• Default
  • Title
  • Date

 بات جنون الشرقيين وقارا
وتصرفاتهم شيئاً أقرب إلى المغامرة والمقامرة والاستهتارا

دخل ضابط الخفر لتلك الليلة على مجموعة من الجنود الفارغين، أقصد، الذين لا شغل لهم في المعسكر سوى قتل الوقت؛ والوقت كما معروف هو الأيام، والأيام هي الحياة، والحياة هنا هي حياة هؤلاء الجنود الشباب المساكين الذين يتسامرون في تلك الليلة دون هدف أو معنى أو مغزى؛ وما أن دخل عليهم الضابط فجأة كالقدر، حتى هبوا واقفين في حالة استعداد صارم وكأنهم ينتظرون أوامر مهمة وبالغة السرية... وا حسرتاه؛ أين هي تلك الأوامر المهمة التي يمكن لها أن تغير الواقع، الجازمة الحاسمة تلك التي ينتظرها هؤلاء القانطين كجنود مكلفين؟!
ضرب ضابط الخفر الأرض بقوة بحذائه الكبير الواسع الثقيل وهو يصيح كالجريح بأحمد( أحد الجنود ) ويغرس نظراته القاسية فيه غرساً: أين كنت؟ لقد سألت عليك ولم يجدوك!!
أجابه على سؤاله متحفزاً بهزات من رأسه وببلاهة كالمعتوه ولم ينبس!!
- بهوس بعد أن فقد أعصابه: لقد سألتك سؤالاً محدداً، ماذا كنت تفعل؟ لقد بحثنا عنك طويلاً ولم يعثروا عليك!! ها...؟
- تفرس أحمد بالضابط بدقة وكأنه ينوي قياسه، ثم ببرود قاتل أجاب:
تسألني ماذا كنت أفعل؟! سأقول لكَ يا سيدي وذنبك على جنبك( والضابط بذهول ينظر له مستغرباً من جرأته وطريقة كلامه وتصرفه الغريب) ثم تابع مسترسلاً وبذات البرود المريض:
لقد كنت أرقص!! نعم، كنت أرقص... لا تستغرب يا سيدي الضابط مما أقول، ثم سأله جاداً دون خوف: أتريد أن تعرف كيف؟ هكذا... وإذا به يرتقي طاولة خشبية متهالكة نائمة قريبة منه، وبعد أن اعتلاها بدأ يرقص الدبكة الفلكلورية الشعبية العراقية ويهز كتفيه ويدق الطاولة بقدميه بعد أن نسى نفسه وأخذ الطرب منه مأخذا!! ثم صاح بالضابط كالسكران:
وتسألني ماذا كنت أفعل؟ كنت أرقص، أدق الأرض، هل يعجبك ذلك؟ عجباً... لقد قضيت في هذا المعسكر اللعين ثمان سنوات من أجمل سنوات شبابي بين جدران هذا السجن الذي لا نعمل فيه شيئاً سوى قتل الوقت وبأي طريقة مجنونة كانت... وتسألني ماذا كنت أفعل وأين كنت؟!
- صرخ الضابط بالعريف المرافق له في جولته الليلة تلك وهو يأمره بغضب تملكه وكأنه في إحدى نوبات صرعه: آمرك بإيداع هذا المعتوه السجن فوراً، وعند الصباح يعرض على الطبيب للتأكد من سلامة قواه العقلية... ثم غمغم مع نفسه وبدنه كله يهتز كلهب المشعل: كنت أرقص قال!!
عرف عن أحمد بين ربعه وصحبه بحساسيته المفرطة، وشاعريته الفذة الرائعة التي لو ذاعت قصائده، لحصل على سمعة يمكن أن ينافس فيها أعظم شعراء العراق المعاصر، له أنف، سبحان الله، دقيق ورفيع وكأنه ليسوع، بعينين جميلتين حادتين كبريتيتين، كعيني عمر الشريف، وبقامة ممشوقة مثل قامة فارس عربي أصيل وشجاع... وهو القائل:
طاولتي ومقعدي
وعودي الكسير
خلاصة الماضي
وعمر الزمن الفقير
وحجرة عتيقة
يكاد أن يدقها
الشهيق والزفير
وكل ما يحيطني
من عاملي الضرير...

نشرت في قصة

 

توقف الباص الكبير
عند مدخل الفندق الفخم
على الشارع الرئيسي المزدحم
تتطوع رجل خمسيني
من ضمن المجموعة النازلة من الباص
بأن يبعد السيارات بأشارة من يديه
حتى ياخذ أقرانه
حقائبهم من صندوق الباص
لجهة اليسار
الملامسة
لمسار السيارات في الشارع

كل واحد يأخذ حقيبته وأمتعته
ويدخل الى الفندق

بقي هو
ذهب ليجلب حقيبته
وعند غلقه لباب الصندوق
التفت ليتناول ذراع حقيبته السوداء
ذات الدواليب
قابلته
سيارة مسرعة
فصدمته
نزف
وفارق الحياة
قبل مجئ الاسعاف

20.10.2012


نورنبيرغ /المانيا
__._,_.___

نشرت في قصة

في اواخر ايام شتاء ريف دمشق الجميلة ، كنت جالسا في وقت الظهيرة قرب المدفاة في شقتنا المطلة على الشارع العام وسط مدينة جرمانا الهادئة ، منشغلا بقراءة احد الكتب المندائية ، كان هطول ( البرد ) باللهجة السورية اي الحالوب كانه شلال من دعابل العاب الاطفال ، صدفة كانت هناك حمامة رمادية واقفة بين الباب الخشبي الخارجي للنافذة وبابها الداخلية الزجاجية ، انتابني الفضول في فتح باب النافذة ، اخذتني العاطفة نحوها ، فتحتها بهدوء رغم قساوة الجو وبرودته الشديدة ، اردت ادخالها في غرفة الاستقبال لحين هدوء الاحوال الجوية ثم اطلق سراحها ، اخذت تنظر لي وهي محتارة بين الهروب في هذا الجو الرهيب وبين البقاء تحت رحمتي ، لقد حسمت أمرها واخذت القرار الصائب ففضلت البقاء ، عندها بدات صداقتي لهذه الحمامة الجميلة الوديعة ، قربت يدي منها واخذت اداعب ريشها الجميل باناملي ، اسرعت الى كيس الرز وجلبت كمية قليلة منه ، تناولته بنهم شديد وهي مطمئنة ، الى ان هدأ الجو وتكشفت السماء ثم طارت ، لا اعرف اين وجهتها ، لكني وضعت برجلها اليمنى علامة لعلها تتذكر كرمي وترجعها الاقدار ثانية ، وذات يوم لاحظت حمامة واقفة على نفس المكان كانت هي بعينها وذات العلامة ، رايتها تجمع العيدان لتصنع لها عشا للبيض ، وضعت فيه بيضتين ، في صباح كل يوم اناولها حبات الرز والماء من عبر النافدة ، منتظرا تفقيس البيض ليصبح لدي بدلأ من صديق ثلاثة اصدقاء ، ومرت الايام وفقست البيضة الاولى ، رغم محاولات الام في كسر البيضة الثانية لكنها ذهبت سدا ، حيث تدحرجت من عشها الى الارض ، وبقيت تداري صغيرها رغم قساوة الجو ، مر اسبوعان وكبر الصغير بالرغم من سفرها الذي كان يدوم ليوم او يومين الى ثلاثة ايام ، لكنها ترجع في النهاية وتزقه الغذاء اللازم لبقائه حيا ، انها غريزة الامومة ، في صباح احد الايام نظرت الى مكان تواجد الكتكوت الصغير لكني لم اجده ، تصورت انه قد اشتد ساعده وطار ، كم كانت دهشتي كبيرة عندما جاءا ابواه الى عشه الصغير واخذت امه ترسل صوتا تناديه لكن دون فائدة ، لقد ذهب دون رجعة ، ربما اخذته الرغبة في تقليد غيره من الطيور ، فسقط على الارض وداسته ارجل العابرين ، او ربما اختار الهجرة ، وذهب مع أسراب الطيور المهاجرة ، دفعت به غريزته الى المغادرة والرحيل الى موطن الاباء والاجداد حيث موطنه الجديد .

نشرت في قصة

{{ أجمل الأشياء أن نحلمَ بمستقبلٍ أفضل لنا أولاً ، وبمن يُحيطون بنا ثانيــــــاً }}

إنه ولا شكَّ منطقٌ غريبٌ ؛ لأنه يعني الأنانيّة الإنسانيّة بشكلٍّ غير مقبول ، لكن هذا المنطق الغريب أوحاه لنفسه السيد { وحيد } ؛ لذا مطّ شفتيّه إستهزاءً ؛ غير مبالٍ بما سيحدث لاحقاً لمن يُحيطون به ؛ لأنه قد وصل إلى قناعة مفادها ( إعمل لنفسك أولاً ؛ فالآخرون لن يهتموا بما سيلحقُ بك ؛ لأنهم أنانيون ) ، لكن السيد وحيد كان على خطأ فادح دائماً ؛ فما أن يحدث له أيُّ طاريءحتى يكون الآخرون أسرع إليه من لمح البصر ؛ ليصدوا عنه الأذى ،وليمدّوا إليه يد المساعدة دون أن يطلبها !
كان وحيد ممن يعتبرُ نفسَه مثقفاً ؛ لأنه يقرأ بشكل منتظم كلَّ عصر ، بعد أن يُهيء لنفسه مكاناً مُريحاً في زاوية من زوايا الحديقة ، يستطيع معه أن ينظر إلى كافة الجهات دونما عناء ، وكان يقرأ بشكل نهمٍ ؛ فالكتاب ذو الحجم المتوسط لا يستغرق منه سوى أيامٍ قلائل، حتى يكون قد أنهاه، وكتب عنه الملاحظات النقديّة التي كان يحتفظ ُبها لنفسه ؛ فليس من داعٍ – حسب نظره – أن يُطلعَ الآخرين على أفكاره ! ذلك العصر جلس وحيدُ في ركنهِ الأثيرِ ،ومعه كتابٌ قد أخذ منه وقتاً أطول من المعتاد ؛ لأمر لم يكن يعرفه ، وحاول مراتٍ ومرات ، أن يُنهيه، لكن إستعصى عليه الأمر ؛ فلقد كان هنالك ما يشغله ، ولم يعرف مصدره . وأثناء أنهماكه في القراءة .....
انتبه لموسيقى تنساب بلحنٍ جميلٍ هاديء ، كانسيابِ الماءِ على حصباء بيضاء ؛ فتمتزجُ بأحاسيسه المتضاربة المضطربة ، إلتفت نحو يسراه، فما لمح من يُصدرُ هذا اللحنَ الجميلَ الوقعِ عليه ، ويداعبُ حواسَه بنشوةٍ عالية ، لكن الموسيقى مستمرة ؛ لذا إلتفت إلى يمناه ؛ فكان المكان يشكو من خوائه ؛ فلم يشغل الجهة اليمنى أحدٌ ، بل كان يمتدُ الأفقُ حتى يكلَّ نظرُه دون جدوى !

واستمرت الموسيقى تداعبُ مخيلته ؛ فاغمض عينيه وبدأ يتمايلُ برأسه إنسجاماً مع اللحنِ والإيقاعات الموسيقيّة التي أخذت لبّه ،والتي تنبعثُ من مكانٍ لم يستطع تحديد مصدره ؛ فتطلّع ثانيةً ، نحو كلِّ الجهات لكنه لم يحظ بما يُريحه ، والنتيجة ليست بأحسن من سابقتيها ؛ لذا علل أمر الموسيقى من أنه يسمعُ ألحاناً مصدرُها السماء ؛ أنها أصواتٌ ملائكية تنعبث ؛ لتخففَ من مزاجه المتعكّر ليس إلّا !

وفجأة أحسَّ بقرصة في أذنه اليمنى ؛ فلقد حطّت ذبابةٌ على اُذنه ؛ فأراد أن يبعدها عنها ؛ فنزعت يدهُ السِّلكَ المُوصلَ لهاتفه النقّال ؛ فانقطعت الموسيقـــــــى ~~~~

نشرت في قصة

كان في كل يوم يبحث عن شيء مفقود في نفسه...
حتى شعر به يتسرب بدفء إلى روحه بلمسة إصبعٍ ناعم ٍكنعومة الريش...
من جميلة الطلعة... ناعمة الجسم تجلس إلى جنبه...شعرها مسدول، عيناها صافية كصفاء ماء البحر...
ملَكَته موجة إحساس وقعها كصدمة تيار كهربائي... غَفَتْ عليها أحلام يقظته...
فالوقت مازال طويلاً والمسافة مازالت بعيدةً كي يفترقا...
انحسرت افكاره فلم يعد يرى كياناً له سوى إصبع... كخيمة بَدْويّ دُقت بأوتاد ثقيلة وباتت لا تفارق عشق الصحراء...
رمال متحركة تداعب أطراف الإصبع ...
كاد أن ينهزم الأصبع؛ لكن روحه البدوية منعته من الهزيمة وعاد يلاصق الإصبع...
تعب وأرخى ذراعه على جنبه ملاصقاً لذراعها؛ حتى تفصد جسده عرقاً وازدرد لعابه...
صدى صوت قنبلة انفجرت بداخله... وعاد بالأيام يستذكر الساتر الترابي وتلك المعركة...
سحب يده بهدوء... يسرق النظر إلى كفه... ولم يرَ فيه إصبع.

نشرت في قصة
الأحد, 23 آذار/مارس 2014 17:52

لمحة حول كتابة القـصـة القصيرة

إن الكاتب القصصي الناجح يستلهمُ مادته في الكتابة من حياة الناس اليومية بالتأكيد ، ولكن هذا لايعني أن كل ما يحدث امامنا يومياً يصلح 

أن يكون قصةً . ولكن كاتب القصة القصيرة او الاقصوصة وهي " قصة قصيرة جداً " يستطيع بما يمتلكه من احساس خاص أن يقتنص حالة خاصة

من واقع حياة الناس او حياته هو ليعبرمن خلالها عن امورٍ شتى في ذهنه ، وتكون الصور التي يرسمها كتابةً " رمزيةً وايحائيةً "تشيرُ الى قضية معينة مستترة في القصة القصيرة او الاقصوصة ، ليس بصورة فوتوغرافية  مكشوفة او تقريرية لاتحرك فكر القارئ وخياله ، بل هي لابد ان تكون مزيجاً من الواقع وخيال الكاتب . اي بهذا المعنى تكون القصة القصيرة بنوعيها فناً يبوحُ به الكاتب الفنان عما في داخله وخياله من افكار وانفعالات نتيجة انعكاسات الواقع عليهِ، ويجعل معه القارئ يفكر ويحلق بخياله عبر احداث القصة التي لابد ان تكون نتيجة لذلك مقنعة ومشَوِّقَةً له تماماً .

ان القاص عندما يصور الاحداث وشخصياتها فإنه يراها من خلال تجاربه هو في الحياة وكذلك لتجارب حصلت لناس آخرين عاش معهم في المجتمع الذي هوفيه . والشخصيات غالباً تكون ايجابية اي إنها اذا كانت تعاني من واقع سيئ مؤلم فإنها تسعى وتعمل من اجل تغيير واقع معاناتها ، واحياناً توجد في القصة شخصية سلبية فهي تعيش تحت وطأة المعاناة ولكنها لاتدري ماذا تفعل وتظل تحلم بالخلاص من معاناتها واحياناً تكون ذات نهاية مأساوية . . ان كاتب القصة بنوعيها ، لابد ان يكون مرهف الاحساس فهو يبحث عن الدوافع وراء الاحداث التي تصيب الانسان في حياته معه هو اومع الاخرين من حوله . وكذلك يكون ذو خيالٍ واسع ومتمكناً من اللغة قواعداً واملاءً ، ويمتلك ثروة من المفردات اللغوية الادبية التي تمكنه بسهولة من السرد والوصف سواءً في لقطات الاحداث او وصف الشخصيات او في حوارها ، وتكون طريقة الكاتب الناجح في تحليل الشخصيات وسرد الحوادث والمشاهد " الابتعاد عن الاسهاب والاطالة في الوصف " للاشياء التي ذكرناها لانها تترك الملل عند القارئ . وانما الاجدر بالكاتب ان يعبر عما يريد بأقل الكلمات اي بإيجاز . ان زمن الاقصوصة هو زمن قصير جداً فحوادثها تدور خلال ساعة او اقل واطول مدى زمني لها هو يوماً واحداً ، اما المكان الذي تدورفيه حوادث ومشاهد الاقصوصة فهو غالبا يتحدد بمكان واحد كأن يكون البيت او المحلة او الشارع او السوق والمقهى والبحر والغابة ..الخ ، اما الشخص المتحدث فيها فيكون إما على لسان الكاتب نفسه او على لسان شخص آآخرفيها ، والحوار غالباً يكون داخلياً " مونولوج " او مع انسان آخر في الاقصوصة او حتى مع حيوان كأن يكون الحصان او الكلب والقطة والطير ..الخ .

والجدير بالذكر أن القصة القصيرة واختها الاقصوصة لا تختلفان من نواحي التكنيك والقواعد ومتطلبات اللغة الادبية  لفن القصة ، وثقافة الكاتب ورهافة

حسه وتمكنه من فن كتابة القصة ، اما الاختلافات بين الاقصوصة والقصة القصيرة فيمكننا ان نلخصها بالنقاط التالية :

اولاً ـ الحدث في الاقصوصة يتركز حول مسألة واحدة ولا يتسع لتشعبات حادثية

او شخصيات عديدة ، اما القصة القصيرة فيمكن ان تتضمن عدة احداث وتشعبات

جانبية و حتى عدة شخصيات .

ثانياً ـ زمن الاقصوصة يتحدد بعدد قليل جداً من الساعات ولا يتعدى يوماً واحداً

اما القصة القصيرة فزمنها يتسع لأيام واسابيع .

ثالثاً ـ عدد الكلمات في الاقصوصة يتراوح بين 500 ــ 1200 كلمة ، اما القصة

القصيرة فعدد الكلمات فيها يتراوح بين 3000 ــ 5000 كلمة .

رابعاً ــ إن الخاتمة او النهاية في الاقصوصة  فتكون غالباً بشكل مفاجئة اي تغير

الامور فيها بصورة غير متوقعة تثير دهشة القارئ وتكون موجزة ومتجمعة في

بؤرة واحدة . اما الخاتمة في القصة القصيرة فإنها لا تكون مفاجئة للقارئ لانه بعد متابعته لسير الاحداث والشخصيات يصير عنده الاحساس بتوقع الكيفية التي

سوف تتم بها النهاية للقصة القصيرة . واخيراً نؤكد على أن للاقصوصة كما لإختها القصة القصيرة مشكلة اساسية هي الهدف الذي يسعى الكاتب القصصي

لإيصاله الى ذهن القارئ وهي الغاية التي بنى عليها قصته او اقصوصته .

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

نُشِرتْ في مجلة ( الــصـدى ) الغراء  العدد 50  عام 2011

الاهداء ــ الى الابناء والاخوة المندائيين الاعزاء كتّاب القصة الناشئين .

اخوكم المندائي

نشرت في قصة
الجمعة, 14 شباط/فبراير 2014 17:30

أم الزين

كانت تفترش ارض حجرته ، ورداء النور الأبيض يلفُّ جسدها النحيل ، والسهاد قد كحل عينيها واحتضارها كان عنوان ليلتها .    

- جاهزة لإستقبال ربها وعيناها تنظران إلى آخر الغرفة حيث سريره المفروش المغطّى باللحاف الأحمر، وقد طرّزت اسمه عليه بورود صفراء ناعمة ، وعبق الرائحة الزكية يفوح من حجرته التي فرشت بها فراشها منذ سنين مضت ، وهي ما تزال تنتظر رجوعه اليها يوماً ما ، ونبضات قلبها تلتعج صبراً وحزناً ، وصدرها يعلو ويهبط بأنفاس متباطئة وهي تنادي على إبنها أين أنت يا قرة عيني..لا أريد الموت قبل أن اراك.

 

- نادت باِسمه وهي تلتفت بوجهها بهدوء تفتش عنه بعينيها حول الحجرة و نحو سريره الذي تركه منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً.. ثمّ صاحت بصوت خافت: متى يأتي لرؤيتي؟ لقد وعدوني بعودته واطلاق سراحه..بينما كانت عيون أولادها تترقرق بالدموع وهم يسرقون النظر إليها...والأمل ما زال يحذوها بعودته ، بعد أن حصلت قبل خمسة عشر سنة على طرد حكومي فيه ورقة مطبوعة كتب عليها (سوف يعفى عنه ...ويعود إلى أهله بعد شهر)..احتفظت بتلك الورقة كل تلك السنين ، وجابت بها أروقة الدولة متحدّية أصعب نقاط الحراسة والتفتيش ، غير خائفة من جور السلطان وبطانته ،

تطالب بها السلطات أن لا تنكّص عن وعدها والوفاء بما ورد بها والرحمة بإطلاق سراحه أو لقاء يفرح قلبها وتسرعيناها برؤيته ، وكم تحملت أيام البرد والحر وهي تجوب عليه كل سجون الظلم  ودوائر الأمن علَّها تعثر على رجل طيب يرشدها ، ويملأ صدرها فرحاً .

 لقد دخلت العقد الثامن من عمرها ،  وعجز قلبها وسبلت عينيها وضعف بصرها ، كانت تكافح بإبقاء نوراً صغيراً في عينيها كي ترى به ابنها اذا عاد؟ . ومنذ ذلك اليوم تفترش أرض حجرته وتُطّيب العطر بفراشه ولا تنام بدون عطره الذي كان يستخدمه فهو حاضر غائب معها.

 - وهي منذ يوم اعتقاله صار الناس يسمونها (أم الزين) .

- أمّا أبوه الرجل العجوز الطيب ذو الحاجبين الغليظين واللحية البيضاء الطويلة ، كان يتوضأ الفجر متلفّعاً رداء ألنور الأبيض وإكليل السماء فوق رأسه ؛ يصلّي لزوجته وابنه مبتهلَا يتضرّع لله عسى أن يرحمهم..

فهو مؤمن وكان الأب الروحي بعرفه الديني لكثير من البنات المندائيات وكم تمنّى أن يكون أبَا روحياً لزوجة ابنه اذا افرج عنه وتزوّج .

 

- فجأة بدأت تدندن بينما كان الجميع ينطرون احتضارها ، وكلمات دندنتها خافتة ...كانت تلك الكلمات سلوتها وهي تتذكر ابنها وترددها دائماً حينما سمعتها لأول مرة و صدى كلماتها  كان يخرج من غرفته ويسرق سمعها وهي تقترب من باب غرفته (اليمشي بدربنه شيشوف يا أبو علي لو موت لو سعادة..وأحنّه دربنه معروف يا أبو علي والوفه عدنّه عادة ) . وأُخرى(بهيجة يمّه شيلتي  دكّومي خيطي ثوبي..شو جنّه  ليلة عرس تتمايل زلوفي ) .. يومها كان جالس في غرفته مع رفقائه وهم يتغنون بها.. وسألته بعد خروج رفقائه عن أبو علي  ألذي كانوا يغنّون له وعلاقته ببهيجة ، هل هو  زوجها ، وماذا جرى في ليلة زواجها وهل تخاصم معها ؟.

 

- علت قهقهته وحضنها بيديه وضمّها إلى صدره وقبلها من رأسها المغطَى بفوطة (ألبريسم ) السوداء ألتي زينتها ( بقطعة دبوس ذهبية منقوشة كحبّة اللّوز وفي وسطها قطعة من حجر الفيروز الأزرق ) ، ثمّ سحب رأسه وصار يقبل جبينها الأبيض ألنوراني وكأنه لوحة رسمت في وجه قمري أضاء عتمة الليل ، ونزل به على يدها يقبلها وهو يقول لها :الله لا يحرمني منك يا أمي ، وهي تبتسم وتملأ صدرها برائحته..ثمّ روى لها حكاية الأغنيتين واستحلفته أن يغنيها لها كلّ يوم وغنى لها الأغنيتين ايام وايام إلى أن حفظتهما عن ظهر قلب ، وفرحت وصارت  سلوتها ؛ وقد اعتادوا أولادها على سماعها منها ، وكانت دائما تدندن بهما ايام أفراحها وأحزانها.

كان ضوء الصبح قد أحاط وجهها بهالة ملائكية مضيئة وملأ سريره البعيد الموضوع بالقرب من الحائط عند النافذة ،

نهضت على اثره بدون أن تشعر وعينيها ترنو إلى السرير.

- قامت وتركت فراشها واتّجهت إلى فراشه وهي تدب بخطواتها كأنها تسير في موكب ملائكي..وصلت إلى سريره دون عناء وورقة اطلاق سراحه بيدها وقد ضمّتها على صدرها .

 

- اغتبطوا  ابنائها وفرحوا بحركتها هذه وابتهلوا لله.. لقد شفاها بمعجزة !!

وأرادوا أن يقتربوا منها لكن أبوهم منعهم وقال لهم اتركوها مع اِبنها..وصلت إلى سريره وأخذت تتلمس لحافه  الأحمر براحة يدها ، وجلست عليه وبدأت تدندن بأغنيته (يا أبو علي لو موت لو سعادة..بهيجة يا بهيجة شو جنّه ليلة عرس ..)

 

ثمّ  فتر صوتها وصارت تغمغم بكلامها فلم يعد يفهم .. ورقدت على سريره و ابتسمت وهي مستلقية ، سحبت يدها ببطء من فوق صدرها وهي ماتزال ماسكة بالورقة وكأنها تمسك برمقها الاخير ..لحظة و سقطت من يدها الورقة التي احتفظت بها منذ سنين وتهاوت الورقة على الأرض ؛ فقد اِصفر لونها وتآكلت حروفها ولن يبقى بها من كلمات سوى اسمه (بشير).

 

فارقت روحها جسدها وهي تبتسم ..ولا أحد يعرف كانت ابتسامة الفرح بلقاء ابنها..ام أنّها سمعته يغني مع رفقائه اغنية جديدة ..ابتسمت لها ؟.

 

 

(للشهداء عناوين كثيرة...المجد لهم وتحية لذويهم)                                                                 

 

 

نشرت في قصة
الأحد, 05 كانون2/يناير 2014 11:21

قصص قصيرة جدا

1
البُلبل
===
تابع المشرفُ شروحاتِ الأعضاء للوضع السياسي وأخيراً إلتفت إليه وقال : هل عندك شيىءٌ تقوله أو تُضيفه ؟ ... أجاب بثقة : نعم هناك شيىءٌ أضيفه : ( وأستعرض في خياله ما قاله الرفاق : كله تكرار ما تردده الفضائيات والنشرات ألإخبارية ) ... نعم ..أنا بلبل ولن أكون ببغاء
-----
2
الملثمون
====
بأنفعالٍ وحزنٍ شديدين والدموعُ تملأ عينيه ،وقد أحمرت مقلتاه من الألم الذي تلبّسه وهو يُعطي شيخ المصلين صورةً لملثمين وقال له : يا شيخنا إعرض هذه الصورة على المصلين وأريهم دعاة الدين وهم يذبحون كالخراف عائلة كاملة على شريعة ألله وأكبر .....؟

3

الشَّـك
====
كيف تدعين إنه إختطفكِ وأنتِ نائمة .. !
الزوجة : سحبني من الفراش وكذبَ عليّ، وقال إنك غافٍ ، وفي نومٍ عميق ،ولن تحسَّ بشيءٍ مما سنفعله
وبلحظتها وبحركة عفوية غير مقصودة من أصابع الزوجة في خاصرته ؛أيقضته من الحلم وهي تحتضنه وقد إلتصق جسمها بجسمه ...!
----
4
نبيه
===

نزل السردابَ المعتم منتشياً يهزُّ كتفيه .. وفي الدركة الأخيرة ،رفع رأسه وشاهد السجين معلقاً بالمروحة وهي تدور به بسرعة ؛ لذا إحتد وهاج كالثور وصرخ بنفرزة وإستعلاء : ويحكم ... حيوانات ..... أغبياء ..أوقفوا المروحة حالاً .... وبإستهزاء : ألا تعلمون (إنَّ المروحة إذا دارت بالمتهم يدوخ ولا يحسُّ بالتعذيب .. ) وهـمَّ صاعداً الدرج يهز رأسه الكبير ... وكرشه ينطز أمامه ....
--------------
5

الحمار
---
بفرحٍ غامر دخل على زوجته وقال لها : خُذي هذا المبلغ ثمنَ الحمار ... لن أشتريَّ حماراً بعد الآن ؛سأسحب العربة بنفسي ..... وفي اليوم الثاني خرج بالعربة يسحبها بنفسه طيلة النهار واليوم
الذي بعده قاوم بسحبها وبحمولات بضائع الزبائن إلى منتصف النهار .....
وبعدها وفي اليوم ألآخر سحبها لمدة ساعتين .... فقط ... ولم يقاوم
وفي اليوم الخامس نقلوه إلى المستشفى بعربة يسحبها حمار ..........!
----
6
همسة
----
دخل الغرفةَ في أحدِ السجون وهو يحمل حفنةً من النجوم على كتفه وبصوت غاضب والسجين مكبّل
بالحديد والدماءُ تنزفُ من جميعِ مفاصل جسمه وقد تمزقت ثيابُه قال .: قطعوه ..... شرحوه.......
مزّقوا أعضاءه...... قطعةً ... قطعة .... حتى يعترف .. وأذا لم يعترفْ :إغرزوا الحربة في قلبه
حتى ينطق ....... أجابه السجين .. بأستهزاء وإستكبار ....وتعالٍ :سيدي إقترب لأهمس في إذنك :
دعهم يعدمونني أولاً وبعدها ليفعلوا بي ما يشاؤون ............... عسى أن يثرمني لوجبةِ عشائك

نشرت في قصة
الثلاثاء, 17 كانون1/ديسمبر 2013 14:02

جدالٌ عقيم

كانت حرارة الجو تبلغُ حوالي الأربعين درجة ، السماء ملبّدٌة بالغيومٍ الرصاصية اللون ، والمتراصة مع بعضها ؛وكأنها تمنعُ الهواءَ من التنفس ؛ مما جعل نسبة الرطوبة تزداد كلما إزدادت حرارة الشمس التي لم تستطع أن تفتت الغيوم تحتها. ألقى سالم جسده الذي ينضحُ عرقاً على كرسيٍّ في القطار المتجه إلى جنوب البلاد ، كان سالم قد حدد وجهته بعناية ؛ فهو يعرف مسبقـاً هذا القطار ويعرف كذلك كم تستغرق المُدة بين محطة وأخرى؛ فالقطار بالنسبة لمن هم على شاكلتة أفضل مكان لإمضاء فترة من الزمن ؛ خاصة أوقات الظهيرة ؛ لذا إختار القطار الذي يستغرق زمن وصوله لآخر محطّـة أطول وقتاً ، والذي سيكون وقته أطول لو بقي في نفس القطار عائداً ؛لأن القطار سيحـوّل طريقه أثناء الرجوع لذا سيكون وقته أطول قليلاً . كان يعرف بعناية فائقة أين سيقع شعاع الشمس ؛ فليست هذه أول مرة يركب فيها هذا القطار الكهربائي ولن تكون الأخيرة ؛ ما دامت مجانيّة لمن هم في مثل عمره .

أول ما تبادر إلى ذهنه كيف سيكون رده لو حاول أحدهم إزعاجه، وحاول إيقاضه من غـفوته المحببة لديه ! ، لكنه بدل التفكير بهذا الأمر ، مطَّ شفتيه كأنه يقول : وما همنيّ من سيـزعجني مادمتُ سأغفو بعد دقائق ، أو لربما في عودتي سآخذ القطار الذي سيتجه إلى الشمال ؛ فزمن وصوله لأبعد محطّـة سيكون أطول فترة من هذا القطار الذي أنا فيه الآن؛ وليتهيأ للنوم ، أطلق زفيراً عميقـاً، و مدد رجليّه يحاول الإسترخــــــاء ؛ لينام ....وإنتبه لصوتٍ خفيٍّ يحـاول جاهداً أن يجعله لا ينام ويُـزيد إنتباهه : أ و تريد أن تنام وتنسى ما عادهتني عليه ؟

- يالك من مزعج أو تُريد الآن أن تثير إنتباهي لموضوع ، يكاد يكون في حكم المنتهي !

- ها ها منتهي ، وهل بدأ لينتهي ؟ أبهذه السهولة تتخلى عما تؤمن به من مُثلٍ وقيمٍ ومباديء تحث الآخرين على الإلتزام بها ، وأنت نفسُك لا تلتزمُ بهـــــا ! يالك من مخادعٍ تُثير القرف .....

- لا ، لا ، هذا مؤلم ، ولن أسمح لك بإهانتي بهذا الشكلِ المخزي ، فلست أنــــا من ينكصُ على عقبيه ، و لعلمك ، لم أتخلَ يومـاً ما عن عـهدٍ قطعته لأيٍ كان .....

- قف لا تتمادَ في ردٍ لا تستطيع الإستمرار فيه ، وإلّا ماذا سيكون ردُك لو حاولتُ الآن أن أذكّـركَ بأمرٍ واحـــــــدٍ فقط لا غير ، بلـى أمــرٌ واحدٌ فقط لا غـــــــير .....

- آسف ، لم أشعر بمن جلس بقربي ، يبدو أن أحدهم قد داس على قدمي ،

- أوه يالك من محظوظ ، إنها فتاةٌ في مقتبل العمر ،

- أيَّ عُمرٍ وأيَّ فتاة ! ، وماذ أفعل بفتاة أقل من عمري بأكثر من النصف !

- وهل تريدُ أن تقول بأنك وقـــــورٌ ، وأنك كبيــــــرٌ ، وأنك عجــــــوزٌ ، و....

- ألا تفهم ، أقول لك إن عمرَها يبدو لي ثلثَ عُمري ، أوأقـلّ بقليل .....

- نعم لقد صدقّـتُك ، أنتَ نظـرتَ إليها وتمعنتَ بوجهِها ، وقارنت في الحال ، بينها وبين من قضت معك أكثر من نصف عمرها ، لا لا ثـُلثي عمرها،لالا سأقـول لك لقد قضت معك سبعاً وثلاثين عاماً وعندما طلبت يدها كان عمرُها واحـداً وعشرين عامــــا ، أخ .. يبدو أني أخطأت في الحساب هي الآن في الستين ،وعليه ستكون النتيجة تساوي : تسعٌ وثلاثون سنة ، بـلــــى تسعٌ وثلاثون .. نعم ثُـُـلثـي عمــرها . وتنظر الآن لفتاة عمرها لا يتعدى .....لكن مهـــلاً ؛ ماذا لو كان عمـرها أكبر قليلاً ! .... هــل ....كُ ن..تَ...

- قِـفْ ، لقد تماديتَ كثيــــراً ، ولن أسمحَ لك بالتدخل في حياتي بعد الآن .....

- حياتُك ، ومن أنتَ لتمنعَ ، ولتسمح ! أ و نسيتَ من أنـــــــا !

- لا لم أنسَ ، وكيف أنسى ، وأنت لصيقٌ بي ، بل أنت ملتصقٌ بي بغراءٍ لا مثيل لـــه ....

- ههه ، أنتَ هو الذي ملتصقٌ بي ، ولا أستطيعُ أنا الفكاك منـك ، أنتَ قـدري .....

- قَ دَ رُ ك ! أنا قدرُك ، يالك من متباهٍ مغرور ، وكأن من خلقك لم يَخلق سواك ، بلـى أنتَ متباهٍ ومغرورٌ، وتعتقدٌ بأنك أفضل من في الكون ، لكنك.....

- إستحِ و لا تتمادَ ، وإلّا....

- وهــا أنت الآن تهددنني ... وبماذا تريد أن ....

.- لا ، لم اقصد هذا ، لكنك لو أكملت الجملة السابقة ، لكنتَ وضعتني في موقفٍ محرج ؛ خاصة وأن هذه الفتاةَ الأجنبية بعد أن داست على قدمي ، لم تعتذر منّـي ؛ لذا فأني أشعر بالمهانة ....

- قُـم وأصفعهـا ، أو إستدعِ لها الشرطة في الحال ؛ لأنها وقحـة ٌ، ولم تعتذر منك ،ولأنها لم تنتبه ؛ فلقد سحقتْ قدمَـك الضخمة والتي تُـشبه قدم الفيل ، لكن ، أنظر .. أنظر لقـدمِها الناعمةِ البيضاءَ الملساء ، أُنظر: إنها لا ترتدي لا حـذاءً ولا نعالاً ، إنها حافيـــــة ! فكيف تدعي بأنها قد سحقت رجلك ، وأنت تلبس هذا الحذاء الرياضي المتين ، إنك تهوّل الأمر كعادتك ....

- يبدو لي أنك تنحاز لهذا الفتاة التي تجلسُ بقربي وتُفضّلها عليَّ ، مع العلم أنك مَن يجب أن يكون أكثر إلتصاقـاً بي ولتدافع عني .....

- الآن فقط تعترف بأني متلصقٌ بك ،ولعلمِك لو كان الأمر بيدي لتخليتُ عنك قبل أكثر من ستين سنة ، لكني لا أقدر على ذلك ....

- سيدي ... سيدي .... لقد وصل القطار إلى آخر محطاته !

وفتح عينيه ليجد رجــلاً ضخم الجُثـّة وهـو يرتدي ملابسَ موظفي القطارات ، ينحني ليوقظه ؛ فلقد وصل القطارُ إلى آخر محطـّــاته ~

نشرت في قصة
الجمعة, 15 تشرين2/نوفمبر 2013 17:54

لمحة حول كتابة القـصـة القصيرة

 

إن الكاتب القصصي الناجح يستلهمُ مادته في الكتابة من حياة الناس اليومية بالتأكيد ، ولكن هذا لايعني أن كل ما يحدث امامنا يومياً يصلح 

 

أن يكون قصةً . ولكن كاتب القصة القصيرة او الاقصوصة وهي " قصة قصيرة جداً " يستطيع بما يمتلكه من احساس خاص أن يقتنص حالة خاصة

 

من واقع حياة الناس او حياته هو ليعبرمن خلالها عن امورٍ شتى في ذهنه ، وتكون الصور التي يرسمها كتابةً " رمزيةً وايحائيةً "تشيرُ الى قضية معينة مستترة في القصة القصيرة او الاقصوصة ، ليس بصورة فوتوغرافية  مكشوفة او تقريرية لاتحرك فكر القارئ وخياله ، بل هي لابد ان تكون مزيجاً من الواقع وخيال الكاتب . اي بهذا المعنى تكون القصة القصيرة بنوعيها فناً يبوحُ به الكاتب الفنان عما في داخله وخياله من افكار وانفعالات نتيجة انعكاسات الواقع عليهِ، ويجعل معه القارئ يفكر ويحلق بخياله عبر احداث القصة التي لابد ان تكون نتيجة لذلك مقنعة ومشَوِّقَةً له تماماً .

 

ان القاص عندما يصور الاحداث وشخصياتها فإنه يراها من خلال تجاربه هو في الحياة وكذلك لتجارب حصلت لناس آخرين عاش معهم في المجتمع الذي هوفيه . والشخصيات غالباً تكون ايجابية اي إنها اذا كانت تعاني من واقع سيئ مؤلم فإنها تسعى وتعمل من اجل تغيير واقع معاناتها ، واحياناً توجد في القصة شخصية سلبية فهي تعيش تحت وطأة المعاناة ولكنها لاتدري ماذا تفعل وتظل تحلم بالخلاص من معاناتها واحياناً تكون ذات نهاية مأساوية . . ان كاتب القصة بنوعيها ، لابد ان يكون مرهف الاحساس فهو يبحث عن الدوافع وراء الاحداث التي تصيب الانسان في حياته معه هو اومع الاخرين من حوله . وكذلك يكون ذو خيالٍ واسع ومتمكناً من اللغة قواعداً واملاءً ، ويمتلك ثروة من المفردات اللغوية الادبية التي تمكنه بسهولة من السرد والوصف سواءً في لقطات الاحداث او وصف الشخصيات او في حوارها ، وتكون طريقة الكاتب الناجح في تحليل الشخصيات وسرد الحوادث والمشاهد " الابتعاد عن الاسهاب والاطالة في الوصف " للاشياء التي ذكرناها لانها تترك الملل عند القارئ . وانما الاجدر بالكاتب ان يعبر عما يريد بأقل الكلمات اي بإيجاز . ان زمن الاقصوصة هو زمن قصير جداً فحوادثها تدور خلال ساعة او اقل واطول مدى زمني لها هو يوماً واحداً ، اما المكان الذي تدورفيه حوادث ومشاهد الاقصوصة فهو غالبا يتحدد بمكان واحد كأن يكون البيت او المحلة او الشارع او السوق والمقهى والبحر والغابة ..الخ ، اما الشخص المتحدث فيها فيكون إما على لسان الكاتب نفسه او على لسان شخص آآخرفيها ، والحوار غالباً يكون داخلياً " مونولوج " او مع انسان آخر في الاقصوصة او حتى مع حيوان كأن يكون الحصان او الكلب والقطة والطير ..الخ .

 

والجدير بالذكر أن القصة القصيرة واختها الاقصوصة لا تختلفان من نواحي التكنيك والقواعد ومتطلبات اللغة الادبية  لفن القصة ، وثقافة الكاتب ورهافة

 

حسه وتمكنه من فن كتابة القصة ، اما الاختلافات بين الاقصوصة والقصة القصيرة فيمكننا ان نلخصها بالنقاط التالية :

 

اولاً ـ الحدث في الاقصوصة يتركز حول مسألة واحدة ولا يتسع لتشعبات حادثية

 

او شخصيات عديدة ، اما القصة القصيرة فيمكن ان تتضمن عدة احداث وتشعبات

 

جانبية و حتى عدة شخصيات .

 

ثانياً ـ زمن الاقصوصة يتحدد بعدد قليل جداً من الساعات ولا يتعدى يوماً واحداً

 

اما القصة القصيرة فزمنها يتسع لأيام واسابيع .

 

ثالثاً ـ عدد الكلمات في الاقصوصة يتراوح بين 500 ــ 1200 كلمة ، اما القصة

 

القصيرة فعدد الكلمات فيها يتراوح بين 3000 ــ 5000 كلمة .

 

رابعاً ــ إن الخاتمة او النهاية في الاقصوصة  فتكون غالباً بشكل مفاجئة اي تغير

 

الامور فيها بصورة غير متوقعة تثير دهشة القارئ وتكون موجزة ومتجمعة في

 

بؤرة واحدة . اما الخاتمة في القصة القصيرة فإنها لا تكون مفاجئة للقارئ لانه بعد متابعته لسير الاحداث والشخصيات يصير عنده الاحساس بتوقع الكيفية التي

 

سوف تتم بها النهاية للقصة القصيرة . واخيراً نؤكد على أن للاقصوصة كما لإختها القصة القصيرة مشكلة اساسية هي الهدف الذي يسعى الكاتب القصصي

 

لإيصاله الى ذهن القارئ وهي الغاية التي بنى عليها قصته او اقصوصته .

 

 

الجزء الثاني

 

 

حول كتابة القصَّةِ القصيرةِ للناشئين ـ

 

 

 

 

 

 

 

أَودُّ أن أُوضحَ ما جاءَ في بعضِ الفقراتِ من موضوعي

 

 

 

السّابقِ وهيَ : ـ

 

 

 

أولاً ـ كتّابُ القصَّةِ ( النّاشئين ) من همُ ؟

 

 

 

إنَّ الذين أقصدُهم هم بالتأكيد ليس فئة الأولاد المراهقين أو

 

 

 

أو الشباب اليافعين ، بل الذين أقصدُهم هم الكتّاب المبتدئون

 

 

 

في كتابةِ القصَّةِ القصيرةِ بنوعيها والذينَ لهم محاولاتٍ قليلةُ

 

 

 

النَّجاحِ أو متعثِّرةٍ ، فهم في بدايةِ الطَّريقِ للوصولِ إلى المقدرةِ

 

 

 

والنَّجاحِ في مجالِ هذا الفنِّ الصَّعبِ ، وهم ربما يكونون في عمرِ الثّلاثين أو الأربعين أو أكثر . فهؤلاءِ الكتّاب النّاشئين

 

 

 

بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى الأرشادِ والتّوجيهِ المُبَكرِ لمعرفةِ الطُّرقِ والقواعدِ الصَّحيحةِ التي تمكنُهم من من صَقلِ موهبَتهم ، وقد

 

 

 

كتبتُ بعضَ المعلوماتِ حولَ الشِّروطِ والقواعدِ التي تتعلَّقُ بكتابةِ القصَّةِ القصيرةِ والأقصوصَةِ وقلتُ إن وجدوها نافعةً

 

 

 

لهم وفيها ضالَّتَهم إستفادوا منها وإذا كانت هذهِ لا تكفي

 

 

 

فبإمكانهم أن يبحثوا عن غيرها في مصادر أُخرى ، ولو إنني

 

 

 

متأَكدٌ إنَّ تلكَ المعلومات التي كتبتها هي الصَّحيحة والتي تنفعهم .. ولم أَقلْ إنَّهم لا يحتاجون الى القواعدِ التي تُرشدُهم

 

 

 

وتساعدهم ، والدليل القاطعُ على هدفي في مساعدتِهم هو

 

 

 

الموضوع الذي كتبتُهُ خصيصاً لهم ونشرتُهُ في مجلةِ ـ الصَّدى ـ

 

 

 

الغرّاء الصّادرةِ في السويد وكان بعنوان ـ لمحةٌ حول كتابةِ القصَّةِ القصيرةِ والأقصوصةِـ

 

 

 

ثانـياً ـ الـكاتبُ الـنّـاجحُ من هـوَ ؟

 

 

 

إنَّ الكاتبَ النّاجحُ الذي أَقصدُهُ هو بالتأكيد ليسَ من فئةِ كُتّابِ

 

 

 

القصَّةِ النّاشئين بل هو كاتبُ القصَّةِ الذي إجتازَ مرحلةِ النّاشئ

 

 

 

وصارَ في مرحلةِ النضوجِ التي تعني تمكنَّهُ من كتابةِ القصَّةِ بحرفيَّةٍ جيَّدةٍ وقد مارسَ الكتابةَ القصَصِيَّةَ شوطاً وأنجزَ قصَصاً

 

 

 

ناجحَةً ، وهو بالتأكيد متمكِّنٌ من اللُّغةِ التي يتكلَّمُ ويقرأُ ويكتبُ

 

 

 

بها سواءٌ كانت الأنكليزيَّةِ أوالفرنسيَّةِ والألمانيَّةِ والرّوسيَّةِ

 

 

 

أو العربيَّةِ .. الخ وأدواتهُ التي يحتاجها في الكتابةِ : هي اللُّغةُ

 

 

 

السَّليمةُ والعقلُ المستَنيرُ بالثَّقافةِ العامَّةِ وكذلكَ المشاعرِ والأحاسيسِ.. ولا أَقصدُ بإجادَتِهِ اللُّغةَ التي يكتبُ بها أَن يكونَ

 

 

 

أكاديمياً لتدريسِ اللُّغةِ العربيَّةِ أومتعمِّقاً في بحرِ اللُّغةِ ، وإنَّما

 

 

 

الذي أقصدُهُ إنَّهُ يجبُ أن يكتب بلغةٍ سليمةٍ خاليَةٍ من الأخطاء

 

 

 

اللُّغويَّةِ ُ، فلا يكتب بلغةٍ عاميَّةٍ او فصحى ركيكةٍ حافلةً بالأخطاءِ

 

 

 

الأملائيَّةِ والنحويَّةِ . إنَّ كاتب القصَّةِ بأنواعها يمكن أن يكون

 

 

 

محامياً او طبيباً أو مهندساً أو معلماً وحتى عاملاً .. الخ ولكن

 

 

 

بالتأكيدِ كلُّهم متعلمون ومثقَّفون ، وقارئونَ كثيراً من الأدبِ العالمي لِـحدِ العشقِ ، فليس هناكَ كاتبٌ ناجحٌ لدى أيَّ شعبٍ

 

 

 

من الشعوبِ لا يُجيدُ لُغةَ وطنهِ قراءةًوكتابةً ويمتلكُ ثروةً جيِّدةً

 

 

 

من مفرداتِ اللُّغةِ ، فهذهِ هي أدواتهِ الرَّئيسيَّةِ التي يحتاجُها في

 

 

 

الكتابةِ ويستخدمُها في صياغةِ قصَصِهِ ونسجِ حَبكَتها على أكملِ

 

 

 

وجهٍ ويستحيلُ أن يكونَ كاتباً ناجحاً وهو يكتبُ بلغةٍ ركيكةٍ وحافلةٍ بالأخطاءِ ، فهل يكون كاتباً قديراً وهو يكتبُ عباراتٍ

 

 

 

وجملاً مثلاً هكذا : ـ

 

 

 

. أ ـ ذهبَ الشيخينِ المنداءيانِ الى النهري ليعمدو المندائيون

 

 

 

. ب ـ حظرت الفتاتينِ الفائزينِ بلجائزةِ

 

 

 

. ج ـ قابلتُ أخوك وصديقاكَ في المعرضِ

 

 

 

. هـ ـ صارَ الماءَ ثلجٌ صلباً في البحيرةِ

 

 

 

. و ـ أنتي قلتي هاذي وجهة نضري

 

 

 

. ز ـ أنتي لم تقرأين القصيدةَ جيدَنْ

 

 

 

ح ـ كانت هناكَ فتاتينِ جميلتانِ يجلسانِ قُربَ شجرةٍ

 

 

 

. يننضران ِ الى عصفورتانِ على إحدى الأغصانِ

 

 

 

 

 

 

 

أو يكتب الكلمات التاليةِ مثلاً بهذا الشكلِ الخطأ : ـ

 

 

 

 

 

 

 

أحسَنتِ يكتبُها أحسنتي

 

 

 

أسأَلكِ = أسئلكي

 

 

 

لـكِ = لـكـي

 

 

 

تائهاً = تائهً

 

 

 

حقيقةً = حقيقتاً

 

 

 

لـكـن = لاكـن

 

 

 

فوضى = فوضا

 

 

 

النًاقوس = النًاقوص

 

 

 

خدمـةً = خدمـتاً

 

 

 

درى = درا

 

 

 

كـسا = كـسى

 

 

 

نـجـا = نجى

 

 

 

إسوَةً = إسوتاً

 

 

 

تأَلقتِ = تألقتي

 

 

 

ورائي = وراءي

 

 

 

تساؤل = تسائُل

 

 

 

خاصَّةً = خاصتاً

 

 

 

هؤلاءِ = هاؤلاءِ

 

 

 

ذلكَ = ذالـكَ

 

 

 

وغيرها الكثير من الأخطاءِ .. إذن لا يمكننا أن نقولَ

 

 

 

أنَّ كاتبَ القصَّةِ لا يحتاج الى اللُّغةِ السَّليمةِ في كتاباته

 

 

 

. القَصَصيَّةِ ونسخرُ من هذا الرأي

 

 

 

 

 

 

 

ثالـثاً ـ لقد أشَرتُ في موضوعي السّابق إلى مسألةِ التَّطورِ

 

 

 

الذي حصَلَ في حياة الأنسان منذُ أن ابتعدَ عن الحياة الوحشيَّةِ

 

 

 

والهمجيَّةِ في الغاباتِ والكهوفِ المظلمةِ واستوطنَ في الأرضِ فتعلَّمَ الزّراعةَ وصناعة الأدواتِ وبناء المساكنِ ثمَّ تعلمَهُ الكتابةَ واللُّغةَ في بدايَةِ مشوارهِ الحضاري والتي أنارت له

 

 

 

الطريقَ لذلكَ المشوارالحضاري الكبير ، ولكن في إعتقادي

 

 

 

إنَّ كلَّ تطورهِ الحضاري هذا لم يمسْ أعماقَ ألأنسانِ ، فقد كانَ

 

 

 

تطوراً في القشرةِ الخارجيَّةِ لحياتِهِ ، فظلَّ هو الأنسان منذُ صيرورةِ آدم وشريكتُهُ حواء الى يومنا هذا وهو يرتكبُ الأخطاءَ والمعاصي ويوغلُ بها عصراً بعدَ عصر .. نعم إنَّ

 

 

 

التطورَ الحضاري الكبير الذي حصلَ في كلِّ مرافقِ حياتهِ

 

 

 

لم يستطعْ أَن يُغيِّرَ ما في داخلِ الأنسانِ ، فيجعلَ منهُ صانعاً

 

 

 

للمدينةِ الفاضلَةِ التي حَلِمَ بها الأنبياءُ والمصلحون وتخيَّلها

 

 

 

وكتبَ عنها الفلاسفةُ الخالدون وأرادوها للأنسانِ كجنَّةٍ على

 

 

 

هذهِ الأرضِ ولكنَّها لم تتحققْ ، رغمَ اعتناقهِ الأديانَ المتنوِّعةِ

 

 

 

والآيديولوجياتِ الفلسفيَّةِ والسّياسيَّةِ والأجتماعيَّةِ والتطور العلمي والتكنولوجي الهائلينِ ومجالات الثَّقافةِ الواسعةِ وامتلاكهُ كلَّ وسائلِ الرّفاهيَّةِ الماديَّةِ من مسكنٍ و ملبسٍ فاخرينِ

 

 

 

ووسائطِ النَّقلِ المتطورَةِ والكهرباء والتلفزيون وسفن الفضاءِ

 

 

 

والأقمار الصِّناعيَّةِ والمحمول والأنترنيت ، ولكنَّنا نجدُ أنَّ كلَّ

 

 

 

هذا الكم الهائلِ من التَّغيرِ في القشرةِ الماديَّةِ التي تحيطُ بالأنسانِ من كلِّ جانبٍ لم تُفلحْ بِإزالةِ معاناتِهِ المتزايدَةِ وهواجسه وهمومهِ وخوفِهِ الدائمِ من المجهولِ ومن كوارثِ

 

 

 

الطَّبيعةِ المدَمِرةِ ومن أخيهِ الأنسانِ ، كلُّ هذا ضلَّ يلازمهُ

 

 

 

بل ازداد عمّا كان عليهِ قبلَ مئاتِ السِّنين ، فالجَّرائم البَشِعةِ

 

 

 

بأشكالها وأسبابها تحدثُ كلَّ يومٍ بل وكلُّ ساعةٍ بينَ أبناء

 

 

 

البشرِ في كلِّ ناحيَةٍ من العالمِ ..القتلُ والتَّعذيبُ بكلِّ الوسائلِ

 

 

 

وحتى الذَّبحُ مثلَ الأغنامِ و الأرهابُ والفتنُ والنعراتُ القوميَّةِ

 

 

 

والدّينيَةِ والطّائفيَّةِ والحروبِ الأهليَّةِ و قتل الشعوبِ

 

 

 

والصراعاتُ والتّناحرُ بينَ الأحزابِ والكتلِ السِّياسيَّةِ وبين

 

 

 

الفئات ذات المصالح الأقتصاديَّةِ والمافياتِ الأجراميَّةِ ، حتى

 

 

 

إنَّنا نرى مثلَ هذا التّناحرِ موجودٌ مع الأسف الشَّديدِ عندَ

 

 

 

طائفتنا المندائيَّةِ رغمَ تشرُدها وتشَتِتُها .. كلُّ هذهِ الأعمالُ المُشينةُ يقومُ بها الأنسانُ وليسَ الذّئبُ أوالنمرُ والدبُّ ،

 

 

 

وكلَّما ازداد لأنسانُ علماً وثقافةً وحضارةً ازدادت معاناتُهُ وهواجسُهُ وعقدُهُ النَّفسيَّةِ فازدادت بالمقابلِ جرائمُهُ المختلفَةِ

 

 

 

فهذهِ الفوضى في حياةِ الأنسانِ هي التي يهتَمُّ بمعالجتها في

 

 

 

الدرجَةِ الأولى الكاتبُ الحقيقي والناجح ، عميقُ الأدراكِ والحسّاسُ الذي يمتلِكُ روحاً كالتي عندَ الأنبياءِ والمصلحين

 

 

 

فهو يبحثُ عن الدّوافعِ والأسبابِ التي وراءَ الحودثِ والمشكلاتِ التي تصيبُ الأنسانَ وتؤثِّرُ في مجرياتِ حياتهِ

 

 

 

فيصوغُ منها موضوعاتِهِ القَصَصيَّةِ ، فهو إذن يستلهمُ مادَّتَهُ

 

 

 

لكتابةِ القصَّةِ القصيرَةِ والأقصوصَةِ من فوضى وصخبِ

 

 

 

وتعقيداتِ حياةِ النّاسِ التي يعترضُ عليها الكاتبُ لِأَنَّهُ يريدُ

 

 

 

حياةً للأنسانِ خاليةً من تلكَ التشويهاتِ والعشوائيَّةِ التي

 

 

 

تحفلُ بكلَّ أنواعِ الفسادِ والجريمةِ وحبِّ التَّسلُّطِ والظلمِ والقهرِ

 

 

 

وسيطرةِ الأقوياءِ على الضعفاءِ ..إنَّهُ يُريدُ حياةً أكثرَ امتلاءاً

 

 

 

بالقِيَمِ الأخلاقيَّةِ الجَّميلَةِ التي يبتعدُ بها الأِنسانُ عن الحيوانيَّةِ

 

 

 

والأنا المتضَخِّمَةِ ، نعم إنَّ الذي يُشغِلُ بالَ الكاتبِ النّاجحِ

 

 

 

المقتَدرِ ويستحوذُ على كلِّ اهتمامه ليسَ هو تقدمُ وسائطُ النَّقلِ

 

 

 

أو المطارتِ والعماراتِ والقصورِ أو البلاجاتِ والجسورِ والشَّوارعِ المعبَّدَةِ أو الأبراجِ والمصانعِ والمستشفياتِ أو

 

 

 

المدارسِ والمعاهد ودور السّينما ..ليسَ هذهِ الأشياء وغيرها

 

 

 

من قشورِ الحضارةِ الماديَّةِ ، إنما هـموم ومشاكلِ ومآسي الأنسانِ في مجتمعهِ أو في العالمِ عموماً هي وحدها التي

 

 

 

تُشغلُهُ وتستحوذُ على اهتمامهِ فهو يَشعرُ أنَّهُ ابنُ الحياةِ

 

 

 

والأنسانيَّةِ جمعاء .. كما قالَ سقراط: ـ أَنا مواطن من العالمِ

 

 

 

وكلُّ العالمِ وطنـي ـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في مجالِ كتابَةِ القصَّةِ القصيرَةِ ظهرَ من بين أبناءِ طائفتِنا 

 

 

 

المندائيَّةِ بضعَةٌ من كُتّابِ القصَّةِ القصيرةِ عدَدهم لا يتعدى 

 

 

 

عدَدَ أَصابعِ اليَدِ ، ومن أبرَزِهم ـ الأخ نشأَتْ المندوي ، وألأخ 

 

 

 

هـيثم والي ، والأخ نعـيم نصّار ، وآخرون عندَهم محاولات 

 

 

 

ناجحةٌ ولكن قليلةٌ ، مثل الأخت العزيزة الفنانَةُ التشكيليَّةِ سوسن سيف 

 

 

 

والأخ الأستاذ مديح الصّادق والأخ نصيرسيف والأخ فارس السليم

 

 

 

وربما هناكَ آخرون لم نطَّلِعْ على نتاجَهم القَصَصي ، فتحيَّةً لهم 

 

 

 

 

 

 

 

..جميعاً راجياً لهم التقَّدم والنَّجاح المستَمر 

 

 

 

بالتاكيدِ إنَّ كلَّ أُدباء وكُتّابِ العالمِ ، الذينَ ظهروا واشتهروا 

 

 

 

بنتاجاتهم في مختلَفِ صنوفِ الأدبِ منَ الشعرِ والرِّوايةِ والمسرحيَّةِ 

 

 

 

والقصَّةِ القصيرةِ، قد بدأوا صغاراً ولم يولدوا وهم أُدباء كما أتَّفَقَ عليهِ 

 

 

 

الكثيرُ من مؤَرخي ونقّادِ الأدبِ وخبراءِ الفنونِ الأدبيَّةِ .. فبالنسبةِ 

 

 

 

الى فنِّ كتابةِ القصَّةِ بنوعيها ( القصَّةُ القصيرةُ والأقصوصَةُ ) يَبدَأُ 

 

 

 

عِندَ كتّابها برغبةٍ شديدَةٍ أَشبهُ بالعشقِ لِقراءَةِ القصَصِ والرِّواياتِ 

 

 

 

لِمختَلَف الكتّابِ في العالم ثمَّ بعدَ ذلكَ ونتيجَةلهذهِ القراءاتِ الكثيرةِ 

 

 

 

تتَولَّدُ عندَهم الرغبةَ والتَّصميمَ لِممارَسَةِ هذا الفنِّ الجميلِ ، وبعدَ 

 

 

 

نضوجِ موهِبةِ الكتابةِ للقصَّةِ القصيرةِ يأتي التَّفرغُ التّام لممارسَةِ 

 

 

 

هذا الفنِّ إذا أَرادَ الكاتبُ أن يكونَ ناجحاً في هذا الفنِّ الأدبي  فلا 

 

 

 

يشتِّت نشاطَهُ الأدبي في مجالاتٍ أدبيَّةٍ أُخرى عديدَةٍ .. أَمّا الأدباء 

 

 

 

والكتّاب العالميين في الرِّوايةِ والقصَّةِ والمسرَح الذينَ أرى على 

 

 

 

: كتّابِ القصَّةِ المندائيين النّاشئين اَن يقرأوا لهُم جميعاً فهم 

 

 

 

 ـ فكتوهيجو ، جارلس  ديكنز ، دانتي ، تولستوي ، ديستوفسكي 

 

 

 

 اسكندردوماس ، شكسبير ، مولير ، سومرست موم ، وليم 

 

 

 

سارويان ، أوسكار وايلد ، هرمان هيسه ، أميل زولا ، جورج 

 

 

 

أمادو ، جين أوستن ، أرنست همغواي ،جاك لِندن ، ماركيز ، 

 

 

 

أجاثا كريستي ،صاموئيل بيكت ، تشيخوف ،غوغول، تورجنيف ، 

 

 

 

مكسيم غوركي ، بوشكين ، ليرمنتوف ، شولوخوف ، أميلي 

 

 

 

برونتي ، شارلوت برونتي ، جان بول سارتر،  أرسكين 

 

 

 

كالدويل ، جون شتاينبك ، أنطوان أكزوبري ، باولو ، وغيرهم 

 

 

 

أَمـّا من الكتّاب العرب فهم ـ نجيب محفوظ ، يوسف السباعي ، 

 

 

 

توفيق الحكيم ، محمود تيمور ، يوسف إدريس ، سهيل إدريس 

 

 

 

حنّا مينا ، ميخائيل نعيمة ، جبران خليل جبران ، ومن كتّابِ القصَّةِ 

 

 

 

العراقيين ـ غائب طعمة فرمان ، فؤاد التكرلي ، جواد الأسدي 

 

 

 

، عيسى الصَّقر

 

 

 

وهناكَ الكثير من الكتّاب العالميين مع الأسف لم تُسعِفُني الذاكرةُ من تذَكُرُّهم 

 

 

 

.. فأَرجو المعذرَة  

 

 

نشرت في قصة