• Default
  • Title
  • Date
  • فاضل فرج خالد
    المزيد
    الثامن من شباط الاسود   **************************************************** في ذاكرتي ان بدايات عام
  • حامد خيري الحيدر
    المزيد
      خلال دراستي الجامعية في قسم الآثار/ كلية الآداب قبل
  • علي كاظم الربيعي
    المزيد
    لعيبي خلف الاميريدجله (يمينها) واهمها هور السنيه وهور عودة واسماء
  • عربي الخميسي
    المزيد
    في مثل هذا اليوم حدثت نقلة نوعيه غيرت طبيعة الحكم
الإثنين, 19 تشرين2/نوفمبر 2012

البرديصانية فرقة غنوصية وليست مندائية

  عزيز سباهي
تقييم هذا الموضوع
(2 عدد الأصوات)

كانت الشعوب في غرب اسيا, من الهند حتى الأناضول ومصر قد شهدت قبل ألفي عام صراعات شتى. كانت الحضارات القديمة في ما بين النهرين والى الغرب منها حتى مصر تخلي السبيل امام وافدات حضارية جديدة تصدرها الاغريق والرومان والفرس. وكانت هذه الحضارات تتصارع فيما بينها بالسلاح والفكر والأديان والتقاليد . كانت معتقدات الأقوام وتصوراتهم عن الكون والخلق والإنسان تعاني من البلبلة والتغيرات في كل جانب. لم يكن ثمة من خلاص في كل جانب من جوانب الحياة. لذلك كان طبيعيا ان تنبثق في غمرة هذا الاضطراب أديان ومعتقدات وأفكار ونظم سياسية شتى. وصار يجري الحديث عن مخلصين وعن سبل يصطنعونها للخلاص . وتغدو الأديان في هذه الحال السبيل الأيسر والأفضل للخلاص مما كان يكابده الناس من صنوف العذابات والروح التي لم تعد أوضاعهم السياسية والاجتماعية قد أبقت على اي امل فيها , صار البحث يجري عن مسرات لها في عالم اخر تصنع له اخيلتهم أشكالا مختلفة. وشاعت لهذا الاخلاق الرواقية. أخلاق الدعة والرضا والسكينة والتسليم. 

كان من بين ما أفرزته هذه الحقبة: المسيحية بمذاهبها العديدة والغنوصية باطيافها المختلفة والزرادشتية وألوان اخرى غامضة من الأديان والمعتقدات. ولان تدوين الأفكار لم يكن يجري بيسر آنذاك . اضطربت الصورة كثيرا حتى لم يعد من السهل التمييز فيما بينها . وتحديد ما هو الأسبق ومن تأثر بمن . ومن نادى بهذا ومن دعا الى ذاك . في غمرة هذا الاضطراب ولدت المندائية . كيف ومتى وفي اي مكان بشر بها اولا ، كل هذه وغيرها من الجوانب الروحية والاجتماعية باتت غامضة الان ولا سبيل مجد للعثور على بدايات هنا ، والى القطع في هذا ال جانب او ذاك . وان كان كبار من درس المندائية يذهب الى انها ظهرت قبل المسيحية بقليل.[1] 
من بين ما أفرزته هذه الحقبة من ظواهر اجتماعية كانت الغنوصية. لن يكون من المجدي البحث عمن نادى بها اولا وأين وكيف فلن تحظى هذه التساؤلات باجابات شافية . وقد انصرف الى البحث في هذه الظاهرة الاجتماعية كثيرون دون ان يقطعوا فيها بشي. فمنهم من أرجعها الى ما قبل المسيحية ، ومنهم من عدها انعكاسات اجتماعية لهذه المسيحية. ومنهم من حصرها في اطار الدعوة المسيحية وما تولد عنها من صراعات مذهبية ،وغيرهم عدها من الانعكاسات الاجتماعية التي ولدها تدهور اليهودية الرسمية. وزاد في الامر تعقيدا ان اختفى كثير مما خلفه دعاتها بفعل الاضطهادات الكنسية التي ساندتها الامبراطورية الرومانية بعدان تبنتها رسميا. وما كتب عنها جاء في الأعم منه بعد ازدهار فرقها بازمان طويلة وفي اطار الرد عليها من جانب الآباء المسيحين او فلاسفة الافلاطونية المحدثة و بتحامل ملحوظ. 
ان الغنوصية ، باختصار، تجيب على تساؤلات الانسان الحائر: من كنا وماذا اصبحنا وأين كنا. وأين القي بنا والى اين نحن سائرون ومن اي شيئ يجري تخليصها وكيف وما هو الميلاد وما هو البعث ومن اين تولدت الشرور ومن ولدها. والغنوصية بألوانها المختلفة تزدري العالم الذي تعيش فيه ، وترى انه مصدر الشرور، والخلاص منه يتم عبر وسيط سماوي يهبط الى العالم لإرشاد النخبة. والطرق التي ترسمها لخلاص البشر تتباين في تلاوينها. 
كان من اسباب انحسار الغنوصية واندثار معظم فرقها الاحتراب الذي دخلته فرقها فيما بينها. ولان هذه الفرق انبثقت في مواطن عديدة من العالم القديم حملت تبايناتها المحلية التي تولدت عن معتقدات وأوضاع هذه المواطن وكانت هذه التباينات تغذي الاحتراب وتوفر للسلطات الحاكمة، الرومانية والفارسية الذرائع لاضطهادها، وخلفها في هذا الاضطهاد من ورث هذه السلطات. 
المندائية كانت واحدة من هذه الفرق الغنوصية أثرت ان تنزوي أخير في بطائح ميسان حيث لا سبيل الى ملاحقتها ، مثلما انزوت فرق اخرى هناك. من اين تلقت اولا أفكارها الدينية ؟ امر يشوبه كثير من الغموض. ولا يوضح احد كتبها( حران كويتة) الذي يمس تاريخها مسا خفيفا ، الكثير في هذا الشان. وبات الحديث هنا يقرب من الحدس . والشواهد التي يزودها كتابها الاساسي ( الكنزا ربا) عن الأدوات التي كانت. تستخدمها والمواد المصنوعة منها كالحديد وغيره ، والشواهد الاخرى التي تدور حول الخصومات الدينية التي كانت تدخلها ، لا تؤكد انها طائفة قد اوغلت في القدم كثيراً. في المقابل ثمة شواهد تدل على انها كانت تنتشر خارج بطائح ميسان في بعض الأوقات. ولأن الطائفة اعتمدت الذاكرة في الأساس للاحتفاظ بأدبها الديني ، شاب هذا الادب شيء من الاضطراب والخلط والتحوير احيانا ، شان الأديان الاخرى . 
في احد الكراريس التي خلفها اتباع ماني منذ القرن الرابع (وربما الخامس الميلادي) يشار بوضوح تام الى ان ماني كان يعيش مع والده فاتك (وهو فارسي الاصل وكان قد اعتنق المندائية وعاش بينهم هو وزوجته في ميسان مع الطائفة المندائية). يشار في هذا الكراس أيضاً الى ان رئيس الصابئة المندائيين كان يدعى (الخسايي او الحسح كما يدعوه ابن النديم في الفهرست ) لكن الكراس المانوي هذا لا يوضح لنا امر الخسايي هذا اين ومتى اصبح رئيساً للطائفة . الا ان المصادر المسيحية رغم عدم دقتها وتشوشها تشير الى ان الخسايي هذا وجد عند البحر الميت وانه كان يدعو الطائفة الى التعميد و يشدد على ذلك, ان تطهر أوانيها وكل ما تأكله بالماء الجاري . 
من بين ما تذكره المصادر المسيحية ان الذي حمل راية الغنوصية في مصر وفلسطين كان يدعي والنطس (فالنتينوس) في منتصف القرن الثاني الميلادي (136-155) م في الوقت الذي كان فيه مرقيون يدعو الى غنوصيته فيما بين النهرين اساسا في الفترة ذاتها (140-150 ). بيد ان انشط الدعوات الى الغنوصية نهض بها ما يدعى بر ديصان فيما بين النهرين وهو ما ستتوقف عنده بالتحديد لان (الكنزا ) تشير اليه. 
ولد بر ديصان في مدينة الرها في شمال ما بين النهرين في 154 م وتوفي في أرمينيا عام 222م وسمي بر ديصان نسبة الى نهر ديصان الذي يمر بمدينة الرها في جنوب الأناضول ( وتدعى المدينة باسم أورفا ألان) كتب عنه كثير من المسيحيين والمؤرخين الإسلاميين إذ كتب عنه افرام السرياني وتيودور برخوناي وابن العبري وإيرنياوس. كذلك كتب عنه ابن النديم في الفهرست، والشهرستاني في الملل والنحل، وابن حزم الأندلسي في الملل والأهواء والنحل. ولما كان بر ديصان شاعرا مبدعا بالسريانية ذاع صيته كثيرا وقد وضع أوزان الشعر السرياني ونظم الأناشيد الحارة التي كان يترنم بها الشباب دفاعا عن المسيحية. 
ولد وثنيا ثم تنصر، وحارب مرقيون، الا انه مال بعد ذلك الى والنطس. ثم رفض أفكار الوالنطية وصار يبشر بأفكاره الخاصة التي شاعت كثيرا بفعل فصاحته وشعره. وتعرض بسب ذلك الى خصومة الكثيرين, لا سيما من بين الكتاب ورجال الدين المسحيين. يقول ابن النديم ان لابن ديصان كتب عديدة في النور والظلمة وروحانية الحق وكتاب المتحرك والجماد. وله أيضاً كتاب شرائع البلدان وكتاب القدر. 
يذهب الشهرستاني في الملل والنحل "الى ان اصحاب ديصان اثبتوا أصلين نورا وظلاما. فالنور يفعل الخير قصدا واختيارا, والظلام يفعل الشر طبعا واضطرارا .....فما كان من خير ونفع وطيب وحسن فمن النور، وما كان من شر وضرر ونتن وقبح فمن الظلام. وقال بعضهم ان النور انما دخل (اجزاء ) الظلام اختيارا ليصلحها ويستخرج منها اجزاء صالحة لعالمه فلما دخل تشبث به زماناً فصار يفعل الجور والقبح أضراراً لا اختياراً ، ولو انفرد في عالمه ما كان يحصل منه الا الخير المحض والحسن البحت وفرق بين الفعل الاضطراري وبين الفعل الاختياري ".[2] 
ويقول ابن النديم في الفهرست " ان الديصانية فرقتان: فرقة زعمت ان النور خالط الظلمة باختيار منه ليصلحها فلما حصل فيها ورام الخروج عنها امتنع ذلك عليه, وفرقة زعمت ان النور أراد ان يرفع الظلمة عنه لما احس بخشونتها ونتنها شابكها بغيراختياره. مثال ذلك ان الانسان اذا أراد ان يرفع عنه شيئا ذا شضايا محددة ,دخلت فيه فكلما دفعها أزدادت ولوجا فيه "[3] ولعل ما أورده الشهرستاني وابن النديم يذكرنا بأسطورة ابثاهيل ونزوله الى العالم الأسفل وصراعه مع آلهة الظلام في المندائية) يرد ذكر بر ديصان في (الكنزا ربا) (الكتاب السادس صفحة 203 من الطبعة الأسترالية في كتاب دنانوخت). 
يقول دنا نوخت " أنا فقيه الدين الحكيم ودواة كتاب الآلهة والقوي والفخور والمترفع الذي ليس له سيد في بيته ولا يحتوي ملكه او قصوره الشامخة او دوره السفلى على من هو اكبر منه سنا .ان كتبي هذه مفتوحة على راحتي في حين سفر تذكار اخبار الايام يثقل على ساعدي" (الاشارة هنا ترد الى كتاب سفر تذكرة في كتاب ملاخي، الإصحاح الثالث من العهد القديم والأصحاح السادس من أستير ومواقع اخرى في العهد القديم). 
يصف دنا نوخت كتاب ديصاي الذي كان يتصفحه بالصغير الا ان أقواله كبيرة تتدفق من الكلمات تعبيرا عن بلاغته. يفهم من هذا ان رجل الدين المندائيي اخذ بشاعرية برديصان المتدفقة,ولا عجب في ذلك اذ اشتهر هذ الداعية الأغنوصي بالبلاغة الأخاذة التي كانت قد اكسبته شهرة واسعة لاسيما بين الشباب الذي كان يترنم بشعره. الا ان دنانوخت الرجل الوقور سرعان ما يتدارك نفسه فيرمي بالكتاب الى النار. لكن دون ان يمحو هذا من تأثره به فيعاود قراءته وسرعان ما يعجب به ثانية. وللمرة الثانية ينتفض ويقذف بالكتاب الى الماء ويعود الى رشده والى ما آمن به. 
ان كتاب دنانوخت هذا يؤكد المعلومة التي قيلت ان الديصانية قد أوجدت لها اتباعا بين صابئة بطائح ميسان بعض الوقت .على أية حال يشير المؤرخون الذين تناولوا الحديث عن هذه الفرقة الغنوصية ان آثارها قد انمحت في القرن الخامس الميلادي بتأثير الحملة التي شنها اتباع ماني عليها. 
أخيرا نقول ان دعوة بر ديصان كانت هي الأقرب الى المندائية الا انها لم تكن مندائية خالصة وانتهى أمرها بعد حين في الوقت الذي اتسع شان المانوية وامتد كثيرا حتى وجدت اتباعا لها في غرب الصين شرقا وشرق أوربا في الغرب وعاشت حتي القرن الثالث عشر الميلادي بينما عاشت المندائية حتى الان . 
مصادر البحث
1. ابن النديم , الفهرست , طبعة دار المعرفة , بيروت 1997
2. الشهرستاني , كتاب الملل والنحل، مكتبة الأنجلو المصرية , القاهرة , الطبعة الثانية 
3. يوسف رزق الله غنيمة , بر ديصان وبدعته, مجلة المشرق , بيروت ,1920
4. الكنزا ربا. منشورات الماء الحي, سدني. استراليا الطبعة الثانية. كانون اول. 2000ميلادي 
[1] للإفادة هنا نذكر ان المؤرخ اليهودي يوسيفوس ولد في عام 38 م وتوفي في بداية القرن الثاني اي قيل ولادة بر ديصان ،وانه الف كتابيه "حروب اليهود " "والعصور القديمة " في نهاية القرن الاول الميلادي
[2] صفحة 230-231
[3] 412صفحة

الدخول للتعليق