• Default
  • Title
  • Date
  • فاضل فرج خالد
    المزيد
    الثامن من شباط الاسود   **************************************************** في ذاكرتي ان بدايات عام
  • حامد خيري الحيدر
    المزيد
      خلال دراستي الجامعية في قسم الآثار/ كلية الآداب قبل
  • علي كاظم الربيعي
    المزيد
    لعيبي خلف الاميريدجله (يمينها) واهمها هور السنيه وهور عودة واسماء
  • عربي الخميسي
    المزيد
    في مثل هذا اليوم حدثت نقلة نوعيه غيرت طبيعة الحكم
الأربعاء, 15 نيسان/أبريل 2015

الصابئــة ومهنـة الصيــاغـة – اسباب الأختيار والتعلق والأستمرار

  تحســـــين مهدي مكلف
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

الصابئــة ومهنـة الصيــاغـة – اسباب الأختيار والتعلق والأستمرار

منذ امد بعيد اتخذ الصابئة المندائيون فن الصياغة وصناعة المجوهرات مهنة لهم ، فأحبوها وتوارثوها بين اجيالهم واصبحت مهنة الغالبية العظمى منهم ، فأنتشرت محالهم ومتاجرهم وورش عملهم بشكل واسع في جميع المدن التي سكنوها ، هذا الامر جعل هذه المهنة مقترنة بهم دون غيرهم من شعوب المنطقة ، خصوصا في موطنهم الاصلي العراق ، فخبراتهم في هذا المجال فاقت خبرات الاخرين ، وحبهم لهذه المهنة وتعلقهم بها فاق تعلق الاخرين ، اذ يندر ان نجد بينهم فردا لايعرف اسرار هذه المهنة حتى وان لم يمتهنها . لقد برزت قدراتهم ومواهبهم في هذا المجال بشكل واضح ، ويمكن تلمس ذلك من خلال ما أنتجوه من روائع في هذا الفن الدقيق الجميل ، الامر الذي جعل منهم اساتذة وخبراء في هذه المهنة تحديدا.

فما هي اسباب تعلق الصابئة المندائيون بمهنة الصياغة ولماذا راحوا يتوارثونها بين اجيالهم دون المهن الاخرى ، وكيف بدأ مشوارهم مع فن الصياغة ومتى ؟

تاريخ فن الصياغة

الصياغة فن قديم ظهرت اولى ملامحه ونتاجاته على ايدي السومريين سكان وادي الرافدين القدماء حوالي 3500 قبل الميلاد ، فالسومريون سبقوا الامم والشعوب الاخرى في الابتكار والاختراع ، وسجلت بأسمهم كبرى الانجازات الهندسية والمعمارية والفلكية والزراعية ، وكان لهم ايضا سبق الأنجازات الفريدة في مجال الفنون والحرف والصناعات اليدوية . اذ امتلك الفنان السومري مقدرة كبيرة ومهارة فذة في تجسيد الاشكال وتطويع الخامات لأنجاز عمله الابداعي ، اضافة الى تميزه بدقة العمل وعمق التعبير ، ويمكن تتبع تلك السمات والخصائص من خلال مشاهدة ماخلفه السومريون من شواهد اثارية مثيرة لازال العالم يقف مبهورا بروعتها .

لقد عرف العراقيون القدماء معدن الذهب وتمكنوا من استغلاله واستخدامه في اعمالهم الفنية والطقسية ، كما تم توظيفه في صياغة الحلي والمجوهرات ومستلزمات الزينة الملكية ، فظهرت على ايديهم اولى ملامح هذا الفن الجديد (الصياغة) بعد ان وضعوا له الاسس الاولى وجعلوه فنا مستقلا وابتكروا له كل مستلزمات العمل ، فصنعوا الافران والمسابك واخترعوا وسائلا واساليبا ذكية للطرق والسحب والقطع واللف والصهر والتنظيف والصقل والتطعيم وغير ذلك من الامور . كل تلك الاشياء عرفها العراقيون القدماء ومارسوها وانتجوا من خلالها آياتٍ مبهرة من روائع التحف التي تزين اليوم معظم متاحف العالم . وفي فترة مقاربة ايضا عرف المصريون القدماء الذهب ووظفوه في صنع اقنعة وتماثيل وتوابيت وصولجانات الفراعنة وابدعوا في ذلك كثيرا ، اما فن الصياغة تحديدا فقد تطور كثيرا فيما بعد على ايدي الاشوريين والبابليين وابدعوا فيه ايما ابداع ، وخير شاهد على ذلك ماتم العثور عليه من كنوز ذهبية في نمرود ونينوى ، اذ كانت تلك النتاجات من الحلي والمجوهرات متقدمة ورائعة بشكل يفوق الوصف ، وكذلك الامر بالنسبة لما خلفه البابليون من كنوز ذهبية مذهلة.

ويمكن الاشادة كثيرا بجهود السومريين وبراعتهم بأعتبارهم من وضع اللبنة الاولى لهذا الفن (الصياغة) ، فقد بلغت نتاجاتهم في هذا المجال شأنا متقدما يثير الاعجاب ، اذ تميزت بالدقة والتنوع والبراعة في اساليب العمل ، اما مسألة التطعيم بالاحجار الكريمة والاحجار والاصداف فقد بلغوا فيه شأنا كبيرا ، كما عرفوا فن النقش والقولبة وصناعة الميناء الملونة ، ويمكن ملاحظة تلك المزايا في ما تم العثور عليه في المقبرة الملكية في اور من أثار ولقى نفيسة كانت تشتمل على مجموعات لاتقدر بثمن من القيثارات والخناجر الذهبية والدبابيس والاقراط وعلب الزينة والملاقط والقلائد والكؤوس والحيوانات المصغرة والصولجانات الذهبية المرصعة بالاحجار الكريمة وغير ذلك من الاثار التي تدل على مستوى حرفي وفني يثير الاعجاب .

يقول اندريه بارو في كتابه الشهير - سومر، فنونها وحضارتها - واصفا احدى القطع الذهبية ، بقوله :
"فهذه القطعة من المقبرة الملكية في اور ليست سوى مثال بين العديد من هذه النتاجات الفنية الرائعة التي تبرر لنا ان نًصِف الفنانين السومريين بأنهم اعظم من جميع الفنانين القدامى"
ويضيف بارو " فليست هنالك مدنية اخرى في العالم في النصف الاول من الالف الثالث قبل الميلاد تستطيع ان تتباهى بمثل هذه الوفرة من النتاجات الفنية التي نُفذّت بمثل هذه الصنعة الكاملة ، فهي لاتقتصر على لمعان الذهب الذي قد يكون مجرد قطعة من ثروة مادية ، فالذي يدهشنا بصفة خاصة هو بريق الانجاز الخلاق المختفي وراءه "[1]

ويضيف اندريه بارو في مكان آخر من نفس الكتاب واصفا الموهبة الفذة للصاغة السومريين بقوله " فالكأس والطاس الجميلان العائدان الى الملكة شبعاد يصعب ان تتفوق عليهما اية ادوات لمائدة ملكية ... كل هذه تدلل على الذوق الخالص لصاغة الذهب السومريين "[2]

مزايا الذهب

الذهب Gold من اوائل الفلزات التي اكتشفها الانسان اضافة الى الحديد والنحاس ، والكلمة الاصلية هي Geolo ومعناها الأصفر ، وفي اللاتينية يسمى Aurum ومنها جاء رمز الذهب (Au) .. يعتبر الذهب من المعادن النفيسة والمميزة والمحببة للناس ، وامتلاكه دليل للرقي والجاه والرفعة ، فهو المعدن الذي تصنع منه تيجان الملوك وتماثيلهم وبه تزين قصورهم ورياشهم وابوابهم وادواتهم ، كما تُسك به مسكوكاتهم وتحلى به مقابض سيوفهم ، استخدمه الرومان والبيزنطيين والعرب وشعوب كثيرة اخرى لصناعة عملاتهم المحلية بسبب قيمته واهميته . والصياغة كفن وكحرفة اقترنت بمادة الذهب دون سواه ، فهي ابتدأت به واستمرت زمنا طويلا حتى تم اكتشاف معادن اخرى كالفضة والبلاتين وغيرها ، لهذا فان جميع الحلي والمجوهرات والهدايا والتماثيل والاقنعة وغير ذلك مما تركته الحضارات القديمة في وادي الرافدين ووادي النيل ، كانت مصنعة من الذهب (الذهب الخالص تحديدا) وليس من معادن اخرى .

الذهب الخالص (عيار 24 قيراط) له لونه الخاص المعروف الذي يميزه عن غيره من المعادن، وهو لون جميل مبهر يستدرج العيون اليه بسبب نقائه وصفائه وانسجامه مع معظم الالوان التي تحيطه اينما وضع . والذهب من المعادن الهشة رغم ارتفاع كثافته ، اذ تبلغ درجة صلادته 2.5 درجة على مقياس الصلادة المؤلف من 10 درجات ، وهو المعدن الوحيد الذي يصمد ولا يذوب امام جميع الحوامض باستثناء حامض النتريك المركز (الماء الملكي او التيزاب) ، لذا يستخدم هذا الحامض لتفكيكه واعادة تنقيته . ومن مزايا الذهب الاخرى انه ينصهر بدرجة (1064) مئوية، ويغلي بدرجة (2856) مئوية ، كما يعتبر من اكثر العناصر كثافة ، اذ تبلغ كثافته ضعف كثافة الرصاص ، والذهب لا يصدأ ولا يتآكل لكونه لايتاثر بالماء والهواء والاوكسجين ، وهو موصل جيد جدا للكهرباء ومقاوم للشد ويتميز بالليونة والطواعية ، فلا يتكسر بسهولة ، كما يمكن سحبه وطرقه بسهولة ، اذ يمكن سحب غرام واحد منه الى خيط طوله 3 كم ، ويمكن عمل رقاقه منه بسمك لايتعدى 0.00013 ملمتر .

وبسبب خصائصه تلك وندرته النسبية اصبح الذهب منذ اكتشافه ، من المعادن الثمينة والمطلوبة ، فأستخداماته لاتقتصر على صناعة الحلي والمسكوكات والهدايا فقط ، انما له استخدامات طبية وصناعية ايضا ، كما يتم اعتماد الذهب في المعاملات التجارية بسبب قيمته المرتفعة ، فيستخدم كأحتياطي للعملات الورقية ، ويعرف اقتصاد البلدان بحجم رصيدها منه ، فهنالك علاقة بين ماتمتلكه البلدان من احتياطي الذهب وبين قيمة العملة المتداولة فيها . والوحدة الدولية المستخدمة لوزن الذهب هي الأونسة وتعادل (31.1) غرام ، اما نقاوة الذهب المخلوط بمواد اخرى فتحسب بالقيراط ، والذهب الخالص مكون من 24 قيراط . ويخلط الذهب بمعادن اخرى كالنحاس والفضة للحصول على درجة الصلابة المطلوبة .

الصابئة ومهنة الصياغة ، اسباب الاختيار والتعلق

الصياغة هي المهنة المحببة الاولى للصابئة ، فهي المهنة التي تعلموها ومارسوها منذ زمن بعيد وعرفوا اسرارها واصولها وابدعوا فيها واتخذوا منها فنا وصنعة ، لقد تمكن اسلاف الصابئة الاوائل ان يطوعوا تلك المادة الثمينة – الذهب – تحت اياديهم الماهرة لكي تخضع لكل النماذج والاشكال التي يرغبون صنعها ، والصياغة كفن تتطلب مهارة ودقة عالية ، مع صبر ومتابعة متأنية لجميع مراحل العمل ، اضافة الى الاهتمام بنظافة المنتج والمحافظة على رونقه وبريقه. والصابئة المندائيون كانوا ولازالوا يمتلكون تلك المزايا في العمل ، الا ان الأنعزال وضعف الحال الذي طبع حياتهم خلال الازمان الماضية جعل هذه الحرفة تراوح مكانها من ناحية التقدم التقني وطرق ووسائل العمل واشكال النماذج المنتجة ، فأخذت هذه الحرفة تسير على وتيرة واحدة على مدى زمني طويل ، ذلك ان الانعزال يؤدي الى الجمود وعدم التجديد او التطور ، بسبب عدم الاتصال والاحتكاك بالمجتمعات المتقدمة الاكثر رقيا وتقدما وعدم الاخذ منها والأستفادة من خبراتها وعلومها ، وهذا ينطبق على جميع العلوم والفنون .

ومع ذلك فقد تميز الصابئة المندائيون بحرفيتهم العالية في مجال الصياغة وبمقدرتهم على صنع مختلف النماذج والاشكال ، كما برعوا بالحفر والنقش وبصناعة الميناء وتركيب الاحجار الكريمة، فأرتبطت هذه المهنة الجميلة بهم بشكل واضح وصارت مهنة الصياغة مرادفة عند الناس لكلمة الصابئة وبالعكس حتى يومنا هذا . ومن المحتمل ان يكون الصابئة قد سبقوا اليهود في تعلم الصياغة بسبب وجودهم ومعايشتهم للسومريين ،المبتكرين الاوائل لهذا الفن، في نفس الرقعة الجغرافية جنوب العراق ، وكذلك مجاورتهم واحتكاكهم مع الأكديين والاشوريون والبابليين الذين طوروه كثيرا فيما بعد ، ولعل اليهود اخذوا هذا الفن عن الصابئة وليس العكس كما يعتقد البعض ، فليس من المستبعد ان يكون الصابئة قد علموا هذا الفن لليهود بعد هجرتهم (اي هجرة الصابئة المندائيين) من العراق الى فلسطين واقامتهم هناك فترة من الزمن، او ان اليهود قد اخذوا هذه الصنعة عن الصابئة وتعلموها منهم ومن الاقوام الاخرى خلال فترات وجودهم في ارض الرافدين بعد السبي البابلي والعصور اللاحقة . الا ان الصابئة لاشك تعلموا من اليهود فنون البيع والشراء والمتاجرة والتسويق ، لأن الصابئة المندائيين كانوا صنائعيين وحرفيين وليسوا تجارا ، فلم تكن لهم خبرة المتعاملين مع السوق في ذلك الزمن .

ولعل اهم اسباب امتهان الصابئة المندائيون لهذه المهنة وحبهم لها واسباب تناقلها بين اجيالهم حتى الزمن الحاضر ، مايلي :

اولا . لاشك ان الصابئة ابتدأوا امتهان الصياغة منذ زمن بعيد ، ودليل ذلك تقدمهم الكبير في هذا المجال ورقي صناعتهم ، وكذلك تعلقهم بهذه المهنة وتواصلها بين اجيالهم وهم الشعب العريق الممتد تاريخه في عمق الزمن ، وهنالك اسباب مهمة دفعت بهم الى تعلم وامتهان الصياغة ، منها حاجتهم الى صياغة بعض القطع التي تفرضها ضرورات طقوسهم وتعاليم دينهم، ومثال ذلك صياغة الخاتم الخاص برجال الدين المسمى (شوم ياور زيوا) ، اذ يستوجب على كل رجل دين ان يضع في يده اليمنى هذا الخاتم الذي يصنع من الذهب الخالص ، كذلك هنالك قطعة من الذهب تعلق على الدرفش (درافسا) - الرمز الديني للصابئة ، هذه القطعة تكون على هيئة حلقة تجمع طرفي الحبل الذي يربط الغصنين المتقاطعين اللذين يُكوّنان هيكل الدرفش ، هذا اضافة الى خاتم السكندولا المعروف والسلسلة الملحقة به . فهذه المستلزمات الطقسية وغيرها كانت تفرض على ابناء هذه الطائفة تعلم فن الصياغة لصنعها بأيديهم في كل وقت وفي اي مكان يحلون به ، فهم لايسلمون اسرار دينهم الى الاخرين وليس من المستحب ان يصنع لهم الغرباء هذه الاشياء .

ثانيا . المعروف ان الصابئة المندائيين سكنوا الجزء الجنوبي لوادي الرافدين ، اي مدن جنوب العراق المعروفة حاليا ، وهي ذات المدن التي استوطنها وسكنها السومريون زمنا طويلا واقاموا فيها حضارتهم الراقية ، فالمندائيون عايشوا السومريين واكتسبوا منهم مهارات ومعارفا عديدة لعل الصياغة واحدة منها ، فمن المحتمل انهم كانوا صنّاعا ومساعدين في العمل لأصحاب هذه المهنة ومبتكريها الاوائل (السومريون) ومنهم تعلموا اصولها وفنونها وكل اسرارها ثم برعوا فيها واحسنوا صنعتها فأحبوها واتخذوا منها مهنة لهم .

ثالثا . كانت ظروفهم القاهرة ومعاناتهم من الاضطهاد تدفع بهم للبحث عن الحماية ، عن قوة او سلطة تحميهم ، وقد رأوا ان الأجدى لهم هو التقرب الى الملوك والحكام والسلاطين ، التقرب اليهم بالعطايا والهدايا توددا لهم وكسبا لعطفهم وطلبا لحمايتهم ودرءا لشرهم ، وكان على المندائيين صنع تلك الهدايا بانفسهم للتباهي بها ، فكان هذا الامر حافزا كبيرا لهم للأهتمام بهذه الحرفة وتطوير امكانياتهم وخبراتهم بها للارتقاء بالعمل الى مستويات متقدمة ، فاكتسبوا مع الزمن قدرات ومهارات كبيرة في هذا المجال ، وكان عُليّة القوم يكلفونهم بصنع مايريدون من حلي وهدايا ، فذاع صيتهم واتخذوا من الصياغة وسيلة لكسب الرزق وتمسكوا بها كمهنة وتوارثوها .

رابعا . في جميع بلدان الشرق الاقصى والبلاد العربية يتوارث الابناء عن اباءهم واجدادهم مهنهم وحرفهم لأنهم يتعلمون منهم اصول تلك المهن والحرف صغارا فيتقنونها عند الكبر ، وفي الغالب يلتف افراد كل عائلة حول نفس المهنة ، فالأبناء يساعدون الاباء في الانتاج ويتعاونون في بلوغ النجاح وكسب الرزق ، وكل جيل يسلم للجيل الذي يليه اسرار تلك المهن وفنونها فتتم المحافظة على اصول المهنة مع الزمن ، وهكذا ورثت الاجيال الحاضرة من ابناء الصابئة المندائيين اصول هذه الصنعة واسرارها من الاجيال التي سبقتهم فبقيت هذه المهنة بيدهم وتمسكوا بها حتى الوقت الحاضر.

خامسا . شعورهم بالحاجة الى التكاتف والتعاون وحماية بعضهم البعض ، هذا الشعور كان دافعا لهم لأن يكونوا قريبين لبعضهم في سكناهم وعملهم ، فأدى الى اتخاذهم مهنة واحدة (الصياغة) لتكون لهم تجمعات عمل واسواق في نفس التخصص من اجل الشعور بالامان والالتقاء المستمر وتبادل اسرار المهنة .

سادسا . الصائغ يتعامل مع ماهو جميل وثمين لكون مادة تعامله الرئيسة معدن نفيس وثمين (الذهب) اي التعامل مع ما قل وزنه وغلا ثمنه من المواد ، فيسهل بذلك خزنه او اخفائه والمحافظة عليه ، والصياغة مهنة ترتبط بالفن والجمال والذوق الرفيع ، وهي تتطلب مهارة ودقة ونظافة ، وهذه المزايا في العمل يتصف بها المندائيون ، كما ان الصياغة من المهن الراقية والجميلة وفيها تنوع وتجديد وتدر ربحا وفيرا ، والصائغ يتعامل مع شريحة من الناس يغلب عليها الاثرياء والمتذوقين ، لذلك احب الصابئة المندائيون هذه المهنة وفضلوها على غيرها من المهن .

هذه الاسباب وغيرها ربما كانت الحافز والدافع وراء امتهان الصابئة لمهنة الصياغة وحبهم وتعلقهم بها ، وسبب توارثها بين اجيالهم حتى الوقت الحاضر ، فهم لازالوا متمسكين بها ، يعلمون اصولها لأولادهم وينقلون اسرارها لأحفادهم لتكون هذه المهنة صلة الوصل بين الاحفاد والاجداد ، ولتبقى الرابط المهني الذي يجمعهم ، انها اليوم هويتهم الثالثة ، بعد هويتي الدين واللغة .

[1] ســومر فنونها وحضارتها ، اندري بارو ، ترجمة الدكتور عيسى سلمان وسليم طه التكريتي ، طبعة بغداد 1979 ، ص209 .

[2] الكتاب السابق ص 210

الدخول للتعليق