• Default
  • Title
  • Date
الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2013 00:44

الى الخلود يا فرج عريبي

تنعي رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الصابئة المندائيين فقيدها الراحل الكاتب الصحفي فرج عريبي الذي دافع طيلة حياته عن الحرية وحمل مشعلها لينتصر بها ومعها على قاذفات الموت والدمار، وعلى كل انواع الطغيان والارهاب والتعصب واحتقار الآخر والمكابرة عليه.
ان الذهاب الى الحرية،كما مشى اليها الراحل، في الكلمة والموقف لكل الذين رحلوا والذين سيرحلون، كل الذين استشهدوا وسيستشدون بأيدي الاستبداد والموت، انما عرفوا وارادوا وصنعوا مثل ما فعل واراد رحيلنا الخالد فرج عريبي بصناعتة للحرية، وهي صناعة يومية غالية الثمن، ادرك معناها منذ كان مناضلا، وابدع فيها في عمله المهني كصحفي وكاتب، ليترك تكملة مشوارها للاجيال القادمة على ابواب البيوت، وعلى الجدران والشوارع، وفي القلوب.
نستذكر طيبته، وابتسامته ودعاباته وسخريته الحاذقة وتفاؤله بان العراق لابد وان ينتصر على الفتنة، وان العراقيين لايمكن ان يقتتلوا لاسباب طائفية او مذهبية. نستذكره بالألم الذي ينتشر في ازقة مدننا وفضاءاتنا المفتوحة هذا اليوم على الموت والخراب، ونوعده بان نكون كما اراد، بعيدا عن خيبات الانكسار، وبعيدا عن صباحات العتمة ومتاريسها، فنحن سنظل مع كل الطيبيين من اجل الوطن. وان تكون نصوصنا وكلماتنا كما ارادها ،تقارع الوباء المتفشي في الاماكن التي احببناها سوية.
ستعيش قي قلب كل من احبك ما دمت خالدا

رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الصابئة المندائيين

نم قرير العين يا والدي الحبيب

باسل فرج عريبي

بقلب مفعم بالاسى انعى لكم المربي العراقي و المندائي الكبير فرج عريبي, والدي, اثر نوبة قلبية مفاجئة لم تمهله ساعة و احدة يودع فيها احبابه, لكنها كانت كافية لان يترك اثرا في نفوس الاطباء اللذين حوله فكان يضحك معهم و يتحدث معهم عن نتاجاته في الرياضيات و الالعاب فعندما توقف قلبه عن النبض قالت الطبيبة التي كانت تحاول انقاذه: لقد كان انسانا عظيما
نعم كان انسانا عظيما. لقد رحل لكنه ترك اثرا كيبرا في نفوس من عرفوه و اثرا كبيرا في حياة الكثيرين منهم. . لقد كانت موهبته الاولى هي اكتشاف القدرات الخلاقة الكامنة للاطفال ثم العمل على صنع البيئة المناسبة لتنميتها . كان يدرس في ثانوية المعقل في البصرة في نهاية الخمسينيات عندما ادرك ان هؤلاء الطلاب الفقراء لن ينالوا فرصتهم في تنمية قابلياتهم ما لم يوهيئ لهم مستلزمات ذلك, فبدأ بحملة جمع تبرعات في انحاء البصرة لاقامة مسرح و استوديو للفنون التشكيلية بكافة مستلزماتهما و قد كان تجاوب الناس معه كبيرا حتى صار مبلغ التبرعات اكبر من الحاجة, فاتفق مع الطلاب على شراء دراجة هوائية لطالب فقير سرقت دراجته. لقد كبر عدد طلاب المدرسة ليصبحوا اساتذة في الرسم و النحت و التمثيل و الاخراج المسرحي و ليذكروا في المقابلات معهم ان الفضل في اكتشاف مواهبهم و تنميتها يعود لفرج عريبي.
و قد رسم فرج عريبي الابتسامة على وجوه اطفال العراق من خلال اصداره لكتبهم التعليمية المسلية و انتاجه لسبعة برامج تلفزيونية و مساهمته في تاسيس مجلة الاطفال العراقية الاولى "مجلتى" و جريدتهم " المزمار " و مساهمته في تاسيس قسم برامج الاطفال في تلفزيون بغداد. كان مبدأ فرج عريبي الاساسي هو ان تعليم الاطفال لا يمكن ان يكون من التلقين على الطريقة الخلدونية بل ان الاطفال يتعلمون من خلال اللعب فكان رائدا في تأليف الكتب المسلية فنشر على حسابه الخاص كتاب "العب و تعلم" و "اسماءنا تعلمنا" في اوائل الستينيات و وزع معظم نسخها مجانا على الاطفال. و في السبعينيات اخذ محتويات القراءة الخلدونية للصف الاول الابتدائي و حولها الى كتاب يعلم الاطفال نفس المادة و لكن عن طريق الالعاب و اخرج الكتاب بشكل جاهز للطبع و قدمه لوزارة التربية لا لكي يكون بديلا عن كتاب القراءة الممل بل لكي يكون مساعدا له. و لكن كما كان متوقعا جوبهه بالرفض.
و قبل هجرته الى كندا كتب مسلسلا تمثيليا للتلفزيون الاردني في بلد الانتظار الاردن و في غربته في كندا لم يتوقف فرج عريبي عن الانتاج يوما واحدا فكان يبحث و يكتب حتى ساعات حياته الاخيرة فنشر كتابين لالعاب الرياضيات باللغة الانكليزية هما
"Magic Ornament" و "Masked Numbers"

و كان عاكفا على تأليف كتاب عن التنجيم البابلي طوال السنتين الاخيرتين و رحل عن الحياة قبل ان ينشره

أما ارثه المندائي الكبير فهو اطروحته بان المندائيين يملكون مقومات شعب و انهم لن ينجوا من التشتت و الاضمحلال اذا لم يعتبروا نفسهم شعبا مهدد بالفناء, و اصدر مجلة" الشعب المندائي" ليطلق منها ذلك النداء.

نم قرير العين يا والدي الحبيب فانك و ان رحلت فان ارثك باق و ستذكرك الاجيال


الدموع لاتليق بفرج عريبي

موسى الخميسي

عندما فكرت بألم ، بالكتابة عن هذا العلم المندائي الذي تنحى جسده عنا ليذهب الى الغياب البعيد، وليظل حضوره عامرا بذاكرتنا، قادني التفكير من غير عناء الى بغداد، التي اقمنا فيها ولاتزال تقيم فينا، والتي تتحول هذا اليوم تحت وطأة هواجس الموت لتصبح اشبه بالثكنات العسكرية المتكاثرة في العديد من احيائها وشوارعها ومنازلها، تذكرت الفقيد ابا نبيل العزيز في اروقة العديد من الصحف والمجلات العراقية التي كنت اتواجد فيها ، الف باء، مجلتي ، المزمار..الخ، بقامته القصيرة وملامح الفرح الدائم على وجهه ، وقلم الرصاص الذي لايفارق اذنه اليمنى ، وابتسامته العريضة التي لاتهاجر وجهه المندائي الجميل . لقد كان اسطورة فرح حقيقية ، كمن يبحث عن سر الحياة في قلب الحياة نفسها، طافحا بنفسه وابداعه ودعاباته وذكائه الذي لاينضب ، وتلك خصال لاتنشأ من اهواء النفس وحدها بل تنشأ من رحم ثقافة وتاريخ. وقد مثل الفقيد بحق ثقافة الابداع وسار بها الى نهاياتها. لقد كان حفيد الاتساع والتحول وابن المعرفة العلمية واللغوية اينما حلت، وكان ابن عصر من الوعود والصواعق والاحلام الانسانية النبيلة. واذ كان كثيرون تزعزعوا في نصف الطريق، فان هذا المربي الكبير زاد تشبثا بالمبادىء الانسانية بقدر ما كانت معاول الفاشية والعنصرية تخسف بالاحلام التي كنا نعيشها. لقد كان ورشة وطاحونة افكار وانتاج لاتنضب، كان قادرا على ان يصل بكل شيء الى حافة النهاية، قادرا على الرجوع الى الصفر والابتداء من جديد. انها ملكات كثيرة ساقها صاحبها بموهبة حقيقية كبيرة لاتتعب نفسها من عناء او تحدي . كان سعيدا بفكرة انشاء دار نشر مندائية اقامها اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر، واول المتبرعين لدعمها ماديا ومعنويا، وكان اكثر سعادة بفكرة رابطة مندائية للمثقفين المندائيين، واول من طلب الانضمام اليها، وكتب لي عدة مرات " بضرورة الانصراف خارج احزاننا لان سرعان ما ستدور الحياة دورتها وسرعان ما نعود الى ما كنا عليه نكافح بالكلمة حد السيف" وها نحن نقول في غيابهم وحضورهم اننا ايضا مثلهم نستطيع ان نجبر من يترصد وحدتنا على التخفي والاندثار.
لازلت احفظ وصاياه لي في محبة الابداع وروعة البحث عن الجمال ، والحقيقة، والحرية، وعدم القبول بالعيش في النقصان.نعم سنتفرق، والالم بفقدانه باق، ومعه تأبى ذكراه ان تفارقنا نحن الذين عرفناه، فهو سينتصر معنا، مع شعب اعزل مسالم ممتلىء بالمعرفة، فذكرى مثل هؤلاء تظل مشرعة للضوء القادم، تذكرنا بعناد محباتهم للحرية التي نناضل من اجلها.
لربما تصمت بعض الكلمات امام هذا الموت الذي يأخذ احبائنا، الا ان بعضها سيقود طريقنا لنقول الى ابناء الجيل الذي تلانا كم اننا نحب الحياة وكم اننا لانزال نملك احلامنا الكبيرة في بساطتها، فنحن نتعلم من الغائبين كيف نقبل بالرأي المخالف، كيف نصبح مواطنين في الحرية . علينا ونحن نودع ابا نبيل الوداع الاخير، ان نحتفظ بذكراه في قلوبنا ووجداننا، لانه واحد من الذين اسسوا لنا هذا المستقبل الذي لانريد ان نقفده بعد ان اضعنا الماضي.
ونحن نودعه، لابد ان يكون الوداع مناسبة لحبس الدموع وخلق التماسك، ودرسا في التمرد والانطلاق الذي وسم حياة هذا العلم المندائي الموسوعي، حتى لايستطيع التشتت الذي نعيشه الان ان يهدد كياننا، فقد كان مدافعا عن وجودنا وحريتنا التي كان يرى بها دفاعا عن العراق، دفاعا عن العين الممتلئة بالماء والاحلام لا بالدمع والدم ، عن الروح التي تسكنها المعرفة، لا الروح الممزقة اشلاء في الخراب والتلاشي. الدفاع عن الحرية التي كان يرى بها دفاعا ضد الهيمنة الطائفية والمذهبية والعنصرية، الدفاع ضد قتل الآخر.
نعاهدك يا فرج عريبي ان نبقى كما كنت تريد ان نبقى متنوعين بتفاعل، وان يستمر التاريخ فينا
يخلق الامل بالمستقبل الافضل.

مات المندائي العراقي ( أبو نبيل ) بعيدا عن أرض الرافدين موطننا الضارب بالقدم

( أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ) القرآن الكريم

يحيى غازي الأميري

أركان الدين المندائي خمسة ( التوحيد ، التعميد ، والصلاة ، والصوم، والصدقة المباركة ) أذن إحدى هذه الأركان الأساسية الصدقة المباركة ( زدقا بريخا ) ترى هل فقط الصدقة بالمال وهل من يمتلك المال و يدفعه هو من يدخل بهذه الباب ويلبي هذا الركن ومن لا يملك المال أو حتى الذي يدفعه أو لا يعرف أن يدفعه هل لا ينفذ هذه الشعيرة كثيرون يشاركون في أداء وإسداء المعروف والخير والثناء والنصح والعطاء العلمي والأدبي وووووو وتصل إلى التضحية بالنفس اعتقد أن كل هؤلاء يقدمون و يسدون صدقة مباركة كبيرة وثمينة جدا ً أيضا ً ... أن كلمة الصدقة المباركة لم تدخل من باب دفع المال والمساهمة به فقط هكذا أعتقد أنا ... وفي أحاديث الرسل والأنبياء ورسالات السماء يكثر التأكيد على أن الكلمة الطيبة صدقة وأنا أعتقد وأؤمن إن الكلمة الطيبة هي اكبر صدقة ان كانت صادقة وفي محلها ولمن يستحقها هكذا أنا أفهمها بالإضافة بالطبع إلى دفع المعونات المادية ( المال ) والعينية، فالصدقة والكلمة الطيبة صنوان وهما ضد البخل و ضد الأنانية وحب الذات وضد الحقد والكراهية وغيرها من الصفات الذميمة أنها العطاء والتضحية والنصيحة والمحبة والرحمة.
لقد كتبت ذات مرة مقالة بعد انتهاء أعمال المؤتمر المندائي الرابع لاتحاد الجمعيات في المهجر الذي عقد في مالمو 2006 / كتبت بعد انتهاء أعماله مقالة شكرت فيها كل من ساهم ودعم وشجع وازر أعمال المؤتمر ، وكان يفترض بي ومن كل الأبواب أن اكتب الشكر أولا ً للجميع ثم الثناء على أسماء الذوات بعدها ... لكني قد خالفت الأصول المتبعة وكتبتها أي كتب عنوان المقالة بكلمات صادقة من كل قلبي مهداه أولا ً إلى
الأستاذ الكريم العم الطيب فرج عربي ( أبو نبيل) المحترم *
وأكملت بعدها إلى كل أخوتي وأخواتي وأحبتي وأصدقائنا مقدما ً أسم فرج عريبي على المجموع بعد أن قرأت ما كتبه عن المؤتمر ( المقال انف الذكر منشور على العديد من المواقع ( الحوار المتمدن و صوت العراق وناصرية. نيت والبيت العراقي وغيرها ) لقد كتب أسم أبو نبيل في المقدمة فعلا ً من كل قلبي ، ليس فقط لأنه كتب عن المؤتمر وأثنى عليه وعلى اللجنة التحضيرية التي ساهمت بإنجاحه ، إذ كنت أتابع ما يكتبه ( الفقيد الطيب أبو نبيل ) في موقع خاص بمراسلات الصابئة المندائيين ( الياهو كروب ) والذي يزيد عدد المشتركين فيه على( 650 ) شخص مندائي كان يكتب فيه كلمات تشجيع وثناء وشكر يعجز اللسان عن ذكرها و يبعثها إلى كل عمل نافع ومفيد ...فالكلمة الطيبة تبعث في النفس السرور والبهجة والطمأنينة وتديم المودة والحب والوئام وتطفئ نار الحقد والبغضاء والضغينة والعداء فالكلمة الطيبة تبقى راسخة بالنفوس والقلوب !

أيقنت ولمرات عديدة إن ( أبو نبيل ) وهو بعمر تجاوز الثمانين عاما ً و يمتلك من الكرم ما يفوق به كثيرين أن كرم الثناء والمعروف والتثمين لم يمتلكه إلا أصحاب القلوب الرقيقة والطيبين والصادقين والمحبين لعمل الخير والمعروف بالإضافة إلى كرمه المادي وتبرعاته ومساهمته الجميلة والكبيرة والمتنوعة فلقد تميز الفقيد العزيز بأسلوب جميل محبب في كتاباته وقصصه وضرب الأمثلة اللطيفة ونقل الحكايات والمفارقات بأسلوب ساخر جميل وأخرها قبل وفاته بأسبوع بعث إلى الكروب بمقالة طريفة بعنوان ( عركة جريوة ) الحادثة الظريفة الحقيقية التي نقلها عن ذاكرته بعد مضى أكثر من نصف قرن على حدوثها وهنالك عشرات الحكايات والمساهمات والمداخلات التي كان يشارك فيها ، لم تكن تمر حادثة وفاة لأحد المندائيين إلا وكان الفقيد فرج عريبي السباق بإرسال برقيات المواساة والتعزية أو المفعمة بالتحيات والسلامة والشكر والعرفان إلى الشخص المعني بواسطة الكروب المندائي ياهو.
لقد كان كل المندائيين وطيبين العراق أهله وأصدقائك أحبته فقد كان يواسي هذا ويناشد ذاك ويثني على الأعمال التي تخدم القضية المندائية ووطنه العراق وشعبه، لقد قرأت له رسالة في الكروب المندائي ياهو فيها ذكريات و مواساة حزينة بحق صديقة المرحوم الفنان القدير خليل الرفاعي ( أبو فارس ) بعد وفاته العام الماضي .
لقد كنت ارصد هذه المراسلات من خلال متابعاتي لكتابات فقيدنا الغالي في إحدى المرات بعث الراحل ( أبو نبيل ) برسالة أشاد فيها اشادة قوية جداً إلى كاتب وأديب يستحقها عن جدارة بعثها إلى الأديب العزيز ( نعيم عبد مهلهل ) عبر الكروب المندائي ياهو متصورا ً أن الأستاذ ( نعيم عبد مهلهل ) صابئي مندائي لكثرة ما يكتبه الأديب نعيم عن المندائية مدخلاً بكتاباته الرموز والكلمات والبوث المندائية أي ( الآيات المندائية ) تحسن من كتاباته أنه مشبع بالمندائية ( متصوف مندائي ) وقد أجابه ( نعيم عبد مهلهل ) بعد ان قرأ كلمات الطيبة والثناء التي بعثها المرحوم ( فرج عريبي ) أليه أجابه ، برسالة وأي رسالة قطعة أو تحفة أدبية جميلة جدا ًعنوانها ( بيتك المندائي أشعل قلب الوردة بالحب ) ** والتي نشرت في العديد من المواقع الصحفية وهذا مقطع صغير من مقدمتها < إلى العم الطيب ..وزهرة المندائيين الدائمة فرج عريبي خويطر الساكن بعيدا عن ضفاف دجلة في كندا ..زيوا سيرحم عاطفتك بالورد وسبجعل رقاد حلمك الأخير في بيت ولدت فيه المندائية الأولى ..>
المقالة الأدبية للأديب ( نعيم عبد مهلهل ) منشورة في موقع كتابات وموقع انحاد الجمعيات المندائية . وهذا المقطع الأخير من مقالة الأستاذ ( نعيم عبد مهلهل)
(المجد لهم لأنهم بقوا في البيت متواصلين من الطائفة والذكريات ..
يسعون لتبريك البركة بالمباركة وهو ما يدعيه المتصوفة بتلوين العشق بسماء التكوين وتسخين البارد بالتنجيم عاطفتهم شدة ضوء وورد وأدعية نبارك فيهم صحوة البقاء ونغسل ثيابنا بمحنة السفر وعندهم سنجتمع ذات يوم من أوتاوا حتى قرى الكحلاء من مالمو حتى شمس سوق الشيوخ من ديترويت حتى معطف السياب ستظل روح الوطن المندائي تلبس جنوب الله عشقا نورانيا أزليا وسيظل عطر سومر يوقظ إحساس المندي بشهقة الآس والقرطاس..
به سنكتب رسالة عودة إلى وطن مبارك وروح رائعة ..
بيتك المندائي أشعل قلب الوردة بالحب
وأنت أشعلتني بفراقك
أمي قالت ذلك
وأغمضت عينيها إلى ما شاء الله ..)

لقد أفنى الفقيد كل حياته وبذل كل طاقاته في سبيل وطنه و مندائيته التي ولد منها ونهل من عذب عقيدتها ،هذا ما لمسته في شخصية الفقيد وسمعته من أهلي ومعارفي وأصدقائي عن طيب الذكر ( أبو نبيل ) ,,, مع اعتذاري من الجميع كنت أحس أن العم الطيب أبو نبيل يمتلك كثير من الصفات الجميلة لذا كان يوزع كلمات الطيبة بصدق وبغزارة ودفء لمستحقيها ...
لقد أحزنني وفاة المربي والشخصية المندائية الطيبة والمثابرة في عطائها للجميع دون تمييز الفقيد العزيز أبو نبيل ولقد ضاعف من حزني عليه قسوة الدهر والهجرة القسرية التي أبعدتنا و مزقتنا وشتتنا عن أحبتنا وأصدقائنا و أهلنا وعراقنا. مات المندائي العراقي ( أبو نبيل ) في كندا بعيدا ً عن أرض الرافدين موطننا الضارب بالقدم الذي أحبه ( أبو نبيل ) ونذر له العمر كله .

أرجو من عائلة العم الطيب ( أبو نبيل ) وكل محبيه قبول خالص تعازينا الصادقة بهذا المصاب الكبير وأن يلهمهم الصبر والسلوان ودعائي للحي العظيم أن يتغمده برحمته الواسعة وأن ينصف كل مظلوم .

ملاحظة : الأستاذ الفقيد ( فرج عريبي مخيطر ) عضو في رابطة الكتاب والصحفيين الصابئة المندائين ، والفقيد غني عن التعريف في مجال الإبداع الفني والصحفي فهو كاتب ومحرر صحفي ومعد برامج تلفزيونية .

يحيى غازي الأميري

رحـيل الرجـل النـبيل  فرج عريبي 

فاروق عبدالجبار عبدالامام

كثيرة هي الاسماء ، قليلة هي الاعمال ؛ الكل يكتب ، الكل ينشر ، الكل يعتقد بأنه الأفضل وبأنه يعطي ما لايعطيه الآخرون ، إلا هو فكان يكتب وكان ينشر وكان يعطي ما لا يعطيه الآخرون ، كان يحاجج وكان يبرهن ، كان يعتقد ولا يظن وكان يعطي ولا يضن ، كان نبيلا" في وقت ٍ قلّ فيه النبلاء بل لقد زاد فيه البلاء، وظهر البخلاء الضنيون بأقوالهم واعمالهم ؛ مخافةَأن تسرق أعمالهم وافكارهم التي لم يفكروا فيها بعد ، وهم بدون أفكار اصلا ًَولا يساوون ذرة ملح في محيط الحياة ، الا هو فكان يعطي دوماً وكأن لديه هواجس كلّ الآخرين وكأن لديه هموم كلّ الآخرين ، وكأنه انسان بدماغ مليون مليون من البشر .
رحل الرجل النبيل وقد أنجز مليون فكرة ومليون اخرى قيد الانجاز ومليون ثالثة سيفكّـر فيها بعد حين لكن هذا الحين أتى ولم يكن لـه بالانتظار . رحل الرجل النبيل وهو يضحك ويبتسم لانه مؤمن الا مفر من قدر لا فرار منه ، وكنا نعتقد انه لن يستسلم ولن يرحل هكذا سريعاً وكنا نتمنى أن نكون سبّاقين في الرحيل قبله لنفرش له طريق الصعود الى المطراثي وروداً ورياحين ونسعد بصعوده نقياً نظيفاً ونحن نعلم ألا يلتقي اثنان في طريق واحــدٍ . رحل ابو نبيل ولم نكن لرحيله مستعدين لكن هانحن اؤلاء نستذكر ما كان منه وما ترك لنا من أثر طيبٍ وسلوكٍ نظيف قلمـا نجده في هذا الزمان الذي بات الاخ لا يتعرّف على أخيه ولا الإبن على أبيه وهنا نتذكر القول الذي طالما كنا نردده حين نفتفخر بأنفسنا ونتباهى بأننا أفضل ما خلّف الآباء (( ليس الفتى من يقول كان ابى بل الفتى من يقول هاأنذا )) فهل ينطبق هذا القول هاهنا !!
سكنت أقصى المعمورة رغماً عنك لكنك أصبحت قريباً من بيت الرحمة وبعدت عن أرض القصب والبردي وعيونك تتطلع الى هنالك فلعل في الأفق ما ينبئ بالعودة التي أضحت حلماً وسراباً ووهماً بعدت عن أرض الرافدين الذي صار غريباً رغماً عنّـا وعنك .
لك طوبى أيها الرجل النبيل لك الخلد يا أبا نبيل يامن من حروف اسمك نستمد بعض المعاني ؛ فمن الفاء ، فضل وفرح والراء رجاء وريحان والجيم جمال وجوهر واسمك يدل على قرب الفرج الذي لم ننعم به حتى الآن .
لك ايها الرجل النبيل ندعو ونبتهل أن تكون رحلتك الى {{ المطراثي }} ومنها الى عالم الخلد ؛ فلا أقول وداعاً بل أقول الى اللقاء وعسى اللقاء يكون بعد حين .

قاعة مندى الصابئة المندائيين ببغداد في 4 ـ 4 ـ 1997 أثناء تقديم السيد يحيى غازي الأميري للأستاذة ناجية المراني بمحاضرتها الموسومة ( المندائية بين الحضارة والتخلف )
لم يقهرها جور السنين وقسوتها ، يضفي عليها الشيب وقاراً على وقارها ، رغم تقدمها بالعمر ، وما تحمله على كاهلها من إجهاد السنين القاسية لم تزل عالية الهمة متقدة الفكر ، متجددة العزيمة ، وفوق هذا تمتاز بنباهة عالية واضحة ، لم يبهرها نجاحها وحب الناس لها بل زادها تواضعا" وطيبة وتقديم المزيد من الخدمات .
ناجية المراني قلب ٌ لم يعرف الوهن والضعف والكره والحقد ، امرأة لم يعرف قلبها اليأس والقنوط ، متطلعة دوما ً إلى الغد المشرق ، ملتصقة بالحياة الاجتماعية تتابع التطورات والأفكار والأحداث ، تنهل باستمرار من العلم والأدب هكذا عرفتها وبدأت أتابع وارصد تطلعاتها وحياتها .
زاد إعجابي بها وأنا أتابع تطورات حياتها ، فهي من الرعيل الأول من المندائيات المتعلمات ،فهي معلمة منذ نهاية ثلاثينيات القرن (العشرين) في ريف العمارة ومدينة العمارة ، بالإضافة لخدماتها بالتعليم فهي ذات نشاط متميز في النضال السياسي التقدمي والدفاع عن حقوق المرأة
تحال على التقاعد عام 1963 ، رغم الظروف الصعبة القاسية التي كان يمر بها البلد ، في تلك الفترة حيث أجواء ( انقلاب 8 شباط ) وما لحق بالبلد من قتل وتشريد وترويع و اعتقالات وسجون وقد أخذ الصابئة المندائيون حصتهم الكبيرة من ذلك ! رغم كل تلك الأجواء المرعبة ، لم تستسلم ( ناجية ) لليأس والأمر الواقع (التقاعد ) وجو الرعب والهلع يحيطها ، كانت طموحاتها وأحلامها تسير وفق رؤيتها المتفتحة لطلب العلم ومتابعة الأهداف وتحقيق الأحلام !!
في خضم تلك الظروف تقدم ناجية إلى الجامعة ( في بغداد ) لتحصل بعد سنوات دراستها الجامعية على بكالوريوس في الأدب ( لغة إنكليزية )، تسافر بعدها إلى بيروت / لبنان لتقدم على نفقتها إلى ( الجامعة الأمريكية ) فتحصل على الماجستير ( آداب لغة لإنكليزية ) تقدم على الدراسة على نيل شهادة الدكتوراة وتعد رسالتها وقبل مناقشتها ، تدخل لبنان الحرب الأهلية عام 1974 مما يضطرها العودة إلى العراق محملة برسالتها، التي أكملت إعدادها لتضعها على الرف وقلبها وعيونها عليها لعل يأتي الفرج يوما" لكن الفرج طال ولم يأتِ حتى غدا نسيا" منسيا", لتبقى حاملة رسالتها معها في فكرها المتقد المتجدد .
لقد حققت ( ناجية المراني) نجاحات كبيرة جميلة نافعة للوطن والمندائية ، إضافة إلى سنوات خدمتها الطويلة في التعليم ، قدمت ناجية نتاجات أدبية جميلة عديدة تنوعت بين الدراسات والبحوث والمقالة والنقد والنثر والشعر والترجمة والتأليف وابرز و أكثرها شهرة كتبها ( مفاهيم صابئية مندائية ) فهو من الكتب المهمة التي لها الأثر الكبير في تعريف الراغبين بمعرفة المندائية وكذلك يعد مرجع مهم باللغة العربية للمهتمين والباحثين بالشأن المندائي من المندائيين وبقية الأديان الأخرى . لقد لاقى كتابها رواجا ً وشعبية في مختلف الأوساط المهتمة بالمندائية. علما ً إن الأستاذة ناجية تجيد اللغة المندائية قراءة وكتابة مما سهل نقل الصورة بالعربية بشكل دقيق وواضح . إذ تمتلك قابلية كبيرة بتطويع اللغة الأدبية ورصف مفرداتها مما يجعلها سهلة وممتعة في القراءة وبليغة ودقيقة بالمعنى المراد إيصاله للقارئ .
سوف أتحدث عن الصورة التي جمعتني بها ، وهي تقديمي للأستاذة ( ناجية ) في إحدى نشاطات القسم الثقافي ، لمجالس الطائفة المندائية في مندى بغداد عام 1997 .
فعلى مدى ساعتين و وسط قاعة مكتظة بالحضور ،و بعد أن اكتملت المقاعد المهيأة للجلوس بالحاضرين ، اصطف العشرات من المندائيين من مختلف الأعمار على جانبي القاعة ، وهم ينصتون بتحبب إلى صوت صديقتهم وهي تتلو محاضرتها التي أعدتها عن التاريخ الحديث للمندائيين ودورهم في بناء الوطن والحياة الاجتماعية والثقافية ، تناولت خلالها أحداث وتطورات أزمنة مرت ، و عن شخصيات مندائية متنوعة الإبداعات والمهن والحرف وووو ألخ .
وعلى مدى الساعتين لمحاضرتها شدت الحضور بخطابها حيث كانت تتكلم بنبرات صوت جميل الإيقاع فصيح اللسان واضح المقاصد .
سوف أحاول أن أسترجع وأستعيد الحالة لتلك الصورة التي كتبت بها رسالتي أدناه ، وبعثتها كرسالة إلى الأستاذة ( ناجية ) عندما كنت في عمان / الأردن بعدما كنت قد ذقت ذرعا ً بالوضع الذي يلف البلد ووصلت إلى أن اتخذ قرارا" مجبرا" عليه بالرحيل عن وطني بمحض إرادتي بعد أن قلبّت كل الاحتمالات باحتمال تحسن الوضع فلم أهتدِ إلى أي بصيص أمل ، لذا بعت بيتي وهو ملاذي وسكن عائلتي وكذلك بعت محل عملي وكل مافية من محتويات ( ذهب وفضة ) وكذلك أثاث بيتي وسيارتي ولم ابقِِِ ِأي شيء لي يمكن أن ارجع أليه في حالة فشل رحلتي وهجرتي إلى المجهول بعد أن عزمت وحزمت أمري ، وفي عمان وضعت كل ما املك بيد ( المهربين ) لغرض الوصول إلى أي بلد يقبلنا كلاجئين من وطننا الذي اصبح القائد الفذ وأزلامه يزيد من ضغطه ورعبه للمواطن الكريم بكل ما أوتوا من قسوة ، وبعد مخاض عسير ومعاناة قاسية أفلحت بالوصول لإحدى دول اللجوء ، إذ كنت خائف ومرعوب من فشل مغامرتي ، إذ كنت قد جربت مثل هذه المغامرة ( الهجرة بطريقة التهريب ) في عام 1992 فذقت التشرد والمأساة والنصب و ألاعيب النصابين وخداع المخادعين من المهربين وسماسرتهم كنت ( أنا وعائلتي ) وقد عانيت من جراء ذلك الفشل والخسارة المادية الكبيرة والمعاناة التي أرجعتني إلى نقطة الصفر حيث عدت إلى العراق ( بعد ستة أشهر من الوجع والترحال من دولة لدولة ) عدت محمل بالديون والهموم ، لقد كانت من التجارب القاسية الأليمة لي ولعائلتي ( أن لذلك حكاية سوف اكتبها ذات يوم ).
وسط هذا الجو النفسي وبعدي عن بلدي وأهلي وأصدقائي وأحبتي ، كنت أقلب مجموعة من الصور حملتها معي إلى عمان ، كنت وكأني اعرف ما سيلحق ببلدي سواء غادر صدام السلطة أو اجبر على مغادرتها أو بقي على سدة الحكم فقد خرب البلد ودمر العلاقات و أشاع سياسات تدميرية جند لها وهيئها من بعد سقوطه إذ جرى إعدادها على مدى سنوات طويلة لقد هيأ كل ما يضر الوطن والشعب وهاهي النتائج تظهر واضحة جلية للأعيان ، موت وخراب ودمار ورعب وتشريد وتجويع يلف الوطن ويخيم على الشعب ، كنت أتابع بشكل يومي أخبار الاستعدادات والمؤتمرات لتغير النظام الغاشم أتابعها من مختلف محطات التلفزة الفضائية وكذلك كنت اذهب كل يوم إلى جبل عمان ( الدوار الأول ) حيث هنالك مكتبة رائعة بكل محتوياتها إنها مؤسسة ( المرحوم عبد الحميد شومان )هذا الإنسان الرائع الذي وهب جزءا" من ثروته للعلم والمعرفة والثقافة ، أذهب لقراءة الكتب المتنوعة ومتابعة الأخبار والتقارير الصحفية و الدراسات حول العراق وخطط التغير المرتقبة.
كانت صورة أمي لا تفارقني وهي تذرف دموعها عند توديعي وصوتها يرن برأسي (( يمه يحيى يمكن أموت وبعد ما أشوفك ولا أشوف أولادك ، يمه أم مخلد ،أشو كلكم عفتوني )) وكأنني أعلم ما سيحل بها بعد سنوات فكتبت رسالتي إلى ناجية وبكيت من كل قلبي وأنا أكتبها، وأدناه اسطر كلمات الرسالة مرة أخرى ، وأنشرها على الإنترنت عسى أن أزيح هم يجثم على صدري من جهة وارسم بكلماتي صورة أخرى عن امرأة عراقية ( مندائية ) طيبة صادقة نزيهة و مربية فاضلة ، خدمت البلد والناس والمندائية وتستحق الكتابة عنها.
أدناه نص الرسالة القديمة
إلى الأستاذة ناجية غافل مران (( ناجية المراني )) المحترمة

تحية وبعد
في إحدى ليالي تشرين الثاني ، وأنا أشاهد قنوات تلفزيون عمان وهي تقدم العديد من البرامج الرمضانية ، وبينما كنت أشاهد أحد البرنامج بعد أن نام الأولاد ، جلبت مجموعة كبيرة من الصور التي كنت قد جمعتها خلال سنين الحياة التي مررت بها ، وصلت إلى صورة جمعتني في مندي الطائفة معك ، كنت قد قدمتك في ندوة ثقافية مندائية ، تفحصتها وتأملت فيها كثيرا ً و استرجعتني إلى أن أعيش جو الندوة وكيف شاء القدر أن أقدمك في الندوة ، وهذا شرف كبير لي أعتز له وفخور به ، مستمتعا ً كلما تذكرته .
وضعت الصورة إلى جانبي وذهبت إلى دولاب حديدي وضعت فيه مجموعة من الكتب والمجلات المندائية التي جلبتها معي من العراق .
وأخرجت العدد السادس من مجلة أفاق مندائية وقرأت قصيدتك الجميلة (( وصية ))
في غــد ٍ يا أهلّ إن حم ّ َ الرحيل ......... وانثنى خـلُ لتوديع الخليــل
و استقرت خفقة في جانحي ......... واهتدت روحي إلى النبع ِ الأصيل
اذكروني وابسموا لا تحجموا ......... إنما الذكرى من اللقـيا بديل
و احفظوا الود َ الــذي خلفته ُ ......... في كتاب ٍ عندكم حفظ الجمـيل
إلى أخر القصيدة
انثروا حولي زهور الياسمين .......... وجعلوا قبري في ظل ِ النخيل

واعدت قراءتها عدة مرات وأصدقك ِ القول ذرفت من الدموع كثيرا ً ..... حتى اكتفيت لم أجفف دموعي بل تركتها تسيل كما تريد ، وبعدها سحبت نفس عميق ووقفت وأزحت ستارة الشباك ، وشاهدت منظرا رائعا ً لجبل يطل أمامي وقد ملأته الأنوار ، كانت السماء ذات زرقة صافية ينيرها بدر بهي شامخ .
فأمسكت قلمي وأني أعترف لك ِ أني لست ُ بشاعر ، لكن يعجبني في بعض الأحيان أن أكتب خواطر تكون أحيانا ً قصيرة وأحيانا ً لا بأس بها .
فكتبت لك ِ هذه الكلمات :

إلى من لها في كل حديث روعة
تدخلين القلب بيسر وسرعة
وبهدوء بال تهدر .... كلماتك كالشلالات منفعة
جاعلة ً الحب َ دوما ً ..... متقدا ً ممتعا
ناجية انك ابتسامة بديعة ... يا أرق من زهرة ياسمين يافعة
لقد جئت بتحليلات بارعة
يا رب أحفظ لنا هذه الصانعة
و أنك بمقام أمي ... وليس لكلامي مرغبا ً لصانعة ..... وأنه رأيّ وليس لي به من راجعة ..... وسأجعل أولادي وكل من أعرفهم أن يعرف من هذه المرأة الرائعة .

عمان في الحادية عشر والنصف ليلا ً في 20ــ 11

واستهوتني أن أطول لك ِ الرسالة بكلمات صادقة من (( جوه البي )) كما يقول المصريون ، فكتبت لك ِ هذه الكلمات
ناجية نور صافي
زاهية لون الأطياف ِ
حانية بصدق وافي
ورعة ً بتقوى الأسلاف ِ
مكتنزة بالحب الشافي

ناجية نور السماء الصافي
زاهية لون طيف الأطياف ِ
حانية بصدق رائع وافي
ورعة ً طيبا ً وتقوى الأسلاف ِ ورعة طيبةً
مكتنزة المعرفة بالحب الشافي
ـــــ
ناجية كالنور تشع
ناهية عن كل بشع
ناهرة ً لكل مـُبتدع ْ
مؤيدة لكل مخترع
مشجعة ً لكل مبدع

((ناجية أسطرلج هذن ... جلمات بس بيهن شجن ... وماعندي أكثر من هذن ))
ناجية بجسمي تسري ، فرحان بيها تسري .

فلو كنت شاعرا ً لجعلت أسمك يدور ، في كل البحور ، وعلى مدار العصور ، لعراقة الجذور ، ورهافة الشعور ، ولما بذلت من جهد ٍ صبور ، وحب وقور ، وعلم ٍ وفير ، ورأي جسور .... ولا أبقى هكذا ألف وأدور !

راجعنا مؤسسات ودوائر عديدة بدأت بمديرية التقاعد العامة، املاً في الحصول على ملفته الوظيفية بعد احالته على التقاعد، والتي لم نجد لها اثراً في تلك المديرية، أو في رئاسة جامعة بغداد، أو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، كما لم نجد لها من أثر في كليتي التربية (ابن الهيثم، ابن رشد) رغم عمله الطويل في تلك المؤسسات.. 

بهذه المرارة والخيبة، تحدث الدكتور ستار نوري العبودي وهو يستعرض سيرة حياة العالم العراقي عبد الجبار عبد الله في كتابه (سفير العراق العلمي).

يقع الكتاب في أربعة فصول ابتدأها بالمراحل المبكرة من حياة عبد الجبار عبد الله، ثم دراسته الجامعية وحياته الوظيفية الأولى، ودراسته العليا، واختتمه بانجازاته العلمية ومواقفه الوطنية. وحرص المؤلف على تعزيز معلوماته بالصور والوثائق والشهادات التي تخص الدكتور عبد الله، ومن المؤسف جداً، ان يطبع الكتاب بطريقة (الاستنساخ) فضيع ملامح العديد من الصور والوثائق النادرة، التي بذل المؤلف جهداً استثنائياً في جمعها واعدادها، يستحق عليه الثناء والتقدير.

المراحل المبكرة

ولد عبد الجبار عبد الله في مدينة قلعة صالح (محافظة العمارة) عام 1911، في بيت رئاسة دينية للطائفة المندائية، فوالده الشيخ عبد الله كان الرئيس الروحاني الأعلى للطائفة في العراق والعالم. والدته السيدة (نوفه رومي الناشيء) وهي من عائلة معروفة بين ابناء طائفتها، شقيقها غضبان الرومي، المثقف والسياسي المعروف، اما زوجه فهي السيدة (قسمة الشيخ عنيس الفياض) والدها أحد الصاغة المشهورين عاش عبد الجبار في كنف اسرة فقيرة، عانت من شظف العيش، وانعكست تلك المعاناة على صباه، يتذكرها بالقول: كنت ارتدي الثياب الصيفية في الشتاء، والتجوال حافي القدمين في سنوات طفولتي الأولى.

أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة قلعة صالح، التي تعد أول مدرسة ابتدائية تؤسس في (لواء) العمارة. دخل المدرسة عام 1918 وتخرج فيها عام 1925. واكمل دراسته الاعدادية في (الثانوية المركزية) ببغداد عام 1930، متفوقاً على زملائه في النتائج الامتحانية، وتشير بطاقة درجاته الامتحانية إلى ميل واضح لديه للدروس العلمية خاصة في مادتي الرياضيات والفيزياء. 

إلى جانب ذلك اظهر عبد الجبار عبد الله ميلاً آخر للموروث الثقافي لديانته. وحرصه على حفظ نصوص تعاليمها وتراتيلها منذ الصغر. إلى جانب قراءاته للأدب العربي بصورة عامة، والشعر بصورة خاصة، وكان شغوفاً بالشعر الجاهلي. وحين اتسعت مداركه ازداد تعلقه وشغفه بالكتاب والمعرفة، فقرأ الفلسفة والتاريخ إلى جانب المصادر العلمية المختلفة لا سيما تلك التي تتعلق باختصاصه العلمي. وكان يوصي اصدقاءه بقراءة شعر أبي العلاء المعري، والمتنبي، وابي تمام، وابي نواس، على ان شاعره المفضل كان الشاعر الكبير الجواهري. ولذلك لم يكن من باب المصادفة ان نجد بين مقتنيات مكتبة عالم فيزيائي كبير كتباً في الأدب العربي، أو معاجم للغة. كما يروي اصدقاؤه، وزملاؤه، وابناء عائلته، الذين يؤكدون انه كان شاعراً ومثقفاً واعياً بأهمية التراث العربي، ومما يؤكد ذلك، قراءته المستمرة للتاريخ بشكل عام والتاريخ الإسلامي بشكل خاص. كما يعني أيضاً تعدد وتنوع مصادر ثقافته العلمية والانسانية، فضلاً عن حرصه على تعلم اللغات غير العربية.

ان سعة مداركه الثقافية، وموهبته النادرة، وذكاءه الحاد، عمقت وعيه وأهلته لأن يتبوأ بجدارة منزلة العلماء، باعتراف العالم أجمع بعبقريته المتميزة. تجاوزت ابحاثه ونظرياته الثلاثين نظرية، اشرف على العديد من الدراسات الأكاديمية العليا في أميركا أو غيرها من البلدان حتى آخر أيام حياته. دخل اسمه أكبر المعاجم العلمية في العالم. واحتل مكانته الطبيعية بين مشاهير العلماء المرموقين في العالم.

دراسته الجامعية وحياته الوظيفية الأولى

 

عرف عنه تفوقه بين زملائه في الاعدادية المركزية، ولعل ذلك كان سبباً وراء ترشيحه إلى بعثة دراسية خارج العراق. وقد شملت البعثات ستة وعشرين طالباً، من بينهم عبد الجبار عبد الله إلى الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1930، وتخصص في علم الفيزياء مثلت بيروت والجامعة الأمريكية، محطة جديدة ومهمة في حياته، إذ اسهمت بصورة فاعلة في بلورة شخصيته الثقافية والعلمية التي برزت بوضوح بعد تخرجه في تلك الجامعة. 

 

وشهد عام 1930 تأسيس أول جمعية طلابية عراقية خارج العراق. ضمت عبد الفتاح إبراهيم ومحمد حديد وعلي حيدر سليمان إلى جانب عبد الجبار عبد الله. وكانت الجمعية النواة الأولى لجمعية (الرابطة) الثقافية التي تشكلت في بغداد، فيما بعد، والتي لعبت دوراً ثقافياً وطنياً وديمقراطياً وقومياً خلال الأربعينيات من القرن الماضي. واصدرت مجلة (الرابطة) التي شغل فيها عبد الله مسؤولية (سكرتير التحرير) منذ صدور عددها الأول عام 1944 .

 

ومن المفارقات، ان يعود عبد الجبار لوطنه بعد تخرجه في الجامعة عام 1934 ليعين مدرساً للغة الانكليزية في المتوسطة الشرقية ببغداد، بعيداً عن اختصاصه الذي شغف به فقرر العودة إلى مدينة العمارة ثانية والعمل في ثانويتها كمدرس للرياضيات والفيزياء. حتى عام 1938، إذ ينتقل إلى وظيفة جديدة في الانواء الجوية بمطار البصرة.

 

وعلى الرغم من ان وظيفته هذه ابعدته عن زملائه من رواد الثقافة والفكر السياسي الوطني فانحسرت نشاطاته الثقافية العامة، الا انه عاد مجدداً لنشر مقالاته العلمية في مجلة (التفيض) البغدادية، فقد نشر مقالته العلمية الأولى تحت عنوان (مبادئ النظرية النسبية من بطليموس إلى انشتاين) ويبدو انه اكتسب خلال هذه المدة عضوية الجمعية الانكليزية للانواء الجوية، كما منحته احدى الجامعات الانكليزية شهادة عليا في الانواء الجوية عن طريق المراسلة.

 

وفي مرحلة مضطربة من تاريخ العراق في اثناء الحرب العالمية الثانية. وضمن حملات التعبئة العسكرية التي اقدمت عليها الحكومة آنذاك، ينخرط عبد الله في خدمة الاحتياط كضابط في الجيش، يعود بعدها إلى مطار البصرة حتى عام 1941. ثم ينتقل إلى بغداد للتدريس في الاعدادية المركزية لغاية أيلول 1943. وتسنح الفرصة له مجدداً في التمتع ببعثة دراسية لنيل شهادة الدكتوراه في جامعات الولايات المتحدة عام 1944 وتمكن بفضل موهبته العالية من انجاز المهمة عام 1946. فيعود إلى العراق لتدريس اختصاصه في دار المعلمين العالية. 

دورة تأسيس منتدى (الرابطة) الثقافي

سبقت الاشارة إلى ان عبد الجبار عبد الله، كان من بين الأسماء التي اسست (جمعية الرابطة الثقافية في العراق). ولابد من التوقف عند هذه المحطة المضيئة في تاريخ عبد الله وجهده الفكري والعلمي منها.

 

بدأت فكرة تأسيس هذه الجمعية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وعلق مؤسسو الجمعية آمالاً على انتصار الديمقراطية بمفهومها السياسي والاجتماعي في المحيط العربي، في تلك الاجواء فكر عبد الفتاح إبراهيم في تأسيس الجمعية، ولعل ذلك سيكون نواة حزب سياسي راديكالي فيما بعد. واعلن عن تأسيسها في كانون الأول 1943، وضمت قائمة المؤسسين إلى جانب إبراهيم، خدوري خدوري، مخلف العبيدي، جمال عمر نظمي، حازم نامق، جميل عبد الله، فضلاً عن عبد الجبار عبد الله، وناظم الزهاوي ومحمد توفيق حسين، وفاضل حسين وكامل قزانجي. وعبد القادر اسماعيل البستاني.

 

اختلفت توجهات أعضاء الرابطة المؤسسين الفكرية والسياسية، بين اليمين والوسط واليسار. إلا ان القاسم المشترك الذي كان يجمع هؤلاء، هو الهدف في اشاعة الثقافة الديمقراطية، وتشجيع النشاط العلمي والاجتماعي. فكان عبد الجبار عبد الله من انشط أعضاء مجلة الرابطة الشهيرة والمهمة. وعملت تلك المجموعة الشبابية النشيطة باكثر من اطار لتأكيد توجهاتها الثقافية الديمقراطية والتقدمية. دون ان تكون لها طموحات سياسية، وان كان عبد الفتاح إبراهيم قد دخل اللعبة البرلمانية، حين أسس حزب الاتحاد الوطني في مرحلة لاحقة من عام 1946، إلا ان توجهاته واهدافه ظلت تدور في ذات الإطار الفكري.

 

ضمت الرابطة كذلك عدداً مهماً من الشباب المثقف في العراق، نذكر منهم على سبيل المثال: طه باقر، كوركيس عواد، عزيز شريف، حسين جميل، جواد هاشم. ولابد لمثل هذا التجمع ان يترك بصماته على الحياة الثقافية العراقية امتد إلى خارج العراق، بعد ان توسعت نشاطاتها، من خلال المناقشات والمحاضرات وتشكيل لجان التأليف والنشر، وتأسيس مكتبة خاصة بها، ثم تأسيس شركة للطباعة هي (مطبعة الرابطة). التي احتلها انقلابيو 8 شباط 1963، وتؤول ملكياتها إلى الدولة فيما بعدباسم دار الجماهير للطباعة انصرف عبد الجبار عبد الله إلى اهتماماته العلمية، وهو يخوض تجربة سكرتارية تحرير مجلة الرابطة. الا ان ذلك لم يمنعه من الكتابة في موضوعات فكرية واجتماعية، تعطي بوضوح مدى تبلور الوعي الوطني والتوجهات الديمقراطية والاشتراكية لديه. كما اتسمت برؤية خاصة في فهم الديمقراطية والمجتمع. وعلى الرغم من اختلافه مع آراء وافكار بعض مؤسسي (الرابطة) كعبد الفتاح إبراهيم، إلا انه ظل وفياً لتلك الجماعة غير بعيد عنها. 

 

رئاسته لجامعة بغداد

 

شغل عبد الجبار عضوية مجلس جامعة بغداد منذ بداية تأسيسها، وكان وجوده في المجلس فاعلاً ونشيطاً وحينها كان الدكتور متي عقراوي اول رئيس للجامعة الذي احيل على التقاعد عقب ثورة تموز 1958 فتحول وكيله عبد الجبار إلى منصب الرئاسة من الناحية الفعلية. وامين عام لها حتى شهر شباط 1959 إذ صدر مرسوم جمهوري باناطة مهمة الرئاسة إليه، بعد تنافس شديد مع شخصية علمية أخرى هي (الدكتور عبد العزيز الدوري).

 

تسلم عبد الله مسؤولية الجامعة، في أوضاع سياسية محتدمة، مثلما احتدم الجدال والنقاش في الأوساط السياسية والعلمية حول المرشح لرئاسة الجامعة آنذاك.

 

ولعل من الطريف ان نشير إلى رأي الفريق نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة بعد تموز 58 ـ يرويه المؤرخ خليل إبراهيم حسين ـ حين اعترض على ترشيح عبد الجبار عبد الله باعتباره ينتمي إلى الطائفة (المندائية) فرد علي احمد محيي الدين وزير الداخلية بالقول: (نريد إماما للجامعة، لا إماما لجامع يؤم المصلين).

 

وكان رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، قد حسم مسألة الاختيار على أساس موضوعي ومتجرد وغير منحاز، من منطلق معرفته الأكيدة بكفاءة عبد الجبار ومنجزه العلمي وموهبته النادرة، حين رد بالقول: ان الثورة لا تفرق بين مذهب، ومذهب، ودين وآخر، بل جاءت لوضع كل انسان عراقي مهما اختلف دينه وقوميته، وشكله في المحل المناسب.

 

ويرى العديد ان سمعة عبد الجبار عبد الله العلمية العالمية، وكفاءته العلمية، وصفاته الأخلاقية، واستقلالية تفكيره، ومنهجيته الصارمة والدقيقة كانت كلها عوامل أهلته لان يحتل هذا الموقع بجدارة وإخلاص. 

 

وخلال توليه هذه المسؤولية، قدم الكثير من أجل بناء وتطوير هذا الصرح العلمي، على الرغم من قصر الفترة التي تسنم فيها رئاسة الجامعة.

 

آراؤه التربوية وفلسفته

 

تقوم فلسفة عبد الجبار عبد الله، على الايمان بدور العلم في تطوير الحياة البشرية. ايماناً مطلقاً، إذ يرى ان خير مقياس لتقدير تقدم المجتمع، هو مقدار ما ينتجه ذلك المتمتع من البحوث العلمية. ويؤكد هذه الحقيقة في حديثه عن العلاقة بين العلم والمجتمع بقوله: البلد المتأخر هو ثقافة متأخرة، والثقافة هي، جميع الطرق للعمل أو التفكير التي تعلمها الناس في تاريخهم الحافل بالتطور. ولأن المجتمع (أي مجتمع) لا يمكن ان يعيش بمعزل عما يجري من حوله من تطورات علمية في مختلف صنوف الحياة. فلابد له من مواكبة التطورات التي تجري من حوله. ويرى ان الجامعة باعتبارها المؤسسة العلمية الأولى يمكن لها ان تأخذ بيد المجتمع في التقدم بعد ان عرفت واجباتها نحو المجتمع.

 

ويقترح عبد الله مشروعاً تنموياً لتحقيق هذا الغرض. لكي تقوم بهذا الواجب الاجتماعي الكبير. فلابد لها من ان تنشئ لها كياناً وتقاليد خاصة بها تميزها عن سواها بثوابت لا يمكن الحياد عنها يأتي في مقدمتها: خلق العرف الجامعي، تفعيل دور الجامعة، الايمان بقدرات الاجيال الجديدة، الحرية الأكاديمية الفكرية، وأخيرا استقلالية الجامعة.

 

وأكد الشرطين الاخيرين في أكثر من مناسبة. بالقول: ان الحرية الأكاديمية لا تأتي بالرغبة المجردة، ولا تتحقق بالنية وحدها، بل لابد من ممارستها امداً. ولابد من التوصل إليها بالتجربة المضنية الطويلة. اما استقلالية الجامعة، فكانت متأصلة في فكره، ظل يعمل من اجلها، بتحديد مضامينها وأساليب تطبيقها، لكي تكون جزءاً من طباعنا، مستقراً في دواخلنا. ادراكاً منه بالترابط الوثيق بين الاستقلال الوطني واستقلال الجامعة. والاقرار بحتميتهما. 

 

ومن اللافت للنظر كما يشير المؤلف، كثرة استعاراته اقوال الفلاسفة وكبار رجال الفكر، في احاديثه ونقاشاته. إذ يستعين بحكمة الفيلسوف الصيني (كونفوشيوس)، وطروحات (غاليلو) وكتابات الفيلسوف (بيكون)، أو العودة للأساطير القديمة، والموروث الثقافي العربي والاسلامي، وتاريخ العراق القديم والحديث. ومحاولته استخدام قصص الخيال العلمي. وجميعها تشير إلى سعة اطلاعه وثقافته العامة، وعمق تفكيره. فضلاً عن تمتعه برؤية ثاقبة للإدارة التربوية الناجمة.

 

عمله في مجال الطاقة الذرية

 

حرص عبد الجبار عبد الله على امتلاك العراق لمصادر الطاقة الذرية للاغراض السلمية في الفترة التي شغل فيها منصب نائب رئيس لجنة الطاقة للفترة من 1958 ـ 1963، وتعد هذه المدة من اغنى المراحل التاريخية في الحصول على المعلومات المهمة في مجالات استخدام الطاقة في مختلف الفروع العلمية. لاسيما وان اهتمام العراق في هذا الميدان جاء متأخراً بعض الشيء، وقد اتاحت له تجاربه السابقة خلال دراسته، التعرف على الكثير من اسرار الطاقة الذرية، وتشير احدى المخطوطات المحفوظة لدى زهرون دهام (من عائلة عبد الله). ان الرئيس الأميركي هاري ترومان قلده وسام (مفتاح العلم) تقديراً لجهوده العلمية المتميزة في هذا المجال. وهذا الوسام كان يمنح إلى كبار العلماء المتميزين في عطاءاتهم العلمية. ثابر عبد الجبار بكل جد وإخلاص في خدمة بلاده في هذا الميدان، وقدم العديد من الاسهامات والبحوث والدراسات، وترجم الكثير من المصادر، فضلاً عن دوره في اختيار الموقع المناسب لبناء الفرن الذري للبحوث في بغداد.

مواقفه الوطنية

الدكتور عبد الجبار عبد الله، الذي بلغ الواجهة، ونال شهرة علمية واسعة، كان بديهياً ان يساق إلى ساحة الاتهامات رغماً عنه، محسوباً على اليسار العراقي في ذروة امتداده بعد تموز 1958، ودفع ثمن هذا الاتهام ان صح التعبير باحالته على التقاعد عام 1963 بعد انقلاب شباط، الذي لم يكتف مديروه بهذا الاجراء فقط انما دفعوا به إلى زنزانات الاعتقال والتعذيب، شأنه شأن العديد من الكفاءات والعلماء التي طالتها يد الجريمة والقتل من الجهلة والمتخلفين. 

 

ولابد من تأكيد حقيقة واحدة فقط تتعلق بانتماء هذه الشخصية المرموقة فتكاد كل الوثائق والمعلومات تجمع على عدم انتمائه لأي حزب سياسي، بل كان ديمقراطي النزعة، تقدمي التفكير متنوراً إلى ابعد الحدود، هاجسه الوطني دائماً هو خدمة وطنه العراق، مؤمناً بالحرية، واحترام الآخرين، وبسبب مواقفه الجريئة والصريحة، تعرض إلى الأذى، والملاحقة، فقرر مغادرة الوطن بعد ان أطلق سراحه عام 1963، والعودة مجدداً إلى الولايات المتحدة، وظل يحمل العراق في قلبه وعيونه، فكان دائم الحنين اليه بالرغم من القسوة والجفاء اللذين ذاق مرارتيهما وهو يمنحه خلاصة فكره وعلمه.

 

فمات بعيداً عنه في التاسع من تموز 1969 ليعود إليه تابوتاً من خشب الساج.

 

في الختام لابد من الاشادة بالجهد الكبير الذي قدمه الدكتور ستار نوري العبودي في تقصي حياة الدكتور عبد الجبار عبد الله وتتبع اثارة العلمية وتسليط الضوء على الكثير من الحقائق والاسرار التي رافقت حياته، وهو محاولة نأمل لها ان تكسر الصمت الطويل لمؤسساتنا العلمية والثقافية لتعيد لذاكرة العراقي امجاد رموزه من العلماء والمفكرين.

الأحد, 14 نيسان/أبريل 2013 17:02

زهرون وهام.. رمزٌجميل للصداقة والتواضع

أعطى العديد من المندائيين جهودا ً متميزة كبيرة في عطائها للوطن بشكل عام ، وللديانة المندائية وقضيتها بشكل خاص ، وقد اعطى كل منهم حسب قدرته وطاقته ، رغم الظروف الصعبة التي مرت عليهم ، ولم يزل نهر العطاء المندائي يقدم هذا العطاء الذي جبل عليه . ومن الرعيل الأول للمتعلمين المندائيين الى يومنا هذا برزت كوكبة تلو الكوكبة فعلى مدى القرن الماضي، برزت هنالك مئات من الاسماء التي خطت أسماءها بكل جدارة في سجل المبدعين والمضحين للوطن والشعب ، فقد تنوعت أبداعاتهم وتضحياتم ، بشكل جعل كل الباحثين والسياسين والمنصفين يشيرون اليهم بالبنان لما حققته هذه الفئة الصغيرة من ابداعات وخدمات جليلة وفي مختلف المجالات .
أذ كان والى يومنا هذا الهاجس الأول والقضية الأولى بالنسبة للمندائيين هي أخلاصهم وحبهم للوطن وأهله ودفاعهم عن ديانتهم المندائية ، ولم تبخل تلك الفئة الطيبة من تقديم عصارة فكرها ، وتعليمها ، وخبرتها ، وجهودها لأبناء وطنها وبني جلدتها ، و لم ينسَ المندائيون هذا العطاء الكريم لهم .


فـي مقالتي سأذكـر أحد هؤلاء الطيبين الذكر ، أنه المرحوم زهرون وهام الشيخ سام الذي ولد في ( لواء العمارة ) محافظة ميسان حاليا ً في( قلعة صالح ) من عام (1911ـــ 2003 ) م وهي السنة التي ولد فيها معه وفي نفس المدينة ( لواء العمارة ــ قلعة صالح) كل من العالم الجليل ( عبد الجبار عبد الله 1911ـــ 1969) و في ( لواء العمارة ــ المجر الكبير ) ولد الأستاذ المبدع والعقلية النيرة ، المفكر ( نعيم بدوي 1911ــ 2002 ) رحمهم الله.
المرحوم زهرون وهام نشأ وسط عائلة مندائية ملتزمة في ديانتها و تعاليمها وطقوسها ، وتحيط به العوائل المندائية التي لاتقل عن عائلته التزاما ً بالديانة المندائية وقيمها الأخلافية .
وسط هذا الجو عاش ونهل وترعرع ، ليكمل بعدها كل سنين عمره في سبيل خدمة وطنه وأخوانه المندائيين ، فهو بحق ( مربي فاضل ) فقد زرع مع كل كلمة علمها لطلابه الحب الحقيقي ،والصدق، والرحمة ، والطيبة ، والتسامح ، ونظافة الروح !! فلقد تخرج من دار المعلمين( عام 1937 ) وبعد خدمة طويلة في مهنة التعليم تجاوزت الثلاثين عاما ً أحيل على التقاعد ( عام 1968)
يكنُّ له أبناء الطائفة المندائية ، وطلابه والذين عرفوه حبا ً كبيرا ً وتقديرا ً جميلا ً ليس لكونه خدم الوطن وأهله بكل صدق وأمانة ، ذو شخصية لطيفة جمعت من حسن الصفات الشيء الكثير بل لانه إضافة لذلك مرهف الحس ، خفيض الصوت ، صادق النوايا ، ذو قلب مشحون دوما ً بالحب والطيبة ، مبتعدا ً عن الغرور والتكبر والأنانية ، كثير التواضع ، كريم النفس ، حسن الصوت فصيحا ً .
كان الأستاذ زهرون يجيد اللغة المندائية قراءة وكتابة ، وقد سمعته أكثر من مرة يقرأ النصوص المندائية بلكنة خاصة جميلة ( رطنة ) تختلف عن الرطنة المندائية الدارجة عندنا في العراق ..
زاد تركيزي عليه من خلال أحتفالية (جائزة ) العالم الجليل( عبد الجبار عبد الله ) التي كانت تمنح للطالب المتفوق للمرحلة الأعدادية ،والتي كانت تقام سنويا ً في (نادي التعارف ) ببغداد ، وقد كان من أهم فقرات الأحتفال أن يقدم خلالها شيء عن العالم (عبد الجبار عبد الله ) وعن علماء الصابئة المندائيين في الفترة العباسية ،وللأستاذ المرحوم زهرون مساهمات جميلة بذلك ، لقد كنت أحضر بشكل مستمر لتلك الأحتفالية الرائعة ، أحدى تلك الأحتفالات كان الأستاذ (زهرون ) يتألق نجما ً فيها أذ كان يتحدث عن معرفة قريبة وصداقة حميمية عن صديقه ورفيق طفولته (المرحوم العالم الجليل عبد الجبار) .
كان يقف منتشيا ً ، وهو يتلو مفرداته الجميلة بحق صديقه بعد أن دونها بأحداثها المتسلسلة بكل عناية ، موضحا ً عبقريته وأبداعاته وصفاته النبيلة !!
في تلك الأمسية كان يطلق آهاته من صدره كلما يذكر أسم صاحبه لا حزنا ً يشبه حزن عينيه والدموع تترقرق فيها ، وبيده اليمنى وبطرف منديله الأبيض كان يجفف دموعه بعد أن ينتزع نظارته باليد الأخرى .
بين تلك الكلمات الجميلة والذكريات الشجية ودموعه المنحدره على خديه ، وصوته المتهدج ، كنا نستمع له خاشعين !
لقد كنت ارقب حضوره المستمروالمبكربذكرى صديقه ، كنت أراه ممزوجا ً بين الفرح والحزن ، فرحا ً أن يرى ويسمع صوتا ً ينشد لـ (عبد الجبار ) وحزنا ً لفراقه السريع والمباغت وهو في قمة العطاء .
كان مرهف الحس فلكل شاردة أو واردة يذكر فيها أسم (عبد الجبار ) ، يبتهج ، يصفق بحرارة ،و تدمع عيناه.
في أحدى تلك الأمسيات الأحتفالية كنت قد كلفت من قبل الهيئة الأدارية لنادي التعارف بأعداد وألقاء كلمة عن أحد أعلام الصابئة في الفترة العباسية ودورهم المشرف في المساهمة ببنائها ونهضتها ، أذ كان في السنة التي سبقتها قد أتحفنا الدكتور (قيس مغشغش) بكلمة جميلة قيمة عن الأديب البليغ صاحب الرسائل ( أبي إسحاق الصابي ).
كانت كلمتي عن العالم والرياضي الفيلسوف الصابئي ( ثابت بن قره ) ، كان الأستاذ زهرون يجلس في الصف الأول كان يزداد طربا ً وهو يسمع أن عبد الجبار يقارن بثابت أبن قره ، يقارن بعباقرة الأجداد الأفذاذ .
بعد أن أنهيت كلمتي ، كانت كـفّا زهرون تصفـق بحرارة ، وما ان خطوت بأتجاهه حتى نهض ليستقبلني فاتحا ً ذراعيه ، هامسا ً بأذني (( أحسنت ياولدي )).

سألته مرة :
أستاذ ابو صلاح ........ المرحوم العالم عبد الجباروأنت في نفس العمر وأنتم في ذلك العمر ( ليس الأن طبعا ً ) هل كان يمثل قدوة لك ؟
أجابني وقد تلألأت الدموع في عينيه ، وراحت شفتاه ترتجف الكلمات ، وهو يبتلع ريقه ، وبصوت قوي أجابني (نعم ).
واردف بعدها ( أنه قدوة في كل شيء ).
كنت أرى حضوره في تلك الأحتفاليات كمن يكون في موعد مع صلاة الحج !
كان زهرون يكن حبا ً كبيرا ً وتقديرا ً عاليا ً لصديقه الأخر( نعيم بدوي ) لايقل عن حبه لـ (عبد الجبار) ، ان زهرون وهام رمز جميل للصداقة الصادقة ، جميل أن يذكر المرء أصدقاءه بهذا الأخلاص والتقدير والحب والطيبة .
للأستاذ زهرون مشاركات ومساهمات جميلة وكثيرة في نشاطات الطائفة التنظيمية والاجتماعية و الثقافية وقد كان لي الشرف بتقديمه في أحدى الندوات الثقافية على قاعة مندى الطائفة في بغداد عام 1997م وكانت محاضرته بعنوان ( الزواج في العقيدة المندائية ) رغم تقدمه في العمر لكن حبه لمندائيته وأهله يدفعه لتقديم خدماته وخبراته لهم بكل تواضع وممنونية ، وقد تناول في محاضرته القيمة طقوس الزواج وأهميته في العقيدة المندائية ، وكذلك تحدث عن تقاليد الزواج ، وكيف كان يجري التعارف بين المندائيين لغرض( الخطوبة ) فيما بينهم ، وقد ركز أكثر أهتمامه في محاضرته على أهمية أيجاد الطرق والوسائل الجديدة لغرض أدامة تعارف ابناء الطائفة المندائية فيما بينهم وأهمية دور المؤسسات المندائية بأبتكار أفضل الوسائل لغرض زيادة فرصة تعارفهم وتقاربهم بعد أن تكاثر عددهم وزادت وتباعدت مناطق انتشارهم ، وأصبح من الصعب معرفة البعض للبعض بعكس ماكان سابقا ً اذ كان التقارب في سكناهم وتجمعاتهم حلا ً ميسرا ً وسهلا ً للتعارف والتزاوج فيما بينهم .
وأني أذ اشاطر( الأستاذ زهرون وهام ) رحمه الله الرأي في طرحه هذا وأدعو أن يصار الى عقد مؤتمر مندائي على مستوى عالٍ من الأهمية وأن تقدم فيه دراسات وبحوث يمكن أعتمادها بأيجاد طرق أسهل وأيسر لغرض تعارف ابنائنا لما لهذه المشكلة من أهمية كبيرة على مستقبل الصابئة المندائيين ، بعد ان زاد انتشارهم في شتى بقاع الأرض ،وبات ابن العم لا يعرف بنت العم ....!

الأحد, 14 نيسان/أبريل 2013 20:48

المربي الكبير نعيم بدوي

الكتابة هذه عن هذا المربي الكبير ، ليس لمن يحبون النرجسية او يرجون خداع النفس او الغير، ليس كتابة عن عبادة الذات، ولا هي محاولة تسويقية للتمجيد، ليس قطعة من الغزل بماضي انسان تشكل حياته تاريخا لنا نحن المندائيين في كل مكان، كما انها ليست دفاعا بالحق او الباطل عن رجل لازلنا الى يومنا الحاضر نحمل اعتزازا كبيرا له اسوة باعتزازنا برجل اخر من رجالنا الكبار وهو عبد الجبار عبدالله. ان الكتابة عن واحد من اعلام ثقافتنا الكبار، يمثل عرضا يقرن المحاسن، ويشخص مواقع القوة، ايمانا بوطنية هذا الرجل الشمولي، الذي امتلك جرأة المفكر الذي عرف دوره فتقدم لادائه دون ان يقف به مطمع او يحرفه هوى.
نعيم بدوي شخصية عراقية رحبة الافاق، ذات تاريخ مفعم بالمتغيرات، وهي في جوهرها الاساسي تقيّم على ضوء الدور الثقافي الذي لعبته وعلى النمط الاجتماعي وفعاليته وعلى الطموح السياسي الذي قادته خارج التقليد
وظل هذا الرجل طيلة سنواته التي تجاوزت التسعين ( 1911- 2002) موضوع مثالي لما امتلكه من تاريخ حافل، ولا يزال هذا التاريخ ينتظر من يبحث به ويستخرج مواقع الابداع فيه، فحياة الرجل لازالت ارضا بكرا على المستوى الاكاديمي المتخصص والثقافي العام معا. وما اقل ما يعرفه ابناء طائفته بشكل خاص والفئات المثقفة من العراقيين عن جغرافية هذا الرجل الذي يعد ابرز مربي الاجيال العراقية، بعد تأسيس الحكم الوطني في القرن الماضي . ولنا به مثلا يمكن ان يحتذى دون مواربة او تزلف، خاصة وان عراقنا بكل تشكيلاته المتنوعة، تربويا وثقافيا يجتاز هذا اليوم اخطر مرحلة، حيث يساق ويدلف الى احرج اختناقة في تاريخه الحديث وربما القديم كله. ان هناك انقلابا تاريخيا في مكان العراق اليوم، نحو الاسفل ولربما للوراء، نراه جميعا رؤية العين ولكن يبدو ان الاخرين متفاهمون بالصمت.
كان الراحل نعيم بدوي في محاضراته ورسائله الشخصية، يؤكد على الدوام بان الوحدة الوظيفية في اي مجال لاتأتي من الوحدة التركيبية المجردة والمنعزلة لاي بناء، بل ايضا من التنوع التركيبي داخل المجتمع او الطائفة، وهذا بالدقة ما يعرف بمبدأ التنوع او الوحدة بالتنوع. كان ينظر الى الشخصية المندائية عبر تجانسها في المقومات الاساسية لوحدة المجتمع العراقي ككل. كما كان يركز على الجوانب الثقافية في نمو وتطور وتحديد ملامح الشخصية المندائية، ولم يشجع الولاءات الضيقة او روح الاقليميات في وجه الولاء الوطني او على حسابه، ولم يمهد في طروحاته لنعرة طائفية منعزلة فكريا وسياسيا بقدر ما كان يضيف الجزء الى الكل من خلال العزة الوطنية الواسعة. كان يؤكد على التجاور المثمر في الثقافات العراقية، جنبا الى جنب ، كما تتجاور الحياة والموت، لقد ابصر كباحث ،ازاء حالتنا النادرة كطائفة دينية عريقة جنبا الى جنب الطوائف العراقية الدينية والقومية الاخرى من حيث السمات والقسمات والتقاليد والثقافات التي تجتمع فيها، كثير من العوامل المشتركة مع الاخر، لكن الاختلاف بوجهة نظره يجعل من كل من هذه الفسيفساء مخلوقا فريدا فذا، ثم هي تأتي عادة النموذج المثالي والمثل الكلاسيكي في كل شيء يحمل شراكة الوطن الواحد. مركزة مكثفة متضاغطة على نفسها بدرجة نادرة، بهذا وبذاك معا تجمع بين الحد الاوسط على الاقل من التعميم والتخصيص.
ان كل هذه الافكار التي كان يطرحها هذا المفكر ذات مغزى كبير في ارض يشترط انها ارض المتناقضات او الاضداد، الا انها تجمع بين اطراف متعددة غنية متألفة بكل جوانبها الخصبة، بين ابعاد وافاق واسعة تؤكد التجانس، وتؤكد في الوقت نفسه من خلال مسيرتها تلك الموهبة بسر بقائها وديمومتها وحيويتها على مر العصور، وهو ما يمنحها كذلك سمة التفرد.
يؤكد نعيم بدوي على اطروحة" النهر الكامل" فحياة كل الطوائف هي النهر، ولا وجود لاي طائفة بدونه، وزمن كل واحدة يرتبط بزمن وعوامل داخلية، تتميز بين الشد والجذب لتخرج شخصية العراقي الذي تحول الى عامل جغرافي موجب على مدى قرون طويلة، يغير ويشكل ويعيد تركيب ارضه الطبيعية باستمرار، ويمزج الطبيعي والبشري، الجغرافي والانساني، في هذا النهر الكبير الذي نطلق عليه وادي الرافدين.
التجانس بعد التكاثف تلك هي الكلمة –المفتاح والنغمة الاساسية داخل هذه البلورة المركزة والمضغوطة في وصف العراق التي كان يرددها هذا المفكر، وهي في كل هذا تبدو طبيعيا وبشريا، من التضاريس والمناخ حتى العرق والعقيدة والقرية والمدينة، جسما متجانسا الى ابعد حد ممكن، لا تتطور نحو التباين التدريجي الا على الاطراف التي تشكلها وثقافة هذه الاطراف المتنوعة، وعدم تغليب ثقافة على اخرى واو قسر ثقافة لاخرى، حيث تبزغ او تبرز الملامح المحلية الوطنية بكل نضجها الحضاري، اما الابتعادات الخاصة المفرقة فهي لاتتسع لتخلق التناقض والتصادم ،الا من خلال الاستبداد والطغيان، فلا شك ان الديكتاتورية هي النقطة السوداء والمشوهة في شخصية العراق، وهي منبت كل السلبيات والشوائب المتوغلة في الشخصية العراقية، لا على مستوى المجتمع فحسب، ولكن الفرد ايضا، لا في الداخل فقط ولكن في الخارج كذلك. والشيء المؤكد الذي يصر عليه نعيم بدوي بان العراق لا يتغير جذريا، ولن تتطور حضارته لتستعيد مجدها وتتحول الى دولة عصرية حقا يسكنها شعبا متعدد الثقافات الا حين تدفن ظاهرة احتقار وانكار الاخر الشريك، لان مجتمع الاكفاء الانداد والافذاذ، هي التي تقرب الجميع الى وحدة النهر، لتتحول جغرافية التنوع الى ملحمة حضارية، ثمرة تزاوج الثقافات المتعددة، فهي محكومة بمثل هذا التنوع، وسوف تخسر نفسها ومصيرها ورصيدها الحضاري الكبير، ام هي تناست هذا المبدأ لترتفع الى مستوى التحدي والمسؤولية
انها شهادة مفكر شجاع في زمن التردي والتخلي وحكم صغار العقول، قدمها هذا الرجل وهو يعي تماما الوعي، ان الحاكم بالنظرية او بالتطبيق بالوراثة او الممارسة، بالانقلاب وبالدم يتوهم بان العراق دائما ملكا له، ضيعته او قريته الكبرى، هو الدولة وهو الوطن، والولاء للوطن هو الولاء للنظام، وكل نقد موجه لنظامه موجه له شخصيا، وبالتالي فهو خيانة وطنية.
عسى ان يجد كل عراقي نفسه في هذه الطروحات

ولد الراحل نعيم بدوي في قرية المجر الكبير في مدينة العمارة عام 1911
اكمل المرحلة الابتدائية في مدينة العمارة
درس في دار المعلمين الابتدائية في بغداد وتخرج منها عام 1931
مارس مهنة التعليم الابتدائي لمدة ست سنوات في القرى والارياف في قلعة صالح والمجر الكبير
دخل دار المعلمين العالية وتخرج منها عام 1941 وبقي في التدريس الثانوي لمدة سنتين
انتقل بعد ذلك الى التفتيش الابتدائي قرابة ستة اعوام
احيل الى التقاعد بسبب نشاطاته السياسية
يعتبر من مؤسسي الحركة اليسارية في العراق
عمل في التدريس الخصوصي حتى عام 1958
بعد ثورة 14 تموز اصبح مديرا عاما للتجارة في وزارة الاقتصاد
عمل بالتعليم المهني ثم عمل في المفتشية العامة متخصصا باللغة العربية
احيل الى التقاعد بعد انقلاب 1963
رأس اول تشكيلة ادارية لنادي التعارف لابناء الطائفة المندائية
ترجم جنبا الى جنب صديقه وزميل عمره الراحل غضبان رومي كتاب الصابئة المندائيون
قام بالقاء عدد كبير من المحاضرات عن المندائية
كتب العديد من الدراسات والمقالات في الصحف والمجلات العربية
ظل يؤكد على اهمية تعليم اللغة المندائية للاجيال الجديدة كاساس لحفظ المندائية وتماسكها الديني والثقافي
ترجم العديد من اعمال الكاتب الروسي انطون تشيخوف الى العربية
اعتبر من ابرز المربين اللغوين العراقيين في مجالات اللغة العربية
وهو احد اعضاء مجمع اللغة العربية
قضى فترات طويلة من حياته في السجون، نقرة السلمان/ سجن الحلة/ السجن المركزي

 

كلمة عن نعيم بدوي القاها الاستاذ جاسم المطير بمناسبة وفاته

لا أظن أن بإمكان أي واحد منا غير أن ينتابه الصمتَ وهو يتذكر نعيم بدوي. تلوح الآن بقعة نور تضيء أمامي بعض جوانبَ حياةِ أنسان لم تتعب قدماه ذاتَ التسعين عاماً من مواصلةِ السيرِ في ذات الطريق النير .. لم يذهب بصره إلاّ نحو النور ..ولم تسكنه حالة يأسٍ .

بهذه الصورة قابلته أولاً عام 1964 مثلما قابلته آخر مرة في عام 1996 وأنا مصمم على مغادرة الوطن .لا أستطيع ولا غيري يستطيع أن يلخص تسعين عاماً من سيرة رجل حمل في صدره سر الوطنية الحقة .تجاوز كل مداهمات الظروف القاسية ومدلهماتها منذ أول أنتمائه للحزب الشيوعي في بداية الأربعينات ومذ أصبحت تشع في عينيه أنوار الحرية في خضرة منهمرة على نهر دجلة في مدينة صغيرة ، مجرها كبير ، لا تتجدد فيها الحياة كما في مدن العالم الأخرى .داخل المدينة الصغيرة تحركت أفكار بضعة معلمين وهم يحاولون تنوير عقول سكانها نعيم بدوي كان أحدهم . لنقل كان طليعتهم ..

بادئاً منذ منتصف الثلاثينات يصارع ظلمة الجهل الدفينة بين شطري تلك الأرض مكتشفاً بؤس سكان أهوارها الذي يعانون ظلم توأمين : الفقر والمرض عليه أن يضرب سراً هو ومجموعته ، كل ما يعيق تقدم الأفكار الوطنية بين صفوف الناس المساكين ، لكنه يريد الخروج من عالم النضال السري الى المجادلة العلنية مع الحياة والناس فنقل الى مدرسة قلعة صالح .كان مديرها غضبان رومي فصار بنور نعيم بدوي عنصراً تنويرياً في المدرسة وفي المدينة كلها .آمنا معاً بأن كل شيء في الحياة دائب التحول . آمنا أن لا شيء يهبط من السماء غير النجوم ولا يقضي على ظلام الحياة غير نور البشر .
لستُ أدري كيف ومتى نمت روح جديدة في قلعة صالح متحولة الى قلعة للوطنية الصلبة مخترقة الطريق الصعب نحو شعبها .لستُ أدري كيف ومتى أستطاع نعيم بدوي أن يُنبت بذور أفكاره في عديد من القرى وفي عقول عديد من الناس فيها ، لكنني أعرف أنه أقتحم عقل مدير الناحية قاسم أحمد العباس فحوله الى عقل شيوعي .
لا اعرف كيف ومتى صافح بكفيه كفيّ رجل العلم العظيم عبد الجبار عبد الله لكنني أعرف أن تأثير الصغير على الكبير كان فاعلاً. لا أعرف كيف ومتى أقتحم عالم الأدب لكنني أعرف جيداً أنه بدأ كتابة الشعر في أول شبابه .
لا أعرف كيف ومتى وأين تعلم اللغة الإنكليزية فأتقنها لكنني أعرف أنه صار مترجماً قديراً ، منها وإليها ، ساعدته على التقدم خطوة خطوة نحو عالم الثقافة الكبير ينهل منه كل ما هو مثمر لمسيرته في حياة الكفاح المضني من أجل قضية شعبه في الحرية .
لا أعرف كيف ومتى ولماذا أدخل الى سجن نقرة السلمان لكنني عرفتُ أن الصلابة معدنه وأن الإصرار إرادته ، وأن الإبداع كماله ، وأن الربيع غبطته ، وأن عشق الوطن شأنه ، وأن الجنوب قيثارته ، وأن الشمال فضته . لا أدري متى وكيف وأين التقينا في منتصف السبعينات لكنني أعرف أننا غدونا صديقين فراقنا قليل ولقاؤنا كثير .
لا أدري كيف ترجم كتابه مع رفيق عمره غضبان الرومي عن ديانة الصابئة لكنني عرفت أنه ضليع في تواريخ الأديان كلها
لا أدري بأي حبر كتب سطور إهداء كتابه أليّ ، لكنني أحفظ كلماته عن ظهر قلبي المليء بعنفوانها وهي تقول : يا صديقي .. ثمة نور وافر في الحياة يجب ان نظل باحثين عنه إن في السماء أو بين صخور الأرض.. رغيفنا نور ، وبستان وطننا نور.. وتراث شعبنا نور ..حريتنا نور ..
**
هذا هو صديقي لأربعة عقود نعيم بدوي..
يا للمنفى البغيض يمنعنا من السير خلف جنازته مودعين. عانقته ضراوة الموت ونحن اصدقاؤه في المنفى ..
لا نطوي ورقات ذكرانا معه في هذا الاحتفال ، بل نفتحها ورقة ورقة من قلب المتحدثين وسط عالم الموت الصامت كي يظل لمعان البرق في رحاب نعيم بدوي الىالأبد ..
***
جاسم المطير
  

في رحيل الخال العزيز والمربي الكبير نعيم بدوي

لم نرثيك بالدمع أيها الرجل الكبير...
بل بالحزن العميق بعد ان أخذك الموت عنا في رحيل نحو المطاف الأخير
فقد علمتنا بان لا نلطم على الصدور.. لا نبكي موتانا
بل سنرثيك بالكلمات كما كتبت لي يوما ما
كنت أراك من بعيد وكان الوجع في روحك والدمع في قلبك وأنت تعترض مكابرا على ضربهن لصدورهن باللطم في مأتم والدتك الحنون الذي شهدته دارنا الطيبة هناك في البعيد ببغداد الحبيبة.
......
الكلمات تخشع أمام لغتك التي أشعلت في قلوبنا منذ ان كنا صغارا أبجدياتنا الثقافية الأولى، فعشقنا مفرداتك لنتعرف من خلالها على مواقع أنفاسنا في جنبات كل الأمكنة والأزمنة التي مررنا بها.
.....
في تلك الأيام التي غادرتنا فيه الطفولة، أغوتنا أحاديثك وكتاباتك فتبعناها الى عالم الأسرار للبحث عن الحرية كما أوصيتنا.. في الدهاليز والسجون والبيوت التي كان يلفها الشجن والأسى
.....
كنت تحفر في التاريخ والجغرافيا لحضورنا ليحتفظ كل لنفسه نافذة مفتوحة
بكلماتك ووصاياك ودأبك المتواصل لتخرجنا من أتون التخلف والأوهام وما ابتلت به الأعمار، وما تعلق بالنيات كي لا نقع في متاهات التعصب والضلال.
....
فكنت رمزا وسحرا مارس تأثيره على أجيال متعاقبة.. فوقفت جميع عربات حياتنا، فتية وكبارا، رجالا ونساءا في محطتك للتزود بوقود معارفك الواسعة، الا انك غادرتنا بعد ان بقيت مفترشا مساحة هائلة من وجدان وعينا
...
ونذكرك ايها الرجل الكبير الذي نود جميعا الاقتداء بجوهره الطاهر وأنت حاملا مفاتيح النضال من اجل حرية وكرامة الإنسان بكل معانيها السياسية والاجتماعية، فقد كنت نهرا عذبا ارتوت منه أجيال.
....
لن نخونك بالنسيان فذاكرة قلوبنا تختزن بمحبتك.. وذكرى أقوالك عن الناس، حروبها وافعالها وبغضائها وأمجادها ومعاركها.. لازالت منذ زمن بعيد معلقة في قلب كل من احبك
....
رافقتنا ونحن نؤسس لنهضاتنا الفكرية والمعرفية فقد أغويتنا وتبعناك الى عالم الأسرار للبحث عن حريتنا وكان هذا درسك الأول لنا
....
هكذا تصطفي الأشياء يا أبا المعرفة وتذهب أنت بعيدا عنا... أيها النقي الهادئ الصادق الوقور لتمضي جسدا ، وتبقى ذكرى بسعة الوطن البعيد
....
وكنت مع الذين رحلوا عنا من المبدعين الكبار من أبناء بلدي،
كنت حيا وستظل حيا بعد الرحيل، وما غيابك الا استراحة بين موتين افتراضيين بينهما تكمن الحياة
....
هكذا تمضي من أمامنا ونحن في مدن الاغتراب حيث تتواصل أحلامنا في عناد بعدم نسيان تلك المسافات التي سعيت أليها، وذلك الزمن الذي أسسته لنا جميعا الذي لا زال يمتد من القلب الى حدود القلب
.....
أينما كنا ، وبكل الأعمار والأسماء والانتماءات... نفترش أحلامك الكبيرة بانتظار صباحات جديدة لنتذكرك كواحد ممن حمل مفاتيح الحرية بكل معانيها والتي أخرجت العديد منا من مستنقعات الانغلاق وعشق الذات والظنون
.....

علمتنا منذ ان كنا صغارا بان زياراتك الصباحية التي تخلدت في القلب في أيام الأعياد، لم تكشف لنا ونحن كبار عن هذا السر العجيب الذي لا يزال يضج في شرايين القلب
سر الخيط الذي لا نزال نتمسك به ببعضنا، ونرنو الى آخره فاذا على امتداده يشد صحبتنا وقرابتنا، ويخضّر أعمارنا التي تيبّست قبل الأوان
.....
وجاء الموت ليخطف محطة المعرفة.. ليخطف الشجرة التي تظللنا بفيها.. ليخطف من نحب بدون استئذان ... يمر من أمام أنظارنا بدون كلام ولا سلام فالموت يمضي كعادته مثل البرق.. انه زائر يمضي لكنه سيعود
....
ستظل عوالمنا بعدك موبوء بالنسيان والحروب ونكبات الأمهات، الا أننا سنعلم أولادنا من تلك المعارف التي علمتنا إياها، بأنها نور في عتمة هذا الزمن الرديء
سوف نفرش من تلك الأحلام التي ناضلت وسجنت زمنا من اجلها أشجارا كبيرة ليتفيأ أولادنا بظلالها.

عانت المرأة العراقية من ظروف قاسية بحكم مستوى تطور بلادها، وتعرضت اضافة الى عدم منحها في احيان كثيرة الحق في العمل ، الى عادات وتقاليد بالية قيدت حريتها وفرضت عليها قيودا وضعتها في موقع متخلف في الحياة ووضعت عليها اعباء مستمرة. وقد سبب التخلف الاقتصادي والاجتماعي بالارتباط مع السياسات الرجعية المتخلفة طيلة العقود الخمسة الاخيرة في تاريخ الشعب العراقي اضافة الى العادات والتقاليد البالية، في معاملة المرأة بصورة غير انسانية، ضاعفت المعوقات في طريقها للمساهمة بالحياة العامة وابقتها اسيرة نفوذ العائلة في اعمال البيت، كما ان الامية كانت عائقا جديا في تطور مستوى الوعي عند النساء العراقيات.

الا ان المرأة من الجانب الاخر ساهمت في الثورات والانتفاضات الفلاحية والمعارك العمالية والمظاهرات الوطنية. واستطاعت عبر نضال مستمر فرض جزء من تحررها واقرار بعض من حقوقها. وقد ساعد في ذلك عوامل عديدة ومن ابرزها سعة وعمق كفاح الشعب ضد قوى الظلام، وبروز قيادات نسائية عملت داخل احزاب ومنظمات نسائية قديرة وعلى راسها رابطة المرأة العراقية التي، قدمت عشرات التضحيات، ودخل العديد من كوادرها السجون والمعتقلات، بعد ان تحملت جميع نساء العراق فواجع الحرب، وفقدان المكاسب التي حصلن عليها عبر نضال مجيد.

والدكتورة ليلى الرومي واحدة من المناضلات التي وعت بان تحرر المرأة العراقية كاملا لا يتم الا في اطار تحرير المجتمع برجاله ونسائه، لان تحرر المرأة كاملا مرتبط بتحرر المجتمع. وقدمت هذه المرأة الجليلة الكثير بعد انقلاب 8 شباط الفاشي الاسود، لتصبح واحدة من الرموز النسائية المناضلة التي نضعها في قلوبنا بكل اعتزاز حتى هذا اليوم.

وفي هذه الظروف التي يمر بها وطننا تزداد مسؤولية المرأة في مجتمعنا. وكذلك تزداد اهمية مساهمتها في نضال القوى الوطنية .وموقعنا المندائي يعيد نشر هذا اللقاء المهم مع الدكتورة ليلى الرومي الذي نشرته مجلة " الصدى" التي يشرف على تحريرها زميلنا في اللجنة الثقافية الدكتور سعدي السعدي.

مقابلة مع شخصية نسائية مندائية الدكتورة ليلى غضبان الرومي

الصدى : هل للدكتورة ليلى ان تعطينا لمحة سريعة عن حياتها، المحيط العائلي الذي نشأت فيه؟

د. ليلى: ولدت في مدينة العمارة ونشأت في بيئة مندائية متفتحة ومتطلعة لكل ما هو خير في الحياة في ذلك الوقت. كان والدي مدير مدرسة ابتدائية في العمارة وهو كانسان تربوي له تطلعات ثقافية، فقد ربى فينا حب العلم والمعرفة منذ نعومة أظافرنا أولاداً وبناتاً وكان لم يفرق بين البنات والأولاد في معاملته لنا. كنا نذهب إلى قلعة صالح اثناء العطل الصيفية وهناك تعلمنا بعض تقاليدنا وعاداتنا المندائية.

دخلت المدرسة الابتدائية والثانوية في بغداد، وكانت المدرسة المركزية للبنات من اكثر المدارس دفعاً لتلميذاتها في التشجيع على الحصول على العلم والدرجات العالية التي تؤهل للدخول في الكليات. كنت من المتفوقات في الصفين الرابع والخامس الثانوي .. ولكن للاسف فصلت لأسباب سياسية لمدة سنة واحدة ، كان ذلك عام 1955 وكنت حينها طالبة في الصف الرابع الثانوي في زمن نوري السعيد وحرب السويس.

دخلت الكلية الطبية للعام الدراسي 1957 – 1958 ووصلت الى الصف السادس فيها عندما حصل انقلاب 1963 على حكومة قاسم وعندها زج في السجن اعداد كبيرة من شباب وطلاب الكليات كما وقتل البعض منهم بسبب انتمائهم الى الجمعيات الطلابية والديمقراطية. وبقيت في السجن ثلاث سنوات أي لغاية 1966 وعندما خرجت من السجن رفضت الحكومة في ذلك الوقت ارجاعي الى كلية الطب رغم كوني في السنة السادسة النهائية وكان قد تبقى لي ثلاث شهور على التخرج حينها. حاولت الحصول على قبول في جامعات وكليات طب خارج العراق ورغم كل محاولاتي إلاّ أني لم أحصل على القبول في معظم الجامعات التي قدمت لها. وأخيراً سافرت الى بولونيا حيث كان أخي موفق يدرس هناك وساعدني هو والجمعية الطلابية العراقية (اتحاد الطلبة) على الحصول على مساعدة للدراسة في بولونيا. عندها أخذت سنة لتعلم اللغة وعدت سنتين من الدراسة، وكانت اللغة البولونية لغة صعبة، ولكني توفقت في دراستي وتخرجت سنة 1969 بدلاً من 1963 ..

سافرت الى انكلترا عام 1970 وعشت هناك واشتغلت كطبيبة منذ ذلك الوقت.

الصدى: ما هي المصادر الثقافية التي كونت شخصيتك أو أثرت في تكوينك الفكري والثقافي خصوصاً في المراحل المبكرة من حياتك؟

د. ليلى : ان المجتمع الذي عشته كان مجتمع مثقف حيث كان الكثير من المندائيين معلمين ومدرسين وكان والدي من أول المعلمين المندائيين المتخرجين عام 1922 وكان يؤمن بالتعليم وكذلك الدكتور عبد الجبار عبد الله ابن عمتي والذي عيّن رئيس جامعة بغداد في زمن الزعيم عبد الكريم قاسم. وكان الكثير من الشباب المندائيين متطلعين للثقافة والمعرفة. وكنا نقرأ الأدب العربي والعالمي الذي يصلنا عن طريق لبنان ومصر والترجمة العربية للكتب من الاتحاد السوفيتي، فبالاضافة الى دراستنا كانت لنا تطلعات ثقافية واسعة، وأنا لتذكر أننا كنا نقرأ كثيراً من الأدب المنشور في ذلك الوقت اثناء العطل الصيفية ومن عمر مبكر وبتشجيع من الوالد.

الصدى: منذ متى وانت في الغربة؟ هل يمكن أن تحدثيننا عن رحلة حياتك في الغربة، ابرز المحطات التي تركت بصماتها على حياتك في ابعادها التي ترغبين الحديث عنها؟

د. ليلى : تركت العراق سنة 1966 ليس رغبة مني وانما تركته متغربة لغرض إكمال دراستي. كنت قد قررت الرجوع للعراق حال اكمال دراستي ولكن كلما أطلب من الوالد ذلك كان يجيبني ان الوقت غير مناسباً، خوفاً على حياتي . فأنا كنت من المغضوب عليهم من النظام الفاشي البعثي السابق وكان رجال الأمن يفتشون عني حتى بعد تركي العراق ويأتون الى بيتنا لسؤال الوالد عني .. وهكذا اضطررت الى ان ابقى في انكلترا .. اول الأمر من أجل التخصص. وقد وجدت ان العناية بالاطفال المرضى عمل نبيل، فتخصصت في امراض الأطفال وأخذت الـ MRCP والـ FRCP من كلية الأطباء الملكية في بريطانيا بنجاح وتفوق .. وكنت دائماً أود العودة الى العراق لأخدم وطني وانتظر الفرصة للرجوع ولا أزال لحد الآن انتظر هذه الفرصة رغم كل هذه السنين.

الصدى: ما هي العبر والدروس التي يمكنك ان تزودي بها جيل الشباب الناشئ، بعد أن تربى ضمن المفاهيم الصدامية الفاشية والدكتاتورية، وبعد أن وجد نفسه تائهاً في بلدان الغربة يبحث أو لا يبحث عن هوية؟

د. ليلى : ان لكل انسان ظروفه الخاصة، ولكن المهم أن على الانسان الذي يعيش في الغربة ان يحافظ على جانبين في شخصيته .. أولاً ان يندمج ولا ينعزل عن المحيط الذي يعيش فيه وان يتعلم من هذا المحيط كل ما هو خيرّ وجميل وثقافي ليحسن من شخصيته ووضعه في هذا المجتمع الجديد .. وفي نفس الوقت أن لا ينسى ثقافته الأولى وارتباطه الاجتماعي والعاطفي بالعراق وأهل العراق، من ثقافته الأولى وارتباطه الاجتماعي والعاطفي بالعراق وأهل العراق، من ثقافة واطلاع ومعرفة ودين وعادات اجتماعية .. إن هذا الاختلاط الفريد يكوّن من شخصية الانسان شخصية فذة وناجحة، ولكن لا أن يكون واحد دون الآخر فلا تقوقع بالعراقي ولا رفض لكل ما هو عراقي وعربي ومندائي .. يجب ان نحترم ونستفاد من تراثنا وفي نفس الوقت نتعلم من المجتمع الجديد الذي نعيش فيه.

الصدى: قلنا "يبحث عن هوية"، ما هي الهوية التي تعتقدين أنه يجب على جيل الشباب البحث عنها، هل هي الوطن والوطنية، أم هي المندائية، أم هما الاثنان، هل هي الانتماء الى حضارة وتاريخ، والى اي حد يكون هذا الانتماء مفيداً للنشأ الجديد ضمن تحديات العصر الحالي والغربة والعولمة .. أم أن لك مفهوم آخر حول الهوية؟

د. ليلى : هوية الشخص العراقي تختلف من شخص الى آخر .. فهناك عراقيين تغربوا وابتعدوا عن وطنهم بالمسافة والفكر .. وهناك عراقيين تغربوا وتقدموا في مجتمعاتهم الجديدة ولكن بقوا فكرياً وعاطفياً وثقافياً محافظين على ارتباطهم بالوطن وحاولوا المساعدة بما يقدرون من الناحية العملية ومن الناحية الثقافية والعاطفية. وقد حاولوا الحفاظ على نوع الهوية identity التي هي خليط من الوطنية والمندائية والعربية ومن الفكر الغربي.

الصدى: تشكلت للطائفة تشكيلات تنظيمية ومؤسسات مختلفة منها الثقافية ومنها الاجتماعية ومنها الدينية ومنها متخصصة في الدفاع عن حقوق الانسان وغيرها .. ومن البديهي أن أي تجربة جديدة يكتنفها في بادئ الأمر صعوبات نتيجة عدم تراكم الخبر في هذا المجال، وقد يكون عدم تبلور الاهداف المتوخاة من هذه التشكيلات وقد تتداخل مهمات لا يمكن لجمعيات فتية تحمل وزرها .. ما هو برأيك الاسس الواجب اتباعها في جمعيات ومؤسسات كهذه لضمان النجاح والاستمرا ولغرض ان تكون الجمعيات فاعلة في اسناد المندائيين في بلدان الغربة؟

د. ليلى : ان قيام المندائيين بجمعيات محلية في وطنهم الجديد شئ مهم جداً لبقاء الطائفة .. وكل واحد مناّ له صفات ومميزات مختلفة عن الآخر وبامكانه المساعدة في مجال أو آخر. والاتصال بين الجمعيات يخلق جو من التعارف ويساعد على اقامة علاقات بين المندائيين في الخارج والداخل. ومن خلال الجمعيات يمكن تقديم المساعدة من نواحي عديدة، اجتماعية وعائلية واقتصادية وحقوق انسان ودينية وغيرها. النجاح يبنى على اساس احترام الافراد لبعضهم البعض وتفانيهم من اجل انجاح الجمعيات، واحترام استقلالية كل جمعية على الرغم من ارتباطها مع الجمعيات الأخرى في اعمال مشتركة.

الصدى: ما رأيك بالمؤتمر الثالث للجمعيات المندائية في بلدان المهجر، من زاويتين الأولى كمندائية مشاركة والثانية كعضوة في هيئة رئاسة المؤتمر؟

د. ليلى : ان المؤتمر كان ناجحاً من عدة نواحي .. اولاً خلق ظروف للتعارف وتعزيز العلاقة بين الاصدقاء والاقرباء وانا لم اجتمع بمثل هذا العدد من المندائيين منذ سنين طويلة ورأيت أفراداً من اقربائي لم ارهم منذ سنين .. كما أن هناك شعور بالتعاون بين الجمعيات والأخوة من كل الدول المشتركة، وقد كان واضح نجاح بعض الجمعيات مثل كندا وامريكا واستراليا والسويد في لم شمل الجالية المندائية في بلدانهم والقيام بالفعاليات الاجتماعية وكان المؤتمر يعكس هذه الروحية .. أيضاً هناك نشاطات من أجل حقوق الانسان ومساعدة الأخوة المندائيين الذين لهم مشاكل وخاصة في استراليا .. وايضاً ما قامت به جمعية نيويورك بالاتصال بالجهات الامريكية لتعريفهم على وجود المندائيين كطائفة دينية لها كيانها ووجودها في العراق منذ الاف السنين وعليه احترام حقوقهم الدينية.

من ناحية المؤتمر نفسه فقد بذل الأخوة في السويد جهودهم لانجاح المؤتمر من ناحية التنظيم وكانت جهودهم ناجحة جداً وواضحة.

من ناحية رئاسة المؤتمر فان الأخوان اعطوا وجهات نظرهم بحرية وتقبل ورحابة صدر ولكن في بعض الاحيان احتدت العواطف وكثر الكلام وصعّبت الجلسة. أنا في رأيي نحن العراقيين لحد الآن لم نتعلم ان نستمع للآخرين ولكن نحب ان نتكلم كثيراً ولا نعطي مجال للثاني ليعطي وجهة نظره وهذا نقص عند معظم العراقيين.

الصدى: يلاحظ من خلال ادارة اعمال المؤتمر ان لك خبرة في قيادة المؤتمرات، هل شاركت سابقاً في عمل كهذه، أو هل يمكن ان تحدثينا كيف اكتسبت خبرة كهذه؟

د. ليلى : من ناحية الخبرة بادارة الجلسات فهذه تجربة وليست جديدة حيث بحكم المكانة العلمية فقد ترأست الكثير من الجلسات العلمية وكثير من الجمعيات الطبية وكذلك حضرت عدد لا يحصى من الجلسات الاجتماعية والعلمية وغيرها .. والواحد مناّ يتعلم ويتطور من تجربته الخاصة. ونأمل أننا نستطيع ان نخدم الطائفة المندائية ولو قليلاً رداً للكثير من النعم والفوائد التي اعطتنا اياها وانا جداً متشرفة ان اعطوني هذه الفرصة لأقدم ولو خدمة صغيرة للطائفة واتمنى لكل الجمعيات والأخوة النجاح في جهودهم وهم مشكورين.

الأحد, 14 نيسان/أبريل 2013 20:05

الشيخ دخيل عيدان

اصرار على قيام تعاون بين الديانات العراقية للحفاظ على القيم الدينية والاخلاقية

ونحن نجلس فوق هذا الركام الكثيف الذي يلفنا في ارضنا العراقية الابية الصامدة، ويحيطنا من جميع الاطراف، ركام ارواح ابنائنا وبناتنا، نجلس كي نحصي الخسائر المتتالية التي يحصدها القتل الهمجي، لكننا لا ننسى اعلامنا البارزة الذين علمونا ابجدية الحوار مع الاخر، ومحبة الوطن، وضرورة الحوار والتعاون بين الديانات الشريكة بالوطن الواحد للحفاظ على القيم الدينية والاخلاقية في المجتمع العراقي . فان اغتال القتلة احد ابنائنا، فهم غير قادرين على اغتيال ذكرى الرجال والنساء التي زرعوا القوة والصبر والشجاعة في نفوسنا جميعا، وان كتبنا كلمات في وداع الراحلين عنا، الا اننا سنفتح وللابد كلماتنا بذكرى الطيبين، فليس الكره وحده هو من يعلمنا الانتظار الى الغد بل ومحبة المعلمين الاوائل الذين سعوا الى ظفرنا المندائي المجيد.

ااحد ابرز اعلامنا المندائية من الذين كانوا سباقين في نشر التنوير الديني المندائي العريق، انه احدى واجهات تاريخنا المندائي المعاصر، الشيخ الفاضل الجليل دخيل عيدان الذي علمنا حب الوطن ومفهوم الانتماء المعاصر لديننا ولغتنا وطقوسنا واصولنا وثقافتنا المندائية وكيفية اعطائها المقومات الوجودية الدائمة.

ونحن اذ نقدم هذا الشيخ المندائي الجليل لقرائنا، نرجو ان يكون مفتاحا ييسر لهم الدخول في باب المندائية الواسع، ودليلا يهدي خطا الجميع. ونطمح ان يكون اختيارنا لواحد من اهم اعلامنا المندائية الدينية في تاريخ المندائية المعاصر، ليس للمتخصص بدراسة تاريخنا المندائي، لان مثل هذا يتطلب الدراسة المتفحصة لفكر الرجل ومقولاته وتفسيراته وتعليقاته، اي ما هو متراكم منذ عشرات السنين، ما هو حاضر او غائب ومحجوب ومطمور ومغمور عن انظارنا تحت طبقات النسيان والاهمال، بل كمرجع لكل ما قدم الينا شفاهيا يتمثل في خدمات جلى لابناء الطائفة اعاد لهم وجههم الحقيقي من خلال سلوك ومواقف متجانسة دينيا ودنيويا.

نضع بين يدي القاري اطلالة صغيرة تعريفية نأمل من خلالها من ابنائه ورفاقه وجامعي وثائقة في المساعدة على حفظ تراث هذا الرجل المندائي الفذ في بعض خطوطه من اجل استخلاص الكثير الذي يساعدنا على تكوين رؤية معينة قادرين على استخلاصها في كتاب كامل يتحمل اتحادنا تكاليف طباعته وتوزيعه لرجل كرس جل وقته لدراسة الدين، وكانت من اسمى غاياته واهدافه، التي اطلق عليها الثوابت، القيام بتعاون جميع الديانات العراقية للحفاظ على القيم الاخلاقية في المجتمع العراقي.

من الصعوبة في حال ذكر الشيخ دخيل عيدان، بوجه خاص كاحد ابرز الاعلام المندائية في عالمنا المعاصر، ان نجرد طريقة بما يتصل بالرجل ومواقفه وتصوراته وقناعاته وفلسفته، فقد مضت سنوات طويلة على وفاة هذه الشخصية المرموقة التي امتلات بالاعمال والنشاطات الدينية والاجتماعية والاتصالات واللقاءات مع الشخصيات السياسية التي قادت بلادنا في فترات متباعدة مامتدت من ايام الانتداب العثماني مرورا بالحكم الملكي وانتهاءا بالحكم الجمهوري، حيث تعززت علاقاته مع الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، اضافة الى المراكز المهمة الدينية والسياسية والثقافية، من اجل اعلاء شأن مكانة الدين المندائي والارتقاء بسمعة الطائفة والدفاع عنها.

ان اهم ما اسداه هذا الكنزفرا الجليل بما حمله من غزارة فكرية وايمان متبحر للمندائية بطقوسها ولغتها وفلسفتها وتاريخها ومعتقداتها ، روحانية الصابئي الملتزم بالحوار من اجل روحانية منفتحة، النزعة المسكونية لاهل الكتاب، الله الكبير، الله المحبة والتسامح.

ينحدر الشيخ دخيل عيدان من عائلة مندائية عريقة في تاريخها الديني والاجتماعي، يمتد عبر سلسلة من رجال الدين تقدر بثمانية عشر رجل دين( شيخ). ولد بتاريخ 14/4/1881 في مدينة العمارة، وتوفي يوم 24/6/1964 عن عمر يناهز 83 عاما. وقد اوصى ان يدفن في باحة داره الكائنة في بغداد/ الدورة/ المهدي/ وقد اصبح مزارا يؤمه ابناء الطائفة من كل مكان قاصدين ضريحه الذي يضم رفاته الطاهر.

لقد نشأ وترعرع في كنف عائلة محافظة تسودها القيم والتقاليد الدينية التي توارثها عبر الاجيال فكان لهذا اثر كبير في بناء شخصيته وتكوين قيمه الاخلاقية والروحية، تلك القيم والاخلاق التي تمسك بها اباؤه واجداده محافظين على نقائها وبقائها جيلا بعد جيل. درس مفاهيم ومبادىء الدين المندائي واللغة المندائية على يد عمه الشيخ محيي، وكذلك الشيخ جودة والشيخ ساموك عام 1892. فقد تعلم اللغة المندائية والم بها وفهمها فهما جيدا وغاص في بحورها الواسعة، ولم يتجاوز عمره احدى عشر عاما، واستمر بدراسته الدينية على يد الشيخ سام حتى عام 1898. قتل والده الشيخ عيدان اثناء ذهابه الى تادية طقوسه الدينية بمناسبة عيد البنجة عام 1893 وكان عمر الشيخ دخيل اثنتي عشر سنة. كان منذ طفولته على درجة كبيرة من الذكاء والفطنة، كما كان ذا مقدرة واسعة على تعلم واستيعاب لغات اخرى وعلى راسها اللغة المندائية ودراسة كل ما يتصل بالديانة، فقد تعلم اللغة العربية الفصحى ذاتيا بدون ان يدخل ( الملا) او المدرسة، واستمر يدرس ويبحث في اللغة واصول الدين وفهم الطقوس والشعائر والعمل على ادائها على احسن وجه وبكل دقة وبصورة صحيحة. لقد كان خطه المندائي جميلا ساعده في استنساخ الكتب الدينية( بيت كنزي) كما حفظ عن ظهر قلب الكتاب المقدس( كنزاربا) وعددا من الكتب الدينية الاخرى. لقد اصبح مؤهلا لنيل درجة الترميذا عام 1904 وكان عمره 23 عاما في مدينة الناصرية وكسب وهو في بداية شبابه شهرة واسعة لما قدمه من خدمات كثيرة. لقد كان مؤمنا شديد الايمان بدينه محبا صادقا وفيا فتح قلبه وذراعيه لاحتضان ابناء الطائفة وانشغل بمتابعة امورهم والقضايا التي تتعلق بمستقبل ومصير الطائفة، فاخذ على عاتقه لم صفوفها والعمل على تثبيت حقوقها وابراز هويتها في كل المناسبات والمجالات. بعد التقدم الواضح في حياته الدينية وتكريس جل وقته لدراسة الدين واداء الطقوس بكل جدارة نال درجة( كنزفرا) بكفاءة عالية ومقدرة فائقة فاحتل بذلك موقعا دينيا واجتماعيا يليق به واضحى صاحب سمعة طيبة واسعة عمت جميع افراد الطائفة في كل مكان وكذلك بين رجال الدين آنذاك. اتصف بالحكمة والمعرفة والامانة والصدق والشجاعة والكرم وعمق الايمان وقوته. وكان عادلا مخلصا لمبادئه السامية، هدفه الاسمى هو الدفاع عن الطائفة والمحافظة على سمعتها وسمعة ابنائها. كان يشارك المندائيين في افراحهم واحزانهم ويحمل عبء همومهم ساهرا من اجل حل قضاياهم، يزورهم متفقدا فردا فردا في كل مكان يضمهم وكان يلبي كل مطاليبهم الشخصية والدينية دون مقابل، مدافعا عن حقوقهم الدينية والاجتماعية ويقف في وجه كل شخص او جهة مهما كان موقعها تروم المساس بسمعة الطائفة وديانتها او التجاوز عليها. كان له دور متميز وواضح في شرح وايصال المفاهيم والمعتقدات الدينية المندائية الى كثير من رجال الدين والشخصيات من مختلف الاديان والمذاهب، وكذلك الى بعض رجالات الحكم طيلة مسيرته الدينية بدء من الحكم العثماني مرورا بالحكم الوطني وحتى الحكم الجمهوري. في سنة 1917 وبعد ترشيحه من قبل الطائفة المندائية صدرت الموافقة الرسمية على تعينه رئيسا روحانيا لطائفة الصابئة المندائيين في العراق وايران وبتخويل من الحاكم الملكي العام في العراق اللفتنت كولونيل أ. ن. ولسن . بتاريخ 1920 عين معلما لتعليم اللغة المندائية ومبادىء الدين الدين المندائي لابناء الطائفة حتى سنة 1922 من قبل الحاكم العسكري انذاك، واثناء الاحتلال وعند البدء بافتتاح المدارس لتعليم الاولاد لاول مرة في العراق.

بتاريخ 31 اذار عام 1917 اعطى الحاكم العسكري بالمنتفك( الناصرية) امرا بتقديم المساعدة والتسهيلات الممكنة عند الحاجة من قبل كافة المسؤولين في الحكم السياسي الى الشيخ دخيل رئيس الطائفة المندائية في العراق.

في عام 1919 تم تأسيس مجالس بلدية في كل لواء من الوية العراق، وبتاريخ 1920 تم تعيين الشيخ دخيل عضوا في مجلس بلدية الناصرية من قبل الحاكم السياسي في الناصرية.
لقد عاش شيخنا الفاضل تجربة تاريخية متميزة تعايشت فيها اديان متعددة وشعب واحد انطلاقا من مركب غني العناصر يتضمن التجانس والمسار التاريخي المشترك، اضافة الى التداخل الجغرافي، والتواصل الثقافي، حيث ساهمت كل هذه العناصر في ايجاد حياة مشتركة بين المسلمين والمسيحيين والمندائيين والايزيديين واليهود والشبك والكاكائيين والبهائيين وغيرهم من الطوائف الدينية العراقية، تتجاوز الوجود الفيزيقي لافراد يعيشون في اطار نطاق جغرافي واحد، الى مواطنين يشاركون ويتفاعلون في اطار وطن واحد بغية صناعة التطور والمستقبل لكونهم اعضاء في جماعة وطنية واحدة.

لقد رأى ببصيرته المتفتحة بان هذه الجماعات المتعددة تجد في فترات النهوض والتقدم درجة كبيرة من الاندماج والتكامل وفي فترات التخلف والقعود والتدهور مثل التي نعيشها هذه الايام العصيبة، الاحتكاك والصدام. لقد اكد في اكثر من مناسبة بان المواطنة تعني المشاركة والمساواة والحقوق بابعادها واقتسام الموارد، والمواطنة شانها شأن اي عنصر من العناصر المكونة للعملية السياسية في اطار العلاقة بين الحكام والمحكومين، تتأثر ايجابا وسلبا بالمنظومة المجتمعية العامة، وعليه فهو يرى بان المواطنة تعد محددا مهما بالنسبة لموضوع العلاقة المتكافئة بين الديانات العراقية كافة، اي ان المواطنة تعني تجاوز مفهوم الطائفية والملة والذمة، حيث ان الوطن يستوعب كل من سبق، كما تتجاوز المواطنة بما يترتب عليه من نتائج.

تحية لهذا الرجل الخالد الذي نعاهده باننا سنبقى كما اراد ونطالب باسم الاتحاد جميع الاخوة والاخوات في الداخل والخارج بتزويدنا بكل ما يتوفر لديهم من معلومات ووثائق لغرض جمعها وتنسيقها من اجل اصدار كتاب خاص عن الرحلة المجيدة في حياة هذا الرجل التي وصلت درجة احترامنا ومحبتنا حد التقديس.

نشرت وسائل الاعلام خبرا مفاده ، ان القضاء الفرنسي بمدينة نيس وضع اشارة التحفظ على اليخت العائد لحاكم العراق السابق صدام حسين بناء على طلب الحكومه العراقيه والمعروض حاليا للبيع في هذا الميناء ـ، ويقدر بدل بيعه بمبلغ يزيد على تسعة ملايين وسبعمائة الف يورو !!! والذي كان قد صنع في بلجيكا سنة 1981 والى اخره من معلومات مثيره تتطلب الاجابه على كثير من التسائلات والاستفسارات ، من حيث عائدية الشركه المصنعه ، واصل الملكيه ، وتاريخ انشاء

اليخت المتزامن وميزانية الدوله الخاويه في ذلك التاريخ كما كان يدعي صدام حسين ، جراء شراء الاسلحه وعقد الصفقات السرية منها والعلنيه مع دول الشرق والغرب وتهيئة وتحضير القوات العراقيه المسلحه لدخول الحرب مع ايران ، و يمكن متابعة الخبر لمن يريد المزيد بالرجوع الى المواقع الألكترونيه ومعظم الجرائد العربيه ...

هذا الخبر عن اليخت اثارني واعاد بي الذاكره الى يخت ثان من اليخوت ، وربما يظهر المزيد منها في المستقبل القريب ، لأن العراق بقرة حلوب ..مساكين اهل العراق والله مساكين ( ولد الخايبه ) وذلك اليخت الثاني موضوع حديثي هو يخت الملك فيصل الثاني ، الذي كانت قد استولت عليه حكومة ثورة 14 / تموز 1958 والذي اطلق عليه فيما بعد ب( الباخره ثوره ) واليكم القصه ..

بعد ايام قليله من قيام ثورة 14 / تموز بحوالي الاسبوع تقريبا ، وردت برقية من دائرة الحاكم العسكري العام الزعيم احمد صالح العبدي في بغداد ، تطلب من امرية موقع البصره العسكري اية
معلومات متوفرة عن اليخت الملكي ، وصورة من البرقية تلك مُرسَلة الى مديرية الموانئ العامه لنفس الغرض . ارتأى أمر الموقع العقيد مجيد علي ان يعهد امر متابعه هذا الموضوع لي شخصيا، اذ كنتَ اشغل منصب ضابط ركن الحركات والاستخبارات بالموقع المذكور ، وقد أجبنا الحاكم العسكري العام على برقيته - ان الموقع ليست لديه اية اوليات سابقه ، ولا اية معلومات حاليه تخص هذا اليخت ، وان الاتصالات معه من قبلنا مستحيله، إذ ليس بمقدورنا الاتصال به لعدم
توفر الاجهزه اللآسلكيه ذات المدى البعيد لدينا . وبقى الحال قيد الرقابه والمتابعه من قبل مديرية الموانئ العامه ، وكانت من جهتها تحاول هي الاتصال باليخت عن طريق البرق ( المورس ).
تقول معلومات مديرية الموانئ العامه ان اليخت الملكي كان قد غادر ميناء البصره ، متوجها الى تركيا قبل يوم الثوره بحوالي الثلاثة اسابيع ، وكان عليه الرسو في ميناء اسطنبول بانتظار قدوم الملك فيصل الثاني لحضور مؤتمر بغداد ، الذي سيعقد هناك وقضاء موسم الصيف للأستجمام Sabri Arabiوالاصطياف هو وحاشيته على شواطئ بحر ايجه ومضيق البسفور ، ومن المعلوم ان العراق كان عضوا فاعلا ومهما في حلف بغداد ، وكان الموعد المقرر لسفر الملك فيصل الثاني ورئيس الوزراء نوري السعيد هو الثلاثاء الموافق 15 / تموز اي بعد قيام الثوره بيوم واحد فقط .

وبعد يومين حضر الى مقر امرية موقع البصره العقيد الركن الطيار صادق العزاوي ، والذي كان طيار الملك الخاص قبل الثوره ويشغل حاليا وظيفة مدير الارصفه والنقليات في مديرية الموانئ العامه ، وجاء يحمل بيده صورة البرقيه التي استلمتها الموانئ من اليخت توأ ، تنص على تاييد جميع افراد كادر اليخت الملكي من موظفين ونوتيه على قيام الثوره ، وتقدم التهاني الحاره للشعب العراقي وللزعيم عبد الكريم قاسم وقادة الثوره . وردت هذه البرقيه مذيلة بتوقيع المهندس البحري صبري عريبي مخيطر الخميسي ، وقد افرحنا هذا الخبر كثيرا وقمنا على الفور بتبادل التهاني فيما بيننا على نجاح الاتصال وعلى سلامة البحاره العراقيين المتواجدين على سطح اليخت ، والان اصبح بامكاننا الاتصال به مباشرة ، ومعرفة اخباره يوم بيوم وساعة بساعه وكانت البرقيه مقتضبه جدا ، وبدورنا نحن ارسلنا نص البرقيه الى دائرة الحاكم العسكري العام ومن ثم توالت البرقيات.

كانت البرقيه الثانيه تشير الى ان اليخت محاصر من قبل ثلاثة فرقاطات تركيه من ثلاثة جهات ، وان نوتية اليخت مُنِعوا من النزول الى الشاطئ لأي سبب وحتى لأغراض تبضع الحاجات اليوميه ، وان المهندس البحري صبري عريبي قد أنتُخِب بالاجماع من قبل الكادر الفني والبحاره والخدمي
لتولي رئاستهم وتمثيلهم والتكلم باسمهم ، بعد ان غادر اليخت قبطانه ( الكابتن ) البريطاني الجنسيه وتركه محاصرا في ميناء اسطنبول ، كما مر ذكره اعلاه ، وانهم يُعاملون بخشونه من قبل السلطات التركيه التي اخذت تمارس الضغوط حيالهم بشتى الوسائل .!!
كان عدد العاملين باليخت لا يتجاوز العشرين فردا مؤلفا من المهندس البحري ومسؤول الاتصالات والطباخ ومساعده والقائم بخدمة الملك الشخصيه والباقين نوتية اليخت ..

تأزمت الحاله داخل اليخت جراء تدخل سلطات الموانئ التركيه بشئون اليخت ، ومضايقته على اثر رفض طلب الملحق العسكري العراقي العقيد الركن عبد القادر فائق الذي رجا فيه من السلطه التركيه السماح له لزيارة وتفقد حالة الافراد واليخت وللأطلاع على احتياجاتهم ، خاصة بعد ان قام الامير زيد ابن الحسين سفير العراق في تركيا أنذأك ، بزيارة مفاجئه الى اليخت في اليوم الثاني للثوره وبرفقته الكابتن البريطاني ودخلا كابينت(غرفه نوم ) الملك الخاصة ، ومكثا فيها عدة دقائق ثم خرجا ، وكان الامير زيد يحمل حقيبة كبيرة تعود الى الملك ، لا احد يعرف محتواها ، كما لم يتمكن احد من منعهما خوفا من السلطات التركيه التي كانت مرابطه بالقرب وحول اليخت...

بقت الحاله على ما هي عليه ، وعندما اخذ الوضع يسيئ يوم بعد يوم كان على الاستاذ المهندس صبري عريبي تولي الامر والخروح من هذا المأزق وفك الحصار ، فعقد اجتماعا مهما مع معيته نوتية اليخت لأتخاذ القرار المناسب ، وهو قرار مصيري وخطير ، وبعد المناقشات وافق الجميع على المجازفه والتسلل ليلا من ميناء اسطنبول والخروج باليخت سالما من المياه الاقليميه التركيه نحو المياه الدوليه مهما كلف الامر ومهما كانت خطورة القرار ، واضعا بحسابه كل المعوقات ، والتوقعات ، والاحتمالات ، كما قام بتهيئة اليخت وحساب مقدار الوقود والمياه المتوفره والارزاق ، والاستفاده مما كان يحتويه مخزن المطبخ العائد للملك من مئونه وارزاق عينيه ومعلبات ومشروبات وسيكاير ، والاحتفاظ بها مركزيا ، وتوزيعها على الافراد بشكل عادل ، وقام بتقليل حصة الفرد منها ومن الحصه اليوميه الى النصف..

وامر باخذ التحوطات الامنية والفنية ، وتقليل التحركات حتى تحين الفرصه المواتيه ، وبقوا على هذه الحال ثلاثة ايام طوال ! وهم بوضع درجة التأهب القصوى ، وفي الساعه الواحده بعد منتصف ليلة 2 / 3 من شهر أب سنة 1958 ، قام الاستاذ المهندس صبري باعطاء اوامره بتحرك اليخت بحذر وبطئ شديدين ، مستفيدين من الظلام الدامس ، و تقليل الاضاءه الى الحد الادنى الممكن للرؤيه، ومنع الاناره الفرديه منعا باتا ، ولأي سبب كان مثل تدخين السكاير .

سارت الامور بشكل جيد ، وتمكنوا من التملص والتسلل ببطئ بعد معاناة وصعوبات فنية وضغوط نفسية ، وخوفهم من السلطات التركيه وتعرضهم للمسائله القانونيه في حالة القاء القبض عليهم وعلى اليخت ، وهم الذين تواصوا باخلاص وامانه وبشرف العراقي ان يعودوا باليخت سالما الى العراق وتقديمه هدية للثوره وقادتها ؟؟

واخيرا ، هكذا تمكنوا من الافلات من طوق الحصار ، وبعد ساعات قليله دخلوا المياه الدوليه ، وتنفسوا الصعداء واخذوا ينشدون الاناشيد الوطنيه ، ويغنون طربا ويرقصون فرحين وهم يهتفون بحياة العراق وشعب العراق . اما الاستاذ المهندس صبري فقد تجنب الرسو في موانئ جزيرة قبرص خوفا من السلطات البريطانية التي كانت تحتلها ، واستمر اليخت بابحاره متوجها الى ميناء بورسعيد المصري مباشرة ، وحال الاقتراب من الميناء المذكور ودخول المياه الاقليميه المصريه ، اتصل المهندس الاستاذ صبري بواسطة جهاز المورس بالاسطول المصري والموانئ المصريه ، كما تقتضيها القوانين في مثل هذه الاحوال ، فرحبت السلطات المصريه غاية الترحيب بهم ، وقامت باتخاذ الاجراءات اللازمه لتسهيل مهمة دخول اليخت الميناء والرسو على الرصيف المعين له ، وعلى اثرها تناقلت الانباء اخبار اليخت ، بحيث اكتض ميناء بورسعيد بالمستقبلين والمرحبين من مسئوولين حكوميين ، ومراسلي صحف ، وجماهير حاشده من المنظمات والنقابات العماليه المصريه ، وهي تهتف بحياة العراق وشعب العراق ، ومهنئه بسلامة الوصول باليخت وبطولة بحارته . وعندها تناقلت اخبار اليخت محليا وعالميا .. وفي اليوم التالي خرجت الصحف المصريه وهي تشيد ببطولة وتضحية رجال اليخت ، وتخص بالذكر الاستاذ المهندس صبري عريبي وحسن تصرفه ، كما نشرت المقابلات الصحفية معه بمنشيتات كبيره على صفحاتها الاولى ، وهي مزينة بالصور الملونه لليخت وابطاله الميامين ..!! وبعد قضاء مدة عشرة ايام في ميناء بورسعيد المصري لغرض الاستراحة والتزود بالوقود وتبضع حاجات اليخت والافراد ، واصل اليخت ابحاره


صوب العراق عن طريق البحر الاحمر، متوجها الى ميناء عدن ، ومن ثم الى البحر العربي والى الخليج العربي وقد قطعها بفترة زمنيه قصيره ، حتى نقطة الادلاء ، وهي موقع مصب مياه شط العرب في الخليج ، حيث كان باستقبال اليخت حشد غفير من الجماهير العراقية التي ركبت الزوارق والبواخر الصغيره التي انتشرت وغطت عرض شط العرب على اتساعه ، وكانت بقيادة اتحاد العمال وعلى راسها نقابة الموانئ البطله والنقابات العماليه الاخرى ، كنقابة شركات النفط والطلبه والفلاحين والمعلمين والمهندسين والاطباء وغيرهم ، وجمع من الناس من مختلف الانتماءأت والاطياف ، كلها جاءت تهتف باسم الجمهورية العراقيه الخالده وقادة الثوره والزعيم قاسم ، وهي ترفع الاعلام واللافتات المعبره عن شعور واحساس عراقي صميمي ، كما شارك في الاستقبال متصرف اللواء الزعيم الركن عبد الرزاق عبد الوهاب ، والعقيد مجيد علي امر موقع البصره ، والعقيد الركن عامر حسك مدير شرطه البصره ، وطارق الكاتب رئيس مهندسيي الموانئ ، والعقيد خضر عبد الجليل نائب مدير الموانئ ، وغيرهم من كبار المسوؤلين الموظفين والسياسين ممثلي الاحزاب ، وكان اللقاء حارا ومؤثرا بالنفوس بشكل فريد اشبه بزفة عرس عراقيه ، رافقت اليخت وتحيط به حتى مرساته في ميناء المعقل !!!


وفي اليوم التالي ، وصل مقر الموقع المقدم الركن صالح مهدي عماش موفدا من قبل مديرية الاستخبارات العسكربه ، للتحقيق حول الحقيبه التي استحوذ عليها الامير زيد ابن الحسين والتي اشرنا اليها اعلاه ؟ ولكننا لم نعرف نتيجة التحقيق حتى هذا اليوم مع الاسف الشديد ، كما اقامت نقابة الموانئ حفلة تكريم على شرف قائد الباخره الجديد المهندس صبري ، وباقي نوتيته الكرام ، حضرها كافة المسؤولين من رسميين و منظمات ما عدا ، اللواء الركن مظهر الشاوي مدير الموانئ العام الذي لم يحضر الحفل إذ كان متزمتا وطائفيا متعصبا ومتشنجا وغير راض على وظيفته

ومنصبه الجديد كمدير عام للموانئ ، الذي عَين به ولا عن الثوره وقادتها ، من خلال احاديثه في محضر زواره بالمديريه وفي جلساته الخاصة وهذا الانسان كان من المقربين وعمود من اعمدة نظام الحكم الملكي ....!


لقد عُشت الاحداث هذه لحظة بلحظه ومهما وصفتها فلا يمكنني اعطاءها الوصف الكامل الذي تستحقه ابدا . والى هنا تنتهي قصة اليخت الملكي ( الباخره ثوره ) !!!!!! هذا الاسم الجديد الذي اطلق على اليخت وقََرِرَ استخدامه لأغراض السياحه .. الى هنا واختتم قصة اليخت الملكي ولكل يخت قادم قصه واخيرا ، وبعد كل هذا لا يصدق المرء ابدا ان يكون جزاء هذه التضحيه والمخاطره من قبل المهندس المذكور وصحبه البحاره ، هو النقل من وظائفهم وتفريق شملهم !! إذ لم تمض مده اشهر قليله حتى اصدرت مديرية الموانئ العامه امرا اداريا يقضي وللمصلحه العامه ان ينقل المهندس البحري صبري عريبي الى وظيفه اداريه مغايره لأختصاصه المميز ..!!
ومن ثم احالته على التقاعد بعد سنتين اي في بداية سنة 1960 ؟ مما اضطره على المغادرة وعائلته مدينتة البصره الى بغداد .. متواريا عن الانظار خوفا وتحفظا

Sabri Arabiصبري عريبي مخيطر الخميسي في سطور

ولد سنة 1928 في قضاء قلعة صالح -- العماره عراقي الاصل عن اب وجد صابئي مندائي ذو حس وطني مخلص سليل عائله مندائية محترمه جميع افرادها مثقفين ومتنورين .انهى الابتدائيه في قضاء قلعة صالح .اكمل الدراسه المتوسطه والثانويه بين العماره والبصره .
اتاحت له الفرصه خيارين الاول الالتحاق بكلية دار المعلمين العاليه والثاني الانضمام الى بعثة الموانئ التي نجح في امتحان قبولها بتفوق وقد فضل الأختيار الثاني وأرِسلَ الى انكلترا - اسكوتلاند ليتخرج من جامعتها مهندسا بحريا بتفوق ، ومن ثم التحق باحدى الشركات البحريه البريطانية العالميه لمدة سنتان لأغراض الممارسة والتطبيق قبل عودته الى العراق ، زار خلالها معظم موانئ العالم واطلع على امور كثيره ثقافية واجتماعيه تخص شعوب العالم شرقها وغربها ، إضافة الى خبرة واختصاص مميزين ..

رجل وطني ، غيور ، مثقف ، حريص، مخلص، هادئ الطبع ، حاد الذكاء ، طيب المعشر ، مرح المزاج ، يحب الانسان اي انسان ، ويحترم الصداقه ؟؟ هاجر الى كندا منذ اوائل الثمانينات ، ويعيش وعائلته هناك وقلبه الحي لا زال ينبض مع نبض العراق ومع قلوب كل العراقيين الاباة !!!
ويبقى التاريخ محطات للتأمل وأخذ العبر لمن يعتبر !! والسلام

 

 

 

من هو فرج ...؟
ولد الراحل فرج عريبي مخيطر الخميسي في مدينة قضاء قلعة صالح – في محافظ ميسان ( لواء العماره كما كانت تسمى ) في شهر تشرين الثاني من عام 1925 أي قبل خمسة وثمانون سنة خلت ، من عائله صابئية مندائية هادئة مستقره محترمه انجبت سبع من الذريه .. اثنان منهم من الذكور وخمسة من الاناث كان هو البكر فيهم .. نجحت تلك العائله نجاحا مميزا بتربية ذريتها السبعه رغم كل الظروف القاسيه آنذاك ، نجحت بتربية اولادها تربية صالحة وبمستوى ثقافي وعلمي لائق ، يشهد لهم واقعهم الحالي بتمتعهم جميعا بحياة هانئه ومستقره ايضا ..!

الراحل شخصية فريده من نوعها منذ نعومة اظافره نبيها ذكيا حاذقا كما يروى عنه ، ولقد انهى دراسته الاوليه بمدرستها الابتدائيه ، وانهى المتوسطه في العماره عام 1938 .. والثانويه عام 1943 .. وتخرج من دار المعلمين – القسم المسائي العالي سنة 1945 . والتحق بالتدريس الابتدائي ، وثم التدريس الثانوي لمادة الرياضيات ، مارسها بجد ونشاط منقطع النظير ، واوجد قوانين رياضيه جديده ، وابتكر اسلوبا رائعا علميا لتنمية القابليه الاستيعابيه الفكريه للطلاب وحتى للاساتذه الكبار ، كما سابين ادناه . وفيما بعد التحق بمعهد التدريب الاذاعي والتفزيوني العراقي عام 1970 ..

فرج عريبي في ذكرى رحيله
في العام السابعه بعد الالفين ، غادرنا بعيدآ والى الابد ، صوب مثواه الاخير الشخصية العراقيه المندائيه المشهوره ، والمربي الكبير المبدع ، فرج عريبي مخيطر الخميسي ..!

فالذكرى الطيبه له والخلود

بهذه المناسبه القاسيه على نفسي انعيه في ذكراه الثالثه لرحيله ، ومعي المندائيين الكرام ، و كل العراقيين الشرفاء من اصدقائه الكثر ، ممن عرفه وإشتغل معه طيلة سنين عمره ، ننعيه جميعا بحسرة وألم وبعيون دامعه لأفتقاده ، كما ينعيه اؤلئك الشرفاء من الشعب العراقي وهو في اوج عطاءه ، وكتاباته ونظرياته العلميه التي نشر بعضها والبعض الاخر لم ينشر حتى الان ...؟

قصتي مع هذه الشخصيه من اين وكيف بدأت ؟
في نهاية شهر تموز سنة 2000 كنت في زيارة الى مدينة تورنتو في كندا، وهناك التقيت باحد اعز اصدقائي ، ورفيق طفولتي ، قبل ان يكون هو نفسه إبن عم غال و قريب حميم لي ....! نعم التقيته بعد مضي عشر سنوات من اخر لقاء معه في بغداد .. ورأيته كما فارقته تماما ، ذلك الانسان فرج عريبي ابو نبيل العزيز وقد استقبلني كعادته ، بوجهه البشوش ، وبابتسامته العريضه على وجهه المشرق ، وبحلاوة كلامه ،ودماثة اخلاقه ، و طيبة نفسه ، وحديثه الشيق ، والمداعبه المصحوبه بالسخريه احيانا كطريقه محترمه للأنتقاد البناء ، والطرفه الجميله، لتطيّب المحادثه ، وتنعش مزاج الحضور ، تلك النكته التي لا تفارق لسانه ، يرويها على سليقته ، دون تكلف ، او اقتباس ، فهو لا يعرف الزعل ولا الملل ، واثق من نفسه ، بالمنطق والحجه يفحمك ، ولا يمكن ان تخرج الا وانت مقتنعا بالرأي ، والدليل القاطع الملموس ، وان راودك الشك ، فالمسالة تخضع للقوانين العلميه ، والنظريات الرياضيه ، وفنون الحساب والارقام توظف كلها للأثبات ، باسلوبه المبسط المنطقي العقلاني وقد ادخل في قلبك الخبر اليقين عن رضا ِ ، فلا مفر وانت تغادر، إلا وانت مؤمن بكامل طروحاته وعن طيب خاطر..! فهو موسوعه معرفيه بطاقه لاحدود لها ، وهو ذو قلب يتسع للكل وله حضور ينطبق عليه القول ( إن حضر العلماء هرب الشيطان وإن حضر الحكماء قل العوز والنقصان ) ؟ هذا هو ابو نبيل الانسان المندائي حكيم القرن الحادي والعشرين . لله درك ايها الرجل كم انت عظيم ...! نم هادئا مطمئنا خالدا وانت في مستقرك الابدي ...!

يوم لقائي به
كان قد شرفني بدعوته لي لزيارته بداره المتواضعه في مدينة تورنتو . هي الاخيره مع الاسف الشديد ..! سوف لن اتكلم عن حسن ضيافته لي وهي امور تبدو بديهيه منه ولمثله من الناس الاطياب الكبار ، وذوي الخصال العلى المتجذره بعمق ينابيعها النقيه ، فليس غريبا ان أسعد بهذا اللقاء الاخوي الحارالفريد من نوعه ، وطعم مذاقه ، ولن يكن من بد الا الاعتراف بما هو جميل ، ونقي وصميمي ، وجدته بهذا البيت الكريم ، واصحابه الاخيار افراد عائلته الكرام ، ومن فيض احساسه المحب الصادق اسعف طلبي منه حينما اجاب على اسئلتي تحريريا وانا الذي قد اقحمت نفسي سبر صومعته وحرمة خصوصياته ، وكان كريما معي كرم حاتم الطائي الموصوف ، فقد خرجت منها ومعي ، كنوز ثمينه وخزين ثر من ذكريات لا تزال طريه ، وسيرة حياة حافله بالعمل والنشاط المثمر ، والانتاج الانساني ، والمعرفي ، وهو يروي لي احداثا وقصصا ووقائعا جميله ، ولكنها لا تخلو من مطبات ، ومنغصات ، افرزتها تلك الفتره مع حكام وشخوص ذلك العهد الظلامي الغابر ، احداث كان قد تعايش معها ، اوعاشها خلال عمله المثابر في مجال التعليم والتربيه والصحافه ، ومن ثم نتاجاته الفنية والتثقيفيه الهائله بدار الاذاعه والتلفزيون العراقي اولا .. والاردني ثانيا .. حتى يوم مغادرته العراق الحبيبه مكرها مقهورا مغتربا الى موطنه الجديد ( كندا ) حيث وافته المنية غريبا وبقلبه لوعة وحنين للبيت وللجيران ولنخلة البرحي ولن ينسى حتى مقبرة (ابو غريب) ..! اسفي وحزني الكبيرين عليك ايها الاخ والصديق والانسان.

لطفا تعالوا نستطلع معا درب مسيرة هذا المربي الفاضل ...!

الاشغال التي مارسها في مجال التربيه
1 – التعليم الابتدائي - محافظة البصرة -1945 - 1951

وابرز الفعاليات المييزه التي مارسها خلال هذه الفتره اضافة الى طبيعة وظيفته

آ – كان يقدم (الدروس النموذجيه ) في مختلف المواضيع بحضور معظم المعلمين للأطلاع على احدث الطرق للتدريس الناجح

ب – وضع كتاب من تاليفه لمكافحة الاميه باسم ( اسماؤنا تعلمنا )

ج – الف كتابين لتعليم للأطفال هما ( إلعب وتعلم ) و ( أرسم وتعلم )

د – قام بتأليف ثلاث مسرحيات هزليه قصيره ، جرى تمثيلها بمعظم مسارح مدارس محافظة البصره ونواديها ولاقت النجاح والتقدير الكبيرين

2 – على نطاق التعليم الثانوي في محافظتي البصره وبغداد 1951 – 1970

آ - ان ابرز ما قدمه هذا الرجل في هذه الفتره كما يروي لي ، هو انه كان يَعهد اليه بشكل خاص ، ادارة وتنظيم المعارض الفنيه التي كانت تقام بالمحافظه آنذاك ، وكان الفنانون انفسهم هم الذين يختارونه للقيام بهذه المهمه .

ب – قام بتاليف مسرحيتين هزليتين قصيرتين ، مثلاتا بنجاح باهر لعدة مرات وبفترات متعاقبه في محافظة البصرة وبعض المحافظات الجنوبيه ..

3 – صدر امر نقله الى بغداد عام 1962 على الملاك الثانوي

4 – تقاعد من الخدمه بناء على طلبه عام 1970

العمل في مجال الصحافه

5 - بدا نشاطه الصحفي عام 1965 من خلال ممارسته الكتابه في الصحف البغداديه المختلفه وكالآتي :

آ - في سنة 1969 انضم للهيئة المؤسسه لمجلة ( مجلتي ) وجريدة ( المزمار ) التي سميت بهذا الاسم بناء على مقترحه هو ، وافاد ان العدد الاول منها كان قد صدر بثمان صفحات كتب شخصيا منها ثلاث صفحات لوحده .

ب - واستمر صدور المجلتين وهو يكتب بشكل فاعل وموضوعي بمعدل صفحتين اسبوعيا لكل منهما منذ سنة 1969 لغاية سنة 1982

ج - طلب اعفاءه للتفرغ للعمل الخاص في مجال الصياغه مهنة الاباء والاجداد بسبب الظروف الاقتصاديه والمعيشية التي حلت بالبلد آنذاك عام 1982

نشاطه الاذاعي والتفزيوني

6 - في عام 1970 التحق بمعهد التدريب الاذاعي والتفزيوني وحصل على دبلوم برنامج الاطفال بدرجة ممتاز ، وحال تخرجه من المعهد المذكور عمل معدا لبرامج الاطفال في التلفزيون والاذاعه حتى عام 1982 .. وهو تاريخ طلب الاعفاء ..

وخلال الفتره الماضيه المذكوره اعد ما يلي من البرامج : -

آ – برنامج العاب تسليه – قام بتقديمه الفنان المرحوم خليل الرفاعي وقد استمر خمس سنوات .

ب- برنامج الورشه – قدمه كل من الفنانات هدى عبد الحميد وشذى سالم وسميره نعامه وغيرهن وقد استمرهذا البرنامج لأكثر من سبع سنوات

ج – برنامج الناس – قامت بتقديمه الفنانه نضال فاضل وقد احرز هذا البرنامج على شهادة احسن برنامج اطفال تلفزيوني في جميع الاقطار العربيه.

د – برنامج ( دنيا العلوم ) قامت بتقديمه الفنانه نضال فاضل

ه – برنامج مسابقات رمضانيه اشتركت بتقديمه عدة فنانات على مدى عدة سنوات طوال

و – برنامج مسابقات الرياض قام بتقديمه الفنان خليل عبدالقادر

ح –اعد برنامج الطلائع بالمسيره قدمه بعض شخوص الاطلائع انفسهم

ط – ساهم بفعاليه عاليه في برنامج ( ثلاث اسئله فقط ) قدمه الفنان راسم الجميلي

ي- مساهم فعال في اعداد برنامج (مسابقات الساعه التاسعه ) قدمه الفنانان كل من شريف الراس وسامي قفطان

ك – اعد وساهم باعداد كثير من البرامج الخاصه والمتعدده لبعض الجهات والمؤسسات الحكوميه منها ، برامج القوه الجويه، والدفاع المدني ، والشرطه ، والتوجيه المعنوي ، والمرأه ، وبرنامج عيد الجيش العراقي ، وبرنامج معرض بغداد الدولي ، ومناسبة عيد الطالب ، وعيد العمال ، .. وكذلك اعد الكثير من البرامج للمناسبات الخاصه كالعيد الوطني ، او الاعياد الدينيه وغيرها ، طوال عشرة سنوات مستمره دون انقطاع وافادني قائلا - ان اعدادي لهذه البرامج ونجاحها كان لها وقع جيد على من أوِعدت له من تلك الوزارات او المؤسسات الحكوميه ، ومن المنظمات وعلى المتلقين من الجماهير على حد سواء ..! وقد حَضِيت جميعها بالترحيب والتقدير والتكريم من قبل الكل دون استثناء ..

سألته وما عن الصحافه وانت بهذا النشاط الايذاعي الهائل والمرّكز .؟ فرد علي قائلا :

اقول لك الحقيقه ، والغريب رغم كل هذا العدد الهائل من البرامج ، وهذا النجاح الباهر الذي حققته خلال اثنتي عشرة سنة من الجهد المتواصل ، لم يشغلني يوما من مواصلة العمل الصحفي ابدا .. فقد استمريت طيلة هذه المده امارس هذا العمل بجد ، ودون هواده ،

واليكم مجمل اعماله ونتاجاته الصحفيه التاليه للفترة المذكوره :

اعلاه فقد كتب وساهم بكل هذا الكم من المجلات والصحف التاليه :

1- مجلة الف باء – مجلة مجلتي – جريدة المزمار– مجلة الاذاعه والتفزيون – مجلة فنون- مجلة الثروه الزراعيه- مجلة النفط والعالم- مجلة الصحه والحياة – مجلة الشرطه العراقيه- جريدةالطلائع في المسيره – جريدة المرأة.

افاد الراحل قائلا في عام 1982 تركت العمل في الصحافه والتلفزيون ومع ذلك كنت اقوم باعداد البرامج الخاصه التي تكلفني بها بعض الجهات المسؤوله بين الحين والحين رغم اني توجهت لعملي الجديد في القطاع الخاص بفتح ورشة عمل خاصة بحرفة الصياغه حتى يوم خروجي من العراق.

 

وقبل ان ترسو سفينة الراحل المربي فرج عريبي مخطير الى رصيف نهايتها ، نعود مرة ثانيه لنستعرض باقي نتاجاته في مجالات شتى التي لا حدود لها ، وابتكاراته المتعدده لقواعد رياضيه جديده ، عن طريق تاليف الكتب التوضيحيه للأطفال ، مصحوبه بالعاب مسليه لتسهيل استيعابها من قبلهم ، وتحفيزهم على التفكير الذاتي واشغال اذهانهم للوصول الى الحل الصحيح من تلقاء انفسهم ..

يقول في مذكراته التالي :-

اولا - قمت بتاليف الجزء الاول من كتاب ( العاب الرياضه العقليه ) باسم ( العاب الحساب والحاسبه اليدويه ) وهو اشبه بموسوعه ، تحتوي معظم انواع الالعاب في هذا المجال .. ومما يؤسف له ان الظروف كانت قد عاكستني ، ولم اتمكن من طبعه ولم يطبع حتى الان . علما ان هناك نسختان مخطوطتان منها احدهما محفوظه لدى وزارة الثقافه والاعلام العراقيه ..والثانية محفوظه في مكتبة مندي طائفه الصابئيه المندائيه في بغداد

ثانيا – وفي مدينة عمان عاصمة القطر الاردني حيث استقرت بي الحال بعد النزوح من العراق نحو المجهول ، قمت بتأليف مسلسل تلفزيوني اردني يتألف من ثمانية عشرة حلقة باسم (طبخة مستعجله ) وقد جعلته جاهزا للتنفيذ اي توليت بنفسي ( التاليف والسيناريو والحوار ) ولم يبق الا الاخراج وهو ليس من اختصاصي

وقد خولت حق التصرف بهذا المسلسل الى نقيب الفنانين الاردنين السيد يوسف الصادي ولا اعرف مصيره حتى الان .

ثالثا – ابتدعت طريقه جديده للتنجيم باسم ( التنجيم الحديث ) وهي عباره عن تحديث للتنجيم المندائي القديم ، على ضؤ التطورات والمكتشفات الحديثه في علم الفلك والتكنولوجيا ..! وان هذه الطريقه لا تزال مركونة لدي لأنها اصبحت بحاجه الى ترجمه والى برمجة كومبيوتر واتصال ببعض جهات الانترنيت .

رابعا – اقوم الان بتاليف (مع الاسف قبل وفاته بمده قليله – التعليق مني )

كتب في الالعاب الفكريه ( باللغه الانكليزيه ) Brain power series سلسله تتالف من اربع كتب انجزت منها الكتاب الاول وسينجز الكتاب الثاني قريبا

(يا حسرتي عليك ايها المبدع ...! – التعليق مني )

وقد رحّبت بها دور النشر في كندا حيث محطتي الاخيره ، وكذلك دور النشر في الولايات الامريكيه المتحده ، وابدت كامل استعدادها لنشره ، الا انها اشترطت علي ان يكون جاهزا الطبع تماما 100% باربع حلقات واتمنى ان يمد بعمرنا لنتمكن من انجازه .. !!!

خامسا – عملت في كندا محررا صحفيا لمدة سنتين ، بمعدل صفحتين اسبوعيا في كل من جريده ( المرآة ) في مدينة مونتريال ، وجريدة ( الحياة العربيه ) في مدينة تورنتو حتى يوم اعتزالي منهما

ويعلق قائلا .. ثم بطلت ..لأن .. ماكو ميت يسوه اللطم ..؟

سادسا – اساهم الان بتحرير مجلة (الأحد ) المندائيه التي تصدر في كندا ،

وانا مستعد (اذا ما طلب مني ) ان ازود اية صحيفه مندائيه او اية صحيفه عراقية او عربيه اخرى في أي مهجر من المهاجر التي يتواجد به العراقيين .. بالنتاجات الخفيفه والترفيهيه والمسليه ..

سابعا – اصدرت مجلة (الشعب المندائي ) بمفردي دون مساعدة احد ، تحريرا واعدادا ونشرا ، والمجله عباره عن بحث كامل ودراسه موضوعيه مكرسة حول ماضي وتاريخ وحاضر القوم الصابئي المندائي ، و هو محاولة مني للأجابه على التساؤلات الكثيره التي تدور بالوقت الحاضر عن اصلهم وفصلهم ، وهل يؤلفون قومية ، او مة ، او عنصرا معينا . او هم شعبا مستقلا كأي شعب اخر ؟ وهل تتوفر فيهم مواصفات وثوابت الشعب ؟ او هل هم فقط دين مميز او الاثنين معا ؟ ومن خلال البحث تطرقت لمعاناتهم ، والارضيه الهشه التي يقفون عليها بالوقت الحاضر ، وكيفية المحافظة على كيانهم وخصوصياتهم تبعا للظروف الجديده التي يعيشون اجواءها ، وتحت ظل القوانين الوضعيه لتلك البلدان التي يستوطنونها حاليا بعد هجرتهم اليها مرغمين ؟ وقد توصلت اخيرا بعد دراسة مقارنه لهجرة الاقوام والشعوب والمكونات الاخرى الى مختلف انحاء العالم كالحالة اليهوديه مثلا .. وكيف حافظ اليهود على كيانهم ، وتمكنوا من ايجاد الحلول الجذريه لكافة قضاياهم الدينيه والاجتماعيه ؟ وخرجت بدراستي المستفيضه ان الصابئه المندائيين هؤلاء القوم ، هم شعب مستقل كأي شعب آخر ، تتوفر فيه كافة الشروط والمرتكزات التي اعتبرها ذو الاختصاص ثوابت اساسيه لتحديد طبيعة ومعنى مفردة الشعب ، كما قدمت بعض التوصيات كشكل من اشكال الحلول لمجمل معوقات هذا الشعب ومعاناته ، ولهذا كانت مجلتي تحت عنوان ( الشعب المندائي ) وقد اصدرت منها حتى الان ثلاث اعداد فقط اثنان تحت رقم صفر تجريبي ... والاخير الثالث كان العدد الاول منها .. انتهى

فرج عريبي والعمل الخاص

نعود ثانية لمذكرات هذه الشخصيه الفريده من نوعها التي لا يثنيها عن محاولة تحقيق طموحاتها شيئ ولا يكل او يمل جهدها مهما صعبت الوسائل ..! وهنا ندرج تفاصيل عطاءه الثر في مجال نشاطه الخاص قبل هجرته الى كندا ، وبعد التجربه الطويله التي اخذت الكثير من سنين عمره كما ذكرناها اعلاه ، قضاها في مجال العمل التربوي والتدريسي ومن ثم نشاطه في الاعلام الاذاعي والتلفزيوني العراقي منذ عام 1945 حتى عام 1982 .. وفيها

افتتح محلا للصياغه في شارع المستنصر ( شارع النهر) وباسم ( صياغة فرج عريبي للجملة والمفرد ) ، واستحصل على اجازة الصياغه الرسميه للممارسة المهنة ، هذه المهنة التي كان يجيدها ارثا وحرفة عن والده واجداده ، وذلك لتصنيع المصيوغات الذهبيه ، وبيعها بالجملة لأصحاب محلات العرض بالمفرد ببغداد العاصمه وفي باقي المحافظات ، وكان لا بد من توظيف او الاتفاق مع عدد من الافراد لتسويق بضاعته المنتجه هذه ، وكان جل عماله من العمال المصريين الذين جاءت بهم الحكومه تعويضا عن الكادر العمالي العراقي ، ولسد النقص في قطاع العماله ، فقد سمحت لهم بالمجئ والاشتغال بالعراق ، مع منحهم كثير من الامتيازات والاستثناءآت القانونيه ، ليحلوا محل العمال العراقيين الذين ارسلهم النظام الجائر مكرهين لسوح حروبه العبثيه ، وألأشتراك بالقتال وكانوا يؤلفون جيل كامل كلهم من الشباب العراقي ، وقد ذهب من جراءها معظمهم ضحايا شهداء خالدين واسفا ..! .

ومما يلفت النظر الى ماورد في مذكراته قوله :-

اهم ما اعتز به خلال هذه الفتره ، اني اخذت على عاتقي مساعدة عدد كبير من ابناء الطائفه المندائيه من المتقاعدين من معلمين وموظفين وطلاب جامعات وغيرهم ، الذين كانوا يعانون من وضع مالي صعب ، وحياة معيشيه مترديه ، من جراء التضخم المالي الذي ادى الى سؤ الاحوال الاقتصاديه بالعراق في تلك الفتره نتيجة الحروب ، وذلك من خلال تشغيلهم بتسويق البضاعه لمحلات المفرد من الصاغه كما كان يطلق عليهم ( بالدواره ) ، فاخذت بايديهم وانقذتهم من العوز والحاله التي كانوا بها من جراء البطاله وقلة الدخل وهبوط قيمة الدينار العراقي بالسوق ، كما ساعدت عددا منهم في فتح محلات خاصة بهم ، هذا اضافة المساعده الماليه التي كنت اقدمها لهم كقروض ( ديون ) مؤجلة بلا مقابل مصحوبا بدعم معنوي خاصة لأصحاب ورش العمل ، وتشجيع جميع من يرغب من العراقيين وغير العراقيين دون استثناء من مصرين وسوريين ولبنانيين وسودانيين وتونسيين ، وكانوا يثقون بي كثيرا كل ذلك كان بدون مقابل ، و برغبة وبرضا مني ، وبشعور انساني بحت ، وهي مدعاة فخر واعتزاز وراحة نفسيه اشعر بها شخصيا ...! انتهى

فرج عريبي يمتهن التجاره حيث يقول

في سنة 1989 تركت العمل في الصياغه ، واشباعا لطموحي ورغبتي الشخصيه ، قمت بفتح مكتبا للتجاره العامه باسم مكتب ( فيلكا للاستيراد والتصدير والاستثمار ) ومن خلال هذا المكتب تعرفت على الكثير من التجار والسماسره في هذا المجال ، وبسبب حداثة معرفتي بهذا الصنف من العمل ، فقد التفت حولي عصابة مافيا دوليه ، وتمكنوا من خداعهم لي والتحايل علي ، بطريقة او اخرى وبحكم الاقتراب مني ، والتعامل معي ، واطلاعهم على اسراري ، وضعي المالي ونشاطي التجاري ، قاموا بكسر ابواب المكتب وخزاناته مستفيدين من حالة الارتباك الامني ليلة معركة ما تسمى ( ام المعارك ) بنهب وسرقة محتويات المكتب من مبالغ نقديه ووثائق ومستندات وسجلات ووصولات ، ولم يبقوا لي اي شيئ يذكر ، وهربوا ومعهم كل هذه المحتويات الى جهة مجهوله لم تتمكن الشرطه للدلالة الى مكان تواجدهم داخل اوخارج العراق وسجل الحادث ضد مجهول ..!

وهكذا خسرت كل ثروتي التي جمعتها من مهنة الصياغه واعمالي السابقه ، وها انا ابدء من الصفر ، وينطبق علي المثل العراقي الشعبي (ما جنك زارع يا سماري)

انتهى

ومن المفيد والمهم حقا ما دونه الراحل بعد هذا السرد الطويل من مسيرة حياته الحافلة بالاحداث والفعاليات ، وكتاباته وانشطته المختلفه ، وما وصل اليه وخلص من تجربته الحياتيه هذه الاسطر التاليه التي تعبر عن قناعته ورضاه وحبه وتعلقه بارض العراق وشعب العراق ، وان دل ذلك على شيئ فهو يدل على رفعة اخلاقه واحاسيسه الوطنيه واخلاصه وانتمائه لهذا الشعب الوفي ، بكافة مكوناته وانتماءآته فهو يقول نصا ..

اهم ما كسبته من الحياة هو

اولا- خدمتي الصادقه لهذا البلد وابناء شعبي ووطني .

ثانيا – مساعدتي الماديه للعديد من ابناء طائفتي المندائيه وبعض اقاربي ومعارفي وبكلمة اخرى مساعدتي الفعليه لعموم طائفتي المندائيه

ثالثا – مساعدتي لآبناء بلدي ماديا ومعنويا وكذلك لكل انسان محتاج دون تمييز

رابعا – تربتي الصحيحه لأولادي وبناتي النجباء الذين غرست بنفوسهم حب الوطن اولا وحبهم العميق لوالديهم وذويهم وللناس اجمعين ثانيا .. وتفانيهم في مساعدة بعضهم بعضا ، وتقديم العون للمحتاجين من الناس ، كما غرست بقلوبهم روح التعاون والتكاتف والمحبه والتعاطف فيما بينهم وبقية البشر ..

الان وبعد هذا المشوار يغمرني الفرح بتحقيق هذه الانجازات الانسانيه بحق اولادي واحفادي خاصة بعد تجمعهم بقربي في كندا وامريكا . وعن رضا الناس عني وهي غايتي الاسمى وسر سعادتي

انتهى

بقى ان يعرف القارئ الكريم ان للراحل ثلاث اولاد كل من الاساتذه نبيل وباسل واصيل وابنتان جميعهم ذوي تحصيل دراسي وثقافي مرموق لهم مراكزهم الوظيفية والأجتماعيه المعتبره ويعيشون حاليا في كندايصح القول بهم ( خير خلف لخير سلف)

الإثنين, 01 نيسان/أبريل 2013 12:08

انتفاضة حسن سريع الخالدة وعلاقتي بها

دأب المؤرخون والباحثون وذو الاختصاص ان ينعتوا الحركات والانتفاضات والثورات باسماء قادتها او صفات الاشخاص القائمين بها او مكان حدوثها وتاريخها وهكذا تتناقلها الناس ويصبح الامر مقبولا وتدخل التأريخ ، ومن هذا الباب ومن منطلق اعجابي وتقديري للقائمين بها اسمح لنفسي ان اطلق على انتفاضة الشهيد البطل حسن سريع ورفاقه مصطلح ( ثورة الجندي العراقي ) رغم ما يشعر به العراقيون من غيظ واستفزاز عند ذكر كلمة ثورة بعد ما اطلق مجرمو البعث الفاشي انقلابهم الاسود يوم 8 / شباط بعروسة الثورات ولما تعنيه هذه المعلومة الاخيرة من اعمال اجرامية وقتل وارهاب تعرض له المواطنون من ديمقراطيين وشيوعيين وإرتباطها باحداث مأساوية مهدت لمجيئ زمرة صدام حسين للحكم فيما بعد .


ففي اليوم السادس من شهر تموز سنة 1963 بعد الانقلاب الدموي الاسود المشبوه الذي قامت به زمر الاجرام والعملاء من منتسبي حزب البعث الفاشي والمتعاونيين معهم ضد الحكومة الوطنية القائمة آنذاك حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم وكان ذلك اليوم الاجرامي هو اليوم الثامن من شباط للسنة نفسها وعلى اثر هذا الانقلاب والقرار المشؤم رقم 13 الذي اصدره المجرم رشيد مصلح التكريتي الحاكم العسكري للأنقلابيين والذي بموجبه خول قتل الناس واباحة ارواح الابرياء دون سبب مبرر نتيجة الحقد الاعمى والعداء ضد القوى الديمقراطية والتقدمية الممثلة في قيادة واعضاء وجماهير الحزب الشيوعي العراقي الذي ذهب ضحيته الشهداء قياديو هذا الحزب الرفيق عادل سلام وصحبه الاخيار ومعهم خيرة كوادر الحزب واعضاءه والكثير من الخلق مدنيين وعسكريين واطال حتى اصدقاء الحزب وغيرهم من الناس الشرفاء على ايدي ما يسمى ( بالحرس الاقومي ) كلاب الفاشية الضالة والذي قادته واشرفت عليه زمرة من حثالة البشر ومرتزقته من قيادي هذا الحزب العميل وبعض الافراد من قطاع الطرق والمجرمين الممتهنين القتل و الاجرام امثال ناظم اكزار وصباح المدني وسعدون شاكر وكريم الشيخلي وعلي صالح السعدي ومنذر الونداوي وسمير الشيخلي ونجاد الصافي وغيرهم /
اعود فاقول بعد فشل جهود المقاومة الباسلة للعراقيين الوطنيين ضد الانقلاب الفاشي في بغداد في حي الاكراد - شارع الكفاح وفي الكاظمية الباسلة وفي مدينة الثورة والوشاش البطلتين ومحلة الشواكه ومحلة الكريمات - حيث كان لي الشرف في التواجد في هذا الموقع الاخير - وغيرها في باقي المحافظات وبسبب عدم تكافؤ القوى القتالية للطرفين من حيث المعدات والاسلحة والعجلات المدرعة والدبابات اتجاه الجماهير العزل المدافعة عن الثورة والتي لا تمتلك السلاح الا من بعض الاسلحه الخفيفة فعلى سبيل المثال لم يكن لدينا نحن المتواجدون بالمئات في محلة الكريمات سوى غدارة واحدة قديمة تسمى ( بجت ) ولهذا كله كان لا بد من الانسحاب وعدم التسليم للأنقلابيين الفاشست . وفعلا تمكنت من التسلل مشيا على الاقدام ليلا الى مكان اختفائي في محلة المنصور ومكثت فيها حوالي الشهر ومنها سافرت متنكرا الى البصرة ومن ثم الى عبر الاراضي الايرانيه عن طريق المحمرة الى الاهواز حيث تم القاء القبض علي وإيداعي سجن ( باغ مهران ) احد سجون ايران الرهيبة في طهران .
اعود ثانية فاقول ففي اليوم الثالث من تموز سنة 1963 اي بعد الانقلاب الدموي بحوالي خمسة اشهر قام الجنود الوطنيون الابطال الشهداء بقيادة العريف حسن سريع وبتنسيق ومشاركة قسم من المناضلين المدنيين المؤمنين بقضيتهم قضية الشعب العادلة واخلاصهم لمبادئ حزبهم المناضل الحزب الشيوعي العراقي وللرد على بشاعة اجرام الانقلابين وايقافهم عند حدهم وبغية اطلاق سراح المعتقلين من الضباط في السجن رقم واحد العسكري وانقاذ الجماهير من زمرة البغي والارهاب والحكام العملاء بالانتفاضة التاريخية التي اطلقت عليها ثورة الجندي العراقي ففي ليلة ذلك اليوم تمكنوا من القاء القبض على بعض قادة الانقلاب التافهين منهم طالب شبيب واخيه بهاء شبيب ومنذر الونداوي وحازم جواد واخيه حامد جواد وغيرهم بعد ان تمت السيطرة على جميع الوحدات العسكرية المتواجدة في معسكر الرشيد وحجز كافة ضباط الخفر لتلك الليلة ومحاصرة السجن العسكري مما سبب انهيار آمره الملازم الاول المدعو حازم الصباغ (الاحمر ) فانتحر ومات غير مأسوفا عليه وكادت ثورتهم ان تنجح لولا بعض الامور التي احاطت بحركتهم جراء اختلاف التوقيتات للحركة وقصور قائد الدبابة وتردده بالتنفيذ ولعدم تكافؤ التسليح وعدم توفر القيادة العسكرية الميدانية المهنية لأدارة المعركة وغيرها من الامور وللاسباب التي ليست من صلب موضوعي هذا، مما ادى ذلك الى فشلها والقاء القبض على قادتها والقائمين بها من عسكرين ومدنيين والحكم على معظمهم بالاعدام من قبل المجلس العرفي العسكري الخاص الذي كان يترأسه المجرم العقيد عبد الرحمن التكريتي وتم تنفيذ الاحكام الصورية بحقهم فورا رميا بالرصاص.
لم اكن متواجدا في بغداد كما ذكرت ذلك اعلاه الا اني ساروي بعض الاحداث والامور الاخرى التي اعقبتها بعد ان قامت الحكومة الايرانية بالمساومة مع الحكومة العراقية آنذاك حول تسليم العراقيين المعتقلين واللأجئين لديها البالغ عددهم 101 فردا إذ كنت احدهم لقاء تسليم بعض المعارضين للحكومة الايرانية وقد زار ايران وفد عراقي لهذه الغاية وكان الوفد بقيادة صبحي حميد وزير الخارجية حينذاك الا ان تأخر اجرءآت التسليم الروتيني اعطى لنا فرصة ثانية للحياة جراء إنقلاب عبد السلام عارف على حكم البعث ادى ذلك الى تأجل التسليم حتى يوم 1 / 1 / 1964

ان اول بدايتي مع الانتفاضة كانت يوم 10 / تموز حين دعتني ادارة سجن ( باغ مهران ) للحضور الى المقر حيث كان هناك خمسة اشخاص باللباس المدني وبعد الجلوس امامهم بادرني احدهم قائلا بان سبب استدعائي لا يعدو عن بضع اسئلة نطلب الاجابة عليها ان امكن وبعد استجابتي لطلبهم جرى الحديث التالي بيني وبينهم ( سأبين لاحقا ماذا حصل لهؤلاء الاشخاص )
سوال – هل تعرف شخصا باسم كاظم رؤوف ؟
الجواب - اعرف ان هذا الشخص محامي وليس لدي معلومات اخرى
سؤال – هل هو سني المذهب ام شيعي ؟
جواب- اعتقد الامر واضح انه شيعي كاستنتاج لا غيره
سؤال- هل ان الزعيم الركن عبد الكريم فرحان هو اخوك ؟
الجواب – لا ، هي مجرد صدفة ان اسم ابي جاء مطابقا الى اسم ابيه ( فرحان)
سؤال – هل هو سني ام شيعي ؟
الجواب - لا اعرف
سوال – ما هي كفاء ته العسكرية ؟
الجواب - هو ضابط جيد
سؤال - هل هو بعثي ام قومي ام شيوعي ام رجل ام متدين ؟
الجواب - حسب علمي قومي
سؤال لو انك توليت مركزا قياديا بالجيش ما هي وجهة نظرك اتجاه الحكومة الايرانية ؟
الجواب - ليس لدي جواب الان لأن السؤال محض افتراض .
انتهت المقابلة الا انهم اشاروا لي بشكل غير مباشر ان هناك احداث وقعت بالعراق
وفي نفس اليوم سمعنا بواسطة جهاز راديو صغير من اذاعة طهران ان محاولة فاشلة حدثت لقلب نظام الحكم في بغداد . ومن ثم سمعنا بانقلاب عبد السلام عارف بالاشتراك مع الضباط القوميين فما كان منا الا ان نعلن اضرابنا عن الطعام والمطالبة بترحيلنا الى العراق
وفي ليلة 31 / 1 كانون الثاني سنة 1964 تم تسفيرنا بالقطار الى بلدة المحمرة ومن ثم بالسيارات الى داخل الاراضي العراقية عن طريق الشلامجة الحدودية حتى ناحية شط العرب ( التنومة ) هناك جرى استلامنا من قبل الشرطة والانضباط العسكري العراقي ثم ارسلنا مباشرة الى موقف شرطة البصرة وفي مساء اليوم نفسه جرى تسفير الضباط الى بغداد بالقطار الصاعد لذلك اليوم وكنا اربعة ضباط وهم كل من الملازم الاول ناجي نهر والملازم الاول نوح علي الربيعي والملازم الاول حامد مقصود وانا الرئيس الاول الركن عربي فرحان الخميسي اما الباقين فكلهم كانوا مدنيين اتذكر منهم الشاعر الكبير مظفر النواب والمحامي طالب بدر وعضو محلية البصرة عبد الرحمن منصور وغيرهم
وصلنا صباح اليوم الثاني الى بغداد وارسلنا مباشرة الى وزارة الدفاع وعند مقر الانضباط في وسط الوزارة جاء احد ضباط الانضباط ورافقني الى مديرية الاستخبارات العسكرية قال لي ان مديرها هو الذي طلبك وعند دخول غرفة المدير فوجئت حين رأيت المقدم الركن شفيق حمودي الدراجي الذي اعرفه جيدا حيث كان احد طلابي من الضباط في مدرسة الاسلحة الخفيفة واحد زملائي الضباط في كلية الاركان للدورة الثالثة والعشرون .
رحب بي الرجل كثيرا وامر بجلب فطور لي الا اني لم اتناوله عدا الشاي . وبعد السؤال عن الصحة والاحوال بادر هو بذم البعثيين والحرس القومي ( الآ قومي ) وهاجمهم بشدة وتطرق الى افعالهم المشينة وقال لي ان مديرية الاستخبارات قامت باصدار كراس صغير فيه وصف لتلك الاعمال الاجرامية التي قامت بها تلك الزمرة المجرمة ومد يده وناولني الكراس الصغير القيت عليه نظرة سريعة واستطرد قائلا ان امور البلد ستكون جيدة وسيسود العدل والمساواة واحترام القانون وبعد ان انتهى من كلامه طلبت منه ان يأمر باطلاق سراحي لأني برئ ان هو كان صادقا ! إلا انه ابتسم وقال لي يظهر انك لا تعلم ؟ قلت له ماذا تعني ؟ ، فقال انت محكوم بالاعدام غيابا من قبل المجلس العرفي العسكري الخاص بمحاكمة المشتركين مع حسن سريع وسترسل الى سجن رقم واحد العسكري . فقلت امامك كافة الاوليات المرسلة من قبل السلطات الايرانية مبينة فيها تاريخ القاء القبض علي من قبلها وهذا دليل قاطع على برائتي فاجابني هذا صحيح الا اني لا املك هذه الصلاحية . ثم سالته كيف ورد اسمي بهذه المحاكمة فقال لي جاء اسمك باحد البيانات للحركة حيث عينك فيها حسن سريع قائدا للفرقة العسكرية الاولى وان العقيد الركن غضبان السعد رئيسا لأركان الجيش واخرين غيركم من الضباط لمناصب الجيش الاخرى وكلكم محكومين بالاعدام غيابا .
ارسلنا انا وناجي ونوح بعد هذه المقابلة الى سجن رقم واحد العسكري عدا الملازم الاول حامد مقصود فقد ارسل الى سجن الحلة لمحاكمته بتهمة قتل المقدم الركن ابراهيم جاسم التكريتي يوم الانقلاب الاسود في باب معسكر الرشيد ومن هناك تمكن من الهروب من السجن
جرى اسكاننا مع الجنود والمراتب المشتركين بالانتفاضة والمحكومين بالسجن وبمدد مختلفة وكان عددهم حوالي المائة وبينهم بعض المدنيين عرفت احدهم وهو الاستاذ نعيم جبار الزهيري وهو معلم وكادر حزبي نشط سبق والتقيت معه في احد السجون سابقا .
كان هؤلاء الابطال قد تعرضوا الى شتى انواع التعذيب والقسوة من جلاوزة البعث المجرم وهم لا يزالون تحت ضغط وهول التجربة القاسية التي مروا بها ويصبون حقدهم وغضبهم على اؤلئك الذين قاموا بالتحقيق الصوري معهم وتعذيبهم اشد العذاب اثناء التحقيق ومن جانبنا نحن الضباط الثلاث حاولنا جاهدين الرفع من معنوياتهم والاستماع الى معاناتهم ومعاناة عوائلهم بالخارج وعن طريقهم عرفنا سير الاحداث التي جرت قبل الانتفاضة وخلالها وما بعدها والبطولات الرائعة للشهيد حسن السريع واخوته باقي الشهداء .
سمعنا منهم ان من احد اسباب قيام الانتفاضة بوقتها المعلن في 3 تموز حيث يبدو موعدا قد يتصف بالعجلة والشعب العراقي كله وكوادر الحزب الشيوعي والمتعاطفين معه لا زالوا لم يتشافوا تماما من جراحهم و من اجرام البعث وسيل الدماء وفقدان القيادة السياسية يوم انقلابهم الاسود الا ان الجواب كان هو هناك نية للأنقلابيين وعلى رأسهم احمد حسن البكر وطاهر يحيى وعبد الغني الراوي وغيرهم بقتل جميع الضباط المعتقلين البالغ عددهم حوالي الخمسمائة ضابط والمتواجدين رهن الاعتقال في سجن رقم واحد العسكري وهذه حقيقة اعترف بها فيما بعد بعض عناصرهم ومنهم عبد الغني الراوي وهو يتبجح بهذا الرأي حتى الان بدعوى معاداته للشيوعيين والشيوعية وفق الاسطوانه المشروخة . اضافة الى اسباب اخرى كثيرة مما دفع بالكادر الحزبي المتقدم ابراهيم محمد علي العضو النقابي النشط ان ياخذ على عاتقه هذه المهمة وان يطرح فكرة الانتفاضة حيث عذب اثناء التحقيق حتى الموت دون ان يعترف على رفاقه ومن بعده خلفه محمد حبيب بالمشاركة الفاعلة مع العريف حسن سريع ورفاقه اضافة الى تقديرهم القائل بضرورة الاستفادة من الضباط انفسهم لتولي القيادة بعد نجاح اطلاق سراحهم من السجن وهناك اسباب اخرى مبررة كما قال لنا اكثرهم علما ان هؤلاء الضباط كان قد سفروا بذات اليوم بقطار حمل الى السماوة سمي بقطار الموت بطريقهم الى سجن نقرة السلمان الصحراوي سيئ الصيت .
والشيئ الذي اردت تصويبه الان هو ما ورد بموضوع الاخ الاستاذ نعيم جبار الزهيري الذي جرى نشره منذ اكثر من سنتين في مجلة رسالة العراق وما تبعه من اقوال وافتراءآت البعض من الجهلاء من ابناء الطائفة الصابئية المندائية الموجهة لي في هذا الشأن وهي كما يلي : -
في احد الايام جلس بقربي الاخ نعيم الزهيري حيث كنا في معتقل واحد داخل سجن رقم واحد العسكري كما بينته اعلاه و بصفتي اكبر الضباط رتبة عرض علي فكرة ان نقوم نحن الضباط الثلاث بقيادة المراتب والجنود المتواجدين معنا بنفس الموقف بانقلاب ثاني بعد احتلال السجن واطلاق سراح بعض الضباط الذين لا يتجاوز عددهم عن ثلاثة كانوا معتقلين في جناح اخر من السجن نفسه اتذكر منهم الرئيس الاول مطيع عبد الحسين والعقيد الطبيب رافد صبحي اديب وشخص آخر نسيت اسمه وان نقوم بحركة مباغة ومعنا بعض الوحدات داخل معسكر الرشيد لأحتلال المعسكر اولا ومن ثم اعلان ثورة في بغداد ومعسكرات الجيش الاخرى في عموم العراق( هذا ما اتذكره الان ربما لم يكن نصا الا انها كفكرة كانت كذلك ) .
وبعد الاجابة على اسئلتي منه ( اجريت تقدير موقف كعسكري حرفي حول قواتنا العددية وما لدينا من اسلحة او كيفية الحصول عليها وهل حصلت هذه الفكرة على موافقة القيادة الحزبية في الخارج ومدى مساهمتهم معنا والحالة المعنوية للمراتب والناس في الخارج وكثير من الاسئلة التي طرحتها عليه وبعد مقارنة مع اجوبتها وخرجت بنتيجة اذ من غير الممكن مطلقا القيام بالحركة وضمان نجاحها استنادا الى الظروف الموضوعية التي كانت سائدة آنذاك وكان جوابي له الرفض كونها مجازفة غير محسوبة الابعاد ولها عواقب وخيمة وخطيرة على مجمل الاوضاع والاشخاص في الداخل والخارج وعلى حياة المشتركين فيها حالة الفشل حيث نسبة النجاح تكاد تكون معدومة تماما بتقديري . وهذا التقدير برفض الفكرة كان هو موضع الانتقاد
وفيما يخص الزعيم الركن عبد الكريم فرحان عين لمنصب آمر موقع بغداد العسكري وكاظم رؤوف وزيرا للعدل ( ولا اعرف كيف اعلل ذلك ) أما عن حكم الاعدام بالنسبة لي فقد جرى التحقيق معي وثبتت برائتي من التهمة المنسوبة لي الا انه اتخذ قرار ارسالي الى سجن نقرة سلمان الصحراوي سيئ الصيت .


بالحقيقة خرجت الانتفاضة بدروس وقيم جديرة بالدراسة والتحليل لمن يريد ان يسلك درب الحرية والتحرر ويهدف الخير والكرامة لبناء الشعب خاصة اؤلئك الفقراء والمسحوقين من عمال وجنود وفلاحين والكسبة والموظفين الذين هم اصحاب المصلحة بالتغيير نحو الافضل لضمان الحياة الحرة الكريمة لهم ولعوائلهم . ويمكننا الوصول الى الدروس المستنبطة من هذه الانتفاضة كما يلي : --


1 - ان الظلم والقهر والحكم الفاشي لا يمكن ان يدوم و ينتصر ولا وجود مكان له في كيانات الشعب العراقي وضمائر ابناءه مهما طال به الزمن ولا يمكن ان يستقيم الوضع فاشيا او طائفيا اطلاقا ما لم يرسخ بناء الديمقراطية ودولة المؤسسات القانونية والدستورية بالعراق فعلى من يقود العراق سياسيا ان يضع بحسابه هذه الحقائق فقد يتعب كما تعب غيره من بعثيين وحكمهم الشمولي


2 - لقد اشترك بالانتفاضة شباب باعمار الورود ومن كل القوميات والاديان ففيهم العربي والكردي والاشوري مسلم سني وشيعي ومسيحي وصابئي دون ان يفرقهم هذا اللون بل شد من ازرهم ولم تتحكم بتصرفاتهم عوامل الفرقة الدينية او الطائفية او العنصرية هذه حقيقة الشعب العراقي وعليه يجب ان يسود العدل والمساواة وتكافؤ الفرص انطلاقا من حق المواطنة للجميع دون تفريق او تمييز وهذا ما يجب ان يتضمنه الدستور العراقي المقبل في نصوصه .


3- توفر الوعي السياسي لدى الفرد العراقي بشكل عام وله القدرة الكاملة على الفرز والتمييز بين المخلص الحقيقي للشعب وبين من يحاول السيطرة عليه عن طريق استخدام العنف والقوة او التلون والخداع والزيف فالعراقي يعرف جيدا من يعمل مخلصا من أجل تامين الحياة الحرة الكريمة والعيش السعيد له ولأولاده من بعده


4- يجب على اصحاب القرار اعطاء الحقوق لأصحابها اؤلئك المظلومين والمستغلين المنحدرين من جذورعمالية وجنود وفلاحين طالما استلبت منهم حقوقهم على مدى الحكم العراقي ويجب عدم الاستهانة بقدراتهم وحقوقهم المشروعة على قدر متساو مع الاخرين من ابناء الشعب


5 – ليكون واضحا بشكل جلي ان الافكار الشيوعية باقية ومتاصلة بقلوب جماهير الشعب العراقي ويستحيل القضاء عليها مطلقا لا بالقتل ولا بالتعذيب ولا بالترغيب لآنها الحقيقة والعلمية والانسانية وهي المستقبل للحياة الحرة الكريمة ومن يعاديها يخيب ومن لم يهت بها يظل الطريق .


6 - الانتفاضة هي الدرس والانذار لكل قوى الشر والبطلان وعليه يجب العودة للشعب وله وحده السلطة هو صاحب القرار ولا يتم ذلك الا بدولة ديمقراطية فيلدرالية تعددية ذات مؤسسات دستورية وقانونية

نشرت في تاريخ