طباعة هذه الصفحة
الثلاثاء, 09 شباط/فبراير 2016

حكاية الفتى من أور إستذكار الشهيد عصام حسناوي

  قاسم حنون
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

كلما حاولت الكتابة عن أخي ورفيقي ( عصام حسناوي ) ترددت , ثمة هاجس ينتابني كلما هممت بنعيه أواستذكار سيرته المتوهجة بالصدق والتفاؤل , ربما لا أريد الإستسلام لفرضية غيابه الأبدي , تعرفت عليه في الأيام الأولى لدخولنا كلية الآداب – جامعة البصرة خريف العام 1973 وانتظمنا سوية في صفوف اتحاد الطلبة العام , كان متوقد الحماس لأن يجعل من وجودنا في الحياة الطلابية أمرا لايقبل المساومة مفترضا أن الأجواء في ظل التجالف الجبهوي الجديد توفر فرصا أفضل للنشاط والمثابرة , مع إن العوائق والمشكلات تتفاقم والأحقاد تعتمل في نفوس أدمنت الكراهية ولعق الدماء , وإن هي إلا فرصة للمناورة والخداع واصطناع المكائد ليتسنى للذئاب اقتناص فرائسها في غفلة من الحارس اليقظ الذي أجهدته سنوات الكفاح المضني والمكابدة وراء القضبان في الزنازين ,أو في الأقبية المظلمة ودهاليز التعذيب .. فآثر الإحتماء بمظلة كذوب ريثما ينفتح أفق آخر ..كنا نتخيل – بما لدينا من حماس ورومانتيكية ثورية ومعارف بسيطة – أن التاريخ طوع ارادتنا وأنه يمكن إعادة بناء العالم على وفق تصوراتنا وأحلامنا..عصام القادم من الناصرية ينتمي إلى أسرة ذي صلة بالشيوعية واليسار وما كان بعض أفرادها شيوعيين , على أنه يتحدث عن الحزب الشيوعي كما لوأنه أحد معارفه . افترقنا في التخصص وانخرطنا في الحياة اليومية للبصرة في السبعينات بتقاليدها وطقوسها , مسراتها وأشجانها ..فمن حضور فيلم سينمائي في إحدى صالات العرض الى تجوال في المكتبات الى نزهة على شط العرب والإستمتاع بالحديث في جلسة بكازينو الى سفرة طلابية في بساتين أبي الخصيب أو منطقة الأثل في أيام الجمع والعطل , أقمت معه في غرفة مستأجرة في سوق العشار لسنة دراسية واحدة مع أصدقاء آخرين ( عبدالأمير عبد الخضر, طالب حسين ) هي اليوم لديّ من أجمل أيام العمر ..افترقنا بعد التخرج عام 1977 وانتقلت عائلته الى بغداد – البياع حتى آلت الأحوال أن أشهد أيامه الأخيرة في البصرة , اندهشت حين التقيته في أجد الأيام من ربيع العام 1980 , فوجئت به كما فوجىء بي ..أية ريحِ قذفت بك الى البصرة في أكثر أيامها قسوة واضطرابا ؟ تفرق أبناؤها الطيبون فلم تعد كما تعرف ياصديقي ! قال أنه قادم الى البصرة من جديد ليعمل مدرسا ويسعى للإقامة فيها بعيدا عين أعين السلطة , وفي لقاء آخر تعرفت الى خطيبته التي كانت من البصرة , نسب الى متوسطة جنين للبنين في قضاء الفاو جنوب البصرة , ثم انقطعت أخباره عني حتى علمت بانقطاعه عن المدرسة بعد فترة ليست طويلة من مباشرته بالوظيفة ولكني لا أعرف الكيفية التي ألقي القبض عليه بها .. عصام يمتلك من الصدق والإصرار والحذر ما يرجح فرضية أن ذئاب الفاشية أوقعت به عند منعطف في المدينة أو في المدرسة أثناء الدوام المعتاد أو في الطريق الى البصرة عبر دائرة مغلقة من الأسئلة هي بمثابة مصيدة للإستدراج والفتك : هل أنت بعثي ؟ لماذا لا تنتمي للبعث ؟ اذا لم تكن بعثيا ولا تريد الإنتماء للبعث وقع على القرار 200 الصادر من مجلس قيادة الثورة (سيء الصيت) لتحييد نشاطك السياسي ! وإذا لم توقع فأنت شيوعي .. هذة هي الإنشوطة الإنتقامية التي صممها العقل الفاشي ووقع ضحيتها الآلاف من المناضلين ..
سلاما ومجدا أيها الصديق العزيز عصام حسناوي....

الدخول للتعليق