• Default
  • Title
  • Date

فيلم {انا دانيال بليك} للمخرج الانكليزي كين لوتش ( 79 عاما) الفائز بالسعفة الذهبية في المسابقة الرسمية للدورة الـ (69 ( لمهرجان "كانّ" السينمائي هذا العام، وهي السعفة الذهبية الثانية له بعد العام 2006 عن فيلمه ( انفصال نادر وسيمين)، فانه بهذا الفوز يرفع تراثا اوربيا لم يعد له حضور مؤثر في سينما اليوم. هذه العودة الى نمط مجيد في تقديم سينما تسير على نهج الواقعية الايطالية، التي انطلقت في بداية الاربعينيات من القرن الماضي، طعمتّ خطابها بمواقف سياسية واجتماعية نقدية، وهو الامر الذي اكسبها على الدوام طعما ولونا خاصين، بقي كين لوتش مخلصا، في فيلمه هذا، لمبادئه السياسية والاجتماعية، وقد استعاد بعضها في خطابه وهو يستلم جائزته حين تحدث عن الاقتصاد وعن التحذير من اليمين المتطرف الذي يجتاح كل شيء.

النجار دانيال

ما سعى اليه لوتش، هو التبصّر في واحدة من أكثر المعضلات الاجتماعية ، اذ تتأصل ملامح التعبير السمعي البصري بالتلازم مع موضوع الفيلم المباشر والمفتوح على الاحوال اليومية لشرائح معدمة من الناس ومظاهر معاناتهم تحت اشكال عديدة من الوان الهيمنة ليس في بريطانيا وحدها، وانما في عموم دول الغرب المتحضر تناول ظاهرة الإعانات الاجتماعية، التي تعتمد عليها ملايين من العائلات الفقيرة المهمشة، حيث شرعت عدد من الحكومات الاوربية في السنوات الاخيرة، ومنها حكومة المحافظين في انكلترا في الآونة الأخيرة في استهدافها ضمن خطة تقشف شاملة تنذر بعصيان مدني، وجد تمثله الدرامي في شريط لوتش، بشعارات يخطها بطله النجار دانيال، الذي قام بالدور الممثل البريطاني ديف جونز على جدران بناية تضم "مكاتب الرعاية الاجتماعية"، هي في الواقع عيون سلطوية ترصد مخالفيّ ومتحايلي نظام المعونة.

أقلية عرقية

تجري الأحداث في مدينة نيوكاسل الشمالية، وهي أحدى معاقل {حزب العمال}، وميناء شهير يعج بالفقراء والمشردين وبيوت البغاء، بيد أن لوتش لا يذهب مباشرة الى تراجيديا دانيال، بل يصرف المقطع الافتتاحي في فيلمه، في تبيان محيط رجل متوسط العمر من أقلية عرقية تدعى الـ {جوردي} ترمل حديثا، وصرِف من عمله بسبب معاناته من ضعف قلبه. يعيش في مجمع سكني حكومي تختلط فيه مجموعات من البشر، فقراء وعزل وبائعات الهوى ،ومشردين.

ثائر

بطل الفيلم دانيال، كائن مبدع، حيوي و ودود، ومنذور لإنسانيته وكرامته. ، لا يخشى يومه، فهو محصن من قبل بشر يجلّون فيه انسانيته واخلاقه الحميدة ولطفه ومرحه. نراه، حارساً لمجمعه السكني ضد دخلاء، أو مدافعا عن اي انسان تقترب منه ظاهرتي الجوع والمذلة. نراه ثائرا لا يتأخر عن شتم النظام الاناني.
آخر همّوم هذا المواطن العصامي والمتوحد، الذي تعتمد حياته بالكامل على دفعة بدل عمل مالية اسبوعية، وصول رسالة مشؤومة من وزارة الشؤون الاجتماعية تنذره بالعودة الى العمل أو قطع الإعانة. تنقلب حياته، ذلك ان استخدام أنظمة مستحدثة للتواصل مع طالبي العمل، حولت تلك المراكز الى ساحة حروب بيروقراطية مريرة، مفعمة بشكوك ومهانات وخيبات، إنها سياسة إذلال عامة، كما هي الحال في ايطاليا وفرنسا واسبانيا واليونان والبرتغال.

بنك الفقراء

انتقى الثنائي لوتش وكاتب السيناريو بول لافيرتي يوميات دانيال ومحنه برويّة درامية شديدة الواقعية. بعض فصولها صادم، كما هو مشهد الأم الشابة كيتي، تقوم بالدور الممثلة البريطانية هايلي سيكوايرز وطفليها داخل "بنك الفقراء" الكنائسي، الذي يقدم معونات غذائية، والتهامها غذاء معلباً لشدة جوعها، أو رضوخها لإغواء المال الحرام عبر ممارسة البغاء، بمساعدة رجل كشف سرقتها مواد نسائية من متجر يعمل فيه حارسا. فيما نرى دانيال يبيع أثاث بيته للتواصل مع العيش الصعب.

لست كلبا

انه شريط سينمائي غاضب ومسيّس بقوة ضد توحّش سلطوي يستهدف شرائح اجتماعية مقهورة، تناضل ضد فساد الطبقات الحاكمة ، بطل الفيلم في النهاية يصرخ بوجه من يحاول استعباده واذلاله : "أنا دانيال بليك. أنا رجل ولست
كلباً. أنا مواطن، لا أكثر ولا أقل، ان هذا
المبدع الثمانيني بقي مخلصا، في فيلمه هذا، إلى مبادئه السياسية والاجتماعية، وقد استعاد بعضها في خطابه وهو يستلم جائزته حين تحدث عن السياسة والاقتصاد وحال المجتمعات الاوربية ومعاناتها ،وعن التحذير من اليمين المتطرف الذي يجتاح كل شيء.

نشرت في فنون

لا زال النقاد يتوقعون أن يعطينا المخرجون الكبار المشاركون في الدورة الحالية لمهرجان " كان" خير ما يعتبرونه جديد في عالم الفن السابع،وخاصة في المسابقة الرسمية، وكذلك في التظاهرات العديدة ،وأهمها، تظاهرة "نظرة ما"، ولكل ما من شأنه تفادي السلبية التي ميزت دورة العام الفائت من المهرجان ، واعتبرت من أسوأ دورات الأعوام الأخيرة. حتى وإن كان ثمة إجماع من قبل النقاد الايطاليين ، بعدم خروج هذه الدورة عن سلبية الدورة السابقة ، فإن المنطق يفرض علينا بعض التحفظ على مثل هذه الاحكام المسبقة ، ومن قبل أن يكون أي كان شاهد أياً من أفلام الدورة الجديدة للمهرجان نفسه، والتي افتتحت فاعلياتها قبل أيام قليلة بفيلم جديد للمخرج الأميركي وودي آلن( مقهى سوسايتي)، فهو الاخر يتسم بالملل ،إذ فاجأ الجميع بنصّ ثرثار وميلودرامي فاقع ومتقشف بنكاته وتحاملاته وغمزاته الفارقة، التي زيّن مشهدياتها الباذخة المعلّم الإيطالي ومدير التصوير فيتوريو ستورارو بلون ذهبيّ، محتفياً بالثراء البصريّ لفترة الثلاثينيات الهوليوودية. من السابق لاوانه أن نحكم على هذه الدورة الجديدة ونقارنها بالدورة السابقة ، . فمن الناحية الفعلية، لم يعد في الإمكان إبداء اليقين المسبق تجاه أي فيلم طالما أننا عرفنا في الدورة الفائتة، خيبات مدهشة لعدد من الافلام المشاركة التي قدمها عدد من كبار سينمائي العالم الغربي . في الدورة الحالية ،سنجد أنفسنا، ومنذ الافتتاح، أمام مجموعة من كبار السينمائيين العاملين في سينما اليوم في العالم. من دون أن ننسى أننا نجد أنفسنا أيضاً أمام عدد لا بأس به من مخرجين شبان في عشرينات عمرهم، يشاركون في " كان" للمرة الأولى . فالحال أن استعراضا لأمهات الأفلام المعروضة – في المسابقة الرسمية وحولها على الأقل ، سيعيدنا الى تلك الحساسية التي دائماً ما نعزوها الى السينمائيين في قدرتهم، وربما أكثر من أي مبدعين آخرين، على التقاط الروح العامة للزمن الذي نعيش فيه. وإدراكهم البؤس والتهميش السائدين، الى درجة قد يكون ممكناً معها الحديث عن عودة السينما، من احكام تبدو جائرة الى حد كبير.
من الأخوين داردان الى جودي فوستر، ومن وودي آلن الى كين لوتش وأندريا آرنولد، وصولاً الى بول فيرهوفن وستيفن سبيلبرغ وأوليفييه السايس وبدرو المودافار وبالوكيو وعشرات غيرهم، يتوزع على تظاهرات دورة " كان" الجديدة، إذاً، عدد من ألمع الأسماء في تاريخ سينما اليوم في العالم. ولعل في الإمكان القول أن التوزع – جغرافياً على الأقل – يبدو هذه المرة عادلاً الى حد ما، فلكل منطقة جغرافية حصتها، إن كان هذا الأمر لا يزال مهماً في زمن العولمة الذي نعيشه اليوم حين يصور كوري جنوبي رواية إنكليزية، ويصور مخرج فرنسي فيلماً أميركيا .وإذا استثنينا فرنسا (التي تشارك بخمسة أفلام في المسابقة الرسمية، وبعدد لا بأس به في التظاهرات الأخرى – ونسلّم بأن هذا حقها طالما أنها هي البلد المضيف، وطالما، وهذا أهم، أنها هي من يموّل العديد من أفلام آتية من بلدان أخرى مثل رومانيا، والبرازيل والمغرب ولبنان وحتى الفيليبين). وفرنسيو هذا العام هم أوليفييه السايس (في "برسونال شوبر") وآلان غيرودي (في "البقاء عموديا") وبرونو دومون ، ونيكول غارسيا، ناهيك بفيلم خامس أضيف في اللحظات الأخيرة!، إذا استثنينا فرنسا، نجد أربع مشاركات أميركية ، ومشاركات عربية( لبنانية ومصرية ومغربية) وافريقية وكورية ودانماركية وايطالية وكندية وانكليزية وغيرها.
فيلم "اشتباك"
لم يخف المخرج المصري محمد دياب من أفلمة حدث تاريخي كبير في فيلمه الجديد" اشتباك" الذي افتتح تظاهرة "نظرة ما"، لكنه لم يسع الى توثيق كل منعطفاته ومواجهاته ودمائه وشهدائه وخرائبه، بل اختزل فصلاً واحداً من فعل عنيف، وولفه على شكل حكايات قصيرة تبنيها شخصيات بتؤدة مدروسة، تتوالى على شاشة خانقة واستفزازية مرعبة. استبعد دياب اللعب خارج شاحنة مدججة لنقل معتقلي الأمن المركزي المصري، محولاً إياها الى ما يشبه الزنزانة المغلقة ، تصوّر العسف البوليسي ، ومعاناة المتواجدين بداخلها، وهلع الشارع خارجها، تختلط فيها كينونات هامشية تنتمي الى طرفي صراع، غمز فيلم "اشتباك" الى أنه بين الخير والشر مكبوت، بسبب استحكام سلطة توتاليتارية وقمعية على مجمل طبقات المجتمع المصري، تتردى حيواتها ومصائرها ومواردها وقوتها وخدماتها يوماً إثر يوم. ركز المخرج محمد دياب على يوم حاسم (3 تموز) تصاعدت فيه حدّة المواجهات عام 2013، قبل أن يتم تنحية حكومة محمد مرسي وإزاحة سلطة "الإخوان المسلمين"، وعودة "السلطة المهيمنة" مع عساكرها الى واجهة الحكم.
فيلم دياب ليس عن ثورة وتفاصيلها وأبطالها. وهو ليس كشف لواقع سياسي تقلبت فيه كل الامور، بل اختار ـ بحصافة درامية ـ تصوير معاناة بشر عاديين، وجدوا أنفسهم سجناء داخل مساحة صغيرة. كل منهم متهم بظروف وجوده، شابان مصوران يعملان لوكالة أنباء غربية، يعتقلان بتهمة "المساس بامن الدولة" تنذر صرخاتهما آخرين متوجهين الى ميدان التحرير بينهما السيدة نجوى (نيللي كريم ) وعائلتها، ليضافوا الى حافلة النقل تلك. يتعجل الشريط إضافة آخرين بسرعة قياسية. ان هذه الزنزانة، التي ربما يرمز بها المخرج للوطن ، عبارة عن مرجل محتقن ، حيث قوة قاهرة تتسلط ضد محتجين ومعارضين. بعضهم يصرخ بنداءات انسانية مفزعة تعكس انحطاطات لحظاتهم الإنسانية، وسعيهم للانتقام أوالفرار أوالانعتاق أو الإعلان عن مروءاتهم الانسانية التي يريد الاخر انتزاعها منهم قسرا.
الشرق الأوسط ليس غائباً عن هذه المسابقة، حيث أعلن في اللحظات الأخيرة عن مشاركة أصغر فرهادي، المخرج الإيراني المبدع (صاحب فيلم " طلاق" الذي فاز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي قبل سنوات، ثم فيلم " الماضي" الذي شارك في مسابقة " كان" الرسمية قبل ثلاثة أعوام ونالت بطلته جولييت بيجو جائزة أفضل ممثلة). فرهادي يعود هذه المرة مع جديده " البائع" الذي يدور في طهران لكنه يبدو، الى حد ما، مقتبساً من مسرحية آرثر ميلر "موت بائع جوال". مهما يكن، لا شك في أن فيلم فرهادي سيكون مثيراً للاهتمام من ناحية تصويره جزءاً من صعوبة الحياة في المجتمع الإيراني اليوم.
وفي مجال النسخ المرمّمة التي اعتاد " كان" رعايتها وعرضها في احتفالية خاصة، هناك هذا العام في ما يخص السينما العربية، وبالذات فيلم يوسف شاهين "وداعاً بونابرت" والفيلم الرائع الساخر " سيداتي سادتي" للايطالي بيترو جيرمي، وفيلم " رجل وامرأة" الفرنسي الشهير الذي عرض في صالات السينما في بغداد بداية السبعينات، للمخرج كلود ليلوش.
بؤس العالم
ظاهرة الجشع ،تصوّره لنا جودي فوستر – إنما خارج المسابقة – بفيلمها الجديد "المال الوحشي" الذي تتعاون فيه، كمخرجة، مرة أخرى مع جورج كلوني الذي يلعب دور مقدم برامج تلفزيونية اقتصادية يبدي نصائحه في برنامجه لصغار أصحاب الأموال في ما يتعلق بشراء الأسهم وبيعها. وذات يوم، يحدث أن واحداً من هؤلاء يخسر كل تحويشة العمر، إذ يتبع نصائح كلوني، فيخطفه خلال تقديم برنامجه على الهواء .
وفي سياق يتعلق كذلك بما تعانيه البشرية في هذه الأيام، ها هو شون بين، يعود الى مسابقة " كان" بعد خمسة عشر عاماً من مشاركته كمخرج بفيلم "التعهد" (عن قصة للسويسري فردريك دورنمات)، إنما هذه المرة بفيلم عنوانه "الوجه الأخير" جعل بطولته لتشارليز ثيرون وخافيير بارديم، وموضوعه أولئك الأطباء المتطوعون الذين يعرضون حياتهم للمخاطر والاحتيال والخداع الرخيص.
أما الأخوان لوك وجان – بيار داردان، اللذان لا يغيبان عن " كان" إلا ليعودا إليه، سواء كانت الجوائز من نصيبهما – عن استحقاق -، أو محجوبة – ظلماً – عنهما، فيعودان هذه المرة بفيلم جديد( الفتاة المجهولة) ربما يخرجان به عن السياق البؤسوي الذي طبع اعمالهم السابقة ،ليغوصا في موضوع عوالم الطب النفسسي، والتمزقات التي تعاني منها الشبيبة الاوربية،
العودة الاسبانية
فيلم "خولييتا" الذي يعود به الإسباني الكبير بيدرو المودافار الى "كان" بعد غياب طويل، وهو يصور حياة امرأة تعيش في مدريد فقدت لتوّها زوجها خوان، وها هي ابنتها التي بلغت الثامنة عشرة من عمرها، قررت أن تبارح البيت من دون أن تعلمها. من هنا تنطلق خولييتا في رحلة معقدة للعثور على ابنتها. أما الشيء الوحيد الذي تعثر عليه في نهاية الأمر، فهو اليقين من أنها لم تكن تعرف شيئاً عن هذه الابنة. ويكاد ان يكون فيلم " الطريق" للاسكتلندية اندريا آرنولد، الذي تم تصويره في الولايات المتحدة الاميركية، شبه كبير بفيلم" خوليتا" يروي قصة فتاة تهرب من ديارها لترافق مجموعة من الهامشيين بائعي المجلات وهم يدورون بين قرية وأخرى.

فتى مونتريال الذهبي
المخرج الكندي "كزافييه دولان" بفيلمه الجديد"إنها فقط نهاية العالم" من إنتاج كندي – فرنسي يقوم ببطولته عدد من النجوم الفرنسيين،غاسبار أولييل، ناتالي باي، ماريون كوتيار، ليا سيدو وفنسان كاسيل، عن رواية للكاتب الاميركي جان – لوك لاغارس. أما موضوعه فيدور من حول كاتب يعيش أيامه الأخيرة فيعود بعد 12 عاماً من الغياب ليعلن لعائلته قرب موته. ولنا أن نتصور التوترات والصراعات والأشجان التي يثيرها مثل هذا الإعلان.
اليساري البريطاني الاخير
دائماً يجد المشاهد في أفلام أخر جيل السينمائيين اليساريين في انكلترا، وهو المخرج الثمانيني كَن لوتش ما يوحي بالصراحة، إحساس هائل بأننا أمام معطيات حقيقية بعيداً من الأشياء المُستعادة بافتعال. فهذا الرجل لا يزال يملك الاستعداد والقوة للتصدي للظلم الاجتماعي في بلده بريطانيا من خلال سينما تلتزم قضايا الفرد. فيلمه المشارك بالمسابقة الرسمية "أنا، دانيال بلايك"، يسير على خطى الانتصار للذين يعيشون على هامش المجتمع. ورغم أنّ لوتش كان أعلن سابقاً أنّ "ردهة جيمي" (٢٠١٤) سيكون فيلمه الأخير، عاد عن هذا القرار- وذلك لحسن حظنا- لأنه بعد مشاهدة الفيلم الذي يتسابق به على "السعفة الذهب"، يصبح واضحاً أنّ بئره لم تجفّ. والأهم أنّ فيلماً كهذا يمكن اعتباره إعلان موقف مفاده أنّه يمكن عزف تنويعات مختلفة على اللحن نفسه من دون أن ينتج نشازاً. والذي يدور من حول بنوك الغداء والإفلاسات، وكل ما يتعلق بما يسمّيه لوتش، بجشع الرأسمالية المصرفية.
أما رومانيا فلها أيضاً فيلمان، من إنتاج فرنسي، واحد لكريستيان مونجيو (بكالوريا)، والثاني لكريستي بويو (سييرا نيفادا). والى هذا، إذا كانت رومانيا تمثل أوروبا الشرقية وحدها، في المسابقة الرسمية على الأقل، فإن القارة الآسيوية تبدو أفضل تمثيلاً نسبياً، إذ هناك، فيلم من الفيليبين هو "ماروزا" لبريانتي مندوزا... الى جانب الفيلم الكوري الجنوبي "آغاسي، او الخادمة اليدوية". وفي المقابل، يبدو الحضور الأميركي اللاتيني شديد البؤس: فيلم واحد من البرازيل هو "أكواريوس". وفي السياق البائس نفسه، تتمثل أوروبا الى جانب الأفلام الفرنسية وفيلم الإسباني المودوفار، فقط بفيلم "شيطان النيون" الذي حققه نيكولاس ودن رفن، وهولندا بفيلم "ايل" لبول فرهوفن، علماً أن هذين الاثنين باتا منذ سنوات محسوبين على السينما الأميركية!
الغياب الايطالي
هي المرة الاولى منذ سنين طويلة يخلو برنامج المسابقة الرسمية فيه من فيلم إيطالي فعلى العكس ممّا جرى العام الماضي عندما كان الفريق الإيطالي في مسابقة الدورة الثامنة والستين من المهرجان مكوّنة من ثلاثة أسماء هامة ، المخرج (نانّي موريتّي وباولو سورّينتينو، وماتّيو غارّوني)، فقد خلت قائمة المسابقة في الدورة الحالية من المهرجان الفرنسي من أي فيلم إيطالي، بعد أن كانت تسرّبت في الأيام السابقة لإعلان تييرّي فريمو عن تشكيلة مسابقته أنباءٌ حول احتمالات ضم فيلمي ماركو بيلّوكيو وباولو فيرزي الجديدين في المسابقة، لكن الإعلان جاء مُخيّباً، واقتنص برنامج «نصف شهر المخرجين» أعمال بيلوكيو وفيرزي ‫«لتكن أحلامك جميلة‫» و ‫«الفرح المجنون‫»، إضافة إلى فيلم كلاوديو جوفانّيزي " زهور"
وكان جوفانّيزي أنجز عمله الروائي الأول (ذي العينين الزرقاوين) من بطولة الفنان الفلسطيني صالح ‫ بكري.
غير أن مسابقة المهرجان لن تكون خالية بالكامل من ألوان العلم الإيطالي، وستحملها هذه المرّة النجمة الإيطالية الحسناء فاليريا غولينو لتكون ضمن لجنة التجكيم الدولية التي يترأسها جورج ميللر‫. وكانت الممثلة القديرة فاليريا غولينو‫، التي مثّلت إلى جانب توم كرويز وداستن هوفمان في فيلم "رجل المطر"، حازت على جائزة كأس " فولبي" لأفضل أداء تمثيلي نسائي لمرّتين، ، ويذكر ان هذه الممثلة الحسناء قدّمت قبل سنتين عملها الأول كمخرجة .

اجمعت الصحافة الايطالية على ان المخرج الفرنسي آلان غيرودي قدّم بفيلمه المشارك بالمسابقة الرسمية( البقاء عموديا)عملاً متميزا بجودته ، فقد وصفه ناقد صحيفة " لاربوبليكا" بأنه يقتفي خطى المخرج الايطالي الراحل بيير باولو بازوليني. جنس واستفزاز وكوميديا، هي بعض مكوّنات هذا الفيلم الكاسر لكلّ أنماط السرد التقليدي، والذي يصعب حتى أن نجد منطقاً له من شدة إمعانه في الجنون غير العاقل. استناداً إلى حفنة من الشخصيات المتحدّرة من الطبقة الشعبية، أخرج غيرودي فيلماً لا يساوم، بل ينطوي على تشويق نوعي يطرحه كأحد "المؤسلبين" الأكثر قدرة على الابتكار والتنويع في السينما الفرنسية الحالية. غيرودي هو اليوم نموذج الحرية في السينما.
وإذا كان لنا أن نذكر المزيد في هذا السياق الذي يضعنا أمام صفحات زاهية من تاريخ السينما، سنذكر في الختام هنا تكريماً مزدوجاً حلّ أوانه بالتأكيد، يكرّسه مهرجان "كان" في دورته لهذا العام لآخر عملاقين كبيرين من عمالقة السينما الوثائقية في عالم اليوم: فردريك وايزمان وريمون ديباردون. وهو تكريم كبير حتى وإن كان سيقتصر على عرض فيلم واحد لكل من هذين المبدعين: "أحداث عادية" لديباردون (1983)، و"المستشفى" لوايزمان (1969) علماً أن هذا الأخير سيتسلم خلال العرض، إذ سيكون حاضراً في "كان"، احدى جوائز المهرجان.

نشرت في فنون

المعرض الشخصي الاول للفنان نوري عوّاد في السويد

إفتتحت جمعية زيوا المندائية في سودرتيليا ـ ستوكهولم موسمها الثقافي الصيفي لعام 2016 بمعرض شخصي للفنان التشكيلي نوري عواد حاتم في الثالث والعشرين من شهر أبريل / نيسان ، وقد سبق إفتتاح المعرض إقامة دعوة غداء حضرها جمع كبير من ممثلي الجمعيات العراقية والسويدية والشخصيات المقربة من الجمعية والناشطين المندائيين، وكانت دعوة منظمة بإسلوب رائع أشرف عليه السيد رئيس الجمعية الأستاذ سلام غريب الشيخ دخيل والأستاذ سمير غياض كاطع سكرتير الهيئة الإدارية بالتعاون مع أعضاء الهيئة الإدارية .
وقد حضر إفتتاح المعرض الشخصي الأول للفنان نوري عواد ممثل إتحاد الجمعيات العراقية في السويد السيد
عبد الواحد الموسوي وفضيلة الكنزبرا سلام غياض كاطع رئيس الطائفة في السويـــد. وفي تمام الساعة الخامسة مساءً
تم إشعال شمعة الإفتتاح. وتجول الحاضرون لمشاهدة ما جادت بهِ ريشة الفنان ، وقد نالت اللوحات إعجابهم حيث تضمنت مواضيع عديدة أهمها بعض معاناة شعبنا في عراقنا الحبيب وبالأخص الأقليات، وكذلك لوحات تميزت بالجمال والألوان الزاهية والدقة في التدرج اللوني كما هو معروف عن إسلوبهِ ، ويقول الفنان نوري عواد عن لوحاته بأنه يرسم كل ماهو جميل ليرسم على عيون المتلقي البهجة والفرح، بعيداً عن مآسي الوطن وآلامه، وكنتُ قد تأثرت بما يجري في بلدي من تشريد وإضطهاد وتهجير للبعض من أبناء الوطن ، وكان لذلك ركناً مهماً في المعرض، ولوحة للسيدة زها محمد حديد المعمارية العراقية بدأت رسمها عند سماعي نبأ وفاتها .
وفي ختام أمسية الإفتتاح قدمت بعض الجمعيات والمنظمات المدنية والشخصيات باقات من الزهور للهيئة الإدارية للجمعية والى الفنان نوري عواد حاتم.

الفنان نوري عواد حاتم
مواليد 1948 في العراق مدينة الديوانيه
دخل المدرسة الإبتدائية عام 1954/1953
دخل كلية التربية قسم علوم الحياة عام 1967/1966
تخرج من جامعة بغداد عام 1970/1969
أكمل دراسته بتخصص علم فسلجة الحيوان عام 1980
الرسم والنحت (هوايته) المفضله إضافةً الى فن التخريم والنقش في صياغة الذهب.
أوفد للعمل في الجزائر عام 1970 وعاد بعد سنتين للعمل في المدارس الثانوية والإعدادية في مدينة الديوانية وأقضيتها حتى عام 1975 حيث أعيد للعمل عام 1976 بوظيفة كتابية .. وأعيد للعمل كتدريسي عام 1979 إرتقى لمدرس أول وقائد تربوي ، عين مديراً لأكثر من مدرسة إعدادية وثانوية ، وإحيل على التقاعد قبل إنهائهِ الفترة القانونية للخدمه.
غادر العراق عام 1997 للعمل كمدرس في جامعات ليبيا وعاد الى العراق في نهاية عام 2003.
غادر العراق مرغماً بعد الأحداث الدامية في بلده منتصف عام 2007 الى سوريا ومن ثم الى السويد.
إشترك في عدة معارض فنيه مشتركه مع فنانين عراقيين معروفين وأشرف على مهرجانات الجمعية المندائية في ستوكهولم .
عضو هيئة تحرير مجلة الصدى والتي تصدرها الجمعية المندائية في ستوكهولم
عضو جمعية الفنانيين العراقيين في السويد.

نشرت في فنون
السبت, 13 كانون1/ديسمبر 2014 21:51

للناصرية ، تعطش والماءُ مَطر

ولدت أور ، عندما ولدت أحلام الآلهة في نشوة أمانيها مع الماء والنخل والرمل وأحلام الفقراء.
وبعد آلاف السنين ، ولد من رحم الأثر السومري حلم وال تركي أسمه ( مدحت باشا ) ليصنعَ لشغف الجغرافية بقعة خجولة وشاعرية أسمها ( الناصرية ) ، وما بين المدينتين يصنع التأريخ لنا عاطفة زرقاء يتغنى فيها الجنود وصيادي السمك ، والشعراء ، وعمال الطين ، ورواد المقاهي في أمسيات صيف الحر والغبار والعطر.
لهذا مابين الاغتراب وهذه المدينة حبل من الأساطير يمتد بين نبض قلب المكان وبين عطر الطين وسعف النخيل ، فهي من المدن التي تشعل الحنين في أسئلة الرمش عندما يتحول الشوق الى وردة ربيعها القصيدة وعيون أمهاتنا .
هذا الحنين البنفسجي الذي لايشبه سوى عاطفة المطر حين يمارس الغرام مع الأرض المالحة وصباحات القرى التي تُحيط في المدينة كما يحيطُ الرمش في الدمعة . لتؤسس في المكان ذاكرة وأحلام وسلالات لملوكٍ اشكالهم سمر وتيجانهم من حجر كريم جلبوه بمشقةِ الحروب من بلاد بعيدة .
أضع المدينة في جيب دشداشة العيد وأذهب معها في كل مدن الدنيا ، أحاكيها بنغم المفردة ، وموسيقى المطر ، فأتخيلها جسد الحياة المكافحة في طوفان الخبز ، وأتخيل شوارعها ومقاهيها ومدارس طفولتي وحدائق بيوتها معابد شاهقة بأعمدة من مرمر الروح والألم واللحظة الغرامية فأعيش هاجسها وامنياتها والألفة اليها في امكنة الهجرة والنفي والنأي .
أتذكر فراتها حين يجري في أحداقي بحر طنجة وهو يختلط بين برزخين ( البحر المتوسط والمحيط الاطلسي ) ، فيتحدث لي صديق مغاربي ونحن نزور منزل أبن بطوطة في المدينة القديمة ، أن الرحالة أبن بطوطة مر على خرائب أور وتحدث عن عرب بطائح الجنوب ، وأنحدر صوب البرية القاحلة ليعيش لحظة الصفاء الصوفي مع دراويش مقام سيد أحمد الرفاعي.
أذا ابن بطوطة صاحب كتاب ( تحفة النظار في غرائب الأنصار وعجائب الأسفار ) كان هنا يحث في بغلته السير بعد أن افزعته أساطير المكان والقول :
أن اميرات سومريات تتقدمهن شبعاد يخرجن في الليالي التي يكتمل فيها ضوء القمر ليعزفن بالقيثارات الحاناً حزينة يشتعل فيها النواح والأنين للخطأ الذي اوقعن فيه انفسهن ليذهبنَ مع الملوك والامراء المتوفين احياء الى الاقبية المظلمة كأضاحيَّ من اجل وهم حياة اخرى تدعى ( دلمون ) ، حيثُ سينهض فيها الملك ثانية ويعيش الحياة السرمدية.
ويقال أن الابوذيات التي تفنن في اناشدها ابناء الناصرية من المطربين ( داخل وحضيري وجبار ونيسه وخضير حسن ناصرية وحسين نعمة وعلي جوده وكريم العرجاوي وغيرهم ممن كانوا يأدون أطوارها الخالدة الشطراوي والصُبي ) .
هي من بعض ذلك النحيب والشجن في تلك الليالي التي كانت اميرات أور يمارسن فيه طقس الليلة المقمرة .
من الموسيقى القادمة من حناجر الأبوذيات والمطر ودموع الأمهات وحوافر ناقة الرحالة الطنجاوي ونعوش شهداء حروب المدينة عندما كانت تمنح الحروب جحافل الجنود الذين تتلقفهم التجانيد بلهفتها لتسلب منهم كتب المدرسة وقبلات الحبيبات ، وتمنحهم خوذ الجيش والبنادق واقراص الهوية واقنعة الوقاية وربايا الشمال الثلجي وملاجيء بحيرة الأسماك والفكة والقدر المجهول.
من كل هذا وذاك كان للمدينة وجودا غريبا ، أدمى فيها الكثير من الأقدار لتصبح علامة فارقة في تناقضات وجودها ، فقيرة وشهيدة وحالمة ، هذا الجمع الثلاثي بين تلك الصفات جعلها مثل أي عنقاء خالدة تتحدى اي موت حتى عندما تقسو عليها البلديات وتجعل شوارعها مغبرة وماءها مالح ونخيلها يشتاق لظل من الحياة الرفاهية لابناءها ، لكنها بقيت صامدة وقوية وساعية لتنتج القصيدة والقصة واللوحة الفنية وعمال البناء وارائك المقاهي .
بقيت لتعلم مدن الجنوب معنى أن تصبرَ قطرة المطر وتتحول مع المشاعر الرائعة لتصير دمعة لقصيدة أو نهرا للحن أغنية تقيض برقة مشاعر صاحبها.
لها ذلك المجد النبيل ، لذلك الصرح الذي يسكن القلوب والخواطر ، المكان المقدس بتواريخ أحلام أبراهيم الخليل ، وخطوة الأمام علي ، ومراقد سادته وأولياءه وفقراءه.
وحده يصلح ليكون دواء ضد هومسك غربتنا ، عندما نتذكر مع أطيافه الأمنيات والاغنيات وبساطة روحه والمسامحة التي تجمع تحت عباءتها طيور السنونو الاتية من هجراته الطويلة ، تجمع حلم المندائيين لتكون المدينة من بعض سر الضوء في حياتهم وهم يتجاورون مع اخوانهم المسلمين وبقية الطوائف منذ الختم الطغرائي لمتصرفها الأول ( ناصر باشا السعدون ) وحتى محافظها الجديد ( يحيى الناصري).
الناصرية ، تعطش وتشرب ماءها مطرا ورسائل عشق ...ثم ترتوي .
ليرتوي معكَ الشوق والحنين وجوازات السفر ومدائح ملاليلها في شغف الشوق للحسين. لتصنع لنا الذكريات صروحا من صواني الشموع والياس والقيمر والخبز.
نأكل فلا نجوع ، نشرب فلا نعطش.
أنها بئر يوسف في أرواحنا ، مصدر حلم وحكمة ونبؤة .عاشت وستعيش. حتى من حزنها تتفن في صناعة اراجيح العيد ومواويل الأمل ...
يأوي الغرباء اليها فيحسوا أن مدنهم البعيدة معهم ، لكن الألم والشوق اليها يكبر في روح أبناءها حين يغتربون عنها ، وكأن أي مدينة في هذا الكون لاتصلح لهم عداها .
هي عطر ميزوبوتاميا ، وأنشيد الأزل لبلاد الرافدين . وربما بسبب نكهة الوفاء في ثوبها المقلم تحمل خصوصيتها أينما يشطر وجهي جهته .
طنجة ، حيدر آباد ، دمشق ، عمان ، أسطنبول ، باريس ، فرانكفورت ، بروكسل ، الشارقة ، دورتموند ، تونس ، دوسلدورف ، شوبنكن ، ميونخ ، طهران ، الكويت ، بومباي ، كولونيا ، براغ ، أثينا ، حلب ، روما ...!
مدن لترحال حياتكَ ، تفتش في ثنايا محلاتها وحاناتها وشوارعها عن عطر فجل وكراث وكرفس مزارعها ، فلا يجده حتى مع اجمل عطور الشانيل والديور فلا يجده.
فأين يجد اساطير المحلب والحناء والطين خاوه غير ضفائر أمه .
أين يجد الشاي المهيل ، وشربت الزبيب والكباب الطيب غير في مطعم المرحوم ( الحاج ضاحي ) . أين يجد سحر نغم اغنيات ام كلثوم واسطوانات حضري وزهور حسين غير في مقهى التجار وحبيب الله .
أين ...
أين...
الناصرية شعرة بيضاء في شارب التأريخ ...
هكذا وصفكِ صديقي الشاعر رزاق الزيدي..وأظن أن هذا الوصف هو تاجك الذي تتفاخرين فيه بين مدن الأرض كلها...........!

الحوار المتمدن

نشرت في فنون
الأربعاء, 16 تموز/يوليو 2014 07:00

حــرفــة نالــت اعجــاب العــالم

عرف الصابئة المندائيون بأنهم حرفيون يمتهنون الصناعات التي يحتاجها مجتمعهم الزراعي الذي يعيشون بين ظهرانيه في جنوب العراق , بالرغم من وجود بعض المندائيين الذين يمتلكون بعض الاراضي الزراعية البسيطة والتي يزرعونها بشكل مباشر او غير مباشر من قبل بعض الفلاحين المستاجرين , فقد كان المندائيون حرفيون مهرة ثبتوا وجودهم في المجتمع الزراعي الاقطاعي الذي كان بحاجة ماسة لحرفيتهم لتصبح هذه الصناعات الحلقة الاساسية المكملة لعجلة الانتاج الزراعي والاقتصادي في تلك المجتمعات , فمنهم من هو حداد يحتاجه الفلاح ليصنع له كل ماهو ضروري للزراعة من ادوات , فهو يصنع له على سبيل المثال لا الحصر المنجل الذي يحصد به , والمسحاة التي يشق بها الارض , وبوابات السقي كي يروي الارض ويسيطر على المياه , ويصنع له الفالة ليصيد بها الاسماك التي هي مصدر رئيسي لغذاء الفلاح , وغيرها من الادوات المعدنية التي هي مهمة لادامة عجلة الحياة والزراعة , ومنهم من هو نجار يصنع كل الادوات التي يحتاجها الفلاح المصنوعة من الخشب , واهما صناعة الزوارق على اختلاف انواعها والتي تعتبر الوسيلة الاساسية ان لم تكن الوحيدة للتنقل في مجتمع الاهوار والانهار جنوب العراق , فالنجار المندائي متميز في صناعة الزوارق على اختلاف انواعها واحجامها , وتخصص البعض منهم في صناعة انواع معينه منها لايجيد صنعها الاخرون , كما انهم امتهنوا حرفة نادرة اخرى وهي تصليح وصناعة الاسلحة النارية , فقد برزت اسماء مشهورة برعت في هذه الحرفة , حتى اطلقت اسمائهم على انواع معينة من الاسلحة ينفرد بصناعتها هؤلاء المندائيون لاغيرهم .
اما حرفة الصياغة فانها لوحدها مهنة لاينافس المندائيون عليها احد , فقد ابدعوا فيها وتميزوا خاصة اذا علمنا انهم يستخدمون ادوات يدوية بسيطة جدا لتخرج من بين اناملهم الرشيقة قطع فنية غاية في الابداع تخلب لب الناظر اليها لدقتها وهندستها وجمالها الاخاذ , وفعلا تسحب من يراها الى بطون المتحف العراقي ومايحتويه من كنوز الصياغة والمجوهرات السومرية , اذ انه سيربط حتما بين من صنع تلك المجوهرات والصاغة المندائيون ليستنتج بعدها عن مدى الترابط بين الاثنين ؟!!.
لقد كان المجتمع الفلاحي في بداية القرن العشرين و الذي يعيش به المندائيون مجتمعا فقيرا مسحوقا , لكنه كان متمسكا بتراثه وعاداته والنساء فيه حريصات ان يتزين بمصوغات فضية وذهبية مثل الخواتم والاقراط والحجول والقلائد المختلفة , واغلب هذه المصوغات يحصلن عليها عند زواجهن كجزء من مهورهن التي يقدمها لهن ازواجهن عند الزواج , فنراهن يتباهين فيما بينهن بان هذه القطعة قد صاغها لها الصائغ المندائي فلان كونه امهر من الاخرين , وهكذا, وغالبا ما كان الصاغة المهرة يحتكرون لعوائل الاقطاعيين ورؤساء العشائر الاثرياء, ولايسمح لهم بالعمل لسواد الناس لكثرة مناسباتهم واحتياجهم للمخشلات الذهبية , فنسمع بان الصائغ المندائي فلان كان الصائغ الخاص للشيخ فلان .
لقد كان للاحتلال البريطاني للعراق اوائل القرن العشرين ودخوله عن طريق البصرة وتقدمه الى المدن التي تقع شمالها حتى بغداد , الدور الهام بالتأثير على حركة الهجرة المندائية الاولى في العصر الحديث , خاصة بعد ان قام ببناء قواعد عسكرية له في مدن عديدة و التي دخلتها جيوشه مثل الشعيبة وبغداد والحبانية وغيرها , وما يتطلبه الاحتلال والجيش من امدادات تصل له عن طريق البحر وكان ميناء البصرة مدخلا رئيسيا لحركة ودخول جيشه وامداداته , وكان الجيش البريطاني خليط من مجندين من مختلف مستعمراته فمنهم الانكليز والهنود والبولونيين ومن باقي دول العالم التي تستعمرها بريطانيا, ولهذه الاسباب حصلت هجرة مندائية داخلية ليكونوا قريبين من معسكراتهم واماكن تواجدهم طلبا للرزق .
لقد اشاعت الثقافة الاستعمارية البريطانية انماطا برجوازية جديدة على المجتمع الانكليزي ومستعمراته , وركزت مفاهيم اعتبرت ضرورية لتحاكي بروتوكولات بريطانيا العظمى , والتي تستوجب استخدام الاواني المنزلية المصنوعة من الفضة كتقليد برجوازي , والمصنوعة من الفضة العالية العيار( الاسترلينغ ) أي التي هي بنسبة 5 ,92 % في استخداماتها اليومية , فلم يكن في حينها تتوفر المواد البديلة التي اخترعت نهاية القرن العشرين والتي حلت لاحقا كبديل رخيص لها , ولان افراد الجيش البريطاني ومن معهم والطبقة الجديدة التي ظهرت بعد دخول الاحتلال البريطاني بحاجة لهذه الاواني المنزلية المصنوعة من الفضة, فقد ظهرت الحاجة لفتح حوانيت لصنع هذه الاواني تلبي اذواق الانكليز لتكون بالقرب من تواجد هم .
لقد كان اليهود يهيمنون على حرفة الصياغة في المدن الكبيرة , بما فيها صياغة الاواني الفضية المختلفة فقد كانوا يصنعونها بلمسات خاصة لاتخلوا من جمال ونقوش خاصة بهم تتركز بالغالب على الطبيعة والورود والطيور, لكنهم كانوا لايلتزمون بالنوعية العالية للفضة , فكان يمكنك ان ترى قطع متشابهة من الاواني الفضية لكن بعيارات مختلفة يبيعوها بالوزن وباسعار للمثقال الواحد ( 5غرام ) يبدا من 10 فلوس وحتى قران (20 فلس ) ، لكن الصابئة استطاعوا ان يلجوا هذا السوق وبقوة للطلب المتصاعد الذي نجم عن الظروف الجديدة , خدمهم بذلك انهم اكتشفوا سر جديد يمكن ان يضيف لمسة فنية على مصوغاتهم , وكان الفضل بذلك لعائلة آل زهرون الذين نقلوا مادة المينة السوداء من مدينة ( وان ) التركية الارمنية ,كي تطعم النقوش التي تزدان بها و تميزها عن باقي المصوغات , لقد ابتدع المندائيون نقش الاواني الفضية برسم الاثار والرموز العراقية وتطعيمها بالمينة السوداء التي اصبحت لاحقا علامة يتميز بها الصاغة المندائيون , والشيء المهم ان وجود المينة السوداء على المصوغات الفضية المنقوشة دليل قاطع بان تلك القطعة لايقل عيارها عن عيار الفضة الاسترلينغ , لان المينة السوداء لايمكن تثبيتها على الفضة التي عيارها يقل عن هذه النسبة ، لقد ابدع المندائيون وتميزوا بالنقوش والرموز التراثية ووجود المينة السوداء التي تكحل هذه النقوش ومن ثم بدأوا باستخدام المينة الملونة على الحلي الفضية والذهبية ايضا اذ اضافت سحرا اخاذا على تلك القطع خاصة عندما تخرج تلك القطع من حوانيت صاغة فنانين ومشهورين بدقة الصنعة وحرفيتهم بالنقش اضافة لذلك كان لحسن اخلاقهم ودماثة تعاملهم مع الزبائن له الاثرالكبير, فكان المندائيون يتباهون بوضع يافطات على واجهات حوانيتهم في البصرة والعمارة وبغداد وغيرها من الاماكن مكتوبا عليها بالغتين العربية والانكليزية اسم الصائغ وتحتها عبارة كتب عليها ( صائغ فني بالمينة الملونة والسوداء ) ثم يضيف لها ( شغل صبه او شغل العمارة ) ، وكانت هذه الحوانيت بسيطة في كل ماتحتويه حتى تستغرب في الوهلة الاولى كيف يمكن لهكذا حانوت ان يصاغ فيه هكذا تحف جميلة غاية في الروعة والدقة في الصنع تأخذ لناظرها الالباب, فترى الصائغ يعرض مصوغاته داخل معرض خشبي مزجج بسيط كل ماصاغت يداه ليتمكن الزبون من ان يشاهدها وهي داخله , وغالبا مايجلس هذا الصائغ على تخت خشبي بسيط على الارض وامامه هيكل خشبي (غزال ) يستخدمه لاسناد القطع التي يصوغها بعد ان يضع صينية نحاسية تملا حجره كي يجمع بها بقايا برادة مصوغاته الفضية وعدته وغالبا ماتجد على يمينه سندان حديدي و يعتبر من اساسيات عدته وبجنبه مجموعة مختلفة الاشكال والاحجام من المطارق لكل واحد منها واجب محدد , ثم تجد على يساره نصب طيني بسيط يستخدمه كورة لصهر الفضة والذهب يتصل بها منفاخ جلدي يدوي , والملفت للنظر ان ترى حوانيتهم مليئة بالسواد المتراكم نتيجة استخدامهم الفحم والنفط في عملية الصهر واللحام , وترى الصائغ ينفض يده من عمله والعدة عندما ياتي زبون ويقف على حانوته كي يشترى سلعة تعجبه وهنا يبدا الصائغ بالتعامل مع الزبون وبيع ما يرغب بشراءه بعد ان يلفت انتباهه حول دقة الصنع وميزات تلك القطعة وسعرها المناسب وباسلوب ودي .
كانت هذه المعارض البسيطة تعرض سلع جميلة منها ما يستخدم كاواني منزلية ومنها ما يستخدم كي يقدم هدايا تقدم بمناسبات مختلفة ومنها حلي تستخدمها السيدات كي يتزين بها , فتجد الصواني على اشكالها ودلال القهوة واباريق الشاي والحليب واوعية السكر والملاعق والشوك والسكاكين المختلفة وتجد حلقات المناديل ( البشاكير ) وعلب البودرة النسائية وسيت الشراب وسيت الملح والبهارات وعلب السيكائر المنضدية باشكالها و حجومها وعلب الجيب والخناجر العربية وفتاحات المظاريف واغلفة القداحات ومنافض السكائر وصور للاثار العراقية على صحون تعلق على الجدران او مثبته على قواعد خشبية ثم تشاهد انواع الاساور والقلائد والخواتم والاقراط والسلاسل وجميع هذه المصوغات رسم عليها الصور والاثار العراقية المختلفة مزينه بالمينة السوداء فتجد صور النخيل ونهري ( دجلة والفرات ) والجوامع والسفن الشراعية والقفاف وصور طاق كسرى واسد بابل والثور المجنح وملوية سامراء وغيرها من الاثار وتشاهد ايضا صور الجمل ومجاميعها على شكل قافلة يسحبها شخص , وكانوا ايضا يتفننون بنقش الاهداءات والاسماء على هذه القطع كي تبقى للذكرى وبكل اللغات .
بعد ان عمل الصابئة قرب القواعد العسكرية للجيش البريطاني وموانيء البصرة تركز وجودهم بعد رحيل القوات البريطانية اواسط القرن العشرين في بغداد فكانوا يتواجدون بكثافة في شارع النهر ( المستنصر ) وبالقرب من مدخله عند جسر الاحرار , كان يتواجد العشرات من المندائيين في حوانيت متجاورة وعلى جهتي الشارع يتجاورون مع فنادق عديدة يرتادها الانكليز والشخصيات العراقية المتميزة , وقد تميزت هذه الحوانيت ببساطتها المعروفة والاشخاص الذين يديروها بمندائيتهم ومايميزهم من لحى طويلة وعادات واخلاق مندائية متميزة ومصوغات غاية في الروعة والجمال , فكنت تسمع وعن بعد اصوات المطارق التي تصنع هذه التحف الجميلة وكنت ترى شخصيات مندائية تحمل كل الارث المندائي الجميل فترى ضامن حويزاوي وشدود نعاس وجاني سهر وغريب جبر ورحيم صادق وصالح حاجم وسالم شهيب وغدير باحور واسعد ونصرت باحور ورحيم برغوث وياسر صكر وناجي ياسر وناصر صكر والشيخ عنيسي الفياض وخضر كيطان واولاده وصبري وعزيز عودة وسبتي زهرون وغيرهم
لقد استمرت هذه الحرفة في التالق والازدهار خاصة بعد ان تم اعتمادها لصنع الكؤوس الفضية للسباقات الرياضية التي كانت تقام في حينه , ثم تم اعتمادالمصوغات الفضية تدريجيا لتقدم هدايا للوفود والشخصيات الرسمية التي تزور العراق وكانت الوفود الرسمية تاخذ معها مجاميع من هذه التحف العراقية المميزة لتقدمها هدايا الى الدول التي تزورها تلك الوفود , حتى وصل الطلب ان تصنع قطع مماثلة للمصوغات الفضية من الذهب الخالص تقدم للوفود المتميزة داخل وخارج العراق , فكانت تصنع الصواني والدلال والفناجين والسيوف والخناجر والنخيل المجسم من الفضة والذهب كي تقدم هدايا رسمية لوفود العراق ، لكن بعد تطورات الاوضاع السياسية العامة التي رافقت احداث الحرب العراقية الايرانية في ثمانينات القرن الماضي وماصاحبها من دمار وخلل باقتصاد العراق اجمالا , قامت الحكومة عقب تلك الحرب باصدار قرارات تقشفية صارمة تمنع فيها خروج معدني الذهب والفضة الى خارج العراق ولايسمح بتقديم الهدايا المصنوعة من هذين المعدنين وخروجها من العراق و بسبب الظروف العامة التي دخل فيها العراق بعد حرب الكويت والازمات الاقتصادية المتلاحقة في التسعينات من القرن الماضي , أفل نجم هذه الحرفة وبقيت تراوح مكانها وبدات بالضمور بعد ان انتقل الى الحي الازلي اعمدة هذا الفن والحرفة وضعف الطلب على تلك المصوغات الفنية الجميلة , لارتفاع اسعارها بسبب ارتفاع اسعار الفضة , وانقطاع العراقيين من التواصل مع اهاليهم واضدقاءهم خارج العراق , بسبب منع وصعوبة السفر , واستحالة التمتع بالسياحة والتنقل لاسباب مختلفة , ثم تبعتها الهجرة العشوائية للصابئة المندائيين والتي للاسف اطلقت طلقة الرحمة على هذه الحرفة الجميلة .
لقد ضاعت حرفة وفن جميل تميز به الصابئة المندائيون ولم يبقى منه الا الذكريات والصور النادرة وكان هذا الضياع نذير شؤم على المندائيين وبداية لان يبحثون عن موطن جديد لهم لعلهم يجمعوا شتاتهم ويستذكروا هذه الحرفة ( صياغة الفضة المطعمة بالمينة السوداء شغل صبة او شغل العمارة ) ولو من خلال متحف يخلد هذه الحرفة المندائية .
دمشق آذار 2010

نشرت في فنون
الأحد, 11 آب/أغسطس 2013 00:18

التنويعات في عصر الباروك

التنويعات شكل موسيقي ظهر في القرن السادس عشر، لكنه في جذوره يعود إلى زمن أبكر. أساسه الارتجال على لحن أو ثيمة (جملة موسيقية بسيطة أو معقدة) وبناء العمل على هذا اللحن عبر تكراره مع تحوير اللحن نفسه أو التآلف الموسيقي أي الهارموني أو الإيقاع أو الطبقة الصوتية أو التوزيع الموسيقي. ويصنف ضمن هذا الشكل شكلا الباساكاليا والشاكون وهما رقصتان بطيئتان بإيقاع ثلاثي في الأصل، تستعملان فقرة لحنية قصيرة تؤدى في طبقة القرار في حالة الباساكاليا، وعلى الأغلب في طبقة القرار عند الشاكون.

قد يكون اللحن المستعمل من تأليف المؤلف نفسه، أو مستعار من عمل لمؤلف آخر. من أشهر أعمال الباساكاليا ما كتبه باخ في دو الصغير (عمل رقم 582) وهندل من متتابعته رقم 7 في صول الصغير، وجان باتيست لولي في أوبرا آرميده، ومن الشاكونا اشتهرت شاكونا توماسو فيتالي في صول الصغير، وهنري برسل (رقم 730).

أما أشهر التنويعات فهي تلك التي ألفها باخ بعنوان تنويعات غولدبرغ (رقم 988 ألفها في 1741) وتتألف من ثلاثين تنويعة على لحن واحد. وألف الكثير من المؤلفين تنويعات على لحن الورقة الشهير (فوليا)، منهم فيفالدي وكوريللي وجمينياني وكذلك ابن يوهان سيباستيان باخ، الموسيقار المبدع كارل فيليب إيمانويل باخ.

 

تسجيل جديد لعمل باخ الرائع باساكاليا وفوغا في دو الصغير (تصنيف أعمال باخ 582) باستعمال بيانو مع دواسات (بيانو ذو "طابقين")

http://www.youtube.com/watch?v=DF864Fev0ws

باساكاليا اللجوء إلى الملذات، لجان باتيست لولي من أوبرا آرميده:

http://www.youtube.com/watch?v=FpCbG1aqSm8

شاكونا يوهانس هيرونيموس كابسبرغر (1580-1651)

http://www.youtube.com/watch?v=4HjH16ZDwgA

شاكونا توماسو فيتالي الشهيرة، يؤديها عازف الكمان الفيرتوز زينو فرانشسكاتي:

http://www.youtube.com/watch?v=RCVqZK-6M7M

شاكونا هنري برسل الشهيرة في صول الصغير

http://www.youtube.com/watch?v=7mug0teM940

كارل فيليب إيمانويل باخ، 12 تنويع على لحن الورقة:

http://www.youtube.com/watch?v=t8mFqL0-Ix4

لقد نوهت في الجزء الاول بان الموسيقى السومرية ترتقي بالحياة مثلما ترتقي الفلسفة بالفكر ، وهي تعتبر في معناها عن عمق الروح ، وولادتها تاتي من تجانس احاسيس عدة تنطلق من فعل الهة ما ، وهي كما وصفت في التدوينات الاولى (الاصوات المتناغمة التي نريد بها ان تستحضر الالهة ) وفعلا كان السومري يحث من خلال صوت الموسيقى الروح الهائلة الاخرى التي يظن انها مخبأة في مكان ما من زوايا العالم ، لهذا بدأت الموسيقى مع بداية الفهم الوجودي لاشياء الحضارة ، وربما تكون هي اللصيق الاول للغة حيث ادركت الدراسات ان تناغم الموجودات الطبيعية في عناصر عدة كهديل الحمام وخرير المياه ، وهدير العاصفة ، مثلت لدى الانسان سياقات صوتية عبر بها عن ردود فعل اراد بها السيطرة على شيء ، كما جاء في كلام الدكتورة نارايا ناميثون رئيس المجلس الدولي للموسيقى قولها ( ان النظام الموسيقي الاقدم الذي نعرفه هو النظام السومري وربما كانت ذروته قبل 6000 سنة مضت ، هي الوضع الاكثر قدما في الافكار الموروثة حتى من عصور ما قبل التاريخ ، وكانت الموسيقى جزءا ضروريا من الحياة الطقوسية السومرية ) ، وتقول ايضا ( كانت طقوس هذه الهياكل تبدو ذات نظام موسيقي عالي التنظيم ولدينا عنها احصاءات دقيقة مضبوطة ، وقد غمر المناطق المجاورة شيء من مجدها ومكتسباتها .

اذن كان تاثير الموسيقى السومرية والقيثارة السومرية تاثيرا كونيا وهي كما الشعر يمكن ان تكون اداة ارتقاء وتحول نحو المثل الكونية التي اعطت العالم مزيدا من منارات المعرفة ، وهذا يقودنا الى الاعتقاد ان الهاجس الموسيقي مولود في الذاكرة السومرية قبل الشعر وقبل اكتشاف الفعاليات الحضارية المدونة كالرياضيات والقوانين والتدوين بانواعه النثرية كالاشعاروالاساطير والمراثي ، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الالواح الباقية ان المرأة السومرية لا تحمل ولدها اٍلا على الجهة التي يقع فيها القلب ، وهذا اكتشف بعد اَلاف الاعوام من قبل العلماء ان صوت القلب ينبض بهاجس موسيقى خاص يدفع الطفل الى الهدوء والنوم ، ولقد تركت لنا المدونات الكثير من الترتيلات والاغاني والاشعار التي تمت بهاجس الموسيقى الى الحياة والمجتمع في سومر ، وكان للسومريون اقدم نظام موسيقي في العالم وربما ندرك في الموسيقى السومرية سرمدية الذات التي تفكر بتجاوز معضلة اليوم الصعب عندما تستعيد من قبل ثري او كاهن او أمير لتجد في الموسيقى سلوة الوصول الى حكمة القناعة بان الاّلهة تضع في الموسيقى مسببات قدر الولادة لكل سومري ، سنقرأ في هذه المدونة ، مانراه تأكيداً لما سبق ذكره :- ( أضربي في البوق ، واعزفي على الوتر ، سأرى في ذلك الطريق ... واشاهد المشيئة المطلقة ... أن ارادة الاًلهة كتبت قدري .. وشاهدت في عزفها حياتي القادمة) .

ومن الملاحظ ايضا ان في الديانة الهندية وبالاخص الديانة الفيدية التي هي جزء منها وهي ديانة قائمة على اساس الاسفار المقدسة ( كتب الفيدا ) وهي اربعة كتب ( الرغفيدا ، الياجوسفيدا ، الاتهارفافيدا ، السامافيدا ) تعتبر هذه الكتب الاربعة من تراث اقوام الهند الدرافيدية الاصلية والاقوام الارية التي وفدت اليها عام 1500ق.م ، ( وتحتوي تلك الاسفار على المعتقدات والالهة والهموم والاناشيد الدينية ، والسياسة والصلوات والاعراف والتقاليد والمهن وردود الفعل ازاء الطبيعة ... وهكذا يمتزج في كتب الفيدا ، السحر والتجارب البشرية بالنظرات الدينية ، والتراتيل ، والسرد بالتحاليل والمعارف العامة بالحكمة الشعبية والاداب الاجتماعية ، وقد كتبت هذه الاسفار باللغة السنسكريتية . .

نجد كذلك في الكنائس المسيحية واليهودية التراتيل والموسيقى الهادئة والمريحة التي تسعى للسمو بالمؤمن ، ورفع درجة تركيزه وايمانه نحو الذات الالهية .

وعند المسلمين نجد تراتيل قراءة القران واناشيد الايمان وامتداح الرسول ، وكلها تسعى لرفع الدرجة الايمانية ، وللسمو بالفرد واتجاهه نحو الله سبحانه ، وتسمى الموسيقى بالمعازف وهي محرمة شرعا .

لو تمعنى جيدا لوجدنا ان تراثنا الديني المندائي وكتبنا الدينية المقدسة زاخرة بالتراتيل والترانيم الدينية الرفيعة المستوى والتي تعبر اصدق تعبير( عن الحالة النفسية التي كان يعيشها اجدادنا وتعكس صورة حية عن نظرتهم الى حقائق الكون والحياة والوجود والخلود والتناقض بين الخير والشر ، وبعضها يدل على نظرة فلسفية عميقة تمس السلوك الأنساني والقيم الاجتماعية والروحية وتعبر عن الاعراف الدينية والأدعية والصلوات التي يرددونها ) .

لذا نجد الترانيم والتراتيل واضحة جدا في الكتب الدينية المقدسة ومنها كتاب الانياني اي كتاب التراتيل والاناشيد الدينية ، وكذلك القلستا ( كتاب الزواج ) وهو كتاب خاص للبحث عن رسوم الزواج وسننه والاحتفالات التي تقام في اثناء عقده والاناشيد التي تقرأ فيه والتي بعد الانتهاء من قراتها واجراء العمل الخاص يصبح العروسين روح واحدة ، وهو يتعلق بالزواج الروحي الذي اقيم لملكا شيشلام ربا من ازلات ربتي والتي اجريت لهم في عوالم النور العليا .

يمكن القول ان المندائية زاخرة بالاناشيد والنصوص الشعرية الجميلة :-

( كتبت من اجل الرؤيا والرائي والمرأى

وحملت مراتب الوجد لتنظر الى نور الروح

ثم تبعد السيف عن فم الوردة

فليس هناك اجمل من نغم وقصيدة

تصعد الى السماء بسلالم أجفان كاهن

وليس هناك أجمل من اغنية مندائية و ترتيلة قديمة

تقول ، حتى تصبح عريساَ مباركاً

احمل عبارة الحب وضوء القمر مهراً لعروسك ... ) .

لقد كانت للاناشيد التي قدمتها فرقة التراتيل المندائية ذات الاثر الكبير في بلورة تلك الافكار الى واقع ملموس يضج بالحيوية والنشاط في كثير من المناسبات الدينية والبراخات الجماعية الكائنة حاليا في دول المهجر خصوصا في العراق حيث اللبنة الاولى وفي ديترويت في الولايات المتدة الامريكية او في مدينة سدني الاسترالية في مندي الشيخ داخل ، حيث تقدم تلك الاناشيد وتلك التراتيل الجميلة باللغتين العربية والمندائية ، وكان اعضاء فرقة مندي بغداد : ( ميسون عصام ، ايمان كامل ، أيناس عصام ، سالي ناطق ، نغم رحيم ، سوسن عصام ، جنان كريم ، رحاب ناجي ، ثائر فارس ، وجدي رحيم ، أنس قادر ، عامر عبد ربح ، رياض كامل والاختان أرماث وأغواث ) ، كانت لها الدور الكبير والمميز في اظهار الصورة الايمانية الجميلة للمندائية .

وهذه الفرقة تاسست بايعاز من لجنة المرأة المندائية التابع لمجلس شؤون الطائفة العام في مندي بغداد وباشراف عضوة اللجنة الانسة فيحاء عبد الاحد ( الحاصلة على دبلوم معهد الدراسات الموسيقية وعضوة فرقة بابل التراثية وعضوة نقابة الفنانين العراقيين ) ، وهذه الفرقة تتكون من كورس للاطفال وكورس للأنسات المندائيات ، مختصة بأداء الاناشيد الدينية فقط .

منذ ان تاسست فرقة التراتيل المندائية قبل بضع سنوات وهي تقوم بواجبها بكل اخلاص وتفان ينظمها ويقودها شباب نذروا انفسهم لخدمة الطائفة والدين المندائي ، وهذه لجان الشباب التابعة للمنادي التي تختار النصوص الملائمة للتراتيل وتضعه بين ايدي الملحنين المبدعبن الذين يسهرون الليالي لاعدادها ثم يمضون الساعات الطوال لايصال هذا اللحن لاذهان المنشدين حتى يستقيم على السنتهم ويصبح نشيدا دينيا هادفا يرضي كل الاذواق ،

وقد استحوذت فرقة التراتيل المندائيةعلى اعجاب الحاضرين في الحفل الرائع الذي اقيم في مندي بغداد بمناسبة ظهور الترجمة العربية للسفر العظيم كتابنا المقدس ( الكنزا ربا ) الى النور لاول مرة في التاريخ عام 2001 م .

اما الموسيقى العربية بشكل عام يمكن القول انها تتضمن الوانا من الانواع والاساليب الموسيقية التي تمتد بين الموسيقى الكلاسيكية وصولا الى الموسيقى المعاصرة الحديثة ، وبين الانشاد الديني ذات الطابع المدني ، بينما تعرف الموسيقى العربية بتفردها وحيويتها فان لها تاريخا طويلا من التاثير من وفي موسيقات الحضارات المجاورة مثل الحضارة المصرية القديمة ، والاغريقية ، والفارسية والكردية والاشورية والتركية والهندية ، وموسيقى شمال افريقيا ، والموسيقى الافريقية ( السواحلية ) والموسيقى الاوربية ( ىالفلامنكو ) .

ان تذكر الاندلس وايام العرب فيها وحضارة الشرق العربي التي أثرت في تلك البلاد حتى يتبادر الى الذهن أسماء أعلام كبار كان لهم حضورهم المميز سواء في الساحة الادبية أم في الساحة العلمية أم في الساحة الفنية ومن هؤلاء زرياب موسيقار الاندلس ذلك الصبي الاسود اللون ، الذكي الملامح ابو الحسن علي بن يافع الذي عرف في التاريخ بأسم زرياب ، وانه كان تلميذ ابراهيم الموصلي وابنه اسحاق من بعده ، وزرياب موسيقار الاندلس اول من زاد الوتر الخامس في العود ، ويعتبر ابراهيم الموصلي الموسيقار الاول بلا منازع .

اما الموسيقي ابو نصر محمد الفارابي ( 872 - 950 ) وهو من فاراب وهي مدينة من بلاد الترك في ارض خراسان اليوم (ايران ) وكان ابوه قائد جيش سيف الدولة الحمداني ، وكان في بغداد مدة قصيرة ثم انتقل الى الى سوريا وتجول في البلدان الى ان استقر في دمشق وتوفى هناك وهو فيلسوف اشتهر باتقان العلوم الحكمية ، وكانت له قوة في صناعة الطب ومن اهتماماته في الميتافيزيقيا ، فلسفة السياية ، علم المنطق لان الفارابي المعلم الثاني نسبة للمعلم الاول ارسطو بسبب اهتمامه بالمنطق لان الفاربي هو شارح مؤلفات ارسطو المنطقية اضافة الى اهتمامه بعلم الاخلاق ، ونظرية المعرفة ، والطب ، اضافة الى اهتماماته في الموسيقى الذي ألف ( كتاب الموسيقى الكبير ) والذي تضمن الأسس والقواعد الموسيقية التي يسير على نهجها الموسقيون العرب حتى يومنا هذا ، ويمكن الاشارة الى المقامات الموسيقية بوصفها الأساس اللحني والنغمي للموسيقى العربية ، وهو يمكن ان يميز بالطبقات الصوتية او ادوات العزف ولا يتضمن الايقاع .

كما تناول تعريفا بمراحل تطور الموسيقى العربية في العصر الاندلسي ، ويشير الى تأثير الموسيقى العربية في الغرب ، وكيف ساهمت الاّلات الموسيقية العربية في تطوير الاّلات الغربية ، موضحا ان الجيتار تطور من القيثارة ، وان الكمان تطور من الربابة ، والطنبور من العود ، واّلات الايقاع من الطبل ، وغيرها من التاثيرات .

وفي الغرب نشات جماعة دينية جديدة تسمى السينتولوجيا ، وانتشرت كنائسها في الولايات المتحدة الامريكية ودول اوربا .. ومن بين الاشياء التي تعتمدها السينتولوجيا ، الموسيقى الدينية الخاصة بالجماعة ، اذ يتم بيع اقراص هذه الموسيقى باسعار باهظة الثمن ، وتلك موسيقا ليست صاخبة بل هادئة ، ويدعي العلمولوجيون بانها تغسل الدماغ وتنسي الموروث الفكري المكتسب بكامله ، وتصنع شخصا جديدا ، مؤمنا بالديانة الجديدة ، التي هي العلمولوجيا .

والموسيقى الصاخبة عند عبدة الشيطان شيء اساسي وهي وسيلة لتعطيل الحواس البشرية ، ونوع من التخدير العقلي ، ولان عالم فطرة الانسان هادىء يميل الى هدوء الاعصاب والابتعاد عن الصخب والصراخ والضجيج ، اخترع اصحاب الشيطان موسيقاهم الخاصة بهم ، فهي مزيج من الصخب والضجيج الذي يصم الاذان ، ويوتر الاعصاب ، ويميل الانسان الى الصرع والجنون والتخبط ، واطلقوا على تلك الموسيقى القابا واسماء لا تخلوا من النفور والتقزز والخوف والرعب ، مثال السبت الاسود والاسود القاسي العنيف وغيرها من الالقاب ، وقد اكد المحللون الذين راقبوا الموسيقى المستخدمة لدى عبدة الشيطان ان هناك انماطا عدة للموسيقى وهي ( البلاك ميتل ) و (هافي ميتل ) و ( ديث ميتل ) وكل نمط له مميزات ورقصات خاصة يهزون فيها رؤوسهم بطريقة راسية هسترية ، اما الاغاني فهي تشتم الاله وتمجد الشيطان وتمجد كل معتقداتهم وطقوسهم .

ثم نصل الى الموسيقى العربية المعاصرة بوصفها امتدادا للتقاليد الموسيقية التي تاسست بعد انهيار الامبراطورية العثمانية ، نشير الى بعض نجوم الموسيقى والغناء العربي الاصيل سيد درويش التي شكلت اغنياته وجدان اجيال عديدة في تلك المرحلة ( اغنية بلادي ) وسعيد مكاوي ، ورياض القصبجي ، ورياض السنباطي وفريد الاطرش ، ومن الملحنين اصحاب الحدائة الموسيقية محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي وكمال الطويل ، ومن المطربات كوكب الشرق ام كلثوم وعبد الحليم حافظ وفيروز ، و الاشارة الى منتصف القرن الماضي بوصفه الشاهد على الموسيقى العربية المعاصرة التي تاثرت بالغرب ، ثم لفترة التسعينيات بوصفها فترة التاثير بالموسيقى الغربية في الحان مزجت بين الشرقي والغربي ، مشيرا الى أبرز أسماء النجوم الشباب العرب ، كذلك نجد ان من اشهر العازفين في القرن العشرين هو زرياب القرن العشرين عازف العود الفنان الكبير منير بشير ، ومن بعده عازف العود العراقي الشهير نصير شمة .

ان التغني للحب والجمال فهو غذاء الروح ، لانه جوهر التفاعل الحضاري الانساني ، لان الوعي بعلاقة الحب الوجداني والالهي يخلق بناء ثابت ورصين في بناء قاعدة المجتمع السليم.

المصادر:

1- مؤيد مكلف سوادي - الترانيم الشعرية في الادب المندائي- افاق مندائية / العدد-4.

2- علاء كامل غليم - مسؤول لجنة التراتيل الدينية في مندي بغداد- افاق مندائية / العدد- 20.

3- فرقة التراتيل المندائية تستحوذ اعجاب الحاضرين- افاق مندائية - / العدد-16.

4- فراس السواح / مدخل الى نصوص الشرق القديم .

5- خزعل الماجدي / متون سومر ( الكتاب الاول - التاريخ ، الميثولوجيا ، اللاهوت ، الطقوس )

6- جان بوتيرو / الديانة عند البابليين - ترجمة د. وليد الجادر .

7- محمد المدني / انهم يعبدون الشيطان ( موسوعة العقائد والمذاهب والاديان ).

8- نعيم عبد مهلهل / ( الروح اولاً ) - جريدة المدى البغدادية .

9- خزعل الماجدي / بخور الالهة .

10- هاري ساغز / عظمة اّشور / ترجمة خالد اسعد عيسى .

11- ناجح المعموري / موسى واساطير الشرق .

12- هاري ساغز / عظمة بابل / ترجمة خالد اسعد عيسى واحمد غسان سبانو .

13- ابراهيم فرغلي / فضاء الموسيقى الالكتروني والمغالطات العربية / مجلة العربي الكويتية.

نشرت في فنون

( ان الموسيقى والتراتيل هي الجزء الفاصل بين السماء والارض ) قول حكيم .

لعل البحث عن كلمة موسيقى هو واحد من اكثر الوان البحث الاكثر اتساعاً ، ولكي نقرب الصورة فان عدد نتائج البحث عن الكلمة ربما يعد اكثر النتائج وهو ما يعكس الاهتمام منقطع النظير بفنون الموسيقى المنوعة في ارجاء العالم ، لان الموسيقى توحد الجميع .

يمكن تعريف الموسبقى كما جاء في موسوعة اليوكيبيديا : الموسيقى هي فن مالفة الاصوات والسكوت عبر فترة زمنية ، خصائص الصوت التي تصف الموسيقى هي طبقة الصوت (

pitch - تشمل اللحن والتجانس الهارموني ) ، الايقاع ( بما فيه الميزان ) ، الجودة الصوتية لكل من جرس النغمة ( timbre ) ، الزخرفة ( articulation ) ، الحيوية ( dynamics ) ، والعذوبة ( texture ) .

ان تاليف الموسيقى وطريقة ادائها وحتى تعريفها بالاصل تختلف تبعا للسياق الحضاري والاجتماعي ، وهي تعزف بواسطة مختلف الالات : العضوية ( صوت الانسان ، التصفيق ) والات النفخ ( الناي ، الصفارة ) والوترية ( مثل : العود والقيثارة والكمان ) ، والالكترونية ( الاورك ) ، تتفاوت الادوات الموسيقية بين موسيقى منظمة بشدة في احيان، الى موسيقى حرة غير مقيدة بانظمة في احيان اخرى ، تشير الموسوعة في نسختها الانكليزية الى ان الموسيقى العربية تتضمن الوانا من الانواع والاساليب الموسيقية التي تمتد بين الموسيقى الكلاسيكية وصولا الى الموسيقى المعاصرة الحديثة ، وبين الانشاد الديني والموسيقى ذات الطابع المدني ، وبينما تعرف الموسيقى العربية بتفردها وحيويتها فان لها تاريخا طويلا من التأثر والتأثير من وفي موسيقات الحضارات المجاورة مثل الحضارة المصرية القديمة ، والاغريقية ، والفارسية والكردية والاشورية والتركية والهندية ، وموسيقى شمال افريقيا ، والموسيقى الافريقية ( السواحيلية ) ، والموسيقى الاوربية ( الفلامنكو ) ، ويشير موقع ( يوكيبيديا ) الى ان تطور الموسيقى العربية تعود الى جذوره الاولى لمرحلة الشعر العربي القديم الذي ساد في عصور ما قبل الاسلام ، وان ظهور الموسيقى في تلك الفترة ارتبط ببعض الطقوس الشعائرية التي ارتبطت بالسحر ، كما شاع لاحقا بدء ظهور ألات موسيقية مثل الربابة والعود وعرفت النساء بالصوت الجميل .

لقد اقترنت الموسيقى بالرقص منذ الازل مع عدد من الطقوس والعقائد الدينية المبكرة ، وكانت اكثر تلك العقائد صلة مع الرقص ، هي العقائد السحرية وطقوسها التي عرفتها الحضارات الأول ، وذلك باعتبارها - العقائد السحرية - العتبة الاولى في سلسلة المراحل الفكرية التي عرفتها الحضارات ، وبشكل ادق عرفتها الديانات .

لقد لعبت الممارسات السحرية دورا خطيرا وكبيرا في الابتداء الحضاري ، وقدمت عونأ روحيا للانسان عندما استعان بها من اجل مقاومة حياته وصعوباتها ومخاطرها ، التي واجهته في الغابات ، مثلما استعان بها لاقامة حواره الطبيعي مع الظواهر الطبيعية والانواء ، الامطار / العواصف / الرعود / الاصوات الغريبة ، الغير معروفة له قبلا ، حتى ابتدا يتألف مع مكانه وظروفه ، وكان بدون وعي يقوم بحركات ورقصات حول فرائسه او طرائده لحظة التمكن منها ، ليعبر عن فرحته وسعادته بتحقق الفوز والانتصار ، وابتدات هذه الممارسات تتطور وتاخذ شكلا مختلفا او صارت محكومة بوقت معني ، وان اتساع هذه الممارسات والطقوس ، ساهم بتطور الالفة الفردية باتجاه علاقة جمعية مع مثيله ، وحصل الترابط مع غيره من بني البشر ، وتطورت لديه ايضا الممارسات السحرية المصحوبة بالحركة والرقص ، وتحولت بمرور الوقت خصائص معبرة عن الفرح والسعادة ، كذلك مصاحبتها لاي ممارسة دينية / احتفالية ، لان الاحتفالات والطقوس لا تكون ابدا بمعزل عن الرقص .

يكرس الرقص طقسا دينيا مصاحبا لبعض الترانيم والادعية وخصوصا في الفترات اللاحقة والتي صارت فيها للمراة مكانة في الحياة والدين / الحضارة ، اي في فجر المرحلة الحضارية التي كانت فيها السلطة للالوهية المؤنثة ، عندما لعبت الام وممثلاتها دورا مهما في تطوير الرقص وجعله فناَ ملازما للعقائد الدينية والممارسات السحرية . لان المراة دخلت عنصرا حيويا فيه مشاركة للرجل وذلك من اجل تطويره ، كما ان للام الكبرى وجدت في الممارسة الرقصية وسيلة للاغواء والاغراء ، مثلما صار فناَ خاصا بها ولها ، استطاعت من خلاله ادامة طقس الاتصال الادخالي / الثنائي ، وتطوير عقائد الجنس المقدس ، كما كان وما زال للرقص عند كثير من الشعوب والقبائل وظائف ما تزال الى الان محافظة على طابعها السحري / التوسلي بالالهة والطبيعة من نزول المطر او درء خطر ما ، ان اكثر الوظائف اقترانا بالرقص وارتباطا به لدرجة الاندماج الكامل ، هبي الوظائف ذات العلاقة بنظام الخصوبة الكلي ، اي المنظومات والوحدات ذات الصلة بخصب النساء ، الارض ، الاشجار ، الحيوانات ، السماء .

يمكننا القول ايضاً ان التراتيل الدينية ليست وليدة اليوم بل كانت موجودة منذ ازمان بعيدة في التاريخ الانساني ، كانت شائعة في بلاد الرافدين منذ زمن السومريين والبابلين والاشوريين حيث وجدت مخطوطات وكتابات بهذا الخصوص تتعلق بالتراتيل الدينية الرافدينية ، وعثر على نصوص منها في مكتبة الملك الاشوري اشور بانيبال بنينوى ( 668-633 ق.م ) ، وكانت عبارة عن صلاة وتوسل لاله الشمس (شَمَشُ) باعتباره قوة كونية شمولية ، والها للقانون والنظام والعدالة ، فهو يشرق على الارض بجميع اقطارها ، وعلى البحار فيخترق اعماقها ، كما وانه يشرق على العالم الاسفل ايضا ، وهو يطلع على اعمال البشر فيحسن الى الاخيار ويعاقب الاشرار ، وهناك ترتيلة من تاليف الملك الاشوري اشور بانيبال وضعها في تسبيح اله الشمش ( شمش ) وهي عبارة عن ترتيلة تتعلق بالنصوص النذرية والنصوص الملكية واستجلاب البركات ، وفي مقدمتها يقول ( انت نور الالهة العظمى ، نور الارض ، الذي يضيء اقطار العالم . انت القاضي المبجل ، المحترم في العالم الاعلى والاسفل . تنظر من علاليك واشعتك تفحص كل البلاد . تعطي الوحي والالهام ، وفي كل يوم تصنع قرارات السماء والارض .. الى اخر الترتيلة ) . ، وهناك ترتيلة الى اله القمر نانا / سن ، عثر عليها في موقع مدينة نينوى الاشورية .، وهناك ترتيلة موضوعة على لسان الكاهنة انحدوانا ابنة الملك صارغون الكبير موسس السلالة الاكدية (2371- 2316 ق.م )، وهي كاهنة عليا للاله نانا ( سن ) في معبده الرئيسي بمدينة اور السومرية .، وهناك ايضا ترتيلة عشتار ركزت على خصائص عشتار كالهة للحرب . اما الصلوات والتراتيل المصرية الفرعونية كانت تراتيل اخناتون ( امينحوتب الرابع )وهي تمجد الاله الواحد خلال فترة حكمه ( 1369 - 1353 ق.م ) وهي عبارة عن تحويل الارهاصات التوحيدية في الديانة المصرية التقليدية الى عقيدة توحيدية صافية تدور حول اله خاف يتجسد في العالم من خلال قرص الشمش أتون ، وهما الترتيلة الطويلة تخص مدح الاله والتي مطلعها ( كم جميل شروقك في افق السماء ، اي اتون الحي ، مبتدا الحياة . عنما تظهر في الافق الشرقي ، يملا جمالك كل قطر .. الى اخر الترتيلة ) وهنالك الترتيلة القصيرة وهي تخص مدح الاله ايضا والذي مقطعها ( انك تشرق بجلال يا اتون الحي ، رب الابدية .جمالك ينعش كل قلب ، جمالك حياة .عندها كل الاذرع ترتفع اليك في ابتهال وصلاة . المغنون والمغنيات والجوقات تهلل لك في معبد المسلة . وفي كل معبد في مدينة (اخيت اتون ) مقر الحقبقة .ويؤدي ابنك الطاهر ما ترغب به من طقوس .. الى اخر الترتيلة القصيرة ) .

كانت التراتيل طقوسا لانها كانت تؤدى بطريقة طقسية ووفق ضبط موسيقي في الكثير من الاحيان ، وكان السومريون يسمون الترتيل ب ( شير

SHIR ) وربما في هذه الكلمة ما يشير الى الشعررغم ان كلمة شعر بالسومرية هي ( سر SIR ) ، ويقابل كلمة تراتيل الاكدية (ZAMARU) اما كلمة شعر بالاكدية فهي (شيرو SHIRU) . وكانت التراتيل متفاوته الطول وهناك منها ما هو غير ديني خصوصا التراتيل الموجهة للملوك .

وتختلف التراتيل عن الادعية والتعاويذ في كونها ، اناشيد طقسية روحية يشحنها التامل في صفات الاله والترك بقواه ومناشدته الحب والاتصال . اما الادعية فتقوم على اساس التوسل بالاله ومطالبته بشيء محدد كالصحة او النجاح او رفع الظلم وغيرها ، في حين تبدو التعاويذ نوعا من النصوص الطقسية التي تطرد الشياطين باستحضار الاله وتطرد الاذى باستحضارالروح الخيرة للاله .

وتنقسم التراتيل السومرية الى قسمين اساسين هما التراتيل الكهنوتية والتراتيل الملكية ، وتتضمن التراتيل الكهنوتية مدائح تقديس وتمجيد للاّلهة السومريين العظام منهم بشكل خاص ، اما الملكية فقد نظمت بحق الملوك وتمجيد اعمالهم الا انها لا تخلوا من المديح والاطراء على اله عاصمة الملك او الاله المسبب لدوافع المديح، وكانت التراتيل بصورة عامة تتكون من ابيات منظومة كل بيت ينقسم الى شطرين ، بوزن متشابه ومعنى متقارب ولكل منهما رفعتان صوتيتان او ثلاث رفعات لغرض الغناء وكثيرا ما تزداد هذه الارتفاعات الصوتية فتبلغ الستة رفعات في شطر واحد ، ولكن يعقب كل رفعتين صوتيتين انخفاض صوتي واحد او انخفاضان وبعض الاحيان ثلاث خفضات صوتية ، وكانت التراتيل تؤدى وفق الحان معينة معروفة على ضربات الموسيقى بين دق الطبول ونقر الدفوف ، والحان القيثارة تتعالى منها نغمات العذارى من راقصات المعبد .

اثناء تقديم واقامة الصلوات الرسمية فان المتعبد او الكاهن يخاطب الاله في نغمة شعرية نجدها مرتبة في فصولها ونسميها ( ترانيم ومزامير ) . اما اللغة المستخدمة في ذلك فهي السومرية غالبا ، ونفس الصلاة الموروثة ايضا من السومريين والمؤلفة بلغتهم اصبحت من الطقوس البابلية واضافوا اليها اضافات تقليدية بين السطور وبلغة عامية ، ولكنهم مع ذلك فقد كتبوا باللغة الاكدية مجموعة كبيرة من الصلوات والاناشيد ، وتكون هذه اما على شكل ترانيم تعظيمية ، او كلمات خطابية للصلاة ، القصد منها التوسل والطلب ، ويمكن تمييزها وتصنيفها في مراتب حسب انغامها وحسب استعمالها في الطقس ومن هذه ( رفع اليد اثناء الصلاة ) او عمل ( انين بواسطة المزمار ) او اغاني شعبية ( في موضوع الصلوات ) لانعاش قلوب الالهة ، وكذلك اطلاق ( الصرخات طلب الرحمة ) او تعديد مطول بالخطايا ، ومن هذه الاناشيد والتراتيل الدينية ( نشيد التوبة ) وكان مطلعه ( يا مردوخ الشجاع الذي غضبه مثل غضب العاصفة ، ولكن نعمته اب رؤوف ! دعائي ، لم يستمع اليه احد : وهذا ما يفجعني ، صرختي ، لم يجب عليها احد ، وهذا ما يعذبني ، فارقت قلبي كل شجاعتي : واصبحت منطويا على نفسي عجوزا ، سيد القوة ، مردوخ اله الرحمة بين البشر.... الى اخر التريلة ).

ان طقس العبادة الرسمي وهذه المزامير نفسها كانت تنشد من قبل فرقة تصاحبها فرقة موسيقية تعزف اما على المزمار او على الدف او السنطور وهذه الالات الموسيقية كانت مقدسة ايضا وهناك نص مكتوب بالكتابة المسمارية وهو محفوظ الان في متحف اللوفر وهو يرشدنا الى طقس معقد وصعب يفسر طريقة تطبيقة بخصوص تغطية الدف البرونزي الخاص بالمعبد بغطاء جلدي جديد لعجل وفق طقوس خاصة لاقامة مثل هذا النوع من التراتيل الدينية .

ونلاحظ هذه الحالة موجودة بشكل واضح لا يقبل الجدل في الازمنة البابلية حيث اوكلت مهمة الادعية والتراتيل والاناشيد الطقسية الى الكهنة خدام المعبد البابلي ، والتي كانت مراتبهم اقل واخفض من المراتب العليا ، ويظهر ان كهنة الايريب - بيتي هم المسؤولون عن الاحتفالات العادية بالنسبة للاضحيات المنتظمة للالهة ولمساعدة الموظفين الاخرين في انواع اخرى من الاحتفالات ، فالاريبو - بيتي الريس يقود حملة المشاعل الاتين من الزقورات ومعهم كهنة الماشماشر وكانوا هم الراقين والمنشدين ، او يذهب الملك ومعه الاريبو - بيتي الى قدس الاقداس ويملا الاريبو - بيتي حوض الماء لكي تغسل الالهة عشتار يديها ، وكان الماشماشو والاشيبو طبقتين من الكهنة يهتمان بالادعية والابتهالات .

وكان عدد كبير من الطقوس والابتهالات المذكورة اعلاه يتم عن طريق الماشماشو ولكن ليس في المعبد بل في منزل الرجل المصاب ، مكا هم مسؤولون ايضا عن اتمام طقوس التنقية او التنظيف في المعبد وتطهيره وكان الكالو من الراقين وكان جزء من عملهم تهدئة قلوب الالهة عن طريق الموسيقى وهناك نصوص خاصة لهذه الطقوس يقدم تقارير مفصلة عن تحضير الطبل المقدس الذي يستخدمه هذا النوع من الكهنة .

وكان النارو

Naru هو المنشد وكان هناك منشدان ومنشدون ، وقد كان هؤلاء مرتبطين بالكانو وكانت الطبقتان تشتركان في انشاد قصائد الرثاء ، وفي طقس المعبد كان الموجه الرئيسي هو الشيشاغالو وهو الذي كان يوجه المرتلين في اعياد راس السنة في بالبل وكان موزع شارات السلطة والشرف ، وكانت الضحايا تذبح عن طريق الكهنة الذين يدعون الشائقو ، وهنلك موظفين ايضا لتادية بعض المظاهر العملية في طقس المعبد ويدعون ماري - اون ماني ( الحرفيون ) ، اضافة الى الكهنة المختصين بغسل وتزييت الطقوس وكانت طقوس الغسل تحدث في احد اجزاء المعبد او القصر ويدعى بيت - يميكي ( بيت الغسل ) .

لقد لعبت الموسيقى دورا مهما في الطقوس في كل من الهيكل والدولة ، وبالاضافة الى ذلك في التراتيل التي كان يقدمها الكالو ومعناها ( كاهن الابتهالات ) ، وكان هناك طبقة من الناس قد كرّسو انفسهم للموسيقى ، وكانوا يقدمون موسيقى الصوت والعزف على الاّلات الموسيقية ، وكان الشخص من هذا النوع يدعى (نارو) والمؤنث نارتو ، وكان الموسيقيون يذكرون الى جانب الكالو في الطقوس في المعابد ولكن مراتبهم الاجتماعية كانت ادنى من هؤلاء .

وكانت مسؤولية ترتيب التراتيل تقع على الكالو، وكانت واجبات النارو ان ينشدوا الاناشيد بشكل جيد وان يعزفوا على الاّلات الموسيقية ، وقد كان الموسيقيون سواء كانوا ذكورا ام اناثا يذكرون باعداد كبيرة بما يختص بشؤون القصور ، اذ ان الملوك الاشوريون كانوا حريصين على جمعهم .

ولدى الاستيلاء على بلاد اخرى كان الاّشوريون يجلبون احيانا مجموعات من مثل هؤلاء الناس باعتبارهم جزءأ من الغنائم ، وكان الموسيقيون يرافقون الملك الاّشوري اثناء غزواته .

انتهى الجزء الاول ويليه الجزء الثاني والاخير مع المصادر.

نشرت في فنون

ﻣــﺬ ﺻﻐﺮه، ﻛﺎن ﻳﺮى ﻗﻮﻣاً ﻳﻠﺒﺴــﻮن ﻣﻼﺑﺲ ﺑﻴﻀــﺎء ﻳﻨﺰﻟﻮن ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺮ وﻳﺆدون ﻃﻘﻮﺳــاَ ﻗﻴﻞ ﻟﻪ اﺳــﻤﻬﻢ (اﻟﺼﺎﺑﺌﺔ).. ﺑﻘﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺸﻬﺪ ﻣﻨﻄﺒﻌاَ ﻓﻲ وﺟﺪاﻧﻪ، وﻫﻮ ﻳﻨﻤﻮ وﻳﻌﺎرك اﻟﺤﻴــﺎة ﺳــﻴﻨﻤﺎﺋﻴاَ.. ﺑﻘﻴﺖ ﻫﺬه اﻟﺼﻮرة ﺗﻤﺸــﻲ وﺗﻌﻴــﺶ ﻣﻌﻪ وﺗﻼﺣﻘﻪ.. ﺻــﻮرة اﻟﺼﺎﺑﺌﺔ اﻟﻤﻨﺪاﺋﻴﻴــﻦ، وﺻــﺎر ﻳﻘــﺮأ ﻋﻨﻬــﻢ وﻳﺒﺤــﺚ ﻓــﻲ دﻳﺎﻧﺘﻬــﻢ وﻋﻼﻗــﺔ ﻫــﺬه اﻟﺪﻳﺎﻧــﺔ ﺑﺎﻟﻤــﺎء وﺑﺎﻟﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺴﻮﻣﺮﻳﺔ.

إﻧــﻪ اﻟﻤﺨﺮج واﻟﺮواﺋﻲ اﻟﻌﺮاﻗﻲ اﻟﻤﻘﻴﻢ ﻓﻲ ﻫﻮﻟﻨﺪا ﻗﺎﺳــﻢ ﺣــﻮل، ﻓﺒﻌﺪ ﻓﻴﻠﻢ (اﻟﻤﻐﻨﻲ) اﻟﺤﺎﺻﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﻮاﺋﺰ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ، ﺳﺎﻓﺮت ﻛﺎﻣﻴﺮاﺗﻪ ﻧﺤﻮ ﻋﺎﻟﻢ ﻻ ﻧﻌﺮف ﻋﻨﻪ ﺳــﻮى اﻟﻘﻠﻴﻞ، وﻫﺬا اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻟﻴﺲ ﺳﻮى اﻟﺴــﻄﺢ. أﻣﺎ اﻟﻜﺜﻴﺮ؛ ﻓﻬﻮ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻣﻦ الأﻛﺎدﻳﻤﻴﻴﻦ وﻋﻨﺪ اﻟﻤﺨﺮﺟﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺮؤون اﻟﻮاﻗﻊ ﺑﻌﻴﻦ اﻟﻮﻋﻲ.


وﻟﻠﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ ﻓﻜﺮة اﻟﻔﻴﻠﻢ وأﻫﺪاﻓﻪ، أﺟﺮﻳﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﺤﻮار ﻣﻊ اﻟﻤﺨﺮج ﻗﺎﺳﻢ ﺣﻮل..

س. ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺻﺮﺍﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺘﺴﺠﻴﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺃﻓﻼﻣﻚ؟
ج. ﺗﻌﺮﻳﺠﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴـــﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻘﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﻦ ﻭﺍﻟﺤﻴﻦ ﻫﻮ ﺷﻮﻗﻲ ﺍﻟﻌﺎﺭﻡ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﺎﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻷﻓﻼﻡ، ﻓﻬﻮ ﻋﻨﺪﻱ ﺍﺳﺘﺮﺍﺣﺔ ﺫﻫﻨﻴﺔ، ﻣـــﻦ ﺍﻷﻓﻼﻡ ﺍﻟﺴـــﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻤﺜﻠﻴﻦ، ﻭﺍﺳـــﺘﺮﺍﺣﺔ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﺣﻴـــﺚ ﺍﻟﻔﻴﻠـــﻢ ﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻘﻲ ﻟﻴﺲ ﺳـــﻮﻯ ﻛﺎﻣﻴﺮﺍ ﻭﻭﺍﻗـــﻊ. ﻭﻷﻥ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺛﺮﻱ ﻭﻏﻨﻲ ﺑﻤﻌﻄﻴﺎﺗـــﻪ، ﻭﺍﻟﻜﺎﻣﻴﺮﺍ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺑﺬﺍﺕ ﺍﻟﺤﺠﻢ ﻭﺍﻟﺒﺬﺥ ﺍﻟﺴـــﺎﺑﻖ، ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﻔﻴﻠﻢ ﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻘﻲ ﺃﺳﻬﻞ ﻟﻠﺘﻨﻔﻴﺬ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻝ.


س. ﻫﻞ ﻳﺮﻯ ﻗﺎﺳـــﻢ ﺣﻮﻝ ﺃﻥ ﺛﻤﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﻓﻴﻠﻢ (ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻤﺎﺀ) ﻭﻓﻴﻠﻤﻪ (ﺍﻷﻫﻮﺍﺭ)؟
ج. ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻭﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺎ ﺛﻤﺔ ﻋﻼﻗﺔ، ﻛﻮﻥ ﺳـــﻜﺎﻥ ﺍﻷﻫﻮﺍﺭ ﻓﻠﺴـــﻔﺘﻬﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴـــﺔ ﻏﻴـــﺮ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﻋـــﻦ ﺍﻟﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺴـــﻮﻣﺮﻳﺔ، ﻭﻣـــﻦ ﻳﻘﺮﺃ ﻛﺘﺎﺏ (ﺍﻟﻜﻨـــﺰا) ﻳﻠﻤﺲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻼﻗـــﺔ ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻓﺼﻞ ﻣـــﻦ ﻓﺼﻮﻝ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻘـــﺪﺱ، ﻛﻤﺎ ﻭﺃﻥ ﺳـــﻜﺎﻥ ﺍﻷﻫﻮﺍﺭ ﻳﻤﺘﻬﻨﻮﻥ ﻣﻬﻨـــﺔ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﺰﻭﺍﺭﻕ ﺑﺄﻧﻮﺍﻋﻬﺎ ﻣﻦ (ﺍﻟﻤﺸـــﺎﺣﻴﻒ ﻭﺍﻟﻄـــﺮﺍﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺒﺮﺍﻛـــﺶ ﻭﺍﻟﻤﺎﻃﻮﺭﺍﺕ)، ﻭﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻟﻠﺰﻭﺍﺭﻕ ﻓﻲ ﺍﻷﻫﻮﺍﺭ.

س. ﻟﻜـــﻦ ﺍﻟﺼﺎﺑﺌـــﺔ ﻳﻌﻴـــﺶ ﺃﻏﻠﺒﻬـــﻢ ﻓـــﻲ ﺍﻟﻤـــﺪﻥ ﺍﻟﻘﺮﻳﺒـــﺔ ﻣـــﻦ ﺍﻷﻧﻬﺎﺭ؟Qassem Hawel
ج. ﺍﻟﺼﺎﺑﺌـــﺔ ﺍﻟﻤﻨﺪﺍﺋﻴﻮﻥ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻌﻴﺸـــﻮﻥ ﻭﻳﺘﻌﺎﻳﺸـــﻮﻥ ﺿﻤﻦ ﺳـــﻜﺎﻥ ﺍﻷﻫﻮﺍﺭ، ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎﻑ ﺍﻷﻫﻮﺍﺭ، ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎﻑ ﻧﻬﺮﻱ ﺩﺟﻠﺔ ﻭﺍﻟﻔـــﺮﺍﺕ، ﺑﺴـــﺒﺐ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻄﻘـــﻮﺱ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴـــﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬـــﻢ، ﻭﻋﻼﻗﺔ ﻓﻠﺴـــﻔﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﻤـــﺎﺀ، ﻓﻬﻢ ﻛﻤـــﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺴـــﻠﻤﻮﻥ ﻭﺍﻹﺳـــﻼﻡ: (ﻭﺟﻌﻠﻨﺎ ﻣـــﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻛﻞ ﺷـــﻲﺀ ﺣﻲ)، ﻳﻘﻮﻟـــﻮﻥ ﻫﻢ: (ﻭﻣـــﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺻﺮﻧـــﺎ). ﻫﺬﺍ ﻳﻘﺮﺏ ﺷـــﻜﻞ ﺍﻟﻔﻴﻠـــﻢ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺃﻭ ﺫﺍﻙ ﻣﻦ ﻓﻴﻠـــﻢ (ﺍﻷﻫﻮﺍﺭ)، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔﺎﻥ ﻃﺒﻌﺎ، ﻭﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﻭﻣﻼﺑﺴﻬﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ.

س. ﻫﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻋﻠﻨﻴﺔ ﻭﺗﻘﺎﻡ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺟﻤﻴﻌﺎ؟
 ج. ﻫـــﻢ ﻣﺜﻼ ﻳﺤﺘﻔﻠﻮﻥ ﺑﻌﻴﺪﻫﻢ ﻣﺨﺘﻔﻴﻦ ﺑﻌﻴﺪﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻳﻐﻠﻘﻮﻥ ﺃﺑﻮﺍﺑﻬﻢ ﺳـــﺘﺎ ﻭﺛﻼﺛﻴﻦ ﺳـــﺎﻋﺔ ﻣﻌﺘﻘﺪﻳﻦ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ (ﻭﻫﻮ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺷـــﻬﺮ ﺷـــﺒﺎﻁ/ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ) ﺗﺼﻌﺪ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴـــﻤﺎﺀ ﻟﺘﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﺸﻜﺮ ﻟﻠﺨﺎﻟـــﻖ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻘـــﻪ ﺁﺩﻡ ﻭﺗﻜﺮﻳﻤﻪ ﺑﻬـــﺬﺍ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﻭﻳﻈﻨـــﻮﻥ ﺃﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﺳﻮﻑ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ، ﻭﻫﻢ ﻳﺨﺎﻓﻮﻥ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﺍﻟﺸﺮﺍﺀ ﻓﻴﻌﺘﻜﻔﻮﻥ ﻓﻲ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ ﻭﻻ ﻳﻤﺴـــﻮﻥ ﺃﺣﺪﺍ ﻭﻻ ﻳﻤﺴـــﻜﻮﻥ ﻧﺒﺎﺗﺎ! ﻭﻳﺴﻤﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻴﺪ (ﻋﻴـــﺪ ﺍﻟﻜﺮﺻـــﺔ) ﺃﻱ ﻋﻴـــﺪ ﺍﻻﺧﺘﻔﺎﺀ. ﻫـــﺬﻩ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻫـــﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﺍﻟﻔﻴﻠـــﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ ﻋﻦ ﻓﻴﻠﻤﻲ ﺍﻟﺴـــﺎﺑﻖ (ﺍﻷﻫﻮﺍﺭ) ﺑﺴـــﺒﺐ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺒﺸـــﺮ ﻭﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻄﻘﻮﺱ. ﻟﻜﻨﻪ ﻓﻴﻠﻢ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻧﻪ (ﻣﺎﺋﻲ) ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ.


س. ﻭﺃﻳﻦ ﺗﻔﻜﺮ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﻌﺮﺽ ﺍﻷﻭﻝ؟
ج. ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻭﺃﺑﺪﺍ ﺃﻭﻝ ﻣﺎ ﻳﺨﻄﺮ ﻓﻲ ﺑﺎﻟﻲ ﻣﻬﺮﺟﺎﻥ ﺍﻟﺨﻠﻴﺞ ﻭﻣﻬﺮﺟﺎﻥ ﺩﺑﻲ، ﻓﻠﻠﺼﺪﺍﻗﺎﺕ ﻭﻟﻠﺤﻨﺎﻥ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ.

س. ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﺘﺢ ﻟﻚ ﺍﻟﻔﺮﺻﺔ؟
ج. ﺍﻟﻤﻔـــﺮﻭﺽ ﻓﻲ ﺑﻌـــﺾ ﺍﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎﺕ ﺃﻥ ﻳﺸـــﺎﻫﺪﻩ ﺑﻀﻊ ﻣﺌﺎﺕ، ﻭﺇﺫﺍ ﺣﺎﻟﻔﻨـــﻲ ﺍﻟﺤﻆ ﻓﻘﺪ ﺃﺑﻴﻌﻪ ﻹﺣـــﺪﻯ ﻣﺤﻄﺎﺕ ﺍﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻠﺠﺄ ﺍﻵﻣﻦ ﻟﻜﻞ ﻣﺨﺮﺝ ﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻲ!

س. ﻟﻤـــﺎﺫﺍ؟ ﻻﺳـــﻴﻤﺎ ﺃﻥ ﻓﻴﻠﻤـــﻚ ﻳﺘﻤﺤـــﻮﺭ ﻓـــﻲ ﺍﺗﺠـــﺎﻩ ﺍﻟﺘﻮﺛﻴـــﻖ ﻭﺍﻟﺘﺴﺠﻴﻞ؟
ج. ﻧﻌـــﻢ، ﻟﻜـــﻦ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺻﺎﻻﺕ ﺍﻟﺴـــﻴﻨﻤﺎ ﺳـــﻮﻑ ﺗﺨﺘﻔـــﻲ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺍﺧﺘﻔـــﺖ ﻓـــﻲ ﺍﻟﻌـــﺮﺍﻕ، ﺗﺘﻬﺪﻡ ﻣﺜﻠﻤـــﺎ ﺗﻬﺪﻣﺖ ﻓـــﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ، ﺗﺘﺤـــﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﺨﺎﺯﻥ ﻣﺜﻠﻤـــﺎ ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ، ﺗﻐﻠﻖ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺃﺗﻮﻗﻊ ﺃﻥ ﺗﻐﻠﻖ ﻗﺮﻳﺒﺎ ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ، ﻳﻐﻴﺐ ﻋﻨﻬـــﺎ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻐﻴﺐ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮ، ﺃﻭ ﻳﺘﻨﺎﻗﺺ ﻋﺪﺩ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﻳﻦ.. ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺮﺍﺟﻊ، ﻭﺃﺳﻌﺎﺭ ﺍﻟﻨﺠـــﻮﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺭﺗﻔﻌـــﺖ ﻭﺃﺭﻫﻘﺖ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻧﻴﺎﺕ ﻓﻲ ﻣﺼـــﺮ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻭﺻﻞ ﺳـــﻌﺮ ﺍﻟﻨﺠﻢ ﺇﻟـــﻰ ﻣﻠﻴﻮﻧﻴﻦ ﻭﺃﺭﺑﻌﺔ ﻣﻼﻳﻴﻦ، ﺳـــﻮﻑ ﻳﺪﻓـــﻊ ﺍﻟﻨﺠﻢ ﻣﻦ ﺟﻴﺒـــﻪ ﻟﻮ ﺣﺼﻞ ﻋﻠـــﻰ ﻓﺮﺻﺔ ﻋﻤﻞ ﻓﻴﻠﻢ. ﻫﺬﺍ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﺴـــﻴﻨﻤﺎ، ﻭﻳﻨﺒﻐﻲ، ﻓﻨﺤﻦ ﻓﻲ ﺗﺮﺍﺟﻊ..

س. ﻟﻜـــﻦ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻧﻈﺮﺓ ﻋﺎﻣـــﺔ ﻭﻣﺮﺍﺟﻌﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺗﻮﺍﻛﺐ ﺗﻄﻮﺭ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ؟ 
ج.  ﺻﺮﺍﺣﺔ، ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﺗﺮﺍﺟﻊ ﻏﻴﺮ ﻣﻠﻤﻮﺱ ﻟﻤﺲ ﺍﻟﻴﺪ ﻭﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﻌﻴﻦ، ﻟﻜﻨﻨـــﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺮﺍﺟﻊ.. ﺛﻤﺔ ﻣﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺳﻴﺎﺳـــﻴﺔ ﺁﺗﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻤﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺼﻠﺖ، ﻭﻟﻜﻦ ﺑﺄﺷـــﻜﺎﻝ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ. ﺛﻤﺔ ﻗﻮﻯ ﺗﺮﺗﺐ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻭﻧﺤﻦ ﻻ ﺣﻮﻝ ﻟﻨﺎ ﻭﻻ ﻗﻮﺓ. ﺳـــﻮﻑ ﻳﻠﺠﺄ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﻠﺴﻼﺕ ﺍﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮﻧﻴﺔ ﻷﻥ ﺍﻟﺘﻠﻔﺰﻳـــﻮﻥ ﺟﻬـــﺎﺯ ﺟﺎﺋـــﻊ ﻣﻔﺘﻮﺡ ﺍﻟﻔـــﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻯ ﺃﺭﺑﻊ ﻭﻋﺸـــﺮﻳﻦ ﺳﺎﻋﺔ، ﻭﻋﻠﻴﻚ ﺃﻥ ﺗﻤﻸ ﻓﻤﻪ ﺑﺎﻟﺘﺒﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺒﻦ.. ﻓﻸﻣﺮ ﺳﻴﺎﻥ!


س. ﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﺮﺯ ﻭﺍﺿﺢ ﻟﻠﻤﺘﻠﻘﻲ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ؟
ج. ﻻ ﺃﺣـــﺪ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠـــﻰ ﺍﻟﻔﺮﺯ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺟﻴﺪ ﻭﻣـــﺎ ﻫﻮ ﺭﺩﻱﺀ.. ﺑﻴﻦ ﻣـــﺎ ﻫﻮ ﺻﺢ ﻭﻣـــﺎ ﻫﻮ ﺧﻄﺄ.. ﺳـــﻮﻑ ﻧـــﺮﻯ ﺍﻟﻜﺜﻴـــﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﺴـــﻼﺕ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴـــﺔ، ﻓﺎﻟﻤﻼﺑـــﺲ ﻣﺘﻮﺍﻓﺮﺓ ﻣـــﻊ ﻣﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺑﺴـــﻴﻄﺔ.. ﺍﻟﻌﺒﺎﺀﺍﺕ ﻭﺍﻟﺴـــﻴﻮﻑ ﻭﺍﻟﺨﻴﻮﻝ.. ﻛﻞ ﺷـــﻲﺀ ﻣﺘﻮﺍﻓﺮ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺒﺪﻳـــﻞ ﺍﻟﻘﺎﺩﻡ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺴـــﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ، ﻓﻤﺎﺫﺍ ﻳﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﻤﺜﻠﻮﻥ؟ ﺃﻟﻴﺴﻮﺍ ﺑﺸـــﺮﺍ ﻭﺳـــﻼﻃﺔ ﻭﺷﺮﻳﺤﺔ ﻟﺤﻢ ﻭﺳﻤﻜﺔ.. ﻋﺪﺩﻫﻢ ﻳﺘﻜﺎﺛﺮ ﻭﻗﺴﻢ ﻣﻨﻬﻢ ﺳﻮﻑ ﻳﻜﺒﺮ ﻭﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻋﻜﺎﺯﺓ ﻳﺘﻜﺊ ﻋﻠﻴﻬﺎ.

نشرت في فنون
الصفحة 2 من 2