• Default
  • Title
  • Date

اعزائي فيما يلي لموجز لمحاضرة لي بالعنوان المتقدم سبق وان القيتها في قاعة الجمعية المندائية في ستوكهولم قبل بضعة سنوات وودت اطلاعكم على هذا الموجز عنها:

لقد ارتبطت الاسماك لاسيما التي تعيش في المياه العذبة ارتباطا وثيقا بحياة الصابئة المندائيين خاصة في (العراق وايران)كمصدر رئيس لغذائهم لسببين:-
1- العامل الديني :- فقد اعتبرت الديانة المندائية الاسماك التي تعيش في الانهار صالحة وجاهزة لاستعمالها في اعداد الطعام فهي (مدكاة) دون عملية ذبح وما يرافق ذلك من طقوس دينية يتطلبها اعداد الحيوانات الاخرى المحللة دينيا كذكور الاغنام والدواجن (دجاج / بط /اوز/ وطيور مائية اخرى كالخضيري)
2-العامل البيئي -الجغرافي :- فقد استوطن الصابئة المندائيون منذ القدم قرب مصادر المياه العذبة كالانهار والجداول المتفرعة منها والتي تكثرعادة في الماطق الجنوبية من العراق وايران حيث ان ذلك يوفر لهم الماء الجاري الذي هو الوسيلة الاساس التي تتم بها طقوسهم وشعائرهم الدينية لذلك توفر لهم مصدر غذائي مهم وهو اسماك تلك الانهار التي سكنوا بالقرب منها
ان الاسماك التي اعتادوا على تناولها كوجبة يومية ومحللة دينيا هي التي تنتمي الى عائلة الشبوطيات ( Cprinidae) وهي من اكبر عوائل اسماك المياه العذبة حيث تضم اكثر من 2000 نوعا منتشرة في انهار العالم وبحيراته ومن اهم انواعها في العراق:-
1- سمكة البني والاسم العلمي لها Barbus sharpei
2- سمكة الكطان واسمها العلمي Barbus xanthopterus
3- سمكة الشبوط واسمها العلمي Barbus gryps
وهذه الانواع الثلاث هي المرغوبة والشائعة في الاستعمال اليومي وكذلك محللة دينيا لعمل طعام الغفران في حالات الوفاة والمناسبات الدينية الاخرى وقد توجد انواع اخرى اقل استعمالا كسمكة الحمري والبز والخشني والشلك
ان الاسماك في هذه الحالة هي المصدر الرئيس الذي يمد المندائيين بالبروتينات وتعتبر بروتيناتها من اسهل البروتينات هضما مقارنة ببروتينات االاغنام والابقار مثلا حيث تتحول اسرع الى احماض امينية التي يعاد تشكيلها بعد ذلك داخل الخلايا الى انزيمات او هورمونات او بروتينات لبناء الجسم وحسب حاجته بالاضافة الى ما تقدم فالاسماك غنية ببعض الفيتامينات الذائبة في دهونها وكذلك فهي غنية بالاملاح المعدنية كالصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم واليود والفوسفور وهذا الاخير يساهم مع الكالسيوم في بناء العظام بالاضافة الى اهميته في بناء اغشية الخلايا والمركبات الخازنة للطاقة( ادينوسين ثلاثي الفوسفات) ومما يسجل لصالح اسماك المياه العذبة انها لاتشكل مصدرا وبائيا لبعض الامراض الخطرة مثلماا تشكله الدواجن( انفلونزا الطيور) او الاغنام( كالجمرة الخبيثة ودودة الاكياس المائية الاكينو كوكاس).
تحتوي دهون الاسماك لاسيما التي تتغذى على الطحالب المائية على نوعين من الاحماض الدهنية غير المشبعة الاساسية هما(اوميكا3 واوميكا6)ويوجد هذان النوعان ايضا في مصادر نباتية فالنوع الاول في ثمارالجوز وزيت الزيتون وزيت الكانولا الذي يستخرج من بذور نبات من فصيلة اللفت وكذلك في زيت بذور الكتان وفول الصويااما اوميكا 6 فيزيت الذرة وزيت العصفر وزيت بذور زهرة الشمس وزيت بذور القطن وفول الصويا.
ان هذين الحامضين المتوفرين في زيوت الاسماك يلعبان دورا مهما في صحة الانسان لاسيما اوميكا 3 منهما فهو يساهم في خفض نسبة الكولسترول الضار وكذلك خفض ضغط الدم المرتفع والمساعدة على الوقاية من تصلب الشرايين وكذلك مقاومة امراض الشيخوخة والوقاية من السكري ومقاومة السرطان ويساهم في ترميم شبكية العين.ان تناول الاطفال لاسماك تكثر فيها الدهون يخفض تعرضهم الى مشاكل في السلوك ويساعد على على زيادة مهاراتهم في التعلم اما الكبار فان ذلك يدعم استقرارهم النفسي ويكون علاجا للاكتئاب .
ان سمعة الصابئة المندائيين بارتفاع معدلات الذكاء عندهم كما يتداول هذا القول الاقوام التي سكنت معهم لم يأت من فراغ وانما هو حقيقة مؤكدة اكتسبوها من كثرة تناولهم للاسماك الحاوية على اوميكا3 فالبحوث الحديثة عن الذكاء وسرعة التعلم والتذكر تشير ان ذلك يستلزم تناقل مواد كيمياوية متنوعة ما بين الخلايا العصبيةواتي تخزن في حويصلات عند نقاط تشابكها لكي يتم تناقلها من خلية الى اخرى وكلما كثرتعدد هذه الحويصلات كلما زادت كمية المواد المتناقلة وقد اثبتت التجارب على الحيوانات المخبرية ان اطعامها لغذاء يكثر فيه اوميكا3 اظهرت براعة اكبر في التعلم وقد وجد فيها تكون عدد اكبر من الحويصلات عند نقاط تشابك الخلايا العصبية من تلك التي لم تطعم هذا الحامض مما يشير بوضوح الى العلاقة بين كمية هذا الحامض في الغذاء وعدد حويصلات الخلاياالعصبية والقدرة على التعلم كما اوردت ذلك الدكتورة ارتميس ب.سيمو بولوس في كتابها المعنون حمية اوميكا.
وكذلك يبدو ان السلوك المسالم الذي يتصفون به جاء نتيجة كثرة تناولهم الاسماك وما تحويه من احماض دهنية لاسيما اوميكا3 حيث اشار الدكتور ادريان راين بروفيسور طب الاعصاب في جامعة بنسلفانيا الامريكية امام المؤتمر البرازيلي الرابع للمخ والسلوك والعواطف ان احماض اوميكا الدهنية تظهر تحسينات في وظائف المخ وتقلل من السلوك العنيف.
بقي ان اقول رغم كل المزايا التي تقدمها لحوم الاسماك وزيوتها للمندائيين لكنها متهمة بزيادة ارتفاع ضغط الدم عندهم مقارنة بالاقوام اتي لا تعتمد على الاسماك في غذائهاكوجبات رئيسة وذلك بسبب وفرة املاح الصوديوم في لحومها اضافة الى استعمالهم لملح الطعام بكثرة للاسماك عند اعددادها كوجبة عذائية كما في البحث الذي اجراه الدكتور حكمت الشعرباف وبعض من طلبته على مجاميع من ابناء الطائفة ذكورا واناثا عند تواجدهم في مندي الطائفة في بغداد وذلك في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي مما حدا به ان يصدر القول عن علاقة الاسماك بارتفاع ضغط الدم عند المندائيين.

نشرت في وجهة نظر
الأربعاء, 28 آذار/مارس 2018 21:03

عاشت أياديكم يا جمعية لوند الثقافية

بعد ان شاركنا قبل ستة أشهر في المهرجان الثقافي الفني الاول ، عدنا من جديد ( 9 ، 10 آذار 2018 ) لمدينة لوند السويدية الجنوبية ، المدينة الجامعية ، المدينة التي تم اختيارها أن تكون المركز الثقافي الاوربي .. هذه المدينة لنا فيها نحن المندائيين ، مؤسسة مندائية مدنية ، هي الجمعية الثقافية المندائية .. هذه الجمعية العتيدة ، التي تاسست عام 1992م ، ومن مقرها الذي لا تزيد مساحته على عشرين مترا مربعا ، تنطلق اكبر المهرجانات الثقافية والفنية ، لتعزيز روح المحبة والتسامح والسلام بين المهاجرين من مختلف الهويات ، اولا ، ومع ابناء البلد المضيف السويد الكريم ، ثانيا .. ويبقى العراق الوطن الام ، هو القلب النابض لكل نشاط من هذا النوع .. إذ ينقل لنا الفنانون من خلال لوحاتهم التشكيلية وفنونهم المنوعة ، صورا مختلفة عن عراقنا الحبيب ، بأفراحة واحزانه .. ثم يُبكيك الشعراء ، مرَّة ، بكلماتهم المعبرة عن حال عراقنا اليوم ، ويُسعدوك ، مرَّة أخرى بقصائدهم الغزلية .. لتنتظر بعد الشعر ، مسرحية قصيرة بمشاهدها ، عميقة بفكرتها ، سامية باهدافها .. وما بين هذه وتلك من فقرات برنامج المهرجان ، تستمع الى المحاضرات الطبية والبيئية والموسيقى ، وتطلع على الاصدارات الجديدة لكتابنا وأدبائنا ، ليُختتم كل يوم بأمسية غنائية جميلة ... أما ، مَن وراء كل هذا ؟؟؟وراءه خلية نحل ، تعمل ليل نهار ، من كبار السن والشباب ، نساءً ورجالاً ، فمجموعة تستقبلك بابتسامة وتقدير واحترام ، واخرى تقدم لك المأكل والمشرب ، وثالثة تؤدي واجباتها الاعلامية على المسرح ، ورابعة مسؤلة عن نقل الضيوف من الفندق الى القاعة ، وبالعكس ... فهنيئنا لكم ولنا ولكل المندائيين في السويد ، ونجاحكم هو نجاح للجميع .. وألف تحية وتقدير ، للاعزاء ، فلاح الحيدر وصلاح الصكر وسليم كثير ، وصارم الحيدر ، ووصفي وليث وسعد وجبهة حبيب الخميسي ، وانتصار خضير ، وغازية وسوزان وفوزية و أشواق وخولة وسلوى، ولكل المتعاونيين والمتعاونات معهم ، وخصوصاً ، اللجنة الاعلامية ( لجنة اعلام الاتحاد وجمعية ستوكهولم ) ، وكادرها المبدع المكون من الاعلاميين ، لؤي حزام ، عدي حزام ، سرمد عواد ، باسم ناجي ، وزيدون خلف .. وختاما .. فقد تخللت المهرجان الكثير من المفاجئات الجميلة ، وكان اجملها ما حدث في (مسرحية حچام البريس) ، التي كانت من تمثيل الفنان سلام الصكر واحدى زميلاته التي غابت بسبب التزاماتها قبل ايام ، ولمعالجة هذه الثغرة ، وقع اختيار الفنان سلام على سكرتيرة جمعيتهم ، لتؤدي دور الفنانة الغائبة ، وتم الاتفاق بينهما أن لا يُذكر إسمها ، لتُحقق المفاجئة امام الجمهور !! .. وهكذا ظهرت سكرتيرة الجمعية السيدة جبهة حبيب ، بزيها العراقي الجنوبي ( العباية ، والشيلة ، والعصابة ، والوزرة العمايرچية ) ، لتؤدي دورها بشكل رائع ، وبصوتها الجنوبي العذب ، باتت السيدة أم سامر ، ممثلة مسرحية من اليوم .. فهنيئا لك عزيزتنا أم سامر ..  وارجو المعذرة لعدم ذكري لاسماء الفنانين التشكيليين والنحاتين والشعراء والمطربين والمحاضرين ، لكي لا انس بعضهم ، مما يضعني في احراج .. فهم كثر والحمد للهوالى لقاءات وابداعات قادمة

بعد ان شاركنا قبل ستة أشهر في المهرجان الثقافي الفني الاول ، عدنا من جديد ( 9 ، 10 آذار 2018 ) لمدينة لوند السويدية الجنوبية ، المدينة الجامعية ، المدينة التي تم اختيارها أن تكون المركز الثقافي الاوربي .. هذه المدينة لنا فيها نحن المندائيين ، مؤسسة مندائية مدنية ، هي الجمعية الثقافية المندائية .. هذه الجمعية العتيدة ، التي تاسست عام 1992م ، ومن مقرها الذي لا تزيد مساحته على عشرين مترا مربعا ، تنطلق اكبر المهرجانات الثقافية والفنية ، لتعزيز روح المحبة والتسامح والسلام بين المهاجرين من مختلف الهويات ، اولا ، ومع ابناء البلد المضيف السويد الكريم ، ثانيا .. ويبقى العراق الوطن الام ، هو القلب النابض لكل نشاط من هذا النوع .. إذ ينقل لنا الفنانون من خلال لوحاتهم التشكيلية وفنونهم المنوعة ، صورا مختلفة عن عراقنا الحبيب ، بأفراحة واحزانه .. ثم يُبكيك الشعراء ، مرَّة ، بكلماتهم المعبرة عن حال عراقنا اليوم ، ويُسعدوك ، مرَّة أخرى بقصائدهم الغزلية .. لتنتظر بعد الشعر ، مسرحية قصيرة بمشاهدها ، عميقة بفكرتها ، سامية باهدافها .. وما بين هذه وتلك من فقرات برنامج المهرجان ، تستمع الى المحاضرات الطبية والبيئية والموسيقى ، وتطلع على الاصدارات الجديدة لكتابنا وأدبائنا ، ليُختتم كل يوم بأمسية غنائية جميلة ... أما ، مَن وراء كل هذا ؟؟؟ وراءه خلية نحل ، تعمل ليل نهار ، من كبار السن والشباب ، نساءً ورجالاً ، فمجموعة تستقبلك بابتسامة وتقدير واحترام ، واخرى تقدم لك المأكل والمشرب ، وثالثة تؤدي واجباتها الاعلامية على المسرح ، ورابعة مسؤلة عن نقل الضيوف من الفندق الى القاعة ، وبالعكس ... فهنيئنا لكم ولنا ولكل المندائيين في السويد ، ونجاحكم هو نجاح للجميع .. وألف تحية وتقدير ، للاعزاء ، فلاح الحيدر وصلاح الصكر وسليم كثير ، وصارم الحيدر ، ووصفي وليث وسعد وجبهة حبيب الخميسي ، وانتصار خضير ، وغازية وسوزان وفوزية و أشواق وخولة وسلوى، ولكل المتعاونيين والمتعاونات معهم ، وخصوصاً ، اللجنة الاعلامية ( لجنة اعلام الاتحاد وجمعية ستوكهولم ) ، وكادرها المبدع المكون من الاعلاميين ، لؤي حزام ، عدي حزام ، سرمد عواد ، باسم ناجي ، وزيدون خلف ..  وختاما .. فقد تخللت المهرجان الكثير من المفاجئات الجميلة ، وكان اجملها ما حدث في (مسرحية حچام البريس) ، التي كانت من تمثيل الفنان سلام الصكر واحدى زميلاته التي غابت بسبب التزاماتها قبل ايام ، ولمعالجة هذه الثغرة ، وقع اختيار الفنان سلام على سكرتيرة جمعيتهم ، لتؤدي دور الفنانة الغائبة ، وتم الاتفاق بينهما أن لا يُذكر إسمها ، لتُحقق المفاجئة امام الجمهور !! .. وهكذا ظهرت سكرتيرة الجمعية السيدة جبهة حبيب ، بزيها العراقي الجنوبي ( العباية ، والشيلة ، والعصابة ، والوزرة العمايرچية ) ، لتؤدي دورها بشكل رائع ، وبصوتها الجنوبي العذب ، باتت السيدة أم سامر ، ممثلة مسرحية من اليوم .. فهنيئا لك عزيزتنا أم سامر .. 

وارجو المعذرة لعدم ذكري لاسماء الفنانين التشكيليين والنحاتين والشعراء والمطربين والمحاضرين ، لكي لا انس بعضهم ، مما يضعني في احراج .. فهم كثر والحمد لله والى لقاءات وابداعات قادمة

 

نشرت في وجهة نظر

" بشميهون إدهيّي ربّي "

" لكل نجاح شكر وتقدير ، فجزيل الشكر نهديكم والحي العظيم يحفظكم ويحميكم "

إستمراراً لمنهاج التكريمات التي تمت خلال جلسات المؤتمر السابع لإتحاد الجمعيات المندائية في المهجر ، الذي انعقد في لونـــد

للفترة بين 19- 23/6/2015 ، وتنفيذاً للوعد الذي قطعه إتحاد الجمعيات المندائية في المهجر من خلال سكرتيره العام الأستاذ حيدر يعقوب يوسف ورئيسه الفخري البروفيسور

صهيب الناشئ ، فان مكتب سكرتارية إتحاد الجمعيات المندائية يعلن عن أسماء

المندائيات والمندائيين الذين تم تكريمهم بـ " درع إتحاد الجمعيات المندائية في المهجرعرفاناً لما قدموه من خدمات

جليلة للطائفة ، من خلال عملهم طيلة سنوات على الساحة المندائية في الداخل ودول الأنتظار والمهجر.

المندائيات والمندائيون الكرام

خلال المهرجان الثقافي والفني الثاني للجمعية الثقافية المندائية / لوند في 9 اذار تم تكريم عدد من الشخصيات المندائية في جنوب السويد الذين تميزوا بخدماتهم لطائفتهم وللعمل

المندائي في السويد وفي الداخل والمهجر وعملوا جاهدين على تحقيق الأفضل للهيئات العامة وللمندائيين ، وتثمينا لجهودهم ، ولخدماتهم المتميزة في العمل على الساحة المندائية ،

نعلن لكم اسماء المكرمين السيدات والسادة المدرجة

أسماؤهم في أدناه ب " درع الاتحاد " إتحاد الجمعيات المندائية في المهجر

كما نود أن نشير الى أن بيننا أخوات وأخوة آخرين قدموا الكثير للطائفة مضحين بجهدهم ووقتهم في سبيل

إسعاد الآخرين .

فتوجب علينا تقديم كلمة شكر جماعية كتعبير وعرفان أخوي منا جميعا ... راجيا أن نكون بهذا قد كرمناهم ولو بجزء بسيط

مما يستحقونه وأن يكون في هذا خير دعم معنوي للجميع في سبيل طائفتنا المندائية العزيزة .

الأسماء

1ـ الاستاذ رسام عبد شرقي

2 ـالاستاذ بسيم عزيز نعيم

3 ـ الاستاذ وسام عبد خلف

4 ـ الدكتورة هند لعيبي خلف

5 ـ الاستاذ ضياء سمير نعمان

6 ـ الاستاذ أياد طارق غليم

7 ـ الدكتورة تغريد لعيبي خلف

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 26 شباط/فبراير 2018 20:32

مهرجان الأغنية الايطالية الثامن والستين

في صالة مسرح آريستون التاريخي العريق، الذي يقع في قلب مدينة سان ريمو الايطالية الشمالية التي تطل على البحر الابيض المتوسط، ولمدة خمسة ايام متواصلة( 6 ــ 10 فيرايو/ شباط) ، يقام اكبر واشهر مهرجان اوربي للاغنية الايطالية العاطفية المعاصرة، حيث يتسّمر اكثر من 80 مليون ايطالي واوربي امام شاشات التلفزة الحكومية والاهلية الايطالية ،وفي عموم دول الاتحاد الاوربي مساء كل يوم من ايام هذا المهرجان، لمتابعة هذه المسابقة الممتعة في دورتها الحالية الثامنة والستين.

اكثر من خمسة وستين ألف سائح من جميع أنحاء إيطاليا واوربا، دخلوا مدينة سان ريمو الإيطالية التي تقع في مقاطعة ليكوريا الشمالية ليتابعوا اكبر مهرجان لاغاني الحب والوجد والهيام في عموم اوربا، واكثر من مائة ألف مصباح كهربائي أوقدتها بلدية المدينة داخل مركزها التاريخي خلالخمسة أيام المهرجان الذي يتنافس فيه عشرات المطربين والمطربات على الفوز بالمراكز الأول والثاني والثالث، وعدد من الجوائز التقديرية التي تقدمها مؤسسات فنية وبنوك وشركات عالمية.

يقود المهرجان الكرنفالي لهذا العام المطرب ومؤلف الاغاني الايطالي الشهير (كلاوديو

باليوني 1951) الذي اشتهر بالبومه الموسيقى" الحياة الان" وبيع منه 55 مليون

اسطوانة في كل انحاء العالم عام 1985، كما اشتهر بمواقفه المناهضة للحرب وغنى

ضد عصابات المافيا وظاهرة الجوع والارهاب ، واصدر عدة كتب تحمل قصائدة وكلمات

اغانيه، كما اصدرعام 2008 رواية تحمل اسم "كابكا" ، وترجمت الى عدة لغات .

يشاركه عملية التقديم الفنانة ومقدمة البرامج ميشيل هونسيكير والفنان الممثل السينمائي

الشهير بييرفرانشيسكو فافينو ، جنبا الى جنب عدد من المطربات والفنانات المحترفات،

و عدد من الوجوه الفنية المعروفة في عالمي السينما والتلفزيون والمسرح .

وسيفتتح المهرجان بتظاهرة فنية تتمثل بعرض شريط فيديو على شاشة كبيرة داخل قاعة الاحتفالات في القاعة الكبرى ،يحوي كلمة تحية يوجهها رئيس الجمهورية الايطالية " سيرجو ماتيريللا"وتحية اخرى يوجهها احد الوجوه الفنية المعروفة في الوسط الموسيقي . وتتوقع مؤسسات الإحصاء والاستقصاء الإيطالية بان يصل عدد من يتابع هذه امسيات المهرجان هذا العام، اكثر من 100 مليون إيطالي وأوربي مشاهدة وقائع المهرجان الذي تنقله على الهواء مباشرة عدد من المحطات التلفزيونية التابعة للدولة، وعدد من الفضائيات الإيطالية والأوربية والاميركية.

وينظر الإيطاليون الى هذا المهرجان منذ بداية تأسيسه عام 1951 على انه رصد سنوي لبانوراما الغناء الإيطالي الذي بدأ يغزو العالم خلال السنوات العشر الأخيرة، أسوة بثورة الموضة الإيطالية، وسباق السيارات( الفورمولا وان) وكرة القدم. من جانب آخر، فان هذا المهرجان يخلق فرص جديدة، تتيح للقطع الغنائية الموسيقية الجديدة الوصول الى التوزيع الكبير عن طريق تسجيل الاسطوانات المدمجة والفيدوهات، وسيمنح المهرجان ايضا فرص للذين خابت آمالهم في نتاجاتهم الفنية بشكل متطور تكنولوجيا من قبل مؤسسات وشركات عالمية مرموقة، تساهم في در الارباح. وتسمح للمتلكات الثقافية المحلية بان تعبر نحو الاسواق العالمية، لما تحمله من الوان واساليب محلية متميزة، وهو ما حققه عدد من الفنانين من نجاحات تجارية خلال الاعوام الماضية ، قياسا لما هو الحال في دول اوربية اخرى، ويعود ذلك الى قدرة هذا المهرجان على تمثيل تنوع غني من الالوان الموسيقية. ويرى العديد من الطليان بان هذا المهرجان، نتاج ثقافي مميز لشبه الجزيرة الايطالية، وهو إذن ثمرة الصهر بين اصناف موسيقية عالمية يشهدها عالمنا المولع بالاختلاف، كما لو جعل المشرفون على هذه التظاهرة ، يركضون متسارعين للكشف عن الحاجة الى استكشاف المختلف في المتعة الجمالية.

يدرك الجميع بان أيام المهرجان الخمسة أحياء تقاليد الفرح بهذا الحدث الذي يمر عليه 68عاما، لتغزو الأغنية بسفرها القصير والغير ممّل في قلوب عشاقها من مختلف الأعمار والثقافات والطبقات، فقد أصبحت الأغنية الإيطالية محصلة روحية تتحدث عن مشاكل حساسة وحقيقية يعيشها الفرد في الصميم، فهي تدعو للفرح الإنساني، وتجيد التقاط مواقعه. فبعد ان كان الحزن مزاجا سائدا في الأغاني الإيطالية والفرح شذوذا انقلبت المعادلة فالفرح ليس موسميا.

عدد كبير من المطربين والمطربات الأكثر شهرة في العالم يقدمون مساهماتهم على هامش مهرجان سان ريمو، كما جرت العادة ، كما يوجه للمهرجان رسائل تحية واعجاب تعرض على شاشات الفيديو لرؤساء دول عالمية ووزراء وشخصيات فنية من عالم الموسيقى والمسرح والسينما من كل انحاء العالم .

ويتزامن هذا المهرجان مع اقامة معارض احتفالية، كمعارض للفن التشكيلي وعروض افلام وثائقية ، واخرى من الافلام التي يقوم بدور البطولة فيها عدد من المغنين المشهورين، محليا وعالميا ، تستجيب مع رغبات عدد كبير من جماهير اعوام السبعينات والثمانينات . تنتشر في المسارح والنوادي ،حفلات غنائية من رواد الاغنية الايطالية لتلك السنوات ، والتي حققت الكثير من نصوصهم الشعرية التي تعتبر قصصا حقيقية عن المهمشين والمتمردين، والتي هجوا من خلال اغنانيهم بسخرية، ظاهرة الاستخدام السياسي للدين او المؤسسة الكنسية. ستقام معارض فوتوغرافية متعددة، لعدد من الفنانين الاحياء منهم والراحلين ، كما يتم عروض للازياء باخر صرعاتها الشبابية ، وتفتح اسواق الكتب التي تزدحم على ارصفة الشوارع ، ليجد العديد من جامعي الكتب والصور النادرة ضالتهم .اما ظاهرة العروض الموسيقية الغنائية، فتقام في ساحات وقاعات ونوادي ودور العرض السينمائية والمسرحية ، تحيها فرق موسيقية وغنائية محلية من جميع اقاليم البلاد ، جنبا الى جنب العديد من الفرق الاوربية، فهي تفتتح المهرجان قبل ايام من يوم الافتتاح وتستمر الى ما بعد انتهاء المهرجان بايام عديدة.

ومن اشهر ضيوف مهرجان هذا العام المطرب الانكلزي ستينك ، والمطرب الامريكي

جيميس تايلر، والمطربة الايطالية لاورا باوزيني، والفنان ليمكالونكر، وعدد من

الشعراء والمطربين من دول اوربا، وآسيا وامريكا اللاتينية والولايات المتحدة الاميركية،

 

روما 

 

نشرت في وجهة نظر
الأحد, 07 كانون2/يناير 2018 20:19

نفلة ...(5)

u
كان يهوى كل شيء قديم وعتيق، الأحتفاظ به والمتاجرة فيه وحتى أستخدامه، يعمل بدكان أبيه الذي يقع بأحد أطراف مدينة بغداد خلف فاترينة لاتتجاوز بضاعتها مائتي غرام من خشالة ذهب عيار 18 غالبيته من المستعمل (الكسر). بعد سقوط النظام قرر القفز على حالته البسيطة هذه، فشد الرحال مع زوجته وأبنته ووصل بلد مجاور. أجّر سكن بالقرب من عائلتين له معرفة بهما، كان هناك فارق في مستوى معيشة العائلتين ومصاريفهما وبينه، ففي الوقت الذي فضلت العائلتان تسجيل أولادهما بمدارس خاصة للحصول على أحسن تعليم، قرر صاحبنا أرسال أبنته لمدرسة في كنيسة من أجل أن يكون تعليمها مجاني، وهو يفتخر بأنه يضحك على ذقونهم لأنه يأخذ كعادته ولم يعطِ، فقد تعود أن لا ينفق سوى للضروريات، يشتري الخضار والسمك الذي يعزله البائع في المساء بربع السعر كونه ليس طازجاً (عتيقاً).

توطدت علاقته بالرجلين الجارين اللذان كان أحدهما قريب زوجته. نتيجة حالة الأنتظار بوسط الطريق والأوضاع بالعراق التي لا تشجع أبداً على العودة، تسلل الملل لرب العائلة الثانية فبحث بنشاط عن مخرج له ولأسرته التي كانت تعنى بالفن وتتابع المعارض التشكيلية للجالية العراقية العريضة بالمدينة، فتعرفت العائلة على شابة كانت تتردد على تلك المعارض لأنها تهوى الرسم، تنحدر هذه الشابة من عائلة معروفة، أبيها يشغل موقع حساس، فتحرك من أجلهم بحثاً عن طريق لسفرهم من خلال الحصول على تأشيرة (شنكن)* من سفارة أحد الدول الغربية، ليكون طريق مأمون وبتكلفة مناسبة وتم ذلك بنجاح.

كان صاحبنا المولع بالعتيق قد حشر نفسه في وقت حضور الشابة وأبيها لتوديع أصدقائهم ليلة سفرهم بتأشيرتهم النظامية، أنتهزها فرصة وطلب أن يتوسط صديقه لدى والدها كي يسهل أمر سفره، لكنه ماكان جاداً بذلك لأنه كان قد قدّم أوراقه (لليو أن) بغية الهجرة دون أن يدفع كعادته أي ثمن. نجح بالأحتفاظ برقم الرجل رغم تحفظ الأخير. طارت العائلة ووصلت لأوربا بسلام، تلى ذلك تحرك عائلة قريب زوجته فوصلت بسرعة وأمان، مما أتاح لصاحبنا الفرصة بالتواصل مع الرجل عندما أخبره بأن هناك ثمة عوائل تبغي السفر وتنتظر أشارته، وأقنعه بأنه لو حصل على سعر تفضيلي لأستطاع جلب المزيد. نجح بذلك وصار يملك مفتاحاً لباب سفر وطريقاً آمناً نفذت منه عشرات العوائل في وقت كانت قد دخلت جيبه عشرات العمولات بآلاف الدولارات.

ولكي ينفرد (باللعب) قام بأصطناع خصام من العائلتين المسافرتين بغية عدم أطلاعهما على عمله، وطلب من الرجل تغيير رقمه وحجبه عن الجميع بغية التفرد بالتربح، سخّر بقية عائلته وأقرباءه بالبلدان المجاورة وبالعراق، زاد زبائنه وصار يتصل من خلال شبكة عرابين بكل من ينوي السفر، تضاعفت مدخولاته وصارت عشرات ألوف الدولارات. أتصل أخيراً بقريب زوجته وأرسل له بضعة دولارات لشراء صمته للتعتيم حول التكاليف الحقيقية وكيفية الحصول على التأشيرات ولإيجاد سوق أخرى مع بقية عوائل القاطنين أوربا.

بهذه الأثناء كانت القصة الملفقة التي قدمها (لليو أن) حول أبنته الصبية والتي أدعى فيها بأنها تعرضت لمحاولة أغتصاب وتقصّدَ ترك آثاراً على جسدها قد أنطوت على لجنة الهجرة فأسعفه ذلك بالحصول على أذن هجرة والسفر والوصول لمبتغاه بدون تكلفة، ولتنطبق مقولته بأنه إنما يضحك على ذقونهم. ومع أنه أغتنى بقوة بتربحه من خلال عمله بالسمسرة، لكن بقيت هيئته وهندامه تقول دون أدنى شك بأنه ذاك الرجل القديم المولع بكل شيء عتيق.

عماد حياوي المبارك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
× أتفاقية دبلن: يعود التنسيق بين الدول الأوربية بشأن التعامل مع موجات الهجرة غير الشرعية وتداعياتها إلى العام 1951، أما أول قواعد وأنظة تم تثبيتها وتوحيدها فقد كانت بعد العام 1990 عند تفكك الأتحاد السوفيتي وأنظمام دول أوربا الشرقية للأتحاد. أجتمعت الدول في دبلن، عاصمة جمهورية أيرلندا، وأقرت أتفاقية نظام دبلن وخضعت لاحقاً لتعديلين. تسمى الدول التي وقعت على بنودها بدول البصمة أو دول منطقة دبلن وتتظمن أنشاء قاعدة بيانات موحدة ومشتركة لطالبي اللجوء ليكونوا معرفين لديها من خلال بصمات أيديهم أو حتى أرجلهم لو أقتضت الضرورة، من بنودها أن تتكفل أول دولة تطأها قدم اللاجئ بحمايته والأعتناء به من جهة ومراعاة قوانين البلد المانح للجوء من جهة أخرى. جميع الدول الأوربية بالإضافة لثلاث دول من خارج الأتحاد (سويسرا وأيسلندا والنرويج) ملزمة بتطبيق الأتفاقية. لايزال هناك خلافات مع دول تعتبر ممر للاجئين كاليونان وايطاليا، ونقاشات مع أخرى صارت قبلة لهم كألمانيا التي كان موقفها ضبابياً، ففي الوقت الذي تدعو فيه لتوزيع اللاجئين بالتساوي بين دول الأتحاد، تستقبل بترحاب مئات ألوف السوريين بمسعى للحد من التراجع الديموغرافي ولرفد سوق العمل الذي يفتقر لليد العاملة الرخيصة. من الجدير بالذكر أن الدول (المصدرة) للاجئين لا تتحمل مسؤولية أو عبأ مادي تجاه رعاياها، وهو ما ينفي ما يشاع بأن الدول الغربية (تقبض) تعويضات لقاء عملها الذي هو أنساني بالدرجة الرئيسة.

نشرت في وجهة نظر
الأربعاء, 03 كانون2/يناير 2018 23:03

في غرفة الشاعر الإنجليزي جون كيتس

لقد كُتب الكثير من البحوث والمقالات عن الشاعر النخبوي الإنجليزي الغنائي (جون كيتس 1795 - 1821) الذي يعد من أكثر الشعراء رومانسية في تاريخ الشعر الإنجليزي إلى الدرجة التي قتلته فيها تلك الرومانسية الرقيقة العذبة وهو شاب لا يتجاوز من العمر 26 عاماً.

حياته القصيرة بقيت محاطة بنوع من السرية، حيث لم يتسنَّ لأحد من المؤرخين والكتاب تناول أحداثها، خصوصاً تلك الفترة القصيرة الثرية التي عاشها في مدينة روما التاريخية والتي أحبها وبها نضجت أفكاره ووثقت خطواته الشعرية.

ويبدو أن العديد من النقاد الذين تجاهلوا هذا الشاعر، الذي يعد الأكثر عاطفية بعد وليم شكسبير، قد ساهموا، بهذه الدرجة أو تلك، في موته التراجيدي.

زيارة إلى بيته الصغير الذي تحول خلال السنوات الأخيرة إلى متحف، وعاش به الشاعر فترة قصيرة امتدت إلى 3 أشهر من نوفمبر (تشرين الثاني) 1820 إلى فبراير (شباط) 1821، وذلك على ضوء إلحاح طبيبه الإنجليزي الخاص الذي كان يسكن هو الآخر قريباً من ساحة «إسبانيا» التي تقع في قلب العاصمة الإيطالية روما، ذات المدرجات التي تنتهي بالأسفل بنافورة المياه التي يطلق عليها اسم «لابركاجا» التي نحتها النحات الإيطالي الشهير بيترو برنيني على شكل سفينة رومانية قديمة عام 1627 بطلب من البابا أوريانو الثامن. والبيت هو شقة في الطابق الثاني تطل بشبابيكها الواسعة على الساحة ومدرجاتها الشهيرة.

يزور هذا البيت (المتحف) الصغير الذي تحول إلى سيرة ذاتية لهذا الشاعر الشاب، عدة آلاف من السياح الذين يأتون من كل أنحاء العالم، لينتظموا بشكل جماعات صغيرة لرؤية غرفة نوم الشاعر وحاجياته وكتبه ومقتنياته ولوحاته ورسائله، التي ظلت في أماكنها كما أرادها الشاعر.

قصة المتحف الصغير هذا الذي تديره إحدى المؤسسات الإنجليزية المتخصصة في المحافظة على التراث الثقافي، تتلخص بلقاء عدد من كبار الشعراء الإنجليز والأميركان جمعتهم إحدى المناسبات عام 1904 فى مدينة روما، ليقرروا ضرورة امتلاك بيت الشاعر كيتس في روما، فسارعوا لتقديم طلب إلى المؤسسات الحكومية الإنجليزية المعنية، يطالبونها بتحويل البيت الصغير إلى متحف (يكون شاهداً تاريخياً لذلك النبع من الثراء والفتوة الشعرية التي أضاءت الوجود الإنساني). وبالفعل استجابت المؤسسات المعنية واشترت الشقة الصغيرة التي ظلت مغلقة لسنوات طويلة، وفي عام 1909 حملت الواجهة الأمامية العليا من باب البناية لوحاً مرمرياً أبيض كبيراً يشير إلى بيت الشاعر وتاريخ مكوثه فيه، كما هي العادة المتبعة في العديد من المدن الإيطالية التي تخلِّد ذكرى مَن مرّوا وعاشوا وماتوا فيها من كبار الشعراء والكتاب والسياسيين.

البيت (المتحف) هو الآن عبارة عن محفل ثقافي نادر، يقدم للزائر العديد من الجوانب الخفية في حياته القصيرة والتي حال المرض دون إكمال عطاءاتها الشعرية المتميزة، فقد مات بمرض عضال ودُفن في إحدى المقابر التي تجمعه وعدداً كبيراً من الشعراء والمثقفين والفلاسفة الأجانب الذين وافتهم المنية وهم في روما. ويحمل قبره القريب من قبر المفكر الإيطالي الكبير «غرامشي» شاهداً يحمل اسمه كواحد من الشعراء الأجانب الذين أحبوا هذه المدينة العريقة.

الصعود إلى البيت (المتحف) يجعل المرء يمتلك مشاعر مختلطة ما بين الحزن والفرح، عن الشاعر الشاب الوسيم المحتشم بحياته الغامضة، الذي انزوى في هذا البيت، وهو كما يصفه العديد من الرسائل التي كتبها، يحمل خجلاً إنجليزياً كبيراً، تختلط فيه مشاعر الانتظار والاقتراب من الموت القادم.

«أرجو ألا يتملك الخوف أحداً»... بهذه العبارة الشعرية، لفظ آخر أنفاسه أمام صديقه الحميم الرسام جوزيف سيفيرين، الذي رسم صورة شخصية زيتية له (بورتريه) تتصدر الصالة الصغيرة التي ازدحمت بالكتب والصور، وبعدد آخر من البورتريهات والتخطيطات التي رسمها الشاعر كيتس نفسه لأخته (فاني) ولصديقه الحميم (توم) وقريبه (جون)، وهناك لوحة رسمها لإحدى الجِرار الإغريقية القديمة بعد إحدى الزيارات التي قام بها لمتحف الفاتيكان التاريخي. لقد كان عالمه يمتزج فيه الفن والشعر وكل ما له صلة بالإحساس العميق والرؤية الطفولية الرائعة التي حصل عليها مباشرة من واقع الحياة والأدب والفنون التي تزدحم بها كل زاوية من زوايا مدينة روما التي أحبها من كل قلبه.

أما رسائله فهي وثائق تاريخية تشهد على إحساس مرهف، يعكسه أسلوب اختياره لكلماته الأنيقة الشاعرية التي يخاطب بها الآخرين، فهو كان على ما يبدو في بحث دائم لإدراك الأحاسيس الداخلية لحياة الكلمة الشعرية، ليتمكن من ترجمة انفعالاته والتوترات النفسية التي كان يعاني منها بسبب مرضه، فهو يذكر في إحدى رسائله المعروضة «كيف يمكنني أن اقتدي بالريح فهي لا تنطلق».

يتساءل في رسالة أخرى عن الشاعر الذي في داخله وهو يرتقب الموت «أين الشاعر؟ هل لكم أن تستعرضوه لي... يا لوحي القصيدة... أنا أعرفه...».

في رسالة له إلى فاني بروان يفصح عن محبته الكبيرة لها، فيقول: «في هذه اللحظات أحاول تذكر أبيات شعر لكن دون جدوى، عليّ أن أكتب لكِ سطراً أو اثنين لأحاول إنْ كان ممكناً إقصاءك من ذهني، لكني في أعماق روحي لا أستطيع أن أفكر بأي شيء آخر. انتهى الوقت الذي كان فيه من القوة الكافية التي تمكنني من نصحك وتحذيرك من الصباح الخالي من الوعود في حياتي، فحبي جعلني ذاتياً، أنا لا أستطيع أن أوجَد من دونك، أنا مهمِل لكل شيء عدا رؤيتك. يبدو أن حياتي تقف عند ذلك، أنا لا أستطيع أن أرى أبعد من ذلك. أنتِ تشربيني، لديَّ أحاسيس كأنني في طور الذوبان، سأكون في غاية البؤس من دون الأمل في رؤيتك قريباً. سأكون شديد الخوف إذا فصلت نفسي بعيداً عنكِ. هل قلبكِ لن يتغير أبداً؟ بالنسبة إليَّ ليس هناك أي حدود لحبي لكِ، وإلى الأبد».

إن سيرة حياته التي تطالعنا فيها بعض رسائله، تُشعر المرء كأنه يلتهم رواية شيّقة، ففي هذه المختارات من الرسائل المعلقة والمحفوظة في صناديق زجاجية أنيقة تصطف جنبا إلى جنب العديد من حاجياته ومقتنياته الرومانية، نلمس بوضوح أنه يعكس اهتماماً وتنوعاً ثقافياً فائقاً، فهو يجيد دوره كصديق للعديد من الشعراء الإنجليز والإيطاليين ببراعة، حتى يبدو الأمر كأنه موقف نادر في الحياة من خلال مداخلاته والحلول التي يطرحها لعدد من المشكلات، مقارنةً بصغر سنه وصغر تجربته. لقد كان وجوده في روما يتمثل في البحث عن الموقف الأمثل والجديد في حياة الإنسان، فهو يحب معرف كل شيء، يقول: «أرغب في تشكيل أشياء تساهم في صناعة شرف الإنسان»، وهذا المقطع من إحدى رسائله يكشف عن التصاق حميمي بالحياة ومحبة كبيرة للإنسان، كما أنه موقف يحمل إشراقات من الإيمان بالغد، ظلت تسطع حتى النهاية في دياجير نفسه الملتاعة بالمرض.

لقد كانت روما بالنسبة إليه نقطة البداية القلقة التي تبحث عن يقين، ورأى في إقامته بروما (حياة ما بعد الموت)، فراح يشارك مع زملاء وأصدقاء شعراء ورسامين مثل الشاعر الكبير شيللي، الذي لازمه لفترة طويلة، وكذلك الشاعر اللورد بايرون، في التمرد على الواقع السائد آنذاك ورفض قيمه، والبحث عن رؤية جديدة للعالم والإنسان، وكانت روما هي المحطة التي كانت مهيأة للانطلاق نحو مثل هذا التمرد العاطفي، بعدما كان يعتقد أن موهبته الشعرية تنطفئ وأن النقاد لم يرحموه لأسباب سياسية، وقد شكا لأحد أصدقائه أنه لن يترك عملاً خالداً يثير فخر أصدقائه عند رحيله «أحببت الجمال في كل شيء ولو أُعطيت الوقت لتركت ذكرى بالتأكيد».

كان طفلاً صغيراً عندما توفي والده ثم والدته بمرض التدرن الرئوي الذي حصد شقيقه أيضاً، وذات مساء عاد إلى منزله في عربة مكشوفة إلا أنه حال وصوله إلى البيت بدأ بالسعال، أحسّ بقطرات من الدم على مخدته، فقال لصديقه: «هذه القطرات إنذار بموتي... سأرحل»، وفي طريقه للاستشفاء في إيطاليا حاول الانتحار، وفكر بحبيبته التي أوجعته رغبته فيها «ليتني امتلكتها عندما كنت معافى، ما كنت سأمرض عندها».

(اتركوا الشبابيك مفتوحة

لشمس روما الجميلة

ها أنتم ترون الموقع

الذي مات فيه أدونيس

لم تتغير أشياء كثيرة)

إنه لا يحسن الصمت حين يشعر برغبة الكلام، ذلك أن معظم رسائله يمكن أن تؤدي غرضها بنصف ما استوعبه الكلام، فهو يطلق شهوته للكتابة، فتشغل العبارات الوصفية حيزاً كبيراً في كل مفردة يختارها.

ومع أنه لم يكتب خلال فترة بقائه في بيته الصغير بروما إلا قصائد قليلة أبرزها «أيها البيت الملّون بلون البرتقال في قلب المدينة»، إلا أنه كتب رسائل كثيرة اعتبرها النقاد من قمم النثر الإنجليزي، وكان العديد من رسائله معنونة إلى صديقه جارلس بروان، وفي مقطع من إحدى تلك الرسائل يقول «أتذكر كل الأصدقاء... أرجوك أن تكتب إلى جورج حال وصول رسالتي هذه إليك لتخبره عن حالتي، ولا تبخل بسطرين آخرين لأختي العزيزة (فانى) فأنا لا أستطيع القول وداعاً حتى على الورقة، لكنك تعلم أن حياتي كانت مليئة بالارتباك والحيرة...».

وإذا كانت التجربة الحياتية تقود أحياناً إلى مغامرة فنية، كذلك يمكن أن تقود التجربة الفنية أحياناً أخرى إلى خلق تجارب فكرية متميزة، وقد انعكس هذا الوضع على الشاعر كيتس الذي كان يشعر باقتراب موته، والذي رأى فيه «اقتراباً من الحقيقة»، حيث دخل حنينه إلى الموت للحد الذي كان ينتظره ويدعوه بشيء من اليأس في المرتفع الشامخ، حيث ترقد مملكة الموت.

(في فناءات الحزن

وسط الدمار الصامت

أستأتي أيها الموت...؟)

إنه يُشعر القارئ كأن الموت يجري في دمه، فالفتوة شاخت، والمحارب الشاب قد استسلم، وبقي في الانتظار، يداعب الموت بالشِّعر ويستثيره بالكلمات، وقد طلب أن يُكتب على قبره «هنا يرقد شخص كتب اسمه بالماء».

الشرفة الصغيرة التي تنفتح على غرفته الصغيرة، ما زالت، وكما أرادها الشاعر، مليئة بالأزهار، إذ تصطف على جوانبها المزهريات التي تحمل أجمل أنواع الزهور، فهي تستعيد الذكرى وتلتقي الحقيقة، لتحقق توازناً عاطفياً وجمالياً لشاعر كان قلبه كالسيل المتدفق الهادر.

إن الجمال الكامن في هذا المكان، يدعو كل شيء فيه إلى التماثل والتوازن، ويعطي الانطباع السريع بالمهابة، فسلالم الساحة التي ترتفع وسط مدرجاتها الرخامية البيضاء التي يفيض بها المكان، وصوت المياه في السفينة الرومانية وسط الساحة من الأسفل، التي نحتت لتكون ذكرى لسفينة رومانية رست في نفس المكان بعد أن فاض نهر التيفر عام 1598، وشبابيك غرفة الشاعر، تبدو كأنها تحكى مأساة رومانسية لجنة الصبا التي ضاعت، فكل شيء هنا يناجي ذكراه، وهو الذي قال مرة وهو يمجد الحضور الإنساني:

(عندما أكون في غرفتي

فهناك يكون الناس معي...)

ما زالت الرغبة كبيرة في الاستشهاد بأي مقطع من رسائل وكتابات وقصائد هذا الشاعر، فهي تثير لدى المرء غريزة البحث من جديد في تفاصيل زاخرة وغنية لشاعر مبدع وإنسان كان يسعى لأن يعيش طويلاً. لكن هل سيثير اسم «جون كيتس» الأثر ذاته الذي كان يثيره عند الأوروبيين آنذاك عندما يتفحصون رسائله وقصائده التي كتبها في روما وعن روما؟ في تقديرنا أن كتابات كيتس كانت تعني طريقة في الحياة والكتابة مميزة ومثيرة ومجددة، إذ لم يشأ كيتس أن يفصل بين الفن والحياة كما كان متبعاً عند الكثير من أقرانه أو ممن سبقوه أو مثلما كانت وما زالت ترغب فيه المؤسسة الثقافية سواء في بلده أو في باقي بلدان أوروبا، فآثاره ما زالت إلى اليوم تثير الكثير من الأسئلة والحيرة. لقد كان شاعراً فذاً.

روما

نشرت في وجهة نظر
الخميس, 21 كانون1/ديسمبر 2017 21:39

كارافاجو الابن الضال للقرن السادس عشر

 

في الصالات الانيقة للقصر الملكي الذي يقع في قلب مدينة ميلانو ، تقيم وزارة الكنوز الثقافية الايطالية معرضا كبيرا للفنان الايطالي المثير للجدل ميخائيل آنجلو ميريسي الملقب بـ " الكارافاجو" نسبة الى المدينة التي ولد فيها في مقاطعة لومبارديا الشمالية، تحت عنوان ( ضوء جديد على حياة واعمال كارافاجو).

ما زالت نظرية الرسام البريطاني وعضو الأكاديمية الملكية البريطانية ديفيد هوكني تثير ضجة كبيرة في الأوساط الفنية والنقدية العالمية. تفترض نظرية هوكني ان كبار الرسامين في القرنين الخامس عشر والسادس عشر وعلى رأسهم الفنان كارافاجو كانوا يستخدمون العدسات الضوئية والمرايا العاكسة في لوحاتهم التي وصلت الى حد خيالي من الإتقان والإعجاز. إذ أن هذا الفنان الذي اشتهر بأنه كان يرسم لوحاته في الظلام، لم يكن يرسم في الظلام فعلياً، لأنه ووفقاً لنظرية هوكني كان يرسم في سرداب (بدروم) بيته الذي كان يقسمه الى قسمين: أحدهما مظلم والآخر مضيء، يفصل ما بينهما ساتر معتم، ويقوم بوضع عدساته في منتصفه تماما وعن طريق تسليط الضوء على وجه وجسد الموديل في الجانب المضيء ينعكس شكله وتفاصيله بدقة عبر العدسات على السطح الأبيض لـ(لكونفاس) للوحة المعدة في الجانب المظلم، لتخرج الى النور أجمل وأروع الأعمال الفنية.

وعلى رغم ما تحمله هذه النظرية التي أيدها مارتين كيمب (أستاذ تاريخ الفن في جامعة اكسفورد وهو من أكبر الخبراء في هذا المجال)، من تشكيك في قدرة ومهارة هذا الفنان العظيم ، الا ان ظاهرة كارافاجو لا زالت، هي الاوسع والاكثر انتشارللدراسات داخل ايطاليا وخارجها.

انتشرت شهرة كارافاجو في العقود الأخيرة انتشاراً واسعاً على أنه أحد أبرز الفنانين الواقعيين في القرن السادس عشر. والسبب باعتقادنا أنه لم يتمسك بالمألوف من تقاليد التصوير، فضرب بالتقليد عرض الحائط وراح يعبر في جميع خطوطه الهندسية التي انتفض من خلالها على التأنيقيين، عن تأثيرات الضوء والظل الغالبة، وعما هو حقيقي من الأشياء حتى أنه لم يغفل العناصر الأساسية في التشكيل كالأقمشة والأردية والفاكهة والأعشاب والأزهار الخ، كما ان كفاحه ضد التأنيقيين الذين تثقف على أيديهم لم يتضمن ابتداعه قواعد جديدة وإنما تضمن تقديماً جديداً متمشياً مع الضمير لكل ما كان التأنيقيون يقدمونه بصورة سطحية، مكررين قواعد ميتة. وبذلك دشن هذا الفنان فصلاً متميزاً جديداً في فن التصوير يختلف كل الاختلاف عن الفن التقليدي، بأسلوب أظهر من خلاله قيماً فنية رائعة. فإلى جانب خطوطه الهندسية وتأثيرات الضوء والظل، فإن مصدر إبداع كارافاجو هو الكفاح من أجل الصدق مثله في ذلك مثل العديد من الرجال العظام الذين ظهروا في الفترة التاريخية نفسها. أمثال المصلح الإيطالي الديني الكبير جوردانو برونو الذي أحرقته محاكم التفتيش وعالم الفلك الإيطالي غاليلو الذي أرغم على الصمت. ففي تلك الفترة احتدمت الصراعات في الوسط السياسي الذي اصيب بانهيارات كبيرة من خلال تناقضاته الداخلية وانعكس كل ذلك على البنى الفوقية للواقع الاجتماعي الإيطالي. وضمن هذا الخضم برزت واقعيته الجديدة الثائرة إذ كان يدرك ما في الكلاسيكية من مغالطة متأصلة، كما كان يشعر بأن كل شيء في الطبيعة يستحق التعبير عنه، أما الاختيار فإنما يجب أن ينصب على الوسائل التصويرية، وبطرق تؤدي الى الأسلوب الشخصي، وكانت هذه الواقعية مستندة الى فكرة طبقية لم ترض رجال الدين ولا الارستقراطية الحاكمة فقد كان هناك رسامون يستخدمون قابليتهم الفنية لإرضاء عملائهم بإظهار النساء كالإلهات، والقديسين على هيئة الملائكة، فأحس هؤلاء باحتضار فنهم على يد كارافاجو.

ليس هناك من شك في أن الفن في عصره شهد افتراق الكلاسيكية والتأنيقية عن الواقعية وفي نهاية القرن السادس عشر صارت أشكال التأنيقيين تقليدية أكثر من اللازم، وتولدت رغبة في إصلاح يستطيع ان يخلق احتراماً جديداً للواقعية من دون حاجة الى استبعاد المثل الاعلى الكلاسيكي. ولم يكن رجال الدين راغبين في دفع أموالهم مقابل رسوم يظهر فيها القديسون وكأنهم فلاحون قذرون فالسيد المسيح رسمه على هيئة إنسان فقير والعذراء امرأة جائعة وبائسة. كانوا يريدون صوراً يجدون فيها ملامحهم بين قديسي الفردوس وكأنهم جميعاً على شكل ملائكة تقطر وجوههم بالعافية، فما كان يرسمه كارافاجو هو التحدي المعلن ضد سلطانهم ورغباتهم. رسم لوحته الشهيرة (القديس متى) وهي تمثل شخصية هذا القديس في حال بائسة مقرفصة دامية، الأمر الذي جعل رجال الدين يرفضونها بكل غضب، فقال أحد مؤرخي عصره "هذا الوجه الكئيب للرجل القابع على ساقين معقودتين مشوهتين والذي مد قدميه العاريتين بوجه الجمهور... لا يدل على الإطلاق أنه يتمتع بكرامة القديس ومظهره". أما لوحة (موت العذراء) فهي الأخرى تنطق بالألم والشقاء وتتميز بتعبير عميق عن الحزن ورفضت ايضاًُ واعتبرتها الكنيسة عاراً، لأن الفنان لم يحط العذراء بهالة من الاحترام والتبجيل اللائق بها، فالمرأة التي رسمها كارافاجو كانت امرأة عادية من سائر بني البشر، حيث اتخذ من جسد فتاة منتحرة في نهر التيفر نموذجاً لرسم العذراء.

يمتلك كارافاجو احساساً عيمقاً بالأخلاقية الدينية المتنورة. فهو في لوحاته يغور عميقاً من دون ارتجال، بل بالاعتماد على المقاييس الهادئة الحساسة من أجل تحقيق شهادة حقيقية وعميقة المشاعر للظروف التي تشير إليها الموضوعات المختارة، حتى وإن تكرر على سطح اللوحة الواحدة ثلاث أو أربع محاولات، وهذا ما يميزه عن فناني عصر النهضة، فهو لم يعد اي مخطط أول للوحاته. إذ يتضح من الأبحاث التي أجريت على لوحاته بواسطة أشعة أكس أنه كان يرسم دون تخطيط أولي فهو يرسم ما يتصوره مباشرة.

إن قوة عمل كارافاجو لم تأت من خلال تقليد الأشياء الطبيعية ومحاكاتها، وإنما من خلال إظهار ما تمتلكه هذه الأشياء من جوانب متعددة تظهر واقعها الأصيل المبني على الصدق ونضج التفكير ووقاره ورغبته في تمجيد الشكل البشري. وما قدمه في أغلب أعماله التي رفض من خلالها التانيقية والسطحية المجردة يعد تحدياً لعصر لا يحتمل هذه اللغة.

إن استخدامه للمساحات الكبيرة والفراغات المظلمة المملوءة بالسطوح المجسمة يسبر غور الحياة في غناها الحسي القتامة والجلاء والضوء اللامع والظل العميق. إن تلك المساحات الخالدة مثلت الحركة الديناميكية بكل جوانبها.

ميخائيل آنجلو ميريزي (1573-1610) الذي سمي بكارافاجو انتسابا الى المدينة الصغيرة التي ولد فيها بالقرب من مدينة بيركمو في الشمال الايطالي، شد رحاله الى روما بعد ان درس الفن وامتلأت حياته بالمتاعب والشجارات والمشكلات فأصبح في مقدوره التكيف مع أجوائها الفنية الصاخبة، وشرع في إبداع روائعه التي اعتبرت ثورة في عالم التصوير. وما إن أشرف القرن السادس عشر على نهايته حتى انهالت عليه الطلبات من جميع الجهات لرسم العديد من الواجهات الداخلية. فاستخدمته إحدى الكنائس لتنفيذ بعض الأعمال، إلا أنها سرعان ما اكتشفت بأن عمله لا يتلاءم والتوجهات الدينية فتركته متشرداً جائعاً في شوارع روما القديمة، إلا أن عمله في كنيسة سان لويجي دي فرانشيسي التي كانت تحتل موقعاً متميزاً في روما انهى هذا التشرد الذي دام فترة طويلة. ولكن لوحاته لم تكن موطن إعجاب القساوسة الذين وصفوها بالعامية وبأنها لا تستحق ان تعلق في بيوت الله. كان شجاعاً في عمله وحياته حتى وصلت شجاعته تلك الى العنف والقتل لكي يدافع عن نفسه. وعلى رغم عبقريته إلا أنه لم يستطع التخلص من عصبيته فكان يستل سيفه لأتفه الأسباب ويدخل في مشاجرات ومبارزات، ففي عام 1600 كانت أشهر معاركه مع الرسام ماركو توليو وبعده بعام جرح بسيف أحد الأشخاص وفي السنة التالية اتهم بكتابة ونشر العديد من المقالات العنيفة فأوقفته السلطات الكنسية وأحالته الى القضاء إلا أن السفير الفرنسي تدخل لإطلاق سراحه.

حوكم أربع مرات ما بين 1603-1605 بتهمة القتل، إلا أن القانون كان من الضعف الى الحد أخرج كارافاجو من السجن لقاء رشوات دفعها بعض أصدقائه. في عام 1604 تشاجر مع نادل في إحدى حانات روما واتهم بالاعتداء على أحد أفراد شرطة البلدية فزج به في السجن بسبب خلافه مع (لورا) التي رسم وجهها في العديد من أعماله الدينية. وفي سنة 1605 دخل معركة مع أحد مسجلي العقود الرسمية فجرحه جرحاً خطيراً ما اضطره الى الهرب الى مدينة جنوه الإيطالية الشمالية. وسرعان ما عاد بعد فترة قصيرة ليقدم عريضة يطلب فيها العفو، وما ان يحل عام 1606 حتى يدخل معركة أخرى قتل على أثرها أحد الرجال فيهرب كارافاجو وهو يحمل جرحاً خطيراً في رأسه الى مدينة نابولي ليسطع نجمه الفني من خلال ما أنجزته ريشته من لوحات فنية في الكنائس.

وبعد ان اكتشف أمره غادر سراً إلى جزيرة صقلية ثم مالطا، إلا أن وجوده في مالطا لم يدم طويلاً إذ ان اهانته لأحد الفرسان المالطيين كانت سبباً في سجنه. ثم هرب من السجن الى جزيرة صقلية عائداً الى مدينة نابولي حيث جرح من جديد في مبارزة مع أحد الذين كانوا يقتفون أثره. غير أنه استطاع الهرب من جديد، حيث قضى فترة طويلة في البحر ووصل الى ميناء اركول فسجنته السلطات لمدة يومين بتهمة ملفقة، وهكذا توالت الأحداث العنيفة في حياته حتى مات جريحاً متعباً ويائساً ومتشرداً في الثامن عشر من شهر تموز (يوليو) 1610.

روما

 

نشرت في وجهة نظر

يصدر قريباً عن دار «المدى» العراقية، كتاب «بسام فرج: سيرة الاحتجاج» وهو من تأليف الراسم والناقد التشكيلي العراقي موسى الخميسي.
هنا مقتطفات وافية من مقدمة الكتاب

يحظى الفن الكاريكاتيري بمزيد من الاهتمام في العالم، ذلك لأن هذا الفن الذي بدأ يأخذ حيزا كبيرا في واقع الحياة اليومية للناس، يعد أكثر التعبيرات قدرة على استخراج الكثير من أشكال الديمقراطية من جيوب الرقابة التي تفرضها مؤسسات أي نظام من أنظمة العالم التي بنت استمراريتها على الرقابة والمصادرة والمنع. فن الكاريكاتير، يضع في اعتباره، إعطاء المشاهد أفكارا جدية وذات معنى عميق لما يدور في مجتمعه وفي العالم من أحداث، ورسام الكاريكاتير السياسي، يستفيد من السخرية لإيقاظ سخط الناس واستيائهم على مسببي الحروب والكوارث والمآسي والمظالم، لأنه مقتنع بأن ما يفعله، يعدّ وسيلة وحيدة للخروج من دائرة التخلف التي يعيد إنتاجها النظام السياسي فيشكل دورة مغلقة، حتى ولو كان ذلك بتغييب العقل.
ولا نبالغ إذا قلنا بأن الفن الكاريكاتيري هو فن مفردات ومجازات خاصة، تكون لغته الوسيط الشعبي الساخر. والصورة الكاريكاتيرية بما تحمله من نبض خفي للحياة يقدمها رسام الكاريكاتير وكأنها تبدو بعض الأحيان بديهيات إلا أنها تحمل دلالاتها الرمزية المبنية على الأساليب الفكهة والقادرة على تأسيس الكثير من القناعات التي تمتد جذورها في الواقع.
إن الحديث عن الكاريكاتير السياسي النقدي في أي بلد بالعالم هو في بعض الأحيان كالحديث عن زجاجات معبأة بالبارود، لها شكلها وإيقاعها وزمنها الذي تنفجر فيه. فبعض الأحيان ترتكز على قاعدة لغوية لتكّمل الشوط في نقل أحاسيس مشاهدها إلى عوالم تحول بين ظهورها حراب الرقابة، وبعض الأحيان تنطلق من دون قيود اللغة. جنرالان يجلس كل منهما أمام الآخر وصدر كل منهما تحول إلى جدار يحمل عشرات الأوسمة والنياشين الحربية، وهالة غموض معقدة تغطي سحنتيهما، يمسك كل منهما بسيجار، وينفث الدخان من فمه، فيلتقي دخان بعضهما بدخان الآخر ليشكل دخان قنبلة ذرية. صورة أخرى مرسومة بالألوان تشكل صواريخ نووية في دائرة حول الكرة الأرضية، وهي تلعب لعبة الأطفال الصغار، صورة أخرى تمثل صاروخا ينطلق وكأنه حكاية من حكايات الزمان السالف «افتح يا سمسم» حيث تتحول تلك الكلمة العراقية السحرية القديمة إلى كلمة معاصرة لتكون «افتح يا سام». موضوع السياسة والحب هو الطاغي في كل فعالية فنية جماهيرية هنا في العراق أو سوريا أو اليمن، أو الولايات المتحدة، فالحروب والأزمات الاقتصادية واللعب السياسية التي تقودها الطوائف والعشائر والأحزاب الدينية، تشكل الخوف الفعلي في حياة الناس، وما يقال وما يرسم يمثل صرخات الاحتجاج والخلاص تنطلق من كل مكان ضد الترسانات العسكرية، والمحافل السياسية.
العراق ينفرط ويتحلل في مدارات مظلمة وزاويا معتمة، وكأن هذا الجميع منتش بما أصاب الجسد العراقي الذي أنهكته الديكتاتورية الفاشية والأحزاب التي لبست لباس الدين الحنيف بوجوهها الطائفية والمذهبية، لتجهز عليه الخلافات التي ستحول هذا البلد الذي هو مهد الحضارات الإنسانية إلى لا شيء في الحسابات الدولية أكثر مما هو عليه حاليا.
الأزمات في بلادنا، وأيضا في كل بلدان العالم، لا تنتهي عند حد معين، كيما لا يغضب ذالك العراب المتربص لإسدال ستائره المظلمة على حلم النهار الديمقراطي.
و«الكاريكاتير» العراقي ليس له تاريخ طويل، إلا أنه وفي سنوات ما بعد سقوط النظام الديكتاتوري ولحد اليوم أخذ حيزا كبيرا في واقع الحياة الثقافية اليومية للمواطن العراقي، فهو موجود في أغلب الصحف اليومية العراقية، إذ أصبحت ظاهرة عامة في الحياة اليومية للشعب العراقي، أسوة بشقيقيه المصري واللبناني، لقد أصبح السفر ممتعا، ومريحا مع «دخانه» المتطاير الذي تحمله بعض التعليقات، التي توخز الفكر المحافظ، الغارق في يقينه، والخائف من الآخر ومن ثقافته، ومن حداثته وتقدمه، والمنتمي للآخرة أكثر من انتمائه للحياة، في واقع زاد زحاما، وأشدت غبارات أجوائه فأصبحت المنافذ «الدخانية» سهلة الاختراق لكل الحواجز التي يرفعها هذا الواقع، وذلك من خلال نصب الأفخاخ الذكية، وإجراء المقالب الماكرة، ابتدأت من معطف الفنان البغدادي غازي عبد الله الذي كان فنانا قديرا، وجاء من بعده تلميذ نجيب، هو بسام فرج، ليكون رافعا ماهرا للأقنعة، عن وجوه وعورات الكثير من السياسيين. ومهارته هذه قائمة على الملاحظات الثاقبة للحياة والواقع، وذلك في أخذ الكثير من جوانب هذا الواقع الأكثر تعقيدا من غيره، وصلنا من خلاله إلى زمن اللاعقلانية بامتياز، في كل مجالاتنا الحياتية... وأصبحنا ننظر إلى المستقبل يزدحم بعلامات الانهيار والتكلس القاتل في أفقه، فهو يعيد إنتاج الموت البطيء للثقافة والفكر والإنسان.
فقدم الفنان بسام للرمز صورة الفكاهة، لحمل الناس إلى رؤية الأشياء التي تسير على رؤوسها بالمقلوب، في واقع يمشي الجميع على قدميه.
واتسمت رسومه بالتبسيط في الفكرة والخط، لموضوعات هي بالأساس غير مبسطة للحد الذي تنتزع هذه الرسوم لتعكس الأشياء والظواهر المحيطة بسهولة وكأنها جزء من موجودات التعامل اليومي في الحياة الاجتماعية والسياسية العراقية، أنها تعتمد اعتمادا كبيرا على نقل الوعي بشرارات ذكية تخرج من الصورة وتلامس ذهن المشاهد، من دون تعليمية، ومن دون مخادعة، وإنما في سعي، يحمل وعيا واضحا يلامس، وينحاز إلى محبة الشعب العامل ليصل إلى العمق ليجعله يطفح على سطح واقع أي مجتمع، غني أو فقير، ديمقراطي أو ديكتاتوري.
معارك الأحزاب السياسية المستمرة، وفضائحها المدمرة، تمشي في طابور من أجل أن تدخل إحدى الغسلات الكبيرة والتي كتب عليها «غسل الضمير». إنها تبدو حقائق، وليست نكات خارج هموم العيش، لها القدرة في إيقاظ المخيلات، وفضح الواقع السياسي وبلاغته. أنه يدرك بأن المشكلة الكبرى، تتمثل الآن بانتصار التخلف الذي جعل من الحق باطلا، ومن الباطل حقا. فلا حداثة حقيقية من دون استعادة العقل السجين الذي يحتاج إلى تحريره من اليقينيات القاتلة والمتكررة.
معظم النتاجات الإبداعية التي حققها بسام فرج، كانت تحفر في أرض الوطن، وما تثيره من أسئلة حارقة ومارقة، لا تستسلم لكوابح العنف والتسلط وقمع الرأي، وإنما استطاعت تخطى العوائق والموانع؛ لتوقد جِذوة البحث الأبدي عن عشبة خلود الحياة والإبداع. لذلك اعتبر أن الرحلة في أهوال تيه الأنظمة السياسية ومكابداتها، من أبرز المحدّدات المهمة لعملية نقد لاذع وخلاق يمتلك صفة التخفي، يمجّد قيم الإنسان العراقي دون سواه، وهنا مطمح الإبداع القح والجدير بالديمومة. وقد تمكّنت عبْر رحلتي المتواضعة مع صديق العمر بسام فرج، أن أقف عند تخوم هذه التجربة منذ بداياتها الأولى الذاتية، في تشابك وتوالج وتواشج وإعجاب. رحلة اتسمت معالمها على الدوام، بالتنقيب عن وسيلة أسلوبية ناجعة.

نشرت في وجهة نظر


نرفض إستخدام لغة التهديد والوعيد والتعالي ضد أتباع الديانة المندائية
تستنكر هيئة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب في العراق تصرفات عضو مجلس النواب العراقي، السيد حارث شنشل السنيد، المعروف بـ (حارث الحارثي)، الذي يشغل مقعد الكوتة المخصص لطائفة الصابئة المندائيين بمجلس النواب العراقي، والذي نشر بياناً شديد اللهجة على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع العائدة للطائفة، وجهه لرؤساء واعضاء المجالس القيادية للطائفة (الروح...اني والشؤون والعموم)، هددهم فيه بمنعهم من دخول مندى الطائفة الرئيسي في بغداد والسيطرة عليه بالقوة، مهددا بالقول (بأنهم سيكونون تحت مرمانا قانونياً وعشائرياً وبدون سابق انذار)، مستغلا مركزه النيابي وما يتمتع به من حصانة، علما بأن موقعه كنائب لا يعطيه حق الولاية على مقدرات الطائفة ومصادرة قراراتها، خاصة وان هذه القيادات قد استلمت مواقعها الشرعية بالتصويت الحر المباشر وحسب النظام الداخلي المعتمد للطائفة.
في الوقت الذي نستنكر فيه إستخدام اسلوب التهديد والوعيد بصورة عامة، نجد أن تهديد القيادات الشرعية لأقلية دينية أصيلة، ومكون اساسي من مكونات الشعب العراقي، متعكزين به على فوضى غياب القانون وسيادة القيم العشائرية والبلطجة في المجتمع العراقي، ومن قبل شخص مندائي يفترض ان يكون المدافع الاول عن طائفته وابنائها وقياداتها، لا يمكن تفسيره الا بكونه حلقة من حلقات التآمر لافراغ العراق من مكوناته الدينية الأصيلة بدفع من الأحزاب الدينية الفاسدة ليتم تهيئته لاعلان العراق دولة إسلامية بالكامل، ليمرروا اجندتهم بتغيير الواقع الديموغرافي للعراق.
ان هيئة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب في العراق تدعو رئاسة مجلس النواب العراقي والسلطة القضائية، لوضع حد لتصرفات هذا النائب المشكوك باستحواذه على المقعد الوحيد (الكوتة)، وبالتواطؤ مع كتلة سياسية اسلامية كبيرة تبغي تجيير صوت الطائفة الوحيد لحسابها، وندعو الى محاسبته قانونيا وايقافه عند حده.

20 تشرين الثاني / نوفمبر

نشرت في وجهة نظر