• Default
  • Title
  • Date
السبت, 29 حزيران/يونيو 2019 14:52

ثائـر من ميسان - الشهيد ستار الحيدر

وُلِدَ سَتار، بِبَيتٍ مَصنُوعٍ مِنْ طِينِ وَقَصَبِ مَيسان، يُغازِلُ بِودٍ نَهرَ الكَحلاء،ِ عامِرٌ بالجُودِ وَالطِيبِ

وَالإِيمانِ وَالكَرَمِ. أَدرَكَ الصَّبِيُّ مُبكرا فَدَاحة الجَورَ وَالمَظالم المُرعِبَةَ الَّتِي يُعِيشُها النَّاسُ بالمُحِيطِ الذِي فِيهِ نَشأْ. بَعْدَ دخُولِهِ المَدارسَ، تَفَتَحَتْ أفاقهُ أَكثر فَزادتْ مِنْ تَنويرهِ علُومَها وَعَالمَها، وَعَندَما شَبَّ اِختارَ طَريقَ الكِفاحِ الموصلِ للحريَّةِ وَلنصرَةِ العَدلِ وَالإنسانِ مُهتدِياً بمبادئِ الإِنسانيَّةِ مُتَوسِّماً بِنبلِ أَفكارِها وَقِيَمِها الخَلاصِ مِنْ واقِعٍ مُزرٍ يَفتكُ فِيهِ الفَقرُ وَالمَرَضُ وَالجَهلُ. بِعُنفُوان شَّبابِ النور، سَارَ بِدَربِ الحِزبِ مُنغمِساً مُتَحَمِساً؛ لنشر ما آمن به يَعمَلُ وَيُحَشِدُ وَيُنشِدُ لِلغَدِ السَّعيدِ، فَداهَمَتهُ عَلَى عَجَلٍ سِياطِ الجَلادِين، وَتَلقفتهُ السِجونُ وَقبع فِي مَنافِي الإبعاد السِّياسي، وقَضى فِيها مِنْ زَهرَةِ شَبابهِ سِنِينَ طوال وَمتى ما أُطلقَ سراحهُ يعاود النضال؛ فلَمْ يَهدأ، وَلَمْ يَستكينْ، يُعاودُ الكرّةَ مِنْ جَدِيد، بعودٍ أَصلبٍ، وَعَزيمةٍ لا تقهرها السجون؛ فَهو السجين الذي لا يَلِين فَقد اِختارَ طريقهُ المُبِين مُتفرغاً لعملهِ الذِي بهِ رَهين بإدراكٍ ودرايةٍ وَيَقين فَباتَ يتَنقلُ مُتخفياً بَينَ المُدن وَأوكارِ النِضالِ السريَّة، يَرصُ الصفوفَ وَيَشحذُ الهِمَم مُثابراً بالعَملِ مُجدداً للأَمل فَأصبحَ كادراً مُتقدمَ المَقام، فَزادهُ عَملهُ المَزِيدِ مِنْ الاتزانِ والالتزام يَدورُ بِهذا المَدارِ مُوصلاً اللَّيلِ بالنهار. حافِظَةُ رأسهِ باتَتْ تَختزنُ أَخطرَ الأَسرار يَحفَظَها وَيَصونها بأمانٍ وإتقانٍ. بحذقٍ يغورُ بَينَ الصعابِ، رغمَ ما يحفُ بِهِا مِنْ المَخاطرِ، لكنهُ لا يُبالي. قلبٌ جريءٌ كتومٌ مقدام، لا يَعرِفُ الوَجلَ، وَهوَ يعومُ بلُجَّةِ بَحرٍ مُضطربٍ هائِجِ الأَمَواجِ، لا قَرارَ لهُ.
(2)
فِي الخَفَاءِ وَمِنْ دَهَالِيزِ عِصابَةِ المَوُتِ السِّريَّة بُثتْ العيون، تجَمعُ عَنهُ وَعَنْ مَنْ مَعَهُ أَدقُ المَعلُومات كانَ مِنْ ضِمنِها وشايَّةٌ مِنْ رَفِيقٍ خَوّان، سُلمتْ عَلَى وَجهِ السرعةِ التقارير لجهازِ بَطشٍ سرِيٍ خاص، يُدارُ بغايَّةِ السرِّ عَلَى قمةِ هَرَمِها نُصِبَ أَخَطرِ مُجرمٍ شِرير سفاح، يُرسمُ فِيها لِكُلِّ ثَورِي مَصير بَعْدَ حينٍ مِن الزَمَنِ كالريحِ الصفراءِ جاءَ القَرار مِنْ رأس (حُنَين) أجهزوا عَلَى القادةِ أدناه
(ستار ، محمد ، شاكر)**
لتغييرِ الموازين بموقفِ حزبِ الكادحين. حاصرُوهم وَارصدُوهم بالعيونِ وَالحدِيدِ وَالدمِ والنار.
(ستار) أولُ مَنْ تابعتهُ عيون صديقٍ مخادعٍ غادر لتستلمهُ عيون عَسَس(حُنَين) وَعِندَما جاءهُ خبرُ التحذيرِ إِنَ حَياتهُ فِي خَطرٍ وَعليه: أن يُحاذر مِنْ اللقاءِ أو الإتصالِ بـرفيقٍ (خَوّان) يُشَكلُ عَلَى حياته بَلِيغَ الضَرَر وأن يَحترسَ للحَيطةِ وَالأَمان... أصغى للنَصيحةِ بقلبٍ غير مضطربٍ لمْ يتملكهُ الفزع .
وَبدأتْ الأَفكارُ فِي رأسِهِ تَدور : (كَيفَ يَكونُ الحَذرُ وَكلُ عَملي وَسطَ الخَطَر؟ وَمِنْ أَينَ يأتِي الأَمان وَعُيونُ المُخبِرِينَ تَتَعَقَّبُنِي بإمعان؟) بفؤادٍ لَمْ يَتملكهُ الهلع، ذَهَبَ اللقاءِ الخَطِير، واضِعاً رُوحهُ عَلَى كَفِّهِ أَنهى الاِجتماعَ الذِي عُدَ بإتقانٍ ليُوصِلهُ إلَى الكَمِين، وَفِي طَريقِ العَودةِ للبَيتِ، تابعتهُ ذِئابُ حُنَين، وَعَلَى بُعدِ 150 مترِ مِنْ مكانِ الاِجتماعِ الكَمِين هاجمتهُ لاِختِطافهِ ذات العيون؛
برباطةِ جَأشٍ وَبِقلبٍ شُجاعٍ غَيرِ مُرتابٍ قاوَمَها بِضراوتهِ المَعهودةُ لِينهالوا عَليهِ بكلِّ جنون، برصاصاتٍ قاتلةٍ متتاليةٍ مدفوعةِ الثمنِ وجهتْ للمغوارِ الأَعزَلِ، بَينَ رَشقةِ الرَّصاص الأَولى وَالثانية
صَدَحَ صَوتهُ بصرخةِ الأَلَمِ وَالصَدمَةِ مُعّرِّفاً باسمهِ وَصفتهِ : (أَنا سَتار خضير الحَيدر أَنا عضو اللجنة المركزية للحزبِ الشيوعي) فِيما الدمَ يَنزفُ كانت يَداهُ تقاوم وَتضمدُ الجراحَ النازفة عَلَى قارعةِ الطريقِ تَركوهُ القتلة مُضرجاً بدمهِ الطهور وَوَلوا هاربين مَذعُورين. فِي المستشفى ،بَعدَ يوم أو أكثر يَفيقُ مِنْ المخدر أَمُ مَي ماسكةً يديه ببطءٍ يَفتحُ عينه، يُحدّقُ بالنورِ يَنظرُ للحضور يَبتسمُ وَيفتحُ عينه عَلَى مَداها- صوته هامساً
أمُ مَي عينايّ ؛ ما أَسعدني بكِ رفيقة عمري ودربي- سأشفى ؛ لَمْ أزلْ عندَ وَعدي سنذهبُ إلى (ارشاك) لنأخذ صورةً للذكرى أنا وأنت وزهراتنا فراشاتنا الأَربعة
يَغمضُ عينيه. فِي المستشفى بقيَّ ستة أيام يصارعُ الموتَ.ليسجل التاريخ؛ ببنادقٍ مؤجُرةٍ طويتْ مسيرةُ سبعةٍ وَعشرين عاماً حافلةً بالعملِ الثورِي المُثابر لوطنيٍّ شهمٍ غيور. لَمْ يَكنْ (ستار) يَحلمُ بكنوزِ سُليمان أَو بقصورِ كُسرى أَو الرَشيد هارون كانَ يناضلُ مِنْ أَجلِ تأَمينِ سريرِ طفلِ ينامُ تحتَ سقفٍ أمن، وَفَلاحٍ يَجني حاصلَ ما تزرعُ يداه وَعاملٍ يَحصلُ عَلَى أَجرِهِ قَبلَ أَنْ يَجفَ عرقهُ وَمِنْ اَجلِ قوانين تَحمى كرامةَ المرأة. أَمَنَ (ستار) بما يَحمل وَعَملَ بكلِّ عزيمتهِ مِنْ أَجلِ إرساءِ قوانين العدل والمساواة بَينَ الإنسانِ وأخيهِ الانسان ... لكن دَعني أَروِي لَكَ أَيُّها الرَّفِيق المقدام،أيُّها الرَفِيق الغائب جسداً، الحاضر فكراً ووجوداً شيئاً عَنْ واقع العراق: لَمْ تَزلْ بِلادِنا تَغَطُ بِحًزنٍ عَمِيق، تَأنُ مِنْ وَجَعِ المَوتِ وَسَطوَةِ سياطِ الجَلادِين وَفَسَادِ المُتَسلطين، يَعمُ البِلادَ الجَهلُ وَالنَّهبُ وَالخَراب.

فِي 28 مِنْ حزيران عام 1969 يومٌ قائظ بحرهِ الخانق قصر النهاية يبث عسسه مِنْ مَكان التَشيع حَتَّى المَقبرة
تَرصد وَتسجل: (بتشيعٍ مهيب وَبدموعٍ غزار، وَعويل جموع النساء وارَى جثمانه الثرى فِي مَقبرةِ الصابئة المندائيين فِي أبو غريب)
كانَ وَسيبقى قبرهُ رمزاً وَمزاراً
لعشاقِ الحريَّةِ وَالعدلِ وَالمساواة

هوامش وملاحظات تخص النص
** ستار: هوَ الشَهيد (سَتارخضير صكر الحَيدر) مِنْ مواليدِ (1930) ناحية الكحلاء / محافظة ميسان - العمارةسابقاً - وهو بعمرِ(أربعة عشر عاماً) تَشكل وَعيه السِياسي، لينخرط بعدها بتنظيماتِ (الحزب الشيوعي العراقي)، بعدَ تخرجه مِنْ الثانوية عَملَ (مُعلم) فِي قرى ناحية (الكحلاء) لمدةِ عام وبعدها نُقل إِلى مدرسةِ ( الحاجب في أَبو غريب)، ليعود مجدداً إلى (العمارة) وَيلتحق فِي( مَعهد العالي للمعلمين فِي العمارة).
خلال فترة عَمله سُجن عدة مرات ولعدة سَنوات منها سَنة وَنِصف فِي (سِجن الكوت عام 1952) وَذلك أَثر مشاركته فِي انتفاضة عام (1952).
وَحكمَ عليه مرة أخرى عام (1954) ثلاث سنوات سِجن وأرسل إلى (سِجن بعقوبة). ونفيَّ مُبعداً سياسياً لمدة ستة أشهر في مدينة (بدرة) بَينَ عامي (1957- 1958).
خلال عمله الدؤوب المتواصل فِي الحزبِ تَقلد عدة مسؤوليات جسام وَفِي عدة مناطق مِنْ (العراق) مثل العاصمة (بغداد) والموصل وكركوك و السليمانية وأربيل، وجبال كردستان العراق؛ أنتخب عضو للجنة مركزية للحزب الشيوعي عام (1967) وَتَحمل مَسؤولية غاية بالخطورةِ والسريَّةِ مَسؤوليَّة تنظيم الخَط العسكري .
يوم 23/6/1969 تَعرض لمحاولةِ اغتيال قرب (الجامعة المستنصرية في بغداد ) وذلكَ بعدَ خروجه من لقاء حزبي، حيث نقل بعدَ تعرضه لعدةِ اطلاقاتٍ نارية في بطنهِ وَساقيهِ إلى مستشفى الطوارئ فِي شارع (الشيخ عمر/ بغداد) للعلاج، وفِي صباح يوم 28/6/1969 فارق الحياة في نفس المستشفى.
محمد : هوَ الشَهيد (محمد الخضري) مِنْ مَواليد الثلاثينيات فِي (ناحية الخضر/ محافظة الديوانية) خريج دار المعلمين فِي (بعقوبة) عُين مُعلم (عام 1953) ، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، جرى اِختطافه فِي (بَغداد) بتاريخ (20 أذار 1970) فِي اليومِ التالي لاِختطافهِ وجد جثة هامدة على الطريق العام بِينَ (بَغداد وسامراء).
شاكر: هوَ الشَهيد(شاكر محمود البصري) : عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي؛ بتاريخ (11/11/ 1972) اغتيل دَهساً بسيارةِ نَوع (فوكس واكن) قرب (مستشفى اليرموك ببغداد).

نشرت في شهدائنا
الإثنين, 06 أيار 2019 10:13

اخبار الجالية في هولندا

 

الخبر الأول

المؤتمر الاستثنائي لنادي اوترخت الثقافي المندائي في هولندا يوم الاحد المصادف 21 -4 - 2019

إرتأى بعض من اعضاء الهيئة الادارية السابقة لنادي اوترخت الثقافي المندائي في هولندا وجوب انعقاد مؤتمر استثنائي للهيئة العامة

لغرض انتخاب هيئة ادارية جديدة للنادي لقيادة العمل التطوعي في النادي كونه احد النوادي المنضوية تحت لواء فدرالية البيت المندائي

والتي تعتبر امتداد للفدرالية المندائية السابقة والتي هي ركن مؤسس من اركان اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر لكون الهيئة الادارية السابقة تتكون من خمسة اشخاص فلا يمكنها مواصلة العمل.

لذا تم عقد المؤتمر على قاعة البيت المندائي وقد جرت الانتخابات بهدوء ونظام تميز به المؤتمر بشهادة من حضره ، واداره السادة:

السيد جمال المباركي رئيس الهيئة الادارية السابقة لجمعية المندي

السيد راجح الحيدر نائب رئيس الفدرالية المندائية السابقة

السيد مهند بدر كمر رئيس الهيئة الادارية لنادي دنهاخ

السيد منذر السام رئيس هيئة ادارية سابقة لنادي اوترخت

وقد اسفرت نتائج الانتخابات على تكوين هيئة ادارية منتخبة متكونة من

السيدة مي وليد الرومي رئيسة الهيئة الادارية

السيد وليد خالد شميل سكرتير الهيئة الادارية

السيدة لمياء ضامن مسؤول المالية

السيدة عتاب السهيلي عضوة ارتباط النادي مع فدرالية البيت المندائي والاعلام

السيد مؤيد صبري مهوس مسؤول النشاطات الاجتماعية للنادي

السيد عماد ابراهيم عضو احتياط

الشاب المهندس بشار العيداني عضو احتياط

دعوات بالتوفيق والنجاح للهيئة الادارية المنتخبة في توجيه عمل النادي للحفاظ على نهجه التربوي والثقافي والاجتماعي.

لما فيه منفعة اهلنا المندائيين كونه احد مكونات فدرالية البيت المندائي .

الخبر الثاني

زيارة وفد فدرالية البيت المندائي الى القاعة المندائية في دوسلدورف يوم الاحد المصادف 21 - 4 -2019

اقامت القاعة المندائية في دوسلدورف احتفالية بمناسبة العيد التسعين لميلاد المستشرق البروفسور كورت رودولف تثمينا منها

لدوره في البحوث والدراسات عن المندائية

وجهت القاعة المندائية الدعوة الى فدرالية البيت المندائي في هولندا وقد لبت فدرالية البيت المندائي الدعوة ايمانا منها بضرورة توطيد اواصر التعاون بين الجمعيات والنوادي،

بوفد متكون من السيد خالد السعودي رئيس الهيئة الادارية وبعض اعضاء فدرالية البيت المندائي .

وقد حضر الربي رافد الريشما عبد الله والقى كلمة بهذه المناسبة وايضا الدكتور صبيح مدلول وايضا شارك بإلقاء كلمة بهذه المناسبة

ومع كلمات التهنئة قدم السيد خالد السعودي باقة ورد بأسم فدرالية البيت المندائي للمستشرق كورت رودلف شاكرا له جهوده

وايضا شكر القاعة المندائية لحسن استقبالهم وضيافتهم

 

 

الأحد, 21 أيار 2017 09:40

الاستاذ أكرم عسكر داخل

الأستاذ المعطاء اكرم عسكر داخل من العراق يسكن الان في هولندة مدرسا خرج اجيال وتعامل معها بكل اخلاق الاستاذ المربي المندائي
وابا لعائلة فيها من الابناء والبنات الصالحين الاذكياء وهو شقيق السيدة امل عسكر داخل خادمة المندائيين في كل مكان.
وهو من الناشطين المندائيين المتطوعين في المؤ سسات المدنية المندائية بعد وصوله الئ هولندا ومنها الجمعيه الثقافية المندائية في دنهاخ منذ عام 1999
وبعدها عضوا في الفدرالية وحتئ وقت قريب ولاسباب صحية اجبرته عن الابتعاد عن العمل المندائي فهو لم ولن يبخل باي جهد في سبيل خدمة اهله وناسه.
من صفاته الهدوء والبساطة والصدق والحكمة والمبادرة وهذه الكلمات البسيطة والقليلة بحقه كتبتها من خلال معرفتي به عن قرب من ايام بغداد والئ هذه اللحظة.
بالوقت الذي ندعوا له من هيي قدمايي ان يمنحه الصحة والسلامه وان يعجل في شفاءه نكرمه ونشكره لجهوده المبذولة بشهادة تكريم يستحقها بكل جدارة

Mr-Akram-Askar-Dakhil

 

الهيئة الإدارية للبيت المندائي في هولندا

ولد زهرون وهام الكنزابرا سام الكنزابرا شبوط الكنزابرا عبود ويمتد نسبه في سلاله طويله من رجال الدين حتى عهود قديمه, ولد سنة 1911 في نفس السنه لولادة ابن عمه الدكتور عبد الجبار الكنزابرا عبد الله الكنزابرا سام حيث كان صديقه الحميم طيلة ايام الطفوله والشباب , ولد زهرون في قلعة صالح الواقعه على الضفه اليسرى لنهر دجله من محافظة ميسان وتربى مع عمه الكنزابرا عبد الله الكنزابرا سام وذلك بسبب وفاة والده وهام وهو في بطن أمه بعد ان ذهب وهام لزيارة أخوه الكنزابرا يحيى وكان الأخير مصاب بمرض الكوليرا وبعد ولادة زهرون بستة أشهر توفيت والدته وفره وذلك بسبب حزنها على زوجها وهام فتولى عمه الكنزابرا عبد الله الكنزابرا سام بتربته .
لقد شيد بيت الكنزابرا سام الكنزابرا شبوط (الكنزابرا شبوط زوجته أسمها وكع الكنزابرا صكر الكنزابرا بهرام وهي أخت الكنزابرا صحن وأخت الكنزابرا داموك ) أول مندي في قلعة صالح وغرس حوله الأشجار المثمره والزهور وبقى هذا المندي المتواضع قائما لسنين طويله,فصار منتزها يرتاده رجال الدين والمندائيون عموما يجرون فيه طقوسهم الدينيه كالتعميد والزواج وغيرها وكان هذا أول حدث للمندائيين حيث كانت تسودهم الموده والتعاون وكانوا يمتهنون الحرف اليدويه كالصياغه والحداده والتجاره وكان لهم وزنهم ويدير شوؤنهم رجال دين وجهاء وساهموا في كتابة الكنزا على ألواح من الرصاص وضعت في المندي كي تكون مرجعا لهم عند الحاجه .
كان زهرون وهام يرافق أعمامه أولاد الكنزابرا سام ( أخت الكنزابرا سام اسمها صَغيره وأخيه أسمه الكنزابرا زهرون وابنة الأخير أسمها موجات وهي زوجة رومي عكله ) فقط كان للكنزابرا سام ستة أبناء وأبنتين وهم:
1 الكنزابرا يحيى الكنزابرا سام توفي وهو شاب على حياة والده الكنزابرا سام

2 الكنزابرا رومي الكنزابرا سام وهو الابن الثالث ولد 1886 كان ضعيف البنيه يعاني من مرض الربو توفي سنة 1949
3 الكنزابرا عبد الله الكنزابرا سام وهو الأبن الرابع ولد 1890سكن الكريمات بغداد 1962
4 الكنزابرا فرج الكنزابرا سام وهو الأبن الخامس ولد 1896 درس الدين واللغه المندائيه للمندائيين طرس من قبل أخيه الكنزابرا رومي وهو أول رجل دين سكن بغداد عام 1935 وكان على علاقه مع الملك غازي توفي عام 1968
5 الحلالي سالم الكنزابرا سام كان سالم مهيئا للطراسه لكن القدر داهمه وتوفي
6 وهام الكنزابرا سام وهوالابن السادس والأصغر الى الكنزابرا سام
أما بنات الكنزابرا سام فهن : 1 سعيده الكنزابرا سام 2 فتنه الكنزابرا سام
ترعرع زهرون وسط عائله دينيه فتولى عمه الكنزابرا عبد الله الكنزابرا سام بتربيته وكان الاخير يُدَرس القراءه والحساب للصفوف الاولى ويدرس الرسم للصف الخامس والسادس الابتدائي وكان وسيم الطلعه لباسه من الدرجه الاولى وكان الراتب حسب الكفاءه وفي حده الأدنى ثمانين ربيه, فقط أهتم عمه بتعلمه الأبجديه المندائيه واتقن الصلاة المندائيه من براخه ورشامه وحفظ بعض الكتب الدينيه عن ظهر قلب وطبق تعاليم الدين المندائي بصرامه وكان دقيق المعلومات وسعة بمعرفته وقدم الكثير من المحاضرات القيمه وكان اجتماعي يلتقي مع أناس كثيرين ويرافق عمه الكنزابرا عبد الله الكنزابرا سام في أثناء زياراته لأبناء الطائفه في السراء والضراء . في سنة 1922 حلت كارثه لبعض أبناء المندائيين الذين قتلوا في المحمره الذين حلت بهم كارثه على أثر أنفجار قنبله قديمه متبقيه من الحرب العالميه الأولى وكانوا يحاولون انتزاع بارودها فأودة بحياة الكثيريين فقد شارك زهرون وهام مع بعض رجال الدين في عمل المسخثه وهؤلاء هم:
1 الكنزابرا عبد الله الكنزابرا سام
2 الكنزابرا داخل الكنزابرا عيدان
3 الكنزابرا رومي الكنزابرا سام
4 الكنزابرا فرج الكنزابرا سام
5 الكنزابرا خزعل الكنزابرا باهر توفي سنة 1964
6 الكنزابرا جثير الكنزابرا منتوب
7 الكنزابرا عبد الله الكنزابرا بهرام
8 الكنزابرا عبد الله الكنزابرا محيي
9 الكنزابرا زهرون الكنزابرا محيي
شارك مع عمه الكنزابرا عبد الله الكنزابرا سام بطراسة كل من :
1 الكنزابرا فرج الكنزابرا سام
2 شيخ خزعل الشيخ باهر
3 شيخ عطوان شيخ شبير
4 شيخ غريب الكنزابرا مصبوب
5 شيخ عبد الله الكنزابرا محيي
6 الكنزابرا جبار طاووس الكحيلي من ايران
7 الكنزابرا صلاح الكنزابرا جبار من ايران

حيث طرس الكنزابرا جبار طاووس الكحيلي في قلعة صالح في بيت الكنزابرا سام عام 1951 وكان الناس ياتون من جميع المناطق المجر والعماره ومسعيده والحلفايه الى منطقة قلعة صالح ولمدة سبعة أيام يقام بها أحتفاليه من الغناء والرقص والشعر والموسيقى وكان أبو مدلول المغني يطرب الجميع والضرير يحيى الكنزابرا رومي الكنزابرا سام جالس في المرجوحه ويسمع الجميع بشعره الشعبي , وحضرت المراسيم والدة الكنزابرا جبوري رحمها الله , فبقى زهرون وهام الكنزابرا السام مع الكنزابرا جبوري طيلة أيام الطراسه بقيام البراخه والمراسيم الدينيه اللازمه ولمدة سبعة أيام وكان بيت رومي عكله مفتوح دارهم لأستقبال الناس الكثيريين القادمين من مختلف الأماكن . عام 1976 ذهب الكنزبرا جبار طاووس مع ولده الشيخ صلاح لغرض طراسته الى بغداد وكان لديهم فيزا لمدة 30 يوما وعند وصولهم الى بغداد وبع فتره من وجودهم قدموا طلب لتمديد الفيزا لغرض اكمال فترة الطراسه التي هي 7 أيام مع فترة الشوليا 60 يوماً وعند تقديم الجوازات الى السلطات العراقيه في بغداد جاء القرار من الحكومه العراقيه في بغداد بمغادرة الأراضي العراقيه فوراً , بعدها قام الكنزابرا عبد الله الكنزابرا سام بمساعدة الأستاذ زهرون وهام الكنزابرا السام والأستاذ غضبان الرومي بمقابلة بعض المسؤولين وقدموا طلب رسمي بخط اليد وصدر قرار بتمديد الفيزا لمدة ستة أشهر وفرح الجميع لهذا الخبر , وعند مجئ الشيخ صلاح الكنزابرا جبار من ايران أستقبله زهرون وهام الكنزابرا سام في داره الواقعه في علي الصالح في بغداد (رقم الدار 375/ 32) ( وبنفس الشارع كان يسكن بيت حميد خشن وبيت سالم الكنزابرا جوده) هو وعائلته وكان صديقه العزيز ومن كثرة حبه له وحرصه عليه أمتحنه زهرون ووجهه له أسئله كثيره من الكتب المندائيه وكانت أجوبة الشيخ صلاح كلها صحيحه وأخبره زهرون أنت عزيز عليه ومثل ابني وأريدك أن لا تخطأ أمام الحضور وكانت الصداقه بين بيت الكنزابرا سام وبيت الكنزابرا جبار طاووس رحمهم الله صداقه قديمه وحميمه . بعدها بدأت مراسيم الطراسه في الكريمات بغداد وكان رجال الدين الحاضرين هم الكنزابرا عبد الله الكنزابرا سام والكنزابرا جبوري والترميذه غريب والشكنده يوسف خصاف والأستاذ غضبان الرومي والأستاذ زهرون وهام الكنزابرا سام وعدد كبير من المندائيين , وتزوج الكنزابرا صلاح سنة 1977.

تخرج الأستاذ زهرون وهام من دار المعلمين سنة 1937 وخدم العلم والتعليم في الأرياف والنواحي من محافظة ميسان وبغداد وهو أول معلم في ناحية السلام تبعد 50كم من المحافظه واقعه على ضفاف نهر البتيره المتفرع من نهر دجله قبل مركز العماره .
سنة 1939 تزوج من حلوه الكنزابرا ادم الكنزابرا جادر الكنزابرا صحن الكنزابرا صكر الكنزابرا بهرام (زوجة الكنزابرا أدم أسمها عامريه الكنزابرا نادر الكنزابرا صحن الكنزابرا صكر الكنزابرا بهرام) ( والدة الكنزابرا أدم أسمها وضحه بنت الكنزابرا محيي الكنزابرا داموك الكنزابرا صكر الكنزابرا بهرام) والتحق زهرون بالعسكريه بعد ثلاثة أيام من زواجه وبقى في الخدمه مدة سنه , كانت حلوه الكنزابرا أدم جميله وذات وجه صبوح ولها جدايل طويله كان عمرها وقت ذاك 16 سنه من سكنة الناصريه وقد التقى بها في بيت عمتها نجديه بنت الكنزابرا جوده الكنزابرا داموك , ونجديه هي زوجة الكنزابرا رومي الكنزابرا سام وبعد زواجهما أنجبوا ثلاثة أولاد وسبعة بنات وهم الدكتور صلاح والدكتور المرحوم صباح والدكتور سلام وبثينه وسلمى وهدى وسلوى وسوسن ونضال وروضه .( الكنزابرا صحن كان خطه جميل جداً لذلك كتب الكنزه بخط يده وتؤخذ له التحيه من قبل الحرس العثماني لقوة شخصيته ونفاذ أمره فهو متكلم وأديب وواسع الأطلاع فعظم أسمه بين المندائيين )( الكنزابرا ادم الكنزابرا جادر الكنزابرا صحن طرس من قبل الكنزابرا جوده الكنزابرا داموك)(أولاد الكنزابرا صحن أربعة أولاد وبنتين هم الشيخ جادر , الشيخ ثامر ,الشيخ نادر , جابر , باشه , ياسه, ومكيه أم الكنزابرا دخيل)

كان الأستاذ زهرون حلو الطلعه يرتدي القاط الأنيق والمنديل الأبيض ظاهر في جيبه, دَرَس أجيال كثيره منهم أطباء ومهندسين ومحامين وكانوا يلتقون معه في كبرهم ومنهم أولاده الثلاثه فهو بحق ( مربي فاضل ) فقد زرع مع كل كلمة علمها لطلابه الحب الحقيقي ،والصدق، والرحمة ، والطيبة ، والتسامح ، ونظافة الروح فكان جميع زملائه المعلمين يقدروه ويحترموه .
تقاعد عن التدريس سنة 1968 بعد خدمه لمدة 32 سنه كان يتقن اللغه المندائيه بصوره طليقه ويقرأ الكنزه ويفسرها وله تسجيل بصوته لقراءة الكنزه وقدم عدة محاضرات عن الديانه المندائيه وكان يقرأ في الكنزه في كل الفواتح , كان عضو ناشط في جمع التبرعات لبناء مندي الدوره في بغداد في عام 1972 وكان يذهب لجمع التبرعات في المواصلات الحكوميه في أيام البرد القارص وأيام الصيف الحار وكان وجههه أحمر من حرارة الجو لكي يجمع ما بوسعه لبناء مندي الدوره وساهم مع الكنزابرا عبد الله الكنزابرا سام ومع جمع من المندائيين بمطالبة السلطه الوطنيه بالأعتراف بالأعياد المندائيه وتحقق ذلك 1972 , حصل على تكريم المجلس الروحاني في عام 1985 وتكريم مجلس الشوؤن عام 1997 كان عضو اللجنه الثقافيه وعضو لجنة المتابعه لتشكيل المجلس الروحاني الأعلى ولغاية سنة 1986, في السادس من نيسان 2001 كُرم بشهاده تقديريه مع درع بأسمه صمم خصيصاً الى المربي الكبير سام بر شارت وهو أحد اعضاء مجلس الشوؤن توفي سنة 15/12/2003 بعد أن أصيب بمرض سرطان الكبد وقد ارتدى للباس الأبيض بنفسه قبل وفاته وصلى ونام الى الابد فسلاما لك وألف تحيه .
سأذكر بعض ما كتبه طلابه عنه وهم :
في 11/1/2005 كتب عنه تلميذه سلام عبود الذي أصبح كاتبا فكتب في الحوار المتمدن ( وداعأ زهرون نم شفيف الروح يا بطل هذا الزمان )
زهرون لا يموت فهو موجود في أعماقي موجود في غير عمل من أعمالي القصصيه , اعتاد أن يظهر لي بوجهه السومري النقي مثل كل القديسين , حالما أشرع في كتابة نص عن مدينة العماره , وحالما أشرع في البحث عن نموذج يمثل الفطره البشريه النقيه التي خلقها اللٌه من طين الجنَه الحر. فحينما تكون كزهرون سينظر الناس اليك كما ينظرون الى الطيور والفراشات والنباتات والينابيع كحبنا الفطري للجداول , للشجر, للسماوات المضيئه . زهرون الصابئي هو أول من علمني كتابة لغتي العربيه, وهو أول من علمني مبادئ الحساب لكنه ايضاً أول من أطلعني على دستور البشر السرمدي, القانون الخفي, الذي يفرق بين الشر والخير, بين التسامح والأحقاد, نحن أولاد الفقراء أحببناه هكذا لوجه الله , الله الواحد الأحد رب الجميع المسلمين والمسيحيين والصابئه فبعض الصابئه يمتهنون صناعة القوارب وبعضهم يمتهنون صناعة الحلي لكن زهرون يمتهن صناعة البشر وبوجه خاص صناعة الخير فيهم . فوداعا لك ونم شفيف الروح يا بطل هذا الزمان
سلام زهرون وهام السام وهو الان بروسفور وطبيب اختصاص في احدى مستشفيات انكلترا قال :
كان الوالد رحمه الله عادلا دئوبا وجديا , بذل جزئا كبيرا من وقته لأيجاد وسائل ايضاح لتدريس طلابه , كان حريصا على تعليم كل واحد من طلابه بغض النظر عن تمكنهم العلمي, استعمل اسلوب المؤشر في القراءه حيث كان يقضي ساعات عديده لعمل مؤشرات من الكارتون لكل طالب لأستعمالها في درس القراءه أي اللغه العربيه.
كان سلام أحد تلاميذه في مدرسه الأمام الصادق في محافظة ميسان التي يدرس فيها . كان الأستاذ زهرون وهام السام يعامل كل طلابه بالتساوي لاكنه لم يعطي سلام 10 من 10 حتى لو جاوب سلام على كل الأسئله بالتمام وبدقه بل كان يعطيه 9 من عشره حتى لو كان يستحق عشره خشيه أن يتصور بعض الطلاب أو المعلمين أن هذا الأستاذ المستقيم كان متحيزا لابنه, الأستاذ زهرون وهام كان خطاطا وكتابته هي أحلى من حروف الطباعه, كانوا أولاده الصغار وقت ذاك سلام وصباح (رحمه الله كان طبيب بيطري ومدير حديقة الحيوانات في الزواء ببغداد ) يساعدون الوالد في البيت لأعداد الجداول التي كان يدرجها على ورق الكارتون الثخين كواسطه لتقييد الدرجات لكل طالب ودرس, تقدم كل طالب في الدراسه للسنه بكاملها. كان يقضي ساعات لتدوين الدرجات والحرص على اعادة العد للتأكد من صحة تدوين الدرجات. سنة 1955 زار أحد المصورين مدرسه الأمام الصادق كان الطالب سلام زهرون أحد طلاب الصف الأول وعمره أنذاك خمسة سنوات , قام الأستاذ زهرون بكتابة الأتي على السبوره ونادا على كل طالب أن يقرأ ما كتب .
سنفدي نفوسنا في سبيل استقلالنا الجيش سياج الوطن
Zahroon Waham 7

 


هذه بعض من أشعار الكنزابرا فرج الكنزابرا سام مخاطباً أخيه الكنزابرا رومي الكنزابرا سام
عندما كان يعاني من مرض الربو وعلى أثرها توفي سنة1949
هله ياللي بحر يمناك مندار
ذخر ودوم للعازات مندار
لون أدري بدواك يدور مندار
أهدم كل جبل عاصي بديه
وله أيضا:
مزن بس يكت الدمع بالراح
وأبد ماكضينه الوكت بالراح
دواك اشريه (أبو شتول) بالراح
تظن أبخل ومرض البيك بيه
هذه بعض من أشعار الكنزابرا عبد الله الكنزابرا سام في رثاء أخيه المرحوم الكنزابرا رومي الكنزابرا سام سنة 1949
راح الجنت أهوشن بيه مابات
جفوني أعليه تجري دمع مابات
اشعجب نايم يبو ميمون مابات
هذه بعض من أشعار الكنزابرا عبد الله الكنزابرا سام في رثاء ابن أخيه المرحوم الكنزابرا عبد الله الكنزابرا يحيى الكنزابرا سام ( أبو زاهر) الخميس المصادف 20/11/1975
أبجي وأزيد البجي على فراك خلاني وقال في رثائه أيضا
وخلال صدر الضلع ياناس خلاني أريد أرافج الغربان وحداي
بس عظم وجلد لفراكهم خلاني أبهيمه وتاه مني الزمل وحداي
كلبي تألم والقهر زادني والنوح خلاني زماني وحيد الدهر وحداي
غركان أبحر يا صيف ومثل سفينة نوح وحيد وشمت العدوان بيه
طرني هالدهر وعلى الجرف مطروح
حيف خلاني فريد الدهر خلاني

 

الاستاذ زهرون وهان مع زوجته ام صلاح

Zahroon Sam 1

 

Zahroon Waham 2

Zahroon waham 3Zahroon waham 4

Zahroon Waham 5Zahroon Waham 8Zahroon Waham 9

 

 

 

الخميس, 08 آب/أغسطس 2013 01:16

القتل المجاني

مرة اخرى أقدم برابرة العصر الجديد على ارتكاب جريمة القتل، ومن جديد يكون احد اطفالنا هدفا.
اصبح القتل عقوبة البراءة والوداعة الانسانية البريئة
اية ازمة غير قابلة للحل هي ازمة التعصب وعدم التسامح، الذين لم يجد اصحابها سوى وسيلة واحدة لاسكات الغضب المندلع في وجوههم الحمقى
انه شهيد البراءة الانسانية. ولم يكن الاخير
فالجريمة متصلة ومستمرة استمرار النهج البربري المعادي لكل القيم الانسانية ولكل الشرائع الدينية
وإذ يدين اتحادنا، اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر، هذا العمل الاجرامي السافر، ومعنا كل الخيرين من التجمعات والروابط والمنظمات العراقية والعربية والعالمية وسائر مناضلي شعبنا بعربه وكورده واقلياته، فهو يدعو، في الوقت نفسه، الرأي العام العالمي والعربي، وجميع الشرفاء الذين تعز عليهم قضية اغتيال البراءة الانسانية، ان يرفعوا اصوات الاحتجاج والسخط بوجهة القتلة ويصعدوا تضامنهم من الاقلية المندائية العالقة في منفاها بسوريا
الموت للقتلة
المجد للطفل علي عباس فاضل السيفي

اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر

نشرت في كلمة الأتحاد

آراء للمناقشة

 

تطرق الأخوان الى موضوع مايسمى " بالتبشير! " وهو مصطلح "غريب" في المندائية والذي يقابله في المندائية مصطلح:ـ الأقناع بالبرهان ، أي اقناع أصحاب الأديان الأخرى بأن طريقنا(ديننا) هو الطريق  الصحيح للعبادة والحياة ، وليس الأدخال!؟

سأتحدث عن المندائية ليس في أطوارها الأولى ونشوؤها، فهذا سيبعدنا قليلاً  عن موضوعنا الأساسي فالبعض قد يتساءل ويقول ان كتبنا الدينية تقول:ـ

اننا من نسل آدم ونحن من أمدنا الحي العظيم بالناصورائية وهي العلم والمعرفة  فكيف أصبحنا أدياناً وشعوباً وقبائلا؟  لذا سيتوجّب عَليّة أجابته ، ثم يسأل وأجيب ... وهكذا

وأقول له : " لو أراد الخالق العظيم (الحي العظيم) لجعل في الحياة ديناً واحداً للعبادة ومبدءاً وذوقاً ولوناً واحداً في الحياة، ولكن حكمته، فلوعرفنا سِرّها لضاعَ طعمَ الحياة  وللآبتعاد عن هذا التحاور" اللامنتهي!" دعوني أدخل في الموضوع وأقول  المندائية تسيرعلى المبادئ والأصول (  "العقلانية" ، إن جاز لنا القول) التالية:ـ

أولاً: مبدأ المندائية في الأساس وفي زمن "يحيى الصابِغ" والى اليوم هو:ـ  ـ" لكم دينكم ولي ديني وطريقي الخاص في العبادة"ـ  وهذا يعني ان المندائي مندائي ولاتحبذ ولاتريد خروجه من المندائية  والذي يخرج " لايعود!"، فهي لاتقتله جسدياً ــ كما في الأسلام ــ لكنها "تقتله" روحياً، ثم  لاتريد المندائية من أحد الدخول فيها  ربما سيطرح البعض السؤال التالي : ـ

ماذا لو بدأت المندائية بمنع خروج معتنقيها والسماح "للغرباء" الدخول فيها وقطعت رقبة " الـُمرتـَد ؟ ـ   بالتأكيد لن تفعل ذلك ، لأن الأديان القديمة لها إتجاهات تختلف عما هو في الأديان الحديثة(المسيحية والأسلام )ـ

ثانياً: "الأقناع " بالبرهان الذي بدوره يؤدي الى "الأرضاء" دون الأنصهارـ  وهذا المصطلح المندائي يقابل المصطلح في الأديان الأخرى: " التبشير "ـ  الذي يعني " الأدخال " في الدين المُبَشـّر به    وهذا مافعلته النصرانية في مراحلها الأولى والمسيحية بعد ذلك إذ قامت بالتبشير ومافعلته الكنيسة وعلى المكشوف وفي نطاق واسع والى اليوم  والأسلام في بداياته إنتشر بالسيف والترغيب( الجنة والحوري ... والأنهار؟) ثم إنتقلوا الى الشرح والتفسير بهدف الأقناع واصطدم الناس بعدم تطابق النظرية والتطبيق والى اليوم ، وهذا معروف للجميع

فلو بدأ الأسلام بالشرح والتفسيروالأقناع في بداياته لما إنتشر  لهذا بدأوا بالقول المشهور   ـ إسْلم تسْلم ــ   فهدف المندائية بالتبشير ( لو أجيز لنا القول)هو ليس دخول " الغرباء" في المندائية ، بل نجعلهم يؤمنون ان ــ طريق المندائية وطقوسها في العبادةــ هو الطريق الصحيح للتقرب من (  الحيّ العظيم) وعبادته ـ  رغم انه ليس لدينا " دعاة " متمكنين يقودون حملات التبشير هذه كما يفعل أصحاب الديانات الأخرى التي تمارس التبشير، لكننا نملك طقوساً تحلَّ محل التبشير  والدليل على ذلك صباغة " الغرباء" من قبل ( يحيى الصابِغ ) على ضفاف نهر الأردن   هو ليس إدخالهم في الدين المندائي، بل لانهم آمنوا وأعترفوا ان " الصباغة" المندائية هي أحدى الطرق الصحيحة للتقرب من الخالق العظيم وعبادته.ـ

وقد نشرت قبل أيام " بوثا " تصب في هذا الأتجاه وهي:ـ  فيؤمن بعض اليهود... ويهديهم الى آسم ملك النور السامي  الـ " بوثا " تقول " : يؤمن ويهدي ولم يَقـُل : يُدخِل ...ـ  وهذا هو مفهوم " الأقناع " الذي يقابل " التبشير" في الأديان الأخرى  وهذا هو هدف المُصطبغين ، فهم آمنوا بهذ  الطريق الصحيح للعبادة وليس بهدف  أن يصبحوا " مندائيين "ـ  والدليل على ذلك هذه الحكاية القصيرة:ـ

نشرت قبل سنة أو أكثر أن هناك أحد المدرسين المسيحيين الألمان ، الذي يُدرّس اللغات  في إحدى دول شرق آسيا أراد أن يصطبغ صباغة مندائية ، لانه يؤمن انها الطريق  الصحيح للعبادة في الحياة، وليس الدخول في المندائية  ولم يجبني أحد من رجال الدين الأفاضل

ومن جانب آخر ان "الأقناع" يمكن أن يكون أيضاًً نوعاً من أنواع التبشير  لكنه لايذيب دين بدين  فاختلاف الأديان في الحياة هي مثل إختلاف الألوان والأفكار والأذواق و..و.. و..ـ التبشير هو بالحقيقة محاولة " إذابة" الأديان وإنبثاق دين واحد المُبشر به وهنا نسأل: أما كان بمقدور الخالق من البداية  ان يفعل ذلك ؟  أم ينتظرأن يقوم البشر بهذا " الدمج " عن طريق التبشير ؟  ثم ألا يعتبر التبشير عملاً ضد إرادة الخالق ؟ المندائية تقرّ ان إختلاف الأديان حقيقة ، لذا لا يجوز ان "يذيب" أحد الأديان ديناً آخراً ؛ فلو إلتزم أصحاب الديانات الأخرى التي تمارس التبشير  بعقائدهم لما قاموا بذلك  ونوجه هذا السؤال ايضاً:ـ

لو مزجنا لوناً بلونٍ نخرج بلون موجود اصلاً   إذن ، لماذا هذا الأندماج؟  لكن لو حصلنا على لونٍ غير معروف وجديد، فالمزج يصبح له أهمية  وهذا ينطبق مع هدف الأديان المُبشِّرة من التبشير  إذابة دين بدين يؤدي الى ظهور  أحد هاذين الدينين الموجود أصلاً   إذن، لماذا هذا الأندماج؟  ترى كيف  ستكون الحياة بلون وبدينٍ واحد؟  واضيف الى ماورد أعلاه مايلي:ـ

قضية " التبشير" لو جاز لنا القول ، هي قضية تقبل الأثبات والنفي. فإذا كانت مثل  هذه القضية موجودة، إذن يُطلق عَليها: " تكافؤ الأدلـّة" ، والأخوان القانونيين يَعرفونَ ذلك.ـ  فللوصول الى نتيجة تـُرْضي الأطراف ، يَجب علينا أن نتـَّجـِه الى (المحاورة أو الحِوار) للوصول  الى الحقيقة  فالشك والرأي  من قبل جميع الأطراف حول هذه القضية مَوجود  بوجود الشك في قضية اخرى مثلاً  المندائية تقول أن البشرية بدايتها كانت في الأساس مُوحدة ثم ظهرت " التعددية" ـ  بالضد من الفلسفة التي تقول العكس  فالحقيقة موجودة أصلاً في تعدد الأراء هذه، فعن طريق الحوار الهادئ نصل   بالتأكيد الى هَدفنا  يُقال أن سُقراط كان لايُلقـِّن تلاميذه أو يَفرض عليهم رأيه  بل يصل الى الحقيقة عن طريق الحوار  لآن القضايا الدينية لها خصوصيتها ، لذا يَجب التعامل معها بهدوء وعقلانية، حتى لايتأوَّل النص الديني  بالأتجاه الخاطئ أو يُفسّر تفسيراً بعيداً عن محتواه (أي المحتوى الديني    لهذا النص المتعلـّق بما يُسمى   (ـ" التبشير"ـ

 

وهيي زاكن

الثلاثاء, 04 حزيران/يونيو 2013 05:20

اعلان من لجنة الطوارئ

 

باسم الحي العظيم

))رأسُ الحنانِ أن تَحِنَّ الى الفقراء والمضطَهدين((

المندائيات والمندائيون الكرام

تحيةطيبة

نود اعلامكم بان لجنةالطوارىء ، مستمرة في أعمالها وأتصالاتها ومساعيها لأسناد ومساعدة وانقاذ كل مندائية ومندائي طلبوا المساعدة .

 

وخلال الأشهر الثلاث الماضية تم عقد عدة أجتماعات مكثفة مع أعضاء المؤسسة المندائية في سورية ورئيس وممثلي مجالس العوائل وتم مناقشة كافة المقترحات والطروحات المقدمة وخطط العمل والتنفيذ وتم الأجابة عن كافة الأستفسارات المطروحة من قبل المندائيين هناك ، وصولا الى عمل أحصاءات متكاملة بعدد العوائل التي ترغب المغادرة الى دولة أخرى مثل تركيا والعراق

.

بعد ذلك تم عقدالاجتماع الموسع للجنة الطوارىء بتأريخ 11_05_2013 هذا وقد حضر الأجتماع :ـ

السيد توما زكي زهرون ـسكرتير مجلس الشؤون نيابة عن رئيس الطائفة الريش أمة ستار جبارحلو

الدكتور صهيب غضبان رومي الناشى ـ سكرتير أتحاد الجمعيات المندائية في المهجر

الكنزبرا سلام غياض ـ رئيس لجنة الطوارىء

الدكتور جبار ياسرالحيدر ـ عضو لجنة الطوارىء

السيد غسان عودة بطي رئيس الهيئة الادارية للجمعية المندائية في سورية

السيد سلام شنان نائبرئيس الهيئة الادارية للجمعية المندائية في سورية مع أعضاء الهيئة الادارية

السيد هشام الحلي ـ رئيس مجلس العوائل في سورية مع عدد من ممثلي مجالس العوائل

السيد حيدر يعقوب يوسفـ سكرتير مجموعة حقوق الأنسان المندائية ـ مسؤول مشروع الأيادي البيضاء

السيد سهم مهاوي ـسكرتير مجلس شؤون أربيل

السيد أدور سلومي ـ عضولجنة الطوارىء

الدكتور سلام جاوي فرحان ـ سكرتير المجموعة العالمية للأزمة المندائية ـ عضو لجنةالطوارىء

الاستاذ حامد مغشغشالسعدي- عضو لجنة الطوارىء

هذا وقد سبق الاجتماع بمدة أكثر من اسبوعين تبليغنا الرسمي الى مسؤولي المؤسسة في سورية لغرضالاتصال بكافة العوائل في سورية وتكملة جرد واحصاء متكامل بالعوائل التي ترغب بمغادرة سورية لاعداد خطة عمل وبرنامج وتوزيع اللجان ومهامها ، حيث بذل العاملين في المؤسسة المندائية في سورية جهودا كبيرة في هذا الصدد وكانت نتيجة الجرد الاولي حتى ساعة الاجتماع اربعة عوائل مندائية فقط ترغب بمغادرة سورية ممن تم تسجيل اسمائهم وبطلب رسمي وضمن النموذج المرسل من قبلنا رسميا الى المؤسسة المندائية في سورية

.

تم خلال الأجتماع دراسة تكاليف نقل العائلة الواحدة ابتداء من سورية والانتقال الى اربيل والبقاء فيها هناك لمدة محدودة وتم تخمين تكاليف البقاء في مندي أربيل وحتى الحصول على تأشيرة الدخول الى تركيا ثم تكاليف النقل الى تركيا واستقبالهم من قبلاللجنة المشرفة في تركيا والتي تقوم بمهمة تهيئة مستلزمات السكن والأستقراروالحصول على الموافقات الامنية والمعيشة. هذا وتم نقل عائلة مندائية مكونة منخمسة افراد كمرحلة اولى وسيتم الاستمرار بنقل من يرغب بذلك وحسب الآليات المتفق عليها  ضمن مشروع الطوارىء.

.

ملاحظة

علما ان لجنة الطوارئ لاحظت مؤخرا ازدياد اعداد العوائل المندائية من اللاجئين التي بدأت في جني ثمار جهود كافة الخيرين من ابناء الطائفة وعلى رأسهم منظمة محام وذلك من خلال اجتماعاتها المتواصلة وضغطها على المفوضية العليا لشؤون اللاجئيين ، حيث تصاعدت وتيرة سفر العوائل المندائية الى بر الامان ، وبنفس الوقت ندعوا بقلوب مؤمنة لبقية العوائل المندائية بأنهاء ملفات توطينهم وسفرهم الى بر الامان .

فطوبى لكل من عمل عملا صالحا

 

مع التقدير

 

الكنزبرا سلام غياض

مسؤول لجنة الطوارئ

 

نشرت في اخبار محام
الجمعة, 05 نيسان/أبريل 2013 23:02

التطورات في النقاش حول أصل المندائيين

تسبب وجود اسطورة هجرة الصابئة المندائيين من حوض الاردن الى الجبال الميدية "طورا دماداي" وحران في مخطوطة "هاران جويثا" (حران الداخلية) بسبب اضطهاد اليهود لهم ووجود بعض العناصر السامية الغربية في الدين (مثل الكرمة "جفنا" والحق/العهد "كشطا") في نشوء نظرية الأصل الغربي للمندائيين مبكراً. وأشار الى ذلك مستشرقون كبار مثل نولدكه وليدزبارسكي، ثم أيدت الباحثة الكبيرة في المندائيات ليدي درور هذا الرأي لاحقاً، وهو الرأي الذي صاغه عالم الساميات المعروف رودولف ماتسوخ، وأيده كذلك كورت رودولف. من جانب آخر، وبسبب الجذور البابلية والرافدينية العميقة للدين، أشارت أقلية من الباحثين مثل باومغارتنر وفورلاني الى أن أصل المندائيين هو بابل، وهو الرأي الذي بدأ يتردد مجدداً بين أوساط علماء المندائيات.

يلخص ماتسوخ نظريته في مقدمة كتابه عن اللغة المندائية الكلاسيكية والمعاصرة فيقول: "يجب أن تكون هجرة المندائيين من وادي الاردن الى المرتفعات الميدية قد حدثت أثناء حكم الملك الفرثي أرتبان الثالث. وأثبتت محاولة ك. رودولف لوضع الهجرة في زمن أرتبان الخامس، وآراء إي. بامل بأنها حدثت في فترة حكم أرتبان الرابع القصيرة، أنها لا تأريخية. وقبل انتهاء الحكم الفرثي، انتشر المندائيون في كافة أرجاء وادي الرافدين. وفي القرن الثاني للميلاد أخذ العيلاميون والميسانيون منهم خطهم الذي اقتبسوه من الأنباط".

أما كورت رودولف فيقول في كتابه المندائية (لايدن 1971) "من الصعب الحديث عن أصل المندائيين وتأريخهم، لأنه أمر لم يدرس في كتبهم على الاطلاق. وهم أنفسهم يعتقدون بأن دينهم كان الأول ووضعه عالم النور، ولا يعنيهم تأريخ هذا العالم في شيء... وتوجد اسطورة متوارثة عن إضطهاد الجماعة (بالأصح 360 كاهن) في اورشالام علي يد اليهود الذين قادهم أدوناي والروها والشوفّا. ويعتقد أن تدمير اورشالام على يد قوى النور جاءت عقاباً لليهود على ذلك.. علاوة على ذلك، نجد في هاران جويثا تفاصيل إقامة الناصورايي في تلال ميديا (طورا دماداي) أو حران الداخلية، حيث هربوا بقيادة الملك أردبان من الحكام اليهود. وتم تشخيص أردبان الغامض هذا بالملك الفرثي أرتبان الثالث، أو الرابع أو الخامس... أي في فترة حكم الملوك البارثيين المتأخرين في القرن الأول أو الثاني الميلادي..". وأدوناي هو اله اليهود، الروها هي روح العالم المادي الشريرة، والشوفّا (شفياهي بالعامية المندائية، وهي شوبّا أو شوفّا أي السبعة) هم الكواكب السبعة الشريرة، أعوان ملك الظلام.

ويستمر رودولف "إن تحليل نمط ومواضيع هذا التراث المندائي القديم ومقارنته مع مختلف النصوص اليوحناوية يوضح بأنه يرتبط بالتراث المسيحي الفلسطيني – السوري القديم. ولا يعطينا الأدب المندائي أية إشارة الى أن الطائفة كانت في يوم من الأيام مسيحية على العكس من رأي بعض العلماء... ولا يمكن نكران الأصل اليهودي للطائفة أو الناصورايي رغم النقاشات الحامية ضد اليهود في الأدب المندائي... وتذكر لفافة هاران جويثا أن الناصورايي أحبوا الرب أدوناي الى أن جاء المسيح! ومن الواضح أن معاداة هذه الطائفة اليهودية المارقة لليهودية الرسمية أدت الى وقوع الاضطهاد عليها، من المفترض خلال حروب اليهود التحررية في القرنين الأول والثاني... ومن الأفكار القديمة نجد بهيري زدقا (المختارون الحقيقيون) ومار إد ربوثا (رب العظمة) ورازا (السر) والكثير من المصطلحات واللغة الرمزية حول التعميد وكأنها تكرار لنصوص قمران. والاردن دائماً هو اسم أي ماء مناسب للتعميد للمندائيين. وتؤكد العلاقة الواضحة مع الطوائف المعمدانية شرقي الأردن ومع المسيحية البدائية في سوريا، علاوة على العديد من العناصر السورية الغربية المميزة في اللغة والميثولوجيا المندائية (مثل مندا، ناصورايي، جفنا، كشطا، والملائكة التي تبدأ بـ "يو") نظريتنا في الاصل الغربي للمندائية".

أولاً نترك المواضيع المتعلقة بهجرة ما جانباً، فهي تكرار لتقاليد قديمة (هجرة ابراهيم الى حران ثم الى كنعان، هجرة أخوة يوسف الى مصر ثم الخروج العبري من مصر بقيادة موسى، هجرة يسوع وعائلته الى مصر الخ). وهناك أمثلة عديدة في تأريخ الأديان حول اقتباس أساطير وقصص من الشعوب الاخرى (والمثال الأسطع هو اطلاع اليهود على الميثولوجيا والأساطير الرافدينية بعد نفيهم الى بابل، ومنها استمدوا أساطيرهم بعد تحويرها، مثل الخليقة والطوفان، وذلك عند تحرير التوراة وكتب الأنبياء والمزامير وغيرها من كتبهم في فترات متأخرة). ما يهمنا هو العناصر الغربية في الدين المندائي. أحد أهم العناصر هو تعبير ناصورايي وهو العالم في الدين والمتبحر في اموره وأسراره، فمن أين أتت هذه الكلمة وما معناها؟

أصل الكلمة الفعل نصر هو صيغة قديمة للفعل نطر، ومنها ينطر، أي يحرس، يحمي ومنا الناطور أي الحارس. وهي كلمة معروفة في العديد من اللغات السامية، مثل العبرية والآراميات وحتى العربية. لكن المهم هو استعمالها الديني. فهي لا ترتبط بالمندائية فحسب، بل بالقمرانيين وباقي طوائف البحر الميت وبالمسيحية كذلك.

نجد في نصوص قمران مصطلح نوصري ها-بريت، وهو يعني حرفياً حماة العهد، في إشارة الى عهد يهوه مع ابراهيم في التوراة، وهي تسمية أطلقها مؤلفوا النصوص القمرانية على أنفسهم، وتختصر بالعبرية الى نوصريم. ويمكن اعتبارها الاسم الذي عرّف به القمرانيون (أو غيرهم) أنفسهم. ومن المؤكد أن التسمية العربية للمسيحيين، النصارى، هي على نفس النحو وليس من النسبة المفترضة للمسيح الى مدينة الناصرة التي لم تكن قد وجدت في عصر المسيح، وإنما ظهرت في فترات لاحقة بعد تدوين الأناجيل (القرون الثاني-الثالث الميلادي). فيسوع نفسه، كان يلقب بالناصورايي، أو النازاري (تحولت الى الناصري بالعربية). ويجب الحذر عند الاعتماد على المصادر المسيحية أو الكلاسيكية، فغالباً ما يرتبك الأمر على الكاتب والناسخ بسبب ضعف الاطلاع على ماهية أديان أو طوائف تتميز بسرية التعاليم أصلاً، وبسبب التشوش الهائل الذي سببه التغير في النطق عند ترجمة الأسماء من العبرية والآراميات الى اليونانية واللاتينية. فهناك اشارات في كتب الآباء المسيحيين الأوائل وكتب المؤرخين القدماء الى طوائف في شرقي الاردن تتشابه في أسمائها مع ما نعرفه من الأدب المندائي: فيذكر هيغيسبوس (من القرن الثاني الميلادي، حسب كتاب تاريخ الكنيسة ليوزيبيوس الذي توفي في 339م) الطوائف اليهودية السبع وهي: الأسينيون، الهيميروبابتست (المتعمدون في النهار) الجليليون، المصبوثيون (المعمدانيون) والسامريون، والصدوقيون والفريزيون. فالمتعمدون في النهار، والمصبوثيون هي أسماء قد تكون لطائفة معمدانية واحدة، الاولى عرفت بالاسم اليوناني، والثانية بالاسم الآرامي. ويتحدث أبيفانيس أسقف سلامينا (أواخر القرن الرابع) عن الناصورائيين والنازاريين والاوسيين في حوض نهر الاردن، وقتها كان المندائيون يعيشون في ميسان أي جنوب العراق. ونجد في مخطوطات قمران تسمية ثانية للجماعة القمرانية، وهي "عوسي ها-توراه" أي مطبقي أو محققي التوراة، وتختصر الى عوسيم، وهي نفس الأوسيين التي تحدث عنها أبيفانيس. وكما مر، فإن ناصوري ونازاري تعودان الى جذر نصر، أو نطر بمعنى ناصورايي، وتغير اللفظ حسب تأثير اللغة اليونانية أو اللاتينية، لغة المصادر التي نقلت الينا الأخبار الشحيحة عن هذه الطوائف!. المصطلح إذن شائع في تلك الفترة، حماة العهد، حماة الدين الخ، ولا يرتبط بدين معين كما رأينا.

وعن علاقة اليردنا بنهر الاردن، فالأمر واضح، ولا يمكن اعتبار استعمال المندائيين كلمة يردنا هي دليل على الأصل الغربي وإشارة الى نهر الاردن الحالي. تعني كلمة يردنا في اللغات الآرامية الماء النقي، الجاري. ويبدأ البارسيون (في الهند) أسماء الأنهار بسابقة هي "أرد"، وهناك العديد من الأنهر في أوروبا تذكرنا باليردنا: الرون والراين، ولاننسى رودانوس التسمية القديمة. على ما يبدو أن الكلمة ترجع الى فترات بعيدة في تأريخ البشرية القديم.

إن الطبقة الأساسية للدين المندائي رافدينية الطابع، ولا يمكن تصورها في أية بيئة ثانية عدا بيئة الأهوار والأنهار والماء الوفير في جنوب العراق كما يشير عزيز سباهي بصواب في كتابه "اصول الصابئة". فهل يقبل المنطق العلمي وضع كل العناصر البابلية الغزيرة في الأدب المندائي جانباً والتشبث بحفنة من العناصر "الغربية" في الدين، لإثبات نظرية الأصل الغربي؟.

والأهم من كل ذلك، هو وجود "العناصر الغربية" في جنوب بابل في تلك الفترة، متمثلة باليهود الذين آثروا البقاء في جنوبي وادي الرافدين على العودة الى أرض كنعان. فما الداعي "لاستيراد" العناصر الغربية ما دامت قد جائت من قبل مع اليهود الذين سباهم الكلدانيون الى بابل وبقوا على اتصال ببلاد كنعان؟. هذا ينطبق مثلاً على ما يسميه المستشرقون "مخلوقات يو" مثل الملائكة يوشامن ويوزاطق وغيرهم. وسابقة يو هذه تعرف بالحرفين وهي مختصر للحروف الأربعة يهوه اله العبرانيين القومي. وهناك الحروف الثلاثة يهو (ياهو، مثلاً في نتانياهو). واسم يهوه مقدس عند اليهود لايلفظوه، بل يقرأون إيلوهيم بدلاً منه (لذلك يجري تحريك كلمة يهوه بحركات كلمة إيلوهيم في النصوص). ويوشامن هو اسم مستعار من التراث الكنعاني، وأصله بعل شمين أي سيد السموات (في الأصل بعل شمايم، تحولت الى بعل شمين ثم الى يوشمين عند اليهود ومنها اشتق المندائيون يوشامن)، أما يوزاطق، فهو من يو-صادق. ومن المفترض أن تكون الصيغة المندائية ليوحنا المعمدان، يهيا يهانا (يحيى يوحنا) على نفس الشاكلة. لكن لماذا لا يكتبه أو يلفظه المندائيون يوهانا بدلاً من يهانا التقليدية؟ هذا أمر لم يتطرق اليه أحد ويتطلب البحث.

إن اقتباس المندائيون هذه الأفكار من جيرتهم اليهود في بابل هو أسهل بكثير من نقلها عبر هجرة واسعة من وادي الاردن الى حران فبابل. ولربما هاجر عدد صغير ممن كانوا يسمون بالناصورايي من حوض الاردن فعلاً، وانظموا الى المندائيين الموجودين أساساً في أرض بابل، وهو أمر تشير اليه لفافة هاران جويثا صراحة، لكن ذلك ما لا يمكن نفيه أو إثباته في الظروف الحالي. ومع ذلك وحتى التسليم بإحتمال مثل هذا لا يفترض تأييد نظرية الأصل الغربي ما دام القادمون الجدد انظموا الى جماعة قائمة منذ زمن، ولم يأتوا بدينٍ جديد.
ولعبت نظرية الأصل الغربي دوراً في تعقيد الصورة المعقدة أصلاً، على سبيل المثال أثناء النقاش حول الخط المندائي الذي يتشابه مع الخط النبطي (في الغرب) والخط العيلامي (في الشرق). فمن يؤمن بالأصل الغربي لابد وأن يقول بأسبقية الخط النبطي على المندائي، لأن الصورة لا تستقيم إلا هكذا، فيكونوا قد أخذوا الخط من النبطيين بطريقهم الى ميسان، حيث اقتبسه منهم العيلاميون كما رأينا عند ماتسوخ. ومن المفترض أن الخط المندائي كان قد بلغ اكتماله في القرن الثالث الميلادي، ويصعب تصور اقتباسه من العيلاميين كما يرى يوسف نافيه أو يانوش هارماتا لأسباب تتعلق بتأريخ التدوين عن الشعوب الايرانية التي لم تطور أبجدية خاصة بها، ولم تستقر على أبجدية إلا بعد الاسلام عندما اختارت الحروف العربية، وحتى الأبجدية الفهلوية كانت تتألف من ثلاثة عشر حرفاً فقط. ولو كان العيلاميون هم من ابتكر وطور الأبجدية هذه، لم نبذوها ولم يستعملوها لاحقاً؟. من جانب آخر ذكر رودولف أن المندائيون طوروا أبجديتهم بعد وصولهم الى ميسان. وستظل الأبجدية رهينة النقاش حول أصل المندائيين رغم اللقى الأثرية من نقوش ونقود وكتابات.

خلال مؤتمر جمعية آرام عن المندائيين في اوكسفورد في عام 2002، شددت الدكتورة كريستا مولر-كَسْلَر على ضرورة فتح ملف أصل المندائيين مجدداً وفقاً للمعطيات الجديدة التي أفرزتها دراسة اللقى الأثرية في وادي الرافدين. وكَسْلَر مهتمة بدراسة نصوص التعاويذ التي عثر عليها في وادي الرافدين منذ القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين والتي بقيت في المخازن دون ترجمة. وتعتقد كَسْلَر أن الدين المندائي تكون في جنوب وادي الرافدين وتنكر الأصل الغربي لعدم وجود ما يبرر هذه النظرية، أيدها في ذلك البروفسور المؤرخ أدموندو لوبييري من جامعة أودينا الايطالية.
وترى مولر ـ كَسلَر أن نصوص التعاويذ المندائية كانت موجودة وتلمس الكثير من عناصرها في نصوص تعود الى فترات أقدم من الهجرة المفترضة، الى منتصف القرن الثاني قبل الميلاد مثلا. وتدل الدراسات الحديثة حول نصوص الأدعية المندائية أن هذه النصوص رافدينية جنوبية بالتمام، لا بل تحمل بصمات محلية ضيقة غير معروفة حتى في مناطق اخرى قريبة من بلاد الرافدين. وتجادل كَسْلَر أنه كان على الجماعة المهاجرة من فلسطين في القرن الأول أن تغير لغتها وتترجم نصوصها الدينية بثلاث لغات خلال فترة زمنية قصيرة تقرب من مئة عام هي الفترة الفاصلة بين انطلاقهم المفترض من حوض الاردن لغاية وصولهم الى جنوب وادي الرافدين، وهو أمر مستحيل عملياً، بالإضافة الى أن مثل هذه الترجمة للنصوص لابد وأن تترك بصماتها مثل وجود عناصر لغوية ومفردات من اللغة الأسبق، وهو أمر لا نعثر عليه في النصوص المندائية. وتقول في دراسة سابقة لها صدرت في مجلة آرام (عدد 11-12): "إن إحياء دراسات النصوص المندائية القديمة المكتوبة على الرصاص والأوعية الخزفية في السنوات الأخيرة، يجبرنا على إعادة تقييم معلوماتنا عن معرفة المندائيين للثقافة البابلية القديمة ودورهم في نقلها. كذلك أن نصوص التعاويذ المندائية هذه بالذات هي التي ترتبط بشكل وثيق بقضية أصل المندائيين. هذا الأدب الخاص يكشف معلومات مفصلة حول الكثير من الأسئلة التي لم تحصل إجابتها. إن طبقة الصوتيات والمفردات والتعابير في اللهجة المندائية يجب أن تكون أدلة كافية لإثبات الأصل البابلي للمندائيين، لكن يبدو أن هذه الحجج اللغوية لم تكن مقنعة بالنسبة لأجيال من علماء الأديان".

ولم تقنع هذه الحجج البروفسور رودولف، فهو يعارض هذا الرأي لحد الآن، ويصر على أنه من الصعب تحديد أصل المندائيين بالاعتماد على دراسة نصوص الأدعية وحدها.

بظهور الأجيال الجديدة من علماء المندائيات، وتزايد الاهتمام بدراسة اللقى الأثرية – وهي الأدلة المادية على تأريخ جماعة ما -، يأخذ الخوض في أصل المندائيين منحىً جديداً، رغم تعقد الموضوع وتشابك عناصره وشحة المصادر التأريخية والأثرية التي ترتبط بالمندائيين

نشرت في تاريخ
الجمعة, 05 نيسان/أبريل 2013 18:43

الأنهار المقدسة

اسبر اغوار نهر الروح .. من أين جئت وبأمر من .. وبالرغم من انك اصبحت عبداً لهذا الجسد الفاني ، قم انهض مجددا واتبع النظام الذي منه انحدرت وشارك في السبب المقدس.. )نص آكادي)

غالبا ما تظهر الأنهار في المعتقدات الدينية كرموز النفوذ الإلهي والاتكال الحياتي ، والانهار تستحضر صورة الطاقات العقلية والروحية ، مغلفة المستويات المتعددة للحياة الكونية والفردية لتربطنا بشكل حميمي بالمصدر الروحي الذي يغذينا ويديمنا،. وهي تتدفق دوما لتوصلنا بكل الاشياء. وقد استوعب القدامى، ومنهم المصريون، هذه الهبة الكونية فسموا مصر هبة النيل، وقدموا له الصبايا الجميلات قرابين بشرية لإرضاءه.
الأنهار المقدسة هي ليست مجرد تذكير اسطوري بحقائق منسية، انما تمثل دفق الوجود البشري "من نحن؟ وماذا نحن؟" وليست كينونة ساكنة او جامدة وانما سيلا فاعلا للبهاء الإلهي. فقد وصفها الفلاسفة منذ القدم بأنها البذرة أوالبيضة التي تحوي الخصب الكوني الذي يحبل به رحم الكون اللامتناهي زمكانيا.
وينظر لهذه البذرة على انها ثمرة الأسلاف والاكوان السابقة المليئة بالحياة والذكاء والوعي. اذ من الطبيعي تخيل هذه البذرة اللامتناهية تنبثق في لحظة معينة لتتدفق نهرا جارفا من الطاقة غامرة الكون بـ "مياه" البهاء والألق أي الفوضى البدئية التي نجم عنها خلق المجرات والمجاميع النجمية تحوي كواكب جنائنية مثل كوكبنا الأرض.
وتقدم لنا قصيدة التكوين والخلق البابلية وصفا دقيقا مدهشا لانبثاق دجلة والفرات بسلسلة من اعمال القتال، بدأت بقتل أپسوApsu وهو عنصر الذكورة في مزيج الحياة البدئية، حيث كانت تيامت Tiamat تشكل فيه عنصر الأنوثة والأمومة وكانت تحكمه وتتحكم فيه، وهي التي منحت أپسو شعارات السلطة والتألق الخارق للطبيعةMelamu . وبالنسبة لأپسو فقد تمكن الإله (أيـا) بتعويذة سحرية من اختصاصه تعطيل حركته وتجريده من شعاراته، ثم قتله، بحيث لا يتحول الى العدم بعد عملية القتل هذه بل ليصبح العنصر الرطب اي محيط المياه العذبة الباطنية، حيث يتخذ الإله أيا مقره. وعلى هذا المحيط ، يتم فيما بعد، من قبل الإله مردوخ تكوين قرص الأرض.
اما تيامت حين منحت وحدها ودون الرجوع الى مجمع الآلهة السلطة لكينغو Kingo الذي اتخذته قرينا له بعد موت او تحول أپسو. ووفقا لهذا الرأي نفسه ، كان الإله مردوخ يمثل النظام والتصور السليم يرافقه تخطيط بارع يدل على حسن استعداده للمعركة مع تيامت واختياره لسلاحه ، وبعد انتصاره على تيامت، فانه شطر جسمها الهائل الى نصفين مثل ما تشطر السمكة التي يراد تجفيفها ثم تناول نصفا وقنطره وجعل منه شكل السماء وفي موضع كبدها احدث المناطق السماوية العلوية وكوّم فوق رأسها جبلا وأخرج منه ينبوعا وفتح في عينيها دجلة والفرات كما اعد ردفها لسند السماء وسقّف نصفها الآخر لتدعيم الأرض.
ويمكننا تبيان أهمية الأنهار في فكر الانسان العراقي في كل اساطيرنا القديمة التي دونها ببراعة لا تضاهى الشعراء السومريون ومن بعدهم البابليون بما جال في خيال وتصور العقل البشري في تدوين مغامرات جلجامش وبحثه عن سر الخلود ومعنى الحياة والذي قاده الى "أبو البشرية" الذي يسكن عبر البحر مع الآلهة في "حديقة الشمس" التي تقع عند مصب الأنهار. وقد استعارت التوراة العبرية هذا التصور حيث نقرأ في سفر التكوين 10:2 "وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة. ومن هناك ينقسم فيصير أربعة رؤوس".
وكما الانهار تنحدر من مصادرها البدئية ـ من الامطار والثلوج ـ فانها تجرف معها الطمي وعناصر الطبيعة الاخرى من المناطق التي تجري فيها كما تجرف معها الاقذار البشرية التي تساهم في تلويث هذه الانهار الواهبة للحياة بغض النظر عن كونها اقذارا جسدية ام روحية. لقد كان كل من هومير وافلاطون مقتنعين تماما بتصويرهم لجريان الانهار الى العوالم السفلية، اذ نجد في نظرية نشأة الكون اليونانية ان الأقيانوس التايتاتي ، هذا النهر الاسطوري قد ولد عن السماء والارض وهو اب لكل الانهار ، النهر السماوي التي تحيط مياهه بالارض. ومن بين بناته الواتي ليس لهن عد هناك اربعة منهن انهار العالم السفلي الرئيسية بالاضافة الى نهر النسيان Lethe ، وهذه الانهار تلتقي لتسيل جنوبا ملتفة حول بحيرة الجحيم Acherusian لتصب اخيرا في الجحيم Tartarus . وتقوم هذه الانهار في العالم السفلي بتنقية الارواح والعقول من آثامها وانانيتها.
ان الاساطير تروي لنا بأن الانهار هي مظهر تكاملي للنظام البيئي الروحي العقلي الجسدي من خلال جريانها عبر العوالم الثلاثة الأرضية والسماوية والسفلية. ان الاسطورة الهندوسية حول نهر الهند المقدس الغانج تمكننا من تخيل هذا النهر على انه إلهة ـ حيث انها هي الإلهة الأم (ام الغانج) الواهبة للحياة ، وهي الطاقة الأنثوية ـ الأمومية ـ الذكية العاقلة الكونية قرينة الإله سيفا Siva . وهي النهر الذي ينبع من ابهام قدم فينشو حين ثقب بقدمة قبة السماء . من فينشو حامي الكون تجري غانجا باستمرار الى رأس دورفا ، النجم القطبي ، مطهرة في طريقها كل نفس تلمسها كي تصعد الاجساد الى الفردوس . ملايين الهندوس تأتي الى مثابات ومعابر الغانج المقدسة للاغتسال وتطهير الاجساد المتعبة في مياهها المقدسة والذين يحتضرون يحتضنون ضفافها للموت هناك لكي تعبر ارواحهم نهر الحياة والموت باتجاه الحياة الابدية.
وراء هذه الطقوس والرموز تكمن حكمة كونية ملهمة. افكارها المركزية تعبر عنها بوضوح استثنائي الثيوصوفية** المندائية. فمن البيئة المائية ، لأهوار دجلة والفرات، التي استوطنها المندائيون الناصورائيون اصحاب "الألق المعرفي" ظهرت افكارهم التي ارتبطت ارتباطا روحيا وعضويا بهذه المياه. ان الكوزمولوجيا المندائية تشير الى الكينونة الأسمى بـ "الحياة العظمى" التي توصف بانها غريبة متفردة ـ نكرايي ـ بمعنى انها بعيدة لايمكن فهم كينونتها لكونها تفوق الوصف. وبسبب غموضها وتجريدها فان المندائيين يتكلمون عنها دوما بصيغة الجمع الحيادي.
ان رمز الحياة العظيمة (هيي ربي) هو الماء الحي، الذي يسميه المندائيون (يردنا) وهو العنصر الاساسي الذي ترتكز عليه طقوسهم وعلى الخصوص (الصباغة) ـ التعميد ـ التي يجب ان تتم في الماء الجاري (الحي) ولا يجوز ارتماسهم في ماء تحيط به يابسة لأنه ماءا راكدا و(ميتا). ويردنا هي تسمية المندائيين لكل نهر جاري ـ ارضي أو سماوي ـ ويصرون على انه ليس اشارة مباشرة للأردن ولنهره. ان المندائين يعتقدون بأن كل الانهار تنبع من مصدر سماوي ـ نهرا نقيا يدعى الفرات البهي ـ "فراش زيوا".
أدبيات المندائيين تشرح لنا بأن نهر الحياة والنور يجري من نقطة واحدة (رحم) خفية لا يعرف سرها الا الحياة العظمى، الا ان ادعية معينة تقول بأن البهاء (الألق) ـ زيوا ـ هو الذي يرفع حرارة هذا المركز التوليدي ـ الرحم ـ مسببا ذوبانه وجريانه من (مشكنته)، اي من بيت الحياة ـ بيت هيي ـ أي الكون.
ومن هنا نستطيع الوصول لفهم امثل لطقوس الصباغة (التعميد) المندائية. ان الصباغة اليومية هي التعبير المادي الأقصى لما يحدث في حياة المندائين الفكرية والروحية. وهذا الارتماس في المياه الجارية التي تمثل اليردنا السماوي هو في الواقع تمثيلا للفعاليات الخلاقة لما يحدث في عالم النور ـ آلما د نهورا ـ ان هذه الطقوس التي تسمى (مصبوتا) تهدف الى تنقية المرء حيث يدخل الى هذه المياه (مجازيا) "اسودا" ليخرج منها "ابيضا" ، أي يدخل اليردنا نجسا او ملوثا ليخرج منها نقيا.
والماء الذي يعكس النور يعتبر شكلا من اشكال النور. فالشخص المصطبغ حديثا يعتبر مرتديا "حلة النور". وفكرة ان الفلك مملوء بضياء سائل والماء شكل مكثف من اشكاله، تظهر في الاعتقاد بوجود الزوارق الفلكية التي يرسمها المندائيون في منمنماتهم. والماء مع ذلك ليس كله سائلا سحريا واهبا للحياة . ان جزءا واحدا (مثقالا) من تسعة اجزاء (مثاقيل) منه فقط هي الماء الروحي الحيوي ـ ماء الحياة الذي يديم جسم الانسان، وسائر الاجزاء الاخرى تسمى ((تاهمي)) وهي سائل عديم الحياة يمر باستمرار في طريقه الى مياه البحار المرة جارفا معه فضلات ونجاسات الجسم البشري ، في حين يقوم الماء الحي باداء واجبه او يرتفع الى السماء مرة اخرى حيث الـ " يردنا" السماوية " فراش زيوا" او الفرات النوراني.
ان المياه النجسة كلها تصب في بحر العالم القريب من عوالم الظلمات ذات المياه السوداء الداكنة جدا، التي تغلي وتفور وتلتوي، من يشرب منه يمت وكل من يخوض فيها يحترق. ما من احد يطيق رائحتها باستناء ذلكم الذي خرج منه.
ان طقوس الاغتسال بالماء التي تقام مع اجراءات وأدعية وصلوات معينة هي بمثابة احتفال ديني تجلب جميع خواص هذا الماء السماوي وتضعها موضع التطبيق وتجعل متناوله قادرا على الاستفادة منه. هذه الاراء قديمة قدما سحيقا وتشير الى استمرارية الفكر والتقاليد. فمياه دجلة والفرات والكارون والزاب هي ذات قداسة متساوية لأن جميعها تحتوي على هذا الجزء السحري من الماء "ميا هيي" او ماء الحياة. والـ "يردنا" هي العلامة الخاصة بالمندائين الذي بدونه لا تتم مراسيم ـ طقوس ـ الصباغة :
" روشـمـي إمـشـي روشـمـي بـيـردنـا ربـا اد مـيـا هـيـي اد انـش ابـهـيـلـي لا مصـي . اشـم اد هـيـي واشــم اد مـنـدا اد هـيـي مـدخـر إلـي"
(( ان علامتي هي اليردنا العظمى الماء الحي الذي لا يستطيع الانسان ان يحصل عليه بقوته وحده. ان اسم الحياة واسم مندادهيي منطوقان علي)).
ان ولادة الماء الحي ، وفق نظرية الخلق المندائية، لم تأتي هينة يسيرة بل مرت بمخاضات عسيرة منذ ان حددت المانات العظمى لحظة البدء التي نشأت منها الاكوان والسموات التي امتدت اتساعا فيها النجوم تبزغ فتومض فيها متلألئة. وكانت هنالك مياهً وحرارة حية وحرارة آكلة في السماء ذات النجوم المنتشرة وپتاهيل المكلف بالخلق يذرع الاكوان يريد لها فكاكا من الظلمات والنيران الآكلة التي تلفها.
لقد صاغ پتاهيل النار من الثمرة والشجرة والكرمة ـ ومن هذه النار الحية خلقت المياه الحية في دار الحياة، ثم اتى بها پتاهيل الى تيبل ـ الأرض ـ ولكن الحرارة الحية تغيرت فغدا الماء بيده بدون لمعان. بثاهيل حاول كل شيء غير ان الماء لم يعد عذبا حلو المذاق فأمرت الحياة الحياة العظمى مندا اد هيي ان يمضي الى قمة الماء ليسحب جرعة خفيفة من الماء الجاري الحي ويتركها تجري حتى تسقط اخيرا في الماء العكر وتنساب معه، عند ذاك اصبح الماء حلوا فشرب منه بنو آدم وغدو شبيهين بالحياة.
ان الماء الحي هو النهر المندائي المقدس ـ نهر پرياوس ـ الذي ينبع من بوابة الشمال، من تحت عرش الحياة الكبرى عبر مياه الظلمات التي تحيط بتيبل ـ الأرض ـ من كل حدب وصوب اذ انه ليس وفي وسع قوى الظلام ان تقطع الماء الحي النهر المقدس ( يردنا ) عن مقام النور.

نشرت في تاريخ
الجمعة, 05 نيسان/أبريل 2013 18:41

الصابئة المندائيون في العراق القديم

لا أحد يعلم على وجه التحديد متى ظهر الصابئة المندائيون في العراق القديم ، ولكن اسمهم ارتبط بالنبي ابراهيم الخليل الذي عاش في مدينة اور السومرية ـ مدينة الهة القمر نانا ـ منتصف الالف الثالث قبل الميلاد، وكان ابراهيم عليه السلام أول من نبذ الاصنام وودعا لرب واحد عظيم القدرة اطلق عليه السومريون اسم [ لوگـال ـ ديمير ـ آن ـ كي ـ آ ] ملك الهة ما هو فوق وما هو تحت [ رب السماوات والارض] . وقد آمن الصابئة المندائيون بتعاليمه واحتفظوا بصحفه ومارسوا طقوس التعميد التي سنها لهم واستمروا عليها الى يومنا هذا. وقد هاجر قسم منهم معه الى حران والقسم الآخر بقي في العراق ، وقد عرفـوا فيما بعد بـ [ ناصورايي اد كوشطا ] اي حراس العهد الذين أسسوا بيوت النور والحكمة [أي ـ كاشونمال ] ـ بيت مندا (بيت المعرفة) فيما بعد ـ على ضفاف الانهار في وادي الرافدين لعبادة مار اد ربوثا ( الله ـ رب العظمة)، واتخذوا من النجم القطبي (اباثر) الذي دعاه السومريون (( نيبورو )) قبلة لهم. كما ارتبطت طقوسهم بمياه الرافدين فاعتبروا نهريها ادگـلات وپـورانون (دجلة والفرات) انهارا مقدسة تطهر الارواح والاجساد فاصطبغوا في مياهها كي تنال نفوسهم النقاء والبهاء الذي يغمر آلما د نهورا (عالم النور) الذي اليه يعودون . ومفهوم الاغتسال والتغطيس (التعميد) مفهوم رافـديني قديم ورد في العديد من النصوص المسمـارية حيث كتب الشاعر السومري في مرثية مدينة اور: (( شعب الرؤوس السوداء ما عادوا يغتسلون من أجل اعيادك ، اناشيدك تحولت الى أنين ، مدينة اور مثل طفل في شارع مهدم ، يفتش لنفسه عن مكان امامك)).

والصابئة المندائيون هم شعب آرامي عراقي قديم ولغته هي اللغة الآرامية الشرقية المتأثرة كثيرا بالاكدية . وقد تواجد الآراميون جنبا الى جنب مع السومريين والأموريين والكلدان وغيرهم ، واستوطنوا وسط العراق وبالأخص المنطقة الممتدة من بغداد وسامراء من ناحية دجلة وليس من ناحية شبه جزيرة العرب، في وقت مبكر قد يصل الى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد . وقد عثر المنقبون على وثيقة أكدية ـ نقش ـ منذ عهد نارام ـ سن 2507 ـ 2452 ق.م تتحدث عن انتصاره على مدينتي شيروم ( سامراء) وآرامي ، ويستدل على انهما تقعان في منطقة شرق دجلة بين الزاب الأسفل وديالى، ثم انتشروا في كل العراق، على ما يبدو.

وفي العهد البابلي الأخير تبنى العراقيون ، وكل شعوب المنطقة اللغة الآرامية لغة رسمية لأسباب كثيرة واستخدمت بكثرة في بابل والقسم الاوسط من العراق القديم وكانت اللغة المهيمنة في القسم الجنوبي من بلاد ما بين النهرين وما يعرف الآن ببلاد خوزستان في ايران وهي نفس اللغة التي يستخدمها الصابئة المندائيون اليوم في كتبهم ونصوصهم الدينية . لقد امتهن المندائيون في تلك الحقبة نسخ العقود والمخطوطات وكتابة الرقى وتولعوا بالارقام ومراقبة والنجوم وافلاكها وزاولوا الطب بنوعيه الروحاني والسريري (الأشيـپو والآسي) والتي ورثوها عن الأكديين ، حيث كان الأشيـپـو يعالجون المرضى بطرد الارواح الشريرة بواسطة الطقوس السحرية وقراءة التعاويذ وكتابة الرقى وأوعية الاحراز، خصوصا اذا علمنا بأن سكان وادي الرافدين كانوا يعتقدون بأن الأمراض هي عقاب يوقعه الالهة على البشر نتيجة للآثام والخطايا التي يقترفونها، في حين يقوم الآسين، وهم الصيادلة (العشابون)، باعداد الوصفات الدوائية للمرضى .

ان العثور على أوعية السحر (الاحراز) في مناطق شاسعة من العراق شاهد على انتشار المندائيين في وادي الرافدين واستخدام لغتهم ذات الأبجدية المميزة. لقد تأثر كتبة التلمود البابلي منتصف الألف الأول قبل الميلاد بالمندائية حيث نجد بصمات هذه اللغة واضحة تماما في سفري دانيال وعزرا من كتاب التوراة، كما تأثرت بمعتقداتهم الكثير من الديانات كالمانوية وغيرها. ان المندائيين لا بد ان يكونوا قد وصلوا الى بلاد عيلام (خوزستان الحالية) في القرن الثاني الميلادي عبر شمال بابل وبلاد ميديا ، وان الدين المندائي قد وصل حينئذ الى مرحلة من النضج واحتوى على النصوص المقدسة والطقوس الدينية التي نعرفها في وقتنا هذا. وكل هذه النصوص تشير الى الغرب اي الى منطقة حوض الاردن اي ان اصولهم من هناك وان بدأت التأثيرات البابلية والفارسية تظهر لديهم واضحة في أدبياتهم.

إن اول اسم يذكر في تاريخ المندائيين هو امرأة اسمها ( شلاما بنت قدرا ) ، وهذه المرأة ، التي تسمى باسم امها / او معلمتها في الكهانة ، هي اقدم امرأة (اسم شخص مندائي ) ورد اسمه على انه ناسخ النص المعروف بالكنزا شمالا كتاب المندائيين المقدس الذي يتألف من قسمين (يمين شمال) والجزء الأيسر بشكل نصوص شعرية يتناول صعود النفس الى عالم النور .. و[الكنزا ربا] هو اقدم نص مندائي . وشلاما هذه يعود تاريخها الى سنة 200 بعد الميلاد ، وهي بذلك تسبق بعدة اجيال الناسخ المندائي الشهير زازاي بر گـويزطه سنة 270 بعد الميلاد والذي يعودالى حقبة ماني)) .

لا يمكننا اليوم البت تماما فيما اذا كان الناس الذين يتحدثون بالارامية في مناطق شوشتر و ديزفول و عيلام و سوسة هم من اصول مندائية ، ولكن الكتابات الآرامية التي وجدت في الأهواز والتي تعود الى القرن الثاني هي هي مقاربة للأحرف المندائية. إن الكتابة المندائية قد سبقت العيلامية، كما اثبتت البحوث الحديثة قدم وجودهم في مناطق العراق الجنوبية حيث عثر على قطع نقود تحمل كتابات مندائية ، وتعود تلك النقود الى حدود سنة 150 ميلادية ، كما عثر على نصوص مندائية منقوشة على الواح رصاصية تعود لنفس الفترة التاريخية.

في زمن الدولة الفارسية تمتع المندائيون تحت حكم الملك ادشير الأخير بحماية الدولة (الامبراطورية) ولكن الأمر تغير حين جاء الى السلطة الملك الساساني بهرام الأول سنة 273 ، اذ قام باعدام ( ماني ) في بداية حكمه بتأثير من الكاهن الزرادشتي الأعظم (كاردير ) . وامتد الاضطهاد الساساني الديني ليشمل اتباع الديانات الاخرى الغير زرادشتية مثل المندائية والمانوية واليهودية والمسيحية والهندوسية والبوذية. ويمكننا ان ننتهي الى ان المندائيين قاموا بجمع تراثهم وأدبهم الديني وترتيبه وحفظه وهذا واضح في الجهود المكثفة التي قام بها الناسخ (زازاي ) في هذا المجال.

وبالرغم من حملة الاضطهاد الشعواء التي قادها الحبر الاعظم للزرادشت (كاردير) الى انه لم يستطع القضاء تماما على المندائية، ولكن التدوين توقف تماما لعدة قرون ولم نشاهد التأثيرات والكتابات المندائية الا فيما يسمى بأوعية ( قحوف ) الاحراز والأشرطة الرصاصية . ان المدونات المندائية التي عثر عليها كانت جميعها قد نشأت في بلاد الرافدين والتي يعود بعضها الى القرن الرابع الميلادي، والقسم الأكبر قد دون قبل ظهور الاسلام، الا ان محاولات التأليف المندائية لم تنقطع بظهوره وانما واصلت اعمالها تحت ظله الى ما بعد قرون عديدة.

لقد اصبح المندائيون في العصر الساساني الكتبة والنساخ الرئيسيين للوثائق الرسمية وعمل التعاويذ السحرية بكل اللهجات السائدة ، واهتموا باللغات فاصبحوا همزة الوصل بين الاقوام العربية والارامية وبين الفرس الساسانيين ومن ثم الجيوش اليونانية التي غزت العراق في القرن الرابع قبل الميلاد واتخذت من بابل عاصمة لها تحت قيادة الاسكندر المقدوني، وقاموا بترجمة اساطير وعلوم بابل الى لغة الأغريق . وبناء عليه يمكننا ان نطلق عليهم تسمية (مثقفو) العراق في تلك الحقبة، وقد اتخذ خالد ابن الوليد اثناء اقامته في الحيرة كاتبا ومترجما (سكرتيرا) مندائيا يدعى (مـُرَّة) ليقوم بكتابة الرسائل بالفارسية والآرامية والعربية.

كانت الكثرة من اهل المدائن (طيسفون) عاصمة الفرس الساسانيين الشتوية من الاراميين والمندائيين و فيها لهم معابد عديدة، وازدادت اعدادهم في الفترة الساسانية خصوصا شرق دجلة وضفاف الكرخة والكارون فاستوطنوا ديزفول (عاصمة بلاد عيلام) والاهواز والخفاجية والبسيتين والمحمرة وكان اغلب سكان شوشتر من المندائيين الصابئة، كما اصبحت الطيب (طيب ماثا) اهم حاضرة لهم. وتفوقوا في صناعة الذهب والفضة والاحجار الكريمة التي كانت تجلب من مملكة آراتا في المرتفعات الايرانية. اما القسم الاكبر منهم فقد امتهن الفلاحة وزراعة الارض واستوطنوا الاهوار وضفاف الانهار وقاموا بتنظيم قنوات الري في ارض السواد ، وأسسوا لهم حواضر مهمة مثل كـوثـا و سـورا ، وقد اطلق عليهم العرب تسمية انباط او ( نبت ) كونهم ينبتون الآرض وقد ذكرهم الامام علي (ع) بقوله نحن من قريش وقريش من النبط والنبط من كوثى.

لقد قدمت بابل ومملكتي فارس وميديا ظروفا طبيعية ملائمة لنمو عقائد دينية توفق بين التقاليد والشعائر القديمة وبين الافكار القادمة من الحضارة الصينية القديمة بواسطة فلاسفة الهند الفيديين ، تلك الافكار التي جددت عقائد الناس وبعثت فيهم الروحانيين والهمتهم خلود الروح وان مصدرها الكائن الالهي فاصبحت بلاد الرافدين بوتقة (كوزموبوليتينية) ضمت ديانات عديدة كالزرادشتية والمجوسية واليهودية والمندائية (المعرفية) والغنوصية والمانوية والمسيحية بالاضافة الى عقائد الاقدمين من سكان وادي الرافدين، واقواما مختلفة كالفرس والاراميين والبابليين والكلدان والاشوريين، والعبرانيين الذين سباهم نبوخذنصر، والعرب والارمن، والاغريق الذين جلبهم الاسكندر من مكدونيا.

وعلى صعيد آخر برزت مدينة حرّان (حرانو) في الشمال والتي هاجر اليها قسم من الصابئة مع ابراهيم الخليل كاحدى المراكز الرئيسية للحضارة الآرامية ووارثة حضارات الشرق الأدنى القديم من بابلية وآشورية وكنعانية وكلدانية، والبوابة التي تمر من عبرها حضارات فارس والشرق من جهة وحضارات اليونان والرومان خصوصا بعد فتوحات الاسكندر الاكبر (323 ) قبل الميلاد ونتيجة لذلك برع صابئة حران في الترجمة واصبحوا النقلة الأساسيون للحضارة الغربية الهلنستية الى الدولة العربية الاسلامية فيما بعد.

وفي الحقيقة كان المندائيون قد اعتبروا من قبل الاسلام على انهم من اهل الكتاب ، اذ ان بالتعبير (( الصابئين )) الذي ورد في القرآن الكريم، بثلاث ايات لا تقبل التأويل، لم يقصد بلا شك الا تلك الجماعة العراقية الموغلة في القدم التي آمنت بالتوحيد و اتخذت التعميد شعارا ورمزا لها. اما النص المندائي التاريخي الأهم هو الذ ي يبين بأنه عندما جاء الاسلام وجعل يميز بين الاديان ذات الكتب المنزلة والاديان التي لم تكن موجهة من السماء قدم الريشما ( آنوش بن دنقا ) 639 ـ 640 ميلادية ـ الذي ترأس وفد الصابئة المندائيون ـ كتابهم المقدس كنزا ربا (الكنز الكبير) للقائد العربي الاسلامي آنذاك ، وربما كان سعد بن ابي وقاص، واطلعه على ديانتهم كما ذكر له بأن نبيهم هو يحيى بن زكريا الذي يجله المسلمون فقبل منهم ذلك واكرمهم.

وليس من شك في ان مؤهلاتهم العقلية وخدمات بعض نوابغهم العلمية هي التي اهابت بالمسلمين الى منحهم الحماية كأهل الكتاب، وبرز منهم المئات من امثال ثابت بن قرة وابو اسحق الصابي والبتاني الفلكي وابن وحشية (صاحب كتاب الفلاحة النبطية) وسنان بن ثابت و الكيماوي الشهير جابر بن حيان.

وقد اجبرت جموعهم ، فيما بعد، الى الاسلام، لأن الدخول الى الاسلام لم يكن هناك بدا عنه، فقد قضت المصلحة الفردية به من وراءها حب التخلص من تأدية الجزية وما فيها من اذلال والتهرب من الاذى والرغبة في المناصب والتمتع بالحرية والامان، كما ارتكبت بحقهم العديد من المذابح . ونتيجة لذلك تناقصت اعدادهم تدريجيا وباتوا على شفير الانقراض. لقد احصى المستشرق الالماني بيترمان المندائيين في جنوب العراق فوجدهم بحدود (560) عائلة، وذلك في سنة 1841 .

ومهما قيل في اصل الصابئة المندائيون فإن وجودهم في العراق منذ منذ اقدم العصور لا يختلف عليه اثنان . فهم الباقون منذ القدم شهودا على عظمة ارض الرافدين التي كانت مهدا للحضارة البشرية.

نشرت في تاريخ
الصفحة 1 من 7