• Default
  • Title
  • Date
الخميس, 18 نيسان/أبريل 2013 12:50

الراحل الدكتور البروفسور صبري سباهي

- حصل على شهادة الدكتوراه في مجال الزراعة
- عمل كاستاذ برفسور في اكاديمية العلوم الزراعية بموسكو
- قدم عدد من الاطروحات والبحوث العلمية في مجال تطوير انتاج القمح والشعير والرز
- كرم من قبل اكاديمية العلوم الزراعية تقديرا لجهوده في تحسين زراعة الرز في فترة قيام الاتحاد السوفياتي
- كرم من قبل الحكومة الروسية وجامعة موسكو بعد التحولات التي شهدها الاتحاد السوفياتي لجهوده القيمة في تطوير وتحسين وزيادة انتاج القمح
- اسس اول نقابة لعمال الصياغة بعد قيام الجمهورية العراقية عام 1958
- ساهم باعادة روابط تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي بعد انتكاسة 1949
- توفي 20 كانون الثاني 2008

وداعا" للشيوعي القديم صبري سباهي

عزيز سباهي

في العشرين من كانون الثاني 2008 توفي في موسكو الدكتور صبري سباهي عن عمر ناهز السابعة والسبعين. كثيرون لا يعرفون عن هذا المناضل الذي ودع الحياة سوى انه ابن عائلة عرفت بنضالها الوطني. آثر ان ينزوي في موسكو منذ سبعينيات القرن الماضي وهو يعيش على راتب تقاعد بائس . بعد ان كف عن التدريس في اكاديمية العلوم الزراعية في موسكو التي التجأ اليها بعد ان اضطره حكم البعث الفاشي على مغادرة وطنه رغم ان هذا الوطن كان في حاجة الى خبراته العلمية في الزراعة .


نشأ الفقيد في عائلة فقيرة فقدت معيلها. وترتب على الابناء الايتام ان يتدبروا امر عيشهم وهم لا يزالون صغارا". وكان من حظ صبري ان يترك الدراسة في مدينة قلعة صالح بعد ان انهى الدراسة الابتدائية ليعمل كعامل صياغة في البصرة. وهناك تلقى دروسه الاولى في النضال السياسي والنقابي بين العمال الذين كانوا يؤمون مقر إتحاد نقابات العمال في المعقل انذاك. ليعقدوا الاجتماعات الحاشدة بعد وثبة كانون الثاني8 194

عائلة مكافحة

وحين ساءت الاوضاع السياسية في البلاد بعد اعلان الاحكام العرفية في صيف ذلك العام ، سافر الى بغداد ليلتحق بعائلته التي كانت قد استقرت هناك وصار يطوف شوارعها وهو يبيع الفاكهة في عربته ، ويواصل دراسته هو واخوه صبيح الذي كان يصغره سنا". وحين اعتقل اخوه الاكبرعزيز في خريف ذلك العام صارعليهما وعلى اخيهما الثالث الاصغر ان يتدبروا جميعا". وباي لون كان عيشهم وعيش امهم العجوز. وكان من نصيبه ان يتولى بيع الثلج على دراجة هوائية. وفي عام 1949 وحين كانت المشانق تنصب للقادة الشيوعيين في الساحات العامة ويطارد المناضلون من شارع الى اخر. كان الاخوة الثلاثة وامهم قد كرسوا انفسهم جميعا" لنضال الحزب الشيوعي.


وتحدثنا مذكرات بهاء الدين نوري . الذي كان يومها يقود العمل الحزبي. عن الدور الذي لعبه الاخوان صبري وصبيح سباهي في تلك الايام العصيبة التي شهدت اعادة بناء الحزب في عام 1949 والاعوام التالية. ونفهم منها ان صبري كان احد اعوان بهاء الموثوقين في العمل لاستعادة الروابط بين منظمات الحزب وتامين مقراته وطباعته وإستئناف نضالاته الجماهيرية لا سيما في الميدان العمالي في وقت كانت فيه السجون تطبق على أعداد كبيرة من كوادر الحزب.

قائد نقابي وباحث مرموق

زج صبري نفسه بقوة بعد ثورة 14 تموز في العمل النقابي بين العمال وترأس نقابة عمال الصياغة وأصبح عضوا في الهيئة الادارية لاتحاد نقابات العمال. ومع ذلك وبرغم انشغاله في النضال السياسي والتقابي ظل يواصل دراسته المسائية وبقي يحلم بالدراسة العالية. لذلك لم يتردد حين لاحت له فرصة الدراسة في موسكو عن الألتحاق فورا بالزمالة الدراسية التي تهيأت له وفي الجامعة انصرف الى دراسة العلوم الزراعية ونال شهادة الدكتوراه باطروحته التي عالج فيها امر مكافحة ( الأضطجاع* ) . في زراعة الرز وكان هذا الموضوع يعالج لأول مرة في الأتحاد السوفيتي . وفي مطلع السبعينيات عاد الى العراق ليضع نفسه في خدمة تطوير الزراعة فيه وتولى بوجه خاص الأشراف على تطوير زراعة الرز . وربما لايزال بعض فلاحي الشامية والمشخاب يذكرون ذلك الخبير الزراعي الأسمر الذي كان ينصرف ليلا" ونهارا" في متابعة تجاربه لأنتخاب اصناف عالية الأنتاجية في الشلب . بيد ان زبانية البعث لم يرق لهم ان يتحرك هذا الشيوعي السابق بين المزارعين بحرية. فشرعوا يضيقون عليه وعلى حريته في نشاطه العلمي . لذلك قرر العودة للأتحاد السوفيتي وجند نفسه للعمل في اكاديمية العلوم الزراعية هناك والتدريس فيها والبحث في ميدان زراعة القم. حتى احيل الى التقاعد في مطلع التسعينيات. لقد ظل الفقيد يعرف بتواضعه وطيب خلقه ودأبه في العمل وحبه لعمل الخير.

ملاحظة
اضطجاع الرز هو ميل نبتة الرز بعد نضجها الى الأنحناء نحو الأرض مما يعرقل حصادها ويتسبب في
تساقط الكثير من حبات السنبلة.

الراحلون

عبد الإله سباهي
أحاول الكتابة عن عزيز فقدته حديثا .
سرحت مع الذكريات منذ انطباعها الأول في ذاكرتي المتعبة ولكنني شلت .
بمجرد جلوسي معه على انفراد تدفقت الأحداث بشكل غزير وعشوائي فلم أستطع رصها بشكل منسق ورحت أبحث عن طريقة أخرى لأكتب عنه.
أكتب الآن عن صبري وصوره أمامي. أخذت أرّتبها حسب قدمها ابتداء من الصور الشمسية ثم الأسود والأبيض والملونة حتى توقفت عند آخر صورة له قبل أن يرحل في صباح 20/1/2008 وصلتني عبر البريد الالكتروني من ابنه الوحيد من موسكو.
توقفت عند تلك الصورة وأخذت أمعن النظر فيها طويلا وإذا بي أجد ذاتي فيها .
لا بل وجدت صورتي تطابق تلك الصورة. لم أكن أعلم أننا متشابهان إلى هذا الحد. فأخذتني رعدة وأنا أطيل النظر فيها.
أدركت عندها حقيقة أنه رحل وإني لن ألقاه ثانية. فسالت قطرات من عيني وراحت تنساب من خلال لحيتي البيضاء لتستقر على الحروف التي رحت أضرب عليها بقسوة.
كنت أحسب عيوني لن تجود بالدمع بعد فراق بغداد التي لم أدرك قبل اليوم أن هناك عزيز بعدها يستحق دمع الرجال. ولكني أدركت الآن أن بغداد هي أنتم ورحيلكم يعني رحيلها.
قبل أيام فقط تحدثت معه عبر أسلاك ظلت باردة رغم دفئ حديثنا . وكان يطمئنني على عادته ، ويستفزني بالسؤال عن صحتي
حلمنا بلقاء بعد أن ينقشع الثلج ورحنا نتحدث عن الفيزا والحجوزات وغيرها من الهموم التي لم نكن نعرفها من قبل في وطن ضائع
عندما كان يشتغل في العراق كان يعود لنا من سفراته الشهرية للمشخاب ، من مزارع الرز التي كان يناضل فيها بصمت ليزيد من وزن حباته ،علها تشبع شعب جائع على مدى التاريخ رغم ثراء أرضه
حينها ، كان يأتي على هواه ، لا حاجة للفيزا ولا للحجوزات ليجلس تحت شجرة اليوكالبتوس التي كانت تظلل نصف الحديقة . فنحتسي الجعة المثلجة ، ومن القنينة مباشرة قبل أن تشوي لنا أم صبحي سمكة قطان طازجة جاءت بها من سوق الوشاش .
غريبا ذلك التواضع المسرف وتلك الضحكة التي لم تفارقه في كل الظروف. والتي راح يذكرها بإعجاب ومحبة كل من يتصل بي مشكورا ليعزيني برحيله. مكررين أن بساطته وضحكته الدائمة هي (العلامة المميزة ) له.
من منا لا يحشر عشرات الألقاب قبل أن يكتب اسمه في أي مكان حتى لو على باب داره أو في غرفة نومه ؟
من منا لا يغضب لو ناديت عليه باسمه فقط دون كنية أو لقب ؟
ولكن (الدكتور البروفسور) صبري سباهي كان يكتفي بكلمة (صبر) وهي تصغير لكلمة صبري .

ملئ السنابل تنحني تواضعا والفارغات رؤوسهن شوامخ

لقد عمل بجد ولسنين عدة في تطوير نوع من القمح فكبرت على يده حبات السنابل دون أن تنحني.
كرّمه قسم الوراثة في أكاديمية العلوم الزراعية في موسكو في أيام الاتحاد السوفيتي بمائة وثمانين روبل (30دولار !) . أحيا بواسطتها حفلة للعاملين معه في حينه وصرفها كلها مرة واحدة وهو ضحك .

رأيته مرة أخرى بعد عقد من الزمن وقد سقط الاتحاد السوفيتي. فكرمته الدولة الروسية الجديدة بشهادة شكر وإشادة بجهوده في تطوير ذلك الصنف من القمح مما أتاح زيادة كبيرة في الإنتاج . شهر هذا التكريم أمامي فرحا وبكل حماس وكأنه يهتف في مظاهرة
: وأخير عاد لي حقي . رغم ذلك التكريم قد لا يعلم أحد بذلك الانجاز غيرنا .
وعلى ذكر المظاهرة، هل يعلم أحد منا أن هذا الراحل المتواضع كان أحد القادة العماليين في العهد الملكي ؟ وكان رئيس لنقابة عمالية في عهد الجمهورية ؟.
حتى أن رفاقه لم يذكروه بكلمة وفاء بعد أن أعاد مع رفيقه بهاء الدين نوري تشكيل الحزب الشيوعي العراقي من جديد بعد أن قضت علية أجهزة القمع في العهد الملكي في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي.
قص عليّ تفاصيل تلك الفترة بعد أن ذكرت له أن بهاء الدين نوري قد كتب اسمه في مذكراته. فراح يسرد تلك الأحداث وكيف كانت الشرطة تطاردهم وهم في قطار الموصل مع جهاز الطبع (الرونيو)
.كان منفعلا ولكنه كان يضحك ونحن نحتسي مرق لم أميز طعمه . طبخه على عجل ونحن نجلس في مطبخ شقته الصغيرة ذات الغرفة الواحدة في الطابق العاشر في شمال موسكو
كنت أتصور رغم معرفتي الجيدة به ، أنه سوف يغضب عندما يحدثني عن الفترة التي ترك فيها اللطلاطة ، قاصدا مدينة البصرة وهو لا يزال غلاما . ليعمل هناك من أجل أن يشبع بطنه بعد أن عجزت الأم الأرملة في إطعام كل الأفواه التي كانت لم تعرف الشبع يوما
روى لي عن تلك الفترة من المعاناة والحرمان وكأنه يسرد فلما هنديا.
كان يضحك فلم أحزر قدر ألمه عندما روى لي كيف أن الذين عمل صانع عندهم في البصرة. يضعون مائدة الغداء ظهرا بعد ساعات من العمل الشاق . فتمتد العديد من الأيدي القوية إليها مسرعة . أما هو فكان يجد صعوبة في الوصول إلى قلب المائدة التي توسطتها سمكة مشوية تناهشتها أيدي الكبار . فيلملم ما كان على الأطراف منها في لقمته .
وقبل أن يشبع بطنه يأمره الأسطى بجلب كوب من الماء ليدفع به الغصة . فيعود صاحبنا بالماء وعندها تكون المائدة أخليت تماما . فيأمرونه برفعها ليتكرر ذلك في اليوم التالي والذي بعده إلى أن هرب من عقاب (تعلم الصنعة)
لم ينقطع شريط الذكريات ولكن صبري قد اختفى منها وكأن الرقابة قد قصت تلك الفترة من سيرة حياتنا.
لم يكن معنا طيلة سنين طويلة وكأنه لم يكن موجودا أصلا . كان ذلك في نهاية العقد الرابع من القرن الماضي وبداية الخمسينيات منه.
كان يقال لي عندما أسأل عنه أنه مكلف بمهام. ما هي تلك المهام ومن كلفه بها ؟ لا أعرف والكل يصمت عن الإجابة. ولكن من هم الكل؟ هم أنا والأرملة البائسة وراحل آخر. والكل يعارك الزمن ليظل فوق تراب ذلك الوطن لا تحته.
في الخمسينيات عاد ليعمل في سوق (الآلوسي) في بغداد صائغا للذهب للمحلات وأحيانا للبيع بالجملة
اذكر صوت شعرات المنشار التي كانت تتكسر وهو يقص سوارات (الدبابة) . لم يكن يرسمها ولا ينقشها وإنما يقصها مباشرة وكأنه يرسم وشما من الحنة على كف حسناء . كانت مهمتي هناك أن أجمع تلك الأساور (بالنقارة) على جذع من الخشب ثم أجليها وألمعها.
كانت أياما حلوة على بساطتها . كان همنا فيها كيف نعيش وكيف ننهي الدراسة المسائية .
وكيف أوفق بينها وبين أوقات العرض لأفلام شادية وسامية جمال وأفلام سلفانو منكانو الايطالية التي كانت فتنة للمراهقين المحرومين أمثالي في ذلك الزمان
انقضت تلك السنين وتركته مسافرا إلى موسكو لأكمل دراستي فيها.
رحت أعد نفسي لغربة لم يخفف كابوسها إلا مجموعة من شبابنا شاركوني فيها وسرنا سوية نقضي درب تلك السنين . ثم جاء صبري بعد سنة يتبعني إلى هناك وكانت فرحة.
كانت أيام موسكو هي فترة حياتنا الذهبية . لن أكتب عنها الآن فقد كانت حميمة وخاصة جدا .
مرتّ السنون سهلة وسريعة في موسكو رغم صعوبة الحياة والدراسة . ولم يؤرقنا فيها غير الوطن وهموم الوطن وشعار العودة للوطن.
هذا الوطن الذي لم يبادلنا الحب يوما . يبعده عنا حكام طغاة فيرحل عنا كلما قصدناه بلهفة وحب . كلما جهد الناس لإبدال عهد ظلم فيه جاء الذي بعده أظلم منه وأتعس .
عدنا أخيرا للوطن . وعاد صبري إليه حاملا مشاريعه وطموحاته في جعل حياة العراقيين أفضل
ولكن خيبتنا في الوطن كانت أكبر من أن تحتمل . وبقينا وأظنكم مثلنا ، وأغلب العراقيين كذلك .غرباء ونحن في الوطن وغرباء ونحن بعيدين عنه . ليمتد بنا العمر ونحن نعيش الخيبة ونتمثل قول الطغرائي:

ما كنت أؤثر أن يمتد بي زمني حتى أرى دولة الأوغاد والسفل
فيما الإقامة في بغداد لا أهلي بها ولا ناقتي فيها ولا جملي

وهكذا سرقوا منا العمر وسرقوا الوطن وسرقوا كل أحلامنا وطموحاتنا . لنظل أمام هذه الشاشة نجتر الذكريات "وندردم" كالعجائز . نتلهف لأخبار أغلبها لا يسر

موت الاحبة

يحز في النفس ان لااحد يذكرهم، وقد كان لكل واحد منهم عشرات المواقف النضالية والبطولية، فارقونا في ساعة نحس ومندائيونا البررة يلوذون بانفسهم في مدن العراق بعيدا عن القتل والاغتصاب والاجبار القسري على تغيير عقيدتهم الدينية. لقد زرع صبري سباهي في حياتنا اطيب الذكريات لكنه رحل بعيدا عنا نائيا بنفسه عما اخذتنا من مصائب وحروب ومحن فمات غريبا عن الارض وغريبا عن الاهل و قريبا لقلب كل من احبه.

احضرت ذكراه هذا الصباح الى قلبي وسامرته كما كنت طفلا صغيرا في سوق الالوسي للصاغة، وهو يلف ويدور على عمال الصياغة ونقابتهم ،بمنشوراته وكراريسه الحزبية، ولا ينسى ان يوزع قبلاته الصباحية علينا نحن الصغار الذي كان يقول لنا( انتم المستقبل الذي سيبني هذا العراق).

لم اراه منذ سنوات طوال لربما امتدت الى الخمسين، وكل ما اسال عنه يقولون لي ان صبري المناضل الصائغ النقابي العصامي الذي خرج من بيت الصياغة ليلتحق بالجامعة ويكمل دراساته العليا، ليصبح استاذا في جامعة موسكو وله بحوث اكاديمية مهمة في حقل الزراعة، يسأل عن الجميع ويتذكر الجميع ويحن الى العراق والمندائيين الطيبيين.

وداعا ايها العزيز الطيب الذي لم نسمع لك صوتا يعلو على اصوت الاخرين الا بالمحبة والنبل والصدق

فما بين بيتي الغريب وبيتك الابعد تلك المسافة التي حلمت بانها محبة لقاء في يوم ما ومحطة شوق وكلام قد انتهت الان بغيابك الابدي.

سيظل لك حضور دائم في قلوبنا التي احبتك ايها المناضل الفذ

الصبر والسلوان للمربي الكبير عزيز سباهي ولاخية الاستاذ عبد الاله سباهي وللاخت صديقة سباهي

وتغمد الراحل بالطيب والنور

موسى الخميسي

الخميس, 18 نيسان/أبريل 2013 20:28

الدكتور سلمان سيف اول طبيب بيطري مندائي

ولد الدكتور سلمان سيف في قلعة صالح وكان من بين ستة اخوة وابنتين أخوته الذكور, الدكتور فرحان سيف واستاذ الفيزياء المعروف نعيم سيف خريج الجامعة الامريكية في بيروت والباقين ناصر سيف وعبد الجبار سيف وثامر عملوا في عالم الصياغة .. وزوج اخته الصغرى الاستاذ الكبير الراحل غضبان الرومي أمتازت عائلة ابي ان جل اولادها أتخذوا مهنة الطب مثل أبي والدكتور فرحان سيف أختص بطب العيون والدكتور عبدالجبار سيف ابن اخت ابي والدكتورتين سهام الرومي وليلى الرومي والدكتورصهيب الرومي والدكتور نصير سيف وآخرين والدكتور ساطع ابنه الكبير والدكتورة همسة كريم وبعضهم مهندسين مثل ابنه لامع والمهندس قادر عبد الجبار سيف والمهندس نصر والمهندسة سلوى الرومي والدكتورة خولة الرومي موفق الرومي والمهندس أكرم الرومي والمهدنس نزار نعيم سيف وآخرين وكان اصغر أخوته استاذ الفيزياء الكبير نعيم سيف الذي تخرج من الجامعة الامريكية في بيروت وكان عالما في الفيزياء وله مؤلفات في الفيزياء
كان ابي يملك شخصية متميزة بين القوة احيانا وبين الرقة أحيانا أخرى ولعل شخصيته القوية جاءت بتأثير الجيش عليه فحين يدخل الى البيت يسيطر علينا الصمت والسكون حيث ننتظره للغداء فنجلس جميعنا علىالمائدة ويأخذ بطرح النصائح والحكم وحتى كان أحيانا يكتب على قطع من الكارتون ما يريد ان يوصله لنا ويلصقها على الجدران اذكر مرة كتب عبارة فكر واعمل وعندما نام ساعة القيلولة ذهبنا واكملنا العبارة لا تفكر ولا تعمل وفي المساء تلقينا علقة رائعة بالعصا التي يضعها الى جانبه وكانت عصا جميلة تنتهي برأس من الفضة كان يحملها حين يذهب الى العمل وكان هذا شئ معروف ويتميز به رجال الجيش آن ذاك وكنا نهاب تلك العصا التي كانت ترافقه كثيرا
كان ابي صالحا ويهتم بأمورنا كثيرا حين كنت صغيرة لم اكن اجيد رسم الاشياء الصعبة فقد طلبت مني المعلمة ان ارسم للصف صورة حدائق بابل المعلقة وطلبت من ابي ان يساعدني جلس معي واخذ يرسم في تلك الصورة ساعات طويلة وحتى منتصف الليل وبقيت الى جانبه نائمة وهو يرسم بقلم الرصاص والالوان الخشبية وكانت النتيجة صورة اعجبت المعلمة كثيرا وعلقتها في الصف هل كان ابي فنانا ام لا ؟ حيرني هذا السؤال بعد ما رأيناه يرسم فقد اجاد الرسم تماما
كان يجبرنا على كل شئ وكان هذا التصرف يزعجنا كثيرا فرض علي القراءة وانا من العمر خمسة سنين كان يلصق صور الاشياء على قطع كارتون ويكتب الحرف الذي يبتدأ به اسم ذلك الشئ وكنت اخاف ان اقرأ امامه كنت اخشى ان أخطأ ولكن يعود الفضل له في تعلم الكتابة والقراءة قبل دخولي المدرسة واخذت اقرامجلات السندباد المصري لأطفال وكانت سعادتي كبيرة وانا اذهب معه لنشتري مجلة السندباد وانا في الصف الاول بعد وهو الذي جعلنا نعشق الكتب والكتابة والقراءة
وكان يفكك الالعاب التي يحظرها لنا ويطلب منا اعادة تشكيلها ابي كانت له امور تربوية ,كان يريد ان يعلمنا الصبر والمثابرة ولربما الف كتبا في هذا المجال لوكانت لديه الفرصة .
كان يصطحبنا في طفولتنا الى السينما كثيرا في مدينة كركوك والسينمات في الصيف في باحة مفتوحة وفوقنا السماء والنجوم ونحن نشاهد الفلم كان هو شغوفا بأفلام التاريخ وافلام الكوميديا والدراما القويه والتي كان يصعب علينا فهمها ,لا زلت اذكر كيف اصطحبنا لفلم المأخوذ لكريكوري بيك وفبلم سوزان هيوارد سأبكي غدا وفلم عن نابليون وبطلته جريتا جاربو وكنا لا نفهم تلك الافلام لكنها بقيت في ذاكرتنا حتى هذه الايام
لكنه كان قاسيا معنا ونحن صغار لكني اليوم ارى الامر مختلفا بعد ما اصبح لي اولاد يومها فهمت سر قسوته
اول مرة ابي يشتري لنا سيارة في عام 1958 وكانت ماركة فورد قديمة ويوم تعلم السياقة دخل بنا في بستان نخيل في البصرة وعلى صراخنا وهو يرتطم بأشجار النخيل وهو يتجه الى الامام ويتجه الى الخلف حتى حول السيارة الى خردة واظطر لبيعها , في اليوم الثاني اذ قاد السيارة من غير ان يعلمه احد بعد ذلك واشترى اخرى بعد اشهر وبدأ يقودها بأتقان لكنه لم يسق طوال عمره اكثر من سرعة درجة الاربعين وكان هذا مثار جدلنا معه وعراكنا في كل مرة ولم نفلح
ابي احب السفر كثيرا عمل رحلة في عام 1953 حول العالم اخذت منه عدة أشهرسافر على متن باخرة سانت ماريا وذهب فيها الى ايطاليا واليونان وجزر كثيرة اخرى ومدن كثيرة لا اذكرها اذ كنت صغيرة جدا سافر كثيرا في فترة السبعينات فذهب الى مدن الاتحاد السوفيتي وبقى يدور بها اشهرا وذهب الى دول الخليج عدة مرات والى الكويت كثيرا حيث كان يذهب لولديه ساطع ولامع خيث عاشا سنوات هناك
احب مساعدة الناس وخصوصا المحتاجين منهم رغم انه لم يكن ثريا وكان حين يذهب لفواتح الناس يضع مبلغا من المال في مظروف من دون ان يكتب اسمه كان يقول ان هذا ليس دين ابدا وكان من اصدقائه المميزين الراحل ابو عاصف والمهندس خلف منصور وصديقه في الجيش سالم هامل والشخصية المعروفه عزيز شريف وكان يحب كثيرا الراحل قريبه نعيم درع الشخصية التي لا تنسى والخال ابو جرير او زكي البادي اخا زوجته و الذي كان شخصية فذة ايضا
احب احفاده كثيرا وكان يخرج في حر بغداد اللاهب ليشتري دمية لأبنتي أكبرمن حجمها ويتمشى معهم مسافات طويلة وكان يشتري الفواكة اول ما تنزل للأسواق بأغلى أسعارها ويوزعها لأولادي قبل ان يتذوقها
كان يريد تطوير عمله وتطوير العاملين معهم حين كان في الجيش فقد ساعد الذين كانوا يعملون معه ويساعدونه من
الجنود الذين عملوا معه وكان معظمهم أكراد من الشمال في تعليمهم العربية والانكليزية ومختلف العلوم فقد فتح صف لذلك
وكان يريد ان يرفع من معنويات اولائك الجنود وكان يعمل لهم المآدب في رمضان والمناسبات العامة ويغدق عليهم الهدايا.
كان يصطحبنا الى مقر عمله حيث كان طبيب للخيول هناك وقد علمنا ركوب الخيل طيلة تلك الايام وكنا نحب تلك الرياضة
وكنا نشاهد مباريات سباق الخيول النتي يقيمها فنذهب معه , حيث كان يشرف على تلك المباريات في كركوك عليها ويوزع على الفائزين الهدايا أذ كان شخصية مغروفة في ذلك المجال آن ذاك.
كان يذهب الى مقر عمله في مدينة كركوك على حصان ياتي به جندي كل صباح وبعد ذلك وضعوا له سيارة جيب عسكريه كانت تحت تصرفه وانابعد طفلة صغيرة أذكر جيدا كيف كانت أحتفالات الجيش وكنا نرى أبي وافقا في سيارة جيب عسكرية بنياشينه واوسمته والنجمات الذهبية تتوهج على كتفيه وطوق الورد على صدره وكان هذا ايام الملك فيصل الثاني في مدينة كركوك .

أبي عاش بداية طفولته في قلعة صالح بين عائلة متدينة جدا فقد كان اباه سيف المناحي رجل يتبع تقاليد الدين المندائي بشكل كبير وواسع واكمل دراسته الثانوية في مدينة العمارة وتقدم في بعثة دراسية الى مصر لدراسة الطب البيطري
في جامعة عين شمس بقى في مصر خمس سنوات كان يحكي لنا عن مصرالجميلة وذكرياتها وكان له البوم كبير لتلك الفترة من الزمن واختفى الالبوم بعد تركنا العراق اذ لم يهتم بحاجاتنا وأغراضنا وصور ابي الفوتغرافية احد ولم يبقى من تلك الذكريات شئ , ويتذكر الكثير كيف ذهب وكان يعاني من النحافة حين ذهب لمصر وبسبب الفول المدمس الذي عرفت به مصر الذي أحبه اكتسب وزنا من كثر ما اغرم به وقد حظر حفل تخرجه مع زملائه ان ذاك الملك فاروق وله صورة في الزي التقليدي المصري حين ارتدى الخريجون الطربوش المصري الذي كان في ذاك الزمان مثل الملك فاروق وقد رأيت تلك الصورفي الماضي , وكان اول طبيب بيطري لدى الصابئة المندائين وحين عاد التحق في الجيش العراقي كطبيب وتسلسل في الرتب العسكرية الى درجة عقيد في الجيش , واشتغل في عدة محافظات منها مدينة الديوانية المعروفة اليوم بالقادسية وعمل في شمال العراق في الموصل وكركوك انتشر مرض الجمرة الخبيثة بين الخيول واستطاع بجهودة الكبيرة بالقضاء عليه , ونال ما يستحق على ذلك المجهود .. عمل بدرجة معاون مدير البيطرة العام ورشح الى مدير البيطرة العام ان ذاك في عهد الملك فيصل ولكن لاسباب لا نعرفها لم يستلم المنصب الذي يستحقه كمدير عام للبيطرة فاستقال من عمله الدي كان يحبه جدا وكان متفانيا فيه ترك العمل الى الابد وهو يشعر بالاسى وهو ما زال في السابعة والاربعين وبدرجة عقيد في الجبش العراقي ترك عمله بمرارة ما زلت أذكرها
واستقر في البصرة سنوات بعد التقاعد وواشترى محلا تجاريا هناك ووضع فيه بضاعة مختلفة من الملابس لمختلف الاعمار وكنا نزوره في المحل من وقت لآخر ..
كانت له مكتبة كبيرة تضم الكثير من الكتب النادرة التي لم يبقى منها شئ .. أحب من الكتاب جرجي زيدان وحسننين هيكل والمنفلوطي وجبران خليل جبران والكثير من الشعراء مثل عمر ابن ابي ربيعة والمتنبي واحمد شوقي والرصافي والجواهري وابن زيدون وكانت لديه الكثير من كتب الفلسفة والطب القديم والحديث والكتب المترجمة
واغرم بالكتب المترجمة امثال كتب فكتور هوجو واسكندر دوماس الكبير وجوتة وقد كان لديه كل مجلدات الهلال والمختارالتي أغمرت بها انا وحفظتها على ظهر قلب
اغرم بالغناء القديم وخصوصا المقامات العراقية والتركية والغناء المصري وكانت لديه الكثير من الشكل المعروف للأسطوانات القديمة وجهاز قديم معها يمتاز بشكل البوق القديم المتميز وكانت لديه اسطوانات سلامة حجازي الذي أغرم به كثيراو للكبنجي وزكية جورج والمقامات التركية والفارسية واكثر من هام به من المغنين العرب كانت ام كلثوم وكانت عينيه تغرقان بالدموع وهو يستمع الى يا ظالمني ويلي كان يشكيك انيني والاول باالغرام والامل لأم كلثوم وكذلك أسمهان وكنت اسمع اعجابه حين يردد بصوت عال.. الله الله .. وهو يسمعها في باحة الدار .. وكان يحب محمد عبدالوهاب وخصوصا حين يغني للشاعر المصري الكبير امير الشعراء احمد شوقي تعلمت من ابي الكثير في القراءة وفي الاهتمام بتراث الغناء تعلمت من ابي ان استمع لأم كلثوم وانا بعد في العاشرة نجلس معا ونسمعها وهو يمتص كأسه ببطأ وانا اتكأ على كتفه كنت أهاب ابي وأخشاه لشخصيته القوية لكنني احبه واتقرب اليه دائما في أيام الصحو وكثيرا ما كنت اشاهده وهو اراه يقهقه بصوت عال بكل بساطة ويبكي لفلم درامي فلا أصدق.
أصطحبنا كثيرا الى أقصى شمال العراق اذ نبقى هناك اشهرا في تلك القرى النائية وهو يذهب للتمارين العسكرية وسافر بنا عدة مرات الى لبنان وسورية ولم انسى تلك المناظر الرائعة وانا اتمشى مع ابي ممسكة بيده في تلك الاماكن بأحضان الجبال

شارك في حرب فلسطين سنوات وفي حرب شمال العراق وتعرض لأخطار كبيرة تحت وابل من القنابل..
وكان رفيقه في الحرب وصديقه المميز الزعيم عبدالكريم قاسم وقد كان يزور الزعيم عبد الكريم قاسم ايام حكمه في مقر اقامته في وزارة الدفاع كما يزور اي صديق فقد ربطتهما صداقة حميمة وقد كانت لدينا صورة لهما جمعتهما في تلك الايام اختفت مع الكثير من الذكريات أيضا .
تزوج امي وكانت طالبة في معهد المعلمات يومها وانجب اربعة ابناء هم ولدين وابنتين ابنه الاكبر الدكتور ساطع وابنه الاصغر المهندس لامع وابنتيه سوسن و سمر وكانت بغداد مقره الاخير بعد البصرة وعاش بين اولاده واحفاده ولكن في سنواته الاخيرة افتقد ولديه كثيرا حين قررا العيش في الكويت سنواتولم يستطع رؤيتهما بسبب الحرب التي عملها الدكتاتور صدام حسين حين منع السفر لثمان سنوات وحرمه من رغبته الاخيرة ..................................وتوفى في مدينة بغداد في مستشفى اليرموك وكنا انا وامي معه في المستشفى عام 1983 يوم رحيله مع صراع طويل مع المرض فقدنا فيه صوته الذي كان يهز به اركان البيت .. توفى عن عجز الكلى الحاد عن عم يناهز احدى وسبعين عاما. ودفن في بغداد وكان يكره يوم الاحد من ايام الاسبوع ومات فيه كأنه يدري...

كتبت له هذه القصيدة بعد رحيله بسنين
والدي لم يغب
والدي
لم يعد
هذا المساء
وانتظرناه
طويلا للعشاء
ووقفنا
عند باب الحجرة الحالية
نسأل ألليل الطويل
هل سيأتـي؟
لا رجاء

ترك أشياءه الصغرى هنا
سجائره.. معطفه والحذاء
والجريدة
وزجاجات الدواء

وجهاز الهاتف
لم يخبرنا
آه كم عز النداء

أصبح الصمت صراخ
ونواح
وتسائلنا جميعا
هل سيأتي
قبل ان يأتي الصباح

سكب الليل
علينا دمعه.. مطرا
لم تكن في الافق غيمه
كل ذاك المطر
كان بكاء
كنا في الصيف
وما كان شتاء
ونباح الكلب
في ذاك الفناء
ونشيج الحزن
في ارض الشقاء
وبكيناه جميعا
لا رجاء

والدي
لولاه ما كنا نكون
صوته الريح
اذا جاء الينا
حرك كل السكون

وارى وجهه
في كل ركن
متعب الشكل
رقيق النظرات
عذب الصوت
شجي الكلمات
كيف نلقاه
بهذه العبرات ؟

قدح الماء
الذي لم يشربه
خيل لي باقيا
في الركن
منذ سنوات

لم يعد
لم يطرق الباب
ولم نلمح الوجه
الذي كان مليئا بالحياة
لا .. أصدق
لا أصدق أبدا.. انه مات

ووقفنا عند باب الحجرة الخالية
كل أشياه الصغرى ستبقى دكريات
لم يعد
انما الريح تهز اباب
في ذاك الخواء
فتصورنا جميعا
انه والدنا الان.. جاء

الخميس, 18 نيسان/أبريل 2013 16:16

عبد الواحد الهلالي

حرية المناضل تكمن في مواقفه النبيلة

هذا الرجل الذي لم اتعرف عليه، سمعت عنه الكثير، من الخال، المربي الكبير نعيم بدوي، فهو احد رموز ناضلنا وانسانيتنا ، من الذين سعوا لخلق عالم قائم على الوئام والسلام والعدل والديمقراطية. هذا الرجل الذي رحل عنّا ، هو عالم من الحب والهوى المتقد كان يبتكر وطيلة حياته النضالية لانهائيتنا. لقد اختبر عبر عذابات النضال والتضحية والمعاناة والامال، كل كثافة الحب، لقد شعر وعلى الدوام عندما كان يريد اظهار محبته لمبادئة السامية النبيلة، انه يريد اظهار حبه لكل الناس ، واينما كانوا. وان يكون هذا الحب منطلقه، ان يبعد نفسه تماما عن الموت فكريا واخلاقيا. ولانه كان يسترشد بالحياة، فانه ظل وظلت ذكراه كواحد من اعلامنا المندائية يسترشد بممارسات معينة لقوة الفكر والمنطق والمبادىء النبيلة التي تعلمناها منه ومن غيره من رواد نهضتنا الفكرية نحن ابناء المندائية.

لقد خاض معاركه النضالية، وميّزناه كواحد من الناس الذين تقاتلوا من اجل ولادة انسانية جديدة لكل العراقيين، فلم يضّل طريقه، وها نحن نمجده، ونعلو من شأنه.

موسى الخميسي


وداعاً عبد الواحد مطشر
في ذكراه السنوية

الفيلسوف الزاهد

عرفت المرحوم عبد الواحد بشكل وثيق جداً لفترة ثلاث سنوات ونصف وهي الفترة 1974 --1977 في موقع مشروع ماء الكوت الذي كان تحت الانشاء وكنت مديراً للمشروع أي أننا المقاول المنفذ والمسؤول المباشر عن الصرف وبالطبع فلي معرفة وثيقة بعائلته في العمارة.

كان المشروع ينفذ تنفيذاً مباشراً وكانت ظروف العمل صعبة وقاسية وجل من حولي من الموظفين يريد اٍستغلال منصبه ابتداء من المحاسب والمهندس ومأمور المخزن وغيرهم كثر

كنت في موقع حساس ومهم وأنا غير بعثي في محافظة صغيرة نسبياً ومعتمد على كفائتي وامكاناتي الشخصية وهي لوحدها غير كافية مطلقاً.

الحل المناسب لدي هو جلب من أثق بهم من المحتاجين للعمل من أبناء المندائية للعمل في المشروع وسيكونون عوناً لي ضد الفساد من جانب وفي نفس الوقت يستفيدون مادياً في تلك الظروف الصعبة وكان المرحوم عبد الواحد واحداً من ثلاثة والآخران هما السيدان مجيد غافل والمرحوم صباح مهتم الزهيري وقد أثبتوا جميعاً جدية واٍخلاصاً كما عهدنا أبناء المندائية .

أما المرحوم عبد الواحد فقد سحرني منذ لقاءنا الأول و أثبت أنه ليس عونا فقط في المهمة التي انتدبته للعمل فيها حيث اٍستلم مسؤولية المخزن المهمة وضبط بذلك أي تلاعب في المواد لكنني وجدته بحراً متلاطماً من الأفكار المخزونة لديه وفيلسوفاً شغوفاً بتثقيف نفسه وتدريبها على مواجهة العالم بشجاعة المناضل وقدرة البروليتاري الحقيقي الذي لا يتصنع ولا يعيش حالة خيانة الطبقة بل أن طبعه هو ذلك.

كان لا يهمه أبداً ما يأكل أو يشرب أو يلبس أو كيف ينام بل كان يدرب نفسه على التنسك ويرى في الفقر المادي والجلد عليه حالة عادية لا تستدعي القلق في حين أنه يمارس غنى الذات غنى النفس وهي له المجد كل المجد.

كان المشروع شمال سدة الكوت وهو موقع جميل ومثالي لصيد السمك وهكذا كانت (الشبجة) أولى مستلزمات عبد الواحد ثم تلاها ( البلم) وكان يصيد لوحده ويرى في الوحدة خلوة مثالية لتحليل الأشياء وتركيبها والتفكير في العالم والناس والوطن وفي نفس الوقت الانصراف للحلم الذاتي الذي يفسده وجود الناس.

عبد الواحد (صراف أوادم) من الطراز الأول يعمل ذهنه بمهنية عالية في الكشف عن ذوات الآخرين من خلال ما يقولون وكان يقول لي أن الصمت المطبق والتركيز على ما يقول الآخر دون التفكير في الاجابة هي الهبة والميزة التي يملكها ولو أن كل البشر تعلموا هذه الممارسة أي ممارسة الاٍصغاء المخلص الصادق دون محاولة اٍشغال الذهن في التفكير بالاجابة لصلح العالم كثيراً.

اٍصغاء عبد الواحد للناس وصمته كان تعبداً في محراب تحليل الشخصية الانسانية فهو محلل نفسي من نوع فريد وقد أعانني كثيراً في الكشف عن الكثير من عيوب الآخرين وعيوبي أيضاً خصوصاً وأنه متميز باٍجاباته العجيبة العميقة التي تحيل المتحدث الفطن الى أن (يصفن) ويحاول أن يفهم ماذا يرمي عبد الواحد مما قال وكذلك تعليقاته المقتضبة اللاذعة اللاسعة وكأنه يسدد طلقة الى طريدة.

أنا متأكد أنَّ ايا" منّا يستطيعُ أنْ يتخيّلَ كيفَ يقبلُ أكثرُنا

أنْ يعرضوا عريهم أمام الناسْ

دونَ أنْ يدركوا أبدا" أنّ الناس مرايا

مرايا من نوع فريدْ

أنّها تعرّي البدنْ والعقلْ والفعلْ

وهذا المقطع من القصيدة المنثورة التي كتبتها عند وفاته منقول بشكل شبه حرفي من حديث له معي قائلاً أن تصرفات البشر وأحاديثهم تكشفهم بشكل مريع وهم يتصورون غير هذا مع الأسف.

ميكانكية التحليل لدى عبد الواحد هي كما أظن موهبة موروثة طورها باٍدراكه الواعي بعد اعتناقه للماركسية وفهمه الخاص لها خصوصاً اٍرتكازه وتعكزه على الماديات دون الروحانيات من جانب فالمحسوس لديه موجود وهو لايناقش في هذا الأمر ويتصرف بشكل تلقائي على أساسه دون أن يطلب اذناً من أحد ومن جانب آخر يرى ويجادل أن الزمن كفيل بتطوير حالة معينة الى الحالة الجديدة لذا كان دماغه منسجماً مع الديالكتيك الماركسي بشكل تلقائي وواقعي ومحسوم ويرى فيه ناموساً طبيعياً وقانوناً موضوعياً خارجاً عن قدرات البشر في التأثير فيه .

كانت أصعب الأشياء على عبد الواحد فيما يخص علاقتي به هي المصارحة وفي هذا الجانب أحدد ثلاثة محاور:

1) كان بالطبع يعرف الكثير مما يدور في المشروع ويعرف أيضاً أن الجميع يعرفون طبيعة علاقتي الخاصة به لكنه وظف كل هذه العقد المتشابكة من أجل المصلحة العامة بشكل مذهل وظل صديقاً حميماً بعلاقة حسنة مع الجميع وفي نفس الوقت أوصل لي رسائل التحذير والانتباه بشكل غير محسوس وغير مباشر وأحياناً عن طريق طرف ثالث صديق.

2) في الحالة الوحيدة الاولى التي سألته فيها سؤالاً مباشراً عن شخص معين كان رده قصيراً ومقتضباً ومباشراً (آنه مو جاسوس) لم أعد بعدها أبداً لمثل هذا السؤال .

3) لكنني كنت متأكداً أنه مارس دور الرقيب والعين الساهرة التي لا تنام وكسب ثقة الجميع بمعرفتهم أنه لا ينقل لي شيئاً فقد كف عني بوجوده وثقله وجهده كل شر وهو فعل عظيم في زمن ليس برحيم.

عبد الواحد مطشر معرفي موغل في معرفيته دون أدنى اٍعتبار للجانب الديني ورغم ذلك أنا أعده مندائياً من الطراز الأول فقد اٍرتقى سلم المعرفة لذاته أولاً ولمن حوله ثانياً وللعالم المحيط به ثالثاً ونشط في السنين الاولى من حياته في معرفة ذاته واٍستقر على الحالة الذاتية حين التقيته وهو في أوج نضوجه الفكري عارفاً تماماً من هو عبد الواحد كاٍنسان وماذا يريد من الحياة بالتمام والكمال .

علاقة عبد الواحد بالعالم وبالأحياء ناساً وحيوانات علاقة الصياد بالطريدة وهو حين تكون طريدته طيراً غير عبد الواحد حين تكون طريدته اٍنساناً أو سمكة فلكل منها متطلباته ولكل منها محاذيره ولكل منها أساليبه .

اٍن تنمية القدرة على التعامل مع الناس خصوصاً على هذا الأساس دون جرح مشاعرهم ودون المساس باٍمكاناتهم وقدراتهم الذهنية كانت تمثل موهبة غريبة هي مزيج من الحكمة والتصوف والمرونة وبرودة الأعصاب والسيطرة على الذات والايمان بها وهو يملك جميع هذه القدرات المدهشة دفعة واحدة.

كان عبد الواحد من أهل المواهب والمدارك الرفيعة متجرداً من الوجود الجزئي الذاتي ومندمجاً في الوجود الكلي المادي للعالم.

أن عبد الواحد لم يفكر أبداً كما فكر الحلاج وصاح صيحته المدوية أنا الحق فسقط في هوة الذاتية التي هي الأنا القاتلة ففي عرف عبد الواحد أن الأنا هي الوجود الجزئي الفاني في حين أن نفي الأنا هو الأساس فلا موجود الا العالم وهو الأول والآخر والظاهر والباطن.

ولهذا جوز عبد الواحد لنفسه أن يفلسف العالم ويحكم عليه وعلى الناس لا من منظوره الذاتي أبداً بل من منظور من يتحدث بأسم العالم كله وكنت أحس دائماً أنه حين يحكم على الأشياءينزل حكماً جماعياً قدرياً كما لو كان قد تشاور مع كل حكماء وقضاة الأرض.

معرفة عبد الواحد لذاته وقراره النهائي بتساميها وحلولها في رحم الجماعة بل وفي رحم جميع الأخيار وأن يصبح صوتهم صدمتني في البداية وشعرت بقسوة هذه المعرفة التجريدية الموغلة في استقراء الذات وأبعادها وما تريد وما تحب وما تكره.

كانت هذه المعرفة تتجاوز بل تنكر أحياناً العائلة والأخوة والأخوات والوالد والأم والأولاد والبنات وكأن عبد الواحد صاغ من نفسه ومن قدره ومن تجربته الحياتية وشكلها ووصل بها الى الاستنتاج النهائي المريح وقضى كل عمره المتبقي في التفرج بشكل واع على العالم مساهماً بشكل فلسفي زاهد في اٍسعاد ذاته بأفعال لا تضر أحداً ممسكاً بفالة الصياد ومردي البلام وبندقية الصياد وشبكة السماك والأهم من كل ذلك معتصماً بصمت مطبق كصمت أبي الهول رافضاً أن يتحدث عن رؤاه وأحلامه فالعالم لدى عبد الواحد عالم موبوء مسلول مجذوم مخبول مرفوض مرفوض مرفوض .

أدى رفض عبد الواحد مطشر للعالم من حوله من خلال اٍستنتاجه أن البشر مجبولون على الخطيئة الى نوع مذهل من التوحد ورفض دخول الآخر الى عوالمه مهما كان عزيزاً وقريباً منه ومهما حاول التقرب منه وأنا واحد من هؤلاء الناس الذين رفضهم برفق وأناة والى التوجه الى غربة فرضها على نفسه مقتنعاً بالشرنقة التي نسجها ودخل فيها مؤمناً أن شرور العالم اللانهائية يمكن الخلاص منها بتحدي الذات من خلال فعل فردي ولهذا كان يعشق الصيد منفرداً ففيه كان يحقق ذاته ويفنيها في نفس اللحظة .

كانت المخاطرة خلال عملية الصيد شيئاً يهواه بل ويتعمد الذهاب اليه بقدميه وحين كنت أنهاه أو أحاول أن أثنيه عن الذهاب لوحده الى جزيرة شيخ سعد بالدراجة النارية والمبيت في الصحراء كان يبتسم اٍبتسامة المدرك لمنطلاقاتي وأسبابي والمدرك أيضاً لجهلي انه ذاهب للمخاطرة برجليه ليحقق بها على الأقل ما لم يستطع تحقيقه من بطولات في عالم الواقع وكذلك لينفرد بنفسه في فضاء فسيح لانهائي.

قال لي مرة ألا تدري يا أبا وسام كم جميل أن ينام الأنسان في ظلمة كاملة والنجوم بكامل قبة السماء فوقه بلا أي أضواء أرضية أو مباني تحجب النجوم.قلت له ألا تخاف أن يهاجمك حيوان ؟ ألا تخاف أن تتعطل الدراجة النارية؟ واٍن لم تخف على نفسك فهناك العائلة والذين يحبونك وأنا منهم ومن واجبي أن أقول لك ذلك. أجابني بالحرف الواحد:الخائف اٍنسان ميت وطلعة الشمس واٍنتظار الغزال يجي للمي يشرب ويه أول خيط ضوه عندي ولادة جديدة .

عبد الواحد كان قدر توحده منغمساً بمعاناة الناس مدركاً لبلواهم عارفاً كم هم مغلوبون على أمرهم وكم يعانون وهو أول المعانين وحتى من يراهم منحرفين سياسياً ومعادين لفكره يجد لهم بعض المبررات ويحاول أن يبرهن على أنهم مغرر بهم أكثر من كونهم أصحاب عقيدة.

عبد الواحد اٍنسان صابئي مندائي وطني عراقي صميم ذو اٍباء وشمم وترفع عن الدنايا والخطايا والآثام.

عبد الواحد لو أتيح له حظ أوفر من التعليم لأرتفع أعلى ولأفاد ملته وشعبه أكثر بكثير.

عبد الواحد اٍنسان بحق وحقيق وعظمته تكمن في اٍنغلاقه السري على معرفته عن العالم والناس وسكوته وصمته وترفعه عن الحديث عن العالم الدوني الزائل الذي كما يقول هو لا يستحق منا أن نلتفت اليه ونعطيه الكثير من وقتنا واٍهتمامنا وهو الزبد الذي يذهب جفاء.

عبد الواحد لقد تركتَ بصمتك بل بصماتك في كياني الفكري وهي باقية خالدة ولهذا أجلك ياأخي العزيز الغالي.

أحس دائماً أن فيّ منك الكثير .

أشعر بالأسف والألم لأنني لم أعطك حقك وأنت حي رغم أنني عرفتك جيداً وشغفت بملكاتك المدهشة.

عبد الواحد أنت تملك براءة الأطفال وألوان الفراشات وعمق الفلاسفة وذهنية العلماء وطيبة المندائيين الأصلاء.

عبد الواحد لقد حققتَ ما أردتَ باٍستخفافك وتنزيه نفسك عن وسخ الدنيا:المال والتسلط والتكبر وحب الذات والايذاء.

ولهذا أنت خالد ما مر الزمن لأنك لم تكن اٍلا ما أردت أنت أن تكون : الأنسان الأنسان الانسان

 فهيم السليم

 

اخي عبد الواحد انت الراحل والحي في ذاكرتي ووجداني

صدا ذكرا مسيرة حياتك الطيبة يدونها الأن محبي الحرية والانسانية
لانك حملت
هموم المعدمين منذ بداية شبابك عندما كنت تسهر
لتصطاد اللحن الحزين الذي ينادي في الازقة الضيقة في محلة السرية
(ليلا آه يا محلبي )
(آه يا ما أصابني )
وحين تسمع هذا اللحن الجميل الحزين تسرع لتاخذ صحنا من المحلبي مع لفافة من الأوراق التي جلبت إنتباهي لأ ول مرة في سنة 1955 وعرفت انك تقرأ ما يعانيه الشعب من فقر وجهل وسياسات إستعمارية عدوانية مسيطرة على مقدرات الشعوب
أخي طاب ذكراك وذكرا الساعي الذي لحنه لازال ينادي به الشعب العراقي والطوائف المتأخيه آه يا ما اصابنا
المجد والخلود لشهداء الحرية والسلام
الف تحية للاخ الاستاذ فهيم السليم الذي أصاب الحقيقة ودونها بصدق وأنسانية
خيرية الهلالي
اليوم وقد مرت سنه على رحيل المناضل البطل عبد الواحد الهلالي
لقد ترك المرحوم برحيله هذا فراغا كبيرا بين اهله ورفاقه ومحبيه .فراغا لايمكن تعويضه ابدا م وقد مرت سنه على رحيل المناضل البطل عبد الواحد الهلال,لقد كان المرحوم بروليتاريا مناضلا شجاعا عنيدا منذ نعومة اظفاره لايعرف معنى التردد او الخوف 0
لااريد هنا ان اكثر من الاطراء كونه شقيقي وان ابالغ في ابراز شخصيته الفريده النادره..لقد تناول هذا الموضوع الكثير من اصدقائه ومعارفه الذين كانوا قريبين منه حيث تحدثوا عن بعض صفاته الاجتماعيه والسياسيه وعن شخصيته المميزه في عالم اليوم .فالف شكر وتقدير لهم على هذا الوفاء والاخلاص لذكرى هذا الانسان العظيم
مهما كان الانسان قويا او شجاعا قد تمر به في يوم من الايام ضروف صعبه او قاسيه يمكن ان ينال منه الخوف شيئا او يتردد للحظات - ان كل الذين كانوا قريبين من هذا الرجل يعرفون ان لا مكان للخوف في قاموسه اطلاقا .كان يقضي ايام وليالي في الهور او في منطقة الطيب او الجزيره وكان يقارع الدكتاتوريه والطغيان بلا هواده او تردد ان كل سكان تلك المناطق يحبونه ويحترمونه لشجاعته وطيبته وبساطته المتناهيه حيث يسمونه (جيفارا الصبي )
أتذكر في عام 1964 وعندما القي القبض على اكثر العراقيين في ايران من قبل السافاك الايراني -عدنا الى العراق انا والاخ نوري رحيم الناشي عن طريق هور العظيم الفاصل بين العراق وايران في منطقة ناحية المشرح في ميسان - ونحن في منتصف الهوراعترض بلمنا ثلاثة اشخاص راكبين بلم يسألون (الكايد ) عن هوياتنا ووجهتنا فاخبرهم بان الذين في البلم احدهم شقيق (ملا عبود )اي عبد الواحد فما كان منهم الا الاعتذار منا وتاسفهم لاعتقال المرحوم في الاهواز واهدونا سمكه لغدائنا وسألونا ان كنا نحتاج لاي مساعده .
لقد رحلت ياابا رعد لتكون مرتاحا ومطمئن البال وبعيدا عن الذين عاملوك بقساوه مابعدها قساوه وظلم مابعده ظلم وانت تعاملهم بطيبتك المشهوده واخلاقك الساميه - ثم يذرفون دموع التماسيح عليك بعد رحيلك:
اخواني بهذه المناسبه الاليمه اطلب من هيي قدمايي ان يحفظ جميع المندائيين في كل مكان من المعموره.
شكري الخاص للاخوه الاوفياء الذين لم تفتهم هذه المناسبه باستذكار
شقيقنا المرحوم ابو رعد واخص منهم الاستاذ فهيم السليم والف شكر للقصيده الرائعه المعبره عن الاخلاص والوفاء المندائي الاصيل وشكري للاستاذ الطيب موسى الخميسي والعزيزفاضل فرج خالد والاديب الاستاذ ابن الخاله مديح الصادق والاخ خليل ابراهيم الحلي والى كل الاخوه الذين شاركونا مصابنا هذا

حمودي الهلالي

انه الزمن لا

شيء غيره يفتح مواقيتنا ويغلقها عنوة لقد كانت الحياة ومازالت غرفه انتظار الموت

وفي الليل..وفي ليل الليل في غموضه وكأنه على موعد مع الاقدار ينام على جمر الموت مطفأ مصباحه الابدي كان دائماً يرغب العزله مع الطبيعه بحب لايوصف وكأنما خلقت لأجله فقط ينتظر سويعات الصبح لكي ينصب شباكه على الانهار وفي جداول الطيب ليصطاد السمك تم يجمع الحطب ليوقد النار الازليه.لم يبدأ شوطه مع الحياة في نقطه معلومه كان يقتحم مجاهيل الحياة وغموضها كانت روحه شفافه ورقيقه عكس صلابةعوده وتحمل الاسفار وتبرق عيناه السودوان تتلامع مع خيوط الفجر وتدعو الجميع للنهوض المبكر للسفر والعوده للمدينه بعد سفرة صيد ممتعه ويجمع شباكه واغراضه في دراجته الناريه(البانونه ) ويعود الى محلة السريه وقد جمع في شباكه صيد ثمين جمع الحب والود الصادق وحلاوة الايام

أبا رعد أنت لم ترغب الرحيل عنا لكن روحك ارادت ان تهدأ وتستكين بعيداً عن ضجيج السفر والصيد ارادت ان تستقر وتلملم أشلائها المبعثره في العالم الاخر

خليل ابراهيم الحلي

 

عبد الواحد الهلالي , مندائيا , إنسانا , شيوعيا

للعيد نكهة في تجمعات المندائيين أيام الستينيات , وما قبلها , مثل محلة { الصبَّة } في { الحلفاية } , { المشرح } فأهل بغداد يسبقونه بأيام مشاركين أهلهم مراسيم , ومظاهر ما قبله , وما بعده , أما أهل العمارة القريبة فيخصون أهلهم ومعارفهم بزيارات خاطفة لتبادل التهاني , أو قضاء ما تبقى من أيامه في سفرات للهور أو القرى المجاورة بغية التنزه , او التصيد , كذلك للأفراح طعمها الخاص حيث الولائم تجمع الصغار والكبار , والطرب , والسمر , وأحاديث الأولين , وفي الأحزان يتجسد التلاحم والتآزر في دفع الأذى , وقهر الحزن والألم , كالجسد الواحد دون تمييز عائلي أو عشائري

وسط تلك الأجواء عرفته , عن قرب عرفته , رغم فارق السن بيننا , فأمي تناديه : { خوية عبد الواحد } فهي ابنة خاله الذي يخصه بحب وتقدير عاليين , مثل كل الذين عايشوه , حتى دخل القلوب بلا استئذان , { جيفارا } ينادونه - بهمس - ولم نكُ وقتها نفقهُ ما تعنيه تلك المفردة من معان راقية , بل حسبناها نوعا من المشاكسات مع الذين نحب , وقد توقعنا منه غضبا ؛ لكن ظننا قد خاب ولم نفلح في إغضابه , وهل يحرك الإعصار أعماق المحيط ؟ , وقد آن الأوان بعد حين لنفهم ما تعنيه { جيفارا } لكل حر شريف

تأخذه الخالات في الأحضان , بيتا بيتا يزور الأحبة , عن الصغار يسأل قبل الكبار , يداعب هذا , ويمسح باللحية الخشنة خذ ذاك , وتلك ينتزع منها { محراث النار } فهو أستاذ خبير في الشواء , تفوح منه طيبة النفس فتشتهيه النفوس , والدراجة النارية دوبتها ملآى بالمتاع من كل نوع واحتياج , وشباك صيد , وأقلام وأوراق مخبأة في الطحين يدعي أنها للف التبغ عند طول الترحال , طالب علم كان , يناجي الطبيعة , منها يستمد العون لفهم الحياة , والناس

وعرفته , إنسانا , شيوعيا , لا لأنه ارتدى بدلة حمراء , أو نقشا للمنجل و{ الجاكوج } أو قبعة بصورة { لينين } } وما تباهى يوما بأن يقرأ { رأس المال } فحين قُدِّر لي ان أفهم - على صغر - معنى الشيوعية للإنسان , متى وكيف يحق للمرء أن يُسمى بها ؟ , أو يطلقها عليه الآخرون , فهمتها قبل أن أقرأ { أصل الأنواع } وما كتب

عنها { ماركس وأنجلز ولينين } أو ما جاء به { المرتد غارودي } من

تحريفات , قرأت الشيوعية في عيني { عبد الواحد } سمعتها في دقات قلبه وهو يواسي الفقراء والمغلوبين , في تواضعه وجدتها , في التسامح عنده , في حبه للناس , لكل الناس بلا استثناء , في سخائه بأقصى غاية الجود , بالنفس قبل المال , وإن لم يملك منه الكثير , فقد أدار ظهره للخزائن من الزائلات , واكتفى بما يغنيه عن السؤال

عرفته شيوعيا إذ كان يقارع الأشرار المرتدين عن خط ثورة تموز فنال جراء إخلاصه نصيبه من السجن والتعذيب , وعاد قويا يناورهم في الهور , والطيب , والبسيتين , وأهل بيته كلهم مطاردون , مهاجرون , كما كان كبيرا من ذلك نصيب المندائيين لأنهم طيبون , مسالمون , محبون للخير , فاتهموا بأنهم علموا المبادئ تلك للشيوعيين , وأن { ماركس } كان مندائي الجد لهذا نادى بالمساواة

وعن قرب عرفتك { أبا رعد } حين اشتد الحصار على الأخيار , ولم يعد راتب الموظف كافيا لعلبة دخان ؛ فافتتحتُ محلاّ { لتصفية الذهب } في سوق الصاغة الكبير , في العمارة , واخترتُك في موضع الشريك , الأمين , المخلص , الغني النفس , المعلم , الصديق , فكانت أجمل الأيام , والذكريات مع الذين يزيدهم أنسا التعامل مع الرجل البسيط الذي يقنع الآخر بما لديه من أفكار دون الولوج في النظريات والقوانين , ويذكر ذلك أهلنا الأحياء من صاغة ميسان إذ كنت تردد عبارة قالها عمنا المرحوم { إبراهيم الحلي } : { لا صاحب مال كثير ملكَ , ولا ذو القليل منه هلكَ } وهي تجسيد لما تحمل من القناعات

كنت تصغي - بكل احترام - لوالدي المرحوم { أبي مديح } وهو يتحفنا بما في جعبته من تعاليم الدين , أيام العشائر , الأهازيج , الحكمة في الدواوين , وكنت أقرأ فيك أنك تسجل كل ما يُقص عليك

فأنت ابن الديوان , وحلية الديوان

سيبقى ذكرك خالدا فينا , أيها العزيز , القريب , البعيد , وسوف نقص على أحبابنا سيرة رحال , مناضل , أحب الناس فأحب الطبيعة , وهو لم يهرب إليها - كما ظن آخرون - بل كان بها يستنجد , يطلب العون كي تعينه على فهم حقيقة الكون , والإنسان

نم قرير العين , مطمئن الخاطر - ياخال - فكلنا أنت , وما زلت الأخ , الصديق , المعلم , الكبير بما سموت به من أخلاق , سأبكيك , دوما , لا لأنك مُتَّ , فما مُتَّ وأنت فينا حيُّ ؛ بل لأنك غادرت وقد فاتني أن أنهل منك المزيد

مديح زامل الصادق

الخميس, 18 نيسان/أبريل 2013 12:09

ابراهيم حسن الحلي

هذه سطور قليلة من شخصيته وجدت مالا تطيق حمله الصفحات من انجازات وحب وتضحية لرجاحة عقله وسداد رأيه. التواضع والبساطة في الشخصية وحب المندائيين هو نهجه الذي اختطه في حياته
فهورجل صاحب عطاء بكل معنى الكلمة يُكرم بدون علم الاخرين بيته دار لضيافة أبناء الطائفة في أي وقت، أفنى سنين عمره عطاء وتضحية وحصد السمعة الطيبة والترحم، بقلبه من محبة مالم يستقر بقلوب الاخرين فقد حمل هذا الرجل هموم المندائيين على اكتافه , كان مدرسة بحق في بذل النفس والمال ومثال في التفاني والثقة والعطف أين ماتذهب تسبقك سمعته الطيبة بترحم الناس له . في كل مكان له قصة عطاء تنطق بها الشفاه .

ابراهيم حسن الحلي (بهرم برشارت سيمت)عميد العائلة الصابرية

ولادته في عام 1925 في مدينة العمارة نشأ في عائلة دينية لها علاقة طيبة مع جميع المندائيين كان والده صائغ في مدينة العمارة( في شارع بغداد) حيث كان عدد الصاغة يعدون على عدد الاصابع اليد في مركز مدينة العمارة ويلقب ( حسن الحلي ) فكان صادقاَ في مهنة الصياغة وتعامله مع الناس وكان يكسب رزقه بالحلال ولهذا سمي حسن الحلي وقد ذاع صيته في المهنة في جميع المحافظات الجنوبية ووصل الى المناطق العربية في ايران.

لقد نشأ ابراهيم نشأة دينية في كنف العائلة مع اخوته شنيشل وخضر وهاني واختهم الوحيدة رسمية كان يعمل في محل الصياغة مع والده .بدأ شاب يافعاَ متديناَ يؤدي مراسيم البراخة اليومية على ضفاف نهر دجلة في العمارة. نذر حياته لخدمة الطائفة فكان في أيام الاحاد والمناسبات الدينيه يقوم بأجراء طقوس الذبح الحلالي واقامة طعام اللوفاني على ارواح الاموات لاغلب المندائيين وفي الاعياد يذهب الى اغلب بيوت المندائيين في محلة السرية المحلة التي يسكنها الصابئة في مدينة العمارة لذبح الذبائح لهم .وكان يكسي الايتام والارامل في الاعياد ويقدم لهم المبالغ مالية بشكل مستمر ويخصص لهم راتب شهري على نفقته الخاصة. من ابرز صفاته الصبر والكتمان على الشدائد وصدره صندوق لاسرار الاخرين تطرح المشاكل المستعصية على ابناء الطائفة في مختلف المجالات يجد الحلول الناجعة والسريعة لها والجميع يقتنع بها وينهي الازمات والخلافات العائلية بحكمة ودراية .ونظرا لحبه لابناء طائفته وعلاقته الحميمة مع الجميع تعقد في بيته المجالس الدورية ( مجالس القهوة ) ليجتمع ابناء الطائفة للسمر وقضاء اجمل الاماسي حيث يلقى ابناء الطائفة القصص والاشعارويستمع الحضور الى سماع الاخبار عن طريق جهاز الراديو في بداية ظهوره والاستماع الى الكرامفون في داره.

وكانت هذه المجالس تقام بشكل دوري في البيوت في محلة الصابئة (محلة السرية) فقد نذر الرجل وقته لخدمة المندائيين وبجهوده الشخصية مع مجموعة من أخيار الطائفة في العمارة استطاعوا تسيج المقبره وتعين حارس لها وتبليط الطريق المؤدي لها . بعدها تبنى مشروع بناء المندي في العمارة وقد فرغ نفسه لمراجعات دوائر الدولة في العمارة لما يكنه المسؤولين من احترام له من أجل الحصول على قطعت أرض على شواطيء نهردجلة في العمارة وعمل بتفاني مع اخوته من أبناء الطائفة كل من المرحوم حمادي مغامس والمرحوم جبار طرفي والمرحوم مطشر تقي فتكللت تلك الجهود بالنجاح بأستحصال قطعة الارض على ضفاف نهر دجلة نهر(الكحلاء) في العمارة بعدها باشر بحملة جمع التبرعات من أجل بناء المندي وأستمرت الحملة لجمع التبرعات والبناء اكثر من سنتين جابوا بها محافظات بغداد والبصرة لاجل انجاز المشروع وتوجت جهوده مع اخوته بالانتهاء من بناء المندي وتأثيثه بشكل كامل بعدها تم تشكيل مجلس الشؤون للطائفة في العمارة من قبل رئاسة الطائفة وانتخب ابراهيم حسن الحلي رئيسا َ للمجلس عام 1986 وبقى يشغل هذه المهام سنوات عدة حتى انتقاله الى العاصمة بغداد عام 1993. وكان يقوم بتوجيه الدعوات للمسؤولين الحكومين في المحافظة لزيارة المندي والاطلاع على الطقوس الدينية التي تقام به في الاعياد والمناسبات الدينية شارحا لهم المناسبة ودلالاتها الدينية .بعدها انتخب عضو مجلس الشعب المركزي في المحافظة وقد مثل أبناء الطائفة في المحافل الرسمية والمؤتمرات أحسن تمثيل فقد شارك في مؤتمر الطوائف والاديان المنعقد في فندق الشيراتون عام 1992 والمؤتمر الثاني للطوائف والاديان عام 1993 في فندق الرشيد وتحدث عن مطاليب المندائيين وهمومهم في ذلك الوقت . وقد كرم لعدة مرات من رئاسة الدولة. ومن مجلس المحافظة لخدماته الجليلة التي قدمها لابناء الطائفة ولاهالي العمارة .

بقى هذا الرجل الجليل ناذراَ نفسه لخدمة الطائفة طيلة سنين حياته وشارك المندائيين جميع مناسباتهم لايمنعه في ذلك بعد مكان المناسبة ومايتحمله من مشاق السفر وما يعانيه من جوع وعطش لكونه حلالي لايستطيع تناول طعام الطريق . وافاه الاجل و غابة شمسه عن السطوع في 25-7-2003 في بغداد ليطوي صفحة من الصفحات الزاخرة بالعطاء لطائفة الصابئة المندائيين.وترك خلفه كنز من السمعة الطيبة لاتصنعها مليارات الدنانير.

الأربعاء, 17 نيسان/أبريل 2013 04:25

المندائي الباسق

بين عزيز سباهي وبيني سرّ ما يحدث للمندائيين هذه الايام، ومسرة ما قاله الشريف المرتضى بحق هلال الصابي، شاعر المندائيين البغداديين.

فقد كان هذا المندائي الباسق، يوم ضمتنا وآخرين، لاول مرة، قبل نيف واربعين سنة، حجرة طينية، في سجن نقرة السلمان شيدت من قبل النزلاء واتخذت كدار سرية “للطباعة والنشر” قد علمني صناعة الصبر وصياغة العبارة، وكان يقول لي وانا استنسخ النشرة اليومية من بين يديه في منتصف الليل ان الصبر وحسن الصياغة يغيضان الخصم، لاسترشد بهذه الوصية الى السبب الذي يجعل من المندائيين عرضة لحملة بربرية ارهابية طائفية، ملاحقة وقتلا وتهجيرا.. حيث غرز المندائيون اصولهم واسمهم في تربة العراق في صبر اسطوري لا مثيل له، وانشغلوا بمهنة وفن المصوغات فجرَدوا منها موضوعا يتصل بحب الحياة وانسيابها وجماليات السلم الاهلي القائم على تعددية العبادة والاعتقاد والبشَرة والرأي.

عزيز سباهي طويل القامة، وكان ينحني كثيرا حتى يدس نفسه من ستارة باب الحجرة الناصي الى باحة ضيقة مكتضة بالحاجيات، يجلس، ثم يلصق اذنه في جهاز الترانسيستر لتتوزع يداه بين الجهاز، يضبط مؤشراته على الاذاعات المطلوبة، وبين القلم، يسجل فيه على ورق ابيض مخطط الاخبار والتعليقات، نتلقفها منه لنعيد كتابتها وفق توجيهاته، ثم لا يلبث ان يلاحق، شؤونا تفصيلية لأكثر من الف نزيل تصلح ان تكون مادة للنشر والتعبئة والتوعية والصبر. كان صبره يتبدى في عنايته الحاذقة بالكتابة، إذ عُرف بانه صاحب افضل يراع تخط الحروف والسطور، وقد حاولت مرارا ان اتتبع طريقته في صناعة هذه الاناقة الساحرة غير ان الصبر سرعان ما يخذلني، وكنت اعلل النفس لتأويل هذه المفارقة بالقول: 

الصابئة تعلموا من مهنة الصياغة الصبر على البلوى.

وليس ثمة مبالغة في القول بان”البلوى” التي يتعرض لها، الآن، مندائيو العراق تختزل في ذاتها مشروع تدمير العراق..المشروع الذي يتخفى تحت ضجيج شعارات المقاومة والتحرير وحماية المقدسات والاسلام وحقوق المذاهب، فقد عبرت اعمال التنكيل والتضييق ضد المندائيين وعائلاتهم ومصالحهم وحقوقهم الدينية كل حدود السياسة والاخلاق والقيم، وخلقت ترسيما خطيرا لمستقبل هذه الطائفة التي احتلت مكانا بارزا في اللوحة التاريخية لسكان وادي الرافدين، الامر الذي عبر عنه الشريف المرتضى وهو يخاطب المندائي البغدادي الشاعر هلال الصابي بالقول:

وانك من اناس ما راينا لهم إلا الرئاسة والجلالة.

وعزيز سباهي، ايضا، من اولئك الأناس الذين تغير عليهم الضواري في حاضر العراق العاصف، فلهم مجد الصبر والابداع..ولأبي سعد العمر المديد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

...وكلام مفيد

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

“لأننا نتقن الصمت..

حمّلونا وزر النوايا”.

غادة السمان

الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013 21:29

الشيخ جودة بن الشيخ داموك

1858 ـــ 1940 م

هو الشيخ جودة بن الشخ داموك بن شيخ صكر بن شيخ بهرام ويمتد نسبه في سلالة من رجال الدين حتى عهود قديمة.

ولد في منطقة ( المنتفك ) عام 1858 قبل انشاء مدينة الناصرية وتوفي والده وهو في سن الثانية عشر ة وهو اصغر من اخويه الشيخ عيدان والشيخ محيي باكثر من خمسة عشرة عاما او تزيد كان يتميز بطول قامته وبياض بشرته وقوة جسده كما كان يهوى ركوب الخيل في شبابه , وكرس كرجل دين عام 1878 تقريبا على يد عمه شيخ صحن بن شيخ صكر واصبح (ترميذا ) ثم ترقى الى ( كنزابرا ) في نهاية العقد الاخير من القرن التاسع عشر في مدينة العمارة , غادر مدينة الناصرية الى العمارة على اثر مقتل اخيه المرحوم الشيخ عيدان عام 1893 تاركا اخاه الشيخ محيي في سوق الشيوخ وعند وفاة اخيه الشيخ محيي في الناصرية وابن عمه الشيخ سام الشيخ شبوط في قلعة صالح عام 1915 اختير من قبل رجال الدين المندائيين كمرجع اعلى لهم وقد عزز هذا التقييم بعد سنين بمقترح قدمه الشيخ يحيى بن الشيخ زهرون بتشكيل رابطة تضم كل رجال الدين المندائيين في العراق وتوزيع اعمال رجال الدين بموجبها وبذالك اصبحة منطقة الناصرية خاضعة لشيخ دخيل شيخ عيدان ومنطقة عربستان للشيخين مصبوب بن الشيخ مجذوب وعبد الله بن شيخ بهرام وقلعة صالح وغيرها من المناطق تحت امرة عدد من رجال الدين الاخرين , وتركت مدينة العمارة خاصة لشيخ جودة تكريما له ولكن هذه الرابطة لم تدم طويلا بسب الخلافات بين رجال الدين.

ومما يذكر ان شيخ جودة حين حل في مدينة العمارة لم يكن بها مندي للطائفة فبنى بمساعدة المندائيين ومؤازاتهم اول مندي لهم على نهر الكحلاء ورغس حوله الاشجار المثمرة والزهور فصار متنزه يرتاده رجال الدين والمندائيون عموما يجرون فيه طقوسهم الدينية كالصباغة والزواج وغيرها .

وبقي هذا المندي المتواضع قائما لسنين طويلة الى ان تم انشاء القوة النهرية في مدينة العمارة في المنطقة ذاتها عام 1934 فازالوه وبقيت الطائفة جراء ذلك بدون مندي وصارت الطقوس تجرى في البيوت او على شاطئ نهر الكحلاء .

كان المرحوم يجيد اللغة المندائية اجادة تامة كما كان يحذق اللغة العربية باقتدار وكان رمزا متميزا لرجال الدين المندائي الملتزم وقد وصفته السيدة (دراور ) بانه نموذج للرجل المندائي الكامل , وكانت تثبت صوره في مستهل مؤلفاتها رغم انه لم يكن يتعاون معها الا بحذر وقد ابى تزويدها باية مخطوطة دينية رغم الحاحها الشديد عليه.

كان المرحوم يمارس مهنا مختلفة اضافة الى اعبائه الدينية فقد اشتغل بالنجارة والصياغة وجرخة الشذر وحياكة (الهمايين) كما مارس مهنة جديدة كهواية وهي نحت (هواوين) من المرمر الاحمر وقد اهدى اكثر من 18 هاونا منها لوجها المندائيين استعملت لطحن وتحضير القهوة كما قام باستنساخ عدد من الكتب الدينية المندائية بخطه الجميل والتي لازلت موجودة عند البعض من المندائيين كما كان جريئا في مجال الطب فقد كان يعالج الكسور بتجبيرها وقد انقذ اثنين من المندائيين من كسور خطيرة اصيبا بها احدهما ابنه (داخل) والاخر (مالك سيف) وعندما اشتدت الازمة الاقتصادية العالمية في الثلاثينات وتدنت الحالة المعاشية للناس ومن ضمنهم المندائيين لم يثقل الشيخ على المندائيين في تدبير معيشته فمارس مهنة بناء الزوارق وتاجيرها لبعض البقالين المتجولين بين القرى المنتشرة على ضفاف الانهار . كان المرحوم نموذجا لرجل الدين الاداري الحازم يهابه المندائيون ويحترمونه وكان يحل خصوماتهم ويقضي بينهم ويشارك في ازماتهم ويراجع دوائر الدولة من اجلهم كما كان ذا هيبة بين الطوائف الدينية الاخرى وعين في مجلسي الادارة والبلدية ممثلا لطائفته في مدينة العمارة في اواخر العهد العثماني وبقي كذلك حتى عام 1930 في العهد الملكي ومن ماثره الدينية قيامه بطراسة ستة شيوخ في العمارة هم الشيخ زهرون وشيخ عبد اولاد شيخ محيي وشيخ دخيل شيخ عيدان وشيخ ادم ابن شيخ جاد وشيخ ضيدان بن شيخ مطلب وشيخ كميت بن منتوب .

وختاما نقول ان شيخ جودة كان شهما عفيفا لا يطمع بمال وكان يساعد كل محتاج وقد اكمل سيرته في طريق الايمان حتى وافاه الاجل في 25 شباط عام 1940 في العمارة .

رواهه نهويله

إن من يطلع على الأعمال والأبحاث العلمية التي قام بها د.عبد الجبار عبد الله ، وكذلك على كتبه وترجماته ومقالاته العامة ونتاجه وآرائه وأفكاره في العملية التعليمية والتربوية يدرك القيمة الحقيقية لمكانته كعالم مرموق في مجال الأنواء الجوية، ويعرف أنه ريادي في بعض فروع هذا العلم وأستاذ جامعي ومربي وتربوي قلَّ مثيله. عندئذ يفهم المرء مقدار الخسارة التي مني بها العراق لدى فقدانه عبد الجبار عبد الله. ويشعر المرء بالحزن العميق عندما يعرف ما ألمَّ به إثر الأنقلاب الدموي في شباط 1963 حيث إن ذلك العالم الكبير والأستاذ الجليل والمربي الفاضل والأنسان المتواضع المحب لوطنه وشعبه قد ضُرب وأُهين وأُلقي به في السجن.

ومع الأسف فإن ذلك الحزن ما يزال مخيماً على العراقيين إذ يفقد العراق المئات من العلماء والأطباء والمهندسين والفنانين والمبدعين في مختلف المجالات يفقدهم بين قتيل أو مهاجر. وفقدانهم يعتبر خسارة لايمكن تعويضها فهم الخبراء والمهرة وأصحاب التجارب الكبيرة في أعمالهم واختصاصاتهم. وما أشد الحاجة إليهم اليوم حيث يريد بلدنا أن ينهض من جديد!

لقد حُرم العراق من الكفاءات والخبرات المتميزة لرائد علم الأنواء الجوية في العراق الحديث عبد الجبار عبد الله عندما اضطر للهجرة إلى امريكا. وهناك نشر معظم أبحاثه العلمية سواء إثناء دراسته لنيل الدكتوراه أو بعد عودته إليها ثانية. وتدل مقالاته العلمية على انه كان في قلب الجبهة الأمامية لعلم الأنواء الجوية في ذلك الوقت. إن أبحاثه تشير إلى خيال خصب وأفق واسع وإطلاع وفير لهذا العالم الجليل في مجال تخصصه. كان في بداية كل بحث من بحوثه معتاداً أن يوجز أهم ما توصل إليه الباحثون الآخرون، ومن ثم يبيّن أهمية الموضوع ألذي يتناوله هو أو النموذج الجديد الذي يضعه، يدخل بعد ذلك في صلب البحث نفسه، ليصل أخيراً إلى ألنتائج النهائية مقارناً إياها بالنتائج العملية المتوفرة.

معظم أبحاثه كانت حول الأعاصير والرياح القوية والزوابع. درس أسباب وطرق تولّدها والعوامل التي تساعد على نموها وأخذها أشكالها النهائية. كان يصف ذلك بشكل مذهل حتى يخيل إليك أنه راكب مع تلك الموجات التي كان يبحث فيها، مندفع مع التيارات المتلاطمة والدوارة، سائر في طرقها الملتوية، الصاعدة منها والهابطة والحلزونية وغيرها. كان يبيّن بإمعان ووضوح طبقات الهواء المتباينة، الباردة، الأقلّ برودة، الدافئة والأكثر دفئاً، وكذلك علاقات تلك الطبقات مع بعضها البعض. كما بيّن درجات حرارتها، أسباب اختلافها عن بعضها و فرق الضغط بينها، إضافة إلى دراسته العوامل والمؤثرات التي كانت تلعب دوراً مهماً في حدوث ونمو وتكامل الزوابع والأعاصير. ولقد خصص قسماً من أبحاثه لدراسة قلب الأعصار الذي يدعى (عين الأعصار) [1].

الشيء المهم الذي تميزت به أعماله هو وصفه لما كان يحدث بمعادلات رياضية، يستطيع الباحث بواسطتها التنبؤ بحالات هبوب الأعصار. وعلى هذا الأساس يتم التهيؤ والأستعداد لمواجهة ذلك، حيث يتم إنقاذ السفن والبواخر التي تمخر عباب البحار والمحيطات، وأخذ الأحتياطات اللازمة في المدن.

باكورة أعماله العلمية كانت إطروحة الدكتوراه حيث (عالجت نظرية الأمواج الجوية وتزايد طاقة مثل هذه الأمواج بواسطة سرعة مجموعتها) [2].

من بين أعماله، على سبيل المثال، بحث لدراسة التأثير الميكانيكي لموجة الهواء البارد على حدوث الأعاصير الحلزونية المدارية [3]. وهو بحث نظري تناول التأثيرات والأضطرابات والتخلخلات الضغطية، والأختلافات في درجات الحرارة التي تحدث حينما تتحرك طبقات الهواء البارد إلى الأعلى، مخترقة جبهة الموجة التي تفصلها عن طبقات الهواء التي تقع فوقها والتي هي ادفأ منها. وهذا بدوره، دون الخوض في تفاصيل عديدة، يشكل الجانب الميكانيكي ألذي يؤدي إلى حدوث الزوابع. وأشاراثنان من العلماء الأمريكيين البارزين في علوم الأنواء الجوية هما هورتز و اوبراني [2] الى اهمية هذا العمل(لأنه يدل على التطبيق الأصيل لأسلوب الأعداد البيانية في اللوغاريتمات على قضايا الأنواء الجوية. وفي بضع سنوات فقط حذت أبحاث عديدة حذو ما توصل إليه د. عبد الجبار. وأُستخدمت هذه الأداة الجبارة في حل معادلات تفاضلية جزئياً غير خطية زائدية المقطع في معالجة القضايا الجوية).

وفي مقالة أخرى [4] درس د. عبد الجبار حدوث ونمو وتكامل عين الأعصار. والأعصار يبدأ كدوامة صغيرة، ثم تكبر وتنمو عين الأعصار، فتكون ضيقة، دافئة، واضحة و تحدّها ريح قوية وفرق بالضغط شديد الكثافة. وهذه الحالة غير مستقرة، مما يؤدي إلى تغيير شكل العين، فتأخذ بالتوسع، وقد تكون غير دافئة، غير واضحة وتقل كثافة فرق الضغط. وبإستخدام موديلات(نماذج) رياضية مبسطة عن طريق إهمال بعض العوامل مثل تأثيرات الأحتكاك ودوران الأرض على التحركات الجوية، استطاع د. عبد الجبار توضيح بعض الخصائص المهمة لهذا الأعصار وامكانية التنبؤ بحدوثه. وله دراسات اخرى حول عين الأعصار (انظر، على سبيل المثال، المراجع 11 و 12 في [2]).

وقد خصص بعض بحوثه[5-7]إلى دراسة خصائص خطوط العاصفة. كان يلاحظ أن تلك الخطوط، التي تشكل مقدمة الجبهة الباردة للعاصفة والتي تندفع بتعجيل معين،يجري نموّها طوليا. قام د. عبد الجبار بوضع محاولة [6] لتوضيح صفات خطوط العاصفة والتي تُدعى أيضاً خطوط قفز الضغط وكذلك لأستنتاج معادلة رياضية يُستطاع من خلالها التنبؤ بذلك النمو. لقد اعتمد في موديله(نموذجه) على عدة فرضيات منها: إن مستوى هبوب العاصفة افقيا وخاليا من أية ارتفاعات، وإن تعجيل الجبهة الباردة ثابتاً كما إن تلك الجبهة الباردة لا تحتوي على اية سرع جانبية إثناء جريانها. إعتماداً على هذه الفرضيات استطاع من اشتقاق معادلة رياضية يمكن بواسطتها دراسة كيفية تشكل ونمو خطوط العاصفة او الزوبعة وكذلك التكهن بوقوعها.

درس د.عبد الجبار في أعمال اخرى له الموجات الجوية المنفردة [8-9]. كان يُعرف بوجود موجة منفردة في المياه الضحلة، وهي عبارة عن ارتفاع منفرد على سطح الماء، يسير، دون أن يغير شكله، إلى مسافات بعيدة. بحث د. عبد الجبار في احتمالات وجود مثل هذه الموجات في الهواء الجوي. وأثبت وجود ذلك فعلاً، أي وجود ارتفاع منفرد في السطح العلوي لطبقة من الهواء، ينتقل لمسافة كبيرة على ذلك السطح. ويكون ذلك على شكل ارتفاع صغير يسير منتقلاً بالنسبة لمشاهد على الأرض. كما بين إمكانية حدوث مثل هذه الموجات في الهواء الجوي، وكيف إنها قد تؤدي إلى خلق نشاط انتقالي يسبب بدوره نشؤ إعصار قُمعي(على شكل قُمع). باتت دراسته بهذا الشأن(طليعة الحقل الخاص من العلوم الذي أصبح والذي إزدهر، وغدا فرعاً مهماً من علم الأنواء الجوية) [2]."Mesometeorology" يُعرف ب

يلجأ العلماء والباحثون في أحيان كثيرة إلى تبسيط المسألة التي يبحثون فيها وذلك بإهمال أو إغفال بعض العوامل التي تؤثر في المسألة موضوع البحث. فعند إدخال جميع العوامل قد يحصلون على معادلات غير قابلة للحل، أو تكاملات غير قياسية أو أشكال رياضية معقدة اخرى. وغالباً ما يتوقفون عن البحث الفيزيائي الذي بين أيديهم ليغرقوا في عمل رياضي قد يطول. لذلك يقوم الباحثون بترك بعض العوامل جانبا ليحصلوا على نتائج لأعمالهم في شكل تعبير رياضي مناسب يمكن الأستفادة منه في التطبيقات العملية. أما العوامل الأخرى فيجري تركها للمستقبل. فهي إما تؤخذ في أبحاث قادمة أو حين توفر إمكانيات جديدة في الرياضيات تسمح بحل ما يصادفهم من صعوبات.

وينبغي الأشارة هنا إلى أن التقريبات(أي اهمال او اغفال بعض العوامل)التي يقوم بها الباحثون تشمل عواملاً ثانوية وليست رئيسية أو بمعنى آخر تشمل عواملاً أقلّ تأثيراً من العامل أو العوامل الرئيسية التي يجري إدخالها في صلب البحث. ولذلك فإن التقريبات التي يلجأ اليها العلماء لا تؤثر على الشكل العام والمهم للنتائج، ويبقى دورها محصوراً في زيادة الدقة لنتائج البحوث.

كان د.عبد الجبار يعمل بتلك الطريقة أيضاً. وكان يورد بكل وضوح العوامل التي يتركها جانبا في البحث الذي بين يديه. ففي أحد أعماله [10] درس شكل الحزم الحلزونية للأعصار وكيفية تكونها. ومن التقريبات التي فرضها لتبسيط المسألة هي أن الأعصار يتكون من منطقتين متميزتين بشكل واضح وهما عين الأعصار وهي دائرية الشكل، والمنطقة الخارجية التي تكون متماثلة حول العين. كما أن الهواء داخل منطقة العين يدور حول محوره الهندسي كجسم صلد. أما سرعة الرياح في المنطقة الخارجية فهي تتناقص مع المسافة حسب قانون التناسب العكسي، إضافة الى ذلك فإن سرعة الرياح لا تعتمد على الأرتفاع. إستناداً إلى كل ما تقدم إستطاع د.عبد الجبار توضيح شكل وسلوك الحزم الحلزونية في الأعصار سواء الحزم المنفردة منها أو المجتمعة. وبين أيضاً أن توضيح طبيعة الحزم الحلزونية يساعد على إعطاء معلومات مهمة عن طاقة الأعصار.

هنالك أعمال أخرى لعبد الجبار عبد الله، يمكن الأطلاع على قسم منها في [2]. إضافة الى ذلك ألف وترجم عدة كتب مهمة منها، على سبيل المثال، كتاب (الصوت) لطلبة الفيزياء في الجامعة، فكان خير مرجع لهم ولأساتذتهم. كما ترجم، مع زميل له، ترجمة رائعة كتاب (مقدمة في الفيزياء النووية والذرية) لمؤلفه هنري سيمات. أفادت تلك الترجمة أجيالاً من الفيزيائيين، طلبة وأساتذة. إضافة إلى أبحاثه العلمية قام بعمل تدريسي وتربوي كبير. فقد درّس في جامعة بغداد وفي كليات ومعاهد ومدارس اخرى. كما درّس في جامعات ومعاهد أمريكية مرموقة ، منها جامعة نيويورك وجامعة بوسطن ومعهد أبحاث الفضاء في ألبني (نيويورك) وفي كولورادو (بودلر).

عبّر عبد الجبار عبد الله في أكثر من مناسبة عن آراء وأفكار قيمة عن كيفية النهوض بالبحث العلمي وبمجمل العملية التعليمية والتربوية في العراق. آمل في امكانية التطرق إلى ذلك في وقت آخر.

بعد ثورة 14 تموز عُيّن د. عبد الجبار عبد الله رئيساً لجامعة بغداد. ومن موقعه هذا قدّم إلى بلده خدمات جلّى. لقد اهتم بالمناهج التعليمية والتربوية وبالكادر ألتدريسي، كما بذل جهوداً كبيرة للأهتمام بإرساء أسس البحث العلمي. ولعب دوراً مهماً في تأسيس العديد من ألكليات والمعاهد في بغداد وغيرها من المدن العراقية الرئيسية. أسس جمعية العلوم الرياضية والفيزيائية. وأصدر، سوية مع زملائه الأساتذة الآخرين، أول مجلة علمية كان هو رئيساً لتحريرها. (وقد حدد الدكتور عبد الجبار أسس النشر في المجلة واشترط أن ما يُنشر فيها يجب أن يكون على المستوى العلمي العالمي، وأكد أن يحصل المقال على تأييد إثنين من ثلاثة خبراء من خارج العراق قبل نشره [11]). كما عمل جاهداً على عقد ألمؤتمر العلمي الأول لجامعة بغداد حيث كان بحق أول تضاهرة علمية كبيرة ومهمة في بلادنا.

لقد فقد العراق الدكتور عبد الجبار عبد الله، عالم الأنواء الجوية، الأستاذ الفاضل والمربي الكبير، وهو لما يزل في ذروة نشاطه العلمي والتعليمي والتربوي، وفي أوج حماسه لتحقيق اهدافه في خدمة العلم في بلادنا، وفي قمة تألقه الفكري ولمعان أفكاره الجديدة في مجال تخصصه. كان يمكن لتلك الأفكار أن تفيد العلم والناس وأجيالنا القادمة التي ستذكره وتقدره أجمل تقدير، وتعظمه بما يستحق.

ستستفيد أجيالنا حتماً من قصة حياة وكفاح وتألق عبد الجبار عبد الله، ذلك الأنسان الكبير في علمه، المخلص والمتفاني في عمله، المتواضع في حياته وسلوكه..... ذلك الأنسان الذي انتقل بكل إصرار وتصميم وجد ومثابرة من مدارس محافظة العمارة في جنوب العراق إلى ذرى العلم السامقة.

* في التاسع من تموز تمر الذكرى الأربعين على رحيل عبد الجبار عبد الله.
المراجع باللغة العربية

[1] د. ابراهيم الخميسي ، عين الأعصار،مجلة الثقافة الجديدة، العدد 261 لعام 1995، صفحة 130.

[2] برنارد هوروتز و جيمس ابراني، مساهمات د. عبد الله العلمية، مجلة الثقافة الجديدة، العدد 261 لعام
1995، صفحة 118.

[11] د. عبد الكريم الخضيري، عبقري الجيل، مجلة الثقافة الجديدة، العدد 261 لعام 1995، صفحة
124.
المراجع باللغة الأنجليزية

[3] Abdul J. Abdullah, Cyclogenesis by a purely mechanical process,
J. Meteorology 1949, V.6, P.86.

[4] Abdul J. Abdullah, A proposed mechanism for the development of the eye of
a hurricane, J. Meteorology 1954, V.11, P.189.

[5] Abdul J. Abdullah, Proposed mechanism of squall lines, the pressure jump
lines, J. Meteorology 1953, V.10, P.298.

[6] Abdul J. Abdullah, The meridional growth of squall lines, J. Meteorology
1954, V.11, P.301.

[7] Abdul J. Abdullah, Head- on collection between two pressure jumps, J. Geo-
phys.Res., 1966, 71, P.1953.

[8] Abdul J. Abdullah, The Atmospheric solitary wave, Bulletin of the American
Meteorological Society, 1955, V.36, P.511.
[9] Abdul J. Abdullah, A note on the atmospheric solitary wave, J. Meteorology
1956, V.13, P.381.

[10] Abdul J. Abdullah, The spiral bands of a hurricane: A possible dynamic
explanation, 1966,V.23, P.367.

الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013 17:16

عائش جبر يحيى

كنت في ايام الصبا قد التقيت الراحل عائش جبر يحيى اكثر من مرة لان والدته المرحومة ( ام عايش) قد سكنت دارنا مستأجره احدى الغرف في الطابق العلوي لعدة سنوات في منطقة الصالحية ببغداد، وكان هذا المربي الكبير في عدد من زياراته لوالدته ، يتحدث عن الانفتاح على المستقبل وتوجيه الابداع نحو منظور مستقبلي ، مؤكدا وهو ينظر باعجاب الى رسوماتي التي كنت انجزها بالحبر الصيني على الورق الابيض ، بان مثل هذه المسألة ليست سهلة بل هي مسالة صراع اجتماعي بين القوى التقليدية في طائفتنا المندائية والقوى الطليعية المنفتحة على آفاق التقدم والمستقبل. خاصة على المبدعين والفنانين المندائيين الشباب بان يبدعوا عطاءات ونماذج لم تجد لها آنذاك سندا كبيرا، الا انهم باعتقاد المرحوم عائش وكل من المربيين الراحلين نعيم بدوي وغضبان الرومي ، وعشرات غيرهم ،يمثلون فعلا قوى التقدم والامل في الطائفة المندائية.
كان هذا المربي الكبير ومن خلال متابعاتي ولقاءاتي به القليلة لاني كنت قليل اللقاء بابناء المندائية في تلك السنوات، يحث بان يكون للشبيبة المندائية دور يتجسد بالتبشير بالتقدم وانارة لمكانات المستقبل، فما كان ينتظره منا جميعا هو ان نتحول الى قوة اجتماعية وفكرية رائدة في مجال تحديث الطائفة وفك اسرها لتنطلق بمبدعيها نحو الافق الذي رسمه لها الاجداد والاباء الاوائل .
اتذكر وجهه الانساني الذي يمتلك جاذبية كبيرة، يلفه جمال مندائي ساحر آخاذ، لم يكن قد نال منه العمر الا تداعيات السنين في عمله التربوي الكبير، فظل الى ان غادرت العراق ورأيته مع ابنه صديقي الدكتور نعمان، لاخر مرة في شارع المستنصر لاسلم عليه بحرارة التلميذ لاستاذه مودعا والى الابد ارض العراق الحبيب، متوجا بالنضارة والالق والاشراق ، على سمو ورفعة واباء تليق بواحد من اعلامنا المندائيين ، نفخر بهم وبما قدموه من علم ومعرفة للوطن والطائفة.
سلاما لك ايها المربي الكبير في ذكراك التي ستظل عامرة في قلوبنا اينما تواجدنا وحللنا في ارض الله الواسعة.
وسلاما لتلك المحطات التي زرعتها لاجيال من بعدك، اغترفت من علمك الكبير ونبلك وطيبتك المندائية الاصيلة.

المرحوم الاستاذ عائش جبر يحيى

- ولد المرحوم عائش جبر يحيى عام 1910 في قضاء قلعة صالح في محافظة ميسان وأكمل دراسته الابتدائية فيها.
- دخل دار المعلمين الابتدائية في بغداد وتخرج منها عام 1931 وكان من ضمن الخرجين لتلك السنة من المندائيين ، إضافة للمرحوم عائش جبر كل من المرحوم نعيم رومي والمرحوم راشد لامي.
- عمل في سلك التعليم فتعين لاول مرة في البصرة ثم إنتقل الى مدينة العمارة.
- عمل كمدير مدرسة لمدة قاربت خمسة عشر عاما.
- إنتقل الى بغداد عام 1958 وعمل في سلك التعليم لحين إحالته على التقاعد عام 1964 بعد أكثر من ثلاثة وثلاثون في سلك التعليم كان فيها مثالا للمعلم الناجح والمربي للالاف من طلبته الذين لايزال الاحياء منهم يحمل له أسمى وأنبل الذكريات.
- تزوج عام 1939 من كريمة المرحوم الكنزبرا يحيى الكنزبرا زهرون.
- أنجب ثلاثة أبناء وهم الدكتور غسان عائش والمرحوم المهندس عدنان عائش والدكتور نعمان عائش، وستة بنات وهن نجله وأميره وخوله ونهله ونضال وبان.
- إنتقل الى جوار الحي العظيم في 8.7.1990 بعد مرض لم يمهله طويلا.

عمل المرحوم عائش جبر في خدمة الدين المندائي وأبنائه بنكران ذات على مدى أكثر من ثلاثين عاما من العمل المتواصل فكان من أوائل الذين سعوا لكي يكون لهذه الطائفة كيان معترف به.
منذ تأسيس مجلس التولية في زمن المرحوم الكنزبرا عبد الله الكنزبرا سام، عمل المرحوم عائش جبر مع الاستاذ المرحوم غضبان رومي والاستاذ المرحوم زهرون وهام و المرحوم خليل مال الله وآخرين بجهد لايكل ولايمل من أجل أن تحصل الطائفة على بعض حقوقها ، ونتيجة لتلك الجهود المضنية تم شراء دارلكي تكون أول مندي للطائفة و كذلك الحصول على قطعة أرض لتكون مقبرة
خاصة للمندائيين في منطقة أبي غريب. ثم تكون المجلس الروحاني الاعلي للطائفة فكان المرحوم عائش جبر من أوائل أعضاء المجلس الذين ساهموا في وضع اللبنات الاولي لكان منظم للطائفة وبقي عضوا فعالا في المجلس لفترة قصيرة قبل وفاته.
لقد كان إيمانه بخدمة الطائفة لا يتزعزع وكان مؤمنا بأن ما يفعله من أجل الطائفة سيكون ثوابا له في آخرته وذكرى طيبة بعد مماته.
لقد رثاه الدكتور الشاعر محمد جواد الحلي في أربعينيته بقصيدة مؤثرة قال في أحد ابياتها

أنت الذي لم تكن يوما جوارحه الا سراجا بحب الناس يلتهب

د. حسين الهنداوي: النصوص الفلسفية العراقية الاصيلة كثيرة في القرن العشرين الا ان معظمها تعرّض للضياع او الاندثار او السرقة بفعل الاهمال والجهل وتدهور مكانة الهيئات العلمية والاكاديمية المستمر دون توقف منذ اربعين عاما.

وتقف في مقدمة تلك النصوص مؤلفات فلسفية رفيعة المستوى نال بعضها شهرة عالمية لمفكرين وعلماء مبدعين مجهولين في بلادهم اجمالا، يمثلون ايضا تيارات فلسفية عراقية مختلفة، اذكر من بينهم اساتذتنا الكبار مصطفى كامل الشيبي في فلسفة التصوف، ومحسن مهدي في فلسفة التاريخ، وحسام الالوسي في فلسفة الكلام، وياسين خليل في منطق الرياضيات، ومدني صالح في فلسفة الجمال، وكريم متي في الفلسفة الغربية،Abdul Razzaq Muslim وصالح الشماع في فلسفة اللغة وغيرهم.

بيد ان مبدعا عراقيا مجددا في البحث الفلسفي ينبغي ان يذكر بجدارة ضمن هذه النخبة من العقول النيّرة هو الاستاذ المقتول غيلة الدكتور عبد الرزاق مسلم الذي تمثل مؤلفاته الفلسفية العديدة اول محاولة في العالم العربي لدراسة نظرية ابن خلدون في علم التاريخ من وجهة نظر مادية تاريخية، معمقا ومواصلا تيارا فلسفيا عالميا في هذا المجال تؤكده مؤلفات تكشف عن موهبة علمية واثقة وطموحة لديه في مجال دراسة الفكر الفلسفي لا سيما عند ابن خلدون الذي خصه الى جانب أطروحته باللغة الروسية بعدة دراسات بالعربية من بينها كتاباه المنشوران "مذاهب ومفاهيم في الفلسفة وعلم الاجتماع" و"دراسة ابن خلدون في ضوء النظرية الاشتراكية" (بغداد – 1976).

ولد الدكتور عبد الرزاق مسلم ماجد (او الماجد) عام 1929 في الناصرية وفي عائلة ثقافة، اذ كان والده معلما في المدينة تلك المعروفة بعطائها الادبي والفني والسياسي المبكر والخلاق في القرن العشرين. وبعد اكمال الدراسة التمهيدية والتخرج من معهد المعلمين العالية (1947- 1951) عمل اولا استاذا للعربية في ثانويات الناصرية والخالص وبعقوبة ثم في بغداد بعد ثورة 1958، قبل ان ينتقل الى دراسة الفلسفة في جامعة موسكو (1960 – 1966) ليعود استاذا للفلسفة في جامعة البصرة لنحو ستة اشهر فقط قبيل اغتياله غدرا في يوم الخميس المصادف 21/3/1968.

ففي الساعة السابعة من مساء ذلك اليوم، كان الباحث الراحل واستاذ آخر للفلسفة في جامعة البصرة يجتازان شارع كورنيش شط العرب في الطريق لزيارة زميلهما رئيس قسم الفلسفة المريض في بيته. الا ان زيارة المجاملة تلك تحولت الى فاجعة للفكر العراقي والعربي عندما انطلقت رصاصات عدة كانت لهما بالمرصاد تركت عبد الرزاق مسلم مضرجاً بدمه على الرصيف نازفا حتى الموت عن عمر لم يبلغ الاربعة عقود، فيما أفلت منها زميله الدكتور موسى الموسوي، وهو جامعي ايراني معارض وحفيد مرجع روحي شهير، الذي نقل الى التدريس في قسم الفلسفة من جامعة بغداد اثرئذ حيث كنا طلابا بعد.

ورغم اتهامات بارتكاب الجريمة وجهت الى السافاك الشاهنشاهي الايراني، ورغم اثارتها لمظاهرات احتجاج واسعة لا سيما لطلبة وأساتذة الجامعات العراقية الذين خرجوا في البصرة وفي بغداد مطالبين بالقصاص من القتلة، الا ان الجريمة ظلت دون طائل لحد الآن. الموسوي من جانبه امتنع عن ان يروي لنا شيئا عن الحادث ومعلوماته المحتملة عنه رغم اسئلتنا اللجوجة بشأنه كما لم نسمع بأنه كتب عنه شيئا رغم انباء متضاربة افاد بعضها ان الجهة التي نفذت الجريمة كانت تستهدف الموسوي نفسه الذي كان شخصية مثيرة للجدل والاتهامات السياسية والفقهية قبل ان يوافيه الاجل قبل عقد ونصف من الزمان في الولايات المتحدة الامريكية حيث كان المقام استقر به فيها هربا من ملاحقة السلطات الايرانية.

ولعل دراسة نشرتها له في عام 1968 مجلة «المورد» الصادرة عن جامعة البصرة عن "نظرية المعرفة عند ابن خلدون" تعبر بشكل واف عن منظورات عبد الرزاق مسلم في مجال الفلسفة الخلدونية، وهي منظورات كانت ستأخذ ربما منحى اكثر خصبا وتوسعا وتأثيرا في مصير ذلك المنظور الذي اراد ان يثبت علاقة قوية بين ابن خلدون والفلسفة، وان يجد في "المقدمة" افكارا تدعم التفسير الماركسي للتاريخ وتكون جذرا لنظرية ماركس حول تطور قوى الانتاج، وهو تفسير كان قد أسسه في اوربا قبلئذ عدد من ابرز المهتمين بدراسة ابن خلدون لا سيما ايف لاكوست في كتابه (ابن خلدون - مؤسس علم التاريخ" (باريس - 1954 )، وفرانز روزنتال في ترجمته لمقدمة ابن خلدون الى الانكليزية (نيويورك 1958)، وكتابات سفتيلانا باتسييفا في "العمران البشري في مقدمة ابن خلدون" و"نظرية فلسفة التاريخ عند ابن خلدون" "الاسس الاجتماعية لنظرية ابن خلدون في لفسفة التاريخ" و"البحث التاريخي الفلسفي لابن خلدون"، و"مقتطفات مختارة من ابن خلدون" الصادرة بين 1 نشرت بين 1958 و1965.

وهكذا، فبعد ان يلاحظ ان معظم الذين بحثوا ابن خلدون حتى الستينات أهملوا التطرق الى دراسة أفكاره الفلسفية، ينتقد عبد الرزاق مسلم موقف هؤلاء واستنتاجهم بان ابن خلدون يرفض الفلسفة منطلقين من فصل في "المقدمة" تحت عنوان «إبطال الفلسفة» حاول فيه تأكيد تهافت منطق الفلاسفة المسلمين المتأثرين بالفلسفة اليونانية. فبالنسبة للباحث العراقي الراحل ان ابن خلدون هو واحد من "الشخصيات الفذة في تاريخ الفكر الفلسفي" وان هذا موضوع «إبطال الفلسفة» تحديدا وعكس ما يوحي به عنوانه، "لم يكن في جوهره الا انتصاراً للفلسفة وابطالاً للافكار الميتافيزيقية والتأملية الشائعة في ذلك العصر"، معتبرا انه لا ادل على تثمين ابن خلدون للفلسفة اعتباره العلم الذي ابدعه (علم العمران البشري) فرعاً من فروع الفلسفة وتأكيده على الصدق المطلق للعقل على اساس قوله بأن «العقل ميزان صحيح فأحكامه يقينية لا كذب فيها».

أما لماذا اختار ابن خلدون تلك تسمية «إبطال الفلسفة» للفصل المشار اليه فليس من الصعب تبيانه حسب عبد الرزاق مسلم "اذا أخذنا بعين الاعتبار الحالة السياسية والفكرية التي كانت تسود المغرب في القرن الرابع عشر الميلادي". فقد ظهر ابن خلدون برأيه في عصر "كانت السيادة فيه في الحقل الفكري للنظر الميتافيزيقي، اذ منذ الضربة التي وجهت للفلسفة في شخص ابن رشد في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي، لم يعد للبحث في ظواهر الطبيعة والمجتمع على أساس علمي أي محل في دراسات مفكري العصر، وقد ساعد على تعميق هذا الاتجاه انتشار المدارس الصوفية في بلاد المغرب انتشاراً واسعاً".

كما يعتقد عبد الرزاق مسلم ان أولى موضوعات مذهب ابن خلدون الاجتماعي تشير الى ان التطور التأريخي يخضع لاحكام قوانين الضرورة، وان مهمة العلم تقوم في اكتشاف هذه القوانين على اساس استقراء الحوادث، أي على أساس تجريبي. أما الاخلاق فقد عدها ابن خلدون اجتماعية المنشأ، فليست هنالك غريزة يميز بها الانسان الحسن من القبيح تعمل قبل التجربة، وانما تقام القواعد الاخلاقية على المصلحة وتتعلق بالظروف التي تعيش فيها الجماعة.

وهكذا فالهدف الرئيسي لفلسفة ابن خلدون كان برأيه "البحث عن قوانين التطور التاريخي في طبيعة المجتمع ذاته، وهو أمر يقتضي أولاً وقبل كل شيء سلوك اتجاه مغاير تمام المغايرة للاتجاه السائد في البحث آنذاك، والاستناد الى اساس فلسفي محدد في المعرفة. ولهذا كما يرى عبد الرزاق مسلم، بدأ ابن خلدون من التمييز بين مسائل العلم ومسائل العقيدة وحدد مصدر كل منهما كما نفى أية امكانية للتداخل بينهما. فالمعرفة العلمية عنده ممكنة فقط بالنسبة للعالم الواقعي –الطبيعة والمجتمع- لأن هذا العالم –على حد تعبيره- «وجداني مشهود في مداركنا الجسمانية والروحانية»، أما الروحانيات وغيرها من مسائل العقيدة فليست مما يدخل في اطار المعرفة العلمية لانها ليست مما يقع تحت طائلة الحس والتجربة ولا مما يخضع للعقل، ومصدرها وبرهان صحتها الشرع فقط". من هنا يستنتج ان المنطلق الحسي المادي في المعرفة كان الاساس الذي اعتمد عليه صاحب "المقدمة" في صياغة مذهبه في الاجتماع والاخلاق".

وهو استنتاج تبسيطي في نظرنا فرضته ربما منهجية ميالة الى التعميم والنظرة الواحدة وهي المادية التاريخية هنا. فجوهر هذه الاراء هو نفسه الذي كان قد دافع عنه عدد من الباحثين السوفييت الذين سعوا لجعل فكر ابن خلدون دعامة لمنطلقاتهم الماركسية بأي ثمن احيانا برأينا كما تعبر عن ذلك بحوثهم الرئيسية التي نشرت خاصة في مجلة الاستشراق السوفييتي ومنهم قبل سفتيلانا باتسييفا، بلاييف في دراسة عن نظرية ابن خلدون التاريخية الاجتماعية نشرت في 1940، وكذلك بي ليفن في دراسته عن "ابن خلدون العالم الاجتماعي العربي" (1926) وغيرهم.

كما ان هذا الاستنتاج نفسه نجده عند معظم الباحثين الماركسيين الذين تناولوا نظرية المعرفة عند ابن خلدون فاعتبروا انه ينطلق في من مواقع (حسية مادية)، تعتبر الاحساس نقطة البدء في المعرفة العلمية وتعتمد التجربة الخارجية أساساً لنشوء هذا الاحساس. كما اعتقدوا ان ابن خلدون قد حل المسألة الاولى في الفلسفة – أي علاقة الفكر بالطبيعة – حلاً في صالح المادية ناسبين لابن خلدون اعتبار الانسان ووعيه أعلى نتاج للطبيعة، والاقرار لموضوعية الحركة والسببية والضرورة وغيرها من صفات الواقع الجوهرية قبل ان يكتشفها الفكر الانساني.

شريك هو في الذي يجمع العراقيين من المبدعين .. النسيان..إذ لا من كتاب يتحدث عنه و لا من كاتب يبرق له ذكرى تذكار. إلا تلك النفحة من المساواة التي بان عنقها في زمن الزعيم , أصر هذا الأخير على أن يتولى هذا المبدع رئاسة جامعة بغداد و الحقيقة أن هذه ليست بداية التميز لإبن الماء و الطين القادم من أهوار الجنوب.بالضبط لا أحد يعرف كيف تولد لديه هذا الولع الشديد بالطبيعة و العلوم الفيزيائية حتى أنهى دراسة الماجستيرفي جامعة بيروت الأميركية عام 1930 , ولد عبد الجبار عبد الله في مدينة قلعة صالح في بيت رئاسة دينية للطائفة المندائية و والدته السيدة (نوفه) شقيقة غضبان الرومي، المثقف والسياسي المعروف, وبالرغم من المكانة والوجاهة الإجتماعيتين إلا أن عبد الجبار الطفل نشأ يتلمظ شظف العيش في بيئة جلها من الفقراء ثم إرتحل الى الثانوية المركزية في بغداد لإكمال الدراسة عام 1924، متفوقاً على العراق بأكمله في هذا إلى جانب ذلك اظهر عبد الجبار عبد الله ميلاً آخر للموروث الثقافي لديانته و برع في المقال اللغوي المندائي و التراث الشعري العربي وكان شغوفاً بالشعر الجاهلي. وحين اتسعت مداركه ازداد تعلقه وشغفه بالكتاب والمعرفة، فقرأ الفلسفة والتاريخ إلى جانب المصادر العلمية الفيزيائية , و العجيب أن لا من سجلات توثق جهوده الأكاديمية إلا أن عضويته في المجامع العلمية و المراكز البحثية الأميركية كانت قائمة الى حين مماته. وتجاوزت ابحاثه ونظرياته الثلاثين نظرية، كمااشرف على العديد من الدراسات الأكاديمية العليا في أميركا حتى آخر أيام حياته.

دخل اسمه أكبر المعاجم العلمية في العالم. واحتل مكانته الطبيعية بين مشاهير العلماء المرموقين في العالم.وفي عام 1930 أسس النواة الأولى لجمعية الرابطة الثقافية التي تشكلت في بغداد، فيما بعد، واصدرت مجلة رئاسة تحريرها منذ صدور عددها الأول عام 1944 في بيروت و بغداد.عاد عبد الجبار لوطنه بعد تخرجه في الجامعة عام 1934 ليعين مدرساً للغة الانكليزية في المتوسطة الشرقية ببغداد، بعيداً عن اختصاصه الذي شغف به فقرر العودة إلى مدينة العمارة ثانية والعمل في ثانويتها كمدرس للرياضيات والفيزياء .

حتى عام 1938، إذ ينتقل إلى وظيفة جديدة في الانواء الجوية بمطار البصرة واكتسب خلال هذه المدة عضوية الجمعية الانكليزية للانواء الجوية، كما منحته احدى الجامعات الانكليزية شهادة عليا في الانواء الجوية.وتسنح الفرصة له مجدداً في التمتع ببعثة دراسية لنيل شهادة الدكتوراه في جامعات الولايات المتحدة عام 1944 وتمكن بفضل موهبته العالية من انجاز المهمة عام 1946. فيعود إلى العراق لتدريس اختصاصه في دار المعلمين العالية . شغل عبد الجبار عضوية مجلس جامعة بغداد منذ بداية تأسيسها وفي عام 1959 صدر مرسوم جمهوري باناطة مهمة الرئاسة إليه.وليقترح عبد الله مشروعاً تنموياً لتحقيق النهضة العلمية عبر ثوابت يأتي في مقدمتها: خلق العرف الجامعي وتفعيل دور الجامعة والايمان بقدرات الاجيال الجديدة والحرية الأكاديمية الفكرية وأخيرا استقلالية الجامعة. كما ترأس لجنة الطاقة النووية للأغراض السلمية في فترة تعد الأغنى في الحصول على المعلومات المهمة في مجالات استخدام الطاقة عبر صلات علمية مع الإتحاد السوفيتي السابق ثم ليأتي الرئيس الأميركي هاري ترومان و يقلده وسام (مفتاح العلم) تقديراً لجهوده العلمية المتميزة في هذا المجال. له في المكتبة العلمية : مبادئ النظرية النسبية من بطليموس إلى انشتاين.. بيروت1938 الفيزياء النووية- مبادئ الطاقة العامة ..بيروت .1960 -بدائل الطاقة ...بحث أكاديمي / جامعة بغداد .. 1950 .عاد الى بغداد في صندوق خشبي بعد أن غادرها عام 1963 هارباً من بطش الغزاة المحليي