• Default
  • Title
  • Date
الأربعاء, 19 تموز/يوليو 2017

العالــم عبــد الجبــار عبــد الله .. والتعليــم الجامعـــي " الجزء الثاني "

  صلاح جبار عوفي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

ويواصل عالِمنا الجليل ، أفكاره .. قائلاً .
وعندي أنّ نوعية العرف الجامعي ، وما يتحصل منه ، معتمدة على ثلاثة عوامل رئيسية مرتبطة بها ارتباطاً واضحاً : (1) الهدف الذي تسعى الجامعـة من أجلــــــه . (2) المواد الأولية التي تتكون الجامعة منها . (3) المحيط الخارجي الذي تعيش الجامعة في وسط
فأما الأول ، هدف جامعة بغداد ، فربما أستطعنا إجماله بأن تكون جامعة تخدم العلم عن طريق ممارسة العلم ، وتعد الشباب للقيام بواجباتهم في خدمة الجمهورية العزيزة ، وفي إداء ما يترتب عليهم من خدمة للعالم بوصفهم جزءًا من المجتمع الانساني ، وبالتحري عن المثل الفاضلة وتبنيها ، وقيادة المجتمع نحوها بالدعوة إليها والعمل من أجلها وأما الثاني ، المواد ، التي تكوِّن الجامعة ، فمؤلفة من طلابها ومن هيئتها التدريسية
وسائر المنتسبين الى اسرتها الكبرى . ثم من كافة ما تنتظمه من أسباب ووسائل . وبديهي أنّ هؤلاء جميعا بما يتميزون به من خواص وصفات ، يحددون نوعية العرف الجامعي واسلوب تكوينه ، كما تحدد متانة البناء بمواده الانشائية
أما العامل الثالث ، فالجامعة مخلوق يعيش وسط هذا المجتمع العظيم ، فلا بد لها من أن تستجيب لأحكامه ومن أن تتأثر بها ، كما أنها لابدّ من أن تؤثر فيه على قدر ما فيها من زخم وإذن فلابدَّ للعرف الجامعي من أن يجد أصوله في العرف العام ، ولابد للتقاليد الجامعية من أن تأتي منسجمة مع تقاليد المجتمع الخارجي القريب على الاخص والبعيد على قدر ما يتصل بها ، مما بدأ منها مناقضاً لتلك التقاليد أو نابيا عنها ، فقد حكم عليه بالانحلال قبل أن يتركز ، ولا يعيش من التقاليد إلا ما كان صالحا بذاته ، ومنسجماً مع التقاليد العامة ، قادرا على التفاعل معها والنمو في جوّها
وبلدنا الطيب هذا أعرق موطن لأنبل تقاليد جامعية . فما يتجدد لدينا ربما ترسَّمْنا جذوره في تلك التقاليد القديمة ، وربما بُعث بعض ما كمُنَ بعثاً عصرياً فكان ما إستجد كما أن بلدنا هذا ، جزء من هذا العالم الواحد المتقلص في أبعاده ، والمتمدد فيما
يكشف عنه من حقائق وآراء . وإذن فما عُرفَ في جامعتنا ينبغي أن ينسجم مع الدارج في سائر جامعات العالم الراقية ، وأن يكون مسايرا له ومنافساً لتقدمه
وعلى ذلك فنحن في جامعتنا نختص بميزتين رئيسيتين :ـ
الاولى : إتصالنا بماضٍ عريق في التقدم والابتكار
والثانية : وقوع خبرات العالم تحت تصرفنا ، ننتخب منها على قدر ما يوائمنا وبما يتفق وبيئتنا ويعمل لتحقيق أهدافنا إلاّ أننا ، لابد لنا من أن نعرف ، بأنّ هذه البلاد قد مرّت عليها قرون طوال رزحت
فيها تحت نير الاستعباد، وغرقت خلالها في ظلمات الجهل والتأخر . وهي حين إستيقضت مع من إستيقظ من الشعوب الحية ، تسلمت قيادتها زمرأ مرت بغير ارشادها . فهي لم تستكمل إستقلالها وتبعد المستعمرين عنها إلاّ قبل ثلاث سنوات قصيرات ملئت لها بشتى الأشواك والعقبات
ومن هنا نشأ ما طغى فوق ذلك ، التيار النقي الاصيل ، الذي هو تيار الشعب بجوهره ، وبما يتصف به من نبل وصفاء . ومن هنا إنبعث ما نبأ من نغمات تستخف بمبدأ التفرغ للبحث العلمي مثلا ، وتتنكر لسجايا العلم إجمالاً ، وتستهجن ما يستجد من تقاليد أو ما ينبث منها ، مما ينتظم في عرفنا الجامعي الناشيء ، وتحارب ما يتم من تنظيم عام في محيط أسرة الجامعة ، أو تنسيق في علاقات أعضاء هذه الأسرة بعضهم بالبعض الآخر . أو ما إلى ذلك ، مما يكوّن الصورة عن هذه الميول الجامعية
ثم أنني لأرى ، أنّ تأسيس العرف الصحيح وإنماءه وإرساءه ، كل ذلك ينبغي أن يتم بإسلوب منسجم مع العرف نفسه متفق وإياه . بل أنّ إسلوب الانشاء جزء من العرف
ذاته يتعذر فصله عنه أو تمييزه عن سائر أجزائه
ويضيف الدكتور عبد الجبار عبد الله
ونحن في الجامعة، قد أخذنا بمبدأ إطلاق الحرية الاكاديمية دون أن نقر طبع التهافت ، وحرصنا على مبدأ الاستقرار دون أن نؤيد طبيعة الاستفزاز ، وسعينا نحو إستكمال الاستقلال من غير ان نتجاهل مبدأ إحترام الاسس المرعية والعلاقات العامة بما ينبغي لها من إحترام . إلاّ أن لكل تلك أحكاما وجوانب لست أريد الدخول فيها ، بل اردت أن أضيف السير عما سبق لي أن ذكرته في مناسبات سابقة عن إستقلال الجامعة ، للتأكيد على أهميته ولتوجيه الرأي إليه
فللإستقلال الجامعي جانبان : إستقلال من التدخل الخارجي فيما يتعلق بالمراجع الرسمية والدوائر المعنية . وشعور بالإستقلال ينمو داخل أفراد أسرة الجامعة ، فيؤمنون به ويسعون لتعزيزه ويعملون بموجبه
يقول الأب " كولر " المعلم الأفريقي العظيم : " نحن في سيراليون نجابه صعوبة كبيرة في سبيل إستكمال إستقلالنا بعد أن تركَـنا الإنكليز وإعترفوا بسيادتنا ، تلك هي أن نقنع أنفسنا بأننا أناس مستقلون لا دخل للإنكليز بأعمالنا .. ونحن لا نأمل أن تُجدي
المساعدات الاجنبية نفعا في سبيل التغلب على هذه الصعوبة ، فلا بد لنا من أن نتروض حتى يصبح الاستقلال طبعا من طباعنا وحتى يستقر الشعور به في قرارة أنفسنا "
وإذن فإقامة العرف الجامعي الصحيح لا تستقيم إلاّ عندما ينبعث الشعور بالطمأنينة والاستقلال من داخل المحيط الجامعي نفسه ، وإلا إذا عاون المحيط الخارجي على إنماء ذلك الشعور . وذلك يتطلب بالطبع أن يؤمن المعنيون في ذلك
المحيط الخارجي بمبدأ الاستقلال الجامعي ، وأن يدعموه ويعملوا من أجله
فالإعتراف بالإستقلال الجامعي جزء من إعترافنا الذاتي بإستقلالنا الناجز العام
ويطرح الدكتور عبد الجبار عبد الله أفكاره فيما يخص البحث العلمي .. قائلا
أما أسباب البحث العلمي ، فرؤوسها في نظري ، ثلاثة :ـ
آ . المكتبة ب . المختبرات ج . الباحثون المدرّبون على البحث المتمكنون منه
فالمكتبة : فهي أهم الاسباب التي يطلبها الباحث . حتى أن بعض الجامعات قد بدأت بتأسيس مكتباتها قبل أن تؤسس كلياتها ومعاهدها
ولقد كانت جامعتنا خالية منها خلوا يكاد يكون تاما . نعم لقد كانت لدينا بعض المكتبات الصغيرة في بعض الكليات ، ولكنها كانت مكتبات قراءة ولم تكن مكتبات بحث . والفرق كبير بين النوعين ، كما تعلمون
ومن أجل ذلك فقد شرعت الجامعة بتأسيس مكتبتها المركزية التي توخينا فيها أن تكون مكتبة بحث تتوافر فيها المراجع والموسوعات والمنشورات والمجلات العلمية والكتب المساعدة ، إلا أننا لا نجد بداً من أن نعترف بأننا ما نزال في دور الباية في المشروع الذي نعتبره أهم ما في مشروع مشروع تأسيس الجامعة على الاطلاق . فعلى الرغم من ان هذا المشروع قد حضى بالرعاية والعناية الخاصة ، إلا أننا ما زلنا نتعثر فيه بسبب خلو البلد من الخبراء القادرين على النهوض به ، ولتعذر الحصول على خبير أجنبي لندرتهم في الخارج ايضاً
أما المختبرات : فقد عملنا الكثير من أجل إعدادها للبحث ، ومختبراتنا اليوم ، وإن كانت تفتقر الى الكثير مما ينقصها ، إلا أنها قد أصبحت صالحة لممارسة البحث فيها في الكثير من المواضيع . ونحن بالطبع ماضون في إستكمال ما بقي من النواقص ، كما أننا عاملون بجد على إنشاء معمل لتصليح الاجهزة ولصنع ما يمكن صنعه منهئ
وأما الباحثون : فقد تجمّع منهم في الجامعة عدد تعتز الجامعة به وتفتخر لوجوده ضمن أسرتها. وذلك بفضل منهاج البعثات العلمية الذي سارت وزارت المعارف عليه منذ زمن غير قصير ، والذي تضاعفت العناية به بعد ثورتنا مما يبشر بالخير الكثير
بقي عليَّ أن أقرر الصفات التي يلزم حصولها في الباحث وأن أذكر أهم ما يلزم من
أجل تيسير البحث له .. فالباحث في نظري من تجمعت فيه الشروط التالية :ـ
آ . شرط الدراسة والاعداد المتمكن من موضوع الاختصاص . وإني أرى أن أقل مرتبة يجب أن يبلغها الباحث في دراسته مرتبة الدكتوراه . فإن شهادة الدكتوراه تعلن أن حاملها أصبح مستعدا للقيام بالبحوث ، وإن كان لم يمارس هذه المهنة بعد ، إلاّ على سبيل التجربة والتمرين . ولابدّ له بعد ذلك من أن يتفرغ للبحث مدة كافية أقلها في رأيي ثلاث سنوات متصلة في معهد تخصص عال وتحت إشراف العلماء القدامى
على أنني أرجو أن لا يفهم من ذلك أننا ننكر فضل الكثيرين العباقرة الذين نبغوا في علومهم وبلغوا فيها الغاية ولم يحصلوا الدكتوراه . غير أن هؤلاء عباقرة ونحن نتكلم
عن الباحث
ب . والشرط الثاني : توافر المواهب الذاتية ، فلابد للباحث من أن يتصف بالذكاء الشخصي وبدقة الملاحظة ورهافة الحس ، وبصفة التركيز على التفكير العميق ، وبالأناة والعمل المتصل في معزل عن الناس ، وبالصبر الطويل وتحمّل ما قد يجرّهُ عليه الفشل في بعض محاولاته . وبالاضافة العلمية فيما ينقل عن الغير وفيما ينقل للغير من نتائج تجاربه . وبصفة التعاون مع الغير في عمل إجماعي يقوم بجزء منه ويقوم غيره ببعض أجزائه الاخرى . الى غير ذلك مما يؤهله لهذه المهنة السامية ، ويمكنه استعمال معلوماته ومهارته كأدوات أولية في فنه . والكثير من الصفات التي ذكرت تنمو في المرء بتأثير محيطه ، والكثير منها يولد معه مما يرثه من أبويه فلا قبل له بتغييرها
ج . والشرط الثالث : الرغبة الصادقة في إمتهان البحث والتوفر عليهدون النظر الى مكتسب ومن غير الالتفات الى مال أو جاه ، فالبحث العلمي كثير العناء مملوء بالمخاطر ، وكثيرا ما أدى إلى حوادث مفجعة والباحث من تلذذ بما يكشفه من خفايا الطبيعة ومن سعي لمقابلة المجهول وشعر بلذة الفوز عند هتك أسراره
وبعد فمتى حصل الباحث المتمتع بما ذكرتُ من صفات ، المتميز بما لديه من آراء يريد تحقيقها ، فلابد من حصول المحيط الذي يستطيع أن يعمل فيه ، ولابد من تهيئة الجو لعمله
فالباحث كالنبتة لا تغرس إلا حيث يلائمها المحيط ، ولا تنمو إلاّ إذا غذيت بما يوافقها من غذاء . فإننا نرى الواحد منا ربما أمضى من سنين عجاف عقيما لا يكاد ينتج حرفا ، ومنهم يفد الى الخارج فإذا به خصب كثير الانتاج . فهو لم يتغير بذاته ولكنه قد إنتقل الى أرض خصبة وجو صالح
والمحيط الذي يطلبه الباحث يلزم أن تتوافق شروط وصفات . فأول ما يطلبه وجود حركة علمية يسير في تيارها وينغمس فيها إنغماسا ، فلا شيء أدعى الى تولد الآراء
والأفكار العلمية مثل تزاوجها بعضها مع البعض الآخر

 

 

الدخول للتعليق