• Default
  • Title
  • Date
الثلاثاء, 03 آذار/مارس 2015 14:17

تاريخ الصابئة

اختلف الباحثون في تاريخ الصابئة :
1. فقال بعضهم إنهم من الكلدانيون وهم أول من سجد للأصنام، وقد فعل ذلك لهم نينوى بن نمرود بن نوح ملك الآشوريين، و ( باني ) هي مدينة نينوى، وذلك سنة ( 2059) قبل الميلاد، وأمر الناس بعبادته فاقتدت الصابئة بهم.
2. وقال البعض أنهم من السريان، وقد تعربوا بعد الفتح،وحافظوا على لغتهم وعوائدهم الدينية.أما لغتهم فيزعمون أنها سريانية – لذلك تجد في كتبهم المقدسة العبارات مشوبة باللغة العربية والفارسية وغيرهما. .
مساكنهم :
كانت الصابئة في مبدأ أمرها تسكن مدينة حران وقد زعموا أنها أول مدينة بنيت بعد طوفان نوح – ويسمونها ( حران سفلايي ) أي حران السفلى .
قال في المعجم لياقوت : (( هي مدينة عظيمة مشهورة من جزيرة أقور، وهي قصبة ديار مضر، بينها وبين الرها يوم، وبين الرقة يومان، وهي على طريق الموصل والشام والروم، قيل سميث بهاران أخي إبراهيم – عليه السلام – لأنه أول من بناها فعرِّبت فقيل حران.
وتعتبر حران هي أول منازل الصابئة، ومن منازلهم قرية تابعة لحران تسمى (ترع عوز)، العينان مهملتان والواو ساكنة، قرية مشهورة بحران من أبناء الصابئة، كان لهم هيكل، وكانوا يبنون الهياكل على أسماء الكواكب، وكان الهيكل الذي بهذه القرية باسم الزهرة، ومعنى (ترعوز) بلغة الصابئة باب الزهرة، وأهل حران في زماننا يسمونها ( ترعوز)، وينسبون إليها نوعاً من القثاء عذباً يزرعونه بها... وقد جرت حروباً عنيفة مع أهل حران، ففروا إلى طور ( ماداي ) – جبل قيل بحران وهو شمال بين النهرين – فسكنوها.
ومن مساكنهم القديمة ( طيب ماثة ) – وهو جبل يسمى بجبل حسين قولي خان – حيث أنهم عثروا فيه على آثار قديمة مكنوزة تعود لملتهم، وقد جاء ذكر ذلك في كتاب (( النفوس )) من كتبهم المقدسة.
وقال بعضهم من مساكنهم القديمة أيضاً ( مندلجين ) كان فيها مايقارب من أربعين كنيسة، وقد ذهبت حينما وقعت بأيدي المسلمين.
ومن مساكنهم القديمة : أنهم كانوا في مصر، وقتلهم المصريون،فخرجوا منها فارين إلى البلاد الفارسية، وقتلهم الفارسيون أيضاً، ثم انتقلوا إلى العراق فسكنوه حتى اليوم، ولذلك تجد في لغتهم الفارسية والعربية، وقد سكنوا اليوم محال كثيرة كناصرية المنتفك والعمارة والبصرة وسوق الشيوخ وكرمة بني سعيد والجبايش والمحمرة والأهواز وناصرية العجم، وقليل منهم في بغداد سكنوها بعد الاحتلال البريطاني.
ويبلغ عدد رجالهم جميعاً تقريباً ( 500 ) رجل .
فرق الصابئة :
عرفت عقيدة الصابئة شأن الكثير من المعتقدات فرقاً متعددة، والتعرض للوقوف على فرق الصابئة يعد من أهم مايلزم الباحث في عقيدتهم وفي غيرها من الأديان للوقوف على منشأ تلك التجزئة، ومبعث ذلك التقسيم.
وقد تطرق العلماء القدامى والمحدثون إلى تقسيم (( الصابئة )) وبيان الفرق التي نشأت منها، إلا أن القسم الأغلب من أولئك الباحثين كان معتمداً في بحثه على غيره، ولعل أحسن من توسع في هذا البحث، وبين فرق الصابئة على اختلافهم وأنواعهم مستنداً على العقل والنقل هو (( الإمام أبو الحسن علي بن محمد المكنى بأبي علي سالم بن سالم التغلبي الفقيه الأصولي الملقب بسيف الدين الآحدي المتوفى عام 631هـ )) فقد ذكر في مخطوطه كتاب (( أبكار الأفكار)) أن أشهر فرق هذه النحلة أربع وهي:
الفرقة الأولى ( أصحاب الروحانيات ) : وقد زعم هؤلاء أن أصل وجود العالم يتقدس عن سمات الحدث وهو أجل وأعلى من أن يتوصل إلى جلاله بالعبودية له والخدمة من السفليات وذوات الأنفس المنغمسة في عالم الرذائل. وإنما يتقرب إليه بالمتوسطات بينه وبين السفليات، وهي أمور روحانية مقدسة عن المواد الجرمانية، والقوى الجسمانية، والحركات المكانية، والتغيرات الزمانية في جوار رب العالمين مجبولون على تقديسه وتمجيده وتعظيمه دائماً وأبداً.
وزعموا أن الكواكب الفلكية هي هياكل هذه الروحانيات، وإن نسبة الروحانيات إليه في التقدير والتدوير نسبة الأنفس الإنسانية إلى أبدانها،وأن لكل روحاني هيكل يخصه، ولكل هيكل فلكاً يكون فيه.
الفرقة الثانية ( وهم أصحاب الهياكل) :
فإنهم قالوا: إذا كان لابد للإنسان من متوسط فلابد أن يكون ذلك المتوسط بما نشاهده ونراه حتى يتقرب إليه، والروحانيات ليست كذلك، فلابد من متوسط بينها وبين الإنسان، وأقرب ما إليها هياكلها فهي الآلهة والأرباب المعبودة، والله تعالى رب الأرباب، وإليها التوسل والتقرب، فإن التقرب إليها تقرب إلى الروحانيات التي هي كالأرواح بالنسبة إليها.
ولاجرم أنهم دعوا إلى عبادة الكواكب السبعة السيارة، ثم أخذوا في تعريفها، وتعريف أحوالها بالنسبة إلى طبائعها، وبيوتها ومنازلها... ثم تقربوا إلى كل هيكل وسألوا بما يناسبه من الدعوات... والهياكل عندهم أحياء ناطقة بحياة الروحانيات التي هي أرواحها ومتصرفة فيها.
الفرقة الثالثة ( أصحاب الأشخاص) :
وهؤلاء زعموا أنه إذا كان لابد من متوسط مرئي فالكواكب وإن كانت مرئية، إلا أنها قد ترى في وقت دون وقت، لطلوعها وأفولها، فدعت الحاجة إلى وجود أشخاص مشاهدة نصب أعيننا تكون لنا وسيلة إلى الهياكل، التي هي وسيلة إلى الروحانيات،التي هي وسيلة إلى الله تعالى، فاتخذوا لذلك أصناماً مصورة على صور الهياكل السبع، ودعوه وسألوه بما يناسب ذلك الكوكب في الوقت والمكان.
الفرقة الرابعة ( الحلولية) :
وهؤلاء زعموا أن الإله المعبود واحد في ذاته،وأنه أبدع أجرام الأفلاك ومافيها من كواكب، وجعل الكواكب مدبره بما في العالم السفلي.
فالكواكب آباء أحياء ناطقة، والعناصر أمهات، وما تؤديه الآباء من الآثار إلى الأمهات تقبلها بأرحامها، فتحصل من ذلك المواليد وهي الكواكب والأله تعالى يظهر في الكواكب السبعة، ويتشخص بأشخاصها، من غير تعدد في ذاته، وقد يظهر أيضاً في الأشخاص الأرضية الخيرة الفاضلة، وهي ماكان من المواليد... وزعموا أن الله تعالى يتعالى عن خلق الأشياء الخسيسة الدنية كالحشرات الأرضية ونحوها.
وأخيراً يتضح لنا أن اسم الصابئة أو الصابئين ليس خاص بطائفة معينة، وإنما هو اسم عام يندرج تحته عدة فرق، لكل فرقة معتقدها الخاص بها وإن كان جميعهم يؤمنون بوجود الله الخالق.
ويمكن تقسيم الصابئة إلى :
1. الصابئة المندائيون – أصحاب الروحانيات .
2. الصابئة الحرانيون – أصحاب الهياكل.
3.) الصابئة الهنود – أصحاب الأصنام ( الأشخاص .
والفرقة الأولى – الصابئة المندائيون – هم الفرقة الحية الموجودة حالياً في العراق وإيران، وأما الفرق الأخرى فلم يعد لها وجود وكان آخر الفرق المنقرضة الصابئة الحرانية.

الخميس, 19 شباط/فبراير 2015 13:37

بيــن الصبــاغــة والتعــميــد


" مصبوتا، ماميدوتا"

 

هذان المصطلحان معتمدان في النصوص الدينية لعدد من الأديان، ولذلك نجد أن استخدامهما يزيد على مجرد المعنى اللغوي الذي كان الأساس في الإشتقاق والإعتماد. فكيف نفهمهما ونفرق بينهما؟
أما كلمة صباغة "مصبوتا" فتقوم على الفعل صبغ "صبا" الذي ترد له إستخدامات عديدة في اللغة العربية يتأسس أغلبها على التغيير. وهذا التغيير يكون في اللون، ولكي يحدث لابد من الغمس في مادة الصبغ. وعلى هذا صار الصبغ يعني الغمس. ومن ذاك ما يرد: صبغت الناقة مشافرها في الماء إذا غمستها، وصبغ يده بالماء إذا غمسها به (لسان العرب). والإستخدام في العامية العراقية مازال معتمدا في تعبير (سبع إيدك) بمعنى إغمسها في الماء والـ( سبع والصبغ كلمة واحدة بقلب العين غينا). ويشير البعض إلى أن الصبغ يجب أن يتضمن التغيير والإ ما الفائدة فيه! وهم بذلك يرون أن أساس الكلمة يقوم على التغيير ويستندون إلى ما يرد في كلام العرب: صبغوني في عينك بمعنى غيروني عندك. وصبغ الثوب، فإن لم يتغير لونه فلم يصبغ. واصطبغ بمعنى إتخذ الصبغ.
ويجدر التنويه هنا إلى أن الصبغ غير الطلاء. فالصبغ هو أن ينفذ الصبغ في المصبوغ. أما الطلاء فهو إكساء خارجي للمصبوغ بمادة الصبغ. الأول يتضمن القبول باستعداد موجود أصلا للتشرب بمادة الصبغ حتى يكون اللون جزءا من الشيء. أما الثاني فمفروض ولا يشكل إلا طبقة خارجية طلائية دون أن تتغلغل في المادة أو الشيء. ولذلك يقال صبغة الشعر وطلاء الأظافر. أما صبغة الشعر فلآن الشعرة هي عبارة عن أنبوبة ماصة تقبل تشرب السائل بلونه، وهي كالفتيلة المصنوعة من القطن أو الصوف أو البردي (مواد عضوية) التي تتشرب النفط فتشتعل دون أن تحترق وتكون موصلة لمادة الإشتعال. أما الأظافر وأمثالها، فمادة متقرنة وغير مسامية وهي لا تقبل الصبغ، بل تقبل الطلاء. ومثلها مثل الأسلاك الصناعية إذا وضعت في النفط فإنها تحترق ولا تشتعل، بل يزيد النفط من سرعة إحتراقها. واكتساب اليد الصبغة بالحناء مثلا لا يزول بالقشط مثل إزالة طلاء الأظافر بالقشط أو بمادة مزيلة ( كالأسيتون)، وذلك لأن أدمة الجسم قد تشربت الصبغة، وإزالتها يتطلب الحك الذي يزيل بعضا من الأدمة، أي تكون بإزالة المصبوغ وليس الصبغ.
وعلى هذا فإن الصباغة في المندائية إنما هي لإكتساب لون جديد أو تجديد اللون. ولكن أي لون يكون فيها؟ إنه لون الماء. أليس الماء عديم اللون والطعم والرائحة، وهذا سر إعجازه؟ بل اللون فيه هو الشفافية لكي لا يتمايز الناس فيه بألوان خارجية حسب ما يشربون، أو يتوحدون باللون حين يرتمسون أو ينغمسون فيه. وأكثر من ذلك أن لونه لون النور ذلك أن الماء من النور، والإنغماس فيه يعني الإنغماس في النور وكسب لونه لمن يعمد الإصطباغ به واكتساب صبغته.
من هنا صارت الصباغة في المندائية أساسية، فهي شعيرة لإكتساب النور وقبول صبغة الحي النورانية الشفافة. وتذكر النصوص المندائية أن هذه الصباغة إنما هي رسم قائم في عالم الأنوار أولا، أصبغ بها ملك النور من نوره الملائكة والأثريين وأبرزهم الملاك هيبل زيوا. ومما يرد في هذه النصوص:

حينما صبغ ملك النور السامي من ضيائه ونوره
كد صبا ملكا راما اد نهورا من زيوا ونهوارا اد قايمبي
واصبغوا أنفسكم بالصباغة الحية التي أتتكم من عوالم النور
واصبون نشماتكون بمصبوتا هايثا اد إتيتلكون من آلمي اد نهورا.
ومن اصطبغ بصباغة نهر ماء الحي وعلى اسم الحي الأزلي.
ومصبوتا اد يردنا اد ميا هيي اد إل شوم هيي قدمايي إصطبا

والصباغة لا تكون إلا على اسم الحي الأزلي الخالق، وهذا ما يتأكد في الحدث الذي ظهر فيه الملاك مندا اد هيي ليوهانا الصابغ حيث طلب منه أن يصبغه بصبغته وأن يذكر عليه من الأسماء التي يذكرها وهو يعلم أن يوهانا إنما يذكر اسم الحي العظيم.
ولأن في الصباغة إكتساب الصبغة كما يحصل في أول صباغة وتسمى " زهريثا: الحافظة/ الناطرة "، أو تجديد الصبغة كما يحصل في الصباغات اللاحقة كلما أراد الفرد تجديدها واكتساب لون النور بكامل كيانه، ولأنها تأخذ كامل قوامها وتمامها بالإرتماس بمادة الصبغ (الماء)، فقد صارت لدى المندائيين بالإرتماس الكامل. ولأنها تعبير عن ولادة جديدة علامتها الصبغ فقد تحدد لباسها باللون الأبيض الذي يشير إلى شفافية النور فيبقى أبيضا، وبالدخول كاملا تحت الماء حد أن ينقطع التنفس لموت ودحر الخطيئة والولادة الجديدة. ولأن في الصباغة تجديد الصبغة فقد صارت تجرى لأكثر من مرة ولم تتحدد بمرة واحدة كما في المعمودية الماميدوتا المسيحية.
أما التعميد (ماميدوتا) فيقوم على الفعل عَمدَ الذي ترد له معاني عديدة في اللغة العربية أغلبها يشير إلى القصد كما في القتل العمد، والسند كما في العميد والعمدة، والرفعة كما في العمود وأرم ذات العماد. ولم أجد في العربية التعميد بمعنى الإرتماس بالماء، بل يرد: عـَمـِدَ الثرى يعمد عمدا: إذا بلله المطر، فإذا قبضت على شيئ منه تعقـّد واجتمع من ندوته، وكأن التعميد في هذه الحالة هو البلل والنداوة.
ويرد في اللغة السريانية الفعل عمد بمعنى غطس، إغتسل، ومنها أخذت كلمة معمودية بمعنى الغطس أو الغسل. ويشار إلى أن الكنيسة الشرقية قد إعتمدت المعمودية غطسا بالماء لكن الغربية وصلت حد رش الشخص بالماء. أما الكلمة باللغة الإنكليزية
Baptize
فتقوم أساسا على الكلمة الإغريقية
Baptizo
التي تعني الوضع في الماء من أجل التنظيف والتطهير وهي لا تحدد إن كان ذلك بالغمس أو الطمس تحت الماء. وقد اعتمدت الكلمة وشاعت تأسيسا على الصباغة التي قام بها يوهانا الصابغ لعيسى المسيح، مع ان النص في المندائية الذي يطلب فيه عيسى من يوهانا الصابغ يذكر كلمة مصبوتا كما يرد في الكنزا ربا:
جاء عيسى المسيح طالبا بتواضع صباغة يوهانا الصابغ
أتي إيشو مشيها بمخيخوتا ماسكي بمصبوتا اد يوهانا مصبانا.

ويميز المندائيون بين المصبوتا والماميدوتا بأن الأولى تكون في المياه الجارية في حين أن الثانية تكون بمياه مقطوعة. فيرد في النص المندائي:
ويعمدهم بمياه مقطوعة: وبميي فسيقي ماميديلون.
كما ان الأولى تكون باسم الحي العظيم، أما الثانية فتكون باسم الروح القدس فيكون تعميدا مخجلا: ماميدوتا اد هِزدا.
ومع عشرات المرات التي يرد فيها مصطلح مصبوتا في الكنزا ربا والإشتقاقات القائمة على الفعل (صبا)، الذي يرى الصابئة المندائيون أنه الأساس الذي قامت عليه كلمة "الصابئين" في القرآن الكريم، إلا أن كلمة (ماميدوثا) لا ترد إلا مرة واحدة ( ومصبوتا اد إصطبوبي بيردنا نِترِصا لماميدوتا اد هِزدا: الصباغة التي يصطبغونها بالماء الجاري أصلح من المعمودية المخجلة.
يقوم الفرق إذن على أن الصباغة مصبوتا إنما لغرض إكتساب صبغة جديدة أو تجديد صبغة الفرد بالماء الحي، ولذلك هي صبغة حية لونها شفاف من النور، في حين أن التعميد ماميدوتا هو مجرد غمس في الماء أو طلاء فيه ليس باسم الحي ولا بإجراءاته المثبتة المعتمدة بطقس كامل بما يقرب النفس والروح من الإيمان. ونحن اذ صرنا نستخدم كلمة تعميد في لغتنا، فنرى أن الأصوب دينيا هو إعتماد كلمة صباغة أو الكلمة المندائية مصبوتا كما يعتمدها الأكاديميون الغربيون عامة.
أما في القرآن الكريم فيرد النص "صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون" البقرة 138. وتشير التفسيرات أن معنى كلمة صبغة هو الدين والفطرة والأصل، والبعض يذهب إلى أن الصبغة بمعنى العلامة وإشارتها الإختتان مع أن الإختتان لا يرد في القرآن.
والأصوب أن صبغة الله بمعنى فطرة الإيمان بالخالق التي فطر عليها خلقه، وهي داخلية بالإيمان وليست خارجية بالألوان. ويتفق نص الآية مع ما يرد في المندائية من أن الصباغة إنما يجب أن تكون باسم الحي، لتكون صبغة الله، وبمادة الحياة الماء الجاري، فإن توقف الماء صارت الصباغة فيه طلاءً.

بشميهون أد هيي ربي
ونحن نعيش الأجواء الروحية لهذه المناسبة الجليلة , نرجوا هيي ربي قدمايي أن يحفظ وينصر المندائيين في كل مكان في المعمورة ,ويبعد الشر عنهم , وكل عام وأنتم بالخير والاخلاص والثبات على مندائيتكم تذكرون آبائكم ومعلميكم الأولين .
يتسائل الكثير منا, لماذا تميزت هذه المناسبة بعمل طعام الثواب من هرس السبعة من أنواع الحبوب المختلفة ؟ ولم يكن من الأسماك التي كانت تحيط بالفلك الطائف فوق الماء, أو من الطيور الكثيرة التي رافقت الفلك ؟ وكيف نبرهن على إن هذه المناسبة تخص حدث فناء العالم بالطوفان ؟
بحسب تفسيري الخاص ووجهة نظري والتي ربما أكون غير صائبة بها , لذا متمنيةٌ من معلمينا ومن ذوي الأختصاص إعطاء تفسير مقنع ودقيق لها .
اعتقد إن إختيار السبعة حبوب لعمل طعام الغفران من قبل سيدنا نوح وأبنه سام مباركة أسمائهم, لم يكن عبثي وغير مقصود, لا سيما وهم خيرُ من يحسب للأعمال وغايتها وهدفها.
1 ـ أن السبعة أنواع من الحبوب المجففة المختلفة والتي كل واحدة منها له فائدة خاصة به, تمثل السبعة لأسرار اليردنا السماوية والتي كل سر فيها يختلف عن الآخر, كما هو واضح في السؤال الذي ورد في ديوان اسوثا وأمهثا أحد دواوين مجموعة ألف وأترسر أشياله { هازن يردنا أنات شايلت أبشوا رازا أمبلغ هاد أبهبارا لا دَمي و انين لشميهون أفرشنن } , { هذه اليردنا الذي أنت سألت عنها متكونه من سبعة أسرار, واحداً لا يشبه الآخر , نحن عن أسماءها قد شرحنا } ترجمة الأستاذ الباحث سليم البريجي .
2 ـ بما إن الفناء الأخير سببه الماء, والكل يعرف بأن الماء هو كائن حيّ , ولكن لايملك روح بل يتجدد وينعش ذاته بطاقته الحية, كذلك النبات كائن حيّ ينمو ويعيش بالطاقة الحية, وبهذا تكون طبيعت الأثنان متقاربة, فجاء أختيار النبات.
3 ـ و لكون الحدث سببه الماء, اصبحت أسرار اليردنا السبعة "والتي موجودة ضمنياً في الحبوب المختلفة السبعة " كفيلة لتُعين الأرواح التي نالت حتفها في الماء, في صعودها الى عالم النور بمسقثا واحدة .
4 ـ من هذا يمكن أن نبرهن أن تذكار الهريس هو ذكرى لفناء الجيل الثالث بالطوفان وخاص به, ولاريب من إتخاذه كذكرى لكل أضطهاد وأبادة جماعية تعرض لها المندائيون على مدى التاريخ, واستذكار الأرواح المندائية وعمل الهريس لوفاني وطلب الرحمة والغفران لها مع رفع الصلاة والتراتيل الدينية الخاصة بهذه المناسبة .
أتمنى أكون قد أصبت ولو بجزء بسيط من حقيقة هذه المناسبة الجليلة والمؤثرة وجدانياً على نفوسنا جميعا.


السويد

الثلاثاء, 23 كانون1/ديسمبر 2014 15:38

الماء ... حياة وطقوس

لقد شغلت عناصر الطبيعة واحداث الحياة الكبرى مثل النار والشمس والماء والريح والولادة والموت والحب .... الخ ، الحيز الاهم والاكبر في مجال الابداع البشري ، ويعد الماء في مقدمة اهتمامات الانسان وعنايته منذ عصوره المبكرة ، والماء هي الينابيع والعيون والسواقي ، النهر الجاري والبحر والمحيط وكل ما يتعلق بها ، فكل شيء حي مبعثه الماء ، وبقاء الانسان مرهون به ودوام الحياة الحيوانية والنباتية مرهونة به كذلك .
اعتقدت البشرية منذ الوهلة الاولى بان الانهار تأتي من منابع مجهولة ولابد ان يسيطر على هذا المجهول ويتحكم بمقدراته أحد الالهة ومن هنا أبتدع الاقدمون أسطورة ألهة الماء او النهر ، واذا كانت قصة الطوفان حقيقية لورودها في الكتب الدينية المقدسة فانها مع ذلك عززت الاعتقاد بقوة أله البحار الاعظم ( نيتون ) الذي يوصف بالقتامة والتقلب ولكنه في الوقت نفسه يتميز بالخصوبة وفق هذه المعتقدات ، فأن نيتون يستعين بحيوانات الدرافيل التي تعمر سلالتها مياه البحار ، ولقد لاحظنا ذلك من خلال مشاهدتنا للفلم التاريخي ( حروب طروادة ) ، وما تمثله الملحمة اليونانية - الاوديسة - للشاعر والمورخ اليوناني فرجيل من ابداع ادبي ، التي تحكي قصة ملك اثيكا – اوديسيوس - ومغامراته في البحار قبل 3200عام ، والدور الكبير الذي لعبه اله البحار ( ابسيدون ) في ارجاعه الى وطنه الام - اثيكا اليونانية ، بعد مرورعقد من السنوات .
وسوف تستعيد ذاكرتنا ايضا نذور المصريين القدامى لنهر النيل ، حيت ترمى العرائس تطيبا لخاطر الالهة واساطير الماء كثيرة ، فهناك مثلا أسطورة ( ديكاليون ) واسطورة (أوليس ) وغيرها وجميعها تتحدث عن امتلاء البحار والمحيطات بالوحوش والمخاطر والفخاخ التي لا يتحكم بها اله واحد بل مجموعة الهة وهكذا كانت كل ظاهرة غريبة او مجهولة تستدعي تفسيرا ... ولان التفسير كان رهن العلم ، والعلم لم يبلغ شوطه النهائي ، فقد كانت الاسطورة تتولى المهمة .
وفي هذه الحالة لا يمكن ادخال الاسطورة في دائرة ( الايتولوجيا - علم تعليل الاسباب ) ونخضعها للمعايير المنطقية والنقد المنهجي الموضوعي كونها قوة حطمت أخر الزمان والمكان كالحلم تماما فهي مرتع خصب للمشاعر الانسانية اللاارادية وتعبير عن وعي الانسان وقدراته الخلاقة ، وتراكمات كمية موغلة بالقدم ممتدة نحو الحاضر ما أمكنها الامتدادة ، ولقد اعتبر ( فريزر ) ان مرحلة الاسطورة متقدمة اذا ما قيست بمرحلة السحر التي سبقها حيث كانت مرحلة الاسطورة ارهاصأ لظهور الفكر الفلسفي ثم العلمي .. وكما تصارع الموجة العرضية عوامل تلاشيها ما امكنها .. فأن الاسطورة ايضا تبقى سابحة في ملكوت الخيالات المجنحات طاردة عوامل فنائها وكل ما يحد من اتساعها حتى يؤطرها من خلال تدوينها وبالتالي مرأة للشعب الذي ابتدع نواتها وللشعوب التي شاركت في صياغتها واضافت اليها من عذريتها .
اما السحر فيعرفه فرويليش : بأنه ( مجموعة من التقنيات التي تسمح للاختصاصي الذي تعلمها بأن يؤثر على العالم المرئي وغير المرئي بفضل سيطرته على القوى المختبئة ) .في الماضي السحيق او الحاضر والامثلة على هذه الحالة كثيرة .
ويرى البعض ان الاعتقاد بوجود هذه القوى الخفية بدأ مع نزوح الانسان من المملكة الحيوانية ، وان وجود هذه القوة كان مرتبطا بقوى غريزية حادة ، وان هذه القوة كانت اكثر نشاطأ عندما كان الانسان متوحشأ منعزلا صيادأ وتضاءل الاحساس بها كلما دخل في اطار الحضارة والتجمعات البشرية والاستقرار ، اي ان السحر هو اعتقاد وتقنية معا ، ولذلك يقوم على وجود القوة الخفية والاعتقاد بها ثم على طقوس تقنية تنفذ ذلك الاعتقاد ، وهذا ما يجعله مختلفا عن الدين الذي هو اعتقاد بقوى غيبية في الكون يجب الايمان بها والخضوع لها ، اي ان السحر يختلف عن الدين في نوعية المعتقد ، فالقوة الخفية في الدين خارجية وتجسيدها كائنات الهية اوكائن الهي هي التي تسيطر على الانسان وترسم له مصيرة ، في حين ان القوة الخفية في السحر تكمن داخل الانسان وان وجدت خارجه فانها تظل مرتبطة به بطريقة ما ، ويمكن السيطرة عليها وتحريك الكون كله بها ، ثم ان الدين يتضمن بالاضافة الى المعتقد والطقس ، الاسطورة ، في حين يخلوا السحر من الاسطورة .
ويحكي ولاس ويدج في كتابه ( السحر المصري ) حوادث خارقة مثل شق موسى مياه البحر وعبوره مع قومه ، التي يرجعها يدج الى حادثة اسبق مدونه على بردية ، كتبت أبان الفترة الاولى من السلالة الثامنة عشر الفرعونية عن الساحر – تشاتشا- ايم- غنج - الذي صنع حائطين من مياه النهر التي كانت على عمق 12م واصبحت على علو 20م ليبحث عن حلية لاحدى نساء الملك سقطت في الماء .
ان هدف الساحر بصورة عامة هو فرض ارادته على الطبيعة والالهة والانسان ، وان الساحر بشكل خاص والانسان بشكل عام يمتلك قوة خفية يسميها ( س ) يصل الانسان بها الى ما وراء الحاضر ، وهي ليست حاسة سادسة بل قدرة عادية من قدرات الوعي التي يرى بأنها مفتاح التجربة الغيبية .
لكن الهدف هو الوصول الى مفهوم علاقة الماء بالحوادث الكبرى في الطبيعة ، حتى وصل الاعتقاد وما يزال الى علاقة الكواكب السبعة المعروفة ويسمونها كالهة ، ويعتقدون ان حوادث العالم كلها من افعالها ، وقد اتخذت تلك الاساطير والخرافات وما خالطها من الطلاسم والممارسات السحرية عدة امتدادات دينية وعرقية خلال مساراتها التاريخية ، وللتامل يلاحظ مثلا ان طقوس التعميد وهي طقوس تنشأ في المجتمعات التي تعيش على ضفاف الانهار الكبيرة كنهر الغانج في الهند ، وكذلك الحضارات القديمة في بلاد الرافدين وبلاد الشام وقد تسربت الى كل من الصابئة واليهود والمسيحية مع كثير من الطقوس والتعاليم الطوطمائية عن طريق الثقافة البابلية العريقة ، ومن الجدير بالذكر من ان الديانة المندائية قد تطورت نحو الاسمى ، واثرت تاثيرا كبير على الديانات الاخرى اللاحقة .
في الاناجيل هنالك عدد من الاشارات والرموز السرية القديمة التي تربط الابن المخلص بالشمس وميلاده بميلادها ، ومنها حادثة اعتماد المسيح بمياه نهر الاردن ، فعماد المسيح هو ميلاده الثاني ، وكل مسيحي يجب ان يولد ثانية بعد التعميد بالماء : ( الحق اقول لكم ، ان كان احد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله ).
اما عن حادثة الاعتماد فنقرا ( حينئذ جاء يسوع من الجليل الى نهرالاردن الى يوحنا ليتعمد منه ، ولكن يوحنا منعه قائلا : انا محتاج ان اتعمد او اعتمد منك وانت تأتي الي ؟ فأجاب يسوع وقال له اسمع الان لانه هكذا يليق ان نكمل كل بر ، حينئذ سمح له ، فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء واذا السماوات قد انفتحت له ، فرأى روح الله نازلا مثل حمامة واتيأ اليه ، وصوت من السماوات قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ) . وفي الحقيقة فان طقس التعميد او الاعتماد الذي كان معروفا في الديانات السرية ، يرجع في اصله الى عبادة اله الماء السومري – البابلي (أيا) الذي يعني اسمه اله بيت الماء ، وكانت طقوس الاعتماد (التعميد ) بالماء تتم في معبده ، بيت الماء ذلك ، وكان البابليون يرمزون للاله ايا بحيوان خرافي نصفه الاعلى لجدي ونصفه الاسفل لسمكة ، كما كانوا يرمزون لبرج انكي السماوي بنفس الحيوان ، وهذا البرج مازال معروفأ الى يومنا هذا ببرج الجدي ، وهو البرج الذي لاحظ البابليون القدماء ان الشمس تدخله وقت الانقلاب الشتوي لتجتازه بعد ذلك صاعدة في دورتها الجديدة نحو منتصف السماء . فاذا علمنا ان الاسم الذي عرف به الاله انكي في الفترات هو (اوانيس ) الذي يلفظ باليونانية ( ايوانيس ) وباللاتينية ( يوحانيس ) وبالعبرية ( يوحنان ) لأدراكنا العلاقة السرانية بين اله الماء انكي ويوحنا المعمدان في الانجيل ، وهذه العلاقة انما تربط في الوقت نفسه بين يوحنا المعمدان الذي يعمد بالماء وبرج انكي الذي تمر فيه الشمس قبل ولادتها الجديدة في السماء ، وبرج انكي الذي تمر فيه الشمس قبل ولادتها الجديدة في السماء ، وتجعل من حادثة اعتماد السيد المسيح انعكاسأ للحدث الفلكي ، فالسيد المسيح بعد اعتماده بماء الاردن على يد يوحنا المعمدان ( يهيا يهانا ) وولادته الجديدة ، يصعد من الماء ويجتازه ليهبط عليه روح القدس بهيئة حمامة بيضاء ، ويكرسه ابنأ للاله وقاهرأ برسالته للظلام ، تماما كما تلد الشمس في يوم الخامس والعشرين من ديسمبر مجتازة برج الماء في ميلادها السنوي الجديد . ومن المتعارف عليه ايضأ ، ففي منتصف القرن الثاني من ظهور الناصري - السيد المسيح - الى تبديل شعار السمكة الذي كان يتعارف به التلاميذ والاتباع على بعضهم لدى المصافحة والذي كانوا يرسمونه على عتبات بيوتهم او يدونونه في مراسلاتهم ، فأحلوا مكانه شعار الصليب الذي لم يزل شعار المسيحيين المتداول ، فمن المعروف بأن يسوع بارك السمك ، لاجل ذلك جعله التلاميذ شعارهم ، كما انه من المعروف بأن الصليب هو اله العذاب حتى الموت المخصص للمجرميين ، والخارجين عن القانون انذاك ، وابدال السمكة بالصليب هو تكريس لانتصار اليهودية على تعاليم السيد المسيح .
وعنصر الماء اهميته العلمية والدينية في الديانة المندائية كونه العنصر الضروري لجميع الاحياء . خلقة الحي العظيم من العالم النوراني وجعل له دورة ثابتة لاستمرار الحياة .
فالمعمودية : هي لفظة ارامية دخلت اللغة العربية واستخدمت بصورة خاصة في اللهجات العامية في العراق وسوريا ولبنان حيث استوطن الاراميون ، والتي تسمى بالمندائية بالتعميد او ( الصباغة) ، والتي هي عبارة عن رمزا للحياة لان الماء الجاري ( اليردنا ) كمطهر للخطيئة الطقسية والخطأ الخلقي ، وفي الميثولوجيا المندائية تعتبر المصبتا طقس سماوي وليست ارضية ، فالمصبتا تمارس من قبل جميع الملائكة حسب المعتقد المندائي في عوالم النور ، لغرض الارتقاء بالعلم والمعرفة الى عوالم انقى والتبجيل الدائم للحي الازلي العظيم ملك الانوار ، بالاضافة على منح الجسم المادي الصحة والعافية والقدرة على المواصلة ويخلص الانسان من قوى الموت ويعد بحياة خالدة ابدية .
كذلك نجدها في الاديان الاخرى في اليهودية و المسيحية و في الممارسات والفكر الديني الاسلامي وفي قوله تعالى : ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ) .
والطهارة كانت موجودة لدى طائفة الاسينيين حيث وجدت الحمامات المرتبة باحواض خاصة باجراء طقس الغطس في الماء الجاري التي هي عبارة عن شكل من اشكال التعميد التي كانت تمارس في اداء هذه المراسيم عند جماعات اورشليم و دمشق وقمران ، كذلك عند طائفة الكأسيين في القرن الثاني قبل الميلاد .كما كانت تمارس ايضا عند طوائف البحر الميت في فلسطين باسم المصبتيين ، بالاضافة الى هناك طوائف اخرى كانت تمارس طقس التغطيس في الاردن باعتباره نهرا مقدسا . وكان يجرى ايضا في العراق في بابل تحديدا وفي مصر .
اما تحليله الكيميائي فهو يتكون من اصرة واحدة من غاز الاوكسجين واصرتين من غاز الهايدروجين وهوعديم اللون والرائحة والطعم ، والذي لايمكن الاستغناء عنه من قبل جميع الكائنات الحية ، ونسبة وجوده في الطبيعة قرابة ثلاثة ارباع الكرة الارضية اي ما يعادل 70% منها .
فالانسان يتكون من نسبة كبيرة منه ، وجعل الماء له مصدر غذاء ، وسخره ليلعب اهم دور واخطره في دفع عجلة الحياة والمحافظة عليها . والماء مع ذلك مكون انسجة النبات والحيوان ، ومن هذه الانسجة نستخرج أطيب الاغذية وانجح الادوية ، وصارت بذلك النباتات والحيوانات من اهم مصادر العلاج الطبيعي ويرجع الفضل في ذلك الى الماء باعث الحياة ، فهو ينبوع الحياة وقوتها وليست الارض بدونه الا صحراء قاحلة ،هذا بجانب كون الماء نفسه دواء وعلاجا طبيعيا لكثير من العلل والامراض ( الماء الجاري دواء يفوق كل انواع العلاج ) كما جاء في الديوان المندائي ( ترسرالف شيالة ).
وكل ذلك يضيف للماء قيما طبية متعددة وفوائد علاجية كثيرة ، فالماء ضرورة من ضرورات الحياة وهو عامل اساسي فيها لا.هذا بالاضافة الى فوائد كثيرة لا يمكن احصائها في كل مجالات الحياة . اما الناحية الدينية فالماء مقدس في جميع الاديان قاطبة القديمة والحديثة ، فهو في مرتبة عالية في الممارسات والفكر الديني الاسلامي ( وخلقنا من الماء كل شيء حي ) ، أي انه اساس لكل شيء حي ، وهذا تقديس كبير للماء ، وفي الديانة المسيحية فالماء عنصر مهم في إقامتها لمراسيم التعميد ولا يستعاض عنه ، ( كما ان السيد المسيح تعمد بالماء الجاري على يد النبي يحيى يوحنا ، فكان لهذا التعميد أثره الخاص بالمسيح وبالكنيسة من بعده ) .اما الديانة اليهودية فالماء عندها مقدس تقديساً كبيراً وهذا يظهر جلياً واضحا في مراسيمها الدينية وفي فكرها ( روح الله يرف على وجه الماء ) .
كذلك الهندوس الذين لهم طقوس كثيرة ومشهورة والمقامة في الماء والذين يرون ان الاغتسال في نهر الغانج ينبغي ان يسبق اي عمل ، كذلك عند ملة السيخ الهندية وقبائل الرام رام في الهند ، وفي القرى القبطية المصرية في صعيد مصر يتجهوا صوب نهر النيل في ليلة رأس السنة الجديدة ويخوضوا في الماء وقد توارثوا هذا الطقس منذ الالاف السنين عن الفراعنة ، وكانت اديان الاغريق تفرض على الفرد طقوسا مماثلة للتخلص من الذنوب والخطايا .
دمتم بخير
المصادر :
- الشيخ الجليل الريشما ستار جبار حلو / دراسة / المصبتا المندائية
- الترميذا علاء كاظم نشمي / دراسة / المصبتا /1
-مصطفى حمودي – من جلجامش الى نيتشه بحث في الثقافة العالمية .
- خزعل الماجدي – بخور الالهة .
- كولن ولسن – الانسان وقواه الخفية .
- فراس السواح – لغز عشتار .
- محمد نمر مدني – انهم يعبدون الشيطان .
- جود ابو صوان – القراءات الملعونة .

 

من ديصاي الصغير أتعلم ، جالس بين ماء وماء ، انا دنانوخت .. الكاتب الحكيم .. حبر الالهة الفخور المتكبر ، كتبي بين يدي ، وسجل ذكرياتي على ذراعي ، في الجديدة أتامل ، ومن القديمة أتعلم ، فأُميز ما كان ، وما هو كائن ، وما سيكون .
ديصاي الصغير سقط أمامي ، فتحته ، وتأملت فيه ، صغير هو ... لكن كبيرة اقواله ومعانيه ، بحث في القصر العالي ...) من هذه الصورة التعبيرية نستشف ان المعرفة والحكمة الاساس كانت من ديصاي الكلمة .
تتردد دائماً في تاريخ الشعوب منذ الاف السنيين أسماء رجال وشخصيات كبار تركوا أثاراً لهم في الفكر والحضارة الانسانية تتناقلها الاجيال وتضيف عليها صفات عديدة قد يشترك في تكوينها كثير من الاجيال في عصور وامكنة مختلفة ، وقد تختلف حول ماهية هذه الأسماء وحول مزاياها وقيمها وافكارها ولكنها تبقى نبراساً لامعاً يضيء الطريق لنا وللاجيال اللاحقة لنستشف منها العبرة والموعظة والكلمة الطيبة والمفيدة على مدى الايام .
ومن بين هذه الاسماء الكبيرة واللامعة الفيلسوف والحكيم والشاعر برديصان الارامي ( 154- 222 م) ، ولدت أفكاره في بيئة الرها ومن افكار الأسينيين في اورشليم والشام والتي أنتقلت الى بابل وطيسفون ( المدائن ) .
ولد هذا الفليسوف والحكيم الخالد وابن مدينة الرها على ضفة نهر ديصان ( الوثاب ) فسماه والده ( برديصان ) ابن النهر ديصان تيمناً بقدسية النهر المذكور . وكانت أمه حبلى به عندما هاجرت إلى الرها وولدته على ضفاف نهر ديصان المار بالرها لدى وصولهما إليها فسمياه برديصان أي بمعنى "ابن ديصاي". وقد لقب نسبه المؤرخون الرومان والفرس القدماء إلى عدا مناطق فدعاه سيكستوس يوليوس أفريكانوس ب"البارثي" بينما لقبه فرفريوس بالبابلي، كما لقبه هيبوليطس الرومي بالإرمني .
وكان والده آرامي الاصل من اربيل عاصمة حدياب ، ثم هاجر الى الرها عام ( 154) م وعاش في الرها حتى عام (163م) ، ثم ارتحل مع ابنه ليدرس الفكر الديني السائد انذاك والفلسفة اليونانية في مدينة منبج (هيرابوليس ) على يد الكاهن الارامي قدوس ( Kaddos ) ، فتعلم اللغتين اليونانية والعربية وتعاليم الديانة الفيثاغورية ، وتاثر برديصان ايضا بالفلسفة البابلية التي كانت منتشره هناك ، وتعلم نظم الشعر اللازم للطقوس المانوية ، كما تعلم الفلسفة وعلم الفلك ورصد النجوم ومارس الرماية ، وفي عام (179م ) عاد الى الرها والى بلاط بار الابجر معنو الثامن ( 179- 214 م) ، وكان الحاكم العربي للرها انذاك ، والذي تلقى تعليمه في طفولته وشبابه معه ، انتقل برديصان إلى منبج بسبب انتشار القلاقل السياسية في الرها وهناك في عمر الخامسة والعشرين حدث أن سمع برديصان موعظة ل"هيستاسبس" كاهن الرها فتأثر بها وتعمد على يده كما تذكر الكتب اليسوعية . وخلال تلك الفترة تمكن رفيق طفولته أبجر التاسع من الوصول إلى الحكم في الرها فعاد برديصان إليها واحتل مركزا هاما في بلاطه الملكي .
وكان برديصان يؤمن باله واحد خالق الكون والانسان والدور الكبير للملائكة في الحرية والعبادة ، ويتكون الانسان في رايه من عقل ونفس وجسد ، والجسد يتأثر بتدبير النجوم والكواكب السيارة في الحياة وبعد الموت ، بينما الانسان الحر في ارادته لهذا يعاقب تبعاً لاعماله في الحياة بتطهير روحه ، ثم ترتفع روح الانسان الى عالم النور البهيج .
وكما ورد في اللاهوت المندائي حول هذه النقطة ، التي تمثل الرموز الثلاثة المذكورة ، بمعناها الديني صيرورة الانسان من ابناء النور واكتساب الخلود الروحي ، والارتقاء في عالم الانوار عن طريق الاتحاد بالشبيه وبالمعرفة الحية ، والتي يمثل في مضمونها وحدة الانسان ( نفس وروح وجسد ) اي ( نشمثا و راها و بغرا ) بمكوناته الثلاثة ليكون كاملا في عبادته وتسبيحه للحي العظيم ، والتي تمثل النفس بمعانيها السامية نسمة الحي العظيم وهي كائن نوراني موجود في عالم النور ، اما الروح هي صفة مكملة للنفس وتتمثل بالغريزة التي يسيطر عليها عوالم النور ، اما الجسد عبارة عن وعاء يضم النفس والروح ليكون بمكوناته الثلاثة رسالة الحي العظيم المباركة في الحياة .
فبرديصان حسب تعاليمه يعتبر رائد الفلسفة والحكمة الغنوصية ، ونتيجة لهذا رفض رجال الكنيسة المسيحية تعاليمه واعتبروها نوع من الهرطقة او الزندقة في المفهوم العربي ، لانه ربط بتعاليمه النيرة فكرة الخلاص الانساني بالمعرفة الالهية و( الناصيروثا ) التي تعني العلم والمعرفة وكلمات الحق والصدق التي جاءت من موطن النور، فان تعاليم الخلاص المندائية ( الناصورائية ) تجسدت في تخليص النفس من محطات التطهير والعودة بها من تيبل ( الارض ) الى موطنها الاصلي عالم النور ، والتي تمثل ذات اللاهوت المندائي في الغنوصية ، وهي نفسها التي كانت تكفرها الكنيسة ، ولا تعترف بنعمة الخلاص اي الفداء الذي قدمه السيد المسيح من اجل الخلاص اي خلاص البشرية من الذنوب وحصول الذات على الحرية .
لقد تجسدت الثنائية في الادب المندائي في حالتين وهما : جانب عالم النور ( آلما دنهورا ) والكائنات النورانية ، وفي الجانب الاخر عالم الظلمة ( آلما دهشوخا ) والكائنات الشيطانية ، ان الظلام خصم للنور ، لانهما يمثلان الشمال واليمين ، روح ونفس ، شمس وقمر، ليل ونهار ، ارض وسماء .
وحسب هذه النظرة فإن هذين المبدأين مُهمين ويحتاج بعضها البعض ، وبكلمة اخرى إنهما مكملات لجسد واحد ، الخير والشر موجودان منذ البداية ، وقد اكدت المعتقدات المندائية القديمة على هذه الناحية الجوهرية بالقول : لقد انبعثت عوالم النور والكائنات النورانية من ( مانا الجبار ) او الحياة ، بينما انبعثت عوالم الظلام والكائنات الشيطانية من اللاتكون او من المياه السوداء او المياة الآسنة .
كانت العلاقة بين برديصان وماني فيلسوف بلاد فارس علاقة بما يمثله ماني باعتباره النور العظيم الاول حب وايمان ومرؤة وحكمة ، ولادته في عام 216م على الارجح في مدينة كرخا اي مدينة ميسين قرب المحمرة الحالية ، ويرجح ان اهله انتقلوا بعد ذلك الى مدينة جند يشابور اي ( بيت لافظ ) . يعد الداعية ماني شخصية جدلية ، سواء طريقته في ابتكار المانوية او دعوته بالنبوة او في حياته الشائكة او في وفاته الغامضة ، برزت المانوية كما هي المزدكية في العراق وفارس في منتصف القرن الثالث للميلاد ، حينما دعى الفرس الى دين او مذهب جديد يختلف عن الزرادشتية سمي بالمانوية ، وكانت افكاره الفلسفية قد تأثرت بالمعتقدات الدينية في المنطقة انذاك ومنها الناصورائية - المندائية التي كانت منتشره في جبال ميديا والاحواز واهوار ميسان ، وقد سار على خطى افكار والده فدك الناصورائية ، بعد ان انتشرت افكار الفيلسوف الروماني الغنوصي ( اوريكين ) في مصر وفي طورعادين التي تأثر بها الشاعر والحكيم برديصان الذي كان يعيش هذه المنطقة في تلك الفترة ، لقد اخذ ماني بتعاليم وافكار برديصان الفلسفية والعقائدية وهو يكاد يقتفي أثاره خطوة بخطوة .
لقد ذكره المسعودي ( 325 ) هجرية في كتابه ( مروج الذهب ) : ( ذكر ماني في كثير من كتبه المرقونية والديصانية بل انه أفرد لمرقيون بابا في كتابه المعنون بالكنز (اي كنز الاحياء ) وللديصانية باب في كتابه سفر الاسرار .
وقد عرف افكاره وتعاليمه علماء الكلام المسلمين ودارت ابحاثهم حول معظم ما ذكرته كتب فلاسفة الاغريق والسوريين ، وكان البيروني على اطلاع واسع على الثقافة الارامية والسريانية فهو يقول ( اكد ابن ديصان ان نور الحي قد دخل قلبه ).
كما ذكره الدكتور أسعد صوما أسعد في كتابه : لمحات من تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية في جزئه الخامس ، والذي صدر له كتاب اخر بعنوان ( مار أفرام : حياته ومؤلفاته ) باللغة السويدية في ستوكهولم عام 2005 م ، وهو باحث متخصص في تاريخ السريان ولغتهم وحضارتهم جاء فيه : يذكر الفيلسوف برديصان الارامي الرهاوي ( 222- 154)/ ان القديس الشاعر مار افرام يطلق على برديصان لقب الفيلسوف الارامي وكذلك بفيلسوف الاراميين ، لان السريان لغاية أيار مار افرام في القرن الرابع الميلادي لم يكن يسمون انفسهم سرياناً بل اراميين لكن اليونانيين كانوا يطلقون او يسمونهم سرياناً ، الذي قال فيهً : فهو يعتقد أنه له الكلمة الآخرة.
يا برديصان،
يا ابن نهر ديصان،
يا من فكره سائل (سريع التغير)كسيولة اسمه .
لقد اختلف اللآهوتيون والمؤرخون القدماء حول اعتقادات برديصان وافكاره ، فبحسب كتاباته كان قد حاول ربط مبدأ ( الله ) الخالق والملائكة وتاثير الكواكب والنجوم على بني البشر .
المصادر
- الكنزا ربا - اليمين - كتاب دنانوخت / الثامن
- الثنيوية في التفكير / حسن سعيد الكرمي
- الزندقة والزنادقة / تاريخ وفكر/ محمد عبد الحميد الحمد
- هرمس / المثلث العظمة / لويس مينار
- التاثير الارامي في الفكر العربي / محمد عبد الحميد الحمد
- محمد عبد الحميد الاحمد / الديانة الايزيدية بين الاسلام والمانوية .
- الموسوعة الحرة / ويكيبيديا .
- سيناثي كندوز / ترجمة سعدي السعدي / معرفة الحياة .

 

الأربعاء, 16 تموز/يوليو 2014 14:23

الكراص او العيد الكبير وعيد شوشيان

الكــراص أوالعــيد الكبير وعيد شوشيان ذكرى تجلّي الخليقة الأرضية
مع غروبِ شمس اليوم الاخير من السنة المندائية تبدأُ مراسيم الإجتماع العائلي ، لنحتفلَ ونعيد ذكرى الخليق الارضية . قرابة ال(36ساعة) تتجتمعُ خلالها العائلة المندائية وتتباركُ بقراءة الأدعية والتسابيح المندائية في كتبنا المقدسة، ويقومُ المندائي بالقيام بتخزين المياه وكل الأطعمة والمشروبات في داخل منزله، ولا يختلط بالمحيط الخارجي و لا يمسْ اليردنا خلال الكراص. ويمثل الكراص (الكرصة) عيد رأس السنة المندائية.
وهناك فكرتين لتفسير الكراص:
الاولى تعود الى تصليب الارض وتهيأتها لبداية الحياة الارضية بأمر الحي العظيم ، بعدما كانت مياه آسنة وجزءاً من عالم الظلام .وهنا يحاول الملاك ابثاهيل المُكلّفُ بهذه العملية ان يقوم بها، ولكنه يعجزعن تصليب الارض فيصعد للسماء ليطلب من أبيه أباثر العظيم المساعدة فيُمنَحُ السر من عوالم النور، وبالنداءات الثلاثة التي وهبها اياه الحي العظيم يعودُ ويطلقُ النداءات:
النداء الاول بصيحتين:
في الاولى :تتكثف المياه (وهنا هو اليوم الاول من الكرصة والذي يبدأُ مع غروب الشمس) والذي مازال الماء فيه آسنا ولا يسمح لنا بلمسه.
وفي الثانية :
تصيرُ اليابسة ،وهنا يكون اليوم الاول من عمرالارض اي (1/1)، وهو اليوم الثاني من الكرصة، ولا يُسمح لنا أن نمسَّ الماءَ لأن المياه الجارية لم تتدفق بعد، حيث تتدفق المياه الجارية بالنداء الثاني للملاك أبثاهيل ،مباركٌ إسمه.
النداء الثاني :
تترقرق المياه في الأرض (تيبل)،أو إن نسبة اليردنا التي باركت المياه الأرضية قد أكتملتْ ،لذلك يكون اليوم الثاني من السنة المندائية هو يوم الخروج من الكراص وملامسة الماء الجاري ،لأن قبل ذلك كان الماء آسنا ولا يجب لمسهُ. وطبعا عملية التطهير هذه صاحبها هيجان أو طرد المخلوقات المظلمة التي كانت تستوطن المياه الأسنة (وكما تنص عليه بوثة قشش المباركة).
وبالنداء الثالث :
تُخلق الحياة والاطياب والأطيار. وبعدها يقع ابثاهيل تحت وسوسة ابناء الظلام وينادي بنداءات اربعة اخرى بتأثير الظلام وينتج النقص ، وهذا هو تفسير ايام المبطلات التي تواكب هذه المناسبة حيث تتعاظم قدرة الظلام ومخلوقاته في هذه الايام ،حتى يشتدُ خطرُ الظلام في اليومين السادس والسابع ليكونان يومين مبطلين ثقيلين. (راجع كنزاربّا- اليمين طبعة بغداد ص 290/ تسبيح الخلق).

اما الفكرة الثانية وهي الارجح :
إنّ الكرصة تعودة لحادثة خلق آدم ،وهنا يلتفُّ عالمُ الظلام ومخلوقاتهِ على ابثاهيل ويقنعه بالاشتراك معه في خلق آدم ، فيوافق ابثاهيل ثم يعجزُ من إتمام المهمة ولا ينتصب آدم على قدميه كما الحيُّ شاء، فيصعدُ أبثاهيل للسماء ويُعطى النفس(النيشمثا) ملفوفة بالنور ومحروسة من قبل ملائكين حارسين ويعودُ بها للأرض، وحين تحين الساعة ان تدخل النيشمثا (النفس) في الجسد المطروح يأخذها الملاك العظيم مندادهيي بيده العظيمة ويرميها في الجسد ليتمّ خلق آدم وينتصب واقفاً على قدميه. ((حين آقام بثاهيل آدمَ على قدميه ، كنتُ أنا (مندادهيي) من أنهضه.. ولحظة وضعَ يدهُ عليه، أنا الذي جعلتهُ يتنفسُ الحياة)) كنزا رّبّا والنفسُ هي النفحة التي جاءتْ من مخزنِ الأسرار في عوالم النور السامية لتمثل الفكر والعقل وتُحرّك فيه الروح . وممكن ان تكون هذه العملية قد بدأتْ مع غروب اليوم بعد ان سبقتها مراسيم وطقوس خاصة وإستعدادات في النهار، وهذا قد يكون هذا تفسيرا لطقوس الكنشي وزهلي التي تقامُ صبيحة اليوم الاول للكرصة إستعداد لبداية الكراص مساءاً (وهنا يبدأ اليوم الاول من الكرصة). وفي صبيحة اليوم التالي يكتملُ خلق آدم ، وهنا يكون اليوم الاول من عمر الإنسان والبشرية وحساب الزمن ، أي(1/1) رأس السنة المندائية، ويعتبر هذا اليوم كرصة ايضاً ولايسمح لنا ان نمسَّ الماء حتى اليوم الثاني( 2/1 ) ، لأن الرسول (مندادهيي) يترك آدم لحظة تكوينه ليعرج الى السماء وليصاحب (إدكاس زيوا) والذي يُعد الأب الروحي أو السر الخفي للنيشمثا التي هبطتْ للجسد المُسجّى لتحرره من علتهِ الوخيمة ، وهنا يبقى آدم محاصرا(طيلة 36 ساعة) وحيداً تحت وطئة الظلام والخوف من المخلوقات الشريرة التي كانت تريد أن تجزأ النيشمثا ، وحينها يعود الملاك المبارك (مندادهيي) في اليوم الثاني من السنة المندائية ليطرد الظلام عن آدم (دون أن يتجلى له) ، وهنا يستطيع آدم من الخروج من حصار الظلام ، لذا فأن قدوم مندادهيي للأنسان هو فرحة العيد التي تنتظرها النيشمثا الانسانية في اليوم الثاني من السنة الجديدة . أما عدم جواز مس الماء فأن هناك نص يمكننا أن نتأمل فيه لنجد منه إشارة أو تفسير ، فأن النص يتحدث إدكاس زيوا وكيف رجع الى موطنه وقد باركته الحياة العظمى وكيف يوكلُ الملاك مندادهيي، مباركٌ إسمهُ ، ملائكة المياه الجارية حراسا له (أي بعد أكتمال خلق آدم بغرا) ، وكما قلنا فأن سر النيشمثا سيبقى مرتبطاً بآدم كسيا ، فلذلك لايمكن لنفوسنا في الأرض أن تمسُّ الماء قبل ذلك – وهذا تفسير عدم ملامسة الماء الجاري قبل اليوم الثاني من السنة. (( وأمتلأت عظامهُ بالمخ. ونطقتْ فيه إشعاعيةُ الحيّ ..ففتحَ عينيهِ. عندها عرَجَ إدكاس زيوا الى موطنهِ ... وأوكلتُ بهِ ملائكة المياه الجارية)) كنزا ربّا . وبعد خلق ادم يرجع مندادهيي(م.أ)- اي في اليوم الثاني من السنة المندائية، ليجد الشر والظلام يحاصران النيشمثا المسكينة الوحيدة (وهذا هو تفسير المبطلات المُزامنة لهذه الايام), وتعاني النفس بعد نزولها من علياء عوالم النور للجسد الطين، وهذا ما ترويه لنا نصوص كنزا ربّا المباركة. ولكنه حين يرجع لتيبل حاملاً حراسته وبشائر العيد ، يدحر الظلام ويضرب الروها والتي تنكفئ على وجهها مدحورة، ولكن آدم مازال يشعر بالوحدة والقلق من المخلوقات الناقصة والمتوحشة وهواجس وسيطرة السبعة والأثني عشر، وتزدادُ معاناة آدم ووحدتهُ في يومي السادس والسابع من السنة المندائية، ولا سيما إن ديوان ترسر وألف شيالة يشير الى إن عوالم الظلام تحتفل في هذه الايام (المبطلة الثقيلة) بميلاد سيد الظلام أور، فيشتدُّ بأس الظلام والأشرار على آدم حتى يأتيه العون مع لقائه الأول بالملاك المخلّص (مندادهيي) مرة اخرى في ليلة 6-7 /1 ليساعدَ آدم ويهبَهُ المندائية (المعرفة) ، لتكون هي الحراسة التي يحتاجها الأنسان ليدحر الظلام عنه ، فالدراسة والتعلم والبحث عن الطريق لعالم الأنوار ، كان هو المندائية ، وكان مندادهيي ، تبارك أسمه- حريصاً أن يهبَها لآدم بنفسهِ ، كما أدخل النيشمثا بيده الكريمة الى جسدِ آدم ، وهنا يبدأُ تعليمُ آدم وهبوط الكنز الالهي العظيم (المعرفة) لتكون سلاحاً لآدم وبنيه، وأول كلمات النور كانت إفتتاحية الكنزا ربّا المبارك اذ يخاطب آدم بالمعرفة بادئاً بتعريف رأس المعرفة، الحي العظيم ، فيقول: بسم الحيّ العظيم (هو الحيُّ العظيم، البصيرُ القديرُ العليم، العزيزُ الحكيم، هو الأزلي القديم، الغريبُ عن اكوان النور) كنزا ربّا وممكن ان أتجرأ هنا اكثر واقول إنّه يوم بداية نزول تعاليم كتابنا المبارك كنزا ربّا ، سلاحاً وخلاصاً ورحمة للعالم الجديد، وهذا هو تفسيرعيد شوشيان (عيد إحداث التغيير) . وإن وضع إكليل الغرب في عيد شوشيان (ليلة 6-7 مندائي) هو إشارة لقدوم المعرفة والمتمثلة برسول الحي مندادهيي (تباركَ إسمه) ، فالأكليل دوما يرمز الى مندادهيي ( ولذلك تجدنا نضع الأكليل تحت عمائمنا في الصباغة ، دلالة على تتويج المصطبغ بالمعرفة (المندائية) التي يرفعها على رأسه).. فأكليل الغرب هنا يرمز الى تقبلنا وإيماننا بالمندائية وإعلاناً للقادم مندادهيي (والذي رحل الى عالمه النوراني بعد أن علّم آدم المندائية ووعد بأنه سيكون قريبا دوما من أبنائه) بأننا من حصته، لذا فجازَ لنا أن نسمي هذه الليلة المباركة (عيد شوشيان 6-7) بعيد قدوم المعرفة ، والمعرفة الأولى هي (كنزا ربّا) المُبارك، لذلك يسمي البعض هذه الليلة بليلة القدرالمندائية (تأثراً بالمجتمع المحيط)، وهي ليلة مباركة يقضيها المندائيون حتى الصباح بقراءة الأدعية والتسابيح المباركة ،لأنه يوم تلبية الدعاء وقبول الرجاء لكل قلبٍ وضمير وفكر طاهر. وتنتهي المبطلات بجلاء المعرفة كاملة لآدم فيندحرُ الظلام بأكتمال التعاليم وسيادة العقل، وهنا تكتمل المبطلات ، ليبدأ يومٌ جديد وعصرٌ جديد وحياةٌ جديدة . راجع النص في كنزاربّا/اليمين- طبعة بغداد ص70. لذا فإن الفكرتين او التفسيرين السابقين يتفقان على كون العيد الكبير( دهوا ربّا) هو ذكرى تجلّي الخليقة الأرضية وإزدهارالحياة الدنيا، وهذا ما ترمز له (الطرايين) التي تمثل رموز وطيبات الحياة . وأخيرا إنهي تفسيري المتواضع والمُستند الى كتاب المعرفة (كنزا ربّا) بما تنتهي به أغلب نصوصنا المندائية: (( طوبى للرجل (مندادهيي) الذي مرّ عابراً الى هنا )) كلُّ عامٍ مندائي وأنتم بخير وثباتٍ في الإيمان والمعرفة.
خادم الكوشطا


مقدمة:
ما يلي مختاراتٌ من ترجمةٍ لبعض ٍمن التراث المندائي للكاتبة التقدمية ناجية غافل المراني (1918-2011) التي رحلت عنا إلى الأبد في دمشق قبل ثلاثة أيام، وهي لم تشأ أن تموت بعيداً عن العراق، ولا أن يحزن أحدٌ لرحيلها، بل أوصت بالإبتسام. والإبتسامة المرتسمة دوماً على وجهها الطيب هي من أهم ما نتذكره إلى جانب ثقافتها الواسعة وحكمتها وتفقـّدها لشؤون المجموعة المندائية.

تعتمد ناجية غافل في ترجمتها على إمكانياتها الكبيرة في اللغتين المندائية والإنجليزية (بالإضافة إلى تمكنها من العربية)، حيث يبدو أنها قد قامت بتدقيق ترجمتها بالعودة إلى ترجمات إيثل ستيفانا دراور (ليدي دراور، أنظر ملاحظة * في الهامش)،المختصة بالدين والتراث المندائيَّيْن، لأغلب هذا التراث من المندائية إلى الإنجليزية.

إخترتُ النصوص التالية التي تؤكد على المفاهيم الإنسانية العامة لدى جميع البشر في مختلف العصور، وهي تلكم المفاهيم المندائية التي أكد على أهميتها كلّ ٌمن أخي الراحل المفكر فرج عريبي، وكذلك زوجي الكاتب عبدالله الداخل، ليس فقط في أحاديثهما وفي التوجيه التربوي عموماً، وإنما أيضاً في مناقشة أكثر هذه المفاهيم إيجابية ً كأمثلة على تقارب (وحتى وحدة) المفاهيم الإنسانية العالمية منذ بدايات الوعي البشري، كالتمييز بين "الخير" و "الشر"! *(ملاحظة 1)

1
من الكتاب الكبير (الكنزا ربا)

إحترم أباك وأمك وأخاك الأكبر
لا تحسدوا ولا تكونوا عبيد شهواتكم...
ولا تشنأوا ولا تأفكوا بأقوالكم.

هب صدقة للعاني وكن دليلا ً للأعمى، وإنْ وهبتم صدقة ًفلا تجاهروا
إن وهبتم بيمينكم فلا تخبروا شمالكم، وإن وهبتم بشمالكم فلا تخبروا يمينـَكم.

صوموا صوماً عظيماً لا عن مأكل ومشرب هذه الدنيا
أمسكوا أعينكم عن الغمز والرمز ولا تنظروا بسوءٍ أو تعملوه
أمسكوا آذانكم عن التنصت لأبواب غيركم
أمسكوا أفواهكم عن قول الكذب والزيف والتأويل ولا تحبّوا الأباطيل
أمسكوا ضمائركم عن ظنون السوء والبغض والفرقة ولا تدَعوها تحل أفئدتـَكم...
أمسكوا أيديَكم عن ارتكاب القتل وعن السرقة
أمسكوا أجسادَكم عن معاشرة أزواج الآخرين
لا تهَبوا أنفسكم لملوك وسلاطين ومرَدَة هذه الدنيا
كونوا لطفاء اتجاه معلميكم من ذوي الحكمة والثبات ولا تتكبروا عليهم
لا تقصدوا السحَرة والمنجمين الكذابين المتلفعين بالظلام
لا تأكلوا الربا ولا تستدينوا بالربا سرّاً
وإن رأيتم طيباً فخذوا من حكمته وإن رأيتم سيئاً فاحذروه ...
لا يؤسركم جمال الأجساد لأن من ينشده يذل

2
من تعاليم يحيى بن زكريا (من الكنزا ربا أيضاً)

إعملوا كعمال يعمّرون الأرض ويرفعون بأجوائها النبات
رأس حكمتك أن تحاكم نفسَك
رأس معرفتك ألا تقبل الخلط
رأس سيادتك ألا تجعل للسوء مكاناً في نفسك
رأس علمك أن تعلـّم بكلمات طيبة، ولا تخـُن
رأس ثباتك ألا تخاف الكلمات التي تقولها أنت
رأس صدقاتك وطيباتك أن تطعم الجائع وتسقي العطشان
رأس حلمك ألا تتكبر ولا تكن غضوباً مريدا
رأس قوانينك ان تقنن نفسك وتتقبل كلمات الحكمة
رأس تدريسك ألا تدرس من لا يصغي لك
رأس غبطتك أن تحترم الناس
رأس طهرك ألا ترمي نفسك بالأرجاس
رأس زكاتك أن تزكي نفسك من الحقد
رأس شفقتك أن تشفق على الأنفس العانية المضطهدة

3
داعي الحق يدعو (من الكنزا ربا أيضاً)

كل إنسان يرقب نفسَه
طوبى لمن عرف نفسه وقوّم لبّه
طوبى لألي القسط المتطلعين الى اماكن الخير
ويل لمن يسوس الآخرين ولا يسوس نفسه
ويل لمن يخطط ولا يخطط لنفسه
ويل لبان ٍ ولا يبني لمستقبله
ويل لمبطان مهما أكل لا يشبع
ويل لذي لسانين يصدر حكمين لقضية واحدة
ويل لعالم لا يعطي من علمه
ويل لجاهل غبي مغلق على جهله وغبائه
ويل لحكيم لا يستفيد الناس من حكمته
ويل لسلطان متسلط عديم الرحمة
ويل لمن وهِبت له الطيبات ولم يهب منها

4
أطلب تجد (من كتاب "قلستا")

لأكثر من ست أو سبع أمم أعدت شجرة مثمرة
شجرة مثمرة أعدت واكتنفت بها الأشجار
الأشجار اكتنفت بها وانتصب عرش النور الأعظم
وعرش النور الأعظم انتصب وأعدت قدامه عطايا لكي تسلم للمسلمين (ملاحظة 2)
تسلم للمسلمين
وقال: يوهب كل انسان بقدر ما عملت يداه (ملاحظة 3)
وقال: كل من تعب ونصب يأتي ويصيب بكلتا يديه
ومن لم يتعب وينصب يبقى محروماً من العطايا
سيبتغي ولا ينال ويَسأل ولا يُجاب
طالما كان قادراً ولم يُعْطِ سيبقى باحثاً حواليه من غير جدوى...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظات
* رابط لمعرفة من هي ليدي دراور
http://en.wikipedia.org/wiki/E._S._Drower

1
لقد أضاف زوجي عبدالله الداخل الفكرة التالية:
التمييز بين "الخير" و "الشر" كان في الواقع نوعاً من التشخيص المتقدّم للمعقول واللامعقول في السلوك البشري، حيث الأديان مسؤولة عن التناقض في التطبيق، وأقول "مسؤولة" بسبب وجود مفكرين قاموا بنقد متطور جداً للأديان، رغم ندرتهم، كأبي العلاء المعري، ولأن هؤلاء كانوا، بالطبع، مضطهَدين. وهنا ينبغي التوقف لتفحّص كون هذا النمط من وحدة المتناقضات يغلب بقوة على النمط الثاني الذي يتضح في محاولات تفسير الحياة والكون في كثير من المفاهيم الدينية المشتركة بين الأديان حيث يختلط المعقول باللامعقول. محاولات تفسير الحياة والكون وكذلك المحاولات الاصلاحية هما من سمات الأديان عند نشوئها أي قبل إستحواذ الطبقات العليا عليها وإلحاقها بمؤسساتها، أي بالدولة كي يتحول الدين إلى أداة سيطرة. وأضاف: إن تغلب النمط الأول هو الذي يوصل البشرية في "نهاية" المطاف، الذي لا نهاية له، إلى الإقتراب السرمدي من "الحقيقة"! لكن الخطر المحدق بمستقبل البشرية يكمن في صعوبة توظيف الحقائق الصغيرة، المتراكمة نتيجة الخبرة البشرية، من أجل السعادة، حيث مصدر الخطر على الوصول الى عدل مجتمعي يسود الأرض هو واحد: النظم الطبقية.

2
بمعنى: للمؤمنين، حيث تتكرر هذه الكلمة في ترجمات ناجية المراني، ففي تعاليم يحيى، مثلاً، ترد الوصية:
رأس سيادتك وحكمتك ألاّ تهزأ ولا تضحك من المسلمين...

3
ما يلي تعريف للإشتراكية منقول من موقع "غير إشتراكي"!

نظام اجتماعي قائم على الملكية العامة لوسائل الإنتاج، والاشتراكية تظهر إلى حيز الوجود، نتيجة إلغاء النمط الرأسمالي للإنتاج وإقامة دكتاتورية البروليتاريا. وتبني الاشتراكية على شكلين من الملكية: ملكية الدولة (العامة) والملكية التعاونية والجماعية. وتقتضي الملكية العامة انعدام وجود الطبقات المستغلة واستغلال الإنسان للإنسان، وتقتضي وجود علاقات التعاون الرفاقية، والمساعدة المتبادلة بين العمال المشتركين في الإنتاج. وفي ظل الاشتراكية لا يوجد اضطهاد اجتماعي وعدم مساواة بين القوميات كما لا يوجد أي تناقض بين المدينة والريف، بين العمل الذهني والبدني، برغم استمرار وجود تمايزات بين المدينة والريف، وبين العمل الذهني والبدني. ويتكون المجتمع الاشتراكي من طبقتين صديقتين – الطبقة العاملة والطبقة الفلاحية العاملة في المزرعة الجماعية، وشريحة اجتماعية هي شريحة المثقفين. ويتم محو التمايز بين الطبقتين، وكذلك بينهما وبين شريحة المثقفين تدريجيا. والسمة البارزة للعلاقات بين هذه الجماعات الاجتماعية هي وحدتها الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية. كذلك تتميز العلاقة بين الأمم الاشتراكية بالصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة الأخوية. وتُطوِّر الاشتراكية – بفضل الملكية العامة – اقتصادها الكلي على أساس متناسق قائم على التخطيط، وهو ما تستحيل ممارسته في ظل الرأسمالية. ويهدف تطور الإنتاج الاجتماعي وتحسينه إلى إشباع المتطلبات المادية والثقافية بدرجة أكثر اكتمالا. وتتأسس الحياة في المجتمع الاشتراكي على ديمقراطية عريقة تتضمن جذب الشعب العامل كله إلى الإدارة الفعالة للدولة. وتتضمن الديمقراطية الاشتراكية الحقوق الاجتماعية، من حق العمل والراحة والاستمتاع بوقت الفراغ والخدمات التعليمية والطبية المجانية، إلى الضمان في سن الشيخوخة والحقوق المتساوية بين المرأة والرجل، وحق المواطنة لجميع الأجناس والقوميات، والحريات السياسية – حرية الحديث وحرية الصحافة وحرية عقد الاجتماعات وحق التصويت والانتخاب. وتختلف الاشتراكية عن المرحلة الأعلى للشيوعية بالدرجة الأدنى لنضج جميع جوانب الحياة الاجتماعية. فقوى الإنتاج في ظل الاشتراكية لا تكون قد تطورت بعد بما فيه الكفاية لضمان فائض من المنتجات، ولا يكون العمل قد أصبح بعد ضرورة حيوية أولية لجميع أعضاء المجتمع. ولهذا السبب تتوزع الثروة المادية وفق مبدأ «من كل حسب قدرته، ولكل حسب عمله»، والثمرة الطبيعية لتطور الاشتراكية هي الشيوعية.

لمن يود التعرف على ديانة الصابئة

الرجاء مشاهدة الرابط في الاسفل

 

https://www.youtube.com/watch?v=OHCYqfyzqa0

 

السبت, 03 أيار 2014 12:01

تأملات ما بعد البراخة

تأملات ما بعد البراخة 

 

أنا اعرف انك موجود...

وإلا لمن كل هذا الوجود..؟

متغلغل في كل ما وجد

يامن بدونك ماوجد

ولكن كيف نفهمك وكيف ندركك

وكيف نفسر ما فطرت عليه 

ان يحترق الأخضر قبل اليابس

ان يقتل اطفالاً في البحر وفي  البر

ان يغرق الخير والشرير 

ان يظلم بشراً حتى الموت

ان يعثوا في الارض فسادا 

ان يأخذ المسكين بجريرة الظالم

فأين انت وأين رحمتك

وكيف عدلك وأين قوتك ..؟

أنا ارى مثلما اريد ان ارى

أنا احكم مثلما يحكم قضاة الموت

أنا لا افهم سوى ما المس

قولاً في قول في قول

لا احد أدرك تفكيره

لا احد أمسك أفكاره 

نحن نريد الرب كم آمنا 

نحن نريد الرب كما لقنا

لخصنا الكون على حاجب

والكون الاخر في حاجب

راس وعيون وحواجب

صار الرب الاهاً ومصائب 

والرأس الاخر في تنين

شيطاناً اسطورياً في بكين

يحمل كل ذنوب العالم 

ويغادر مذعوراً كالنار

يا ملوكاً يا قسستاً يا أحبار 

قد صار العالم في اخطار

لا ينفع فاد ولا مبكاً ولا مغوار

قد ضج الكون بعصبته

وانتفض الرب بحكمته

ونحن في سبات عظيم

لا نفقه من أين أتينا 

لا نفقه لاين مشينا

لانعلم أين نكون

مادام العالم محكوماً بالنار

فالتذهب   منا كل الأسرار ..!

ما حاجتنا الا لغطاء ودثار

والأرض على مد الناضر

خير تراب وغطاء  ودثار...

 

          

فتحَ عينيهِ بصعوبةٍ بالغة؛ فهذه هي المرّةُ الأولي التي يفعلُ بها ذلك ؛ فلقد كان مُنهَكاً من عملٍ فـذٍ لم يَقم به ، ولم يكن بباله أن يقوم بذلك العمل المضني ، لكنه بدل  التفكير بذلك ، جال ببصره في المكان الذي وجد نفسه فيه  فوجد أمامه قبّةً زرقـاءَ تُحيطُ بالمنظرالذي يمتدُّ  في كلِّ الإتجاهات ضمن الأفقِ الرَّحبِ لمدى بصره ، كان مُمـدداً على ظهره .وبدأ بأول محاولاته ؛ ليعرف من هو وما هـو وأين هـو ...!

 حرّك جسمَه ؛ فأستجاب له ؛ فقعد على مؤخرته ونظر : بساطٌ يكادُ يكون أخضرَ أو أسود اللون  ؛ فلم يكن بوضعٍ يُؤهله؛ ليعرفَ الأشياءَ بأسمائها في هذه اللحظة الأولى من حياته  .

 مياهٌ رقراقةٌ تنسابُ بهدوءٍ لا يعكّرُ مسيرَها أيُّ عائق  . هناك الأفق  البعيد ،هناك  أشياءُ تنتصبُ مرتفعةٌ شاهقةُ العلو ، أشياء تكادُ في إرتفاعها  أن تطاولَ تلكَ الأشياءَ المـتناثرةَ في القُبّةِ الزرقاء ، ووسط تلك القبّـةِ الزرقاء ينبعثُ ضوءٌ  يُضيءُ المكانَ  ؛ فيُحيله إلى لونٍ لا يعرفُ كيف يّصفَه في تلك اللحظة التي لن ينساها أبداً ؛ لأنها أولُ نظرةٍ لأبي البشرعلى مملكته  الجديدة ، والتي لا تشبه ما كان فيه قبلَ قليل . أنتبه أبو البشر  لأمرٍ قد غفله لبرهة ؛ فهو الآن يسمعُ أصواتاً مختلفةً عمّا  ألفه  في مكانه الأول ، تنطلقُ من أماكن مختلفة ؛هناك أصواتٌ تأتي من الأعلى وأخرى من خلفه ومن أمامه ومن مختلفِ الإتجاهاتِ ، أصواتٌ لم يألفها من قبل . كـان مرتبكاً حـائراً عارياً لا يسترُجسدَه أيُّ ساتر ؛ وبدأ يتساءل : أين أنا وما هذه الاشياءُ التي تكاد تُطبـقُ على صـدري وتكتم أنفاسي وما الذي أتى بي إلـى هنا ، ومن الذي وضعنـي في هذا المكانِ الغريبِ العجيب . ومن شدةِ الإرهاق ومما عاناه من رحلة حدثت له دونما أن يُستشار، أو يُطلبُ رأيه فيها ؛ لذا فما هي إلا لحظات حتى غفا وإستغرق في إغفاءةٍ عميقةٍ من نومٍ لم يكن يعرفه في موطنه الأول ! .

 

 بعد فترة لم يعرف كم كانت،نهض وهو يرفعُ إحدى يديه إتقاءَ شئ ما آذى عينيهِ وكاد أن يحرقهما . وبدأ في تساؤل   :

 والآن ما هذا الوهجُ الـمتدفقُ من القبّةِ الزرقاء ، وأين ذلك الضوءُ الهادئُ ، وتلك الحبّاتُ المضيئةُ الصغيرةُ  المـنثورةُ في تلك القُبّة ؟    و...ومـاهذا  ؟  هناك  وبالقربِ من قدميّهِ الحافيتين ، كانت أفعى تزحفُ على بطنها بهدوءٍ عجيب ، دون أن تُعيرَ هذا ... الـمخلوقَ الجديدَ الوافدَ لهذا المكان ، أدنى إهتمام أو أهميّة .   طفق حائراً متسائلاً ، لا يعرفُ الإجاباتِ الآنيّةِ عن أسئلةٍ تتزاحمُ في رأسه :  من أنا .....؟ وأين أنا.... ؟ ولماذا أنا وحيدٌ في هذا المكانِ المُوحش . لكن وبعد لحظات أدرك ان المكان الذي هو فيه ليس بتلك الوحشة التي أحسّ بها منذ وهلةٍ من الزمن ؛  فهو بديعٌ يانعُ الخُضرة ، وعاد يتساءل : لكن وما هي  تلك الأِشياءُ البعيدةُ العالية التي تُحيط بها تلك الأشياءُ البيض المتناثرة في القبّـةِ الزرقـاء ،ياترى من أين تأتي وأين تتجه..... ؟لقد كانت الغيوم تنتشر في السماء !

 فجأة نظر إلـى أسفله ؛ هناك شيئانِ طويلانِ يمتدانِ من وسطه ليصلا إلـى شيءٍ أخضر ،كلا الشيئينِ متشابهانِ ينتهيانِ بأشياءَ صغيرةٍ بأشكال مختلفةٍ عن بعضها ،نظراليهما بتمعـن (هو) يستطيعُ أن يحرّك هذين الشيئين الطويلين الممتدين من وسطه حتـى (الأرض ) وبدأ يحاولُ أن يرفعَهما كليهما معاً فسقط على ظهره ،عاد واستـقـام  ،وحرّك إحداهما  ؛ فأستجابت له ، رفعها ووضعها ثانيةً على الأرض ،بعدها رفعَ الثانيةَ وأعادها الـى مكانها وفكّر برهة :  ماذا سيحصل لو أنه وضع( رجله ) في مكانٍ أبعدَ عنه قـليلاً؛ ونفّـذّ فكرتُه حـالاً ؛ فرفع (اليمنى ) ووضعها في مكان يَبعُدُ قليلاً عن موضع جسده فألفى (جسدَه) يتحرّكُ ، ثبّت اليمنى ورفع (اليسرى ) ووضعها بجانب اليُمنى فتحرّك جسدُه كلـُّه  ، ولأولِ مرةٍ إرتسمت على محيّاه علائم فرحة لم يكن يشعر بها من قبل ؛فلقد خطـا (هو) (الخـطوة) (الاُولى) في هذا العالم.

دار ببصرهِ ثانيةً ؛ ليتعرّفَ على ما يُحيط به ، فوجد سهلاً أخضر  ،جبالاً بعيدة ، وأخذ يتحرّك ليجرّب (رجليه ) !

 ماهذا .....؟  شيءٌ لا لونَ له ينسابُ بهدوءٍ ،وبدون أيِّ صوت  ، وتذكّر ذلك الشيء الذي مـرّ بالقرب منه قبلَ قليل انه يُشبهُ هذا النهر، بيد أن هذا أوسع منه ويُمكن أن نرى ما بداخلهِ بوضوح وكأنه مرآة  صقــيلة ، إقتربَ من حافة النهر ومـدّ يده  فأذا بصورةِ  يدهِ ترتسمُ على صفحة الـمـاء؛ سحبها باتجاهه  ،إختفت الصورة ، مـدّ عنقه ورأسه ؛ واذا به يرى وجهـاً  ينظرُ إليهِ من تحت الماء ؛ فجفل لأولِ وهلة  ، إلا أنه أعـاد المحاولةَ ثانيةً بعد هُنيهةٍ  ، بعد أن هدأ وجيفُ قلبِه ؛ كان القابعَ في الماء أسمرالوجه تقريباً ، يعلو رأسَّه شعرٌ أسودُ مُنسدلٌ على كتفيهِ ، في الوسط كان هنـاك وجهٌ ، وفي وسطهِ شيءٌ يُنصّفه و في أسفلهِ فتحتانِ تحتهما شيءٌ مُستعرض غيرَ مُنطبق ،على جانبي الشيء  المنصّف أوفوقه قليلا ، فتحتان تكاد أن تكونا مدورة فيهما شيئانِ مُتحركانِ وفوقهما خطّان أسودان وفي بعض الأحيانِ تنغلـقانِ وتنفتـحانِ ،تُحيط بها شُعيراتٌ رقيقةٌ صغيرة عاد بنظره الى ذلك الشيء المرتفع الذي ينصّف وجهه انه يستطيع أن يفتحه ولكن …ماذا هناك !  ..... في تلك اللحظة نطت من الماءِ سمكةٌ صغيرةٌ  ، قفزت والتمعَ جسمُها النحيلُ تحت أشعة  الشمس ،ورجعت إلى  (الماء) فرحةً غيرَ عابئةٍ  بما حولها ،وبعودتها إرتسمت في الماءِ دوائرُ بدأت تكبُرُ وتكبُر ، واختفت أثناء ذلك صورة الوجه  ؛ لذا مـدّ يده محاولاً إيجاد ذلك المخلوق ؛ فلم يفلح ، بل زادت الدوائر وتعذّر عليه إيجاده .ظل صامتاً مُترقباً  (ظهور) المخلوق ولم يطل إنتظاره ؛  فسرعان ما هدأت الدوائر واختفت ليظهر الوجه بشعره الأسود وذاك الشيء المستعرض الذي حاول فتحه قبل أن تنط تلك السمكة الصغيرة وتعكّر صفو خلوته ، فتح فمه ؛ فكان هناك صفّان من أشياء بيضاء تمتدُّ إلـى الداخل ، كان الضوءُ قليلاً ؛ فلم يستطع أن يتبين إلى أيِّ مـدى تصل تلك الأسنان ، والآن ما هذا الشيء المتحرك بين تلك الأسنان ، إنـه إنـه …… ولم ينتظـر طويلاً ؛ ليعرف ما هـو ، فلقد علم إنه لسان  .

 كانت المعرفة سهلةً  تأتي إليه دونما عناء.

 لكن من المؤسف لهذا المـخلوقُ إنه يشعـرُ بالوحـدةِ ؛ فـهو يائسٌ من خروجِ ذلك المخلوق القابعِ تحتَ الماءِ ؛ ليؤنسَ إحساسه بالوحشة  وليكونَ رفيقاً له  .رجع إلـى الوراء  ، حزيناً بعضَ الشيء ،حائراً غير مقتنعٍ  بما يرى ، ضجراً بعض  الشيء ، لكنه  خطا خطوة  ، وأخرى إنه يبحث عـن شيءٍ ما ، شيءٍ…. شيءٍ ينقصه ، لكنه لم يعرف عمَّ يبحث !  وما الشيء الذي كان يجـدُّ في البحثِ عنه ،  لكنه موقن انه يمكن أن يُبعدَ عنه هذا الضيق وهذا اليأس الذي بات يؤرقه ويقلقه ولم يجـد لـه تفسيراً  مقنعاً و خطا خطـوة وخطوة أخرى ورابعة وخامـسة ،  و... ببطءٍ  ، وبلا مقدمات برز له من خلف شجيرة صغيرة ، من جعله يقفُ بلا أدنى حركة ، ويفتح فمَه دهشةً ،  ويجعل قلبه وكأنه يُريدُ أن يخرجَ من بين أضلعه  ؛ فلقد وجـد ما سعـى إلـى معرفتـه والتعرّف عليه؛  فلـقد وجـــد (شيئاً ) يُشبههُ ، ولكن ذا شعـرٍ أطول، وجسـمٍ أرشـق ، وصدرٍ خـالٍ من الشعر كالذي يغطي صدره هـو ،  ويتوسط ذلك الصدر شيئآن ناهدان شهـــيـّان ، وعلم أنها حـــــــــواء وهـــــــــو آدم  .~~~~~

 

 

 

3\3\2013