قديماً كانت تبنى المنادي في داخل الكهوف والمغارات لغرض اجراء الطقوس الدينية وعمادها بتوفير المياه من مصادرها الضرورية من خلال احواض يتسلل اليها الماء من العيون الجارية ، وقد اتخذت المنادي شكل اخر في مراحلها التاريخية المتقدمة التي تأسست فيها من القصب والبردي ومن الطين الحر القائمة على ضفاف الانهار .
على ايامنا كانت المنادي بيوت لشيوخنا العظام ، ومجالس نافذة لمناقشة الامور الدينية والدنيوية واقامة مراسيم الافراح والاتراح ، وعند اجراء طقوس طعام الغفران على ارواح الموتى ، وفي مواسم الاعياد ومن نحر للذبائح في ايام الاحاد المباركة ، وعند تعرضها لظرف طارىء يجتمع وجهاء الطائفة الكرام مع الرئيس الروحي المتمثل بالشيخ الجليل في هذه المدينة او تلك في كل من العراق وايران وغيرها ، رغم تلك الظروف كانت ببساطتها المعهودة تجارب غنية تحمل بين طياتها معاني كبيرة في جمعتها وتعاونها ومحبتها ، كان المندي مركزا دينيا وثقافيا واجتماعيا بالاضافة الى كونه واجهة معروفة من لدن السلطات المحلية والوطنية ، كانت سماته وقوة تاثيرة اكبر واعظم مما هو علية الان ، كان بنائه شامخاً بشموخ الافكار المندائية السمحاء الثابته بقوة جذوة التوحيد التي نؤمن بها ، الناطقة بأسم الحي العظيم ، وتحت اليافطة المقدسة لنبينا الكريم ( يحيى يهانا ) .
ان أقامة طقس المعمودية تحت اي مصدر يَفي بالغرض المطلوب لتلك الشعائر الدينية المقدسة ، سواء كان في حوض ماءٍ زلال او نهر جارِ اوساقية او ماءُ عين صافية ، ينظر اليه كهدف وغاية نبيلة لا غير ، المندي بيتنا يجمع اهلنا على الالفة والمحبة والتصافي والاحترام المتبادل .
نحن اليوم في ورطة من أمرنا ، هل تغيرنا ؟ أم تغيرت الحياة فينا وتبدلت معها نواميسها وثوابتها وخياراتها ، بعد ان اصبحت كل مجموعة صغيرة منا في صوب بعيد ، وبتْنا قاب قوسين أو ادنى من الضياع والزوال في الغربة ، لكن يبقى السؤال ، هل نعيد ذات التاريخ التليد ، لتأسيس المنادي كسابق عهدها من جديد ؟ هل نعيد الزمن الجميل بمحبتة وتعاونه ونخوته المعهودة ، ان تكون ذات النوايا الحسنة ، بدل من ندعو لها ولغاية في نفس يعقوب ، وهل وجدت التراتيل التي تسبح بأسم الخالق المتعال في المنادي ؟ صدىً واعتباراً لها ، أم لشق عرى الوحدة المندائية وبعثرتها ، هل من اهدافها المعلنة خدمة كل الاطراف ؟ أم تفضيل طرف على طرف اخر ؟ لو سألنا انفسنا وتطلعنا الى مندائيتنا بجدية بماذا تجيب ؟ لو قلنا نحب المندائية كدين وكعقيدة ، ماذا يكون جوابها ؟ حبوا بعضكم أولا ، هل وصلنا الى حالة اللاعودة ؟ وعدم رجوع عقارب الساعة الى الوراء ؟؟ مجرد تساؤلات مشروعة تحتاج الى من يجيب عليها ، لكن لا جواب لمن تنادي !!! .
لقد تغيرت الامور والاحوال ومعها تغيرات مسالك الحياة ، يفضل الان قبل اي وقت اخر مراجعة حساباتنا وخياراتنا قبل فوات الاون ، يومها لا ينفع الندم ابداً ، وليس العيب ان نخطأ بل العيب كل العيب ان نعرفه ونتمادى عنه .
ان التحلي بخصال المحبة لابناء جلدته وفي الصبر والتضحية والعمل الدؤوب هي سمات كل مندائي غيورعلى دينه وعقيدته السامية ، والوقوف دون خوف او وجل في وجه الرياح السوداء الجديدة التي تعصف بنا اليوم .
نروم من كلامنا هذا بناء خط للاعتدال وليس خط للتطرف والمغامرة ومعاول صلدة في الهدم ، ان الاخلاق الحميدة الفاضلة لن تقاس يوما بالثراء اوالثروة كما يتصور البعض ، بل بالتصرف الصحيح وبالمنطق السليم والكلمة الطيبة صدقة ، هذا ما يفرض أخذه بالحسبان على الدوام ، كل عام ودمتم بخير