• Default
  • Title
  • Date
الخميس, 17 تشرين2/نوفمبر 2016 21:35

الشهيد الخالد حميد شلتاغ حالوب

ننحني تخليدا لكل من سقى تراب الوطن بدمائه الزكية ، لمن شق بروحه حلكة الظلام لينطلق الى فجر الحرية ، فكلما زمجرت عواصف القمع في العراق الذي عشقناه واسكناه المقلتين يكون الناس الاخيار الطيبون آهلا للتصدي ويعمدون الفجر بدمائهم ، يحملون المحبة والامل للبيوت الفقيرة ويفتحون النوافذ نور ما أروع مايتصف به حميد خلقاً ورقة افكار تعمقت محبة المقربين البه وتعمق حبهم للفكر الذي دفع حياته وعائلته في سبيله وهكذا كانت مواقفه ثابتة خالدة الى الابد وعند ذكراه يختلط الحزن والاسى و العطاء والتضحية ، ولد حميد شلتاغ في لواء العمارة سنة 1924 وانتقل الى العاصمة بغداد مع عائلته المكونه من اخوانه موسى وعلوان واكمل دراسته الثانوية فيها والتحق بالقوة الجوية ويكمل دراسته الجامعية في كلية التجارة المسائية الجامعة المستنصرية بدات مواهبه الفكرية والسياسية وايمانه بالعدالة والحرية واستقلال الوطن من الاستعمار انظم الى تنظيمات الحزب الشيوعي عام 1949وقد وجد ان الخط التقدمي اليساري هو الحاضن الوحيد لبلورة وتنمية افكاره في الاتجاه الصحيح فمارس العمل السياسي واعطى كل وقته واخلاصه له رغم انه كان رب اسرة كبيرة كان دائما يردد ان الثورات والعطاء تاتي قوتها من الشعوب ولاتستطيع اي قوة ايقافها ومن هنا تعرض الى كثير من المواجهات مع رجال الامن والشرطة السرية واعداء الوطن وقد تعرض الشهيد حميد هو وزوجته الى اعتقالات كثيرة عند الستينات من القرن الماضي ان صمود هذا الرجل يكمن انه عندما يعتقل ويعذب باشكال التعذيب يكون صامد وعندما يخرج يزداد قوة وعنفوان وصمود وعطاء اكثر لعمله الوطني والحزبي وكان حميد اول من تنبأ بسقوط الجبهة الوطنية وحذر الحزب عدة مرات وذكر ان الجبهة في حالة خطر وكتب ان الجبهة تنتهي وستوجه ضربة قوية تقسم ظهر الحزب وكوادره كافة وهذا ماحدث فعلا منذ كان شابا في بداية الخمسينات ومنذ ومضات الوعي الاول من ايام الطلبة وعند الثانوية كان متسلحا بقلق الناس الذين احبهم وظل متعلقا بهم وبمستقبلهم حتى النهاية لقد ترك هذا المناضل بصمة واضحة في مسيرة النضال والواقع الثقافي والاجتماعي فقد كان مناضلا حقيقيا ووضع قلبه وفكره منذ لحظة انتمائه الى الحزب وقد واكب كل التغيرات التي حدثت في الوطن وكان دائما في قلب المعركة من اجل بناء وطن سعيد للجميع ومن هذا النشاط المتميز فقد اضمر له الاعداء حقدا مميزا فقد اعتقل عام 1963 اثناء اجتماع اللجنة المركزية التي يقودها والتي كانت تقوم بتنظيم عمال البريد والبرق لمنطقة بغداد وظل في المعتقل مع رفاقه الى عام 1967 حيث حكم عليه خمس سنوات ولم ينجو وهو في السجن من التعذيب الوحشي البربري وبكافة الاشكال من اجل انتزاع الاعتراف وتنقل من سجن الى اخر وهو يحمل جراحه بين طيات جسده النحيل وقد نجح رغم كل الصعوبات والمشاكل التي واجهته في غرس قيم انسانية متميزه سواء داخل السجن او في مجال عمله السياسي كواحد من الكوادر المتقدمة في اللجنة المركزية ، ان اهتمام الشهيد حميد بهموم الوطن الذي كان يركع تحت ليل الفاشية الاسود زاده اصرارا على الاستمرارية المسيره النضالية من منطلق الحرص على مواصلة البناء لسواعد النضال الدائم وهو السبب الذي رفض من خلاله مغادرة العراق بعد اشتداد الهجمة الفاشية ضد كوادر الحزب حيث قال لم يتبقى من العمر الا سنوات قليلة فدعونا نموت داخل الوطن وفي احضان الحزب ، رغم تعرضه الى الاعتقال عدة مرات معتبرا العمل النضالي في الداخل هو الخيار الوحيد امام الشعب الذي يسعى للتخلص من الحكم الفاشي الدكتاتوري وبناء غده المشرق البهي السعيد وتنمية مقدراته وامكانياته لتحقيق ماتصبوا اليه كل فئات الشعب والقوه الخيرة المناضلة وبناء نظام ديمقراطي حقيقي ، حميد شلتاغ هذا الاسم المعروف بين اوساط العمال وعلى نطاق واسع وفي السجون والمعتقلات العراقية يتميز بالعطاء والنبل الانساني المتميز والوفاء والامانة ويحث الجميع على الصمود والتضحية في سبيل القضية وكانت شريكة حياته ام ماجد هذه المناضلة الابية فكانت تؤمن ان الكفاح ضد الفاشية يعتمد بدرجة كبيرة على تحدي الارهاب واساليب النظام في عمليات القمع وقد وصل هذا التحدي النبيل الاسطوري في فضح الممارسات الغير انسانية ضد المراة واضطهادها وعدم تحررها والذي كان الفاشيست يطلقون نظرياتهم بقصورها العقلي وضعفها الجسماني ، فكانت شهيدة الشعب ام ماجد كانت تقول على الدوام بان تحرر المراة الكامل لا يتم الا في اطار تحرير الطبقة العاملة المتكونه من الرجال والنساء وكافة ابناء الشعب وهذا التحرر لم يتم الا في حالة تكون مجتمع غير طبقي تصبح فيه وسائل الانتاج ملكا للجميع اي حكم الطبقة العاملة وعند النظام الاشتراكي فكانت ام ماجد تعمل بلا كلل او ملل في صفوف التنظيمات النسائية وخاصة رابطة المراة العراقية في حملات توعية المراة وتعبئتها للنضال ضد الظروف والاوضاع وفضح اساليب النظام واساليبه ضد النساء وتعزيز مساهمتها في النضال من اجل اسقاط الفاشية وهي في كل هذا اثبتت دورها ووعيها المتزايد ومساهمتها مساهمة فعالة في التحدي لاجراءات السلطة الدموية لقد حولت المقاومة ومن داخل بيتها المتواضع الى حركة جماهيرية عجز الفاشيست الوقوف بوجهها لسنوات طويلة واثبتت انها اهل للقيام بالمهمات الكبيرة الجبارة من خلال صرارها وعنادها البطولي وكانت كتلة طيب لا تعرف التوقف لقد ساهمت هذه المناضلة القديرة جنبا الى حنب العديد من النساء العراقيات بدورها في قيادة المظاهرات والاحتجاجات ضد الحكم الفاشي التتري مبرهنة ان قوة النساء تكمن في تنظيم وتعبئة جهودهن وطاقاتهن الكفاحية ضد اشكال كل الرهاب والقمع السياسي والماسي التي حلقتها الحروب الرعناء ، كانت هذه المناضلة تؤمن ان نساء العراق قادرات بوحدتهن الكفاحية وبنضالهن المنظم والهادف على اداء دور كبير وهام في عملية الحسم الثوري للمعارك الظافرة بين الشعب وقواه الوطنية من جهة وبين النظام الفاشي والقوى التي يستند عليها من جهة اخرى وفي تاريخ 14\8\1980 اعتقل الشهيد حميد شلتاغ من قبل الاجهزة الامنية من البيت مع زوجته بدرية داخل علاوي وابناء اختها الشابة انتصار خضير موحي واشقائها احدهم عمره اربع عشر سنة وابن عم حميد نبيل علوان شلتاغ وهو طالب جامعي بتهمة الانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي وفي يوم 17\1\1981 القي القبض على ابن حميد كريم حميد شلتاغ وكان طالب جامعي لم يتجاوز العشرين من عمره وقد اعدم مع خطيبته انتصار خضير موحي التي اعتقلت قبله ...تم العثور على وثائق مدونه فيها اسمائهم باحاتهم الى محكمة الثورة سيئة الصيت واعدموا جميعا والوثيقة موقعة من قبل صدام حسبن وعواد البندر ، تحية اجلال واكبار لكل الشهداء ويبقون قناديل تضئ سماء الوطن كتب احد السجناء قصيدة لحميد شلتاغ قال فيها ...
لن ابكي على رجل فوق العلى مكانه
افدى بنفسه ويابى ان يعيش ذليلا
لن ابكي على نجم انار ضياؤه دهرا
واسرع للمغيب افولا
قضيت في ظلم السجون وظلمها
فاضات في ظلماتها قنديلا
ياشهيد كنت ورضيت لنا رمزا
ستبفى روحك للطريق دليلا
نم يا ابا خالد فانت مخلد
ما كان ذكراك اتى ليزولا

نشرت في شهدائنا
الخميس, 17 تشرين2/نوفمبر 2016 20:55

الشهيد البطل كريم خلف داخل

كريم وياكريم العسل منك غار
تظل شمعة أبدرب ثوار
ألف تذكار
ألف زفة أزفنك
أغنيلك غناوي أبطال
ماتجفل لون موت المگدر دار
لا ماصار
كريم وياكريم أتحيرت شكتب
حتى القلم بيك أحتار
يصرخ ثار
تظل تاج الوفة يابيرغ ألاحرار
سعدي جبار مكلف ....
أذكرك أيها الوفي ولن أرثيك ، الكتابة عن الشهداء وأستعراض مسيرة حياتهم ونضالهم لها طعم خاص مطرز بأهات ولوعة وحزن ودموع ، يقودك الى محراب الرجال والفداء والكرم والخلود أنهم لم يرحلوا عنا أنهم معنا ومنا وفينا ، أن الكتابة عن تاريخ شهداء الحركة الوطنية ذات خصوصية تتجسد فيها الشجاعة بكل معانيها والبسالة والاقدام والجود أنهم نجوم تشع في سماء الوطن وتضئ الدرب المظلم الحالك وتطرز سفر التاريخ في كل زمان ومكان أنهم من معدن لا يصداء أبداً ذات بريق خاص متجدد على طول الزمن ، أنهم الخالدون السرمديون ، أحيك من أعماق قلبي حاملا لك أروع معاني الحب والتقدير والاحترام والذكرى الابدية ، لك مني باقة من زهور الياسمين تعطر جبينك أيها النقي الوفي أنك الكريم الباذل ، كريم العطاء ، أبي النفس وأوفه العشاق وأخلص البشر ، كل يوم وأنت وبقية الشهداء مصابيح العراقيين المنيرة في حلكة الليل الدامس ، أسمح لي ياأبن العم أن أتوضى بنور طلعتك البهية وفي محراب قاموس العطاء أيها الخالد ،أصلي معك صلاة حب الناس الكادحين وحب الوطن الجريح المخضب بدماء الابرياء والشهداء الابرار ، أصلي معك صلاة الحب والاخلاص والوفاء ،طريق الحق والعدالة والمستقبل الافضل هل هناك أفضل وأحق من الكتابة عنك أيها الغالي الحبيب ، لقد ضحيت بحياتك كي نحيا ،ضحيت ونزفت كي يبقى الشرف بيرغ أبيض في أعالي الكبرياء ،حملت بيدك راية حزبك وخبز الجياع وكلمة الوفاء ، أقف بكل شموخ وبكل قامتي التي استطالت كثيرا وأنا أتذكرك حتى أصبحت أشعر من فرط فخري بك أن جبهتي تلامس زرقة السماء وأنت نجم الثريا اللامع فيها ، أكتب عنك ولم أبكي أبداً الفرسان لا يقبلون الدموع علمتنا الوالدة الخالدة ان لا نبكي كانت الحبيبة الوالدة والدة الجميع أنها أسطورة الصمود والتحدي والخير والبركة ، أيها الكريم ستظل نجماً من نجوم الوطن المضيئة في سماء الشهادة ....
شهيدنا اليوم هو البطل كريم خلف داخل من مواليد قلعة صالح عام 1937 تحمل أعباء الحياة وهو صغير العمر لم يكمل تعليمه الدراسي أمتهن الصياغة كعامل ماهر هاجر الى كركوك عام 1952 وهو أبن الخامس عشر واشتغل عامل في محل احد أقاربه ومن هنا اندمج مع العمال وشاركهم مناسباتهم وأحزانهم وأفراحهم وأنتمى الى الحزب الشيوعي العراقي عند الخمسينات من القرن الماضي هادئ الطباع سريع البديهية ذات أبتسامة مميزة مشرقة متكلم له أسلوب مقنع ومتفهم لجميع مشاكل العمال وعند حصول ثورة تموز عام1958 أنتخب رئيس لنقابة عمال الصاغة متميز في أعماله شارك في جميع المظاهرات والنشاطات الجماهيرية على مستوى العراق دبروا له الاعداء تهمة مزيفة وشهدوا رجال الامن زوراً وأبعد كل شهود الدفاع بعد أن تم تهديدهم بالقتل وفعلا تم أطلاق الرصاص على أحدهم لذلك لم يحضروا الى المحكمة وتم صدور حكم الاعدام بحق كوكبة من الشباب زوراً وبهتاناً ودون اي أدلة تذكر صدر الحكم بعد عدة جلسات مرتبة وصدر حكم الاعدام مع الشهيد نعيم عنبر تم أعدامهم وأجبرت عائلته على عدم أقامة مجلس فاتحة له ولكن رغم كل الاجراءات ودع من قبل أهله وأصدقاءه بزفة عرس وكانت والدته تفتخر به وتنشد( كريم النفس رفعة راس ألنه ، أضمنه ذخر ألنه ولهنه ) لك الخلود يل أبن العم الغالي ،لك أجمل حروف قصائدي وأعطرها لحروفي الشرف في ذكراك أيها الكريم الكريم كتب شقيقة الاستاذ عبدالله الداخل قصائد كثيرة في ذكراه منشورة في الحوار المتمدن منها ...
سلام عليك
يوم حييت بقلبي
قبل هذا الكلام
يوم أنتميت الى السلام
حين قررت أن تحيا فتيا
وتبقى نقيا
بكل خطاب
ستبقى باباد البلاد
بذرة نادرة بارض حرة
وحبا يكتض غيما
فأنت مظلوم مرتين
وألفا بعدها
بأزمان الخيانة والحراب
كتبت له اكثر من قصيدة ونشرت على أكثر من موقع وصحيفة أقول فيها ...
يعاتبني ..يگلي انسيتني
چا وينهه الخوان
نسيتوني ..نشف ماي الصحين وعافهه السفان
نشف هور الغموگة وموزر الشجعان
لو غابت شمس تموز ماچنهه المضايف بيت للشجعان
نسيتوني ..نسيتوا الجوري والريحان
أظل أمساهر الغربة أدور بالوجوه الماتعرف الصار
أخافن دگت البيبان
عيب المستحة المرسوم بعيوني
ياخذني أبجسارة أبساع
ثاري الطيف مدفون أبسواجي الگاع
تهل والمستحه بعيني وشيعة ثار
ناطور ويشيل أشراع
أهو ثاري ...أهو ثارك وهوللناس أملنه الضاع
أخذ روحي أبشهگة موت ألك يل ريحتك تنزار
ألك مني ألف شمعة ألف دمعة
يمعدل تضوي الدار دارك يا كريم الدار
يرفعة راس يا هيبة وتظل تذكار .....
لك الخلود أيها البطل الخالد الوفي والخزي والعار لتتار القرن العشرين .

نشرت في شهدائنا
الأحد, 25 أيلول/سبتمبر 2016 21:25

الشهيد البطل رعد عبد الجبار خماس ...

يالحمقى اغبياء ...
منحوه حين اردوه شهيدا ...
الف عمر وشبابا وخلوده
وجمالا ونقاء ....(.نازك الملائكة )
رحل ولم يرحل ..شمس لم تغيب ،وقمرا مسافر الى عالم الخلود ...عالم الرجال في سفر التضحية والوفاء من اجل شعبه العظيم ..من اجل خبز للجياع ،هكذا تهوى الشهب لكنها تترك على وجه السماء ضيائها السرمدي الخالد لك يامن اخترت طريق المجد والرجال ...لنا في هذه الحلقة وقفه مع الشهيد رعد عبد الجبار خماس ، سنذكرك ولن نرثيك انك دوما معي ايها الغالي الحبيب ..انك من معدن اولئك الناس الشموخ الذين خلدهم التاريخ فكتب عنهم بحروف من نور متوهج في مسيرة الخلود ...
الشهيد رعد عبد الجبار خماس من مواليد 1956 محافظة البصرة محلة الجمهورية البطلة الفيصلية سابقا وكان يوما باردا ممطر فاضت انهار البصرة فيه بالخير والبشر والعطاء وكان البرق والرعد على اشده وهنا تولد اسمه من الرعد وفعلا كان رعدا من العطاء والتضحية والجود نسبة الى هذه الذكرى الجميلة ، درس الابتدائية في محلة الجمهورية وفي مدرسة العزه الابتدائيه للبنين سنة 1962 كان هادئ الطباع حساس محبوب من جميع اهله واقاربه مطيع متعاون مع زملاءه واخوانه واخواته ذات ابتسامة عريضه تخرج الابتدائية وواصل دراسته المتوسطة في متوسطة الجمهورية بنفس المحلة وعندما انتقلوا اهله الى بغداد سنة 1969 اكمل دراسته في متوسطة كرادة مريم وقد سكنوا اهله منطقة الكريمات بجانب جسر الاحرار والمعروف عن هذه المنطقة انها تضم معظم العوائل المنتمية الى منظمات الحزب تخرج من المتوسطة وكان معدله جيد ممكن الدخول الى الفرع العلمي ومن ثم اكمال دراسته الجامعية ولكنه اختار اقصر طريق الى الوظيفة والعمل حيث انتسب الى اعدادية الصناعات النسيجية والمفتوحة جديدا والتعين في معامل النسيج مضمون وخاصة في معمل فتاح باشا وبذلك انتسب الى اعدادية صناعة نسيج بغداد في مدينة الضباط ومن هنا ابتدا مشواره النضالي عند انتسابه الى اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية حيث تدرج حتى اصبح مسؤول اللجنة الثقافية في الاعدادية ومن ثم انتسب الى الحزب الشيوعي العراقي . التحق الى الخدمة العسكرية عام 1977 وانقطع عن الاتصال بالحزب ونسب الى كتيبة صواريخ البصرة عند تسريحه عين في معمل نسيج الديوانية وهناك عاش بين العمال ونقابتهم والتنظيم الحزبي وعند لقائه مع الخبير الفرنسي المشرف على المعمل اقترح عليه الخبير الذهاب معه الى فرنسا لتكملة دراسته واكتساب الخبره العملية ويدفع له راتب مغري في ذلك الوقت الا انه رفض وفضل البقاء بين احضان ناسه واهله وحزبه ونقل الى كلية الهندسة قسم الميكانيك معيد في المختبر وفي مختبرات النسيج التابعة الى عمادة الكلية وكان يستغل خفارات الدفاع المدني في طبع وسحب المناشير الحزبية ، مناضل شجاع جسور لا يخاف ولا يتردد في انجاز المهام المكلف بها من قبل الحزب وكان معروف من قبل عصابات الامن والشرطة وجلاوزة النظام واصبح عضو في كثير من المنظمات الجماهيرية حيث يمثل الحزب فيها وممثل لجنة الكرخ في مناقشات الجبهة الوطنية والتقدمية وكان اخر منصب له في الحزب عضو لجنة تثقيف بغداد
وعند انتقال اهله الى البياع وبالتحديد سنة 1982 تم القاء القبض على اعضاء الخلية المنتسب لها في حينها كان الشهيد خفر للدفاع المدني وعند وصول الخبر اليه ترك اهله واتجه الى مدينة الثورة وبقي متخفي عدة ايام ومن ثم انتقل الى الشمال عن طريق كركوك وقد القي القبض عليه واختفت اخباره منذ ذلك التاريخ ، استمر رجال الامن مهاجمة بيت اهله واقاربه وخاصة بيوت اخوانه والتحقيق معهم ولسنوات طويلة حتى وصلتهم شهادة وفاة صادرة من مستشفى الرشيد العسكري رقم 47\5211 والصادرة بتاريخ 5\6\1984 تؤيد اعدامه وتطلب من عائلته عدم اقامة عزاء له ..
وبذلك ارتفع نجما من نجوم العراق الى سماء الشهادة والخلود والمجد ..المجد كل المجد للرجال حاملي راية التضحية والفداء وكتبوا سطورا خلدها التاريخ ..ياقمر العشق الدائم المعطاء ايها القمر المسا فر ...
ايها القمر المسافر في الوجع الكبير ، لقد نلت كل معاني السمو والعلياء ، ياسيد الكبرياء في الزمن المأسور بالصمت ، ايها الصاعد الى عالم الخلود ، اي دم هذا الذي سال منك ، اي عبق هذا الذي فاح ، ابيت الا الصعود الى قمم العلياء وكان مقامك فوق النجوم ، ذكراك عندي نور لا ينتهي .
ما جفلتور
ولا رف الجفن خايف
والمناية امولمة من اكتار سبعة
ما جفلتوا ..ما حسبتوا
يوم ريح الشر عليكم صار فزعة
يارعد ياابن خالي ...
اموادع الله
الموت واحد موش بدعة
خلني اريد الموت هلهولة عرس
ابحلگ ربعة
هذا دربك درب حنة
درب شوگ اشكبر وسعة
ماحضرنة اموادعك والعين ماتبطل الدمعة
ياحريمة سلمتها هرفي خوية
ما ذكرت الصار خدعة
واحنه نتنه زفتك مصباح جمعة
سلمته وانت عالي الراس
يابيرغ عشيرة
جبل عالي بعد بيتي
الجبل ياهو اليردعة
خيمة للشجعان كلها
سيد العفة ومقدام الشجاعة
ايلوگ الك اتصير شمعة
ما جفلتوا
الروح ماعزت على اتراب الوطن
بطل حزن
الدمع حته الدمع چا وين زرعة
ياحسافة الخان شعبه وخان ناسه
صار من تالي مناضل عالي نجمة ضوه لمعة
ياعفيف النفس يا رمز الشجاعة
انت خالد چا الثرية شمس تسطع
الشهادة كرم طبعة
ما جفلتوا

نشرت في شهدائنا
الخميس, 13 شباط/فبراير 2014 21:05

شموس أنصارية مندائية

ايها الملاك برياويس .. اليردنا العظيم للماء الحي

طهرنا أيدينا بالحق، وشفاهنا بالايمان

وتكلمنا بكلمات الضوء

والافكار استطابت بعقيدة النور

(دعاء مندائي)

الشعب المندائي، شعب الرافدين الاول في ارض العراق، مثلما قدم لنا اسماء لامعة في عالم الفكر والثقافة والسياسة، قدم لنا اسماء لامعة في النضال والكفاح من اجل مستقبل مشرق للعراق. واذ نورد في كتاباتنا ونشاطاتنا اسماء بهية مثل العالم الفذ عبد الجبار عبد الله، والمبدعة لميعة عباس عمارة، والباحث عزيز سباهي، والقائمة هنا تطول والاسماء هي مجرد امثلة، فنحن لا يمكن الا ان نتوقف ونورد وبأعتزاز وفخر اسماء المناضلين مثل الشهداء ستار خضير و صبيح سباهي، وحميد شلتاغ، وهنا ايضا القائمة تطول ! فالشعب المندائي ساهم في رسم تاريخ هذا الوطن، عرفت سوح النضال، و ما زالت، اسماء بهية وعبقة، نذرت جهدها وابداعها من اجل قضايا الانسان في السعي نحو الحرية والعدالة الاجتماعية، وفيها عمد ابناء الشعب المندائي بدمائهم طريق المسير نحو عراق ديمقراطي فيدرالي .ولو توفرت ارقام واحصاءات دقيقة عن شهداء الحركة الوطنية من ابناء الطائفة المندائية، لوجدنا انها نسبة عالية قياسا بعدد ابناء الطائفة المندائية ونسبتهم إلى بقية المكونات الاثنية والطوائف العراقية.

ان الحديث عن المناضلين والشهداء من ابناء الشعب المندائي اراه شخصيا يحتاج الى جهد توثيقي واعلامي مؤسساتي، وان لا يكون اسير مبادرات فردية او نشاطات موسمية لهذه الجمعية او ذاك الكاتب، وذلك لابرازهذا التاريخ المجيد وتقديمه بكل فخر ليطلع عليه كل ابناء الشعب العراقي. فالشهداء المندائيون هم شهداء الشعب والوطن، وليعلم البعض ممن يحاول غمط حق الآخرين في العيش والعمل تحت سماء هذا الوطن المعطاء، بأن هذا الوطن له تاريخه الناصع، الذي لا يغفل الصفحات المشرقة للشهداء المندائيين، وليكون هذا التاريخ المكتوب والموثق سلاحا في التصدي لكل من يحاول عامدا أن يطمس ويتنكر لحقوق الصابئة المندائيين وليقصيهم بشكل ما عن تاريخ وحضارة وتراث العراق. فهم كانوا وما زالوا ومن الاف السنين، أبناءه الأصليين،الذين يحملون راية النقاء والنور والمحبة والتسامح والسلام.

ان الحديث عن الشهداء فيه مشقة وفيه حزن، اذ ان فيه جروحا تنكأ، فعذرا عن ذلك، ولكني هنا، سأختار شهداء من الاسماء التي عرفتها وعاشرتها عن قرب، وتركت بصماتها فى روحي. سأتوقف عندها كأمثلة لعطاءات الشعب المندائي، واورد شيئا عنها بحكم معرفتي الشخصية، فهم من اصدقائي ورفاقي في النضال.

بعد مغادرة الوطن اضطرارا جمعتنا سماء المنفى الاول، وساحات النضال المسلح في كوردستان الابية، وكان رحيلهم مؤثرا لكل من عرفهم ...

 

الشهيدة عميدة عذبي حالوب الخميسي (أحلام)

الشهيدة، عميدة عذبي حالوب الخميسي (احلام). مواليد سوق الشيوخ 1954، تربت في عائلة معروفة، وعاشت في منطقة الكرخ ببغداد في منطقة شعبية. كانت محل احترام معارفها، وعرفت بنشاطها الطلابي والنسوي حين كانت طالبة في كلية الزراعة جامعة بغداد. واضطرت لقطع دراستها ومغادرة العراق مع اشتداد الحملة الإرهابية 1978، والموجهة ضد القوى اليسارية والديمقراطية، فتوجهت الى بلغاريا، ومن هناك الى اليمن الديمقراطية (الجنوبية)، وبعدها الى كردستان حيث التحقت بفصائل الانصارللمشاركة في الكفاح المسلح ضد النظام الديكتاتوري البغيض.

من العراق احمل للشهيدة احلام ذكريات طيبة خلال لقاءاتنا في نشاطات طلابية، وبقي اسمها منذ ذلك الحين محفورا في ذاكرتي كأمراة متزنة ولبقة في الحديث وتذود بجرأة عن مبادئها وتفخر باصولها المندائية. وفي اليمن تعمقت معرفتي بها اكثر . كان زوجها صديقي ثم زميلي في دورة دراسية خاصة ضمن استعدادنا قبل الالتحاق بفصائل الانصار، وكنا نسكن غرفة واحدة. فساهمت علاقتي مع زوج الشهيدة احلام بتعميق تعارفي اكثر مع الشهيدة التي تركت في روحي لمسات شفافة كأخت حنون .

تركنا عدن في نفس الايام من ربيع 1982، وفي الاوراق اليمنية التي حملناها، وفي لحظة عزيزة، سميناها لحظة عبث، ملأنا الاستمارات بمعلومات جعلتنا اقرباء، ابن وابنة خالة . وفي دمشق، في طريقنا الى كردستان، ساعدتنا هذه "القرابة " في تجاوز اشكالات بيروقراطية امام الاجهزة الامنية المعنية، وفي نفس الايام توجهنا الى كردستان، وكان التحاقنا بفصائل الانصار في يوم واحد وذلك في مطلع شهر ايار 1982 . استشهدت احلام في الاول من ايار 1983 في احداث جريمة بشت اشان الغادرة .

 

النصير الشهيد سلام عبد الرزاق الحيدر (أبو تانيا)

الدكتور الشهيد ابو تانيا رحل وفقدناه في 22 كانون الثاني في 2004 في المنفى. واقول هنا الشهيد لاكثر من سبب، ومن ذلك ان الانصارالشيوعيين، من يرحل لهم من الرفاق الانصار في المنفى وتقديرا لتضحياته ونضاله وتاريخه ولما قدمه لشعبه وقضية الوطن، يسمونه ويعتبرونه شهيدا .

والشهيد ابو تانيا التقيته تحت سماء اليمن الديمقراطي عام 1980، في صحرائها، على اعتاب صحراء الربع الخالي، في منطقة "شبوة"، هناك حيث كان اهل البلاد يرفضون التطوع والعمل. ولكن مناضلين اشداء، من ابناء العراق، مثل الدكتور ابو تانيا، تحملوا كل قساوة الطبيعة، وظروف الحياة الصعبة، حيث شحة المياه، والحرارة الشديدة وانعدام مظاهر المدنية واحيانا المخاطر الامنية، وعملوا بكل نكران ذات لخدمة المجتمع اليمني الذي فتح لنا ذراعيه بعد ان اوجعنا النظام العفلقي الديكتاتوري في حملته الارهابية عام 1978.

على مشارف الربع الخالي، كان ابو تانيا يبذل قصارى جهده، مع رفاقه، لخدمة تجربة اليمن الديمقراطي. وعرفه رفاقه بصبره وحنيته المتميزة ورعايته الطيبة لمن يصغره او يكبره من الرفاق. فمن خلال مسؤلياته الادارية ومتابعته لشؤونهم الصحية كانوا يلمسون فيه روح التواضع وصفات الانسان المحب للاخرين. لا اذكر ان ابو تانيا في تلك الفترة تخاصم يوما مع احد وعلا صوته بشكل ما، رغم تلك الظروف الصعبة التي تجعل الانسان يفقد توازنه احيانا. افترقنا وقد ترك ابو تانيا في قلوب رفاقه اثرا طيبا، والتقينا ثانية في كردستان، وكان مكان عمله في واحدة من اهم القواعد الانصارية، الا وهي موقع فصيل الاعلام المركزي. والتقيته بالذات في موقع يسمى "دراو "، الذي كان مقرا لاستقبال وتسفير الانصارالمرضى والمجازين ومن لديهم مراجعات الى قيادة منظمة الانصار حول امور مختلفة. وكان على الرفاق في فصيل مقر "دراو" التعامل بروح سمحة وديمقراطية وصبر عال مع مختلف الامزجه.

في شهر تموز 1985، كنت عائدا من رحلة علاج الى ايران حيث اجريت عملية جراحية لساقي، وقد جعلتني فترة بقائي في المنطقة وفي الموقع حتى التحاقي بوحدتي الانصارية، اتابع وعن قرب جهود ونشاط العزيز ابو تانيا في رعاية المرضى وتخفيف حالات التوتر واحتوائها عند من لم يحصل على جواب ايجابي في الموافقة على رحلة علاج او اجازة . وكان يعمل بصمت وروح تواضع مثيرتين وتستحقان الاشادة. ومن يطلع على مذكراته المنشورة على مواقع الانترنيت سيلمس أي روح رقيقة وشفافة، واي محبة كان يحمل هذا الانسان لرفاقه واصدقائه، ففي اوراقه تحدث باسهاب عن الجميع ولم يتحدث عن نفسه الا القليل . وفي الشهور الاخيرة، التي سبقت رحيله المحزن، كان مقررا ان ازوره في محل اقامته في المانيا لنلتقي، وكنت اطمح لتسجيل شيئ من ذكرياته عن اسماء معينة عرفناها وعايشناها معا.. ولكن الموت الغادر سبقني..

 

نشرت في شهدائنا
السبت, 10 آب/أغسطس 2013 10:46

الشهيد ستار خضير

لقد اختاروك يا ستار لآنك الجرح الكبير الرافض للتسكع في
دروب الذل والعاروالخزي لك الخلود يا أبو مي الحبيب للحبيب الدكتور جبار ياسر الحيدر عرفتك في العماره
وانا في ظلام السجون وكنت اخي في البصره وصديقي
في بغداد لك يا حبيبي وللخالد ابو مي

بس انته الرهم مفتاحك البابي
بس انته الطفه نيران عطابي
انته الي تظل العين تترجاك
يا دشة امل يا وسطة اشبابي
يا دلة اوجاغ الما طفت نارا
يا برحي ابسلال الطيب
غميجه حيل اسراره
ثوبك جسوة امعيدين
ما راكد ولا راكد
يجسي السلف وأحراره
يكلهم يا سلف وصلتكم اخباره
بنص الهورهوستهم
ولا همهم فشك بارود اشراره
عفيه ابني اريدك دوم
اموزر بالمراجل لحن غداره
ايزر العدوغاره ابأثر غاره
يحتار العدو ويضيع مشواره
غده طشار طشاره
بعد عيني يمنتي انته
هم اتلوح الابشاره
اامنك شيلتي وبختي
فشك برنو ما يخطي الطياره
حلفتلي تطلب الثارين
ولك يبني الوفي يبني
الستار اهو عمك تره يبني
ترهو ابعاده ما ردني
كلها اسماء جباره
كل واحد يكول انا
وحقه من يكول انا
شذر الازرار ليلو بصدري الشاره
صعد يم الثريا وصار اقماره
عين الشعب انواره
ندري الموت يا ستار
يحصد زين اخياره
حكها مي تفاخر بيك
تكول ابوي خله جسمه عباره
علك بصدور خطاره
شهيد وأسمه فوك الراس
وكلها اموزره وتكول هذا انا
ما همهم فشك لاسيف لا دانه
وحناها الجفوف ابدمه الطاهر
وصمد معروف عنوانه
حرك كلب العدو بلهب نيرانه
وبجه حتى الفشك ويصيح ها يبني
لتخاف العدو لتخاف نيشانه
اريدن طبتك بالعيد
طب ستار يمه ولا تدك الباب
كلها احباب
طب وخل اسولفلك شهيد اتيمم ابدمه
وسكه الاتراب
الارهاب ....الارهاب
تاليها عرفتوا ارهاب
اكتلوا كل الطيور وقادة الاسراب
ماظل طير بالحومه بعد ستار
غدت دنياك سوده اغبار
شنهو الصار
ولسه ما عرفتوا الصار
يا حيف الزمن غدار
وكل يوم ايتعطب نار
ولا جنك هذاك انته
ولاجنه انجتل ستار
ستار الوفي ستار
ستار الابن ستار
ماهمه سجن وأسوار
رافع راية الاحرار
مضيفك فاتح البيبان للخطار
الدله امهيله وتصيح ثار الثار
عمت عيني عليكم وي الثريا اكبار
فوك ....الفوك
ما تقبل تحط بالهامه نقطة عار
اخ العار
احط فوك النفس نفسين
واطم الروح بالتربان
وأجفنها بصخر وحجار
ولا بيرغ شماته ايشيله الحافي
مدري منين اهو لافي
كشاش المد
لفه طافي
ويظل ستار حلم ارواحنا الصافي
ولك يمه ابد منساك
شعبك ابد ما ينساك
انته ابوسط روحي وكلبي الدافي

سدني 25/7/2013
__._,_.___

نشرت في شعر

Sattar-al-hayderليس من السهل الحديث عن الشهداء ، فهم باقون مع أهلهم ورفاقهم وأصدقائهم الى الأبد . خاصة الذين تركوا بصمات ثورية في مسيرتهم النضالية . وأستذكار هؤلاء المناضلين ليس إلا جزء يسير من الوفاء لهم ولتأريخهم النضالي المجيد وتضحيتهم من أجل سعادة شعبهم وحرية وطنهم . نتباهى بأسمائهم ونضالاتهم فهم الشهداء بحق ، شهداء الشعب والوطن .

الشهداء هم آبائنا ، أخوتنا وأخواتنا .... أبنائنا ، هم جميعا" شهداء الوطن ، هذه الباقات من الأزهار الفواحة التي دخلت سفر التأريخ ، نمسّد على تراب قبورهم ، ونحمل لهم حنين الوطن ، حنين دجلة والفرات وأمواجها لتسقي ظمأهم وشوقهم لأرض الوطن . لننحني لقاماتهم الباسقة ونهتف تباركتم يا أحبتنا ، أنتم القناديل التي أضاءت الظلمة الحالكة ليستدل بها المناضلين بمثابات الطريق ، لكم دمعة بحجم الوطن من عوائلكم وذويكم تعانق قبوركم وأرواحكم من عين كل أم وأب وأخ وأخت وأبن وزوجة شهيد .

الألاف من أحبتنا الشهداء يعيشون في القلب والذاكرة الوجدان ، ونحتار عن من نتحدث فكلهم قمما" محملة بأروع وأنبل الصفات الأنسانية ، وجميعهم أصحاب قضية ومواقف بطولية كبيرة لقد روت دمائهم أرض الوطن ، وبزغت من قبورهم أزهارا" تعانق الشمس ، وستبقى أسمائهم مطرزة بخيوط الشمس الذهبية وهي تشرق على العراق ، وستبقى قبورهم واحة خضراء ومزارا" لكل محبي الحرية .

دعونا الأن نتحدث عن شهيد مندائي آخر ، عمل في الحركة الوطنية العراقية لسنوات طويله ولغاية أستشهاده ، أنه الشهيد البطل ( ستار خضير الحيدر ) . ودعونا نعود الى سنين طويل خلت ، الى ناحية ( المسيعيدة ) التابعة لمحافظة العمارة ، تلك الناحية الفقيرة بحالها والغنية برجالها الأبطال ، انها الناحية التي ولد فيها ستار خضير الحيدر عام / 1930 ، وتحول أسمها الى ناحية الكحلاء فيما بعد .

عاش الشهيد ستار صباه في أكناف عائلة مندائية كادحة تعمل بالصياغة والتي كانت في ذلك الوقت مهنة الكدح والتعب اليومي لبساطة الأدوات المستعملة في هذه المهنة الشاقة . كانت عائلة خضير صكر ميسورة الحال رغم الكدح اليومي قياسا" للعوائل المندائية الأخرى ، كان بيتهم ملتقى أكثر المندائيين ليلا" لشرب القهوة العربية التي يجيدون صنعها ولتبادل الأحاديث اليومية عن آخر الأخبار السياسية وأخبار السوق .
هذا هو البيت الذي عاش به ستار ، دخل مدرسة الكحلاء الأبتدائية عام 1937وتوفيت والدته وعمره تسع سنوات ، وترك هذا الحدث حزنا" وفراغا" كبيرا" في حياته ، فلجأ الى والده يساعده في العمل اليومي الشاق حيث يشعر بمسؤولية البيت .

يقضة ستار خضير الحيدر كانت مبكرة عن الطبقات والصراع الطبقي منذ أن تخرج من مدرسته الأبتدائية عام / 1944 وهو ينظر الى عيني والده تزدادان أحمرارا" وجسده يزداد نحولا" كلما وجد نفسه في دكان والده يساعده في مهنة التعب والنار والمنفاخ والطرق على السندان ، كي تزين بعد ذلك أعمالهم صدور وأيادي الفتيات الجميلات الثريات المتزوجات بمهورهن من الذهب الخالص من دكان خضير صكر الحيدر .
ودع الأهل والأحبة وغادر الكحلاء لأكمال دراسته في متوسطة العمارة عام 1945 ، مدينة العمارة الواقعة تحت سيطرة الأقطاع في ذلك الوقت ، وفي القسم الداخلي الذي يسكنه في المدينة ، ألتقى بزملاءه من الطلبة المثقفين حملة الفكر الشيوعي ، وزاده الحب والرغبة في التعرف على هذه الأفكار والسير تحت لوائها .

في مكان آخر من القسم الداخلي حيث كان يسكن ، كانت أعين المجرم ناظم كزار زميل الدراسة حينها ومدير الأمن العام في عهد البعث عند وصوله للسلطة عام / 1968 ، ترصدهم وترمقهم بعين الحقد تحت ستار الأبتسامة الكاذبة فقد رضع هذا المجرم حليب الوضاعة والقتل منذ نعومة أظافره ويفكر بالأنتقام منه ورفاقه يوما" .

في العمارة تعرف ستار وزملاءه على الشخصية الوطنية المناضل الشيخ حسين الساعدي ، صاحب دكان لبيع السكاير والتبوغ في سوق العمارة ، فأخذ هذا الشيخ يحدثهم عن هموم الشعب ومآسي العمال الكادحين والفلاحين فوجد فيهم تربة خصبة لتغذيتهم بالأفكار الوطنية .

كان في الصف الثالث المتوسط في العمارة عندما حدثت وثبة كانون 1948 وعمت المظاهرات مدينة العمارة ، وأول عمل قام به ستار وهؤلاء الشباب المناضلين هو نزولهم الى الشارع الرئيسي في العمارة والأشتراك في المظاهرة وهم يهتفون للوثبة ويطالبون بألغاء معاهدة بورتسموث وسقوط الحكومة ، وكان الشهيد ستار خضير أول من يهتف في هذه المظاهرة . هاجمتهم الشرطة ونجا ستار ورفاقه من رصاص الشرطة وقتل زميله الواقف بجواره وهرب الأخرين الى ناحية الكحلاء بعد أغلاق المدرسة والقسم الداخلي.

عاد ستار ورفاقه الى ناحية الكحلاء وأقاموا الفاتحة على أرواح الشهداء في مسجد الناحية المجاور لبيته وهم يستقبلون المعزين من الصابئة والمسلمين وكانت هذه صورة رائعة للتآلف بين مكونات المجتمع العراقي وهذا يعود للأفكار النبيلة التي يروجوها في الناحية .

بعد تخرجه من الثانوية وأكمال دورة المعلمين أنتقل الى بغداد ليعمل في التعليم في أحدى مدارس أبوغريب الأبتدائية في بداية عام /1951 لكنه فصل من الوظيفة في نهاية العام نفسه بسبب أنتمائه السياسي وأضطر العودة الى الكحلاء ليعمل من جديد مع الفلاحين الكادحين وهو يوزع عليهم منشورات الحزب الشيوعي من خلال دكان البقالة البسيط الذي فتحه حيث كان لقائه الأول مع المناضل الفلاحي ( صاحب ملا خصاف ) والذي أستشهد على يد الأقطاع بعد ثورة 14 تموز / 1958 حقدا" على موقفه من أهمية تطبيق قانون الأصلاح الزراعي .

وخلال أيام أنتفاضة تشرين عام 1952 وصلته من بغداد عن طريق أحد الأقارب رزمة من منشورات الحزب الشيوعي وبدأ بتوزيعها على أهل الكحلاء ، ونتيجة لوشاية أحدهم ويدعى جودي أبراهيم الذي سلم البيان الى مفوض الشرطة المجرم ( علي مجو ) فألقي القبض عليه وجميع أخوته وأقاربه من قبل رجال الشرطة وأرسلوا مخفورين الى دائرة أمن العمارة بتهمة توزيع النشرات الشيوعية حيث تعرض الجميع الى الضرب والأهانة وعندها قال ستار أمام المحقق ، أنا موزع المنشورات وحدي ولا شأن لهؤلاء بها .
أحيل ستار الى المحكمة وحكم عليه بالسجن ستة أشهر ، أكمل محكوميته وخرج من السجن أكثر شجاعة وهو يصرخ أمام الجميع .... ( الأن أزدهرت الشيوعية في أعماقي ) . وعاد الى ناحية الكحلاء وأستأنف نشاطه الحزبي مع رفاقه بين صفوف الفلاحين .

في عام 1954 جاءت سيارة مسلحة من العمارة لألقاء القبض على ستار بسبب نشاطه الشيوعي فحاول الهرب الى قلعة صالح مشيا" على الأقدام إلا إن الشرطة تابعته على الطريق المؤدي الى القلعة وألقت القبض عليه وأعادوه الى الكحلاء بعد أن أعتدي عليه بالضرب أمام والده الذي يكن له الحب ويفتخر بنضاله وبطولته أمام أهالي الناحية فأنقض على الشرطة بعقاله وساهم أخيه الأصغر باسم بقذف الشرطة بالحجارة وأصاب شرطيين منهم وسالت الدماء من رؤوسهم فألقي القبض على الجميع وأرسلوا الى المحافظة ، تم التحقيق مع ستار بأعتباره عضوا" في الحزب الشيوعي العراقي وعلى والده وأخيه لأعتدائهم على الشرطة أثناء تأدية واجبهم ، بعد محاولات ووساطات ودفع مبالغ تنازل أفراد الشرطة عن حقهم وأطلق سراح الوالد خضير صكر وأخيه باسم وحكم على ستار بالسجن سنتين وسنة مراقبة وسفر فورا" الى سجن بعقوبة .

بدأت المضايقات للعائلة من قبل رجال الشرطة والأمن والعناصر الرجعية المرتبطة بالأقطاع مما أدى بعائلته وبقية عائلة الحيدر الى الهجرة القسرية من الناحية الى بغداد ومدن أخرى .

أنهى الشهيد ستار محكوميته وخرج عام 1956 وسفر فورا" الى مدينة بدرة وجصان قرب الكوت والمحاذية للحدود الأيرانية حيث يقضى المئات من الشيوعيين فترات مختلفة من الأبعاد بسبب نشاطهم السياسي .

بعد أكمال محكوميته في عام 1957 وقبل ثورة 14 تموز بأشهر قليلة ألتحق بعائلته في بغداد مواصلا" نضاله العنيد ضد الظلم والتعسف قبل وبعد ثورة الرابع عشر من تموز حيث عمل في تنظيمات مختلفة منها التنظيم العسكري للحزب حيث أثبت قدرة تنظيمية كبيرة ونشاط متميز .

ولظروفه المالية الصعبة حصل على عمل في حسابات معمل للأسبست في بغداد عن طريق أحد معارفه وأشتغل فترة قصيرة ، وبحكم ثقافته ونضالاته وخبرته مع السجناء السياسيين في سجن بعقوبة وبدرة أصبح من القياديين المتنورين فأنيطت به مهات صعبة وذات مسؤوليات كبيرة فأجاد بها .

بعد ثورة 14 تموز عمل موظفا" في مصرف الرافدين في بغداد لعدة أشهر قبل أن يستقيل بتوجيه من الحزب ليتفرغ للعمل الحزبي .

كتب عنه أحد رفاقه ما في ذاكرته :
في منتصف عام 1959 إتجه الحزب الى إعتماد التنظيم المحلي أساسا" للعمل التنظيمي لملاكات الحزب ، كنت عضوا" في أحدى اللجان المحلية التابعة للجنة منطقة بغداد وقد أنتدب الشهيد ستار ( مكافح ) لقيادة لجنتنا ، ويوما" بعد يوم توثقت العلاقة بيني وبينه وغدت صداقة أكثر مما هي علاقة تنظيمية . كانت والدتي تحبه كثيرا" وغالبا" ما تترك وجبة طعام محجوزة له فيما أذا عرفت أنه سيزورنا ، كان يجلس القرفصاء على الأرض عندما يتناول طعامه ، يأكل بالقدور التي تحتوي وجبته البسيطة بدلا" من الأواني والملاعق . كان دمث الأخلاق ، لطيف المعشر ، حاضر البديهية ، صديق الصغار قبل الكبار ، يحبه الجميع بدون استثناء . الأساءة وأيذاء الأخرين ليس لهما وجود في تصرفاته وطريقة كلامه . عندما تعاشره تدرك أنه نذر حياته للشعب ولأفكاره ومعتقداته التي كان يتطلع من خلالها لبناء مجتمع عادل حر . لم يضع مصالحه الشخصية في حسابه ، كان مترفعا" عن الصغائر ولا هدف له إلا في خدمة الناس والحزب ، لم يبخل بوقته لتطوير عمل منظمته إذ بذل جهدا" كبيرا" لتحسين عمل لجنتا وأصبحت محليتنا من أكبر محليات بغداد عندما كان مسؤولا" عنها ، كان يستمع بشكل جدي لكل الأفكار والأراء التي تنتقد سياسة الحزب وينقلها بكل أمانة للقيادة ، كان قائدا" نشطا" متوقد الذهن مؤمنا" بأن الشيوعية هي الطريق الوحيد الذي يحقق سعادة الشعب .

ويواصل حديثه بقوله ... لقد حضرت ورفاق آخرين مراسيم زواجه حيث طبق كافة الأجراءات الدينية مما دفع الأخرين للتندر عليه ، لكنه دافع بشدة عما قام به بأعتبار أن الشيوعيين أولى بتطبيق معتقدات المجتمع الدينية التي لا تضر بالفكر الذي يحمله المناضل بل بالعكس فان ذلك يقربه من جماهير الشعب . يوما" أخبرنا أن رفيقا" قياديا" سيحضر أجتماعنا المقرر لمناقشة سياسة الحزب . وكانت مفاجئة لنا عندما وجدنا بيننا الشهيد سلام عادل وتلاه في فترات اخرى رفاق آخرون من بينهم الشهداء محمد حسين أبو العيس ، ابراهيم الحكاك ، صبيح سباهي ، ألياس حنا ، وغيرهم .

كان الشهيد رجل المهمات الصعبة بحق فقد نسب الى العمل في المنطقة الشمالية في بداية الستينات لأعادة بناء تنظيمات الحزب هناك بعد الهجمة الشرسة التي تعرض لها الحزب الشيوعي العراقي بعد محاولة الشواف الأنقلابية عام 1959 وأغتيال أعداد كثيرة من كوادر الحزب في مدينتي الموصل وكركوك حيث كان العمل الحزبي فيهما من المهمات الخطرة جدا" وتحتاج الى خبرة وذكاء وتحمل والتكيف للظروف الصعبة .

كان الشهيد يتنقل بين هاتين المدينتين وأختار أكثر المناطق خطورة فيهما مكان لسكنه لأبعاد الشبهات عنه ولتتبع آخر أخبار القوى المعادية للحزب وأخذ الأحتياطات اللازمة لتجنبها ، كان يتردد على المساجد ويقوم بالصلاة ليستمع الى الخطط الموضوعة لأغتيال كوادر الحزب والتي تنفذها القوى الأرهابية التي أتخذت من المساجد قواعد لأنطلاق عمليات الأغتيال ، ويوصل المعلومات الى الحزب وينبه رفاقه الى تجنب ذلك ، وبذلك أنقذ حياة العديد من رفاقه الذين وضعت أسمائهم في قوائم الأغتيالات ، كما أنه أتخذ من مقابر المدينة مرات عديدة مأوى له تجنبا" لمخاطر جمة تعرض لها ، أضافة لكل ذلك فقد كان يقود التنظيم العسكري في كردستان العراق . فعندما بدأت الحركة الكردية برفع السلاح عام / 1962 كان يبين موقف الحزب المعارض للقتال للملا مصطفى البرزاني مباشرة من خلال اللقاءات معه والذي من شأنه أن يضعف ثورة 14 تموز ويعرضها للخطر وهذا ما أستغلته القوى الرجعية للقيام بأنقلاب 8 شباط / 1963 المشؤوم.

بعد أكمال مهمته في شمال العراق بنجاح نسب مرة أخرى للعمل في بغداد في أواسط الستينات وتحمل مسوليات عدة نتيجة الخبرة المتراكمة في التنظيم السري ، كنت ألتقيه بين كل فترة وأخرى أخذ رأيه في كثير من المسائل التي تحتاج الى خبرة ومعرفة وهو يستمع لي بهدوء ويعطيني الجواب المناسب ، كنا نتحاور في كثير من الأمور السياسية ونختلف أحيانا" ، كان يكلفني بنقل البريد والرسائل الحزبية الى عناوين عديدة ، وبنفس الوقت أكون حلقة وصل بينه وبين كوادر من أحزاب سياسية أخرى لعقد اللقاءات المشتركة والتباحث في مستجدات الوضع السياسي العراقي . وكان يؤلمني أن أشاهده مع بقية قادة الحزب يتنقلون في الباصات العامة في وقت خطر للغاية وعندما كنت أكلمه بالموضوع يعطينى المبررات الكافية .
كما أنه أتخذ من دارنا مكان لعمله الحزبي لفترات طويلة مستخدما" الهاتف للقاء رفاقه وتسيير أمور ونشاط منظمته . كنا قلقين عليه بشكل دائم ، أذا غادر الدار لمهمة يخبرنا متى يعود ويتقيد بمواعيده ، وأذا تأخر بالعودة نقلق عليه كثيرا" ونتابع أخباره من بقية الأهل لنطمئن عليه .

همس مرة في أذن الوالد يطلب أستعارة المسدس المجاز الذي نملكه لأن لديه أحساس بأن لدى الحزب معلومات إن المخابرات العراقية تخطط لأغتياله ، وأن الشئ الوحيد الذي يخيفه هو الأغتيال وجدتها فرصة لي فأسرعت لأخراج المسدس من الحفرة في أحدى زوايا الدار ، نظفته من التراب وقمت بتزيته بشكل جيد وناولته له مع علبة من الرصاص تحوي على أثنى عشر رصاصة مع توصية الوالد بأن يكون على حذر دائما".

في تلك الأيام الصعبة التي يمر بها الوطن ، عاد حزب البعث الفاشي للسلطة من جديد في 17 ـ 30 تموز من عام 1968 وتحت شعارات وهمية مزيفة أنطلت مع الأسف على الكثير من القوى السياسية العراقية ، وقد كرس الشخص الثاني في حزب البعث المجرم صدام حسين جل أهتمامه لتقوية منظمة حنين الأرهابية والتي تظم داخلها القتلة المحترفين وطورها لتصبح جهاز المخابرات العراقية ليقوم بتصفية قادة وكوادر القوى السياسية سواء بالتصفيات الجسدية أو الدهس بالسيارات أو بالسموم القاتلة بناء على الأوامر الصادرة منه مباشرة والذي كان يقود ويشرف على كل الأجهزة الأمنية والمخابراتية ووضع على قمة تلك الأجهزة قتلة محترفون أمثال المجرم ناظم كزار وقيادات البعث التي أتخذت من قصر النهاية مقرا" للتصفيات الجسدية لكل القوى السياسية .

وأتخذت قيادة البعث قرارا" بتصفية كوادر وقيادات الحزب الشيوعي العراقي بما فيهم الشهيد ستار خضير عضو اللجنة المركزية للحزب ، وباشرت عبر أجهزتها المختلفة بجمع المعلومات عن الشيوعيين من كل الجوانب مستغلة بعض نقاط الضعف في عمل الحزب الشيوعي العراقي .

ففي عصر يوم 16 / حزيران / 1969 خرج الشهيد ستار خضير من بيت في حي المعلمين / شارع فلسطين في بغداد وتوجه الى موقف الباصات للعودة الى أهله ، وأثناء أنتظاره باص المصلحة توجه أليه شخصين مسلحين وأطلقا النار عليه سوية من سلاحيهما فأصيب بعدة أطلاقات في بطنه غير أنه أستطاع أن يركض بأتجاههم ويمسك بأحدهم ويسقطه أرضا" وسقط معه لكنه أستطاع الوقوف رغم جراحه لكن القاتل الأخر عالجه برصاصة أخرى أصابته في رجله أعاقته من الحركة وغادر القتلة المكان وهو ينزف بشدة وهو ينادي الواقفين في محطة الباص بأنه ستار خضير عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وطلب أسعافه وغاب عن الوعي ونقل من قبل شرطة النجدة الى مستشفى الطوارئ بعد مرور أكثر من ساعة على أصابته ولحد الأن لا نعرف هل كان المسدس معه ام لا ؟ أين تركه في تلك الساعة وهو يدرك جيدا" أنه مستهدف ؟ وأذا تركه في مكان معين فما هو السبب !!!! أسئلة كثيرة تحتاج الى حل اللغز .
تلقت العائلة الصدمة في ساعة متأخرة من الليل ، لا نعرف ماذا نفعل الكل في أتجاه ، غادرت البيت الى المستشفى بعد سماعي الخبر ، ألقى رجال الأمن القبض على أخوته وعمه بسبب تواجدهم في ساحة المستشفى وأتهموهم بالشيوعية وأطلق سراحهم في اليوم التالي . الكثير من عوائلنا تنتظر عند مدخل المستشفى نتيجة العملية الجراحية المعقدة التي قام بأجرائها الدكتور الجراح نوري فتاح باشا والطبيب الشيوعي محمد صالح سميسم الذي بذل كل الجهود لأعتناء به وأبقاءه حيا" ، أوقف النزيف الدموي ، وأستئصل قسم من الأمعاء المصابة ، أستخرجت الرصاصة من رجله وأخرج من غرفة العمليات ليلا" ..
بعد ساعات أفاق الشهيد من المخدر وأستطاع أن يتحدث الى أهله وأخوته عن الحدث وهذا ما أكده أمام حكام التحقيق وأحد رجال الأمن الذين حققوا معه وسألوه :
ـ من تعتقد الذي أطلق النار عليك .... ؟
ـ أنهم أعداء الحزب الشيوعي العراقي .
ـ هل أنت من الحزب الشيوعي العراقي أم من جماعة عزيز الحاج ... ؟
ـ لا يوجد في العراق غير حزب شيوعي واحد هو الحزب الشيوعي العراقي .
فعلق رجل الأمن ( هذا أشكد صلب ) . .

رغم الحراسة المشددة من قبل الشرطة لغرفته كان أخوته ومعارفه يتناوبون بالدخول أليه ليل نهار ، وكان القصر وصدام حسين وناظم كزار يتابعون أخباره عن بعد في محاولة لأجهاز عليه فيما لو تحسنت حالته من جديد .

أستطعت الدخول وأن أقف معه داخل غرفة الأوكسجين بجانب اخيه الدكتور الذي لازمه طيلة بقاءه في المستشفى محاولا" تدليك يداه وأمسح العرق من جبينه وأضع قطرات الماء على شفتيه ولكن بدأت عيونه بالأصفرار وضاق تنفسه وأدركت أنها النهاية وأخذت دموعي تنهال وأصبر على نفسى ولكنه كان يحاول جهد الأمكان أن يضغط على يدي ولا أعرف ماذا كان يقصد من ذلك ، قد يوصيني بمواصلة المسيرة ويشد من عزيمتي ، أو يحاول أن يبين أنه لا زال حيا" وسيبقى . أنها ساعات من الألم والترقب والغضب والتنديد بالقتلة .

تدهورت صحة الشهيد وبدأت أعراض التسمم تتوضح وفي اليوم الثالث تدهورت صحته أكثر أثر التسمم الذي بدأ يسري في جسمه وحاول الأطباء جهد أمكانهم رعايته دون جدوى كان أخيه الدكتور باسم لا يفارقه طيلة بقاءة في المستشفى ورن جرس الهاتف :
ـ أننا من القصر كيف حاله الأن ؟ نحن مستعدون لأرساله الى أية دولة للعلاج فورا" !!!!
ـ شكرا" على أقتراحكم المتأخر لأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة .

فقد رحل الشهيد ظهر يوم 19 / 6 / 1969
لقد أرتعشت الغرفة الصغيرة في مستشفى الطوارئ حين فارق الحياة وصرخ الناس من رفاق وأصدقاء الواقفين أمام المستشفى وساحتها الموت للقتلة البعثيين ، عاش الحزب الشيوعي العراقي .
وفي قصر النهاية صرخ القتلة وعلى رأسهم المجرم ناظم كزار وهو يشرب كأس النصر مع القتلة الأخرين ..... مات الشيوعي ستار خضير الحيدر
وبنفس الوقت صرخ الحزب وأهتزت مدينة الكحلاء وصرخ محبيه ورفاقه وأصدقاء العائلة

لم يمت ستار خضير الحيدر فهو يحيا في القلوب
وسنواصل المسيرة

بعد أن قام حاكم التحقيق تدوين أقوال المدعين بالحق الشخصي والذين طلبوا الشكوى ومعرفة الجناة وبعد ورود التقرير التشريحي لجثة الشهيد ستار خضير الحيدر قرر قاضي التحقيق غلق التحقيق لمجهولية الفاعل .
و الأن وقد سقط الصنم ، فعلى الحكومة العراقية الحالية وبطلب من الحزب الشبوعي العراقي أعادة فتح ملف التحقيق في أغتياله وتطبيق القانون بحق القتلة .

إن ما كتبته في هذه السطور وكتبه الأخرون لهو جزء يسير من حياة هذا البطل الخالد .

 

نشرت في شهدائنا
الخميس, 23 أيار 2013 16:57

الشهيدة اكرام عواد سعدون

 انتظرت كثيراً قبل البدء بالكتابة عن الشهيدة اكرام في صفحة مندائية .. ولكن مبادرة الآخرين للكتابة فقط عن اقربائهم من الشهداء دفعني للكتابة عنها ..

لقد عانت عائلة الشهيدة، والدها ووالدتها وجدتها واخوانها واخواتها، الكثير من اجهزة السلطة الفاشية الصدامية .. كان السفر ممنوعاً، لذلك لا يمكن التفكير بالسفر .. واساليب اجهزة الأمن والاستخبارات في تقفي اثر الافراد حال دون تبديلهم لمنزلهم .. ولكن حالما سنحت لهم الفرصة المناسبة حتى باعوا بيتهم ليستأجروا بيتاًIkram آخراً في مكان آخر من بغداد .. فانكشف امرهم مجدداً وبدأت الملاحقات .. وحاولوا شراء بيت يعوضهم عن البيت الذي باعوه لكن المبلغ المتبقي لديهم اصبح لا يساوي شيئاً فقد هبطت قيمة الدينار العراقي كثيراً .. لكن بمساعدة ابنائهم المهاجرين تمكنوا اخيراً من شراء بيت في مكان آخر من بغداد .. لكن المطاردات استمرت .. واستدعاء الأب كان متواصلاً وهو الرجل الكهل المريض .. الأخوة كان مصيرهم الجبهة والخطوط الأمامية حيث انقذوا من الموت باعجوبة في مرات كثيرة.

ما السبب ؟؟
إن لدى العائلة أعضاء في الحزب الشيوعي العراقي .. اغتالوا اكرام بعد ان عذبوها أشد العذاب .. وانكروا اغتيالهم لها سنوات .. وطاردوا البنت الأخرى التي استطاعت الهرب خارج العراق وحاصروا الابن الأكبر لكنهم لم يفلحوا في اصطياده فهرب خارج العراق هو الآخر.

هربنا خارج العراق وانتهى بنا المطاف في الجزائر .. عام 1979 .. أوصلنا خبر وصولنا الى الجزائر للوالد فتدبر موضوع سفره الينا، كان ذلك في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 1979 .. وكان برفقة شقيقتي الشهيدة اكرام ..
كانت اكرام في ذلك الوقت تعمل في مصفى الدورة فهي متخصصة هندسياً في مجال النفط ..
اعرف جيداً أن لاكرام علاقة بالحزب الشيوعي العراقي وبدأت علاقتها بالحزب قبل ان تتخرج من الثانوية، حيث كانت عضوة في اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية وعضوة في اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي وقد ترشحت الى الحزب الشيوعي العراقي قبل ان تمر بمرحلة صداقة الحزب لحصولها على الكثير من المزكين بسبب امتلاكها الكثير من الخصال الرائعة ولها الكثير من العلاقات الطيبة مع الآخرين ..
وتدرجت اكرام في العمل الحزبي .. وبعد التخرج من الجامعة تعينت في مطار بغداد الدولي في مجال الرصد الجوي ولكن سرعان ما بدلت عملها لتعمل في الديوانية على خط النفط الاستراتيجي .. والى هناك انتقل عملها الحزبي .. وبعدما تركتُ العراق في نهاية العام 1978، انتقلت اكرام من الديوانية الى مصفى الدورة في بغداد .. في هذه الفترة لم استطع التعرف على موقع اكرام في العمل الحزبي بسبب السرية التامة وبسبب انها اصبحت في تنظيم آخر لا علاقة لي به ..

قد يكون لسفر اكرام الى الجزائر حكمة، حيث انه كان اللقاء الأخير لي بها قبل اغتيالها .. نعرف جميعاً، انا والوالد وهي، خطورة موقعها وخطورة الوضع وتهاوي المنظمات الحزبية الواحدة تلو الأخرى .. تحدثنا معها لربما في سفرها الى الجزائر صالح انها اصبحت في مأمن الآن .. أوعدناها بتوفير عمل لها في الجزائر .. أوعدناها بامور كثيرة منها حزبية لتطمين وضعها ولحثها على البقاء في الجزائر لكنها اصرت على العودة الى العراق رغم علمها بخطورة الوضع .. كانت تقول دائماً، انها لم تخبر الحزب بامكانية بقاءها وان منظمتها الحزبية تحتاج اليها .. لكنه حدث امر افرحنا في انها يمكن تغيير موقفها وتعدل عن السفر، حيث جاء لسمعنا اشاعات تقول ان من يعود الى العراق من المسافرين عليه ان يوقع استمارة انتماء الى حزب السلطة العفلقي او التوقيع كونه مستقلاً .. هنا قررت البقاء بشرط التأكد من صحة الخبر .. وحدث أن احد الرفاق غادر أهله تواً وأخبروه أن كل شئ على مايرام ولا وجود لمثل تلك الاشاعات .. فغيرت رأيها مجدداً وسافرت الى العراق .. وفي يوم الخميس المصادف 14 آب 1980 تم القاء القبض عيها ..

كانت العائلة مستعدة للسفر الى البصرة وكان من المنتظر ان تكون اكرام معهم .. لكنها وفي اللحظات الأخيرة استلمت اشارة بموعد حزبي في نفس فترة السفر .. فاعتذرت عن مرافقتهم، لكن الأب والأم لهم حاستهم السادسة فاحسوا بالخطر .. اصروا على اصطحابها معهم .. لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل .. تركوها في البيت بوعد منها ان لا تغادره .. تركوها مع جدتها التي كانت عاجزة عن السيطرة عليها بسبب كبر سنها وعدم قدرتها على الحركة الحرة .. سافر الأهل .. وخرجت اكرام في الموعد المحدد لتلاقي مصيرها ..

بعد عدة سنوات وفي عام 1986 ابلغ رجال الأمن ذويها بأنهم اعدموا اكرام، وانه ممنوع عليهم اقامة مراسيم العزاء .. اعدمت بعد ان ذاقت اقسى انواع التعذيب .. وصمدت صمود الأبطال على حد تعبير احد سجانها وهو يلتقي والدها حين ذهب للحصول على جثمانها او على وثيقة اعدامها، لكنه عاد بخفي حنين، لا وجود لأي أثر لها كما انه لم يحصل منهم على شهادة وفاة ..
في عام 1992 وصلتُ الى السويد وبعد استقراري فيها جلبتُ جميع افراد عائلتي لكي احميهم من بطش السلطة .

بعد 26 عاماً في المنفى الاجباري سافرت الى العراق بعد سقوط الصنم .. وكان ذلك في آذار عام 2004 .. وانشغلت كثيراً في اصدار شهادة وفاة لها .. لكني اصطدمت بالروتين القاتل والفساد الاداري الذي استشرى اكثر من السابق واتسعت دائرة المرتشين وذهبت الأيام العشرون التي قضيتها في بغداد دون أن أحصل على شئ.

الشهيدة اكرام شابة رائعة، شفافة متزنة طيبة هادئة الى حد الافراط، على خلق رفيق تحظى باحترام الجميع لأنها وبكل بساطة تبادل الجميع الاحترام .. قليلة الكلام .. ذات علاقات واسعة .. حريصة جداً على كل شئ .. لها دائرة معارف كثيرة وعلى مستوى علمي طيب ..
لي معها مواقف كثيرة تتعلق بعلاقتي معها كشقيق وكذلك علاقتي معها كرفيق .. من المفارقات التي كنا دائماً نذكرها سوية ونذكرها الى الآخرين .. في ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي في 31 آذار من عام 1976 كانت هيئتي الحزبية تحتفل بطريقتها الخاصة في بيت احد الرفاق متظاهرين أنه حفل خطوبة، وهو فعلاً كذلك حيث تمت في ذلك اليوم خطوبة احد الرفاق على رفيقة كانت تعمل في صحافة الحزب .. وكان الرفيق مصاب بالسرطان .. لكن هذه الرفيقة الرائعة لن تتنازل عن حبها له، فقررت ان تتزوج منه وتعيش معه بقيت ايامه، رغم تحذير بقية الرفاق واطبائه الذين كانوا ايضاً من الرفاق واصدقاء الحزب .. وبما اننا لدينا علاقة صداقة مع الطرفين طلبت ان ادعوا اكرام الى الاحتفال .. ولكون الاحتفال هو احتفال خطوبة كذلك فقد كان لزاماً علينا ان نلبس احسن ما عندنا .. وفعلاً، ركبنا سيارتي باتجاه الاحتفال .. كان آذار وشتاء ذلك العام مليئاً بالامطار .. وكانت شوارع حي العامل غير مبلطة والاوحال تملأ شوارعها .. وفي غفلة مناّ ونحن على وشك الوصول غاصت العجلات في الأوحال، فتوقف محرك السيارة .. تركنا السيارة ومشينا في الأوحال ونحن نرتدي اجمل ما عندنا من ملابس الى ان وصلنا الى الدار المقصودة .. لكنه بقدر ما كنا مهمومين من الحادث بقدر ما اصبحنا سعداء بهذا الجمع الجميل والاحتفال الرائع والعناية الخاصة باكرام كونها ضيفاً علينا.

اكرام من مواليد الناصرية في 1/7/1954 .. لكنها درست في بغداد، فتخرجت من ثانوية الوثبة عام 1971 وقبلت في كلية العلوم فرع فيزياء/رياضيات وتخرجت منه عام 1976 .. تعينت أولاً في مطار بغداد الدولي في الارصاد الجوي ثم نقلت الى الديوانية على الخط الاستراتيجي للعمل مع الخبراء السوفيت الذين ادخلوها في دورة هندسية في هذا المجال .. واستمرت بالعمل هناك لغاية عام 1979 حيث انتقلت الى بغداد لتعمل في مصفى الدورة ولحين القاء القبض عليها.
المجد للشهيدة اكرام
والمجد لكل شهداء الحركة الوطنية العراقية
ومصير الفاشست القتلة دائماً مزبلة التاريخ

 

نشرت في شهدائنا

 haithem-2سلام عليك أيها الشقيق الحبيب هيثم سلام عليك من أم مريضة بكتك كثيرآ وفارقت الحياة ولم تكتحل عيناها برؤياك . سلام عليك من عائلتك وافرادها لا يريدون أن يرثرك ، فأنت حي باق في قلوبهم ويفتخرون بك لأنك اخترت طريقك وسرت في طريق الشهادة.كيف ننساك وأنت الشقيق ذو المواقف الحاسمة الموسومة بالشهامة والتضحية ونكران الذات ، لأنك سليل تلك الاسرة المناضلة التي قدمت الشهداء الواحد بعد الاخر ضد الدكتاتورية إيمانآ منهم بحق هذا الشعب أن يعيش سعيدآ في وطن حر .. لم ننس يوم قررت ترك العراق والذهاب الى اوربا للعمل هناك بعد مجئ البعث بانقلابهم الاسود 1968 واشتغلت في ناقلة بترول يونانية ثم عدت الى الوطن 1972 فالتحقت بخدمة العلم في المنطقة الشمالية . لم ننس موقفك الشهم عندما وصلت باجازة من شمال العراق وقبل أن تسترجع أنفاسك من التعب استمعت الى اعلان في التلفزيون يطلبون متبرعآ بالدم لطفل في حالة خطرة في مدينة الطب ، وعندما علمت ان فصيلته هي نفس فصيلة دمك قررت الذهاب فورآ لإنقاذ الطفل المريض.ولخوف كل أم على ابنها ، قالت لك ، أنت جندي وتعبان هل عندك دم للتبرع ياولدي ؟ فاجبتها ياهيثم ـ ياأمي ان من أولويات واجبات الشيوعي أن يكون متواجدآ ومضحيآ ومساعدآ في مثل هذه المواقف ـ هذا هو نموذج من اخلاقيات الشاب الشيوعي هيثم الحيدر ـ عائد ـ .

نتذكرك ياهيثم وانت تتألم وتقسم أن تثأر لشهداء الوطن من ابناء الحزب وافتداءآ بابن عمك ستار خضير وابن عمك نافع الحيدر وابن عمتك سمير جبار وغيرهم الذين كنت تعتبرهم قدوة في مسيرتك . لقد جعلت من بيتك بيتآ حزبيآ إختبأ فيه عدد من رفاقك الشيوعيين اثناء حملة صدام الغادرة عليهم بعد غدره بالجبهة الوطنية ، فكانت اخر من التجأ الى بيتك الشهيدة عايدة ياسين . نتذكر وصيتك عندماسافرت الى شمال الوطن ـ كردستان ـ ان يبقى البيت جاهزآ لضيافة أي رفيق مناضل من الحزب عند الحاجة اليه . كنت بحق شيوعيآ وطنيآ مندفعآ في خدمة الأهداف التي استشهدت من أجلها ، كما لا ننسى يوم التحقت بفصائل الأنصار بكردستان ونحن نعلم ان لديك ايفادآ الى الدول الاشتراكية وقد رفضته طالبآ الحاقك باحد فصائل الانصار الفاعلة ، ليكون لك شرف المساهمة طمعآ في تذوق الاجيال القادمة طعم الحرية بدمك الزكي .

جميع الرفاق المناضلين يفخرون إنك شاركت في معركة قرية سينا ـ شيخ خدر يوم 1981.1.15 واستشهدت فيها.وحول استشهادك لابد لنا أن نعود الى الشهادة الرائعة التي نطق بها احد رفاقك ـ الدكتور ابراهيم اسماعيل ، ابو دجلة ، في ندوة خاصة كانت مكرسة حول شهداء الوطن والحزب إذ قال ـ أكثر ما شدني اليه منذ التحق بنا في مكتب الاعلام ، أمر خلته متناقضآ بين حماسته وهمته ، جده وايمانه الصلدين ، وبين الحزن الذي قد تثيره في ماقيه نسمة هواء بسيط..عرفني بنفسه..عائد..أهلآ تعال الى الداخل لاسقيك شايآ ، فنحن هنا في الاعلام محظوظين بما لدينا من شاي وسكر.. ودخلنا الكوخ الصغير..قلت لماذا عائد..لقد صارت هذه المفردات مثيرة للتشاؤم قد استخدمها الاخوة الفلسطينيون ضحكت قائلآ ـ ولكن لي من الثقة بعودتي الى بغداد مالا يجعلني أتفاءل وحدي فحسب ، بل وأيضآ مايكفي لاستبدال تشاؤمك أنت بالتفاؤل وها أنت ترى بأن غيبتي عن العراق ستكون قصيرة..لعلك حديث العهد ببغداد؟ نعم تركتها قريبآ.قفزت فرحآ وقلت بنزق..أنت من رجال العمل السري في الداخل..حدثني عنكم بسرعة أرجوك..أطلق ضحكته المجلجلة..وقال لم تسميه العمل السري اذن؟ خجلت من هفوتي وبررت تسرعي بالحاجة الى أن يطمأن قلبي ..وكان صوته قويآ كالايمان وهو يؤكد لي ما يجترحه الفتية البواسل من ماثر تجعل شجرة الحزب خضراء رغم مايتشدق به الطوطم البعثي من انه إقتلع الشجرة من الجذور..ومرت أيام حافلة..وتعلمت فيها من الفتى عائد ، بأن العراق ليس وطنآ كغيره بل هو أرض تشابكت فيه عروق..عروق تشابكت لتنبت الحزب الذي أنجب هيثم ناصر الصكر ـ عائد ـ لا أدري ، لم تذكرت قصة القاسم ، في موروثنا الشعبي ، وانا أراه يحمل بندقيته ويلتحق بالمفرزة القتالية ، لقد كان عريسآ يزف لحبيبته طال عليه انتظارها وحين جاءني نعيه ، حل الفخر محل الدمع ، وأنا أسمعهم يحدثوني عن بطولته وهو ينقذ رفيقه الجريح حكمت ، ويخرج به من القرية التي أطبق عليها القتلة حصارهم المحكم، الى وديان وجبال يجهل طرقاتها ، لكنه يستدل فيها بشذى ترابها الذي يعشق ، وفي أحد المضايق ، كان القتلة يرصدونه فأسكتوا برصاصهم قلبه وقلب رفيقه حكمت ، فسقط في أحضان العراق ربما جاء دوري اليوم لأطمأنك بان لنا في العراق فتية بواسل ، مازالوا يرعون شجرة الحزب ، ويخرج منهم كل مساء قاسم جديد ، نزفه لعروس عشقها وطال انتظاره لها .. مجدآ لكل شهداء الوطن مكللة هاماتهم بالغار ممن قارعوا الأنظمة الدكتاتورية حتى الرمق الأخير من حياتهم.

 

نشرت في شهدائنا
الجمعة, 24 أيار 2013 04:50

الشهيد سمير جبار حامي

ولد الشهيد سمير في بغداد منطقة المهدية عام 1959 , من عائلة صابئية كادحة, حيث كان والده المرحوم جبار حامي يشتغل عامل صياغة.

ترعرع سمير بين عائلة مكافحة ومناضلة وجل افرادها ينتمون للحزب الشيوعي العراقي. تعلم منهم الصدق والامانة وحب الناس والوطن. وبعد وفاة والده عام 1967 تكفله عمه وتعلم منه فن الصياغة , كما تعلم منه المبادئ والقيم النبيلة.
كان طالبا مسائيا متقدما في دراسته رغم انه يشتغل نهاراو كاسبا لقمة العيش لامه واخوانه الصغار لانه اصبح المعيل لعائلته.

انتمىللحزب الشيوعي العراقي وهوفي ريعان شبابه وكان محبوبا لدى رفاقه,كان يلتقي بمعظم اقاربه من الشيوعيين ويستلهم منهم الافكار النيرة ويقصون عليه معنى الاهداف النبيلة للحزب.

كان يهوى الغناء والتمثيل, وقدم مع زملائه الطلبة مسرحية اجتماعية سياسية في الحلة , عند قيام مدرستهم بزيارة محافظة الحلة, وكان يردد دائما اغنية فلسطينية معجب بها ..( ياأمي لا تبكي علي, فأنا الفدائي المقدام).

لان امه كانت تخاف عليه وتطلب منه ان يحافظ على نفسه من اوباش السلطة الصدامية, لانهم فقراء واخوانه بحاجته ولايوجد من يعيلهم بعده , فكان جوابه..(ياأمي أنا الان أشعر بالزهو والفخر لانني اناضل في سبيل وطني وشعبي, فاذا تراجعت او تركت نضالي سأشعر بالمهانة وهذا لا يكون الا على جثتي).

في الايام الاخيرة التي قضاها مع العائلة كان يقترب من الوالدة ويقبل اياديها ويقول ان فراقها صعب عليه. وعندما كانت تسأله ماذا يعني بذلك كان يلوذ بالصمت وتسرح عيناه بعيدا كأنه يرى ماكانت تخبئ له ولرفاقه الايام القادمة.

كان قد اتفق مع رفاق له للسفر الى شمال العراق للالتحاق مع فصائل الانصار وكان لديه موعد حزبي قبل السفر وبعد عودته من الموعد تم اعتقاله في 3/2/1981 وكان عمره انذاك 22 سنة, وخلال تلك الفترة اعتقل ابن خالته نافع عبد الجبار...
هكذا غيب سمير مع رفاقه المعتقلين منذ ذلك التاريخ ولحد الان, وقد علمنا مؤخرا انه نفذ به حكم الاعدام مع رفاقه الخالدين.

أخي سمير!...
لايمكن ان اعبر لك عن احاسيسي , سوى ان أقول لك,
بأننا فخورون كل الفخر بك, فانت كالنخلة العراقية الشامخة لم تنحن ولم تنكسر وحافظت على الامانة وسموت شهيدا في سبيل افكارك ومبادئك, ومازلنا نستنشق عطرك ياوردة القرنفل, ومازالت طلعتك بهية وساطعة تغمرنا بالدفئ في شماال الارض البارد وكأنك شمس العراق ترسل لنا دفئها وسطوعها.

نم هنيئا لان لك رفاق درب يواصلون النضال على دربك ودرب اخوانك الشهداء لحين يتحقق الشعار الخالد – وطن حر وشعب سعيد!

 

نشرت في شهدائنا

بمرور الزمن ينسى المرء الكثير من ذكرياته الشخصية والعائلية ، فكيف بالذكريات عن الأخرين من الأحبة الذين فارقونا وتركوا بصمات نضالية لا تنسى .
قد يتصور البعض إن الشهداء أصبحوا من ذكريات الماضي فلهم الرحمة وعلينا الأن الأهتمام بحياتنا والأنشغال بهمومنا ومشاكلنا الحالية ونجنب عوائلنا المزيد من الضحايا . وأود أن أقول إن الشهداء يعيدون تشكيل الحياة بزخم أكبر وأبداع أعظم لتبقى الشهادة هي المعادل الموضوعي للحياة ، فلا حياة ولا تأريخ لنا ولا ماضي ولا مجد ولا عبرة بدون الشهداء ، فهم الذين يصنعون لنا المستقبل وليس الجالسون والمعاهدون على الصمت والنكوص . فالشهداء ينزرعون في الأرض ، يورقون ، ويثمرون وتخضر بهم حياتنا ويبنون لوطنهم التأريخ والمجد والمستقبل .

قد يتصور البعض إني كتبت سابقا" عن بعض شهداء العائلة لغاية في النفس ، وبالرغم من إنهم مندائيين وعلينا تمجيدهم ، فلا يوجود فرقا" بينهم وبين الشهداء المندائيين الأخرين . أن مشاعر كبيرة تدفعنيمنذ سنوات للكتابة عن كل الشهداء ووفق المعلومات المتوفرة لغرض تعريف المندائيين بهم كنماذج من شهداء الوطن . ولكن نقص المعلومات عنهم وهم بالمئات هو السبب في ذلك ، وأرى من الواجب على ذويهم ومعارفهم وأصدقائهم المساهمة بذلك وقد كتبت عن هذا الموضوع سابقا" مقالة (( الشهداء المندائيين هم شهداء الشعب والوطن )) بغية أطلاع جيل الشباب الحالي بتضحيات أحبتنا المندائيين وليطلع عليها كل من يحاول أن يطمس ويتنكر لحقوق الصابئة المندائيين ويبعدهم عن تأريخ وحضارة وتراث العراق فهم أبناءه الأصليين ومنذ آلاف السنين ولا زالوا كذلك .

لذلك فمن الصعوبة والمشقة أن يكتب المرء عن أخ أو صديق سقط شهيدا" على طريق النضال فكيف الحديث عن مناضلة في ريعان شبابها قدمت نفسها شهيدة للقيم والمبادئ التي آمنت بها ..... أنها الشهيدة (( عميدة عذبي حالوب / أحلام ))
لا شك أن الكتابة عنها ستكون أصعب ولن تعطيها حقها من التكريم ، لأننا لا نملك سوى الذكريات التي طواها النسيان ، ولهذا مهما أطلنا الحديث وتعمقنا في البلاغة والفصاحة فأن الكتابة ستبقى قاصرة ولن تغطي إلا الجزء اليسير من حياة هذه المناضلة الشيوعية البطلة .

تعود بنا الذاكرة الى منتصف الستينات وفي محلة الدوريين أو ما يسميها البعض بأسمها القديم بالأضرملي بجانب الكرخ في بغداد . تلك المحلة الشعبية المعروفة بطيبة أهلها وعلاقاتهم المتواضعة ، أناس يرحلون وآخرين يحط بهم المطاف من أماكن مختلفة بحكم الوضع الأقتصادي والأجتماعي والدراسي الذي يمر به المندائيون في تلك السنوات .
كانت هذه المحلة موطن لكثير من العوائل المندائية التي غادرت سكنها الأصلي في المحافظات الجنوبية وقصباتها لأسباب عديدة ، أتذكر منهم بالأضافة الى عائلتنا بيوت العمام خضير صكر ، كثير صكر ، جاني السهر ، غضبان الرومي ، شاطي الخميسي ، صالح حاجم السداوي ، رحيم فنجان ، يوسف خصاف ، أسماعيل مطشر ، داود السداوي ، طارق كثير ، مجيد طارش ، يوسف خسارة ، سالم جبر ، محارب ، طارش ، وغيرهم لا تسعفني الذاكرة تذكرهم . وكانت تربط الجميع علاقات جيدة ويتبادلون الزيارات خاصة في المناسبات والأعياد . وبحكم الظروف السياسية والأقتصادية وأشتداد الأرهاب في تلك الفترة أخذت هذة العلاقات تضعف تدريجيا" وفضل قسم منهم الأنتقال الى مناطق أكثر حداثة وهدوء في ضواحي بغداد .

في أحد الأيام طرق لسمعنا أن عائلة مندائية قادمة من قضاء سوق الشيوخ قد أستأجروا دارا" لا تبعد عنا سوى أمتار قليلة وتبين لنا بعد أيام أنها عائلة الأخ الأستاذ عذبي حالوب الخميسي تلك الشخصية الهادئة المحبوبة الذي قضى سنوات عمره الطويلة في سلك التعليم . وما هي إلا فترة قصيرة حتى ربطتنا بهم علاقة مودة وأحترام وتوطدت أكثر بين الشباب في ذلك الوقت في مرحلة الدراسة المتوسطة والثانوية .

كانت العائلة مكونة من الأخ عذبي حالوب / أبو عماد ، والأخت صبرية / أم عماد ، وثلاثة أخوة هم : عماد ، أياد ، رشاد ، وثلاثة أخوات هن عميدة ، أحلام ، أبتسام .
كان عماد زميل أخي الأصغر الفقيد سلام في ثانوية النضال بجانب الرصافة في بغداد والشهيدة عميدة زميلة لشقيقتي الصغرى في متوسطة النضامية بجانب الكرخ . وبحكم الدراسة والعمر المتقارب ربطت بينهم علاقات صداق ومحبة وتعاون دامت لسنوات ولغاية أنتقالهم الى حي المعلمين في الداوودي .

ولدت عميدة وترعرت عام 1954 في قضاء سوق الشيوخ / محافظة ذي قار من عائلة تمثل صورة صادقة للحضن المندائي الدافئ الأصيل والمحبة والمروءة والنخوة والكرامة والوفاء وهي المبادئ التي تربت عميدة وأخوتها عليها . كانت هذه العائلة من العوائل المندائية التي تأثرت بالحس الوطني إسوة بالعوائل المندائية وأنتقل هذا الحس الوطني الى الأبناء منذ نعومة أضافرهم .

كانت عميدة وهي في المرحلة الثانوية تتصف بالوجه البشوش ، البسمة الدائمة ، التواضع ، النشاط والذكاء . طالبة نشطة ومتفوقة في دراستها ، أضافة الى ما تقوم به من نشاط في رابطة المرأة العراقية وأتحاد الطلبة العام وكان ذلك واضحا" من نشاطها اليومي وعلاقتها بشقيقتي الصغرى . كنت أتابع نشاطها عن بعد بأعتباري أحد قياديي التنظيم الطلابي في ذلك الوقت وأوصي بالأهتمام بها ورعايتها وهذا ما كان يسعدني عندما أسمع عنها وأراها نشطة متألقة بين زميلاتها وزملائها في مناسبات وطنية عديدة .

مرت سنين قبل أن تواجهني من جديد لتطلب مني تبرعا" للحزب الشيوعي العراقي عندها أدركت أنها دخلت ميدان النضال الحقيقي وحاولت جهد الأمكان التخلص من الموقف دون جدوى إلا بعد أن دفعت لها كل مصروفي اليومي كطالب وما أصعبه في تلك الأيام القاسية تشجيعا" لها
بعدها بشهور وفي بداية السبعينات على ما أعتقد وبحكم الظروف المحيطة بهم أنتقلت عائلتها الى منطقة الداوودي ودخلت كلية الرزاعة وتخرجت منها ، وأصبحت علاقاتنا شبه مقطوعة بحكم الواقع السياسي المعقد وتصاعد الأرهاب والأختباء وظروف العمل .

بعد الهجوم الواسع الذي قامت به السلطة الكتاتورية وأجهزتها عام 78 / 1979 لتصفية الحزب الشيوعي العراقي أضطر المئات من الشيوعيين اللجوء ألى أماكن آمنة فمنهم من غادر الى كردستان وألتحق بفصائل الأنصار وآخرين سمحت لهم الظروف بالسفر الى خارج العراق والأستقرار المؤقت في أحدى الدول . وكنت من بين هؤلاء الأجئيين وقد حط بي الرحال في بلغاريا وقد طرق لسمعي من بعض الرفاق إن الشهيدة عميدة موجودة أيضا" مع عدد كبير من الرفيقات دون أن تكون لدي أي معلومات متى وصلت وأين تسكن !!! بحكم الظروف السرية التي يمر بها الحزب ووصول معلومات تشير الى أن النظام الدكتاتوري قد أرسل شبكة من مخابراته لمطاردة وأغتيال العناصر النشطة في الحزب لذا تطلب منا الحذر الشديد .

مرت عدة أشهر قبل أن يقوم الحزب بالأتفاق مع الحكومة البلغارية لأرسال رفاقه الذين وصل عددهم المئات والموزعين في فنادق صوفيا ويمرون بظروف صعبة الى المدارس الحزبية في عدة مدن بلغارية بشكل مؤقت لغرض الحفاظ عليهم وتهيأتهم الى المرحلة المقبلة ، وتوزع الرفاق على مدن روسا ، بلوفـدف وستارة زكورا وغيرها وكانت محطتي مدينة روسا الواقعة في شمال بلغاريا على الحدود الرومانية .
في بداية مايس من عام / 1979 وبعد رحلة بالقطار دامت إثنى عشرة ساعة مع رفيقين آخرين وصلنا مدينة روسا في الساعة العاشرة ليلا" وفي صالة الأنتظار في المدرسة تقدم علينا بعض الرفاق والرفيقات للترحيب والسلام وكم كانت المفاجأة عندما رأيت الشهيدة عميدة تتوسطهم مبتسمة كالعادة حيث سبقتني الى هذه المدينة ، كان اللقاء لا يوصف ، تحدثنا عن ذكريات الماضي والأهل والأبطال الذين فارقناهم وكيف تعرفت على شريك حياتها الذي يشاطرها أفكارها وأحلامها وكان في مستوى المسؤولية حيث الحب والطيبة والثقافة والأتزان .
تقع مدينة روسا في شمال بلغاريا على أحدى ضفتي نهر الدانوب الشهير وعلى الضفة الأخرى تقع الأراضي الرومانية ، مدينة جميلة وذات طبيعة خلابة وذات شعب لا يوصف .
قضينا في روسا حوالي سبعة شهور وكأنها سبعة أيام ولكن لم ننسى الوطن ولو للحظة حيث كنا نتابع آخر التطورات على الساحة السياسية العراقية وأتذكر تلك الليلة ونحن نتابع أخبار الوطن عندما أعلن الطاغية صدام عن وجود مؤامرة تستهدف البعث وقيادته في أوائل تموز / 1979 وأعتقال رفاق الأمس من القيادة القومية والقطرية وأعدامهم .

بعد تلك الشهور أعطيت لكل الرفاق الفرصة لكي يحددوا مستقبلهم ، فتوجه قسم منهم للعمل والأستقرار في جمهورية اليمن الديمقراطية أو في الجزائر أو ليبيا ، وقسم منهم فضل الدراسة على حسابه الخاص أو السفر الى أحدى الدول الأشتراكية بدعوة من أحد معارفهم وقسم منهم ذهب الى كردستان مباشرة أو الى سوريا و لبنان والعمل في مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية ، وشاءت الظروف أن أتوجه الى جمهورية اليمن الديمقراطية لأسباب عديدة وأن ألتقي مع الشهيدة عميدة مرة أخرى هناك حيث كانت تسكن بشقة مجاورة لفترة دامت أكثر من سنتين وربطتنا بها علاقة مميزة .
عندما قرر الحزب رفع شعار الكفاح المسلح ودعوة رفاقه في كل الدول للألتحاق بفرق الأنصار أنتسب زوجها الى الكلية العسكرية اليمنية وتخرج منها برتبة ملازم ثان أستعدادا" للتوجه لكردستان ، ولبى النداء المئات من الشيوعيين في بلدان عديدة تاركين عوائلهم وأعمالهم ودراستهم بعد تلقيهم التدريب العسكري من خلال دورات عسكرية دامت أكثر من شهر ونصف للدورة الواحدة في حمهورية اليمن الديمقراطية أو التدريب في معسكرات منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وتوجهوا بعدها الى كردستان وتم تنسيبهم الى مواقع مختلفة في سوران وبهدنان ودشت الموصل .
دخلت الشهيدة عميدة أحدى تلك الدورات العسكرية ونظرا" لتفوقها دخلت دورة أخرى على قاذفات RBG – 7 وغادرت مع زوجها الى كردستان وهناك نسبت الى قاعدة بشت آشان وكان كل أملي اللقاء بها في المستقبل ولكن مع الأسف لم يسعفني الحظ .

بشت آشان تلك القرية المهجورة التي أحرق الفاشيون كل أشجارها ومزارع عنبها وبيوتها بالغارات الجوية الحارقة ، بشت آشان تلك القرية النائمة على ذراع جبل قنديل أعلى جبال كردستان والمحاذي للحدود الأيرانية وهي تغمس جدائلها في نهر صغير ، تحولت الى موقع ثوري بعد أن أحياها الأنصار من خلال تلك العلاقة الودودة مع الأهالي الذين بدأوا يترددون على قريتهم ، يعيدون ترتيب البستان ، ويوصون بشجرة الجوز ، ويطمئنون على الأنصار ويسألونهم المشورة والأخبار . وتمر الأيام مليئة بالحركة ، وبدأت زينة بشت آشان تأخذ شكلها الأخير ، أحتضنها السكان وفرح بها الأنصار وفي الوقت نفسه كانت مغرية ، بخبث ، للبعض بينما بدت جسورة ومخيفة للكثير من الأعداء خاصة بعد أن تصاعدت عمليات الأنصار وبدأ رصاص الثوار ينذر بالخطر لذلك قرروا منعها بعمل سريع من النمو في الأول من أيار عام 1983 عيد الطبقة العاملة العالمية وأختاروا الحلقة الأضعف على الساحة الكردية وبعض قياداتها الذين أستلموا المهمة كسبا" ، دعما" ، وأسنادا" ، غزلا" أو مديحا" مالا" وسلاحا" ومن أولئك الذين يريدون بقاء الطغيان يعبث بمصير الوطن حيث أشتد هوس معاداة الشيوعية الناتج عن وعيا" مشوها" ووضعا" نفسيا" فحواه الغدر والخداع والتعطش للدم بصورة سعي محموم للتفرد والسطو والسيطرة على الساحة السياسية .

كان الأنصار يتابعون ما يحدث أمامهم قبل الأعتداء بترقب وحذر شديدن ، لكن البنادق مشرعة ، مرفوعة الأمان دائما" ، حوار وأقتراحات بضبط النفس والعمل على عدم التفريط بقطرة دم واحدة من أي من مقاتلي الحركة الوطنية .

وبدأت المعركة في الأول من آيار وكما هو مخطط لها واشتدت المعارك في اليوم الثالث حيث سقط العشرات من الأنصار والنصيرات في معركة طاحنة وغير متكافئة .
وفي المعركة وجدت النصيرة عميدة عذبي حالوب / أحلام ورفاقها إن ساعة المجابهة واجبة الأن عندما تعرض موقعها لأطلاق نار غزير ، كانت عميدة كشيوعية حقيقية تعي ما يجري من حولها بأنه ليس تدريبا" بالذخيرة الحية .... أنه دم النصير الشيوعي يهدر الأن بوحشية تجسيدا" للشعار يا أعداء الشيوعية أتحدوا !! وبنفس الحقد الفاشي نفسه الذي أطلقه الفاشي المعروف رشيد مصلح في شوارع العراق أثر أنقلاب شباط الأسود عام 1963 .
أصيبت عميدة في ساعدها ، لكن نبضها ما يزال حارا" وحنينا" حتى أطلاق النار على وجهها فسقطت شهيدة بإرادة لم يتمكن منها القتلة إلا بعد أن أصبحت عزلاء تماما" ، سلبوا قلادتها الذهبية وقطعوا أصبعها طمعا" في خاتم الزواج .

أنتشر الحزن في الزوايا والأركان وأطبق الصمت على المكان لدرجة لا يملك المرء إلا الأستسلام لمشاعر تفضي الى دموع تنساب رغما" عنه تحت وطأة قسوة الحظة والزمان .
وعندها هتف الأنصار ... سنواصل الخطى أيها الرفاق ، ولتدم زهرتنا حمراء فتية ، معافاة ، بهية وبسيطة بمحاذاة القلب ، وليس للشهداء إلا أن يعتبروا الجسد وطنا" قابلا" للأنفجار ، فلتسحب رصاصة أخرى أيها النصير الشيوعي فهي الدرب المفضي الى ما نريد مهما كان صعبا" وشاقا" .

فقبل أن نودعك يا عميدة ... أقول إن الأرض التي أرتوت بدمائك الزكية ستزدهر حتما" وإن الأفكار التى حملتيها ودافعت عنها لمنتصرة حتما" ، أما ذكراك العطرة فباقية في قلوبنا وفي سجل الخالدين وعفوا" منك أذا كانت ذكرياتي ليست بتلك الدقة .

 

نشرت في شهدائنا