نّ لعنةَ الآلهةَ اللاحقة :لكل من يحاولُ تخريبَ أو تغييرَ هذه الشريعةِ .
عسى الإلهَ سين ، ربُ السماء ِ ، خالقي الذي هلالُه واضحٌ بين الآلهةِ ، أن ْ يُجردَه من التاج وعرش ِالحكم ِ. عسى أنْ ينقلبَ نجاحَه الجيدَ الى نجاحٍ خبيت . عسى أنْ تُحطّم َ اسلحتَه في ميدانِ المعركةِ والحروب . عسى أنْ تُخلقَ الفوضى وتُثير عليه الثوراتُ . ----------------
بتلك اللعنات دوّن حمورابي (خليل الله) نهايةَ شريعته ، فكانت لها الأثر الكبير وكالصاعقة التي نزلت ْ على رأس القائد العيلامي (شوتوك) بعد أن قُرأتْ له تلك النصوص ، (شوتوك) الذي جاء بجيشه الجرار واستولى على البابليين الأوائل ، وقبله توالت جيوش الأعداء من الحيثيين وأقوام اخرى متعددة وابتدأت منذ منتصف الألفية الثانية ق.م ، أحلوا بالعهد البابلي الفوضى ونقل العيلاميون حضارة وادي الرافدين السومريين والأكاديين والبابليين ظنا منهم انهم سيكونون اَهلها ، جاء (شوتوك) سنة ١١٧٦ق.م وسرقَ رمز حضارة بابل وعزة البشرية ، سرق مسّلة حمورابي ، سرقها الى مدينة (سوسا) الشورش حاليا ، تلك المسلة التي سنها حمورابي (وهو الملك السادس لملوك بابل ) الأوائل ، هي دستورٌ بحق ومتكامل ، باكر حمورابي البشرية منذ مطلع الألفية الثانية ق.م بتلك النصوص العصماء وبذلك النضج السياسي والفكري والثقافي . سرقها شوتوك ووضعها أمامه هناك في مدينته سوسا ، اسدٌ امام فريسةٍ لا تلوي شيئا ، فأراد أنَ يُغيرَ بعضَ المواد الموجودة وأن يضع توقيعه ويذيلها باسمه ، لكنه عندما قرأت له تلك النصوص عدل عن ذلك خوفا من لعنة الآلهة ، إرتد ولم يستطع أن يفعلَ شيئا وركنها في مكان ما ، الله وحده يعرف ُ ذلك المكان ، هناك ركنَ حمورابي مُخفضَ الهامة كسيرا أسيرا ، وتتوالى السنون والى مطلع القرن العشرين الميلادي وتحديدا سنة 1909م عندما عثر َ عليها الآثري المصري من أصل سويسري وحيث نقلت الى اللوفر اخيراً /فرنسا ، وبذلك كشف حمورابي وجهه للبشرية وأطل عليهم مرة اخرى بتلك الشريعة الأعجوبة . حمورابي لم يدعِ أنه مرسلٌ من الإله (فهو إذن غير رسول) ، ولم يدعِ أنْ شريعته منزلةٌ من السماء(يعني انها ليست كلام الله) إنما قال : ( نصبَني الإلهَ حاكما للبشرِ لأكون َ لهم راعيا فأُنظّمُ القوانينَ وأُقمْ العدالةَ) وفي اعلى الشريعة نصٌ يقول ( شرائع ُ الدينِ التي شرعَها حمورابي وأقامها لِلنَّاسِ ) (شرعَها المُشرعُ ورفعها الى السَّمَاءِ (الآلهة) . وما النحتُ البارز في اعلى المسلة الا دليلٌ على ذلك :الجالس على الكرسي إنما هو إله السماء جاء وهو يمسك ُ بيده الوثيقة ، وثيقة التكليف مسطرٌ فيها ارقامٌ وقياسات وحسابات والواقف أمامه حمورابي يقفُ بخشوعٍ واجلال الى إلهه ، يسلم إله السماء الى حمورابي تلك الوثيقة ويكلفه بسن ِ شريعةٍ الى قومه ، بهذه الفلسفةِ في اللاهوت البابلي ارتكزت ديانة البابليين مستندة على (الخير والطيبة والحب) . نعم ظلّ حمورابي صبورا أسيرا في بلاد الغربةِ ، وربما كان يدري أن صبره ذلك سينقله الى العراقيين اليوم منذ تلك المئات من القرون الغابرات السالفات ، غَمدَ سيفه في جرابه وخفضّ هامته طاعةً ، لكنه رفعَ تلك الهامة حينما استقر به المقام في اللوفر وكشفتْ الشريعةُ عن وجهها الرائع فرجع منتصبَ القامةِ رغم بعده عن ارض بابل وعراق الفراتين ، لكن الشريعةَ قد مدتْ أذرعها على كل نصوص العالم في تشريعاتها وأعطتها الكلمة الفراتية الصادقة . ولمَ لا فحمورابي الذي أشترطَ أن يسبق (الزواج) مهرا موقعا بصك ٍ مدونٍ فيه شاهدان اثنان ، وان الزوج لا يحق له الزواج الا لسبب قاهرٍ او برضاء الزوجة الاولى ، وحيث انصف المظلومَ بأخذِ حقه من ظالمه ( العينُ بالعينِ والسن بالسنِ) بل ذهب اكثر من ذلك فقد عَاقِبَ المذنبَ اذا كان من درجةٍ عليا بضعف العقوبةِ اذا كان المظلوم من درجة اقل (سواد الناس) ، انصف الفلاح والفقير َ ، شرّعَ للقضاة مراتبهم وقوانينهم والمواد التي يحكمون بها بل وشرع نصوصا تحكم هؤلاء القضاة إن أزلوا بعدلهم ، تحريم الكذب ، عقوبات ضد السرقة وكثيرة هي المواد ...... . إن خشونة حياة المجتمع البابلي حتمت على حمورابي سن قوانين صارمة تصل في اغلبها الى الإعدام وبأشكال مختلفة يصعب الخوض بها في هذه العجالة ...... . تلك الشريعة التي تتربع على ثلاثةَ عَشَرَ قسما وعلى أربعة ٍ وأربعينَ حقلا بموادٍ مجموعها مائتان واثنتان وثمانون مادةً ، ومساحة المسلة 2,250م الطول و1,950م العرض من حجر الكرانيت . لقدإمحت بعض تلك المواد الداخلة من ضمن العدد الكلي 282 مادة والاسباب كثيرة أهمها النقل وليس(التغيير) . عظيمٌ انت أيها اللوفر فلولاك لربما حلّ بتلك الشريعة ما حلّ بأقران تلك المسلة في المتحف الوطني من تهشيم وسرقة وتدمير ، وانت حمورابي الصامت الصبور صبرَ ايوبَ الأسطورة ، اردتَ ان تكون شريعتك سنة ً للناس ، هدايةً ومعرفة وخيرا وسلاما ، ولو تعرف ما الذي حلّ باحفادكَ اليوم لنكستَ هامتكَ مرة اخرى وذرفتَ دمعةً بعد دمعه .