؤلاء هم اصحاب السوء الذين يزرعون الشر في النفوس الصالحة فيهلكون من حوالهم ولذلك .. الى بعضهم لا يلتفتون ولا يلقون السلام ولا يستطيعون الكلام لان الشروالكراهية تولد التفرقة في الانفس الصالحة .. وكما يقول ابà6نا ( انوش اثرا ( م)) ( ان الكره والحسد والنميمة من سموم الاشرار ولم تصعد بصاحبها الى بلد النور ) ولذلك .. فان الناصورائي الذين 

يتركون تعاليم الحي ويسيرون في طريق الظلام هؤلاء ايضا في الظلام يقعون .. تتحدث الوصايا . ( اسمعوا ما اوصيكم به فان لم تسمعوا او سمعتم ولم تفعلوا ففي الظلمة التي وقع بها الاشرار تقعون انهم باقون فيها لا يصعدون ) .. ولذلك يسال بعضهم بعضا الى متى هم في عذابهم مقيمون .. ومن هذا الحديث المبارك ننادي احبتنا واخواننا وعوائلنا المندائية في اي مكان وزمان ان لا يتركوا امواتهم بلا جزاء 

كتقديم ( الثياب الطاهرة ) اي القماشي .. او طعام الغفران ( اللوفاني ) او طقس المسقثا وهو اعظم الطقوس رحمة للمتوفي او العمل الصالح الصدقة المباركة باكساء واشباع الفقراء المساكين من اخوتك المندائيين جزاء او دفع بلاء ولكن يجب ان لا نتحدث بها او نشهر بها .. وهذا حق المتوفي علينا ونكون قد برينا باجداہfنا وترحمنا لهم حتى تترحم علينا اولادنا .

ولذلك جميعنا نعترف ونقول .. ( لقد اضلنا العالم برفاهيته وخدعنا بالوهيته .. فمتى نتخلص من اسر الطين ومتى ننجوا من شرك الشياطين؟ انت مسبح يا ربي .. انك لا تظلم عبادك المخلصين ) ..