• Default
  • Title
  • Date
  • نعيم عربي ساجت
    المزيد
    استيقظت من النوم على اثر هزة خفيفة لرأسي ، وصوت امي
  • مؤسسة الذاكرة المندائية
    المزيد
    the Foundation for the Preservation and Riviving of Mandaean Memory
  • عبد الحميد الشيخ دخيل
    المزيد
    كان التجمع في شارع ابي نؤاس عصرا وكما اتذكر مساء
  • همام عبد الغني
    المزيد
      تواصلت رحلتنا , متنقلين بين قرى كردستان , التي كانت آمنة
الإثنين, 25 كانون2/يناير 2016

يوم من ايام معلم

  نعيم عربي ساجت
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

استيقظت من النوم على اثر هزة خفيفة لرأسي ، وصوت امي يقول : ـ انهض يا ابني .. طلع الفجر ــ قفزتُ من فراشي الدافئ.. فلامست قدماي برودة بلاطات الغرفة ، اتجهتُ فوراَ الى النافذة وتطلّعتُ من خلال زجاجها المضبب فشاهدتُ بقايا الليل ما زالت تقاومُ زحف انوار الفجر.. فكانت الدنيا يلفها شيئُ من الظلام والضباب
ــ في الليل مطرت الدنيا كثيراً ـ قالت امي هذا وهيَ تعاني من نوبة سعالٍ حادة ..ذهبتُ مسرعاً الى المطبخ لآخذ قدر الماء الساخن الذي كانت تعده لي امي كالعادة فجرَ كل يوم وانا العَنُ الشتاء والدوام ومدرستي البعيدة ـ
تناولتُ فطوري البسيط على عجل .. وارتديتُ ملابسي .. خرجتُ من البيت متدثراً بمعطفي العتيق ولافاً رأسي بيشماغ ابيض " غتره " .. صفع َوجهي هواءُ الصباح البارد مع حباتٍ ناعمةٍ من المطر ، والساعة قد قاربت السادسة .. اتخذتُ طريقي المعتاد في كل يوم وهو الشـارع المحاذي للنهر والذي يبدأ من محلة ألصابئه في مدينتنا " الناصريــة " وصوت خطواتي السريعة بحذائي الثقيل يعكرُ السكون الصباحي المطبق إلاّ من نباح كلب ضال يتناهى الى مسمعي من بعيد .. كنتُ اسير متعثراً في خطواتي على اسفلت الشارع فالضباب يلف المدينة كثيفاً ند ياً ، وكانت المياه والوحول تملأ الشارع .. بعد ربع ساعةٍ وصلتُ الى بناية محافظة الناصرية حيث يوجد بقربها موقف باصات نقل الركاب الحكومية وبينها الباص الذي نذهب به الى قضاء سوق الشيوخ كل يوم دوام .. دخلتُ الباص والقيتُ جسدي المرتجف على احد المقاعد ، بعد ان سلمتُ على الحاضرين ، وللحال شعرتُ ببعض الدفء، فقد كانت الانفاس البشرية والدخان المتصاعد من سجائر العمال والجنود والمعلمين وغيرهم هو الذي ينشرُ الدفء في جوف الباص .. اشعلتُ سجارةً ورحتُ ادخّنُ كالآخرين ..تحرك الباص ، فاستغرقتُ في التفكير وانا اصغي الى اصوات العمال وزملائي المعلمين والآخرين وهــم يتحدثون عن امور الحياة والاحوال المعاشية والمشاكل اليومية في حياتهم فتتداخلُ الاحاديث مع حركة الباص المنطلق بسرعة فتنسينا ملل الطريق الطويل .. بعد اقل من ساعة وصلنا الى قضاء سوق الشيوخ فوجدناهُ غارقاً بمياه المطر .. وكانت سيارات الأ جرة التي تنقلنا يومياُ الى مدارسنا جاثمة على الماء والوحل .. وبعد ان تاكدَ لنا استحالة تحرك سيارتنا او اي سيارة اخرى .. انطلقنا مهرولين صوبَ صديقنا نهر الفرات حيثُ توجد الزوارق البخارية ، وهذا ما كنا نفعله عادة في مثل هذه الايام الماطرة .. ذهـب مديرُ مدرستنا الى بيت صاحب احد الزوارق وجاء بهِ لينقلنا نحن و معلمي مدرسة اخرى تقع على طريقنا .. بعد ان امتلأ الزورق بحشد المعلمين لمدرستين ، انطلق بنا وكان المطر ما زال يتساقط ناعماً والريحُ تضربُ الزورق الذي كان يتمايل بنا مضطرباً .. بعد اربعين دقيقة تقريباً وصلنا الى منطقة مدرستنا ، وقف الزورق فنزلنا منه واتخذنا طريقنا صوبَ المدرسة مشياً على الاقدام وكان الطريق زلقاً يمرُ بين النخيل والحشائش والشجيرات بمحاذاة نهر صغير يأخذُ ماءَه من نهر الفرات يدعى نهر " الغريافية " وهي قرية تابعة لناحية " كرمة بني سعيد " .. كانت مدرستنا واسمها ـ الامجاد ـ تتربع على وسادةٍ من الطين والحشائس ويحيطُ بها النخيل والاشجار من كل جانب وامامها ينسابُ نهر لغريافيه هادئاً .. دخلنا مسرعين الى مدرستنا الطينية وقد قاربت الساعة العاشرة .. جلسنا في الادارة ، مرتجفين فقد كنا مبتلين من الراس الى القدم .. وللحال احضر فرّاش المدرسة" تنكة " كبيرة فيها خشبٌ مشتعل لكي نتدفأ على حرارتها
.. كانت المدرسةُ في هذا اليوم قد حضرَ اليها عددٌ قليل من التلاميذ دخلتُ الصف الخامس وكانت مادتي اللغة العربية ، لم اجد في الصف سوى بضعة تلاميذ .. رحتُ اتحدثُ معهم في امورٍ شتى عن الحياة لا زلتُ اتذكرُانني قلت لهم .. انتم يا اولادنا ستعيشون في المستقبل حياة احسن حالاً من حياتنا .. فلا تنسونا نحنُ آباءكم ومعلميكم الذين عشنا حياة قاسيةً واياماً مليئةً بالآلام .. انه تاريخ حياة كُتِبَ بالتعبِ والعذاب .. وعليكم انتم مواصلة الدراسة والتمسك بالأخلاق والحب الكبير لوطنكم العراق .. لقد استمرت رحلة معاناتي في هذه المدرسة ثلاثةُ اعوام ، نُقِلتُ بعدها الى مدرسةٍ قرويةٍ اخرى هي مدرسة " أور " في ناحية اور التابعة لمدينة الناصرية وقد خدمتُ في هذه المدرسةِ سنتين ومنها انتقلتُ الى مركز الناصرية بعد عملية التبادل " البجايش "مع عزيزنا الزميل المطرب الرائع ابو علي " حسين نعمه " حيث انتقلَ هو الى بغداد ليصبحَ مطرباً رائعاً وانا أُدرّس النشيد في اربع مدارس بدلاً عنه ثمَّ أُبعِدتُ مرةً اخرى لأسباب سياسية في زمن البعث الى مدرسة ـ الحريه ـ على الطريق بين الناصرية وسوق الشيوخ ثم مدارس عديدة اخرى .. ولما انتقلتُ الى بغداد خفَّت معاناتي قليلاً فقد تعيَّنتُ بمدرسةٍ في حي البياع إِسمها مدرسة ــ الحديبية ـ بقيتُ فيها خمسة اعوام ثم تقاعدتُ ، وكانت رحلتي مع التعليم اثنان وثلاثون عاماً ـ

 

السويد

الدخول للتعليق