الإثنين, 07 نيسان/أبريل 2014

تعايشنا مع الثقافات الاخرى

  موسى الخميسي

يشكل تعايش الثقافات المغايرة وتفاعلها، على امتداد تاريخ المجتمع البشري، عنصرَ خصب وثراء في كيان وهوية اي حضارة إنسانية، وتداول معتقداتها وقيمها، وتعاقب الراسخ من تقاليدها وأعرافها. وما كان للتقارب أو التباعد الجغرافي للمندائية،طيلة تاريخها العريق، أثر عائق في تبادل المؤثرات والمنافع الحياتية لابنائها وبناتها،وايضا للوسط الاجتماعي الذ ي عاشت فيه، بشتى أصنافها في تلك العملية التراكمية التفاعلية ووشائجها التاريخية المعقدة.

ولعل مُنشط ديمومة التواصل والتجانس بين ثقافات وآداب عموم المجتمع العراقي، وعلى مدى مراحل تاريخية متعددة، مغروس في لباب ذاك الإرث الحيوي الديني العظيم للتاريخ المندائي الممتد الى مئات السنين ، ذي الرصيد المعرفي الهائل غير المستثمر  لحد الان في ميادين العلوم الحياتية،الفلسفية والعقلية والروحانية، التي تعاني اليوم من فرط جمود الفكر الاجتهادي، والتشرنق في جوف التعصب ، والتزمت الديني، والانعزال الحضاري المميت، والتعالي عن محيط المجتمعات التي نعيش في كنفها، وعن ومناحي الحياة الحضارية في العالم. ولا شك بأنَّ المقاطعة غير العقلانية للعديد من ابناء المندائية، لمجمل المنجز الحضاري المعاصر، وعدم الاكتراث بمنافعه السخية، التي من غير الممكن اليوم لأي مجتمع او جماعة بشرية تقليدية ،ان تساهم في وضع حلول واقعية لتلك المعضلات المصيرية المحتدمة، ما دامت ظواهر إقصاء الاخر، والجمود المعرفي والثقافي، والتقهقر إلى هاوية التخلف والسلفية، سمات طاغية على كياننا وعلى سُنن عُرفية تتبعها جماعاتنا البشرية، تجثم على تأملات تجمعاتنا وتطلعاتها المشروعة ومصيرها التاريخي. 

ومهما تنقبت اي جماعة بشرية، قادمة من قحط الصحاري العجاف وشعاب لا يعرف أهلها سوى الخرافات والعداوة ويحصلون إلى اليوم (بقوة السرقة والنهب والسطو على ما يحتاجون إليه في الحياة، ماديا ومعنويا)، بحجاب العرفان الواهي، وتقوى الإيمان الزائف، ودعوة الدفاع الزائف عن صفاء العقيدة الدينية، تظل أفعالهم المشينة ضد أبناء (دينهم)  بُدعاً باطلة شنيعة وترهات ضالة آسنة ما أنزل الله بها آية ولا سلطاناً. وفي ظل هذه الأجواء المشوهة والمهينة لقيم الدين وفلسفته المعرفية العميقة، فلا خيار اليوم أمام الثقافة التنموية العصرية، دينية كانت أم علمانية أم توفيقية، إلا أن تكون (ثقافة إيجابية عقلانية تقدمية)، ترتكز على العقل والمُثل الإنسانية، وتنشد الارتقاء الاجتماعي والمعرفي، وتنبذ الانغلاق والتزمت،وروح المزايدة الذي ورثه البعض من دجل ونفاق النظام الفاشي البائد، وتسعى إلى الانفتاح على ثقافات الشعوب ولغاتها وعلومها وأعرافها، وهي بأمس الحاجة إلى ،عقل منفتح غير متعصب، ونقدي يقبل الاختلاف، ويسعى إلى الاتفاق على أُسس مقبولة عقلية وعقلانية. أجل يجب أن يكون عقلا تأمليا موفقا بين العقلانية الفلسفية وفكرها الاجتماعي العادل وبين العقيدة التقليدية وموقفها المنشرح على الثقافات التي نعيش تحت ظلالها.

وأنه لذو أهمية بالغة التعويل على النوايا الحسنة والرؤى السمحة في تدبير أعمال ومشاريع القائمين على شؤون محفوظات الموروث المندائي وكنوزه الفذة، القابعة في أقبية وخزائن موصدة غَبّرها الإهمال، لم تصل إليها منذ عقود طويلة أنظار الباحثين، رغم صلتها المباشرة بماضينا وثقافاتنا العريقة الحية، يحق لنا جميعا وبدون استثناء بكوننا وارثيها وأتباعها أن نستقصي تلك الصفحات المنُيرة من آداب أسلافنا وعقائدهم وأعرافهم الغابرة، والاعتزاز بطرائق وتقاليد حياة الآباء والأجداد، وأن نتعلم من مناقبهم وإسهاماتهم وما دوّنوه من علوم ومعارف، وما شيدوه من عمران وفنون( حضارة حران كنموذج)، فنحن اليوم أشد حاجة إليها لشحذ وعينا وكسر طوق الجمود والانعزال، واللحاق بركب الحضارة المعاصرة، حاضنة أثار الأعراق البائدة والعائشة، ونشير الى الجهود الرائعة التي يقوم بها الكاتب حيدر لازم في متابعته الموضوعية الجادة لتبيان اثر المندائية في الفكر والثقافة العربية، جنبا الى جنب ما قدمه الشاعر المندائى سميع داود في كتيبه المهم( المندائية ادبا ومعتقدات) عن سمات الادب المندائي، وما قدمه الاكاديمي صباح خليل مال الله في كتابه القيم دراسة يحيى، وايضا ، الكتاب القيّم عن ابا اسحاق الصابي  للاستاذ قيس مغشغش، الى جنب الدراسات التي قام بها عدد اخر من المثقفين المندائيين امثال ، فهيم السليم وفاروق الامام وعزيز ساجت ونعيم ساجت وغيرهم .

أجل، إنّه الإرث العظيم ذاته، تُراث المندائية، التي من غير الممكن لها أن تستمر في رسالتها الحضارية، وتنجح في تجديد ثقافتها وقابليتها الفكرية والاجتماعية، وعلاقتها المعاصرة بالحضارات المغايرة، من دون أن تستدعي إرثها المجيد وتعيد اكتشافه ومحاكاته روحياً وعقلياً. فمن غير الممكن أن يبلغَ قمة المجد إلا من جمع بين (شرف العلم وشرف الملك).

والواقع، أنّه لم يعد بمقدور اي عنصر مندائي واعي ، في ظل تلك الميول العنصرية المقيتة، والنزوع الاستبدادي الفتاك لدى البعض، نحو إخضاع واحتكار وإخفاء محفوظات التُراث الصابئي المندائي المديد ، أن نقنع   أمم كثيرة نعيش في احضان ثقافتها وارثها الحضاري العظيم أنّهم يرومون حقاً الحفاظ على النتاج العظيم لحضارات الجنس البشري، والارتقاء به إلى مستويات أرفع، ونشره وإيصاله بنزاهة إلى الأجيال القادمة.

اين تقضل انعقاد مؤتمر الأتحاد القادم

اوربا - 51.9%
كندا او امريكا - 14.8%
استراليا - 18.5%
العراق - 14.8%

Total votes: 27
The voting for this poll has ended on: أيلول/سبتمبر 27, 2016