طباعة هذه الصفحة
الخميس, 23 أيار 2013

حكايتان والاغتيال واحد

  فاروق عبدالجبار عبدالامام
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

 الحكاية الأولى :
منذ أ ن بدأت بأن اعي وادرك ما يدور حولي حتى بدأت أرى أمي وهي ترتدي الأسود ، لم أكن اعرف ، ولم يكن لأحد أن ُيطلعني على سبب لبس امي للثوب الأسود ولم أكن لأسأل فلقد كنت أظن أن لبس الأسود لهو أمر طبيعي للأمهات . لكن حدث ذات مرة أن رأيت امي وهي تجهش بالبكاء وهي تمسك بصورة لم أعرف باديء الأمر Salih-Hami-Mahdiمن هو صاحب الصورة ولماذا تبكي امي بهذه الحرقة ، اقتربت بوجل منها محاولاً أن اكفكف دموعها أو أن اخفف عنها ان إستطعت الى ذلك سبيلاً ، لكن ما أن اقتربت منها حتى علا نحيبها أكثر وهي تضمني الى صدرها ، ومن خلال ذراعيها رأت عينيّ الصورة التي كانت امي رواه ناويلها تنظر اليها وتنتحب ؛ كانت الصورة لشاب وهو يرتدي ملابس الشرطة ورتبة صغيرة تقبع على كتفه وعلى ياقة سترته المميزة ، صورته مازالت في الذاكرة شاب في عنفوان شبابه ، فخور بما وصل اليه آنذاك ، ** هذه صورة خالك صالح ** قالت امي وهي تحاول ان تكفكف دموعها وتغالب نشيج آهاتهتا ، وأردفت ( قتله حارسه الخاص .... ) كيف ؟ سؤال كان لابد أن أسأله وانا اعتقد بأن الحارس شخص مؤتمن لحماية من يقوم بحمايته ! .

نعم لقد قتله وغدر به الشرطي الذي كان يقوم بحمايته ، هكذا قالت امي ، وبدأت تسرد لي ما كانت تخزن في رأسها من حكاية قد مضى عليها بعض الوقت { قبل أن تولد أنت بخمسة أشهر قتل الحارس خالك صالح وسرق رواتب الشرطة الذين كانوا في مركز الشرطة في احدى مناطق السليمانة الجبلية ؛ فبعد استلام خالك للرواتب بدأ بالرجوع الى مركز الشرطة والذي كان هو فيه برتبة نائب مفوض ولما وصلا الى منطقة معزلة خالية من المارة وجه الشرطي بندقيته واغتال خالك من الخلف واختطف حقيبة الرواتب مهدداً الشرطي الآخر بالقتل أن تجاسر وحاول القبض عليه ، وهكذا فر الشرطي وخالك مضرج لكن الشرطي الآخر عاد الى مركز الشرطة واخبر الباقين بجريمة الاغتيال بدمه ، واختفى الشرطي القاتل زمناً لكن دم خالك لم يذهب هدراً ؛ فلقد ظهر بعد سنتين الشرطي القاتل وما أن ظهر حتى القي القبض عليه وحكم عليه بالاعدام رمياً بالرصاص . كان ذلك في العهد الملكي المُباد { كما كان يسمّـى } وقبل أن تُبصر عينيّ النور
مضى الآن اكثر من ستين عاماً وما زالت ذكرى امي وذكرى الاغتيالات تعود كلما رأت عينيّ صورة لخالي صالح حامي مهدي وهو في ريعان شبابه والآمال العريضة تراوده في الحياة وفي فتاة احلامه التي لم يرتبط بها .

 

الحكاية الثانية:

وهذه الحكاية هي لأبن خالتي صالحة حامي مهدي واسمه *** فرحان شامي مدينف الزهيري*** شاب فنان موهوب متعلّـق بأهداب الحياة ، مملوء بالعنفوان ، مملوء بالحياة ، مملوء بالفكاهة والمرح وكأن المرح جزء لا يتجزأ من شخصيته ومن تكوينه النفسي والجسمي ، انهى دراسته في مدينة الميمنونة وجاء بغداد لأكمال ماFarhan-Shamy يجب عليه اكماله ؛ فالتحق بمعهد الفنون الجميلة وتخرج فيه مدرساً لمادة الرسم ؛ الموهبة وكما رأيتها تخرج من بين انامله فناً يرسم برعب ما خالجه من شعور بالقهر والأضطهاد وتارة اخرى ترى لوحات تتوهج بالحب والعطاء والحب ؛ فتخاله فناناً يخلو رأسه من أي هم ٍ سوى العبث بأدوات الرسم لتخرج من تحت ريشته فناً يمور بالحياة ، وقهراً يقزز من يحاول أن يفسّـر ما يخالج روحه الوثابة للإنعتاق والتحرر ، كان ** سيلفادور دالي ** استاذه الروحي والذي منه كان يستلهم سريالته ومن الحياة ، طبيعتها ، كان وكانت مباديء لينين شغله الشاغل ؛ فما كنا لنتلقي الا والسياسة ثالثتنا ، هو يعتبر نفسه نصير العمال والمساكين من أبناء العراق المبتلي بحكامه وكانت الاممية واحدة من همومه السياسية والتي من أجلها قدّم حياته رخيصة ً في سبيل مبادئه وفي سبيل ما كان يؤمن به ؛ فبعد أن اشتد اوار الحرب بين العراق وايران نشطت السلطة القمعية لاجتثاث الأحزاب المعارضة لتلك الحرب الدموية والتي لم يجن منها العراق سوى القتل والترميل والتشريد لمئات اللآلاف من العراقيين الأبرياء والذي لم يكن يؤمنوا الا في ان القتال لن يخلّف سوى الدمار والتشريد ؛ ذات ليلة داهمت ثلة من قوى الأمن القمعي دار ابن خالتي فرحان في الكريمات قرب السفارة البريطانية وليس ببعيد يقع دار ***الكنزبرا عبدالله الكنزبرا سام **رواه ناويله وكان فرحان اب لولدين مازال اكبرهم لم يدخل المدرسة الأبتدائية ، من تلك اللحظة اختفى أي أثر لأبن خالتي وتقطعت بنا السبل لمعرفة مصيره ، ومضت سنوات وابن خالتي مفقود، لكن ام ولديه لم تتعب ولم تكل في سبيل معرفة ما آل اليه مصير زوجها ، أبو ولديها والذين يجب ان يحصلوا على شهادة الجنسية العراقية والا لن يكون بوسعهم عمل أي شيء ؛ لذا رابطت امام مديرية الأمن العامة مطالبة بأن تعرف ويالتيها ما عرفت ؛ فلقد جاء أحدهم وبيده ورقة موقعة من قبل آمرية مستشفى الرشيد العسكري وفيها ** لقد تم تنفيذ عقوبة الأعدام شنقاً بحق المدعو *** فرحان شامي مدينف الزهيري *** حدث هذا وكنت حينها أُبصر ولا اجسر أن أقـول كيلا يكون مصيري كمصير ابن خالتي المغدور ، المأسوف على شبابه *فرحان شامي* والذي كتب على ظهر الصورة والتي ما زلت احتفظ بها حتى هذه اللحظة { أضحى التنائي بديلاً من تدانيننا / و ناب عن طيب لقيانا تجافينا *** لست شاعراً لكني ابن خالتك وأنت أعرف .. } نعم أنا أعرف ، وأعرف انك لم تبخل ؛ فكنت معطاءاً في كلِّ شيء .

 

 

الدخول للتعليق