• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2013 16:31

المسيحيون والمندائيون واليزيديون

تعرض العراقيون ومنهم الشيعة الي اشكال بشعة من الاضطهاد وامتد انتهاك حقوقهم حتي الي الشعائر التي عمل النظام السابق علي الغائها مخافة تحولها الي أساليب للتعبير عن الاحتجاج، كما الغيت المدارس الدينية للسنة والشيعة معاًِ خوفاً من تحولها الي امكنة للراي الاخر المناهض، غير ان الاضطهاد شمل أيضاً أبناء الديانات والطوائف الأخري، فمثلا لم يكن مسموحاً للمسيحيين العراقيين بناء أي كنيسة جديدة لهم، كما دمرت أجهزة النظام السابق العديد من الكنائس ودور العبادة والأديرة التاريخية في شمال العراق من دون مراعاة للمشاعر، حيث شملت اعمال الازالة حتي المقابر.

 

ولا يختلف حال الصائبة واليزيديين فقد لاقوا ما لاقوه من صنوف الانتهاكات علي الصعيدين السياسي والطائفي، فقد كان ينظر الي أبناء الطائفتين باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثالثة حتي وان كان النظام قد قرب عدداً محدوداً منهم لأسباب نفعية.

 

ولا موجب للتذكير ان النظام لم يستثن أحداً من العراقيين من جرائمه، فالكارثة شملت الجميع بمن فيهم سُنة العراق، حيث يريد البعض حالياً فرض الاقصاء عليهم.

 

كان صدور الدستور العراقي المؤقت مناسبة جري تضييعها عمداً للمصالحة بين جميع العراقيين من خلال اعطاء كل ذي حق حقه في القانون المؤقت لادارة الدولة وتطييب الخواطر والتغلب علي الأزمة الموجودة في البلد من خلال التخلي عن الاستئثار وابعاد الآخرين.

ان من يدعي بأنه يمثل الأغلبية عليه ان يدافع عن الأقليات ويثبت حقوقها، فلن يكون ممثلاً حقاً لهذه الأغلبية الا باعتراف جميع المكونات العراقية بذلك، لا أن يحاول ان يفرض ما يراه علي الجميع، فذلك هو مفتاح استقرار العراق ووحدته واستعادة لسيادته.

 

ولم يكن من الانصاف ان يتجاهل قانون ادارة الدولة حقوق كيانات استطونت العراق منذ آلاف السنين واليها يعود الفضل في بناء أولي حضاراته.

 

المطلوب اذن تكريس مفهوم جديد للأكثرية من خلال قدرتها علي شد لحمة العراقيين والحفاظ علي وحدتهم عبر تثبيت حقوقهم، فليس من حق أحد احتكار مناهضة صدام عندما حان موعد الاستحقاقات خاصة وان الجميع يعرف حق المعرفة ان القوات الأمريكية هي التي أطاحت النظام السابق ولا يمكن لأحد المزايدة علي هذه الحقيقة بواسطة ضجيج التصريحات.

 

واللبيب يتذكر ما بعد بدء الحرب والمواقف التي تغيرت بعد ان عرف جيداً ان صدام ونظامه اصبحا في ذمة التاريخ، فهل علينا ان نذّكر في كل مرة..؟

نشرت في وجهة نظر

مقال نشر في جريدة (الزمان) --- العدد 1429

 من مميزات العراق القديم الحديث انه تتعايش وتعايشت فيه العديد من الطوائف والأديان وليست هناك أية فواق بين هذه الطائفة، وتلك، فالوطن للجميع والدين لله سبحانه وتعالي لذلك نري من بين أبناء العراق ومن مختلف طوائفه مبدعين وشعراء ومسؤولين في مختلف حقول الحياة أخذوا مكانتهم تلك نتيجة لكفاءة كل منهم دون النظر إلي انتمائهم الديني أو العرقي، وهذه من الفضائل التي تحسب للعراق ليست عليه ومن بين تلك الطوائف طائفة الصابئة التي تمارس طقوسها الخاصة وعاداتها منذ آلاف السنين دون ان يتدخل أحد في ذلك أياً كان موقعه ومسؤوليته وهنا في هذا الاستطلاع نحاول ان نرسم صورة عن بعض العادات والطقوس لهذه الأقلية التي تمارس مهناً مختلفة وفي مقدمتها الذهب والفضة كما يمارس أبناؤها مهنة الطب والتدريس والهندسة وغيرها، ومن بين طقوس طائفة الصابئة الطريقة الفريدة في الزواج والتعميد فقد ذهلت وأصابتني الدهشة عندما حضرت عرساً جماعياً لهذه الطائفة في بغداد فقد لاحظت من جملة ما شاهدت ذلك الضبط الصارم الذي التزمه الصغير قبل الكبير وهم ينصتون بخشوع إلي تراتيل رجل الدين الذي يجري المراسيم المعتادة في مثل هذه المناسبات ففي بناية حديثة أنيقة تحيطها المزروعات والأزهار من كل جانب التي اتخذت معبدهم، وفي الوقت الذي نتابع فيه مراسم العرس فجأة، تحول جانب من المعبد إلي مسبح تجري فيه المياه العذبة ليعمد فيه العرسان وهو بديل للأنهر التي اعتاد الصابئة السكن بقربها والتي تسهل عليهم ممارسة أداء مناسكهم في الزواج والولادة والممات، ووسط تمتمات الكاهن بلغة لا أفهمها.

 وهو يبارك الزواج والزوجات تساءلت إلي متي تبقي اللغة المندائية لغة خاصة بالصابئة عسيرة الفهم علي جيل كبير من الصابئة وغيرهم، وقد أجاب أحد الحضور متطوعاً علي تساؤلي هذا قائلاً : ان أول كتاب يبحث في المدخل لقواعد اللغة المندائية بالعربية سيصدر في بغداد قريباً.

 اعتزاز بالموروث والماء أساس الحياة وسط الأهازيج ومراسم العرس والدبكات والزغاريد التي تصم الآذان والأغاني المبهجة التي تغني في مثل هذه المناسبات، وسط هذا كله قام البعض بتحطيم وتكسير الأباريق الخزفية الطينية باب غرفة العروسين في المندي لطرد الشر وتحقيق السعادة كما قدم السمسم والحلوي من قبل عائلتي العريس والعروس للضيوف، في هذه الأجواء المفعمة بالبهجة تساءلت عما هو موقف الشاب والشابة الصابئيين من تلك العادات والتقاليد؟ ولا سيما التعميد بالماء صيفاً وشتاءاً وألذ فيه نوع من الأضرار وخاصة في فصل الشتاء إضافة إلي ذلك، يزيل زينة العروس يفقدها نشوة التجميل والتزويق المتعارف عليه، وكانت الإجابة تلك الأسئلة من شابة كانت تشارك في الاحتفال وعرفت في ما بعد أنها تمتهن التدريس وهي الآنسة ليلي عبد الواحد إذ قالت: نحن نعتز بما ورثناه عن السلف كالتعميد بالماء صيفاً وشتاءً، لأننا نعد الماء أساس الحياة..

 ثم قلت لهذه الشابة، ماذا تفعل الشابة إذا أصر القلب وأحبت الفتاة الصابئية شاباً من غير طائفتها؟ ان تحب الصابئية، فهذا شيء مشروع علي ان لا تنسي تقاليدها وعاداتها أما ان تتمرد وتصل علاقتها حد الزواج فتصبح حينذاك خارجة عن إرادة الصابئيين فالحب شيء يختلف عن الزواج أصلاً.

 

من هم الصابئة..

ما هي عاداتهم وتقاليدهم الأخري؟

الصابئة هو الاسم المعروف لطائفة دينية قديمة جدا ما يزال لأتباعها بقية باقية في العراق وجنوب إيران حتي يومنا هذا، ولا تزال لهؤلاء قيم وطقوس وشعائر دينية وكتب مقدسة ينسبون اثنين منها وهما الكنزابرا ، وسدرة اندشمائة، إلي أبي البشر آدم، وفضلا عن ذلك تتميز طائفة الصابئة باستقلالها في كثير من الطقوس والشعائر فهم يشتركون مع أهل الأديان الأخري، فهم يشبهون اليهود والنصاري والمسلمين كما يشبهون الفلاسفة وأصحاب المذاهب العقلية في تفسير الوجود والموجود ويختلف الباحثون قديما وحديثا في أصل الصابئين وموطنهم وماهية دينهم ومصدره وزمان نشأته وتطوره اختلافاً كبيراً، فمنهم من ردهم إلي ديانة بابل وآشور وهم من أقدم الديانات الوثنية ومنهم من قال:انهم فرقة من المجوس، وآخرون أدعوا انهم إحدي الفرق التي انشقت عن اليهودية، وغير ذلك من الآراء والتفسيرات.

 

الطهارة.. أولاً

يعد الصابئة المندائيون من أكثر الأجناس تعبداً واشدها تديناً ومحافظة علي الطقوس والشعائر والعادات والتقاليد الخاصة بهم، لذلك لا نستبعد ان تكون صلاتهم وصيامه أول كيفية عرفها البشر للصلاة والصوم تقوم هذه الصلاة علي رسوم وطقوس أضيفت إليها عبر تعاقب الأزمنة، تبدأ بالطهارة وتنتهي بتأدية الصلاة، ولما كان الاغتسال فرضاً عند المندائيين ويشترط ان يكون بالماء. الحي ولان الكثيرين منهم اضطروا إلي العيش في المدن بعيداً عن الأنهر ومنابع المياه فقد كان لهم مسلك اضطراري، وألف المندائيون الاغتسال بمياه الحنفيات علي أساس متصلة بخزانات مرتبطة بمياه جارية، ويجب علي الصابئي المندائي أداء ثلاث صلوات في اليوم قبيل طلوع الشمس (صلاة الصبح) وعند زوالها (صلاة الظهر) وقبيل غروبها (صلاة المساء)، واجاب أحد الكهنة عن سؤال عن الصوم، عند المندائيين قائلاً:

 

نحن نعد الصوم، ولكن ليس بمعناه المعروف عند المسلمين، فنحن نمتنع عن اللحوم المباحة ومنتجاتها علي نحو صوم المسيحيين، اثنين وثلاثين يوماً متفرقة علي طوالا لسنة وعن المحرمات قال الكاهن: ان المحرمات عند الصابئة المندائيين كثيرة من بينها القتل والقتال،إلا في حالة الدفاع عن النفس، والزني واللواط وتعاطي الخمر والربا إلخ.

 

أعياد المندائيين

ان السنة عند المندائيين تبدأ بشهر شباط وتحتوي علي 365 يوماً فقط وليس فيها سنة كبيسة وهي تقسم إلي أشهر في كل شهر ثلاثين يوما وتعد الأيام الخمسة الزائد شهراً إضافيا يسمونه عند الخليفة، ويعظمون يوم الأحد كالنصاري (المسيحيين) ويقدسونه كثيرا ويعطلون فيه عن العمل. قال الكاهن ان أعيادهم هي العيد الكبير، وهو عيد رأس السنة ويسمونه (دهفة ربه) ويعرف باسمه الفارسي أيضاً(نوروز ربه) ويسميه العامية عيد الكرصة، ومدته يومان يستقبل الصابئة عيدهم في آخر يوم من السنة بذبح الدجاج والخراف وتحضير الخبز وللفطائر وتطهير الخضر والفواكه بعناية تامة ويحتفظون بكمية من الغذاء تكفي أيام الكرصة التي مدتها 36 ساعة تبدأ من مطلع العام الجديد كما انهم يقومون بغسل الملابس وجلي الأواني وجلب ما يكفيهم من ماء النهر قبيل غروب شمس آخر يوم يغتسل المندائيون رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، بالارتماء في ماء النهر ثلاث مرات، ومع تطور الحياة، يمكن إلي الاغتسال بأي ماء حار، في البيت مثلاً، وبعد ذلك تزغرد النسوة ابتهاجاً بالعيد ثم يكرصوا في بيوتهم ولا يغادروها، ولا يقومون بأي عمل خلالها ويبقي أفراد الطائفة يقظين، يلعبون ويهزجون ويقصون الحياة،وإذا ما مس الطعام أو الشراب حيوان أو طير أو زاحف أو نحلة منع تناوله.

 إما إذا عض الكلب أحدهم أو لدغته أفعي أو لسعته نحلة، أو جرح أو مس شيئاً نجساً فانه يعزل ويمنع من الاختلاط بأهله ويمتنع عن الأكل والشرب حتي يغتسل بما لديهم من ماء وبعد انتهاء مدة الكرصة مباشرة يتوجه أفراد الطائفة جميعا إلي النهر في الصباح ويخرجون من دورهم يتزاورون ويبتهجون.

 

أمر محرم

وفي سؤال لأحد أفراد طائفة الصابئة حول عنايتهم بكتبهم الدينية ولماذا لا يسمحون لأي أشخاص آخرين بالاطلاع عليها.؟ فكان جوابه كالآتي: اعتاد المندائيون وأنا أحدهم علي العناية بكتبهم الدينية عناية فائقة والحرص علي اقتنائها علي أساس ان الاحتفاظ بها يبعد البشر، كما إننا نحرص شديد الحرص علي منع غير الصابئي من الاطلاع عليها لان اطلاع الغير عليها يعد أمراً محرماً لهذا لا يستطيع غير الصابئي الوقوف علي أحدهما إلا بشق الأنفس.وأضاف قائلاً: لقد بذل عدد كبير من المستشرقين جهوداً كبيرة وأموالاً طائلة في سبيل الحصول علي كتبنا الدينية فأخفق أكثرهم.

 شروط لا بد منها لرجل الدين يفرض الدين علي الصابئي كما ذكر لنا أحد رجالات الدين علي من أراد الانخراط في سلك رجال الدين ان يكون سليم الجسم خالياً من العيوب الخلقية كافة صحيح الحواس غير مصاب بالبرص أو الجدري ونحوهما.

 وان يكون منجباً غير مختون وسليل عائلة من جهة الأب والأم وان لا تكون أمه ثيباً حينما تزوجها أبوه إلي ثلاثة أجيال وان لا يتزوج هو من ثيب بصورة مطلقة، وإذا حدث ان تعرض رجل الدين لضرر أو حادث أفقده أحد أعضاء جسمه فلا يسمح له بممارسة وظائفه الدينية، والصابئة يعدون العزوبة خطيئة وإنجاب الأولاد فريضة وتبلغ قوة الاعتقاد هذا انه يجب حتي علي أكثرهم تقي إذا ما توفي دون إنجاب الأطفال ان يمر بعد موته بالمطهر ليعود بعد إقامته هناك إلي عالم النور أو إلي حالته البدنية مرة أخري ويصبح أباً لأطفال.

 وتقول الليدي دراوور التي وضعت كتاباً عن الصابئة المندائيين (ان أحد الكهان أخبرها ان الروح تهبط من الماء السماوي إلي جسم الطفل وهو في الرحم حين يتم شهره الخامس..)..

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2013 12:04

الإبداع والمستقبل

مثلما تعرفون .. لا تقاس الشعوب والمجتمعات والأقوام بوفرة عددها وبكثافتها السكانية، فقد تكون الكثرة الكمية عبئاً يستنزف الطاقة والموارد، ويشل حركة المجتمع، وتكثر به التؤيلات والآراء المتضاربة التي بالتالي تكون وبالا على الحركة التقدمية لنمو المجتمعات .

 وإنما تقاس المجتمعات بقوتها النوعية، المتمثلة في كفاءات أبنائها، وقدراتهم المتميزة علمياً وعملياً. وخاصة الفئة الشابة بينهم، لأنها الفئة الحية المنتجة وذخيرة المستقبل .. من هنا اعتبر الكنزا ربا ان ثبات فرد واحدا بمثابة أمة كاملة، لما كان يتمتع به من صفات ومواصفات عظيمة، فيقول النبي الحبيب يهيا يوهنا بان (الثابت جبل) .. وكذلك تؤكد التعاليم الإلهية المندائية بان الرب العظيم يختار من ألف واحد ومن ألفين اثنين لدخول ملكوته السامي .

 وكان العرب يقولون عن المتفوق في شجاعته وتدبيره: رجل كألف. من هنا نرى أن نوعية الأفراد وقابلياتهم المتجددة وكفاءاتهم المتطورة .. هي السبيل الوحيد، والقاعدة المثلى التي تستند عليها المجتمعات والمدنيات العصرية، في نمو ونجاح وديمومة الشعوب والأقوام والمجتمعات .. سواء أكانت جزئية مجتمعية مثل الشركات أو الجمعيات أو المنظمات إلى آخره .. أم إذا كانت كليات مجتمعية مثل الدول والأوطان ومؤسساتها العاملة.

 فالكفاءة والإبداع هي مصدر قوة الأفراد والشعوب والمؤسسات. والمجتمع الأقوى هو الذي تكثر الكفاءات وقدرات الإبداع بين أبنائه. لانهم طاقة وغذاء وديمومة أي مجتمع يرغب بالاعتماد على نفسه للنهوض بواقعه .. حيث قال الفيلسوف لافونتين (من اتكل على زاد غيره طال جوعه).

 ولكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا جميعا .. كيف تنمو الكفاءات؟ وكيف تتفجر؟ وكيف نبحث عن هذه القدرات الخلاقة التي لها شانا كبيرا في دفع عجلة الحياة في كل العصور؟ وكيف نساعدها على الظهور والنمو من خلال تواجد واهتمام مجتمعي ومؤسسي لها؟ ولماذا نلاحظ بان هناك مجتمعات متطورة يكثر فيها الإبداع والمبدعين وهنالك مجتمعات أخرى على العكس تماما تعاني من الخمول المجتمعي والفقر والعوز الإبداعي؟ وما يهمنا كطائفة صغيرة العدد تمر بالكثير من الصعوبات والمشاكل على الصعيدين الشخصي والديني والمجتمعي والمؤسسي وخاصة في بلاد الاغتراب .. فأنا من الذين يوافقون والداعمون لنظرية أن نهوض أي مجتمع مبني من خلال أبنائه وطاقاتهم وإبداعاتهم لانهم ثروة المجتمع وعجلته التي تدفعه للأمام وخاصة الطبقة الشابة منه .. وكما قال الفيلسوف غوته ((أن مصير كل أمة يتوقف على شبابها)). وأيضا أن مصير الأمم خلقه المبدعون وصاحبي الكفاءات الذين يتفانون في خدمة قضيتهم المصيرية.

 هناك عوامل وأسباب عديدة تؤثر في مستوى حركة الإبداع والتفوق في أي مجتمع، لعل من أبرزها: مدى ما تجده الكفاءة من تشجيع واحترام، فالمجتمعات المتقدمة عادة ما تحرص على توفير أكبر قدر من الاحترام والتشجيع للطاقات والقدرات المتميزة من أبنائها، بينما تنعدم أو تتضاءل مثل هذه الحالة في المجتمعات المتخلفة.

 أرى في مجتمعي بان بعض الكفاءات والقدرات الجيدة من النواحي العلمية أو العملية لا توضع موضعها المناسب .. واراها أيضا لا تعطى المجال الكافي لمساعدتها على إطلاق قدراتها في وسط مجتمعها .. بل أننا نزيد الخناق عليها وبالتالي أما نطمرها أو نعطيها المجال للعمل ولاطلاق موهبتها خارج مجتمعنا المندائي وبذلك قد خسرنا قوة وإبداع نحن في أمس الحاجة إليه.

 واعتقد بان عقدة (العمر) التي تنتشر في البلاد الشرقية عموما وفي مجتمعنا وتراثنا داخل بلداننا خصوصا .. لازالت منتشرة ومسيطرة علينا إلى الان .. وهنالك أيضا عقدة ثانية يطلق عليها علماء الاجتماع بعقدة العشائرية والمشيخة التي لا يزال بعض الناس يتشدقون بها .. فأنا الان لا أتكلم عن الاحترام والتقدير .. فالاحترام والتقدير موجود وواجب على جميع الناس بمختلف أعمارهم ومستوياتهم وأجناسهم .. ولكن الظاهر لي بان الكثير منا لحد هذه اللحظة نبخس فيها حق أبناءنا وبناتنا ولا نعطيهم فرصتهم في الإبداع والظهور .. فأنا أقول بان من هو اعلم مني فهو اكبر مني.

 كما أرى ضرورة أن تهتم المؤسسات المندائية سواء المتمثلة في رئاسة الطائفة في بلدنا الام او في الجمعيات المندائية في المهجر .. بوضع دراسة شاملة وخطط ناجعة لاستقطاب هذه المواهب والكفاءات لأننا في أمس الحاجة لها في بناء مستقبلنا ولتثبيت موطئ قدم لنا في البلاد التي نعيش على أرضها والتي تهتم وتعظم الكفاءات المبدعة والتي صارت بها كما ترون بأنفسكم على اعظم واحسن حال. فخدمة الطائفة أفعال وليست كلمات وخطابات جوفاء تقال هنا وهناك. وكما قال أبونا يهيا يهانا مبارك اسمه (الحكيم من يترك كلامه الجميل ويذهب لعمل الخير).

 يجب علينا أن نفكر ونخطط ابعد من أنوفنا قليلا .. فيجب أن لا نفكر بيومنا الحاضر فقط وانما يجب أن نفكر وان نتحسب لغدنا ومستقبلنا ومستقبل أبناءنا. فإذا كانت مؤسساتنا جيدة وقوية وواثقة من نفسها وتعمل بنكران ذات، يجب عليها أن تبحث عن هذه القدرات والكفاءات، وتحاول جذبهم بكل الطرق والوسائل، وان تخلق لهم الجو الصحي الحقيقي لاطلاق موهبتها في الاتجاه الصحيح وانماء قدراتها .. وأيضا عليها أن تعطي قدرا من الحرية لهذه الكفاءة أو تلك .. لان الإبداع والخلق والإنتاج لا يتأتى مع السجن الإداري، والدوران حول قوانين لا تنفع أحدا. فيجب على مؤسساتنا المندائية أن تخرج من نطاق النظرة الضيقة في التعامل مع المؤسسة أو اللجان التابعة .. وان تضع قوانين مرنة تؤدي إلى الخلق والإبداع، ولا تؤدي إلى زيادة الخناق وقطع النفس .. بحجة المركزية في العمل، ووحدة الطائفة.

 

وان مسؤولية البحث عن هذه القدرات وتنميتها ليست من واجبات المؤسسات المندائية فحسب، وانما من صلب وجوهر واجب الام المثقفة والواعية لدورها، والتي تريد الحفاظ على أبنائها وجعلهم منتجين، مثمرين في المجتمع متفاخرة بهم .. فكم من أم أو أب يسال أبنائه عن هواياتهم مثلا !! وكم منكم ساعد على إنماء هذه الهوايات في أبنائه !! وكم منكم يراقب أبنائه ويكتشف فيهم قضايا جميلة ومفيدة ويحاول أن يساعده على تنميتها !! .. عيب علينا أن نفعل ذلك، لان التربية في نظر بعض الناس هي أن ننجب الأبناء وان نعمل ليلا نهارا لنقدم لهم الطعام والملبس الجيد فقط !!.. وكأننا مثل حصالة نقود نعمل فقط لإدخال اكبر عدد من العملات فيها، وكأننا نعيش لنأكل وليس نأكل لنعيش. فيا أحبتي أن اكتشاف المهارات والقدرات والإبداع يبدأ منذ الصغر ويتربى وينشا الإنسان عليه .. فلا تقتلوا مستقبل أولاد كم بأيديكم .. وتتركوا المجتمع والظروف لوحدها تربيهم وتغذيهم فكريا وايدولوجيا.

 

وإنكم في مجتمع يقدر هذه الأشياء، وان هذا النظام مأخوذ فيها ومطبق وهو على اكبر اعتبار لديها .. أن العلم الحديث اخذ ينظر في مشاكل الإنسان وقضاياه بمنظار آخر، فهو يدرس طاقات الإنسان وحدود قدراته والنواميس التي تتحكم في طبيعته قبل ان ينصحه باتخاذ طريق معين في الحياة .. أن الفاشلين في الحياة كثيرون يملاون الدنيا، وهناك أسباب عديدة لفشلهم وهم ليس لهم يد في تلك الأسباب إلا قليلا.

 

في أحد الأيام لفظت كلمة تربية في إحدى البيوتات المندائية الصالحة، وانزعج أحدهم من هذه الكلمة، وكان التربية هي للصغار فقط. أن الإنسان حيواني بطبعه مثلما هو أنساني بطبعه، فلذلك يجب أن يربى الإنسان نفسه دوما على الأعمال الصالحة والقدرة على الرؤية الصحيحة لنفسه وواقعه، حيث قال أبونا يهيا يوهنا مبارك اسمه (راس عدلك هو محاسبة نفسك) .. أن اعظم أنواع الشجاعة الاعتراف بالغلط ورؤية الذات بشكل حقيقي لا مراء فيه وبدون تزويقات، جميعنا نقوم بها لتزويق وتبريج وتحلية ذواتنا اتجاه بعضنا .. ولكن كم منا نظر إلى مرآة ذاته وجلس معها للقضاء والمحاسبة !!. فيا أحبتي بان التربية للصغار واجبة على الكبار .. والتربية للكبار على أنفسهم أيضا واجبة إذا لم تكن الحلقة الوثقى التي يتمسك بها الإنسان الفاضل والمؤمن.

 

فأرجوكم اسمعوا وابحثوا وتعلموا ما ينفع أبنائكم وعقولهم وليس بطونهم فقط. 

أما الآن بعد ما عرفنا جميعا أهمية الكفاءات والمبدعين والمختصين والمواهب في المجتمع عامة والطائفة المندائية خاصة .. وأهمية استقطابها بشتى الوسائل الناجعة للعمل داخل المؤسسات المندائية .. نأتي إلى كيفية التعامل على المستوى الاجتماعي لهذه الكفاءات .. وهل نحن نقدر الإبداع والكفاءة؟ أم نحن نحاربهما من حيث نعلم أو لا نعلم؟ 

فكما تعرفون ان البذرة مهما كانت صالحة للبذار والإنتاج .. لا يمكن أن تنمو وتنتج إلا بوجود تربة صالحة غنية تستقبلها في أحضانها وتدعمها للنمو ولانتاج الأثمار التي تنعم بها الكائنات الحية.

 

فهذه البذرة .. أستطيع ان أمثلها بالإبداع أو الكفاءة أو الشاب أو الشابة في طائفتنا .. والتربة ممكن ان تكون طائفتنا بأجمعها ومجتمعنا بكافة شرائحه ومؤسساته الحيوية .. فمهما كانت البذرة ناضجة وكفوءة وصالحة للإنتاج.. لا يمكن لها أن تستمر برحلتها نحو النمو والنضوج إلا بوجود تربة صالحة غنية داعمة ومغذية لها.

 

فالإنسان السوّي، يختزن في أعماق نفسه، مشاعر إعجاب وتقدير، لكل كفاءة متميزة، وإبداع خلاّق، ودون ذلك لا يكون إنساناً سوياً أبداً، لكن امتلاك قدرة التعبير عن تلك المشاعر، والمبادرة لإبرازها هو سمة الراقين المتحضّرين .. إضافة إلى أن هذه المسؤولية تناط بقادة المجتمع أو المسؤولين عن مؤسسة ما، ويجب ان تكون لديهم الثقة بالنفس ونكران الذات وإظهار كل ما هو إبداعي ومتميز من بين قدرات الناس.

 

إن من يظهر مشاعر تقديره للكفوئين المبدعين، إنما يسجّل احترامه لذاته أولاً، بالتعبير عما تختزنه من انطباعات، ومنحها جدارة التقديم والعرض، بينما يشكك ضعفاء الثقة بذواتهم، في استحقاق مشاعرهم للإظهار والإبراز، ويبخلون على أنفسهم بفرصة التعبير عما يختلج فيها، لضعف احترامهم لها.

 

وقد تتراكم على نفس الإنسان حجب قاتمة من نوازع الأنانية والحسد، تمنعه من إعلان تقديره للمستحقين للتقدير، وذلك خلق سيئ، وحالة مرضية، لا علاج لها إلا بالوعي الصحيح، والتربية الفاضلة، وممارسة جهاد النفس. وكما قال ارسطو (الحسود يأكل نفسه كما يأكل الصدا الحديد).

 

إن البعض تمتلئ نفسه بحب ذاته بشكل نرجسي، ويسيطر عليه الغرور، وتتضخم لديه الأنا بحيث لا يرى أحداً غيره مستحقاً للمدح والتقدير، بل وينزعج ويتذمر حينما يشاد بآخرين، وقد يكون ذلك ناتجاً من شعور عميق بالنقص والضعف، يستثيره ذكر كمال الآخرين وتفوقهم. 

وهنالك بعض الناس أيضا .. الذين هم في وضع متذمر ومتشكك دائما ولا يقبلون بان هنالك كفاءات غيرهم .. أبعدنا الرب من هؤلاء الذين لا يرون إلا أنفسهم .. وكما قال أحد العلماء بان العظيم ليس من يشعر بأنه عظيم عند جلوسه مع الناس، وانما العظيم من يشعر بان الناس الذين في حضرته جميعهم عظماء. وان بعض هؤلاء يسميهم الكاتب والأديب المصري رجاء النقاش بالتماثيل المكسورة أو المثلومة الذين يرون عيوبهم ونقصهم في غيرهم ولا يعجبهم أحد في هذا الكون.

 

وقد يشعر بعض من يجد في نفسه الكفاءة بالغبن حينما يرى تكريم غيره من المبدعين، والحقيقة إنه يجب أن يغتبط ويفرح بذلك، لأن تقدير أي كفاءة في المجتمع، يعتبر تكريساً لمنهجية صحيحة، إذا تأكد وجودها، فستشمله بركاتها وآثارها كغيره من المؤهلين.

 

ولشيوع مثل هذه الأمراض في نفوس أبناء المجتمعات المتخلفة، عادة ما يتأجل تقدير الكفوئين، من العلماء والأدباء والمصلحين إلى ما بعد وفاتهم، ومغادرتهم الدنيا إلى الآخرة، عندها تُعقد مجالس التأبين والتعزية لذكر محاسنهم، وتعداد فضائلهم، وإعلان الحسرة على فقدهم، بينما كانوا في حياتهم مجهولين أو لنقل متجاهلين.

 

وكما قال الشاعر (عبيد بن الأبرص): 

 

لأعرفنك بعد الموت تندبني *** وفي حياتي ما زودتني زادي 

ترى الفتى ينكر فضل الفتى *** ما دام حيّاً فإذا ما ذهب

لجّ به الحرص على نكتة *** يكتبها عنه بماء الذهب 

  

التفوق والإبداع لا يتأتى إلا ببذل جهد، وتحمّل عناء، لذلك يكون المتفوقون قلة، لأن أكثر الناس يتقاعسون ولا يرغبون في إتعاب أنفسهم وإجهادها، وقديماً قال المتنبي: 

 

لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يُفقر والإقدام قتّال 

النجاح سلم لا يمكن تسلقه والأيدي في الجيوب ... دزرايلي 

  

وهنا يأتي دور التشجيع والتقدير، في رفع معنويات روّاد الإبداع والتفوق والعمل الصالح، وامتصاص آثار التعب والعناء الذي يواجهونه في طريقهم، مما يجعلهم أكثر عزماً وتصميماً على الإنجاز والتقدم.

 

إن الكفاءة يجب أن تحترم لذاتها وعطائها، فمن أي عائلة انبثقت .. لا يهم، أهي سوادية أم حلالية .. لا يهم، وإلى أي طبقة انتمت .. لا يهم، ومن أي عشيرة كانت .. لا يهم، أم كانت غنية أم فقيرة .. لا يهم، وبغض النظر عن اتجاهها الأيديولوجي .. سواء اتفقت مع آرائنا أم لم تتفق .. المهم هو إبداعها وقوتها المنصبة في خدمة طائفتها ودينها .. هكذا يأمر العقل والمنطق وإلى هذا يرشد الدين المندائي من خلال نصوصه وتعاليمه المقدسة.

 

إن تقدير الكفاءة يساعد على تنميتها وتطويرها، ويدفع أصحابها إلى المزيد من العطاء والإنجاز، ويكرّس في نفوسهم حب مجتمعهم، والإخلاص إليه، والتفاني في خدمته، بينما تجاهل الكفاءات قد يثبّط نشاطها، ويصيبها بالإحباط، وفي أحسن الفروض، تسلك طريق النزوح والاغتراب، وما يصطلح عليه الآن بهجرة الكفاءات والأدمغة .. التي انتشرت في بلدان كثيرة، منها بلدنا العراق .. ولا اخالني ابتعد عن الحقيقة إذا قلت بان حتى أدمغتنا ومبدعينا سوف يهاجرون عن طائفتنا، فتلك هي الطامة الكبرى !!. 

حتى قال الشاعر العراقي أحمد مطر معبراً عن هذه الحقيقة المرّة: 

  

قال أبي 

في كل قطر عربي 

إن أعلن الذكي عن ذكائه فهو غبي 

  

فهل تنطبق هذه الحالة على طائفتنا. فعلينا أيها الأحبة بالحوار البناء والنقاش الحر الديمقراطي، لكي نصل الى غايتنا المنشودة في تحسين وضعنا الشخصي والمجتمعي المندائي .. فالحوار .. هو اتصال غايته الأولى تحقيق المزيد من التفاهم والتجاذب، وليس التباعد والتحارب، بين الناس كافة، واساسه المحبة والاحترام والصراحة وعدم المراوغة .. وليس للنفاق والمجاملة الخاوية وعدم المبالاة مجالا في حوار صريح وحقيقي يصل إلى أهدافه الناجعة بسرعة وبوثوق كامل .. فالحوار اخذ وعطاء، ولتحقيقه لا بد من حديث وإصغاء، واعتقد بان إحدى مشاكلنا هو عدم معرفتنا الى حد هذه اللحظة كيف يكون الحوار الصحيح البناء الذي يهدف الى توحيد المسيرة وبناء المستقبل وتحقيق الأهداف المرجوة .. هذا إذا موجود فيما بيننا أصلا حوار من هكذا نوع !!.

 فنحن جميعا بحاجة الى شيء اسمه نكران ذات .. ننشده ويكون حال فينا قبل أي عمل نقوم به، تتغنى به الأجيال القادمة .. فنحن بحاجة إلى فسحة مباركة لكي نعيد النظر بكل تصرفاتنا وفي كل ما نسمعه ونشاهده، فسحة مقدسة نتوجه بها بأفكارنا وأحاسيسنا إلى مقام ملكا راما ربا اد نهورا (مشبا اشمي) لكي يمنحنا من محبته العظيمة التي لا تنضب لكي تحل بيننا .. فأنا أدعو إلى القيام بتلك الفسحة لكي نصل إلى غايتنا المندائية الشريفة .. وهذا هو الإصغاء الذي يجب أن نتعلمه.

 بالطبع لا يمكن التعميم فهناك بشائر طيبة وبوادر مشجعة هنا وهناك، لكن المقصود هو الحالة العامة والوضع السائد في طائفتنا عموما .. ونبغي بحديثنا هذا هو شحذ الهمم الوفية والحريصة على طائفتها ودينها والمثقفة (اقصد بالمثقفة من هي واعية لظروفها ولعملها وتمتلك ثقافة (معرفة) واسعة تؤهلها للعمل والقيادة الصحيحة).. والتنبيه لمواضع القوة والضعف في مجتمعنا .. ولكي يسمع من له آذان، وليتكلم من له كلمة حق، وليصمت من لا يسمع ولا يتكلم كلمة الحق.

 أما إذا تكلمنا عن معنى الحقيقة الواقعية في عصرنا هذا .. فنستطيع أن نمثلها بالهرم ذي الأوجه المتعددة، والإنسان إذ يقف تجاه الهرم لا يستطيع أن يرى منه سوى وجه واحد. أما إذا تحرك الإنسان حول الهرم ففي إمكانه أن يرى الأوجه المختفية منه.

 عيب البعض منا أننا لا نؤمن بالحركة. فإذا صحت لديهم فكرة في زمان ومكان معينين عمدوا إلى تعميم تلك الفكرة على كل زمان ومكان وفي كل العصور. ومن هنا أصبحنا كمن تسير الدنيا بهم وهم واقفون. فقد ذكر في التعاليم المندائية ما يلي (يا اهي اد كشطا زينيخون ناصيروثا – يا أخوان الحق سلاحكم المعرفة) .. والتي هي أبدع وأقوى من الأسلحة الحديدية التي يتمسك بها الإنسان الغير مؤمن.

 فيجب أن نكون جميعا متكاتفين متعاونين في سبيل رفعة مندائيتنا وإيصالها بأمانة إلى أجيالنا القادمة .. فنرجوكم التعاون الصحيح والصحي مع فعاليات ومشاكل وأمور الطائفة .. فيجب أن تكونوا الداعمين الحقيقيين ماديا ومعنويا للمؤسسات المندائية.

 عذرا على إطالتي .. ولكن اشعر بان اضعف الأيمان هو الإبلاغ .. وها انا ابلغ لحين انعتاقي من هذا العالم أو تحقيق أهدافنا في إيصال أمانة غنية ومستقبل جيد لأجيالنا، يحترموننا من خلاله ويقدرون أصلهم وتاريخهم ويتمسكون بايمان مندائي عظيم يساعدهم على خطوب حياتهم .. ويساعدهم على العيش في عصرهم ووقتهم .. من الممكن أن يكون عصرهم هذا غير مميز لنا .. ولكن هو بالطبع مميز لديهم .. فدعونا نعيش حياتنا وعصرنا ودعوهم يعيشون حياتهم وعصرهم مع إبقاء وشائج الاتصال والتفاهم.

 عاشت المندائية .. عاش المندائيون أبناء مندا اد هيي الطيبون .. عاشت الجهود الخيرة التي تبغي إعلاء شانها بنكران ذات .. شكرا لأجدادنا لانهم حافظوا على الأمانة وأوصلوها لنا .. برغم بعض الخدوش .. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيشكرنا ويحترمنا جيلنا القادم كما نحن شكرنا أسلافنا، أم سيلعننا لعنة الغارق ؟!. 

نشرت في وجهة نظر

يتطلع الصابئة المندائيون في العراق إلى مرحلة جديدة يعترف فيها بهم كقومية وثقافة لها حقوقها وخصوصيتها، ويكون لهم تمثيل في المجلس النيابي القادم ومدارسهم الخاصة .

 ورغم أنهم لم يستهدفوا على نحو خاص في المرحلة السابقة من الحكم في العراق، فقد كانوا يتعرضون لتجاهل وتهميش لم يمكنهم من فتح مدرسة خاصة بهم، أو بناء معابد كافية، وتطوير مقر الطائفة في بغداد .

 ويأمل قادتهم بأن يحصلوا على معونات من الجمعيات والمؤسسات الدولية تمكنهم من الحفاظ على لغتهم وثقافتهم وبناء معابد ومدراس خاصة بهم .

 ويؤكدون دائما لزوارهم ومحدثيهم من الصحافيين والباحثين العرب والمسلمين على أن اسمهم ورد في القرآن الكريم ثلاث مرات باعتبارهم أصحاب ديانة وكتاب، ويبدو أن الصابئة كطائفة ومجموعة قومية وثقافية بدأت تتحرك في وسائل الإعلام .

 وفي رسالة وجهها اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر إلى مجلس الحكم الانتقالي طالب الاتحاد بالنظر إلى الصابئة المندائيين باعتبارهم عراقيين أصيلين يعبرون عن الموروث العراقي الممتد إلى السومريين والأكاديين والبابليين، وباعتبار أنهم كانوا من بناة الحضارة العربية الإسلامية، وقد أسهموا في بناء الدولة العراقية الحديثة .

 ولكنهم لم يتمتعوا بحقوق المواطنة كاملة وتعرض أفرادهم لاضطهاد وتمييز كما ورد في البيان، ولذلك فإنهم يطالبون المجلس بأن يكون لهم تمثيل في لجنة صياغة دستور العراق وفي البرلمان القادم، وبتوفير الحرية الدينية والتعليمية لهم، والحصول على دعم مالي من الدولة، وعدم التدخل في شؤونهم الدينية .

 

تعريف

 يبلغ عدد الصابئة في العراق 200 ألف نسمة، وتعود جذورهم إلى الشعوب الآرامية من أسلاف العرب، وقد هاجروا إلى العراق في العام 67 الميلادي .

 يوجد الصابئة في بغداد وفي العمارة والبصرة والناصرية والكوت وديالى والديوانية، ويعيشون على ضفاف الأنهار وخاصة دجلة .

 يؤمن الصابئة المندائيون بأن أول نبي ومعلم لهم هو آدم وابنه شيت وسام بن نوح ويحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان) عليهم السلام، ويقول الصابئة إنهم يتبعون يحيى .

 والصابئة المندائيون موحدون في ديانتهم، لهم كتاب ديني مقدس يدعى (كنزارابا) أي الكنز العظيم، يليه في الأهمية كتاب "دراشة إد يهيا" أو مواعظ وتعاليم النبي يحيى .

 ويعتقد المندائيون أن كتاب الكنزارابا قد نزل على النبي آدم وشيث ونوح، ولكنه يتضمن أحداثا وأسماء تعود إلى زكريا ويحيى، ويستشهدون بالآية القرآنية "يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا" أي أن ثمة كتابا نزل على يحيى .

 وترجم الكنزارابا إلى العربية في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، ولكن الترجمة العربية المتداولة اليوم -التي قدمت لفريق الجزيرة نسخة منها في مقر الطائفة ببغداد- تشير مقدمتها إلى أنها أول ترجمة عربية عام 2000، وصاغ الترجمة صياغة أدبية الشاعر الصابئي عبد الرزاق عبد الواحد، وهو من كبار شعراء العراق .

 

  ارتباط وثيق بالمياه

 وترتبط طقوسهم بالماء، وتعنى كلمة صبأ بالآرامية "اغتسل" ويسمون في بعض كتب التاريخ "المغتسلة"، ويرد بعض العلماء مثل ابن قيم الجوزية والباحثين المحدثين مثل أنستاس الكرملي الكلمة إلى الضياء، وفي كتابهم المقدس الكنزاربا نص يقول "سمح لي العظيم بعظمته أن أنشر الضياء، العظيم سمح لي أن أنشر النور" وتعني كلمة مندائي: القديم، وهي كذلك في السريانية .

 ويدير شؤون الصابئة مجلسان أحدهما مدني والآخر ديني روحاني، ويلبس كهنتهم وشيوخهم لباسا بسيطا يعود إلى الشعوب السالفة قائم على ثياب بيضاء وعمامة وحزام من الصوف يسمى "هميانا" وتستخدم الكلمة نفسها أيضا في اللغة العربية التراثية بمعنى الحزام أيضا، ويطلقون لحاهم ويحمل الكاهن عصا من الزيتون .

 وللزواج عند أفراد الطائفة طقوس خاصة بهم تقام أيام الآحاد، وهي قائمة على الاستحمام والطهارة المبالغ فيها من وجهة نظر الأديان الأخرى، ويجب أن يتم الاستحمام في ماء جار، ويبنون في مقرهم معبدا بسيطا من الطين لعله يشبه البيوت التي كانت قائمة في القرن الأول الميلادي .

 وتبدو الطقوس الدينية تقاليد اجتماعية وثقافية بالغة القدم، فيرتدي العروسان لباسا بسيطا كما كان يلبس أسلافهم، ويستحمان بالماء الجاري ويتناولان طعاما بسيطا من ثمار الأرض من الجوز والزبيب، وتتأكد نساء خبيرات من عذرية العروس قبل إتمام طقوس الزواج. ويحرمون الختان باعتبار ذلك تغييرا لخلق الله، ويتأكد الكاهن قبل إتمام الزواج من أن الشاب ليس مختونا .

 ويقول المندائيون وتشهد بذلك المصادر والدراسات إنهم موادعون لم يتمردوا ولم يواجهوا الأنظمة السياسية والدول، وشاركوا فيها بالواجبات الوطنية العامة، وكان منهم علماء وشعراء، ويعمل معظمهم في الصياغة، في الذهب والفضة، وقد سجلوا المذابح التي تعرضوا لها بأحرف سرية وطلاسم حتى لا يفهم أن عملهم هذا احتجاج على الدول والحكومات .

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2013 11:29

الجذر العراقي لأسماء الشهور والدهور

نحتفي بعد أيام بحلول العام الخامس من الألفية الميلادية الثالثة ونحن على مفترق طرق من تسميات الشهور والتقاويم التي تسترعي التمحيص في مصدر اصطلاحها . حيث نجد خمس مجاميع لتسميات الشهور في كنف الثقافة العربية، ونرصد في شجونها تنازع الأهواء وتحزب الفرقاء كما هي السياسة وأنبرى رهط يمنطق في مبرر إستعمالها، ويرغب كل فريق في التعميم بما اختصت به أنظمته الإدارية. 

وتعود فكرة ضبط التقاويم إلى جذور سومرية وأكدية عراقية وكذلك مصرية. وأخذها الفينيقيون تباعا في أفلاكهم إلى ثقافات البحر المتوسط ولاسيما الرومانية منها التي ورثتها عن الإغريق والشاميين وأقحمت فيها أسماء قياصرتهم كيوليوس وأغسطس، ثم ليعيدوها إلى العالم وتتلاقفها الثقافات. ونجد ما يدل على الأصول الرافدية لذلك النظام الفلكي الذي ينم عن دلالات عقيدية، هو كم من الكلمات المقدسة من مثل (Astrology وastronomy) التي تعني التنجيم والفلك،وكذلك (Star,Stella) التي تعني النجمة وهي بمجملها تحريف مهذب لكلمة "عشتارAshtar" المقدسة للبابليين ورمزوا لها بنجمة الصباح وهي نفسها عثتر لدى عرب الجاهلية . وقد نجد اسم تموز (دوموز) حبيبها مازال يقبع في قلب التقاويم الآرامية التي ورثناها.

وكلمة تقويم منحدرة من مصدر (قّوم) التي تعني إزالة الاعوجاج من الشيء وتعديله وهي تشكل مجموعة القواعد للتوفيق بين السنة المدنية والسنة الاستوائية ولتقسيم الأزمنة وجاء معنى تقويم البلدان بين طولها وعرضها واخراج أراضيها. ومازالت كلمة (روزنامة) الفارسية تستعمل حتى اليوم والتي هي في حقيقتها مركبة من كلمتين (روز) وتعني يوم و(نامة) وتعني كتاب أي كتاب الأيام، ومن الطريف أن الإيرانيين يفضلون استعمال كلمة (تقويم) العربية على (روزنامتهم). ولدينا اليوم صنفان من التقاويم المستعملة هي القمرية أو العربية والأخرى الشمسية (الإفرنجية أو المسيحية أو الميلادية). وأستعمل جل العرب التقويم الميلادي ما عدا العربية السعودية التي تستعمل التقويم الهجري. واتبعت الدول صيغة ذكر التاريخين معا ولاسيما في الوثائق الرسمية. وانحصر دور الهجري لدى العامة في ضبط التواريخ الدينية.

وكلمة الشهر ترد في الآرامية بلهجتيها الغربية والشرقية بصيغة (يرخو –يرخا) التي جاءت منها (يؤرخ) العربية وكلمة "الشهر" تعني كذلك القمر في العربية وقد وردت في القرآن الحكيم، سورة البقرة-الآية 184 : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ). وقد كانت في اللغات السامية (العربية البائدة) تعني الأمر نفسه بسبب ارتباط الشهور بدورة القمر فقد سميت (سهر) في بعضها وكذلك (سين) الذي اقتبست منه كلمة سيناء، بما تعنيه الكلمة من روحانيات وعبادة آلة القمر لديهم. وهي في الآرامية (Sharo شارو)، حيث ذكر "الجواليقي" في (الاتقان ص 140) بأن اصل الكلمة سرياني (سهر) الذي عرب بعد ذلك. وجاء لدى العرب بما يعني الكثير فقال في ذلك "ثعلب" بأنه سمي شهرا لشهرته وبيانه لان الناس يشهرون دخوله وخروجه. وقال غيره سمي شهرا باسم الهلال لانه إذا أهل يسمى شهرا، وقال "ذو الرمة": يرى الشهر قبل الناس وهو نحيل.

وثمة شهور قمرية تدعى الأشهر الحرم، وقد حددت لها قوانينها وضوابطها وصل حد تحريم وتحليل صيد البر والبحر، ومنع بها إعلان الحرب الذي تمادوا به أهل السياسة والإرهاب ذو اللباس الديني اليوم ليعلنوا الحرب متى شاءوا. وقد قالت العرب إن الأشهر الحرم أربعة ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، ثلاثة منها سرد وواحد فرد، ويرد في تراث العرب أن شذ عنها قبائل بني خثعم وبني طي، حيث كانوا مثل عرب اليوم يستحلون في تلك الشهور الحروب.

وكان لعرب الشام أو الحجاز واليمن تقاويمهم قبل الإسلام، التي سرعان ما اضمحلت بعد إقرار التقويم الهجري فمثلا أرخ سكان مدينة بصرى في سجلاتهم لتأريخ يقل بـ 105 أعوام عن التأريخ الميلادي المعاصر، كما وجد ذلك (دوسو) عندما تتبع منابع الخط النبطي في بادية الشام، ولاسيما في حرة وادي السوط في جنوب حوران. وثمة جداول نظمت لضبط الفرق بين التاريخين الهجري والميلادي ولاسيما لدى الباحثين والمؤرخين الذين يستسهلوا إضافة العدد 622 وهو عام الهجرة الميلادي الذي حدث في 16 تموز (يوليو) عام 622م إلى التاريخ الهجري مع ضربها بمعامل بسيط فحواه الفرق (11 يوما) بين التقويمين ليظهر لهم بالتقريب العام الميلادي.

ومن الطريف في التقاويم الميلادية الشائعة اليوم أن السيد المسيح (ع) لم يولد في سنة 1 ميلادية وإنما في عهد هيرودوس الروماني يرجح العام 4 م وتختلف الطوائف المسيحية في يوم ميلاده، ليشكل بذلك حالة لعددٍ تقويمي مبهم وخالٍ من الدقة. وهو يضاف إلى العدد الكبير من المغالطات التي جوهرها تكريس الاحتفاء بذكرى زهو الحضارة الرومانية الوثنية، مثلما هي أسماء الأشهر، أكثر مما هو تمجيد لذكرى ميلاد نبي عظيم ومبشر إعجازي بعقيدة عالمية موحدة.

ويقول في ذلك (توم فلن) في كتابه (الخلل في عيد الميلاد –ص19): (إن عددا هائلا من الأعراف المقترنة بعيد الميلاد اليوم تعود جذوره إلى تقاليد دينية وثنية، لما قبل المسيحية. فبعض التقاليد يحمل مفاهيم اجتماعية عرقية، أو فلكية سوف ينبذها الواعون منا إذا عرفوا صلب فحواها). ويؤكد ذلك في موضع أخر قائلا: (أن أحد أوجه السخرية المتعلقة بعيد الميلاد هو قلة ما هو مسيحي حقا في مضمونه). وتعود الحقيقة إلى بدايات المسيحية والاحتفال الذي تبنته الكنيسة وتعود في حقيقتها إلى ارثٍ وثني حينما كان يحتفل الرومان بعيد الكوكب زحل في أواسط شهر كانون الأول (ديسمبر)، وكانوا يمارسون فيها عادات إيقاد الشموع وتبادل الهدايا وكذلك طقوس الولائم المتقنة والسكر المفرط والفحشاء المتحرر. أما شجرة عيد الميلاد فهي تعود للشعوب الجرمانية عندما كانت تحتفل بالخضرة الدائمة الباقية بعد ضمورها في موسم الثلج ونفض الأشجار الذي مقتته العقلية البشرية. وما يتعلق بشخصية (بابانويل) الخرافية وهو ذلك العجوز الذي يرد بعربته ليوزع الهدايا على الأطفال، وهي في حقيقتها إلا تقليد شعبي مازال الفنلديون والنرويجيون وغيرهم يتخاصمون بحماس على انتمائه لثقافاتهم. ويصر البلقانيون (الأرثودوكس) على كونه القديس أصطيفان الذي يكتسي الحظوة لديهم. وبالرغم من كل هذا اللغط فمازال بعض أصحابنا يتوقون شوقا لأن يكونوا جزءا من هذا المهرجان العرفي دؤبين على تطبيق طقوسه بالرغم من براءته من أي مسحة روحية. والاهتمام به يرد من باب اقتصادي محض حيث تنشط خلاله الحركة التجارية التي تحتاجها السوق الرأسمالية في دوران المال وتصاعد الأرباح.

وما وصلنا من ميراث ثقافات المنطقة العربية اليوم عيد شم النسيم وفيضان النيل في مصر الوارد من التواريخ الفرعونية وكذلك الحال في كثير من الأعياد الرافدية. فمازال الفلاحون في جنوب العراق يستعملون أسم نيسان للدلالة على موسم الحصاد الذي يرد بصيغة الفعل (نيسن)، ويعتقد أن نيسان تعني (نيشان) أي علامة لموسم الحصاد، وكذلك لذكرى عيد رأس السنة البابلية (الأكيتو) الذي هو بالأساس قد وردهم من السومريين عندما كانوا يطلقون عليه أسم (زكموك) .وقد كان في هذه المناسبة يعاد تجديد البيعة للملك في بابل والذي يصادف الأيام الإحدى عشر الأولى من هذا الشهر والتي تقع اليوم في نهايات آذار وبدايات نيسان ويصادف موسم الاعتدال الربيعي. فهو في العراق عيد دورة السنة أو وعيد النوروز. وتحتفل به كل شعوب الشرق تقريبا، ومن المؤكد بأن الكرد والفرس وتبعهم من ثم الترك كان قد أخذوه من بابل، وهو يصادف يوم 21 مارس أو تساوي الليل والنهار. وكلمة نوروز تعني بالفارسية (اليوم الجديد) وهو يصادف يوم دخول الشمس برج الجدي. وبنفس المعنى يطلقون عليه في التركية بـ(يني كون) الذي يعني اليوم الجديد كذلك. وفي التاريخ الإسلامي كان ذلك يمارس على نطاق دوري في مدن بغداد وسامراء خلال الحقبة العباسية وكان المتوكل يوزع فيه الهدايا، حتى ورد على لسان البحتري يقول فيها :

لا تخل من عيش يكرّ سروره أبداً ونيروز عليك معادِ

ومن الجدير ذكره أن طائفة الصابئة (المندائيون) في العراق ما زالت تطبق التقويم البابلي حتى يومنا هذا في أعيادهم الدينية، ويعتبرون أن يوم 21 آذار(مارس) هو يوم تساوي الليل مع النهار وإتصال ذلك بالتوازن بين عالم الأنوار والظلمات الذي تنبني على أساسه عقيدتهم. ومازالوا يعتبرون يوم 20 كانون الأول (ديسمبر) الذي يطلقون عليه إحتفال (البنجل) وهو يوم زيادة النهار على الليل وزيادة عالم النور أو (هيبل زيوا) في عقيدتهم.

وبصدد أسماء الشهور، فأن جلها ورد من التسميات القديمة فمثلا نجد في الأشهر القمرية أسم عاشور وهو أول شهور العرب وهو نفسه وارد من الديانات القديمة في العراق التي مجدت ألهتهم (أشور) الذي أتى بتسمية الاشوريين، وكان قد أقتبسه الفرس كذلك وأسموه (أهورا) مقترنا بالآلهة الفارسي القديم. وفي سياق إقتباس الكلمات من الفارسية نجد كلمة (مهرجان) التي تعني عيد الملك وهو الذي يحتفل به في الخريف.

وبسبب جهل المؤرخين المسلمين بالآرامية واللغات الشرقية المنقرضة عموما فكان سهلا عليهم أن ينسبوا الكلمات لأصول فارسية أو رومية أو يقربوها إلى معان في العربية كونها من (السامي المشترك) مثل كلمة (كانون) التي مازالت تستعمل بدلالات لغوية تعني موقد النار بما يعني الشتاء الذي تحل به المواقد. وذكر البيروني بعض التسميات وظن بأنها مجوسية ويعني بابلية لاختلاط الحال عنده بين المانوية البابلية والزرادشتية الفارسية.

ونجد ما قاله صاحب اللسان مبتدءا بشهر (آب-أغسطس): (وآب من الشهور أعجمي معرب) وتمادى في ذلك بخصوص شهري كانون (والكونان شهران في قلب الشتاء، رومية). ووهم مثله صاحب (القاموس) بقوله: (وحزيران اسم شهر بالرومية وكذلك نيسان وتشرين وآذار). وزاد "الشرتوني" (ج2:ص 1108 ) شرحا بقوله (والكونان شهران في قلب الشتاء، و قيل هو عربي مأخوذ من معنى الثقل لشدة برده وصعوبة المتسبب والحركة فيه وقيل دخيل). وقال "البيروني" في (الآثار الباقية ص 59 و 318) (المجوس وقد يسمون الشهور بالأسماء السريانية، أما النصارى بالشام والعراق وخراسان فقد مزجوا بين شهور الروم وشهور اليهود، وسموها بأسماء سريانية وافقوا في بعضها اليهود وباينوهم في بعضها). وقال "ابن العبري" في كتابة الفلكي السرياني الموسوم بـ(الصعود العقلي مج 2 ص 190): (فمن الأمم التي عدت بعض شهورها ثلاثين يوما ومنها أكثر من ثلاثين وبعضها أقل منه كالرومان واليونان والرهاويين (أهل حران أو أورفة) والسريان، واما الرهاويين لما اقتبسوا أسماء الشهور من العبرانيين لم يوافقوهم في تقسيم كمية أيامها لكنهم وافقوا في ذلك اليونان والرومان. وفي قول هذا العلامة فأن مجموعة من أسماء شهور العبرانيين لا توافق أسماء شهور السريانيين وهي: مرحشوان، وكسيلو، وطيبث، وسيون والثلاثة الأولى توافق تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير). ومن الجدير ذكره أن لليهود بعض التسميات المشتركة مع السريان ولكن الملفت أنها تعني أشهر أخرى فمثلا أيار لديهم يعني شباط السرياني وحزيران يدعوه آذار أول ثم ثاني وأب يحل محل آيار ..الخ.

وأورد الأب دورم في كتابه (البلاد الواردة في الكتاب المقدس ص 42 )، ان طيبثTebet وسيون Siwan اسمان بابليان، وليس عبريان، ويؤكد اقتباس اليهود للكثير من المفاهيم ومنها أسفارهم من أساطير بابل. وذكر أيضا في كتابه أنف الذكر وكتابه المسمى بـ(الديانة الآثورية البابلية) أن أسماء شهور آذار ونيسان وأيار وتموز وآب وأيلول ( ويسمونه أولولوUlulu) وتشرين ويذكرونه مرخماً (تشري) كما هو عند العبرانيين والسريانيين أيضا Tesrit وهي بابلية الأصل، ومن البابلية أخذها العبرانيون والسريان فقال العبرانيون، نيس، واواب (مثل السريان) وتمز، وايلل، وسفط. أما حزيران، وكانون الأول، وكانون الثاني فأسماء سريانية ووردت كذلك Hziron, Kanoun, Kadhmoio, Konoun, Traino) ) .

ويمكن أن تكون بعض تلك التسميات من أصول سومرية وهي أولى الحضارات المثقفة في جنوب العراق مثل كلمة (دموزي) أو (تموز) الموحي بشغفهم بزوج آلهتهم القديمة (أنانا) التي أصبحت لدى البابليين عشتار. و( دموزي) تعني في لغتهم (الأبن الشرعي) وتم انتقالها مثلما نقل الكثير من مظاهر الثقافة والحضارة إلى الاكديين أول الشعوب السامية (العربية البائدة) التي خرجت من الجزيرة، وانتقلت دواليك إلى من ورثها من الأقوام الآمورية والكنعانية والكلدانية والآرامية واقتبسها العبرانيون فأصبحت إحدى شهورهم ونقلها الفينيقيون إلى اليونان فحرفت وأصبحت (أدونيس) لتضطلع بنفس المعنى الروحي. وقد أكد ذلك عالم التأريخ (جيمس فريزر) في كتابه (الفص الذهبي) والذي ترجمه المرحوم جبرا إبراهيم جبرا. ومن الطريف نذكر هنا، أن العراقيين القدماء ولاسيما البابليين كانوا يحزنون في أيلول الذي يشعرهم ببواكير الخريف ونضوب الخصب والخضرة، وقد جعلوه موسما للبكاء والعويل على (دموزي) بعد أن زال خصبه ،وما كلمة أولولوUlulu التي ورد منها (ايلول) إلا تعني الولولة أو النحيب في العربية ونلاحظ أنها قريبة لشقيقتها. 

وبالرغم من ذلك الثراء في ميراث ثقافة المنطقة العربية من مصادرها العراقية والشامية والمصرية فقد أختلف العرب في تتبع أي منها، و تفرقوا الى خمسة مجاميع مميزة تتبع كل منها تقويم معين، وهي:

المغرب وقد استعمل أسماء الأشهر الرومانية بالصيغة التي استعملها العرب في الأندلس بسبب تماسهم واختلاطهم مع النصارى والتي نقلت إلى المغرب مع حركة التواصل بين الصوبين، لتستقر إلى يومنا هذا. وتلفظ الأسماء عربيا مثل غشث (أغسطس) وشتمبر ..الخ. ومن الطريف في ذلك وجود مناسبة شعبية في المغرب العربي يطلق عليها(الناير) وتمارس فيها طقوس الفرح وتبادل الهدايا والزيارات على نطاق واسع وهي مأخوذة من أسم (يناير) أو رأس السنة الميلادية الروماني. 

موريتانيا والجزائر وتونس وهي تستعمل الأشهر الموروثة من التسميات الفرنسية لكنهم كتبوها بأحرف عربية مثل أوت (أغسطس-آب) وجويية (يوليو-تموز) وجانفي(يناير-كانون2)..الخ.

ليبيا وقد ارتأت القيادة السياسية في خضم النزعة الإستقلالية والإنعتاق من هيمنة الغرب أن تقترح أسماء خاصة بها مستمدة من الأحداث السياسية أو المناخية أو حتى من الأعراف العربية البدوية منها مثل أشهر الطير والحرث أو سياسية مثل ناصر (يولية) والفاتح (سبتمبر)..الخ.

مصر والسودان والجزيرة العربية، وبضمنها اليمن والخليج العربي الذي تبع للتأثيرات الثقافية المصرية وعائدا التكوين الأول لإدارات تلك البلدان، والتي اعتمدت على الخبرة المصرية التي أستعملت تلك التسميات منذ "فرنجة" الحياة في مصر في القرن التاسع عشر على يد محمد علي باشا وورثته. والأشهر هنا أسمائها رومانية بحتة حرفت للتسهيل، مثل يونية ويوليو وأغسطس ..الخ. ومن الجدير بالذكر هنا أن جل تلك التسميات تخلو من المنطق السديد، فهي أما هجين من الاقتباسات الرومانية أو استرسال رقمي قديم حينما كان العام يبدأ في الشهر الثالث الحالي. فنجد (يناير) يعني شهر الشباب أو التجديد و(فبراير) يعني شهر التدفئة و (مارس) ورد من بقايا الوثنية ويعني المريخ. أما (أبريل) وهو مقتبس ومقلوب من لغات الثقافات السامية (العربية البائدة) بصيغة (أربع أيل) أو (اربيل) التي تعني الآلهة الأربع، لما للرقم 4 من حظوة و(ايل) يعني (الله) العربية. ومن ناحية الترقيم فهو الأصح من حيث وروده الرابع. ونجد الخلل الرقمي مثلا في سبتمبر الذي يعني السابع وموقعه التاسع و أكتوبر ويعني الثامن وموقعه العاشر وديسمبر ويعني العاشر وموقعه الثاني عشر. 

العراق وبلاد الشام الذي استمدت التسميات من جذور بابلية-أرامية " سريانية" أختارها الرعيل الأول من الإداريين والساسة الذي خلفوا الحقبة العثمانية. والأسماء هي آذار، ونيسان، وحزيران، وتموز..الخ. 

وفي خضم هذه الخلاف الثقافي، ثمة حاجة لحل وسط بين الإدارات العربية، بغرض إيجاد صيغة تفاهم وسط بما يوفره من جهد ومساحة طباعية أو يرفع التلعثم الذي يقع به عاثري الحظ من المذيعين، والأهم في كل ذلك أن يوحد تلك الثقافة المسكينة التي من فرقة السياسة ومناخات المصالح.

 

تعقيب من لجنه تحرير الموقع: 

 

ننشر دراسة الدكتور على ثويني عن الجذر الرافديني لأسماء الأشهر، ونود التنويه إلى بعض الأمور التي وردت في الدراسة:

1- ليس الأمر ببساطة تغيير أسماء الأشهر من قبل الأباطرة الرومان طمعاً في تخليد الأسم أو الزهو بحضارة الرومان، فيوليوس قيصر هو الذي أدخل التقويم المعروف باسمه، التقويم اليولياني، وهو تقويم شمسي يحسب حساب السنة الكبيسة، وكان له في ذلك دوراً هاماً في ضبط التقويم لأكثر من 1600 عام، قبل أن يجري تعديله في 1582 على يد البابا جريجوري الثالث عشر، ليبدأ استعمال التقويم الجريجورياني (الحالي) الذي أدخل حساباً أكثر دقة (حساب القرون الكبيسة).

2- تعني كلمة التقويم الحساب والتقدير من القيمة، على الأرجح، كذلك يرتبط فعل القيام بانتصاف النهار، إذ يقال ”قام قائمُ الظهيرة أَي قـيام الشمس وقت الزوال“ (انظر: لسان العرب مادة قام).

3- جاء في لسان العرب في باب أرخ ” الأَرْخُ و الإِرْخُ و الأُرْخِيُّ البقر“ ونعرف ارتباط البقر بالقمر وبالتالي بدورة الشهور، ويرخا أو يرخو تكتب في الأصل بالحاء في الآرامية والعبرية (الكنعانية) وتلفظ بالخاء، لذا من المستحسن كتابتها يرحو أو يرحا. وقد قلبت الحروف في الآرامية المندائية لتكون يهرا. ولم يوضح الكاتب علاقة يرخو السامية القديمة بكلمة التاريخ العربية من الناحية الأتيمولوجية، ولم يستند إلا على التشابه في الصوت.

4- شارو المذكورة هي سهرا بالتلمودية وشهرونيم بالعبرية وشهر بالعربية وفي التلمود اليروشالمي (المقدسي) زهرا، وبالمندائية سيرا، ووصلت الكلمة بعيداً حتى أثيوبيا وسبأ، فهي إذن كلمة سامية مشتركة ولا يوجد سبب لإبراز الآرامية.

5- نيسان هو نيسانو بالأكدية ونيسان بالعبرية والتلمودية والسريانية والعربية والمندائية، ولا ندرك مدى علاقة نيسان بالنيشان، كما ذكر في الدراسة.

أخيراً نذكر أن الصابئة لا يستعملون التقويم البابلي المعقد الذي بني على أساس دورة ميتون (إضافة شهر كبيس ثالث عشر سبع مرات كل 19 سنة، ومن هنا جاءت تسمية بعض الأشهر بالأول والثاني، مثل كانون الأول وكانون الثاني)، بل يستعملون تقويماً شمسياً بسيطاً، هو أقرب إلى التقويم الفرعوني المصري القديم، وتتكون السنة المندائية من 12 شهراً بثلاثين يوماً، مع خمسة أيام كبيسة هي البنجة، ليكون عدد أيام السنة 365 يوماً، بفارق ست ساعات تقريباً عن السنة الشمسية الفلكية. وبهذا الصدد سنعيد نشر دراسة الكاتب ثائر صالح المعنونة ”رحلة التقاويم عبر التاريخ“ والمنشورة في صحيفة الحياة سنة 1996، أملاً في زيادة الفائدة.

نشرت في وجهة نظر

صدر للكاتب العراقي محمد الجزائري عن المعهد الملكي للدراسات الدينية الأردني (2000) كتاب «المندائيون الصابئة» (309 صفحات من الحجم الكبير)، وقد اثار انتباهي في البداية ان الجزائري بعيد عن البحث والكتابة في الأديان، وان وضع جداول بمفردات ومصطلحات مندائية تحتاج الى معرفة هذه اللغة التي يجهلها المندائيون إلا قلة قليلة لا تتعدى عدد اصابع اليد، فهل بالفعل يجيدها الجزائري لكي يرسم حروفها ويفسر معانيها؟ وظهر انه قد اخذها نصا من كتاب غضبان الرومي «الصابئة» (صفحة: 123-125) برسومها ومعانيها دون الاشارة للمصدر او اسم الكاتب في الأقل. يضاف الى ذلك تشابه عنوان الكتاب مع عنوان كتاب المستشرقة الليدي دراوور «الصابئة المندائيون» فما بين العنوانين تبديل بمحل الكلمات، لكن هذا قد لا يعني شيئا، ولا يعد انتحالا فالعبرة بسلامة النصوص. فسليم برنجي، وهو أحد أبناء الطائفة بايران، نشر كتابه بعنوان «الصابئة المندائيون» لكنه تبعه بجملة معرفة «دراسة في تاريخ ومعتقدات القوم المنسيين»

  انتحال رودولف 

سلك الجزائري في تأليف كتابه طريقة غريبة على أُصول البحث والدراسة، فقد اكتفى بذكر المؤلف والكتاب، في قائمة المصادر دون ذكر اسم دار النشر ومكانها وتاريخ نشر الكتاب أو رقم الطبعة، مع اهماله، في ثبت المصادر، لمصدر رئيسي في الكتاب هو «النشوء والخلق في النصوص المندائية». وهو يذكر عبارة: يقول فلان، او بحسب فلان، ويستمر ناقلا كلامه دون تحديد أو تنصيص، ليأخذ فصولا، حرفيا او بتقديم وتأخير في العبارات وتحوير بسيط في بداية الفقرات. والمقال لا يتسع لاطلاع القارئ على كل ما انتحل في هذا الكتاب، لذا اكتفينا بذكر نماذج من الانتحال الحرفي.

  نأتي أولاً بنماذج مما انتحله الجزائري حرفيا من المستشرق الألماني كورت رودولف في «النشوء والخلق في النصوص المندائية»، ترجمة صبيح مدلول السهيري، والصادر عن جامعة بغداد 1994، فالانتحال من هذا الكتاب كان غزيرا. وتجدر الاشارة الى ان الجزائري رغم اخذه الفصل الخاص بخلق العالم، والذي استغرق الصفحات (139-177) من نصوص رودولف، ذكره مرة في المقدمة كاشارة إلى ما كتب في الصابئة واخرى في (الصفحة 160)، بعبارة مختصرة تخص فكرة قدم الظلام، وما عدا هذا ليس هناك ذكر او اشارة الى اقتباس من كتاب المستشرق المذكور:

 

 (رودولف، النشوء والخلق في النصوص المندائية، صفحة 16):

«يحتوي الأدب المندائي على أوصاف متعددة عن تكوين عالم النور، ويعرض الكتاب المقدس (الكنزا ربا) فقرات متنوعة عن هذا الموضوع، وبلغة رمزية تتسم بالغموض ولها تفسيرات عدة. أي هناك عبارات تبدو متناقضة او غير معقولة في ظاهرها الا ان استقراءها وعمق التأمل فيها يؤكد على مصداقيتها وتناغمها، بحيث يمكن اعتمادها كحقيقة. ومع تنوع الفقرات وبعض الاختلافات البسيطة بينها يمكننا القول بأنها تشمل على الفكرة الأساسية لعقيدة النشوء والخلق المندائية، ويضم (كنـزا ربا الأيمن: الجزء 3 ص 65 وما بعده) ثلاثة نصوص، تتضمن صيغ النشوء والخلق والتكوين والانبعاث».

 

(محمد الجزائري، المندائيون الصابئة، صفحة 156-157):

«يحتوي الأدب المندائي على أوصاف متعددة عن تكوين (عالم النور)، ويعرض الكتاب المقدس (كنـزا ربا) فقرات متنوعة عن هذا العالم، وبصيغ رمزية تتسم بالغموض وتقبل تفسيرات عدة، وهي تشمل الفكرة الأساسي لعقيدة الخلق والنشوء والانبعاث، إذ يقدم المعنى العام فكرة انه من الثمرة الأولى تكونت الكائنات النورانية: (ملائكة النور) وموطنها مصدر عالم النور وتكوينه، وتكون الماء العظيم والوطن والأشياء، ويضم (كنزا ربا الأيمن: الجزء 3 ص 65 وما بعده) ثلاثة نصوص». ولا ندري ما معنى إقحام مفردة الوطن في خلق الكون؟ وفضل الجزائري في هذا النص حصر عبارة عالم النور بين قوسين، واستبدال كلمة الموضوع بكلمة العالم، وكلمة بلغة بصيغ، ولها تفسيرات اصبحت تقبل تفسيرات، مع تقديم وتأخير في العبارات.

  

(رودولف، 20):

النص الثالث: «بعد ان نظر مندادهي الى عالم الظلام، وتأمل فيه، سأل (الحياة) عن اصل (العالم الشرير) وقاطنيه، وبدلا من ان يحصل على الجواب جاء الرد على شكل علم او تعاليم»: (كنـزا ربا 73).

 

الجزائري، 158):

في النص الثالث: «بعد ان نظر «مندادهي» الى عالم الظلام، وتأمل فيه، سأل «الحياة» عن أصل (العالم الشرير) وقاطنيه، وبدلاً من أن يحصل على الجواب جاء الرد على شكل علم أو تعاليم»: (كنـزا ربا 73).

 

(رودولف، 21):

الجديد في النص ورود «مصطلح الإشعاع الحي أو الحرارة الحية أو الإشعاع الوهاج»، (النور)، وانبعاث «الثمرة العظمى» بقوة «ملك النور»، وفيما يأتي نص يتضح فيه ان «ملك النور» (الرب أو الخالق العظيم او الحي العظيم)، «خلق الثمرة العظمى»، (قلستا: 141).

 

(الجزائري، 158):

الجديد في النص ورود مصطلح «الاشعاع الحي» او الحرارة الحية او «الاشعاع الوهاج»، النور، وانبعاث الثمرة العظمى بقوة ملك النور. ثم يأتي النص بالكامل كما عند رودولف.

اخذ الجزائري كل ما يتعلق في خلق الكون والعالم الأرضي نصوصاً حرفية من رودولف، ومن نموذج ذلك:

 

(رودولف، 74):

«ترتبط عملية خلق المشاركين في التكوين مع عملية خلق العالم الأرضي ارتباطاً مباشرا، ولكن لأسباب عملية ولتوضيح الفكرة بصورة ادق قبل خلق العالم الأرضي. نصوص عديدة في (كنزا ربا) تتحدث عن خلق العالم الأرض، كما هو الحال بالنسبة للتعاليم حول الكائنات النورانية الأولى».

 

(الجزائري، 162):

«ترتبط عملية خلق المشاركين في التكوين مع عملية خلق العالم الأرضي ارتباطاً مباشراً، ولكن لأسباب عملية، ولتوضيح الفكرة، بصورة أدق، قبل خلق العالم الأرضي... نصوص عديدة في (كنـزا ربا) تتحدث عن خلق العالم الأرضي، كما هو الحال بالنسبة للتعاليم حول الكائنات النورانية الأولى». وفي خلق الانسان عند الصابئة نأتي بالنموذج التالي: (رودولف، 141):

«تكوين جسم آدم: بثاهيل وملائكة الكواكب كونوا جسم آدم، بغرا، بإيعاز من أبيه «أباثر»، وبقدرة الخالق (الحي العظيم) وارادته. «بثاهيل» يسمى آدم «ابناً له»، ويعطيه لقب «ملك هذا العالم»، ملكاً وهو مثيله مثيل أباثر».

 

(الجزائري، 165):

«خلق الإنسان: «بثاهيل» وملائكة الكواكب كونوا جسم آدم، (تغرا) (هكذا وردت)، بإيعاز من أبيه (أباثر)، وبقدرة الخالق (الحي العظيم) وارادته، ويسمى (بثاهيل) (لاحظ التقديم والتأخير بين الكلمات) آدم «ابناً له» ويعطيه لقب ملك هذا العالم وهو نظيره ونظير أباثر«(لاحظ استخدام المرادفات فنظيره اصبحت مثيله ونظير أصبحت ومثيل أباثر).

واخيراً سنأتي على ما انتحله الجزائري من خاتمة كتاب «النشوء والخلق في النصوص المندائية»، مع أن رودولف ختم ملخصا موضوعاته ليسهل على قارئ الكتاب فهم محتوياته، وبهذا لا تصلح أن تكون مادة أساسية في الكتاب.

 

(رودولف، 201):

«ذكر عالم النور بتحليل مطول في نصوص عديدة، واتضح من خلال ذلك أن لاهوتية مانا، و«لا هوتية الحياة» يوازي أحدهما الآخر، وهما قديما، لم يكونا وحدة متكاملة. فنصوص (كنـزا ربا الأيسر)، التي تنطوي على معلومات قديمة العهد ومؤرخة بصورة جيدة إذ تعتبر «الحي العظيم» (الخالق العظيم) بمثابة الكائن السامي فقط، ومرسله هو «مندادهي»بدلاً من «مانا» ذي الطبيعة الخاصة أو (الذاتية) كرمز «نشمثا»، وقديماً يرمز مفهوم الــ«مانا» الى الانقسام الذاتي للحياة، ثم بدأ يتجسم واصبح قسماً منه مكان الحياة. وظهور الـ«مانا» بدلاً من «نشمثا» او (نسمة الحياة) أو النسمة يعود الى التصورات حول خلود نشمثا».

 

(الجزائري، 166):

«ان «لاهوتية مانا»، و«لا هوتية الحياة» يوازي أحدهما الآخر، وهما، قديماً، لم يكونا «وحدة متكاملة»، فنصوص «الكنـزا..» (الأيسر) تنطوي على معلومات قديمة العهد ومؤرخة بصورة جيدة، تعتبر «الحي العظيم» او (الخالق العظيم) بمثابة (الكائن السامي) فقط، ومرسله هو «مندادهي» بدلاً من مانا ذي الطبيعة الخاصة (الذاتية) كرمز «نشمثا»، حيث يرمز مفهوم الـ«مانا» قديماً الى الانقسام الذاتي للحياة، ثم يبدأ يتجسم ليصبح قسم منه مكان الحياة، (يضيف الجزائري سطراً عاماً عن قصة الخليقة البابلية، دون ان يذكر مصدره أيضاً، ويستمر بالانتحال) وظهور «مانا» بدلاً من نشمثا بحسب «الكنـزا» الأيسر، أي ظهور «نسمة الحياة أو النسمة» يعود إلى التصوات (هكذا وردت) حول «خلود (نشمثا)».

 

 

(رودولف، 204-205):

«اهتمت نصوص عديدة في (كنـزا ربا) بعملية تكوين الانسان، اذ اننا نجد فيها التفريق بقوة بين تكوين الجسم (بغرا) أو الجسد «سطونا» لآدم، أي أن تكوين جسم، آدم «آدم ـ بغرا» حصل من قبل المشاركين في عملية التكوين وملائكة الكواكب بأمر من الخالق العظيم، حيث نجد فيه ملامح من العالم الأكبر (عالم النور). و«هبوط نشمثا» في الجسد من قبل أحد الكائنات النورانية، ولا توجد نصوص موحدة عن ذلك، أي منْ هو الكائن النوراني، ومع ذلك نذكر أسماء الرسل الذين يتعلق الأمر بهم، وهم «مندادهي» أحد الأثري المجهولين، عدد من الأثري «الحياة» نفسها «هيبل ـ زيوا»، «جبرائيل»، «ادكاس زيوا». لا يمكن الحصول على معلومات من النصوص حول تأثير المعرفية في عملية تكوين الانسان، التي تلعب دوراً في هذه الموروثات، إلا انه يبدو «نشمثا» قديماً قد جلبت من قبل «مندادهي» او أحد الرسل المجهولين».

 

يأخذ الجزائري هذا النص ويوهمنا باقتباس بعضه من كتاب «الصابئة» لغضبان الرومي، والنص ورد عند الجزائري مطابقاً لنص رودولف تماماً، فغضبان الرومي قد توفي قبل نشر كتاب رودولف بخمس سنوات، وهو عند الجزائري (الصفحة171-173) كالآتي:

 

«نصوص عديدة في (كنـزا ربا) اهتمت (لاحظ التقديم والتأخير بين الكلمات) بعملية تكوين (أعلاه وردت خلق) الانسان، نجد فيها التفريق بوضوح (أعلاه بقوة) بين (تكوين الجسم) (يغرا)، (يورد الجزائري مرة تغرا وأخرى يغرا ومعنى هذا انه لا يعرف ما تعنيه البغرا )، أو الجسد «شطونا» (اعلاه سطونا) لآدم، أي أن تكوين (جسم، آدم: آدم ـ يغرا) حصل من قبل المشاركين في (عملية التكوين) وملائكة الكواكب، بأمر من الخالق العظيم، حيث نجد فيه ملامح من العالم الأكبر (عالم النور). وحلول «أو: هبوط نشمثا» في الجسد بواسطة (أعلاه من قبل) أحد الكائنات النورانية، ولا توجد نصوص موحدة عن ذلك، أي منْ هو هذا (الكائن النوراني)؟ ومع ذلك نذكر أسماء (الرسل) الذين يتعلق الأمر بهم، وهم: «مندادهي» أحد الأثري المجهولين، وعدد من «الأثري»، «الحياة» نفسها، «هيبل ـ زيوا»، «جبرائيل»، «ادكاس زيوا». يقول غضبان الرومي (والكلام للجزائري): «لا يمكن الحصول على معلومات من النصوص حول تأثير المعرفة في عملية تكوين الإنسان التي تلعب دوراً في هذه الموروثات». إلا أنه يبدو، كما يعتقد، أن «نشمثا» ـ قديماً ـ قد جلبت من قبل «مندادهي» او أحد الرسل المجهولين».

  

انتحال دراوور 

بعد كشف ما انتحل الجزائري من كورت رودولف نأتي إلى ما انتحله نصاً، بدون الاشارة الى صفحة او اسم كتاب في نهاية النصوص، من كتاب «الصابئة المندائيون» (بغداد 1987) لليدي دراوور ومترجمي الكتاب المندائيين: نعيم بدوي وغضبان الرومي، وحتى نكون على بينة أن الجزائري ذكر اقتباسات لدراوور هنا وهناك بلغت في كل الكتاب 13 هامشاً، واحدا منها باللغة الإنجليزية، والتي أطلق عليها اسم إحالات.

 

 (دراوور، الصابئة المندائيون، صفحة 7 ـ 8):

«حول ضفتي الرافدين وبخاصة في المناطق السفلى من النهرين في ما يسمونه البطائح منها، حيث يصب النهران العظيمان مياههما في الأهوار، وحيث يلتقيان في مدينة القرنة، قبل أن يفرغا مياههما في الخليج العربي وفي بطائح عربستان من بلاد إيران حول نهر كارون، الذي يصب هو أيضاً مياهه في الخليج ذاته».

  

(محمد الجزائري، المندائيون الصابئة، صفحة 19):

«إذاً، حول ضفتي الرافدين، وبخاصة في المناطق السفلى من النهرين، فيما يسمى (البطائح) منهما، حيث يصب النهران العظيمان مياههما في الأهوار، وحيث يلتقيان في مدينة «القورنة» قبل ان يفرغا مياههما في الخليج العربي، وفي (البطائح) عربستان من بلاد إيران ـ حول نهر كارون، الذي تصب مياهه في الخليج ذاته».

 

 (دراوور، الصفحة 17):

«ان هناك فرقاً في الدين كبيراً بين صابئة حران وبين الصابئة الأصليين، او ما يسميهم ابن النديم صابئة البطائح او المغتسلة، وقد فطن بعض فقهاء المسلمين لهذا الفرق، فذكر ابن القفطي في كتابه «تاريخ الحكماء» ص311، ان أبا حنيفة وصاحبيه أبا يوسف ومحمداً قد اختلفوا في نكاح الصابئة وأكل ذبائحهم، فحرمها أبو حنيفة وحللها صاحباه، فقال أصحابهم انه ليس بخلاف على الحقيقة، إنما هو اختلاف في الفتوى، لأن أبا حنيفة سئل عن الصابئة الحرانيين، وهم معرفون بعبادة الكواكب، فأجراهم مجرى عبدة الأوثان على تحريم المناكحة والذباحة، وصاحباه سئلا عن الصابئيين الساكنين في البطحة، وهم فرقة من النصارى يؤمنون بالمسيح عليه السلام فأجابا بجواز أكل ذبائحهم ومناكحتهم».

 

 الجزائري ( في صفحة 23):

«التبست على أبي حنيفة حقيقة الصابئة، فأختلف هو مع صاحبيه أبي يوسف ومحمد» (ويؤخذ كلام القفطي نصاً من كتاب دراوور) ثم يأتي إلى العبارة: «ان ثمة فرقاً كبيراً في الدين بين صابئة حران وبين الصابئين الأصليين، او ما يسميهم ابن النديم صابئة البطائح او المغتسلة، وقد فطن فقهاء المسلمين لهذا الفرق، وزالوا اللبس «(الجزائري، 23). والحقيقة اللبس في أمر الصابئة لم يزل، والجزائري لا يذكر لنا كيف أزال الفقهاء هذا اللبس؟».

 هذه نماذج من انتحال محمد الجزائري لنصوص من كتاب «الصابئة المندائيون» لليدي دراوور، المستشرقة البريطانية التي اتقنت لغة المندائيين، وقامت بترجمة أغلب كتبهم المقدسة، ووضعت قاموساً للغتهم، بعد ان استغرق اهتمامها بهم منذ 1923 حتى عجزها عن البحث والدراسة في بداية الستينات، ثم توفيت بلندن 1972 عن اثنين وتسعين عاماً.

 حاول محمد الجزائري في «المندائيون الصابئة» تمويه الانتحال، بخلط النصوص بعضها ببعض والتقديم والتأخير، والاقتباسات الوهمية، ثم استولى على الصور التي وثقت بها دراوور كتابها، دون الاشارة اليها لا من قريب ولا من بعيد، وهي التي التقطتها خلال سنوات طويلة عاشتها بين الصابئة.

 

نشرت في وجهة نظر

كنت في صدد كتابة موضوع عن الصابئة المندائيين في العراق قبل فترة وجيزة؛ وشعرت بالحيرة في تناول المادة ومفتاحها وأهدافها الرئيسية العامة. لي صديق عزيز هو الأستاذ حسام جبر، وهو أكاديمي مختص في مجال هندسة السدود ومشاريع تنقية المياه وجعلها صالحة للاستخدام البشري. وهو عراقي أصيل من الطائفة المندائية. وعلى فنجان قهوة مع أصدقاء آخرين طلبت منه بعض الكتب والمراجع التاريخية عن طائفة الصابئة المندائية في العراقي وعنده الكثير. جميع الأصدقاء الذين عرفتهم سابقا من أبناء هذه الطائفة كانوا من الوطنيين العراقيين الشرفاء. وكنا زملاء في العمل الطلابي في الجامعة ورفاق في أعتق حزب وطني في العراق، الحزب الشيوعي العراقي. وبعضهم نال الشهادة والخلود وهو يدافع عن بلده وعن أرضه وعن عزة وكرامة وحرية المواطن العراقي وحقوقه بالعيش الكريم. 

الحافز الذي كان يدفعني للكتابة في هذا الموضوع ظل غامضاً على نحو ما. ربما هو شعور بالوفاء لأصدقاء قدامى أكلنا الزاد معنا في بيتنا أو في بيوتهم. أو حنين إلى رفقة قديمة وصداقة حلوة عزيزة لم يعد بالإمكان استرجاعها الآن إلا عبر الأوراق والوجدان. فوضعت بعض الأسئلة التي رأيت أن أبدأ كتابة مادتي ضمن أطرها ومحورها. وحاولت أصباغ المادة ببعد تاريخي وشيء من الأسى الذي تعانيه الطوائف الدينية الصغيرة وسط بحر مختلف ومتلاطم لدين لا زال يتمخض عن إرهاصات عنيفة بلغت درجة من الدموية وحالات كثيرة متناقضة من الاجتهادات بين المذاهب كالدين الإسلامي في العراق. ولخصت المادة برؤوس الأقلام التالية: 

• كيف يعيش بعض الناس في العراق منذ قرون من دون "قرآن"؟ 

• كيف يتسنى لأفراد في المجتمع العراقي التعايش مع أفراد آخرين لا يعرفون الله كما يعرفونه هم؟ 

• ما هو الشعور الجمعي لأفراد طائفة دينية عريقة وجدت قبل الإسلام وقبل السيد المسيح تكتفي بزادها الروحي من وحي فلسفتها وتعاليمها الدينية الخاصة، الغامضة، وسط أكثرية واضحة تدين بدين النبي محمد؟ 

•  ما هي القيم الدينية الروحية لهذه الطائفة العريقة التي تنبئ بالقوة من غير تشدد، وتجعل أبناءها ينخرطون بشكل تام في المجتمع ويشاركون بحيوية في جميع مرافق الدولة والمجتمع وهم يحافظون بذات الوقت على تلك الخصوصية الروحية الفذة من دون الشعور بالتعالي الأجوف، أو الانمحاق الرخيص؟ 

تلك بعض الأسئلة، وغيرها الكثير كان يخطر على بالي وأنا أفكر بكتابة مقال بسيط عن الأصدقاء والرفاق والزملاء والمواطنين العراقيين الأصليين الذين نطلق عليهم نحن العراقيين تسمية "الصُبْة". وكان قاموس "المنجد في اللغة" أول ما رجعت إليه لغرض تحديد مصدر الاسم: الصابئة. جاء في كتاب المنجد ما يلي: 

(صبأ ـ 1 ، صَبَأ ، صَبُؤَ ـ صَبْأ وصَبُبؤاً: خرج من دين إلى آخر/ تدين بدين الصابئين، فهو صابئي ج صابئون وصابئة). 

ليس في هذا المصدر اللغوي ما يُشفي الغليل. لذا رجعتُ إلى "كتاب الملل والنحل" للإمام محمد بن عبد الكريم المشهور بـ  الشهرستاني 479 ـ 548 هـ . وأود التنويه مقدما بما سيرد من الاقتباسات هي في المحصلة آراء الأمام المسلم الشهرستاني. وهي، بغض النظر عن عدم حيادها الكامل وتحليلها المبني على أساس ديني يتخذ من الإسلام دينا متكاملا في الجوهر، تظل في الحساب التاريخي أنفع وأجدى مما نسمعه اليوم ونشاهده من تعصب أعمى لا يقبل بالآخر ويؤمن بتصفيته جسديا على أساس عقيدة دينية لا تقول بمثل هذه الأحكام التعسفية البغيضة. 

 جاء في كتاب الملل والنحل القسم الثاني تحت عنوان: أهل الأهواء والنحل من الصابئة؛ والفلاسفة؛ وآراء العرب في الجاهلية؛ وآراء الهند. وهؤلاء يقابلون "أرباب الديانات" تقابل التضاد؛ كما ذكرنا. واعتمادهم على: الفطرة السليمة؛ والعقل الكامل؛ والذهن الصافي. 

ملاحظة: نقل النص يتم بجميع حركاته كما ورد في النص.

 

   وفي الفقرة ب تحت عنوان: والتقسيم الضابط أن نقول: 

من الناس من لا يقول بمحسوس ولا معقول؛ وهم:السوفسطائية. 

ومنهم من يقول بالمحسوس، ولا يقول بالمعقول؛ وهم الطبيعية. 

ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول، ولا يقول بحدود وأحكام؛ وهم:الفلاسفة الدهرية. 

ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول والحدود والأحكام، ولا يقول بالشريعة والإسلام؛ وهم الصابئة. 

ومنهم من يقول بهذه كلها وبشريعة ما وإسلام، ولا يقول بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وهم المجوس، واليهود، والنصارى. 

ومنهم من يقول بهذه كلها؛ وهم: المسلمون. ص 4 ـ القسم الثاني ـ من الطبعة الثانية. من تخريج محمد بن فتح الله بدران ـ أستاذ بكلية أصول الدين بالأزهر الشريف. الناشر مكتبة الأنجلو المصرية 16 من شوال سنة 1375 هـ. 26 مايو سنة 1956 م

 

 سوف لا نتطرق إلى النصوص التي تبين عمق المناقشات الفكرية والفلسفية بين هذه الأقطاب من الملل والنحل المذكورة الواردة في كتاب الأمام الشهرستاني. وهي في مجملها واحة فكرية تقبل بالآخر وتعتمد روح النقاش العلمي بما يتبعه من حجج وأدلة وبراهين بين الروحاني والمادي وكل فريق يتخذ لنفسه الحجج والبراهين والأدلة التي تعزز وجهة نظره مقابل الطرف الآخر. لست بحاجة للقول أنني لا ألتزم أي جانب من هذه الجوانب الفلسفية في هذا السياق التاريخي الخاص بالديانات وعالمنا الشرقي شديد الحساسية. لكن أسجل الإعجاب الكبير بهذا التراث الفكري والفلسفي والمعرفي الذي يعتمد على التحليل والنظر والتمحيص بما يدعيه الرأي الآخر من دون الحاجة إلى محقة وتصفيته ومصادرته كما يجري الآن على يد شرذمة جاهلة بالدين وفقهه، وتتخذ من "الشعائر" والطقوس الدينية بديلا عن الفكر والفقه الذي فقست جميع الأديان والمذاهب الروحية ضمن حاضنته وبوتقته الفلسفية الواسعة. 

 نستطرد قليلا في كتاب الملل والنحل بالرغم من "المَلل" الذي يشعر به القارئ، لكنه استطراد فيه فائدة. جاء في الكتاب تحت عنوان "2 ـ مناظرات بين الصابئة والحنفاء": 

(وقد جرت مناظرات بين "الصابئة" و "الحنفاء"، في المفاضلة بين "الروحاني المحض" وبين "البشرية النبوية". ونحن أردنا أن نوردها على شكل سؤال وجواب. وفيها فوائد لا تُحصى ـ الكلام للشهرستاني ـ : 

قالت الصابئة["الروحانيات" أبدعت إبداعا، لا من شيء: لا من مادة؛ ولا هيولي، وهي كلها جوهر واحد؛ على سْخ واحد ـ والسْخ بكسرٍ فسكون ـ : الأصل ـ ، وجواهرها أنوار محصنة لا ظلام فيها، وهي من شدة ضيائها: لا يدركها الحس؛ ولا ينالها البصر، ومن غاية لطافتها: يحار فيها العقل، ولا يجول فيها الخيال. 

ونوع الإنسان: مركب من "العناصر الأربعة"؛ مؤلف من "مادة" و "صورة" و "العناصر" متضادة ومزدوجة بطباعها: اثنان منها مزدوجان، واثنان منها متضادان. ومن التضاد يصدر الاختلاف والهرج، ومن الازدواج يحصل الفساد والمرج. فما هو مبدع من لا شيء؛ لا يكون كمخترع من شيء. 

و "المادة" و "الهيولي" سْخ الشر، ومنبع الفساد؛ فالمركب منها ومن الصورة: كيف يكون كمحض الصورة؟، والظلام: كيف يساوي النور؟ والمحتاج إلى الازدواج؛ والمضطر في هوة الاختلاف: كيف يرقى إلى درجة المستغنى عنهما؟!]). 

ثم يرد "الحنفاء" ويدلوا بدلوهم، ليرد عليهم علماء الصابئة، وهكذا دواليك.

 

***

 

سوف أعود إلى الحاضر الذي نعيش مأساته وقد تنازلنا عن التاريخ وعن الجغرافيا وعن العلم؛ أو على الأقل هكذا يُراد لنا أن نكون. وهذا عسير، عسير جدا على المثقف والسياسي والشيخ والأمام من أهل العراق أن ينتهي إليه تحت وابل هجمات هي مزيج من خبط عشوائي، وزعيق فارغ يطل من على منابر وجوامع شيدتها الأحزاب القومية العنصرية لتتخمها بالسلاح والقنابل بدلا من الكتب والعبادة والصلاة والتقوى. زعيق غربان يتلفع بزي الدين ووشاحه زورا وبهتانا. دعوات هستيرية همجية تدعو للعنف وهي تتلفع بستار الدين لتخفي عصبيتها القبلية ومصالحها المادية التي لم ترْ من الدعوة المحمدية سوى الاستيلاء على "عرش الفرس والروم". 

 قال الشاعر الهندي الكبير طاغور: "الدين فتنة". لم يكن يقصد دينا بعينه، لكن الأديان برمتها جعلت ساحة البشرية مسرحا لسفك الدماء فضلا عن إثارة النعرات المزمنة من أجل بسط سيادة هذا الدين على ذلك. لماذا يجعل الدين الأخ يكره أخاه؟ فكرة "التوحيد" في الأديان ليست من اكتشاف الدين الإسلامي كما يريد أن يوهمنا الجهلة. ولم يكن معنى ومفهوم الخالق "الله" ببعيد عن تفكير البشرية كما يظن نفر من "الجاهلية" المعاصرة. التوحيد موجود منذ زمن الفرعون المصري الشاعر إخناتون. وأبو الأنبياء العراقي سيدنا إبراهيم الخليل أدرك التوحيد. ولم يكن أسم الجلالة "الله" غائبا في الجاهلية الأولى. إذ كان والد النبي اسمه "عبد الله"، فهو محمد بن عبد الله. فلماذا يبتغي هذا النفر الأخرق بتعميم جاهليته وتعصبه الأعمى بوهم من ثقة كاذبة وكأنه مكتشف الذرة والنيترون وحمض الـ DNN ؟  

  

هكذا، يُتاح للممسوسين والمهووسين من الشباب الضائعين، بفضل زمر من الرجال الأكثر خبرة بالضياع جراء تعاطيهم الحشيشة ليل نهار على مرابع الجبال في أفغانستان الساحرة لتقودهم أوهام السيطرة على طريق الحرير، ومضغ الترياق الإيراني الأصلي الطيب في أروقة الحكم في إيران، للصعود إلى الجنة عبر قتل الناس من مختلف الأجناس تحت راية لا يؤمنون بها ولا يقيمون وزنا لحرمتها هي راية الإسلام. الإسلام براء من هؤلاء الناسوت من الطاغوت المجانين والمهووسين الموسوسين من هذه الملل وتلك النحل. 

 يريدون بث الذعر في نفس مواطن عراقي أسمه عربي الخميسي، وعبره إلى طائفته المسالمة التي عاشت عشرات القرون بحكم فضائلها الفلسفية ورؤيتها الجميلة للحياة والخلق والسلام الروحي الحقيقي للإنسان. هو مواطن عراقي من طائفة الصابئة."مجاهدون" مزعومين يتمتعون بالكومبيوتر، وبكل أشكال وأنواع التكنولوجيا العلمية الحديثة التي يتظاهرون بالنفور منها، وهي التي أتاحت لهم إرسال التهديدات بالقتل لبشر خلقهم الله على شاكلتهم، ويعرفون النور والظلام في وجه بشر لا يرون سوى الظلام. أولئك النافرون عن الدين، عن كل دين، والنافرون عن الأخلاق البشرية كل الأخلاق. أولئك لا ينطقون باسم الكندي وأبن سينا والفارابي وجابر بن حيان الكوفي والنفري ومحي الدين بن عربي وعلي بن أبي طالب وأبي ذر الغفاري وعمر بن الخطاب وأبي حنيفة والمالكي والحنبلي وشيخهم الجليل الأمام جعفر الصادق. هؤلاء أصحاب أبو جهل وأبو لهب ممن يشتغلون دوما على حط قدر الإسلام كدين للحسنى إلى أسفل درك من الجهالة والعبودية بعيدا عن كل فكر وعلم ودراية بالتاريخ.

 

صابئة العراق كنز فلسفي وروحي وفكري عظيم يختزنه هذا البلد وهذه الأرض المعطاء المقدسة: العراق.وهم من أتباع النبي يحيى بن زكريا، وعدّهم القرآن الكريم من أصحاب الكتب المقدسة في إشارة إلى كتابهم الديني المقدس "الزبور"* أسوة باليهود والنصارى من أصحاب الكتاب الذين بشرهم القرآن بأن: (..لا خوف عليهم ولا هم يحزنون). 

  يجب علينا التواضع كثيرا كي نبلغ المحبة التي يدين بها هؤلاء البشر لموطنهم وموطن أجدادهم العراق، بالقرب من المياه المقدسة، مياه دجلة والفرات. يجب أن نتعلم المحبة وشروط الحياة البسيطة التي تعتمد على تخليص الروح من الشوائب وجعلها تماثل النور. يجب علينا فهم كيف بمستطاع الإنسان البسيط المجرد من كل عنصر للقوة والجبروت الفكري أو الديني العيش وسط محيط مخيف لا يؤمن بالآخر إلا من باب الخضوع بحد السيف، أو من باب الشفقة، وليس من باب الاحترام أو الاعتراف الحقيقي الذي يجب أن تكفله القوانين ويضمنه الدستور.  

 

*ملاحظه:

ان الكتاب الديني للصابئه هو (الكنزا ربا) او الكنز الكبير و ليس الزبور كما ورد في مقالة الاستاذ علي عبد العال و لذا اقتضى التنويه و شكراً

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2013 11:04

صمت الصابئه وصراخ الاحبة

كنا قد تطرقنا في مقال سابق الى جذور العلاقة بين الاقليات والوطن وكيفيه انزواء ها داخل قناني مضببه خلف اسوارالطين منذ اول استحقاق قانوني متمثل بالمواطنة حتى الارتماء في حضن الديقراطيه مرورا بما يسمى بالاحزاب الوطنية . 

سيكون مثال طائفة( الصابئه المندائية)كنوذج جاهز للمعاينه والفحص والتشريح . فالصابئه المندائيه تلك الشريحه الهادئه و الحاضرة الغائبه على مر العصور . الغافية على شط العرب واطراف المستنقعات يمتد عمقها الحضاري الى بدء الخليقة واول النشوء فهي تسكن الماء و على حواف الحدود وعيونها على معابد سومرواغاني بغداد 

يصل النسغ المعرفي في جذورها الى بدايات الخلق وظهور اول علامة بشريه على وجه الكون وهو ادم عليه السلام . حيث جرت اول عملية تعميد له ابتهاجا به للخالق تحت نواميس الطبيعة . فتوظأ ادم بحب الرب وتنسك بمبادئ الخير المثبته في نصوصه المدونه و التي ما زال بريقها يشع لحد في مجالس المعبد الديني للصابئة ( المندي). ويستنيرون بها 

تعتبرالطائفه في التقسيمات الدينية اخر فرقة غنوصيه موجوده على الطبيعة , يمتزج في طلاسمهاوطقوسها تراث عجيب قسم منه سومري والاخرشرقي ممزوج بفلسفة فارسيه . 

دابت هذه الطائفه على تعلم السكوت والاكتفاء بالاصغاء منذ صغرها فنزحت الى السلم والسكون في كافة ادبياتها فلم تمارس السلطة السياسية بالمعني الحرفي للكلمة اي لم تنشئ دوله خاصه بها حتى في اوج قوتها الدينيه. 

كان مبدأ التعايش المرن منهج ثابت ومتأصل في النثريات المندائيه وخير دليل على ذالك ان ( المركنة)او غصن الزيتون هو الشجر الوحيد الذي يلزم على رجال الدين مسكه اثناء تأدية الطقوس والشعائر ويرفعونه رمزا للطهاره والسلام في كافة مراسيمهم الدينيه والدنيوية

.ويقول الدكتور رشيد الخيون عن الشيخ المندائي الشيخ دخيل ( ولو علم اصدقاء الارض , المحتجون عبر مؤتمرات دولية على ايذائها , بود الشيخ دخيل واسلافه وخلفائه الفطري لعفوية الماء والتراب لجعلوا ثيابه النوريه وعصاه ( المركنه) وحزامه الديني ( الزنار ) شعارا لهم ) .(1)

اضف الى انهم لايعتملوا بمبدا التبشير , فلااتعنيهم الكثره ولاينادون باقتحام الاخر ويعتبرونها مساله تعدي على حرية الانسان لذا سنوه كقانون والتزموا به منذ زمان كشعيره انسانية وهو سر بقاءهم كعائله واحدة 

هذا الابجدية المنبثقة من النورالتى نحتوها في توجيه الابناء دينيا واجتماعيا وكيفية صياغة التعامل مع الاخرين ادت الى حدوث شرخ اسيئ فهمها على مر الزمان , فبدل ان تتحصن مكانة الطائفة وترتفع النظره اليها لحسن السلوك و السيرة والتصرف الرزن صارت موضع ضعف واستهجان مما انعكس بالتالي على تحجيم الهوه بينهم وبين الاخرين و التى كانت اصلا مضببه غير واضحة بفعل تراكم التفسيرات المغلوطه من (قبل فقهاء المسلمين رغم اعتراف القران الكريم بهم كاهل دين وكتاب ) (2),

واتسعت الفجوه على مداها فوصلت الى تاويل طقوسهم وشعائرهم يشكل بشع وهجين وبالتالي الى رفض معتقداتهم وكتبهم لحد تكفيرهم وجعلهم من اصحاب النار و صاروا بالنهاية عبده نجوم وكواكب ,

اضافة الى القسر الديني الناشئ من الاجتهادات المغلوطة من قبل الفقهاء المتشددين والمنظرين السلفيين الاسلاميين على مر العصور فالتاريخ لايخبرنا عن اية دراسة منهجيه انبرى فيها احد هؤلاء الفقهاء او المنظرين فانصفها او شرح مبادئها على الاقل كان هناك الحيف السياسي والذي افرز بدوره التمييز الاجتماعي الخطر , ومن خلال هذين العاملين وفيهما تكونت النظره الاستقصائيه الضيقه التي مورست ضدهم والتهميش الذي طبق عليهم مما كون فضاءا غائم ملوث غير صحيح عديم الملامح انتشرت تفسيراته بين العامية كالهشيم في النار والذي زادت في تعقيداته نسبه الاميه المنتشرة والجهل المدقع , 

كانت كلمه (سوفا)(3) المندائيه مفتاح الجنوح نجو الانزواء وعدم الاصطدام استخدمها الاباء اتقاءا من ا لشر والاذى وتركوها لنا نلقنقها بدورنا الى الجيل القادم بلا مبرراو تفسير بقساوة مره وحنان مرة اخرى عند اول مجابهه مع الاخرين .

هذا الاغتصاب الاجتماعي الذي مورس ضد الطائفه وابنائها نبتت معالمه عند اول خطاب اسلامي سياسي جاء اثر نشوءالدولة الاسلاميه على يد معاويه الى يومناهذا 

وبسبب كثرة الشائعات والعزل الاجتماعي والديني حولها وغياب المؤهلين من الطائفة للرد او التوضيح . اضافة الى صعوبه الوصول الى منابر الاعلام لفك الالتباس العائم اجبر المندائيين على السريه والكتمان في اقامة الطقوس واداء المراسيم وجعلها بعيده من عيون العامة تجنبا للمضاعفات الكارثية . فاكتفوا بالهمس لغه في التخاطب وراحوا يتاملون القادم من الايام لعله يعترف بوجودهم كاصحاب كتاب ودين ونبي وهو ما سنعنيه في مقال قادم انشاء الله


 

(1)مندائي.تاليف عبد الحميد افندي وتقديم رشيد الخيون ص13

(2)نفس المصدر السابق ص130

(3) كلمة مندائيه تعني احذر او تجنب

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2013 08:14

قف ...امامك المناضلين الجدد

 معنى النضال هو الكفاح والدفاع عن قضيه عامه تهم الوطن والمواطن

والدفاع عنها قولاً وفعلاً.

النضال هو الضمير الحي الذي يتكلم ....

كل واحد يتكلم عن نضاله للملئ فهو انسان وصولي ومنافق ويريد من 

خلاله الوصول الى شئ يخدم مصالحه الضيقه, فنضال الشخص يعرف 

من خلال الناس لا داعي لتذكيرهم به .

كثيرون هم المناضلين الذين لا يتكلمون عن انفسهم لان اعمالهم وافعالهم

قد سبقتهم... اما الذين يريدون ان يضعوا لهم موطئ قدم على الخريطه السياسيه

المتشرشحه اليوم فهؤلاء وان نجحوا فنجاحهم زائل لان التاريخ والناس سيفضحهم.

انهم المناضلون الجدد.. وحذاري من المناضلين الجدد! مناضلون من اجل الثروه

والجاه والمنصب, هؤلاء يفتقرون الى الفكر النضالي..الى الحس الوطني..يفتقرون

الى المبادئ الساميه للنضال.

هؤلاء لا يعرفوا من النضال غير لفظه.. لا يعرفوا ماذا تعني كلمه النضال والمناضل

تلك الكلمه الساميه العظيمه في معناها التي هزت واسقطت عروش وعروش..

واليوم يأتيك نفر ظال يريد ان يلبس ثوب النضال لكي يدنس النضال والمناضلين

نحن نقول لهؤلاء الاقزام لا يليق بكم هذا الثوب الشريف فهناك ثوب قد فصل على 

مقاسكم وهو ثوب مناسب لكم الا وهو ثوب الرذيله والعار.

انكم مناضلو فنادق الخمسه نجوم وصالات اللهو النضالي الفاحشه ,,انكم مناضلو

الكلمه الصفراء. انا اعرف النضال عبر الخطوط الداخليه للوطن اولاً ولنا في ذلك مثال ,

فنضال الحزب الشيوعي كان واضحاً منذ البدا لم يكن نضالاً من عاصمه الضباب

ولا نضالا امريكياً كانت كوادره تناضل من داخل الوطن ,,نضال شهد له الاعداء

قبل الاصدقاء ,,نضال شهدت له اعواد المشانق وساحات الاعدام ..لانه كان ولا يزال

صاحب قضيه ومبدا.

اين كانوا هؤلاء المناضلون الجدد ايام الحكم المستبد وحتى الحكم الحالي فلا نراهم يفتحوا

افواههم الا عند طبيب الاسنان.

ان شرعيه النضال تكتسب في الممارسه السياسيه وحجم التضحيات الناجمه عنها

وليس في فوضى وتصريحات عقيمه وكتابات هنا وهناك وحملات اعلاميه واقزام

يمجدون ويهتفون لما يقولونه هؤلاء الجدد.

انا لا اتهم الجميع فمنهم الشرفاء الذين ابتعدوا عن المشهد السياسي تماماً وصمتوا

حين شاهدوا الحقيقه واصبح الجميع يتاجر بالوطن والمواطن, والوطن والمواطن برئ منهم ومن نضالهم

المتعفن..هؤلاء المناضلون المتعفنون الجدد هم الذين جلبوا البلاء والويلات للوطن..

مناضلو اليوم لديهم ازدواجيه في الرائ وازدواجيه في الشخصيه وامراض نفسيه لانهم لن يستوعبوا 

ما يجري اليوم..فنراهم في الصباح ضد السلطه وفي المساء مع السلطه في حفلاتها ونواديها 

وعلى طاوله واحده يتقاسمون غله اليوم ...ولكن الشعوب تعرف جيداً هؤلاء الرعاع.

 

نشرت في وجهة نظر

مع فنجان الشاي وصديق قديم تحلو الذكريات. ألتقيته مصادفة بعد غيبة طويلة صديق حميم من اصدقاء ألطفولة والصبا والشباب وفي احدى مقاهي المدينة في ركن هادئ جلسنا نتحدث عن اجمل ايام حياتنا حين كانت ألضحكة لا تفارقنا وقلوبنا متفتحة للحياة كزهرات الربيع.

تحدثنا عن كل شئ عن مغامرات ايام الصبا عن نجاحنا وتفوقنا في الدراسة وكيف كنا حينها شغوفين بمشاهدة ألافلام السينمائية عندما كانت دور السينما في بغداد تمثل مركزا من مراكز الثقافة والمعرفة كسينما الخيام وسميراميس والنصر وبابل وفيها شاهدنا اروع ما انتجته هوليود من روائع القصص العالميه ذهب مع الريح الحرب والسلام لمن تقرع ألاجراس الغروب الاخير الشيخ والبحر وغيرها الكثير من الافلام التي اثرت على سلوكنا وعقلياتنا بالاتجاة الصحيح. ومع هذه الجمهرة من روائع افلام هوليود لم تكن تفوتنا فرصة مشاهدة افلام الخيال العلمي والتي كانت تستهوينا ونحن في ريعان الشباب ولكن واحدا منها ترك اثره ألبالغ في ألنفس والعقل لحد أليوم . انه فلم رحله الى باطن الارضد(1959) والذي عرض في سينما الخيام عام1961 هذا الفلم مبني على قصة للكاتب الفرنسي جول فيرن كاتب روايات الخيال العلمي.

 

أن ألذين توترت اعصابهم مع فيليس فوك في رواية حول العالم في ثمانين يوما والذين ارتجفوا وهم ينزلون في غواصة الكابتن نيمو في رواية عشرين الف فرسخ تحت الماء والذين حبست انفاسهم مغامرات ميشيل ستروجوف في رواية رسول القيصر والذين غرقوا في الحسابات المعقده مع ميشيل وان لمعرفة هل بالامكان الوصول الى القمر عبر فوهة مدفع كل هؤلاء يعرفون جيدا الاديب الفرنسي العبقري جول فيرن صانع الاحلام وبالرغم من ان جول فيرن قد جال في رواياته شتى اصقاع الارض ونفذ الى باطنها ورحل الى القمر وغاص في اعماق المحيطات لكنه كان يحلم دوما ان يكون احد الكتاب المرموقين في فرنسا ساعيا طوال حياته في اتجاه الاحتراف الادبي فمنذ بداياته وقبل ان يكتب قصص المغامرات ونصوص الخيال العلمي كان قد انفق سنوات طويلة في كتابة الشعر والمسرحيات والاختلاط بكبار فناني وكتاب عصره املا ان يحسب واحدا منهم غير ان السنوات مرت وسجل كتاباته يزداد دون ان يحقق ذلك الحلم الا ان الاوساط الادبية اعترفت لاحقا بان جول فيرن كان اديبا كبيرا بل ان ثمة دارسين يرون في واحدة من اولى رواياته الكبرى اجواءا ادبية رائعة. وهذه الرواية هي رحلة الى باطن الارض وكعادة جول فيرن في رواياته ونصوصه التي تلت هذه الروايه ان تكون ذات بداية هادئة يغلب عليها الطابع العلمي وتدور في اجواء عائلية لا تخلو من تشابكات عاطفيه قبل ان تتبدل الامور بفعل مفاجاة علمية معينة تبدأ هذه ألرواية بهذه السطور.


كان ذلك في يوم ألاحد الرابع والعشرين من مايو عام 1863 حين اندفع عمي البروفسور ليدنبورك الى منزله الصغير رقم 19 الكائن في شارع كونيش بمدينة هامبورك في المانيا في هذه الدار يعيش العالم الاستاذ ليدنبورك منكبا على دراساته الجيولوجيه في عالم المعادن والمناجم يساعده في ذلك قريبه الشاب المثابر اكسل واكسل هذا نراه منذ البداية مولعا تلميذة صبية تدرس مع البروفسور وهي الحسناء غراودن وكان ممكنا ان تستمر الحال على هذه الشاكلة لولا ان شيئا ما حدث ذات يوم غير مسيرة الاحداث التقليديه للحياة حين سقطت من باطن احد الكتب القديمة مخطوطة فريدة من نوعها وما ان يتفرس البروفسور في تلك المخطوطه حتى يتبين له انها نص يعود الى احد الكيميائيين الذين عاشوا في القرن السادس عشر يدعى ارني ساكنوزم يكشف فيها عن وجود ثغرة في حفرة بركانية تدعى ستيغلر تقع في ايسلندا يمكن من خلالها الوصول الى مركز الارض.


للوهلة الاولى يبدو الامر غير قابل للتصديق غير ان شيئا ما جعل البوفسور يتاكد ان هذه الوثيقة حقيقية لذلك يقرر المغامرة ويبدأ التحضير لرحلته الى باطن الارض وما الرواية كلها سوى حكاية هذه الرحلة التي تحبس على القارئ انفاسه اذ ان المسار شاق

غريب يتارجح بين اسمى ايات الجمال واقصى درجات الخطر وهو ياتي حافلا بالاحداث المتوالية التي يصفها لنا فيرن فصلا بعد فصل باسلوبه المشوق المثير والذي تختلط فيه سيكولوجية رد فعل الشخصيات مع عنف الاحداث وغرابتها وهكذا صفحة بعد صفحه يطالعنا ضياع اكسل ثم ضروب العطش التي تصيب المغامرين واجتياز ذلك البحر الداخلي الرائع الذي تضيئه مصادر كهربائية مجهوله وتنمو على حافاته نباتات عملاقة .ومن الازمان القديمه تاتي حيوانات كان يخيل الى العالم انها انقرضت منذ زمن بعيد ليخوض المغامرون معها صراعات عنيفة وباستمرار خط الرحلة تتزايد الصراعات مع ظواهر الطبيعة الداخلية التي تجابههم مثل العواصف والهزات والزلازل وانواع الطوفان المائي ومع كل هذه الاحداث نرى البوفسور يحقق اكتشافات علمية خطيرة وما ان يحطوا رحالهم لغرض الراحة حتى تتزلزل الارض تحت اقدامهم وتنهار الصخور الكبيره لتسد عليهم مسار الرحلة وبعقلية البروفسور الخلاقه يستطيع ان يحرك هذا الجبل الكبير من الصخور بواسطة تسونامي هائل يحدثه في اعماق البحر الممتد على طول خط الرحله والذي يقذف بالمغامرين في النهاية خارج فتحة بركان سترومبولي في البحر الابيض المتوسط.


ان كثيرا من دارسي اعمال جول فيرن يرون ان رواية رحلة الى باطن الارض هي من افضل رواياته جميعا وقد لا تبادلها في جمالها وقوة سردها سوى روايته الاخيره منارة في اخر العالم ومهما يكن فان من الملاحظ هنا هو ان هذه الرواية المتميزة التي كتبها عام 1828 تدور احداثها في مكان نائي من الكرة الارضية ولم يكن ذلك غريبا على روائي عانق بفكره جميع الاماكن من الارض وصولا الى القمر ان الفرضية التي استند اليها جول فيرن في روايته تعتمد على فكرة قديمة وهي ان الارض مجوفه من الداخل وان الدخول اليها ممكنا من فتحتين عظيمتين موجودتين في القطب الشمالي والجنوبي قطر كل منهما 400 ميل تسمحان بالسفر بين العالمين الخارجي والداخلي للارض وتقول الفرضية ان باطن الارض هو كما في السطح يمكن العيش فيه وان في الداخل جبالا محيطات وغيوم بل وحتى شمس صغيره فكرة الارض المجوفه تعتمد على اساطير قديمه من حضارات شتى تزعم ان هناك اقواما من البشر بنوا حضارات مزدهره في باطن الارض والفكرة لها ارتباط قوي بالامكنة القديمة الاغريقية السفلى والجحيم المسيحي الكائن في مكان ما تحت الارض ومملكة اغارثا الاسطوريه والتي تشير النصوص البوذيه القديمه الى انها موجوده في اعماق الارض وهناك من يشير الى ان الكوارث الطبيعيه والحروب التي شهدتها الارض في بعض الاوقات دفعت بعض الشعوب القديمه الى الاحتماء بباطن الارض طلبا للامان مثل شعب قارة اتلانتس المفقوده والقبائل اليهوديه العشر الضائعه وشعب المايا الذي اختفى نهائيا من الارض في ظروف غامضه.

باطن الأرضالحقيقة ان لا احد يعرف على وجه اليقين ما الذي يحويه باطن الارض. يقول احد الكتاب لا تصدقوا ما قاله جول فيرن وانصار نظرية الارض المجوفه فان باطن الارض ليس بمكان مضيافا على الاطلاق الا اذا كنت تحب ان تجلس داخل فرن متفجر فالضغط في النواة
الداخلية للارض رهيب جدا ويعادل اربعة ملايين مره الضغط على سطحها ودرجة الحرارة يمكن ان تتجاوز 11000 درجة فهرنهايتيه اي اكثر من حرارة سطح الشمس الشئ المؤكد ان الناس يميلون بطبيعتهم الى تكييف المعتقدات الدينية والحكايات الفولكلورية كي تتفق مع رؤيتهم للعالم وفرضية الارض المجوفة بالرغم من فنتازيتها يدحضها العلم الحديث. الا ان الجانب الايجابي في فكرة الارض المجوفه انها الهمت خيال الانسان وانتجت عددا من الاساطير وقصص التصوف الديني على مدى قرون وما تزال مادة خصبة لكتاب روايات الخيال العلمي.

ولنترك الكلمة الان لعلماء الجيولوجيا والجغرافيه ليحدثونا عن الواقع العلمي لباطن الارض يشمل باطن الارض كل ما يقع تحت سطح القشرة الارضيه وما زال العلم عاجزا عن اعطاء معلومات دقيقة عنه وتقل هذه المعلومات كلما ازداد العمق باتجاه المركز وكل المعلومات المتوفرة عن باطن الارض مبنية على الاستدلال والاستنتاج من الموجات الزلزالية والنشاط البركاني وقوانين الجاذبية اما المعلومات المبنية على القياس والملاحظة فتنحصر في قشرة الارض والليثوسفير اما عن الحرارة المؤثرة في باطن الارض فمن الثابت انها تتزايد كلما اتجهنا من السطح باتجاه المركز وقد دلت الملاحظات التي اخذت اثناء عمليات حفرابار البترول ان المعدل التقريبي لهذا التزايد هو 32 درجه مئويه كلما زاد العمق بنحو كيلومتر واحد ولكن ليس من الثابت ان المعدل في هذا الارتفاع بدرجات الحراره سيكون طرديا كلما زاد العمق لكن من المؤكد علميا بان الضغط يزداد وان ازدياد الضغط سيولد بالنتيجة ازيادا في درجات الحراره بموجب قوانين الفيزياء وقوانين الثرموداينمكس وتعتبر شدة حرارة اللافا المنصهره التي تخرج الى السطح اثناء الثورات البركانيه دليلا قويا على شدة حرارة باطن الارض.

اما موضوع سيولة باطن الارض او صلابته فعلى الرغم من ان الحمم التي تطلقها البراكين تكون منصهرة فان معظم الباحثين يميلون الى الاعتقاد بان مواد باطن الارض في جملتها شديدة الصلابة وذلك لان الضغط الهائل المسلط على تلك المواد ودرجة الحرارة الكبيره يتجاوز كثيرا درجات انصهارها مما يؤدي الى بقاء تلك المواد في حالة الصلابه.

وبعد كل هذا الشرح والتفصيل لا اعتقد ان احدا منا يغريه ان يرحل الى باطن الارض حيث الجحيم المستعر ولو كان جول فيرن على علم بهذه النظريات لما تجرا وانزل هؤلاء المساكين الى هذا الاتون ويبدو ان دانتي كان على دراية تامة بما في باطن الارض لذا فقد رمى كل الخاطئين في جحيم الكوميديا الالهيه والان لنتنفس الصعداء اننا على سطح هذه الارض الجميله ولنرتاح من عناء هذه السفرة المرعبة في ان نستمتع بهذه المناظر الخلابة لارضنا.

 

 

 

نشرت في وجهة نظر