• Default
  • Title
  • Date
  • نعيم عربي ساجت
    المزيد
    استيقظت من النوم على اثر هزة خفيفة لرأسي ، وصوت امي
  • مؤسسة الذاكرة المندائية
    المزيد
    the Foundation for the Preservation and Riviving of Mandaean Memory
  • عبد الحميد الشيخ دخيل
    المزيد
    كان التجمع في شارع ابي نؤاس عصرا وكما اتذكر مساء
  • همام عبد الغني
    المزيد
      تواصلت رحلتنا , متنقلين بين قرى كردستان , التي كانت آمنة
الأحد, 16 آذار/مارس 2014

أيام لا تُنسى - في قصر النهاية

  همام عبد الغني
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)


بعد نشر البيان الذي تحدثتُ عنه في الحلقة السابقة , وكان ذلك في منتصف كانون الثاني 1970 , كنت أشعر بألم وإحباط شديدين , بانتهاء مرحلة من العمر , في العمل التنظيمي , ابتدأت من أواسط الخمسينات من القرن الماضي , وسبقتها فترة ولادة الوعي , واولى الخطوات في " دروب الشمس " كما سميتها في الحلقة الأولى من هذه المذكرات . كان الحزن والألم قد خيما على حياتي , لكنني كنت أحاول الخروجَ من هذا الواقع المرير , بالعودة الى حياتي الطبيعية , والنهوض بمسؤولياتي إزاء عائلتي التي تحملت معي كل منغصات وتبعات الطريق الذي إخترته وآمنت به , وشاركتني كل عنفوان ولذة ذلك العمل الذي لم أندم عليه وعلى نتائجه , لحظةً واحدة , حتى كتابة هذه السطور ...بل انني كنت ومازلت وسأبقى اعتز بما قدمته لشعبي ووطني , من تضحيات وجهود , من خلال ارتباطي بالحزب الشيوعي العراقي البطل .
كان عليَ ان اخرج من دوامة الأحباط تلك , بالتوجه الى العمل وتحمل مسؤولياتي العائلية . وحيث انني عامل صياغة ماهر , استأجرتُ غرفة صغيرة ( ورشة ) في شارع النهر , في خان نجم عبد الله , وهو خان قديم تملكه أمانة العاصمة , استأجره , مساطحةً الصائغ المعروف المرحوم نجم عبد الله , لمدة خمسة وعشرون عاماً , وراح يستثمره , وقد اعيد بناؤه , ويسمى اليوم سوق خروفة , نسبةً للمتعاقد الجديد ... حاولت ان اجمع بعض أدوات الصياغة , لأزاول عملي . كنت أدخل تلك الورشة صباحاً ولا أخرج منها , إلا عند المساء , محاولاً انتاج بعض المصوغات لأعرضها على اصحاب المحلات في شارع النهر " المستنصر " , ليتعرفوا على مستوى عملي الذي تركته بعد ثورة 14/تموز/1958 , ولكي أبني علاقة عمل معهم . وقد رحب بعضهم بي بسبب مستوى انتاجي الجيد , والبعض الآخر لمعرفتهم الشخصية بي , وكانت بداية أولية جيدة .... إلا ان الرياح لا تأتي دائماً بما تشتهي السفن , فلم يمضِ على هذه البداية الجديدة , سوى أقل من شهر , حتى أعتُقلتُ , أو اختُطفتُ بهدوء من الورشة .... ففي ظهيرة أحد أيام شباط 1970 , جاءني شابان الى الورشة , وبعد ان تأكدا من شخصيتي , عرفا نفسيهما بهدوء , أنهما من جهاز المخابرات , وأنني مطلوب لاصطحابهما الى الدائرة , نفظتُ يدي من العمل , وطلبت منهما ان اتصل بعائلتي لإبلاغها, إلا انهما رفضا السماح لي , بحجة ان المسالة لا تستوجب ذلك , وانه مجرد سؤال لا يستغرق عشرة دقائق !!!
اصطحباني الى سيارتهما التي كانت متوقفة قرب غرفة تجارة بغداد , ومن هناك توجهوا الى قصر النهاية , حيث دخلوا من الباب التي خلف معرض بغداد الدولي في شارع المنصور ...
كان اول من استقبلني هناك , هو المجرم المقبور حسن المطيري , وهو من أهالي الحلة , وكانوا يسمونه " الملازم فيصل " , ويبدو انه من المساعدين المقربين للمجرم ناظم كزار , وقد أُعدِمَ معه عام 1971 في الحركة التي أطلقوا عليها " مؤامرة ناظم كزار " ....بادرني : ها همام جبناك ...قلت , أنا لست مختفياً عنكم , تگدرون تجيبوني في أي وقت " . وأضاف , همام أنت ليش ما سلمت ؟ " , تجاهلت معنى سؤاله , وأجبته : سلمت . فردَّ علي , وين سلمت ؟ , قلت الآن , قلت سلام عليكم " ...لم يرد عليَ ... اقتادوني الى قاعة كبيرة تظم الكثير من المعتقلين , كانوا جميعاً من جماعة البعث السوري.... لم يرسلوا بطلبي في تلك الليلة , وفي صباح اليوم الثاني , اخرجونا الى الحمامات , وبينما كنت في الساحة التي امام القاعة , جاءني شابان , وسلما علي , بادرني احدهما : استاذ فلان اننا طلاب جامعة , وسيطلق سراحنا صباح الغد , ونريد مساعدتك للإتصال بالحزب , بإعطائنا أي عنوان أو رقم هاتف للأتصال " ... قدرت انهما من المخابرات , سالتهما : أي حزب ؟ فردا : القيادة المركزية ...قلت يا شباب , ليس هناك قيادة مركزية بعد اليوم , فقد انحلت وانتهت ...ثم سألتهما : لماذا تريدان العمل مع القادة المركزية ؟ , فأجابا , انهما يريدان المساهمة بإعادة بناء الحزب , وخدمة الحركة وخدمة شعبنا ... لقد تأكدتُ من طرحهما الساذج والأسلوب السطحي الذي سلكاه , بأنهما من رجال الجهاز , قلت :اذا كنتم تريدون خدمة شعبكم , فها هو حزب البعث , وهو حزب اشتراكي , ويقود السلطة , لماذا لا تعملان من خلاله لخدمة الشعب ؟ ...بعد هذا الطرح الساذج و"نصيحتي " لهما , قال احدهما : هل تنصحنا أنت بذلك ؟ قلت : نعم , شكراني وغادرا , ولم أرهما بعد ذلك بين المعتقلين .... حين اختليت لنفسي , تذكرت كيف كان ( س ) يوقع بالمناضلين الذين يرومون اعادة ارتباطهم بالتنظيم , وظلوا يحاولون الأيقاع بي حتى بعد اطلاق سراحي ولسنوات , كما سأتحدث عن ذلك لاحقاً . وفي ذات اليوم , جاء اثنان من رجال التحقيق , سلما عليَ , سألني احدهما : اين فراشك ؟ قلت هذا , وأشرت لبطانية عسكرية سوداء , واخرى كغطاء , فصاح احدهما على رجل اردني , في نهاية الأربعينات من عمره , يسمونه " خيال الزرگة " للسخرية منه , يقال انه متهم بالتجسس , ... خيال , تعال ..جاء الرجل راكضاً , سأله : اين فراشك ؟ فأشار الى فراش وثير , ولحاف ووسادة , أضاف المحقق , أنت جاسوس , تنام بهذا الفراش , وهذا الرجل الوطني ينام على الأرض ؟! , انقل فراشك وانطيه له , انصاع الرجل دون أي اعتراض , ولم اتفوه من جانبي , لأنني لا اعرف ماذا يخبئ لي القدر هنا , جاء الرجل بفراشه ووضعه في مكان منامي ...وحينما غادرا , ناديته , وقلت له خذ فراشك , فأنا لست بحاجة اليه ...تردد قائلاً , اخشى من أذاهم , قلت , اذا سألوك , قل لهم انني اعدته لك , أخذه شاكراً , ولم تحصل أية مساءلة حول ذلك ...
لم يجرِ معي اي تحقيق أو سؤال طوال خمسة ايام من اعتقالي , وفي مساء اليوم الخامس , استُدعيتُ الى احدى غرف التحقيق , لأجد هناك المجرم ناظم كزار الذي كانوا يلقبونه " أبو حرب " , والمقبور محمد فاضل ...بعد ان وقفت أمامهما , بادرني ناظم : هاي شنو همام !! أنت وين ؟ في عام 1963 ما لزمناك ( ما اعتقلناك ) , وهسَّه , الجماعة كلهم لزمناهم , وانت ما لزمناك ... شنو انت سوبرمان ؟ . قلت يا استاذ , كلها مجرد صدف, ليس إلا ...كما ان العمل السري في العراق , وانتم تعرفونه , يستوجب بعض الحيطة والحذر , ليس اكثر من هذا , والآن أنا بين ايديكم ... فردَّ علي , لو لم تترك العمل , يمكن ما كنت هنا الآن ... وأضاف , أتعرف ان الأوامر لدى الشباب , ان يقتلوك أينما يظفرون بك ...قلت , الأعمار بيد الله يا استاذ .... التفت الي محمد فاضل وطلب ان أجلس , سائلاً إن كنت تعرضت لأي اذى أو تعذيب , فنفيت ذلك ... ثم قال : أتذكر حين عرضت عليك , اتريد سيارة ؟ أجبتني : تريد تشتريني ؟ ...قلت أذكر , ماذا تريدني ان اجيب ؟ ضع نفسك مكاني , ماذا يكون جوابك ؟ , فرد عليَ , كنتَ شجاعاً ...قلتُ : كنت مفاوضاً ... قال ناظم : شنو ( ما هو ) رأيك بإعدام ( س ) ؟ قلت : يستحق ... فرد علي ممتعضاً : ماذا ؟! قلت : يا اخي رجل يتجسس لجهة معادية , واعترف بذلك , فما هو الموقف منه ؟ ..الآن اذا وقع بأيديكم شخص مندس في حزب البعث لجهة معادية , ما هو موقفكم منه ؟ قال نعدمه , قلت هذا ما فعلوه ... وواصل كلامه , همام انت من كشف ( س ) وتسبب بإعدامه ... فأجبته , يا استاذ , في كردستان , إتُهمتُ بأنني زكيته , وكادوا أن يقتلوني معه , لولا تعقل بعضهم , وهنا , أنا من كشفته , وأحاسب على ذلك ..فإما ان أكون مزكياً أو كاشفاً له ...وقلت , طالما هو يعرف ان عنده قضية كبيرة من هذا النوع , لماذا لحق بنا الى كردستان وخسر حياته ؟ فرد علي: هذا مو شغلك ...بعد هذا الحوار البسيط , الذي لم يتخلله أي اذى , لا باللفظ ولا باليد ...شعرت انهم غير مكترثين لإعدامه , كما احسستُ ان أول من يحتقر الخائن , هم اسياده ... بعد هذا سألني محمد فاضل , إن كنت بحاجة لشيئ ؟ قلت , أريد ان اتصل بعائلتي لأطمئنهم , كما انني بحاجة لبعض الملابس , وادوات الحلاقة ...قال ناظم سنجعلك تتصل بهم , دون ان تذكر مكان اعتقالك , وبلغهم ان يبعثوا لك حاجياتك الى استعلامات الأمن العامة , وستصلك هنا ...أعطيتهم رقم هاتف العائلة , وطلبوها لي , وحين سمعت زوجتي صوتي , اجهشت بالبكاء والعويل , وبعد ان هدأت , طمأنتهم وأبلغتهم باحتياجاتي ... بعد المكالمة , اعادوني الى القاعة .
__._,_.___

الدخول للتعليق