• Default
  • Title
  • Date

لم يفاجئ انقلاب 8 شباط 1963 احداً، فقد كانت كل الشواهد تدل على ان البلاد ستواجه احداثاً خطيرة، وان قوى مختلفة داخلية وخارجية كانت تعد العدة للاطاحة بحكومة عبد الكريم قاسم، وتصفية الحزب الشيوعي العراقي، اكثر من هذا فان معلومات وردت من مصادر مختلفة ذات صلة ذاتها بهذه القوى، حددت الجهات التي تتأمر للاطاحة بالحكم، واسمت من كان يتحرك في هذا الاطار، وذهبت حتى الى تحديد المكان الذي ستنطلق منه المؤامرة، والوقت الذي ستحدث فيه.

منذ ان فشلت محاولة حزب البعث لاغتيال عبد الكريم قاسم في 7 تشرين الاول 1959 عند رأس القرية، في شارع الرشيد، وحزب البعث ظل يحيك المؤامرة تلو الاخرى للاطاحة بالحكم سواء بالقضاء على رئيس الوزراء، ام بانقلاب عسكري يطيح بالحكم، ينهض به مناصروه وحدهم، او بالتعاون مع قوى اخرى، قومية ومحافظة وغيرها والتقت مساعيه هذه بما كانت تديره الدوائر الامريكية وعملاؤها في العراق والبلدان المجاورة له، وبما كانت تسعى اليه، من جانبها الجمهورية العربية المتحدة وبالمساعي الحميمة لشركات النفط العاملة في العراق للتخلص من حكم قاسم، لاسيما بعد اصدار القانون رقم 80 الذي انتزع منها كل الاراضي التي لم تستثمرها، بعد، حتى ذلك الحين، التي تؤلف 5،99 من المئة من مجموع مساحة البلاد التي كانت تدخل ضمن امتيازها.

وقد خدمت هذا النشاط جملة تطورات سياسية في البلاد عملت على عزل عبد الكريم قاسم عن القوى الوطنية التي كانت تسانده، وقللت كثيراً من الدعم الشعبي الذي كان يتمتع به في اشهر الثورة الاولى، فقد تسببت سياسة الحكومة تجاه الحياة الحزبية وما اقترن بها من مناورات و تضييقات، في انحدار هيبة الحكم، وفي هبوط فرص الجماهير في العمل السياسي، وقدراتها في الدفاع عن استقلال البلاد ومكاسب الثورة. كما تسببت سياسات عبد الكريم قاسم في التنكر لحقوق الجماهير النقابية والاجتماعية في تزايد صلافة القوى الرجعية وتجاوزاتها وحرمان الجماهير من وسائلها لتنظيم نفسها للدفاع عن حقوقها، وبالتالي الدفاع عن الحكم وجاءت الحرب التي شنتها الحكومة ضد الشعب الكردي، ولتضعف كثيراً من قدرات الحكومة العسكرية، وتزيد في اعبائها المالية في وقت كانت تعاني فيه من ضغط شركات النفط وسياساتها في خفض الانتاج، ولتشغل الحكم عما كان يدبر له، وزادت مشكلة الكويت ومطالبة عبد الكريم قاسم به، والتي اثارها دون تحسب كاف، من التعقيدات السياسية التي كان يواجهها واعطت الدوائر البريطانية ذريعة لاستقدام قواتها وتحشيدها قريباً من الحدود العراقية.

في آخر رسالة يكتبها سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، حسين أحمد الرضي، الى اللجان المنطقية والمحلية للحزب، بعنوان "ملاحظات أولية"، قال بشأن انقلاب شباط: "إن انقلاب (الردة) في 8 شباط، قد بدأ فكرياً وسياسياً واقتصادياً، منذ اواسط 1959، حينما تصرف قاسم بما يشبه الاستسلام للقوى السوداء التي أخذت تسترجع المواقع واحداً بعد آخر، في الجيش والدولة وفي الحياة الاقتصادية والمجتمع. ومنذ ذلك الحين، فإن الخط البياني لتفاقم التهديد الرجعي. وتفاقم أخطار الردة قد تموّج لعدة فترات، صعوداً ونزولاً. ولكن كخط عام بقي يتصاعد. وفي 8 شباط 1963 اسقطت الرجعية الفاشية السوداء حكم قاسم واستولت على الحكم".
"جئنا بقطار أمريكي"

وحين يعلن علي صالح السعدي أمين القيادة القطرية لحزب البعث في العراق في ذلك الحين: "إننا جئنا الى السلطة بقطار أمريكي"، فلنتذكر ان هذا القطار قد تحرك منذ منتصف 1959 في هذا الاتجاه، بعد ان هاله تعاظم قوة الحزب الشيوعي العراقي يومذاك. وسواء ادرك الذين نفذوا الانقلاب في بغداد وأعوانهم في القاهرة وغيرها، أنهم ساروا في سكة هذا القطار، وفي الاتجاه الذي سار فيه، وان بعضهم قد امتطاه فعلاً، انهم ينفذون إرادة غيرهم، او لم يدرك الاحياء منهم هذه الحقيقة بعد، فإن الشواهد صارت تتكاثر بما لايدع سبيلاً للمكابرة.

"تقول الورقة التي اعدتها وزارة الخارجية الامريكية في 15 نيسان 1959 تحت عنوان: الوضع في العراق السياسة التي يتعيّن على الولايات المتحدة ان تسلكها لتحول دون سيطرة الشيوعية على البلاد من بعض ما تقول: "العلاقات الودية ما بين الولايات المتحدة والجمهورية العربية المتحدة، الحملة الفعّالة التي ينهض بها ناصر ضد الشيوعيين المحليين والاتحاد السوفييتي، اليقظة الناشئة لدى العرب تجاه الشيوعية الدولية – كل هذه تطورات ما كانت لتبدو قبل عام، وهي تعود بمنافع سياسية عظيمة من وجهة نظرنا، ثم تعود الورقة لتقول تحت عنوان فرعي: (تشجيع ناصر في حملته ضد الشيوعية في العراق "وفي الوقت الذي لم نربط فيه مباشرة ما بين حملة ناصر الراهنة ضد الشيوعية، والخطوات التي اتخذناها لمساعدة مصر، فمما لا شك فيه ان ناصر يعرف ان الخطوات التي اتخذناها انما هي علامة على استحساننا للحملة الجارية، وأنها تشجيع على جهوده المعادية للشيوعية"... "وسنواصل هذه السياسة، وندعمها بخطوات يمكن ان نتخذها من حين لاخر بطريقتنا الخاصة للمشاركة في الحصيلة"
وتعود الدوائر الأمريكية المعنية لتقول بعد عام: "ان مواقف حكومة قاسم تجاه الدول الغربية، قد تحسنت تدريجياً بعد ان كانت عدائية. ولكن هذا الاتجاه قابل لان ينقلب فجأة. وفي الوقت الذي يمكن ان يتواصل، إلا انه من غير الممكن ان يسير بعيداً جداً" ولهذا تولت "الطرائق الخاصة" لكي تدفع بالامور الى "السير بعيدا"ً ودون رجعة.
لقد ضعفت كثيراً حكومة عبد الكريم قاسم، ولم يبق من وزرائها الذين دخلوها في يوم الثورة احد سوى رئيسهم. وانعزل هو عن جميع القوى السياسية الوطنية التي وقفت مع الثورة يوم اندلاعها. وفي العامين الآخرين دخل في حرب منهكة مع القوى القومية الكردية. وعلى هذا باتت الظروف مناسبة تماماً لما يبغي التأمر عليه.
قبل ان ينتهي عام 1961 كانت القيادة القطرية لحزب البعث في العراق قد قررت رسمياً العمل لاسقاط حكم قاسم.. وفي أواخر ايار 1962 دعت القيادة القومية للحزب المذكور. في اجتماع عقدته في حمص، البعثيين العراقيين الى الإعداد لانقلاب في العراق يطيح بحكم قاسم فتألف لهذا الغرض مجلس عسكري لوضع خطة العمل والسعي لتنفيذها في اللحظة المناسبة.

واستعدت حركة القوميين العرب، التي تتحرك بأوامر من مصر، من جانبها للعمل في هذا الاتجاه، واعدت عسكرييها للانقضاض على عبد الكريم قاسم، ووضعت لهذا الغرض خطة لاغتياله في نادي الضباط في بغداد في اول ايام عيد الفطر المصادف ليوم 25 شباط من عام 1963. كما أعدت لحركة تقوم بها الدبابات التي يقودها الضابط القومي جابر حسن حداد، وخطة لعملية أخرى تستند الى دبابات كتلتي صبحي عبدالحميد من القوميين الناصريين وعبدالهادي الراوي، القومي الاسلامي وذهبت مجلة (الطليعة) التي كان يصدرها القوميون العرب، في 16 كانون الثاني 1963، الى الحديث عن "شيء قد يحدث في المستقبل".
وكان العسكريون المحافظون، على اختلاف ولاءاتهم، يتهيأون الى ضم قواهم الى كل من يقدم على عمل. وحين انحصر الفعل على البعث والقوميين العرب، استعدوا للسير وراء أي منهما. ومع ان هذين التنظيمين، كانا قد اتفقا، في بادئ الأمر، على العمل سوية، ودخلا في ما عُرف بـ"الجبهة القومية" إلا ان القوميين العرب خرجوا عن الجبهة المذكورة بسبب الخلاف ما بين البعثيين والناصريين في سوريا، وبات كل من التنظيمين يعمل بمفرده، ويسابق الآخر لتنفيذ خطته. ولعلّ هذا الوضع في صفوف القوى القومية هو ما دفع الاجتماع الكامل للجنة المركزية للحزب الشيوعي في اواخر ايلول 1962، الى القول بأن "الجبهة غير المقدسة التي وقفت موقف العداء من الحزب والشعب هي التي تفتت، وبدأت تظهر وتتعمق ثانية عزلة القوى الرجعية وعميلة الاستعمار". ومع ذلك، فإن الطرفين، رغم خلافاتهما، دخلا في اتفاق ضمني بينهما، يقضي بأن يدعم أحدهما الآخر حال قيامه بحركة ما. لكن هذا الاتفاق الضمني لم يحل دون ان يعمل هذا الطرف للايقاع بالطرف الثاني للتخلص من منافسته.

لا تكشف الوثائق الرسمية الامريكية المنشورة حول العلاقات بالعراق عن كامل الارتباطات التي اقامتها وكالة المخابرات المركزية الامريكية. وغيرها من الدوائر ذات العلاقة بعناصر متنفذة في حزب البعث ممن كان لهم دور مؤثر في انقلاب شباط. ذلك لان واضعيها تحاشوا ان يوردوا كل شيء. لكن شواهد وتصريحات كثيرة توضح بعضا من اشكال الارتباطات هذه.

قاسم على علم بتحركات المتآمرين

لم تكن تحركات المتآمرين تخفى على عبد الكريم قاسم او على الحزب الشيوعي العراقي. فقد كانت مصادر كلا الطرفين تتابع هذه التحركات بانتباه. فقد كانت عيون قاسم تتباع نشاط القوى السياسية القومية، والضباط القوميين، رغم ان اجهزة قاسم الامنية كانت تتستر احياناً على هذه النشاطات. ولا تقدم معلوماتها الكاملة عنها.

وبناء على المعلومات التي تلقاها قاسم، احال المقدم جابر حسن حداد على التقاعد في 6 تشرين الثاني 1962، واعتقل المنسق السياسي لحركة القوميين العرب، نايف حواتمة. الا ان هذا الاجراء قد اصاب المتآمرين من القوميين العرب، ولم يمس البعثيين. وقد كشفت المستندات التي عثر عليها في وزارة الدفاع بعد انقلاب 8 شباط ان الملازم جابر علي، احد البعثيين المشاركين في التحضير للانقلاب، كان يزود عبد الكريم قاسم بمعلومات عن نشاط العناصر القومية والبعثيين في الجيش. ويؤكد علي السعدي هذا الموضوع ويقول: "اذا كان عبد الكريم قاسم قد فوجئ بتوقيت الانقلاب، فإن ذلك يعود الى مرض وغياب الملازم جابر علي عن بغداد منذ اكثر من اسبوع، ولهذا لم يخبره بساعة الصفر". كذلك كانت مصادر الحزب الشيوعي العراقي تنبئ الحزب بتحركات المتآمرين وبدقة، وهو بدوره كان يبلغ عبد الكريم قاسم بها. وكان من بين ما بلغه، نبأ الانقلاب الذي جرى فعلا في 8 شباط 1963 .

كان الانقلابيون قد مهدوا لانقلابهم بعقد تحالف مؤقت وشفوي مع الحركة القومية الكردية، التي كانت آنذاك في حرب مع الحكومة, وكانوا يريدون من هذا التحالف انهاك الحكم، وابعاد كثير من القطاعات العسكرية غير الموالية لهم الى المناطق الكردية. وكان يجري عن قصد، التواطؤ مع الدوائر العسكرية المعنية لابعاد العناصر اليسارية في الجيش الى كردستان، لتتعذر مشاركتهم في مواجهة الانقلاب حين يحدث، ولضمان انشغال الحزب الشيوعي العراقي في العمل لوقف الحرب وضمان حلها حلا سلمياً. كذلك مهد الانقلابيون لانقلابهم بإضراب طلابي واسع في كليات الجامعة وفي المدارس الثانوية في بغداد لاشغال اجهزة الحكم به من جانب، وإشغال منظمات الحزب الشيوعي بمتابعة الاضراب والانصراف عن متابعة تحضيراتهم للانقلاب، وقد نجحوا كثيرا في ذلك، ويكفي ان نشير هنا الى ان سكرتارية اللجنة المركزية للحزب عقدت خلال ايام الاضراب اربعة اجتماعات خلال ما يقرب من اسبوع واحد (في الفترة ما بين 29/12/62 و7/1/63) كرسته لبحث تطورات هذا الاضراب، وموقف المنظمات الشيوعية الطلابية منه. كل هذا يجري في الوقت الذي كان فيه الانقلابيون يكثفون من جهودهم استعدادا للانقلاب.

منذ صيف 1962، بدأت منظمات الحزب الشيوعي العراقي تتلقى من مركز الحزب توجيهات تدعو الى اليقظة واتخاذ اقصى درجات الحذر لمواجهة ما تدبره الاحزاب القومية من عمليات انقلابية. وكانت هذه الاحزاب، سواء بدافع ضروراتها الخاصة وحاجتها الى تدقيق وتضبيط خططها، او لمجرد اجراء التدريبات الضرورية على الخطة الانقلابية التي توصلت اليها، كانت تعيد وتكرر انذاراتها الى اعضائها ومؤيديها، وتحدد مواعيد جديدة لتحركاتها. مقابل هذا كان الحزب الشيوعي يكرر تبليغاته وتوجيهاته الخاصة الى منظماته، كما يكرر تسريب معلوماته الى قاسم. هل كانت هذه الحالة قد حدثت مصادفة، وعادت بالنفع على الانقلابيين، ام ان جهات ذات تجربة ودراية بسايكولوجية الجماهير في حالة كهذه قد اوحت للانقلابيين بهذه الممارسة؟ مهما كان الامر، فإن تكرار الانذارات والتوجيهات المضادة قد اوجدت حالة من فتور الهمة والخدر في اللحظة المناسبة. زد على ذلك. فإن قيادة الحزب الشيوعي قد اضاعت وقتا ثمينا وطويلا في الانصراف الى تصفية المشاكل في المكتب السياسي. كذلك كان الحزب الشيوعي قد ظل يلتزم بالدفاع عن حكومة قاسم باعتبارها "حكومة وطنية" في الوقت الذي كانت فيه هذه "الحكومة الوطنية" تواصل مقابلة منظمات الحزب والجماهير التي تلتف حوله بصنوف من التنكيل والاضطهاد. ولم تعد الاساليب النضالية التي ظل الحزب يلتزم بها قادرة على وقف هذا الاضطهاد. لذلك فقدت جماهيره الحافز الداخلي القوي للدفاع عن هذه الحكومة. ان تكرار الانذارات من جانب، وحالة الانتظار السلبي التي وجدت الجماهير التي تلتف حول الحزب نفسها فيها. والتزام سياسة الدفاع الدائم التي لم تقترن بمحاولات التعرض والهجوم، اوجدت لدى هذه الجماهير حالة من الخدر واللا أبالية، استغلها الانقلابيون لتمرير انقلابهم.

في مطلع عام 1963 . تلقى الحزب الشيوعي معلومات تشير الى ان حزب البعث اعد خطة لانقلاب عسكري ينطلق تنفيذها من كتيبة الدبابات التابعة للفرقة الرابعة المدرعة في (ابو غريب). وهي لا تبعد عن بغداد الا عشرين كيلومترا فقط. وكان يقود هذه الكتيبة يومئذ العقيد خالد الهاشمي، عضو المكتب العسكري لحزب البعث، واحد واضعي الخطة. وكان ضباط الصف الشيوعيون في الكتيبة يتابعون تحركات الضباط البعثيين في الكتيبة وفي الفرقة عامة. وقد سارع الحزب الشيوعي الى اصدار بيان في 3/1/1963 يحذر قاسم من الانقلاب، ومن تحول الكتيبة المذكورة الى وكر للمتآمرين. وكان عبد الكريم قاسم قد بلغته، بدوره، معلومات خاصة تؤكد نفس الشيء إذاك استدعى قائد الفرقة المدرعة عبد الجبار السعدي، وآمر كتيبة الدبابات المعنية خالد الهاشمي، ولدى المقابلة، ارتعب هذا الاخير، وافضى بما عنده. وقدم لقاسم كشفا بأسماء ضباط الكتيبة واتجاهاتهم السياسية. واعترف بوجود 3000 قطعة سلاح في الكتيبة لا يعرف عنها شيء حينئذ، امره قاسم بإرجاع الاسلحة الى مخازنها، والالتزام بإفراغ الدبابات بعد كل عملية تدريب من ماء التبريد ومن عتادها الحي. كذلك عمد قاسم الى احالة ثمانين ضابطا على التقاعد يشك في ضلوعهم في التآمر، واعتقل صالح مهدي عماش، احد اركان الانقلاب المنتظر، واعد قوائم اخرى بإحالة ضباط على التقاعد، إذ ذاك قرر حزب البعث واعوانه التعجيل بالانقلاب. وتحدد صباح الجمـعة المصادف 8 شباط 1963 . وفي 4 شباط تلقى حزب البعث ضربة اخرى، تمثلت باعتقال امينه القطري علي صالح السعدي، وكريم شنتاف، عضو المكتب السياسي الا انه سار قدما في تنفيذ خطته التي تقوم على السيطرة على دبابات الكتيبة وتحريك بعضها برغم خلوها من العتاد، للاستيلاء على مرسلات اذاعة بغداد في (ابو غريب) ايضا. وتحريك اربع دبابات باتجاه وزارة الدفاع واثنتين باتجاه دار الاذاعة في الصالحية، وارسال بعض الدبابات الى الحبانية للتزود بالعتاد والعودة الى بغداد، وقصف معسكر الرشيد وتعطيل حركة الطيران فيه. وكانت اشارة التحرك لتنفيذ الانقلاب اغتيال العقيد الركن الشيوعي جلال الاوقاتي، آمر القوة الجوية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقتطفات من الفصل 23 من "عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي"- الجزء الثاني. وهي تتعلق بما سبق الانقلاب، وما تضمن الفصل المذكور اشارات اليه.

نشرت في وجهة نظر
السبت, 27 نيسان/أبريل 2013 09:56

الحقيقه ونشوه الامل‏

ان رغبه الانسان عباره عن وسيله تامليه يمارسها  وتاخذه الى مرحله الشعور بالاحساس العظيم و التي من خلالها نحاول التغلب على الواقع الروتيني المتكرر الذي نعيشه ,انه احساس يقترب بصوره كبيره الى نشوه الخيال الافتراضي(اخ لو ربحت المليون) ان الانسان يرغب بنشوه الفوز بعد ان يعيش الحدث في تفكيره وتصور ويعيش امل حدوثه في الواقع, الفرح شعور عظيم يمتلك الانسان و يترك اثرا كبير في حيز ما من دماغه , جميعنا نتجاهل الخساره بعد وقوعها ولانرغب ان نعيشها مره اخرى لان الانسان لايرغب بتذكر الفعل الذي يؤدي الى الغثيان والاضطراب,ان الامل في حياه سعيده وامتلاك الشئ هو غايه كل البشر للعيش مع متعه الحدث الذي ربما يحدث وربما لا,ان الانسان يتجاوز النتيجه السيئه ويقفز فوقها ولايهتم بها ويتجاهل حدوثها حتى وان كانت حقيقه واقعه ,ان الموت هو نتيجه سلبيه وفعل طبيعي يواجهنا جميعا ونحن نعرف ذلك ولكن لانريد ان يكون له مكان في تصورنا ,ان كل شخص يعيش حلم الامنيات الجميله ولايحتفظ بالحقائق التي تجلب له التعاسه, اننا لانرغب الاعترف بان الموت سوف يواجهنا في يوم ما ويقابل هذا هو تجاهل شعور الخساره وعدم الاعتراف بان للحدث نتيجه واحده في بعض الاحيان يكون شعور يتناقض مع مانريد ومع خارج الاراده( الااراديه ), ان وعي الانسان ومهما كانت درجته المعرفيه فانه يتمرد على سلبيه النتيجه وحتميه حدوثها ويحاربها ذاتيا ,لايوجد احد في الكون يرغب ان يتصور نهايته وهو اموته وانه سوف يدفن تحت التراب وتاكله الديدان,او ان تكون نتيجته النار او جهنم وان اعترف بقوه الله وحقيقه ماجاء في كتبه ,انه يمثل تناقض الواقع الحتمي .انه يبقى على فعل التمني وحاله النشوه ,ان وعي الانسان يتجرد من الافعال التي تؤدي الى نتيجه سلبيه سواء كان الفعل تجريبي او خيالي ,انه يرغب ان يعيش لحظات الاستمتاع كحالته عند بلوغ النشوه الجنسيه , ان القمار هي وسيله عمليه مؤطره بالتمني لتحقيق غايه تودي الى الفوز السريع وباقل مجهود عظلي يقود الى النشوه العظيمه التي تصاحب الانسان عندما تقوده الوسيله الى نهايه سعيده ,انها لن تتوقف عند مرحله يحددها الدماغ وينتهي وقتها بل على العكس ومن باب الاعتقاد والتامل بالنصر المستمر والمتراكم فانه سوف لن يتوقف عن تكرار المحاوله مرات ومرات …كل منا يرسم له فعل تاملي يعيشه ويحاول ان يطبقه على الواقع في اي فرصه ,وعند امتلاك الشئ فانه يطمح الى الاكثر وهذا الفعل المسمى بالطمع او الحاجه  الروحيه المستمره للفوز او الطموح بمفهومه الاخلاقي او الجشع بمفهومه اللااخلاقي ,ان حاجه الانسان للفرح او تامل الفرح يجعله بحاجه الى الاستمرار في الفعل الذي ياخذه الى اللذه فما بالك وشعور النشوه العظيمه, انه مثل الادمان على المخدرات ا والكحول ا والتدخين انها لذه الشعور الذي بسببه نعيش الحياه ونستمر بها ,ان الانسان وقبل ان يقدم على اي فعل فانه يرسم اولياته ويضع الاحتماليات له سلبا او ايجابا فعند الاقتناع بالنتيجه وحسب التصور المرسوم فانه سوف ياخذ الطريق الى الفعل الذي صاغه في ذهنه وهيئ له,وبعد ان يختبر الوسيله فعليا فانه سوف يدمن عليها لحد التطرف,و الى المستوى الذي لايعطي اي اعتبار للنتائج وان كانت نتائج كارثيه,ومثل على ذلك هو المتدين, انهما يتشابهان في الحاله ولكن يختلفان في النتيجه , انهما مثلان لايتشابهان في الفرح او الكابه ولكن فقط في المفهوم العام للفعل التاملي, واحد مقامر يتردد على الكازينوهات والاخر يتردد على الجوامع ,ان الانسان يقدم على اي فعل يشعره بفرحه التمني ولايهتم بالنتيجه .هو يرسم درجات لسلم من الواقع الخيالي وتكون امنيه النجاح قائمه في عقله و في حدود فعل التمني فقط ولاوجود للواقعيه , انه يعطي لنفسه مبرر الفعل عن طريق الاقتناع وترويض عامل الخوف الذي يراوده انه لايتقرب الى منطقيه الحدث الذي يقول ان هناك قطعيه في تفسير الاشياء, سوف لن يشاركه او يهتم احد بمايقول لانه يبتعد عن الواقع ويتجرد من الحقيقه التي تتوازى وتتساوى عندها احتماليه النتيجه السلبيه والايجابيه الى درجه تفوق الثانيه على الاولى

لنعود الى القمار وهو اساس الموضوع... ان القمار وسيله يستعملها الانسان للوصول الى حاله النشوه السريعه والتي تكون في بدايتها بسيطه تغلفها البراءه والبساطه كمثل الذي يلتقي حبيبته اول مره ومن بعد تكرار اللقاء فانه يعيش حاله من الادمان في حبها ,ان هذا المثل يمثل حاله التشابه مع القمار في النتيجه او الادمان على المخدرات,انهما يشتركان في مفهوم النشوه و ذروتها, ان طبيعه الانسان وتكوينه تجعله يفتش عن السعاده والفرح في كل مكان ولايتردد باستعمال الوسائل في اي فرصه تسنح له ولكن باقل جهد عظلي ممكن,ان الانسان لايحب العمل الذي يسبب له التعب الجسدي ويضعه في موقع مسؤوليه الانتاج كما انه لايرغب ان يكون تحت سطوه او سيطره من احد عليه ,انه يغرم بالفعل الافتراضي ويحب ان يعيش حاله السعاده ولو بالتمني و التى يسكر بها كفكره اولا ثم ممارسه لاحقا,ان الانسان في حالات المنافسه تصيبه توترات هائله بسبب الافرازات التي يسببها الانفعال وهذا ممكن ملاحظته وبشكل واضح عند لعب القمار من رجفه العضلات الى عمق التنفس و شهيق عميق في حاله الفوز او بطئ التنفس والتعرق وفي بعذ الاحيان الهذيان بسبب التوتر وانتظار النتيجه,ان نشوه السعاده بالرغم من زوالها السريع لكنها سوف تترسخ في خياله على شكل حادث جميل ينتشي به كلما تذكره, ان الاحاسيس الايجابيه او التي تقود الى نشوه الفعل تكون غايتها ارواء الحاجه ويكون فعلهااندفاع شديد والتغاضي عن العواقب السلبيه وتصبح على شكل تمرد شرس ومستمر على الوعي وعدم الاعتراف به ,اذا كانت النتيجه سلبيه, حزينه وتصاحبها الكابه فان ذكرى نشوه السعاده التي سببها الفوز في يوم ما سوف تتغلب عليها طريق الاقناع وذلك بواسطه اعطاء المبرر الذي يتغلب على الخساره شعوريا فقط ويغتصب الخقيقه

ان مالكي كازينوهات القمار هم من خبراء سايكولوجيه الانسان وشعوره ويعرفون كيفيه احتكار العقل وماهي الوسائل التي تروضه على البقاء والاستمرار في الخساره  ,في حاله خساره  شئ ما فانه يحاول ان يسترد ها  باي شكل كان وان ربح فانه يعيش سعاده الفوز ويراوده الامل و الطمع في المزيد, انه سيعاود اللعب بعد الخساره   وذلك لانه يعيش نشوه النصر المستمر الذي اختبره ولايريد ان يفقد هذا الشعور , وعند هذه النقطه يصبح الانسان  مدمن من خلال  برمجه العقل ذاتيا

ان التقرب من الفكر الى درجه الواقعيه النسبيه واختبار العقلانيه والمنطق ومحاكاه حقيقه شعور التمني وهي ان لاعبين القمار يواجهون ماكنه بشريه وتكنلوجيه متخمه بالخبره والماده ويقودها علماء من الفاسدين والمافيات المنظمه والتي تعتاش على خساره الاخرين ,

ان عقل الانسان لايمتلك الحكمه والسلوكيه الايجابيه المنتجه للوعي الا اذا اختبرها , ولكن الالمام بالواقع وتناقضاته ومعرفه الاساليب التي تقود الى النتيجه السيئه كذلك دراسه بسيطه للسايكولوجيه البشريه ومعرفه اجزاء من مساوئ ومحاسن الافعال وتاثيراتها هي التي تفرض الاتجاه الذي يجب ان يسلكه كل واحد منا وكيف يسيطر على نزواته ورغباته او يقلل من تاثيراتها

 

نشرت في وجهة نظر
السبت, 27 نيسان/أبريل 2013 13:50

الكارثه المرعبه لنهاية دوله العراق

ما يحدث اليوم فى عراقنا من استغلال مطاليب شرعيه للمتظاهرين والمعتصمين في الشريط الذي يطلق عليه عادة باسم الشريط السني ومركزه محافظه الأنبار المجاوره للسعودية, ما هو ألا بروفه لبدء بتنفيذ تقسيم العراق الى 3 دويلات او اقاليم حسب الأنتماء القومي والطائقي وألغاء هوية العراق الوطنية , وسبق لهذا المشروع بتقسيم العراق قدمه نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن الى مجلس الشيوخ الأمريكي عام 2007 وقد حصل على موافقة 57 موافق على التقسيم مقابل 23 عضوأ رافضأ لهذا المشروع وتشير الدراسات بأن ىمشروع تقسيم العراق واضعاف هويته الوطنيه طرح منذ اسقاط حكومه عبد الكريم قاسم عام 1963 من قبل البعث المجرم لذلك ما نراه من عصيان مسلح في الشريط السني ماهو الى بداية للتقسيم وان طال امده 

, ان مشروع تقسيم العراق يقع تحت المخطط المسمى بخارطة الشرق اوسط الجديد ,ان اثارة هذة الأضطرابات تحت قيادة التنظيمات الآسلامية المتشددة كمنظمة --- النصره—المرنبطه بالقاعدة وبقايا تنظيم البعث المجرم ومساندة دول الجوار السنيه , ما هي الأ محاولة لرسم الخارطة للآقليم السني الجديد في المنطقه التي تجري فيها الأعتصامات>

ان مايجري اليوم في المثلث السني يذكرنا بالخطه التي نفذها حزب البعث لتغير نظام حكم جمهورية 14 تموز تلك الخطه التي بدأت باعلان الأضراب البسيط من قبل تنظيمات البعث والجبهة القوميه في 24—1962 في مدرسة الشرقيه الثانويه في بغداد بحجة الدفاع عن حقوق الطلاب ا الذين تعرضوا للضرب من قبل الشرطه والذين اثاروا شجارآ مع ابن فاضل المهداوي ثم اتسعت هذه الأضرابات ليشمل تنفيذها بالقوه في جميع مدارس العراق من قبل البعث والمساندين له من عملاء شركات التفط والتجمع القومي الرجعي الأقليمي وبقيادة امريكا وبريطانيا تلك الأضرابات التي كانت البدايه والتهيؤ لأنقلاب 8شباط الأسود

 

نشرت في وجهة نظر

تعتبر الحركة الثقافية , بمختلف فروعها , في كافة المجتمعات , واحدةً من قمم البناء الفوقي لحركة تطور تلك المجتمعات , حيث تعكس المستوى الحضاري والتقدم الذي يحرزه مجتمع ما , خلال مسيرته التاريخية . وقد مرت الثقافة العراقية بمراحل مختلفة من التقدم والتراجع خلال عقود القرن الماضي , منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة وحتى اليوم , حيث انتهاء العقد الأول من القرن الحادي والعشرين .

ففي العهد الملكي , كانت الثقافة العراقية بمختلف فروعها الأدبية والفنية والعلمية , ذات طابع وطني وتقدمي معارض , رغم التضييق الكبير الذي مارسه النظام الملكي عليها , إلا ان روح التحدي والمواجهة في النشاط الثقافي بكل ابوابه وفروعه , كانت هي السائدة , حيث الحركة المسرحية المناضلة , وباقة الشعراء والأدباء الكبار , الذين انحازوا الى حركة شعبهم الوطنية وتطلعاته نحو الحرية والسعادة . وبالقابل لم يسجل تاريخ تلك المرحلة اي انجاز ثقافي مهم , وعلى كافة الأصعدة للنظام ومثقفيه, حيث فرض الشعب عزلة تامة على فكر النظام وثقافته المتردية , التي هي انعكاس واضح لطبيعة ذلك النظام العميل شبه الأقطاعي القائم آنذاك , وقد تجلى ذلك بأروع صوره , صبيحة الرابع عشر من تموز 1958 , يوم هب الشعب المعبأ سياسياً وثقافياً لمساندة الثورة وقطع الطريق على اي تحرك مضاد لها .

وخلال الفترة من 14 تموز 1958 وحتى 8 شباط 1963 , ورغم انطلاق الفكر التقدمي في كل مجالات الحياة الفكرية والسياسية والأجتماعية , إلا ان تشابك الأحداث , واستهداف الثورة ومنجزاتها و منذ لحظة ولادتها , وتفجر الصراعات الفكرية والسياسية , بين الأحزاب والقوى السياسية والتيارات الفكرية , قصر عمر الثورة الوليدة , الذي لم يبلغ الخمس سنوات , مفعمة بالحداث والصراع , لم تتح للحركة الثقافية العراقية الفرصة الكافية لاستيعاب التغيرات المتسارعة وتحويلها الى بناء ثقافي رصين يجسد تلك المرحلة . ةلهذا لم نرَ في تلك الفترة ملامح واضحة لهذه الحركة , وسادت ثقافة التخندق والتمترس خلف الحركات السياسية المتصارعة , اي سيادة الثقافة السياسية إن صح التعبير .

بعد انقلاب شباط المشؤوم عام 1963 , وخلال فترة التسعة اشهر التي انفلت فيها اوباش الحرس القومي وحثالات المجرمين , فإن ثقافة الموت هي التي سادت ولم يسلم من مثقفي تلك المرحلة حتى العالم الجليل عبد الجبار عبد الله رئيس جامعة بغداد , البعيد عن الصراعات السياسية , ناهيكم عن قادة الحركة الوطنية , إلا من تمكن من الأختفاء او عبور الحدود ناجياً بجلده . ولم يسجل تاريخ تلك الأيام السوداء, اي نشاط ثقافي على كافة المستويات , وكان نعيق الحاكم العسكري العام وسياسة " سحق العظام " و " قطار الموت " هو كل ما خلفه الأوباش يوم سقوطهم , على يد شريكهم في الجريمة و يوم 18 تشرين الثاني 1963 .

وفي فترة حكم الأخوين عارف , ورغم الهدوء النسبي , خصوصاً خلال فترة المرحوم عبد الرحمن عارف , فقد انكمش الكثير من مثقفي الشعب العراقي و من بقي منهم على قيد الحياة , ولم تشهد تلك الفترة أي نشاط ثقافي واضح , لأن قادة النظام , لم يدخلوا في برامجهم او خططهم اي اهداف ثقافية تذكروعاد البعثيون الى السلطة في تموز1968 , محاولين الظهور بمظهر جديد , وتمكنوا من خداع الكثيرين داخل وخارج العراق , بالرغم من انهم ابتدأوا عهدهم الجديد , بالأنقلاب على شركائهم في الأنقلاب , عبد الرزاق النايف وابراهيم عبد الرحمن الداود, فكان هذا مؤشراً خطيراً لحقيقة هؤلاء لم ينتبه له الكثيرون مع الأسف , واتخذوا عدد من الأجراءات الأيجابية للتقرب من الشعب الذي كان رافضاً لعودتهم , فأطلقوا سراح السجناء السياسيين , ضحاياهم في عام 1963 , وأعادوا المفصولين السياسيين الى وظائفهم , ومارسوا سياسة ذات وجهين , ففي الوقت الذي انفتحوا على الأتحاد السوفياتي , واعترفوا بجمهورية المانيا الديمقراطية , وألغوا المادة الثالثة من القانون رقم 80 لسنة1961 , ودخلوا بمفاوضات مع شركات النفط الأحتكارية انتهت بتأميم النفط في 30 حزيران 1972 , وفي الوقت الذي فتحوا حواراً مع قيادة الحزب الشيوعي العراقي , انتهت بعقد ما كان يسمى " الجبهة الوطنية والقومية التقدمية " , واصدروا بيان 11 آذار لحل المسألة الكردية , نفذوا حملة اعدامات كبيرة بحق عدد من العسكريين بتهمة انتمائهم للحزب الشيوعي العراقي , وسبقوها بحملة دموية ضد الجزء المنشق من الحزب الشيوعي العراقي " القيادة المركزية " . وفي هذه الفترة بالذات , بدأوا بسياسة " تبعيث " كل شيئ و بالتراجع والأنقلاب على بيان 11 آذار , وتوجوا ذلك بمحاولتهم الأجرامية لإغتيال قائد الثورة الكردية المرحوم مصطفى البرازاني , ورضخوا لشروط شاه ايران بتوقيع اتفاقية الجزائر , وبعدها بدأوا بالإنقلاب على الجبهة الوطنية والقومية التقدمية , إبتداءً من اواسط السبعينات حيث بلغت ذروتها عام 1978-1979 , بتصفية تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي , وتصفية قيادة حزب البعث نفسه , على يد صدام وزمرته . وخلال هذه السنوات شوهت الثقافة العراقية وحوربَ المثقفون التقدميون , وحتى مهرجان المربد الشعري الذي كان يحضره الكثير من الشعراء العرب , جرى توجيهه باتجاه تمجيد القائد وحصل الشيئ نفسه لمهرجان بابل السنوي وحوصر الفكر المغاير لفكر حزب البعث . ومع بدء الحرب العراقية الأيرانية , جرى توجيه الثقافة والأعلام لصالح الحرب والعدوان وتصفية كل الخصوم بحجة حماية الجبهة الداخلية ....وهكذا طُمس الوجه الأنساني والتقدمي للثقافة العراقية , وسادت ثقافة عبادة الفرد والثقافة المخابراتية وشراء الذمم , بل وصل الأمر الى شراء ذمم العديد من الأعلاميين والمثقفين العرب في عدد من الدول العربية , وحتى في زمن الحصار , وقد فضحتها كوبونات النفط بعد السقوط .
لقد اثار استغرابي , قول احد الأصدقاء التقدميين , ان مرحلة السبعينات هي الفترة الذهبية للثقافة العراقية! ولست ادري بالمقارنة مع اي فترة من فترات التاريخ العراقي؟ وهل كانت هذه الفترة الذهبية من عيار 10 قيراط ام 21 قيراط , أم انها سبيكة نحاس بطلاء ذهبي ؟ وهذا هو الأرجح .

وسقطت الدكتاتورية تحت اوزار جرائمها وحروبها وعزلتها عن الشعب الذي اكتوى بنارها في كل جوانب حياته ....وجاء الأحتلال بكل ما يحمل من اهداف ومصالح قريبة وبعيدة , وممارسات قذرة , وبرزت كل تناقضات الأربعين عاماً منذ انقلاب شباط الأسود , وسقطت الدولة واجهزتها المختلفة بأقل من ثلاثة اسابيع , ذلك السقوط المدوّي الذي اذهل العالم , ولكنه لم يذهل المراقب السياسي العراقي الذي يعرف مدى عزلة ذلك النظام ونقطة ضعفه القاتلة , لقد كانت ثورةً شعبية صامتة تمثلت بتخلي الجيش والشعب العراقي عن النظام المجرم وتركه يواجه مصيره الأسود منفرداً .

ومنذ اللحظات الأولى لسقوط النظام , كانت الثقافة العراقية والتاريخ الحضاري العراقي , هما الهدف الأول في الأجندات الأقليمية والدولية , وفي رأس اهداف فلول النظام الساقط . ففي الوقت الذي فجرت الجماهير الغاضبة حقدها المقدس على قصور وممتلكات رموز النظام وتماثيل الطاغية , كانت الهجمات المدروسة مسبقاً , وعلى اهداف محددة سلفاً , تشير الى استهداف التاريخ الحضاري والثقافة العراقية .

*** فقد هوجم المتحف العراقي وسرقت محتوياته , في حين كانت الدبابات الأمريكية تقف على بعد خمسين متراً منه , وحين استنجد حراس المتحف بالقوات الأمريكية , كان ردهم , اننا لسنا شرطة لحماية المتحف , وسُرقت الوف القطع الأثرية التي تحكي حضارة وادي الرافدين على مر العصور .

*** وهوجم مركز صدام للفنون في منطقة الشواكة , القريبة من المتحف , وتصدى احد الفنانين وحراس المركز وعدد من اهالي المنطقة للسراق وطردوهم , إلا انهم عادوا في اليوم التالي واحرقوا المركز بكل ما فيه من لوحات وتحف لا تقدر بثمن , لفنانين عراقيين كبار ومنحوتات اخرى تحكي جزء من ثقافة العراق وحضارته .

*** وبعدها بأيام , اُحرقت المكتبة الوطنية العراقية بمحتوياتها وكتبها ومخطوطاتها النادرة .
*** واستهدف بعد هذا شارع الثقافة العراقية , شارع المتنبي , فاختلط الحرف والكتاب بدماء زوار هذا الشارع المتميز من المثقفين وعشاق الكلمة .

*** وبدأت حملة تصفيات جسدية لعشرات المثقفين من امثال الشهيد كامل شياع وشهاب التميمي وغيرهما الكثير , وهُجرَ مئات , بل ألوف الأختصاصيين من علماء واطباء ومهندسين ومن مختلف الأختصاصات واساتذة الجامعات ,وادباء وشعراء وفنانين , وما زال العمل جارياً لتفريغ العراق من ثروته البشرية المتميزة .

وفي موازاة هذة الحملة الدموية الشعواء , سادت ثقافة التخلف والتردي والفساد , واطلقت يد العصابات الأجرامية والميليشيات المسلحة في كل مدن العراق , باستثناء اقليم كردستان , لتتدخل في حياة الناس وخصوصاً في الجامعات العراقية , باعتبارها مركز الأشعاع الفكري والثقافي , وجرى التحكم حتى في الملبس والمأكل والمشرب , وفرض الحجاب حتى على غير المسلمات من الطالبات والتدريسيات . اما التدخل في المناهج الدراسية , ابتداءً من المدرسة الأبتدائية وحتى الجامعة , فحدث ولا حرج , كما يجري الفصل بين الجنسين حتى في الجامعات , ويجري الآن التفكير بتاسيس جامعة خاصة للبنات !.وساد الفكر الطائفي المتخلف وشوّهَ الدين والتاريخ , وحُرِّم الغناء والموسيقى حتى في الأعراس , وما موقف مجلس محافظة بابل في إفشال مهرجان بابل ببعيد , حيث أُلغيت الفقرات الغنائية , بما فيها الغناء الريفي العراقي الذي يقترب من الأنين , ناهيكم عن منع الفرق الأجنبية المدعوة من تقديم فقراتها , بحجة الطابع الديني لمحافظة بابل !!!

والآن وفي العودة الى عنوان الموضوع , اين مكان الثقافة العراقية بعد هذه السنوات العجاف ؟
ففي المرحلة الأولى لسقوط النظام السابق , وانفلات الوضع , كان الجميع بانتظار الهدوء واستقرار الأوضاع لتتضح الصورة . ولكن الأمور جرت خلال هذه السنوات الصعبة باتجاه طمس الهوية الوطنية للثقافة العراقية , وسادت ثقافة التطرف الديني والطائفي . وجاءت انتخابات الدورة الأولى للبرلمان العراقي ومجالس المحافظات , وبالأستناد الى دستور أُعدَ على عجل , فبات خاضعاً للأجتهادات والتبريرات والتفسيرات , وكانت نتائجها سيادة فكر المحاصصة الطائفية والقومية . وجاءت الدورة الثانية , ومع تحسينات " مكياج " الكوتا للأقليات الدينية , فإن النتائج جاءت مشابهة للدورة الأولى , إن لم تكن اكثر تخلفاً وطائفية , ومع ان المكون السني الذي قاطع الدورة الولى , دخل الأنتخابات الثانية بثقل وفاعلية , وكانت النتائج كما شاهدها العالم اجمع , وما زال الشعب العراقي يعاني من تلك النتائج حتى اليوم .

ان صراع " الديكة " العراقي , لم يدمِّ الديكة المتصارعة فقط , بل ان دماء الشعب العراقي هي التي كانت ومازالت تسيل , وتعطلت كل المشاريع التي كان معولاً عليها لدفع عجلة الأقتصاد , والحياة العامة للناس الى الأمام , وتدهورت الحصة التموينية التي يعتاش عليها غالبية ابناء الشعب العراقي , بدعوى شروط صندوق النقد الدولي للخروج من البند السابع .

لقد اثبتت الوقائع ان جوهر الصراع ودوافعه هو الأستحواذ على مراكز السلطة والمسؤولية ومن اجل الجاه والثروة . وكان الأرهابيون وعصابات الجريمة المنظمة والميليشيات المنفلتة , ترقص على انغام هذا الصراع من خلال الأختراقات في كل المفاصل الأمنية الحساسة .

ومع ضخامة الموارد المالية , فإننا لم نقرأ او نسمع عن موقف اي طرف من اطراف الصراع من الثقافة العراقية وهويتها الوطنية, ولم نسمع ان جهة من الجهات عرجت على هذا الموضوع من قريب او بعيد , وظل المثقف العراقي في مهب الريح تتقاذفه امواج الصراع السياسي ذي الأهداف الأستحواذية الواضحة , وتبتلعه الغربة القاتلة في دول الأنتظار واللجوء بعد ان حاصرته قوى التطرف والتخلف والظلام واهملته القوى والأحزاب المتصارعة على السلطة والثروة .

اننا نعرف ان وزارة الثقافة لا تقرر مسيرة ووجهة المسيرة الثقافية للعراق الجديد , إلا اننا نتطلع لرؤية الوجه العراقي الوطني المشرق لهذه الوزارة , بعيداً عن اجواء المحاصصة الحزبية والطائفية والفكر السلفي المتخلف

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2013 18:19

رحلة التقاويم عبر التاريخ

تستعمل الدول العربية اليوم التقويم الميلادي الغريغورياني (وهو تقويم شمسي) الذي تتكون السنة فيه من 365 يوماً وربع اليوم. وفي المشرق (وفي تركيا أيضاً) تسمى الأشهر كانون الثاني شباط آذار ... الخ، وهي الأشهر البابلية المعروفة. أما في باقي الدول العربية (ابتداءاً من مصر وكذلك دول الخليج واليمن) فيستعمل السكان الأشهر اللاتينية يناير فبراير مارس .. الخ (أو الصيغة الفرنسية جانفي فيفيري .. الخ). من جانب آخر لا تزال الدول العربية تتمسك بالتقويم العربي بسبب ارتباط مواسم الحج والصيام وغيرها من الفروض الإسلامية بالتقويم القمري، أحد أقدم أشكال التقويم في العالم. فكيف حصل هذا التطور في أنظمة التقويم، ولمن يعود الفضل في هذا التطور؟

 الأبجدية والتقويم:

 عند المحاولات الأولى للتدوين، والتي جرت في منطقتنا، كانت الكتابة الصورية – المقطعية هي الخطوة العملاقة التي نقلت البشرية من عالم عصور ما قبل التاريخ إلى العصور التاريخية، ثم تطورت إلى نمطي الكتابة المسمارية والهيروغليفية اللذين سادا في الشرق القديم لقرون. أما الخطوة الأعظم فهي ابتكار الحروف والأبجدية من قبل الفينيقيين والكنعانيين (1400-1200 ق.م.) ووصف العالم سيروس غوردون هذا الإكتشاف المذهل بـ ”الإكتشاف العرضي غير المقصود“ وذلك في أحد أبحاثه الصادرة في مجلة ”دراسات الشرق الأدنى“ عن علاقة الأبجدية بالتقويم والقيمة العددية للحروف. فعند تحليل أسماء الحروف في العبرية (وهي لغة مقتبسة من الكنعانية كما نعلم) نرى أنها أسماء حيوانات (نون = سمكة، قوف = قرد الخ) أو عناصر طبيعية (ميم = ماء) أو أجزاء الجسم (كاف = الكف، يود = اليد، عين = العين، ريش = الرأس) .. الخ. وعدد أحرف الأبجدية الفينيقية 29-30 حرفاً. هذا العدد يقابل معدل عدد أيام الشهر القمري، وهو 29,53 يوماً (فقد استعمل الفينيقيون التقويم القمري، واستعمل الإغرق والعبرانيون هذا التقويم أيضاً في البداية). ونرى أن الحرف الثلاثين في الأبجدية الفينيقية هو حرف يمكن اعتباره زائداً، إذ يمكن تعويضه بحرف السين، وهذا هو الدليل الذي ساقه غوردون على أن الرموز الـ 29-30 (الأبجدية) إنما وضعت للتعبير عن أيام الشهر القمري في بادئ الأمر، ونسب لكل يوم رمز معين (تحول لاحقاً إلى شكل الحرف وصوته)، ومن هنا نفهم تعبير غوردون ”بعرضية“ اكتشاف الأبجدية.

واستعمل الانسان بادئ الأمر تقويماً قمرياً لسهولة متابعة دورة القمر وتمييزها، وعدد أيام السنة القمرية 354 يوماً. غير أنه لاحظ عدم تطابق السنة القمرية مع تناوب الفصول، فالسنة القمرية تقل عن السنة الشمسية بحولي 11 يوماً. لهذا عمد إلى إجراء تصحيحات معينة بهدف انطباق التقويم على دورة الفصول.

كان الكلدانيون ضليعين في علم الفلك، فقد حسبوا مواقع الشمس والكواكب المختلفة ووضعوا لذلك جداول فلكية دقيقة، وحسبوا قيمة السنة بدقة أربع دقائق ونصف الدقيقة. واستناداً لهذه المعرفة قام الكلدانيون بتعديل السنة القمرية وفق نظام معقد عن طريق إضافة شهر كبيس ثالث عشر سبع مرات كل 19 سنة. والتسعة عشر عاماً هذه تعرف بدورة ميتون التي اكتشفها البابليون وأعاد اليونانيون اكتشافها لاحقاً، وتعني أن 235 شهراً قمرياً تعادل 19 سنة شمسية. وهذا التعديل يقرب السنة القمرية من السنة الشمسية كثيراً (الخطأ هو 33 دقيقة تقريباً كل 19 سنة). وأخذ العبرانيون هذا النظام الذي يمكن حسابه مقدماً من الكلدانيين في القرن الرابع ق.م. بعد أن كانوا يستعملون سنة قمرية خالصة، واحتفظوا بهذا النظام إلى اليوم، وأخذوا أسماء الأشهر الكلدانية – البابلية: طبيتو، شباطو، ادارو نيسانو، ايارو، سيمانو، تموزو (أو دموزو)، آبو، ألولو (أو أولولو)، تشيرتو، اراشامنا، وكانونو (كسليمو أو كسليفو). وهذ الأشهر بالعبرية: طبيث، شباط، ادار، نيسان (أبيب = الربيع)، ايار (زيو)، سيوان، تموز، آب، ألول، تشري (إيثانيم)، مرحشنان (بول)، وكسليف. وأسماء الأشهر هذه أخذها العرب والأتراك أيضاً مع تغيير بسيط، وقبلهم الأراميون والمسيحيون والسريان والمندائيون. ولدى الصابئة تسمى الأشهر طابيث، شباط، آدار، نيسان، أيار، سيوان، تموز، آب، ألول، تشرين، مشروان، وكانون.

وكان لفيضان نهر النيل المنتظم واعتماد النشاط الزراعي في مصر الفرعونية على النيل الأثر الأعظم في تطوير المصريين القدماء لنوع من التقويم الشمسي، فقد قسموا السنة إلى 12 شهراً، كل شهر بثلاثين يوماً، وأضافوا ”شُهيراً“ صغيراً من 5 أيام لتعديل الرقم من 12× 30= 360 يوماً إلى 365 يوماً، وهو أقل من السنة الشمسية الفلكية بأقل من ست ساعات. وعرف المصريون القدماء ذلك الفارق، وحسبوا الدورة التي يعود عندها التطابق بين السنة المصرية والسنة الفلكية، وهي 1460 عاماً وأسموها دورة سيث (نسبة إلى نجمة سيريوس وهي الشعرى التي يرتبط ظهورها بفيضان النيل).

ومن الغريب أن تكون السنة المندائية مماثلة تماماً للسنة الفرعونية بسبب بعد وطن الصابئة عن مصر الفرعونية، وتسمى الأيام الخمسة الكبيسة لدى عامة الصابئة بالبنجة، وهو موعيد عيد الخليقة، والأسم مأخوذ من الكلمة الفارسية بنج أي خمسة. وانحرف التقويم المندائي عن التقويم الميلادي المستعمل حاليا بحوالي 193 يوماً، فقد قابل اليوم الأول من كانون الثاني 1992 يوم 11 تموز حسب التقويم المندائي، أي أن آخر تعديل جرى على التقويم المندائي حدث العام 1220 ميلادية، في أواخر أيام الدولة العباسية، وكما يبدو، لم يعدل الصابئة تقويمهم منذ ذلك الحين.

 

التقويم القمراني:

 ويستحق التقويم القمراني (نسبة إلى قمران حيث وجدت مخطوطات البحر الميت الشهيرة) وقفة خاصة لغرابته.

استعمل القمرانيون الذين كتبوا لفافات البحر الميت الشهيرة، تقويماً خاصاً يختلف كثيراً عن التقويم القمري الذي استعمله باقي اليهود. فقد قسموا السنة إلى 52 اسبوعاً، بذلك تتكون سنة القمرانيين من 364 يوماً، أي أقل من السنة الشمسية بيوم وربع اليوم. وحسب هذا التقويم قسمت الأشهر الـ 12 إلى 4 فصول من ثلاثة أشهر، وعدد أيام الشهور الثالث والسادس والتاسع والثاني عشر 31 يوماً، أما باقي الأشهر فتتكون من 30 يوماً، بهذه الطريقة تبدأ السنة بنفس اليوم دائماً، يوم الأربعاء، وكذلك تقع المناسبات الدينية في نفس اليوم من أيام الأسبوع على الدوام (أموسين ي. د.: مخطوطات البحر الميت والجماعة القمرانية الترجمة المجرية 1986)

وهناك اختلاف آخر، إذ يبدأ يوم القمرانيين بالفجر (النهار) وينتهي بالليل، على العكس من باقي اليهود، أي أن النهار لديهم يسبق الليل، ولهذا ارتباط بالفكر الثنائي عندهم، والتناقض بين الظلام ”حشوخ“ والنور ”اور“ وتفضيل النور على الظلام.

 

التقويم الغريغورياني

 استعمل الغرب التقويم الروماني الشمسي المعروف بالتقويم اليولياني، الذي أدخله يوليوس قيصر العام 46 ق.م. مستنداً إلى التقويم المصري الفرعوني، وأضاف سنة كبيسة كل أربع سنوات ليكون طول السنة اليوليانية 365 يوماً وربع اليوم. لكن هذا التقويم يقل في الواقع بـ 11 دقيقة و 14 ثانية عن السنة الفلكية، هذا يعني اختلاف يوم واحد كل 128,2 سنة أو ثلاثة أيام كل أربعة قرون تقريباً. وقد أصلح البابا غريغوري الثالث عشر هذا الخطأ العام 1582 م، حين أمر باستعمال التقويم المعروف حالياً بالتقويم الغريغورياني. وحسب هذا التقويم يكون عام بداية القرن كبيساً إذا قبل القسمة على 400 من دون باق، في حين تكون سنة بداية القرن التي لا تقبل القسمة على 400 من دون باق سنة عادية بـ 365 يوماً (بالرغم من أنها قابلة للقسمة على 4 من دون باق). هذا يعني أنه عند بدايات أربعة قرون هناك سنة واحدة كبيسة بالرغم من وجود ثلاث سنوات قابلة للقسمة على أربع، ومع ذلك لن تكون كبيسة، مثلا سنة 1600 كبيسة، والسنوات 1700، 1800 و 1900 غير كبيسة. وفي الوقت نفسه أصلح الاختلاف الذي تراكم على مر القرون بين التقويم اليولياني والسنة الفلكية، وقيمته 10 أيام، فقد أمر أن يتبع يوم الرابع من تشرين الأول 1582 يوم 15 تشرين الأول 1582. وبدأت الدول الكاثوليكية استعمال التقويم الغريغورياني في القرن السادس عشر، أما الدول البروتستانتية فلم تستعمله إلا في القرن الثامن عشر. ولم تعترف الكنيسة الباروسلافية الروسية بهذا التقويم، ولم يجر اصلاح التقويم في روسيا إلا العام 1918، ولهذا السبب اختلف التقويم الروسي عن التقويم الغريغورياني المستعمل عالمياً (وصل الفارق إلى 13 يوماً). وهذا هو سبب احتفال الاتحاد السوفيتي لأكثر من 70 سنة بثورة اكتوبر (التي قامت في 25 اكتوبر / تشرين الأول 1917 حسب التقويم القيصري) في يوم 7 تشرين الثاني من كل عام.

من ناحية اخرى نود أن نلمح إلى أن التعديل الغريغورياني يشير إلى احتمال ابتكار التقويم الميلادي العام 300 بعد الميلاد. وتفسير ذلك هو أن الأيام العشرة التي جرى حذفها من التقويم تعني 10×128,2 = 1282 سنة، وعند حذف هذا الرقم من سنة 1582 نحصل على سنة 300م. وهذا العام (300 م) يقع في الفترة التي شهدت تعاظم الصراع بين مختلف الكنائس المسيحية واعتبار المسيحية دين الدولة الرسمي في الامبراطورية الرومانية الشرقية، وهي الفترة التي سبقت مجمع نيقيا المنعقد العام 325 م، حيث تم إقرار العديد من عقائد الكنيسة، ومنها الوهية المسيح وعلاقة الأبن بالآب والثالوث المقدس وغير ذلك من نقاط الصراع بين مختلف التيارات المسيحية في ذلك العصر، وغلبة التيار الذي دعمه الامبراطور قسطنطين أملاً في تجييره لخدمة مصالح الامبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية). ومن المعروف أن عدداً من الكنائس الشرقية رفض مبدأ الوهية المسيح ومبدأ الأبن. خلاصة القول، أن بداية القرن الرابع الميلادي شهدت ميلاد المسيحية التي نعرفها اليوم بعد أكثر من قرنين ونصف القرن من التاريخ المفترض لصلب السيد المسيح، وهو البداية الحقيقية للتقويم الميلادي.

 

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2013 14:00

لماذا جائزة الليدي دراور

لأنها أول من أزاح ستار ألاهمال والجهل عن الطائفه,والتي كانت اغلب تاريخها منزوياً في هامش الزمن والحياة.
ولأنها أول من مدت جسرا للمعرفه والتعريف بتعاليمنا وطقوسنا بعد ان غسلتها بعصارة علمها وأحتضنتها لأكثر من 50عاما بقلبها وبصبرها الجميل بمعايشتها للأجداد والشيوخ.
ولأنها أيضا أول من لامس طلاسم وخفايا كنوز الطائفه الدينيه وفك أسرارها ولغتها ووضعها في كف كل مندائي ضمن كتابها الرصين (مندائيوا العراق وأيران).
وبفضلها صارت لنا بصمة دينيه متميزة وواضحة في خارطة التاريخ المعاصر,كدين توحيدي أسوة بأهل ألكتاب.
وبجهودها ألكبيرة سعت لتخليص ألطائفة وسمعتها مما لحق بها من تشويه وتحريف وتأويل وأكاذيب من قبل ألاطراف ألاخرى.
مرحى لك يا سيدتي العظيمة لأننا تمكنا ولأول مرة في التاريخ وبقدراتك ألرائعة على التصالح مع ديننا وألتعرف أليه وألتحاور معه وملامسته عن قرب, بعيدا عن ألموانع وألنواهي وألمحرمات.
تكريما لك ولذكراك ألطيبة ولجهدك ألانساني ألرائع وأعترافا بهذا ألجميل , أرى أن يتجسد أسمك (ألليدي دراور) كي تمنح للدارسين وألمبدعين وألمشتغلين على دراسة ألتاريخ وألدين ألمندائي وآفاق تطوره , على أن تمنح كجائزة تكريمية لأفضل ألبحوث وألدراسات وألترجمات في مجالات ألطائفة ضمن أحتفالية تقام في الوطن أو في المهجر.
على أن يتم ألانتباه للأجراءات ألفنيه ألتي تمنح فيها هذه ألجائزة من ناحية تحديد ألوقت وألمكان.
على أن تجري ألدعوة وألتعريف بهذه ألجائزة لحث ذوي ألاختصاص على ألعمل وألتحضير لها.
وياحبذا لو تمنح للذين قدموا مساهمات جليلة للطائفة كي تكون حافزا للمبدعين ألجدد.

نشرت في وجهة نظر

كثر الكلام عن الصابئة (تاريخهم ودينهم وطقوسهم). وماتزال وجهات النظر التي تدور حولهم مختلفة، لابل متناقضة احيانا من خلال الابحاث والدراسات التي ما تزال متواصلة حولهم. وان لم يبق اليوم الا القليل منهم، ممن يعتنق هذا المذهب ويمارس طقوسه، الا ان ذكرهم في القرآن يدل على وجود اناس، عند ظهور الاسلام في مكة والحجاز، كانوا يعتنقون هذا الدين ويمارسون طقوسه. الا ان خلافات كثيرة في وجهات نظر الباحثين القدامى والمعاصرين ماتزال تثار حول تسميتهم.

 لقد وردت كلمة (الصابئة) ثلاث مرات في ألقرآن [ سورة البقرة، الاية 62 والاية 69 وسورة الحج، الاية 17]. غير ان علماء اللغة العربية اختلفوا حول اصلها. بعضهم اعتبر كلمة (الصابئة) اسم فاعل، ورأى ان الصبأ يعني الرغبة. واطلقوا صفة الصابئي على الشخص الذي يترك دينه ليعتنق دينا اخر. ومن هنا وجدوا الصلة بين هؤلاء وبين الاحناف.

 واعتبر البعض الاخر هذه اللفظة مصدرا لكلمة السباحة، بمعنى معرفتهم بالسباحة، حيث يقولون ان قسما من اليهود ممن آمنوا بيحيى بن زكريا (يوحنا المعمذان) وتم تعميدهم، اطلق عليهم لقب " السابحون " وبمرور الزمن تحولت الكلمة الى الصابئة او الصابئين.

 اما الجماعة الثالثة فترى ان الكلمة مشتقة من سبأ اليمانية، وان هذا الدين كان الدين الاول لاهل سبأ [ تفسير ابو الفتوح الرازي ج1 وتفسير الطبري ج1 وتاريخ العرب قبل الاسلام ج5 والملل والنحل للشهرستاني ص 210].

 وتعني الصبأ في اللغة العربية : الرحل او الميل للانتقال من مكان الى اخر، وبالتالي تعني تغيير الدين [ الدكتور ماتسوخ " مسألة التاريخ الاقدم لدين الصابئة " ] ويلاحظ ان قريشا اطلقت على الرسول تسمية " الصابي " ايضا [ تاريخ العرب قبل الاسلام، المجلد 5 ] وعلى الصحابة الذين كانوا يتخلون عن دين ابائهم ويعتنقون الدين الاسلامي، اطلقت تسمية " الصباة " [ ابو الفتوح الرازي 1:197]. ويروى انه بسبب اعتناق قبيلة بني جذيمة للاسلام [ جذيمة بن عامر، من الكنانة التي تقاتل معها خالد بن الوليد في السنة الثامنة للهجرة (غزوة القميط)] فانها كانت تقول" صبأنا، صبأنا ". ولان عمر بن الخطاب اعتنق الاسلام ، سمي ب " الصابي ". وعندما اسلم ابوذر الغفاري، كان اهل مكة يضربونه لانه خرج عن الدين واثار الفتنة واصبح صابئيا. وعندما اراد (معصم بن عدي) وهو من اشراف قريش، ان يزوج ابنه من بنت ابي بكر، خشي ان يؤثر " الصبأة " على ابنه، لان المشركين كانوا يسمون المسلمين ب " الصبأة ". وفي غزوة حنين قال دريد بن الصمة [ كان من اشراف بني حشم ] لاحد كبار القوم : " ثم القى الصباء على متون الخيل ". ولبيد الذي كان ايضا قد ذهب الى الرسول ليطلع على الامور، حدث اهله، لدى عودته، عن القيامة والجنة وجهنم، وسمى شاعر يدعى (صرافة) هذا الدين " دين الصابئين "[ هو صرافة بن عوض بن الاحوض: الاغاني للاصفهاني 15:131] كثيرة هي النماذج التي تدل على تسمية اهل الجاهلية، المسلمين بالصابئين. بيد انه ليس من الواضح اذا كان المسلمون قد قبلوا بتسمية كهذه. لكن يذكر انه عندما اسلم عمر بن الخطاب، نشر جميل بن معمر [ كان يطلق عليه صاحب القلبين لقوة ذاكرته وفكره الثاقب – مجمع البيان 4:334 ل] وسط قريش ان عمر بن الخطاب صار صابئيا. بيد ان عمر نفى ذلك معلنا اعتناقه الاسلام. لكن قريشا قالت: " صبأ عمر "[ سيرة ابن هشام 1:349 ] وان دل هذا النفي على شيئ فانما يدل على عدم تقبل المسلمين هذه التسمية، في حين انهم لم يعارضوا اطلاق تسمية " الحنيف " او " الاحناف" عليهم. غير ان هذه المسألة جديرة بالمزيد من البحث، وهذا ماحدا باللغويين العرب ان يشتقوا كلمة "صابيئ" من "صبأ" التي تعني تبديل الدين. بيد ان علماء اللغة المعاصرين سلكوا طريقا اخر.

 يقول الدكتور رودلف ماتسوخ، المتخصص في اللغة والادب المندائي : ال"صابيئ" هو الاسم العربي لهذه المجموعة، وهو مأخوذ من الارامية. وان ال" صبع" يعني التعميذ، لان اساس دينهم هو عملية التعميد. فالشخص الذي يرتكب خطيئة ما يجب ان يعمد بماء جار، ليدل ذلك ان المذنب عاد ثانية الى جادة الله واصبح طاهرا من جديد. والماء في المذهب المندائي هو عنصر مقدس يسمونه " يردنه " وتعني الاردن. ويطلقون اسم الاردن على اي ماء جار صالح للتعميد.ويعتبر بعض العلماء، امثال جون باليس وبوركيت، ان مفردات المذهب الصابئي المتعلقة بالتوراة والانجيل، مأخوذة من المسيحيين السريان (النساطرة).

لقد جمع ليتزمن عدة نماذج من النصوص السريانية، التي استخدمت فيها كلمة الاردن بمثابة اناء للتعميد زاعما ان الصابئة اخذوا هذه الملمة من المسيحيين السريان. بيد ان باحثين اخرين لم يقتنعوا بهذا الاستنتاج ، واعتبروا (الاردن) بلغة الصابئة ، كلمة اصيلة واساسية واصطلاح حيوي ومهم في دينهم. ومما يثير الخلاف ايضا هو ان الصابئة يطلقون على التعميد في ماء جار (ماسويتا) ولاعلاقة بين هذه التسمية و" المعموذية" السريانية، والتي تطلق على تعميد المسيحيين.

 يسمي الصابئة انفسهم بالمندائيين، وهي صفة مشتقة من كلمة "مندا" الارامية والتي تعني (العلم والعرفان). فالمندائي يعني العارف. واللغة الصابئية او المندائية هي احدى اللهجات الارامية – البابلية. ولقد تم الحفاظ على كلمة " ماتدا " من اجل المصطلح الديني البحت والذي يعني " معرفة الوجود ". واشتقت كلمة " مندا " من اصل والتي تقابلها كلمة " جنوسيس " Gnosis اليونانية كلمة Manda d’ Hayya لايمكن للمذهب المندائي ان ينوجد بمعزل عن " معرفة الوجود "، كالمسيحية التي لاوجود لها بدون المسيح. ان هذا العرفان او التصوف هو اساس الدين الصابئي، ويعتمد تماما على مانعرفه من انواع العرافان والتصوف المختلفة. فالتصوف هو احد فروع واوجه العرفان. والتصوف نهج وطريقة وسلوك عملي استمد مصدره من ينبوع العرفان. اما العرافان فهو مفهوم عام واكثر شمولية، يشتمل على التصوف ومناهج اخرى ايضا. وبعبارة اخرى، ان الفرق بين التصوف والعرفان هو كالفرق بين العام والخاص. بالاحرى يمكن ان يكون المرء عارفا وان لايكون متصوفا. كما يمكن ان يكون متصوفا في الظاهر، وهو لايمت بصلة الى العرفان. ويعتبر البعض العرفان، الجانب العلمي والفكري للتصوف. اما التصوف فهو الجانب العملي من العرفان.

وحول العرفان، يذكر المؤرخ السرياني تيودور برخونائي، الذي عاش سنة 792 ميلادية، ثلاث طرق الت الى ظهور المذهب الصابئي.

 كما كان العرب يسمون المندائيين ب " المغتسلة " ارتباطا بممارسة هذه الجماعة، غالب الاحيان اداب وطقوس الاغتسال. ويبدو ان هؤلاء هم " الصابئون " انفسهم الذين ورد ذكرهم في القران والكتب الاسلامية. وهم في الواقع قدامى المندائيين. الا ان هناك من لم يوافق على ان المغتسلة هم المندائيون انفسهم. بيد ن ابن النديم اعتبر المغتسلة هم " صابة البطايح " صابئة ناحية ميسان تحديدا.

 كما اطلقت تسمية " النصورائي " على المندائيين. الا انهم كانوا يستخدمون هذه التسمية للروحانيين (رجال الدين) والمؤمنين الحقيقيين (التقاة). وفي كتبهم الدينية عنت الكلمة رجال الدين الذين يراعون تطبيق الاحكام والاوامر الدينية، قبل غيرهم. وقد اشار البروفيسور ليدزبارسكي، الى ان هذه الكلمة هي نفس كبمة (الناصري) التي وردت في انجيل متى، كلقب للسيد المسيح. فانجيل متى يعتبر ان الاسم مشتق من مدينة الناصرة، مكان اقامة السيد المسيح. بيد ان اشتقاقا كهذا غير صحيح ، والمعنى الحقيقي لهذه الكلمة هو " حافظ القوانين والاوامر الدينية ". ويبدو ان هذه الكلمة ادت بالبعض الى ان يعتبروا مجموعة منهم نصارى، وان يعتبروا النصرائي، نصرانيا.

في القرن السابع عشر ادى عدم فهم البحارة البرتغاليين للمعنى الصحيح لاسم هذه لطائفة، ادى في اوروبا الى اعتبارهم " المسيحيين الذين عمدوا يحيى " [ حسب ماورد في كتاب خولسون(الصابئون وصبأ) المجلد الاول ص 100]. وربما يعود هذا الالتباس الى ان يحيى بن زكريا هو اول من عمد المذهب النصراني، ولان احد مبادئ الدين المندائي هو التعميد ايضا. اضافة الى ذلك فأن قصص الصابئة المتعلقة ب " يحيى المعمدان " كزعيم لهذا الدين، جمعت في كتاب يحمل عنوان " دراشي د يحيى "Draschi d' Jhia، والتي تعني " دراسات يحيى ". بيد ان هذا الكتاب حديث تماما، وقد تم جمعه بعد الاسلام. بالاضافة الى ذلك فان اسم يحيى بالارامية هو يوحنا، اي ان الاسم الاول كلمة معربة. وهذه شهادة على حداثة هذه الدراسات [ حسب الدكتور ماتسوخ في قاموسه (ايران زمين) 8:26 ] ومن الاسماء الاخرى التي سمي بها الصابئة "المسيحيون المنحرفون". اذ يرى اتباع هذا الرأي ان الصابئة يعتبرون السيد المسيح نبيا كاذبا، والروح القدس ام السياطين، وابليس و"الاعور" قائد جند الظلمة. وكذلك ترى ان ام المسيح وكذلك انبياء الاقوام السامية قد ولدوا جميعا من الروح القدس مع الشياطين من ام واحدة.

 وعلى الرغم من وجود اختلافات كبيرة فيما يخص ظهور الصابئة والدين الذي يعتنقونه، الا ان تأريخهم، على مايبدو، اقدم من تاريخ الدين المسيحي في فلسطين. ويعزى التشابك والتداخل والتعقيدات المتداخلة في هذا الدين متأتية من ان كتب الصابئة الدينية كتبت في وقت متأخر نسبيا.

 يقول الدكتور ماتسوخ في قاموس (ايران زمين) ج8 ص25 : "بعد هجرة الصابئة من فلسطين الى بلاد مابين النهرين، فأن اديانا عديدة كالدين البابلي والزرادشتي والمسيحي واخيرا الاسلام، قد اثرت على هذا الدين، الى درجة انه اصبح من الصعب جدا فرز العناصر الاصلية عن التأثيرات البعيدة ".

 ومما يلفت الانتباه ايضا، ان بعض العلماء كانوا يتصورون، ان هذا لدين وجد في بلاد مابين النهرين نفسها، وان عناصره الفلسطينية جاءت نتيجة العلاقة مع اليهود البابليين والمسيحيين السريان – حسب المصدر نفسه.

 بيد ان التمعن في عناصر هذا المذهب الاصلية منها تشير الى ان الدين الصابئي ظهر في فلسطين.

 ان مفردات هذا الدين الاساسية مثل: معرفة الوجود والنصورائي والاردن، والتي بدونها لايمكن تصور هذا المذهب، تدل وحسب مؤشرات لغوية-حضارية، على ظهور هذه الطائفة في فلسطين اول الامر. مما يؤكد ذلك على ان وثائق الصابئة القديمة منها تعتبر فلسطين مملكتهم الاصلية، وجميع الاماكن المقدسة المذكورة في الكتب الدينية، كالكرمل ولبنان وحران... وغيرها، هي فلسطينية وليست بابلية [ جينزا Genza يمينا 231:5 ] يتذكر الصابئة، اليهود بالكره وروح التبشير بالانتقام والضغينة. وان دل ذلك على شيئ، فانما يدل على الاهانة والتعذيب الذي تعرضوا له على ايدي اليهود " ومن الطبيعي ان تقع احداثا كهذه في فلسطين، اذ كانت اورشليم مكان تعذيب الصابئة ومعاناتهم. وقد غادر هذه الديار وبسببهذا الاضطهاد 365 كاهنا صابئيا [ نفس المصدر السابق ].

في علم 1953 اصدرت سيدة انكليزية تدعى (ليدي دراور) في الفاتيكان، وثيقة مهمة عن الصابئة تحت عنوان " حران الداخلية " تحكي قصة تاريخية عن الصابئة تعود الى هجرة اتباع هذا المذهب الى حران في عهد الملك الفرثي ارتيانوس الثالث، الذي يعتبره الدكتور ماتسوخ معاصرا للسيد المسيح، وقد حكم من سنة 12-38 للميلاد. ويعتقد ان يكون قد هاجر الصابئة الى مدينة حران في السنوات الاخيرة لحكم هذا الملك [ ماتسوخ (ايران زمين) 8:30 ] ان ما يلقى اهتماما كبيرا في النقاشات الدائرة حول الصابئة، هو التأثير الكبير للمذهب الصابئي على المذهب المانوي. فبعد ان شعر الاب ماني تغيرا وثورة في روحه وقلبه وناداه الوحي داعيا اياه لاحتراز الخمر واللحم ومعاشرة النساء، رحل الى الجنوب واستقر في ناحية ميسان او سهل ميسان، وانضم الى فرقة " المغتسلة " الدينية. وترعرع ماني وسط القوم هناك. ولهذا يمكن القول ان قسما من افكار ماني هي انعكاس شديد لافكار الصابئة الدينية.

اضافة الى ذلك، فهناك الكثير من الافكار والمفردات الدينية المشتركة بين المذهبين الصابئي والمانوي، كالتضاد بين النور والظلام وملكها على يد منجم، والايمان بنبي النور او الوجود الذي ارسل الى ادم – الانسان الاول، ومصير الروح بعد الموت ورحيلها الى عالم النور.... وغيرها.

وانطلاقا من كون المذهب الصابئي اقدم من المذهب المانوي، فأن هذا الشبه يدل على تأثير المذهب لصابئي على المذهب المانوي [ كتاب المندائيين (سدرا ربا) Sidra Rabbai] يقول ماتسوخ في قاموسه المذكور، ان الصابئة هي الطائفة العرفانية الوحيدة قبل الاسلام التي بقيت لحد الان. وانها حافظت بدقة، لحسن الحظ، على جميع كتبها الدينية. واستادا الى ذلك فان هذا المذهب هو من احسن الوسائل لمعرفة الغنوصيةGnosticesim، والتي تعني العرفان القديم. وان ما يلفت النظر هو تشابه الافكار الاساسية للصابئة مع اصل العرفان المسيحي المثبتة بشكل خاص في انجيل يوحنا، وهي متساوية ومترابطة الواحدة بالاخرى، دون شك [ ماتسوخ 8:23 ] بيد ان ماذكر في القران حول الصابئة معقد بعض الشيئ. فقد رافقت كلمة " الصابئة " ثلاث مرات مع كلمتي اليهود والمسيحيين [ يقال ان المراد من " الصابئين " في سورتي البقرة والمائدة، هم القوم الموحدون. ومن " الصابئين " في سورة الحج، هم الصابئون المشركون (اعلام القران، 39) ] فقد صنف علماء الاسلام " الصابئين " الى مجموعتين: احناف ومشركين. واعتبروا الحنفاء اتباع ابراهيم، اما المشركون فهم الذين يؤمنون بالنجوم.

 يتحدث ابن النديم في فصل " اسماء كتب الشرائع " ايضا عن " الصابئين الابراهيميين" ويبرز الخلاف بين المفسرين حول هذه الجماعة. لقد وردت كلمة " الصابئين " في القران بمستوى واحد مع اصحاب الكتاب. اي ان الاسلام اعتبرهم من اهل الكتاب ايضا اسوة بالمسيحيين واليهود. وتشير الرقاق والالواح المعدنية الموجودة اليوم في المتحف البريطاني، الى وجود الخط الصابئي في القرن الرابع الميلادي، كما هو الحال بالنسبة لقصص الصابئة الدينية اتي كانت محفوظة في هيئة كتاب، قبل الاسلام.

كان المندائيون يتحلون بشيئ من الايمان حيال التوحيد. ومن هنا تأتى اعتقاد بعض العلماء، كون ان المقصود بالصابئين في عهد الرسول، هم المندائيون. بيد ان الذي ادى الى ملابسات الموضوع فهو وجود صابئة حران، الذين كانوا مشركين وعبدة نجوم.

 ومن هنا لايد من التمييز بين هاتين الفئتين من الصابئة. وكما رأينا فان المندائيين كان لهم اصل فلسطيني. بيد ان ما قيل عن عبدة الاوثان السريان الذين اشتهروا في حران يختلف عن ذلك تماما. وكان لهذه الفئة من الصابئين في حران، حتى النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، مدارس وكتب باللغة السريانية، وكانت وسيلة لايصال الحضارة اليونانية. واشتهر في وسط هذه الفئة علماء كبار تركوا اثرا كبيرا على الحضارة العربية. وكان هناك تداخلا كبيرا بين هاتين الفئتين من الصابئة والى يوم قريب. واول من ميز بينهما هو خولسون استنادا الى ابن النديم.

 وقد ظهر هذا الاشكال لدى عبور الخليفة العباسي المأمون، في المعركة الاخيرة مع الروم الشرقيين، من اقليم حران، وملاحظته بين المستقبلين اناسا بمظهر فريب وشعر طويل وملابس ضيقة، فأستفسر عن اصلهم ومعتقدهم، الا انه لم يلق جوابا شافيا، فامهلهم فرصة الى عودته من المعركة: اما الاسلام او اعتناق احد الاديان السماوية المذكورة في كتب الله. مما ادى هذا الى اعتناق البعض منهم الدين الاسلامي، اما البقية فقد انتابهم قلق شديد الى ان جاءهم فقيه مسلم ليريهم، مقابل القليل من الذهب، الطريق لحل معضلتهم، بأن يعرفوا منذ ذلك الوقت كطائفة من الصابئين. مؤكدا لهم بذكر اسم هذه الطائفة في القران. وهكذا احتفظ هؤلاء ومنذ ذلك التاريخ باسم الصابئين.

 يقول ابو ريحان البيروني " يطلق احيانا على الحرانيين، بقايا المؤمنين بدين مغرب الارض القديم، والذين تخلى عنهم الروم بعد المسيحية، بالصابئة، رغم انهم اطلقوا على انفسهم هذه التسمية في الدولة العباسية سنة 228 هجرية، وذلك لتراعى شروط الذمة بحقهم كذلك " ان وضع الحلول لهذه الاشكالية ليس بالشيئ السهل. فحسب كتابات ابيفانيوس وهيبوليثوس (من كتاب قبل الاسلام) ان اسم الصابئة كان قبل الاسلام يستخدم للمشركين مابين النهرين ومدينة حران كذلك.

 واستنادا الى كتب الصابئة انفسهم، كانت مدينة حران نحط اهتمام كبير من الصابئة وعبر تاريخهم. فبعد ان هرب الصابئة اثر اضطهاد اليهود لهم، لجأوا الى حران وشيدوا معبدا لهم فيها. وهذا يدل على وجود صلة بين الحرانيين والصابئة.

يقول الدكتور ماتسوخ : يبدوا ان حران كانت تتمتع بحرية المعتقدات، مما حدا بها الى قبول اللاجئين المندائيين وممارسة معتقداتهم الدينية بحرية. وان تحتاج دقائق الامور الى تسليط اضواء اخرى لتبيان الحقائق. وهذه من مهام المتخصصين في تاريخ الاديان.

 

نشرت في وجهة نظر

 يبدو ان العقل التآمري الكيدي الذي تتلبسه حالة الغرور والغطرسة الدينية الممزوجة بالتعصب، وتغليب روح الغنائم على روح المنطق والعقل والكفاءة والمساواة، لازال سائدا داخل المجتمع العراقي حتى بعد سقوط نظام القهر والموت والمعاناة الذي امتد اكثر من أربعة عقود من الزمن.

 فما ان تخلص شعبنا من الحكم القومي الشمولي حتى رأى نفسه مهددا باستبداد حكم شمولي من نمط اخر، لتستفيد بعض من الفئات الدينية من ظلم النظام الفاشي السابق وتصاعد المشاعر الدينية في الشارع العراقي، فتزيد استغلالها لتحقيق المكاسب.

 من غير المعقول ان نطالب من دولة ومؤسساتها التي عاشت الانهيار ان تعيد بناء ذاتها في سنة، ويتم مقارنتها بنظام استمر سنوات طويلة ، الا اننا كطائفة مندائية كنا على الدوام من دعاة الوحدة الوطنية والتعايش والحفاظ على مصالح الاقليات داخل نسيج اجتماعي، عملنا وناضلنا وكافحنا ودفع العديد من أبنائنا حياته ثمنا لهذه الأهداف ، من اجل ان تسود سياسة التسامح وان نكتسب جميعا الصفة الحضارية اللائقة لدخولنا معترك العصر الحديث وتحدياته العلمية والحضارية. وناضل أبناؤنا ولا يزالوا ضد من يحتبس في دواخله المريضة السلوكيات الهمجية المريضة بداء التعصب الذي يؤمن بمبدأ أولوية الامتيازات وإقصاء الآخر.

 ان ظاهرة الانخراط في تجليات إلغاء الآخر والعمل على ترسيخ ظاهرة التفرد والتخصيص لم يجعلنا قادرين على اغلاق أعيننا ونحن نرى استمرارية وجود نوع من الإرهاب الفكري والديني من بعض الفئات والجماعات كوسيلة لردع الطوائف القومية والدينية الصغيرة، وان هناك العديد من الظواهر التي يقحم الدين فيها في المزايدات السياسية ، تحمل ضررا على المجتمع كونها تتسم بالابتزاز الديني وبمسوح قومية مزيفة وبحقيقة عشائرية وطائفية مقيتة.

 ان بناء مجتمع متسامح تترسخ فيه مفاهيم العدل والمساواة وتتقدم فيه المواطنة على ما عداها باعتبارها أساس العيش المشترك لكل الأديان والطوائف والقوميات، لايمكن لمثل هذا المجتمع ان تقوم فيه بعض الفئات بفرض وصايتها وفرض تعتيمها وأساليب قسرها بإلغاء فكرة التعاقد الاجتماعي التي عاشها العراق منذ مئات السنين، ليتخذ من التشدد والتطرف والتكفير والتحريض أسلوبا ومنهاجا تتحول أساليبه مع الأيام الى أداة قسوة وجفاء وظلم واعتداء، ويحاول فرض شرعية القوة والسيطرة، واجبار الناس من ديانات عراقية أخرى بالارتداد عن معتقداتها الدينية، وإشاعة ثقافة الجهل المستندة لكم كبير من الموروثات البعيدة عن ثقافة الديانات المقدسة الكبرى التي لا تؤمن بمثل هذا التوحش والافتراس اللاإنساني، ولا تؤمن بالتدخل والهيمنة وإذلال الآخرين بذريعة الكثرة ، بل حثت هذه الديانات السماوية على التعايش والانسجام مع الأديان والمذاهب الأخرى داخل وحدة نسيج المجتمع العراقي.

  ان الصابئة المندائيين وهم القدماء في المكان، يحسون الآن قبل أي وقت مضى بانبعاث ماضيهم الحي من تحت ركام الحجارة في هذا البلد كونهم السكان الأصليين، يتعرض العديد من أبنائهم في مدن الجنوب والوسط للقتل، وتختطف بناتهم اللواتي يتعرضن للاغتصاب ، وتتعرض محلاتهم للسرقة والابتزاز المافيوزي، ويطلق عليهم تسمية أهل الذمة، وكأنهم يعيشون في عزلة كوكبية او قارية بعيدا عن وطنهم الذين سكنوه منذ آلاف السنين.

 العراق وحدة حضارية حيوية واحدة ، الا ان الوطن في ظل التخريجات الطائفية الحالية، اصبح هدف معلن لجعل الطائفة بديلا للوطن من خلال السعي لتعميق الهوة بين الطوائف ، إذ تسعى الطوائف الكبرى بمجتمعنا، للاستحواذ والهيمنة على حقوق أبناء الطوائف الصغيرة الأخرى، وان تكون حصصها اكبر من حصص غيرها، كما يمارس عدد من أبناء الطوائف الكبرى المتنفذة في مؤسسات الدولة الرسمية تغييب وتهميش أبناء الطوائف الصغيرة، ومنهم أبناء طائفتنا المندائية، فتلغى الكفاءة وتتفشى المحسوبية والمنسوبية والمناطقية، لتسود في النتيجة الجهالة .

 

المندائيون يطالبون بحماية الأرواح والأملاك وحرية العبادة وتخصيص قانون خاص بهم بدلا من تهميشهم ضمن قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959، يكفل الدستور العراقي القادم كل الحقوق بما يتناسب مع ما قدمه المندائيون ضمن الحركة الوطنية العراقية وما قدمته هذه الطائفة للعراق .

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2013 17:47

وحقاً لاننسى الصابئة المندائية

ضمن مساحة الضمير العراقي النقي يتربع الصابئة المندائيون وسط هذا الوطن الفسيح، هذه الشريحة النقية نقاء الماء والمقدسة التي توحد الله.

هذه الشريحة الممتلئة فناً وحضوراً وتأكيداً فتنقش روحها فوق المخشلات الذهبية لتشتهر بها في العراق ، وتنقش روحها في سماء العراق فتطرزها شهداء وضحايا الحرمة السياسية الوطنية العراقية المنحازة الى صفوف الفقراء.

 وتزداد الصابئة المندائية فخراً ليس بكوادرها وفنانيها وليس بعلمائها الذين يفتخر العراق بهم، بل بطبقتها العاملة المتميزة المخلصة لعملها. الصابئة المندائية أصحاب الدين السماوي المتميز بالنقاء والطهارة وتقديس الماء وحب الخير ومحبة الأنسان والتواضع والرحمة، والديانة المتآخية والمنسجمة مع المسلمين أو المسيحيين أو اليهود في العراق.

الصابئة المندائية الذين ضحوا وناضلوا في سبيل العراق ولم يلتفت أحد الى حقوقهم الدينية والوطنية ووالدستورية، أجد من الواجب أن أعيد للتذكير ماطالبت به في الندوة التلفزيونية التي قدمتها من على شاشة قناة AANشبكة الأخبار العربية، وضرورة أن يكون للصابئة المندائية حقهم في أقرار قانون يفصل في قضايا الأحوال الشخصية بأعتبارهم ديانة موحدة ولهم خصوصيتهم، ومن الظلم أن نقيدهم بالألتزام بقانون الأحوال الشخصية لدين آخر.

 وحين ندعو الى تخصيص قانون مستقل للأحوال الشخصية للصابئة المندائية وقانون خاص للأيزيدية فأن هذا لايخلق نوع منن التمزيق في القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية في العراق ، بل العكس فأن مايزيد المسألة فخراً وأعتزازاً أن يكون العراق المتنوع والخليط المتجانس المنسجم الذي يتعايش فيه الناس بهذا الشكل الرائع.

الصابئة المندائية أصحاب الكتاب المقدس ( الكنزا ربا ) والمحافظين على لغتهم المندائية الجميلة والعريقة، يحق لهم أن تنص نصوص الدستور المقبل على خصوصيتهم وعلى طقوسهم وعلى قيمتهم بالنظر للمساهمة الوطنية الفعالة في معارضة السلطة البائدة.

 

طرزت كوكبة من الشهداء العراقيين من أبناء الصابئة المندائية جزء مشرق من صفحات تاريخ العراق النضالي، وسجلوا حضوراً دائماً في مقارعة الدكتاتورية، وكانوا جزء مهم من تاريخ العراق السياسي قبل أن يكنوا جزء فاعل من تاريخ الحركة السياسية الوطنية.

 قدم أبناء هذه الديانة الكثير ولم يأخذوا ولم ينادوا من حقوقهم الا القليل القليل، فحق لهم أن تتم مطالبة الاصوات الشريفة لحقوقهم كاملة.

 

الصابئة المندائية الصفحة المشرقة والتي تتشرف بها الحركة الوطنية العراقية، وتفتخر بهم الطبقة العراقية العاملة، ومؤثر مهم من مؤثرات النشاط الأقتصادي في السوق العراقية.

والصابئة المندائية الذين دخلوا بيوتنا وتغلغلوا وسط قلوبنا وحلوا في ضمائرنا، وأنتشروا بين كل المدن العراقية الزاهية يتمتعون بأخلاق عالية وتقدير ومحبة الناس في العراق على أختلاف مذاهبهم وتنوعهم الأجتماعي والقومي، بعد أن كانوا يسكنون على ضفاف المدن الجنوبية التي تطرزها الانهار، لأنهم جزء من جريان الحياة العراقية حالهم حال دجلة والفرات وشط العرب.

 

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2013 13:43

لاتنسوا الصابئه

جاءت مقاله الكاتب الكبير زهير كاظم عبود والمعنونه لاتنسوا الاكراد الفيليه..... لايقاض الجميع من ان هنالك فئه كبيره من هذا المجتمع العراقي الكبير قد تظلم في يوم من الايام اذا نسيها الجميع وهذا مما يعطي بعض الامل من ان هذه النداءات قد تلقى من يسمعها من هنا او هناك ومن بين هذه الاصوات التي تتعالى هنالك صوت اخر اسمه الصابئه المندائيون ..

 ولانني انتسب لهذه الطائفه وهذه الفئه من المجتمع العراقي وجدت في نفسي القوة والشجاعه لكتابه هذه السطور القليله لانادي بها مثلما نادى استادنا الكبير واقول ان طائفه الصابئه ومنذ سيطرة الحكم الدكتاتوري الفاشي على مقدرات هذا الوطن قد تعمد وتمعن في ظلم هذه الطائفه واذلالها وزج الالاف من ابنائها في معتقلاته وسجونه وغيبهم ويكفي ان يسمع احد هؤلاء الفاشيون بان هذا الشخص مندائيا ليتهمه بانه شيوعيا وهي تهمه نتشرف بها دوما ولكن في تلك المرحله وتلك السنين والتي كانت من اقسى المراحل التي مر بها الانسان العراقي عامه تعني الشيء الكثير جدا وكانت الماساة الحقيقيه لنا جميعا انذاك.

 لقد انجبت هذه الطائفه المسالمه الكثير من الاعلام والتي يفتخر العراق بانهم خرجوا من رحمه امثال الدكتور والباحث الكبير عبد الجبار عبدالله والذي اهتزت جامعات اميركا وكندا به حينها والى الان لم يستطع احد من اكمال بحوثه وعلمه والمندائي نعيم بدوي الباحث والمؤرخ الكبير الذي عانى وقاسى التشرد والفصل والاعتقال وكما انها انجبت الابطال الذين كانوا علما في النضال ضد الرجعيه والدكتاتوريه مثل صبيح سباهي ذلك الشاب الصغير سنا والكبير نضالا ورغم صغر سنه فلقد كان مسؤول مطابع الحزب الشيوعي في ايام النضال والمناضل شنور عوده وستارخضير وغيرهم الاف من هذه الطائفه .

 ان زحمه وغبار الايام ومشاغل الحكومه الانتقاليه الجديده لم تعط ايه فرصه او مساحه للمندائيون والذين كانوا ولازالوا يمتلكون هذه الاحقيه في ان يكون لهم ممثلا ضمن هذه الحكومه الجديده والتي تكونت على اساس طائفي وعرقي فلقد غبنت هذه الطائفه العريقه من دون ذنب يدكر الا كون هذه الطائفه وابنائها من المسالمين والذين يريدون العيش دوما في هذا الوطن بخير وسلام ولان من التعاليم الاولى لها هو نبذ العنف والقتال، فلو رجعنا الى تاريخ العراق القديم لوجدناها من اقدم الطوائف والتي تعايش ابنائها مع السومريين والبابليين والى هذا الوقت وهذا ان دل على شيء فيدل على انها بقيت دوما تحب وتنادي بالسلام والحب والتاخي.

 لست هنا بصدد اعادة ماكتبه غيري عن تاريخ هذه الطائفه ولا لأضافه معلومه جديده عن تاريخها ولكنني اود توجيه كلمه هي ان سكوت ابناء هذه الطائفه وسكونهم هذه الايام لايعطي الحق لأي احد ان يتناساها و ان يتهمش دور ابنائها في بناء العراق من جديد ومن خلال هذا النداء نتوجه للجميع ان لاينسوا ان هنالك طائفه محبه لهذا الوطن ولتربته الغاليه ونود ان نشارك الجميع في بناء صرح العراق الجديد فلا تنسونا .........فنحن ايضا هنا.

نشرت في وجهة نظر