• Default
  • Title
  • Date
السبت, 28 كانون1/ديسمبر 2013

حقوق اتباع الديانات والمذاهب الدينية العراقية

  موسى الخميسي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

إلغاء الآخر والعمل على ترسيخ ظاهرة التفرد بوطن الجميع من خلال ابادتهم وانهاء وجودهم، اصبحت سياسة العديد من قوى الشر في عراق اليوم الذي بدأ حقا يأكل العديد من ابناءه، وليس من رادع سلطوي او اخلاقي او انساني لعصابات الموت وهي تسبح بدماء العراقيين الابرياء من مسيحيين ومندائيين وشبك ويزيدين وبهائيين ويهود عراقيين.
حتى اللاجئين، فلا يمكن اخفاء حقيقتهم بكونهم كائنات معذبة، مسلوبة الحقوق، يتحكم بهم شعور عميق بالاقتلاع واللا انتماء بحركتهم وتصرفاتهم التي يعبّر جزء كبير منها عن شعور عميق بالعبث الوجودي ، المتمثل بانتزاع حقوق انتمائهم للوطن الاصيل. القول إن هناك من استفاد من قوانين اللجوء هو قول صحيح لكن بين قوسين، ذلك لأنه قد يؤدي إلى أحكام غير صحيحة أو على الاقل ناقصة. قلة من طالبي اللجوء تصل إلى أوروبا. يمكننا مجازاً أن نسمّيها الأقلية السعيدة. هي أقلية قياسا بما يعانيه رأس العالم من دوار اسمه "اللاجئون". في العام الماضي فقط كان هناك أكثر من أربعة ملايين شخص فرّوا من منازلهم، وهذ ما يُعدّ بحسب تقرير المفوضية العليا للاجئين أكبر عدد من اللاجئين الجدد منذ بداية هذا القرن. في نهاية عام 2011 كان هناك ما مجموعه 42,5 مليون لاجئ عبر أنحاء العالم. أقل من مليون منهم هم الذين استطاعوا أن يقدّموا طلبات للجوء في بلدان أخرى، أما الملايين الباقية فتوزعت بين مجموعتين: مشردون في أوطانهم (26,4) وعابرون إلى بلدان مجاورة (15,42). المدهش في الأمر أن العراق اصبح من ابرز بلدان العالم يتصدر قوائم الدول التي تصدِّر إلى العالم بشراً ضائعين بدلاً من النفط والتمر. ما يؤكد أن هناك شعوباً بعينها قد كُتب لها أن تقدم دائماً بطريقة أو بأخرى عيّنة لإختبار المصير الإنساني في ميزان العدالة المهدورة. فاللجوء حتى لو ضمن طالبه الحصول على المواطنة في بلد يحترم حقوق الإنسان، لن يكون حلاً إنسانياً، إلا من حيث كونه يمثل محاولة للمحافظة على النوع.
لا شك في ان القرار الذي صدر عن هيئة الأمم المتحدة في 10-12-1948. ويعد هذا الإعلان حجر الأساس لجميع المواثيق والاتفاقات الدولية التي كونت بمجملها القانون الدولي لحقوق الإنسان التي أرستها الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويعد العراق طرفا موقعا على العديد من تلك الاتفاقات والمواثيق. يرتدي أهمية تاريخية بالنسبة لكل شعوب العالم. فاذا كان من انجازات الفكر الليبرالي الديموقراطي الغربي تأكيده على الحقوق المدنية والسياسية، وعلى المساواة بين الجنسين وعلى حقوق الحرية في الفكر والمعتقد الديني والسياسي والاجتماعي، وعلى مساواة الجميع أمام سلطة القانون، وعلى عدم المس بالحرية الفردية والتملك، فإن هذا يعتبر انجازاً تاريخياً لخيرة العقول الحرة والطاقات المتمردة على الاستبداد التي طلعت بها الثورة الفرنسية والفكر الديموقراطي في جميع انحاء العالم.

ان الجهود الانسانية العلمانية والدينية مدعوة لمقاربة أكثر شمولية لحقوق الانسان ولنشاطه المادي الروحي. فاحترام كل خيار للآخر هو نقطة البداية. فالمرجو ليس عسكرة كل طرف ضمن جدران عقيدته وكاتدرائيات وجوامع ومنادي تصوراته الزمنية والازلية، بل الانضمام معاً على مدار واحد هاجسه تحسين ظروف حياة الانسان في عالم دنياه والسعي الى ارتقائه العقلي والروحي. المطلوب هو هدم الهوة بين المادي والروحي، بين الزمني والابدي ، ولا حل معقول الا بأن يتوجه كل طرف الى ملاقاة الآخر على اساس الحوار المنفتح الواقعي والخلاق. ليس هذا مرده وهاجسه فقط تعميم المعرفة، الانسانية الشاملة لحقوق الانسان ولضرورة الدفاع عنها وتطبيقاتها بشكل متساو لجميع أبناء البشر، بل ايضاً للتناغم الخلاق بين الارضي والسماوي.
إشكالية الأقليات في العالم طفت على سطح الأحداث بعد سقوط الأمبراطوريات والديكتاتوريات وانبثاق القوميات والأمم ، وبعد دولنة هذه القوميات تزاحمت اعلامها مرفرفة فوق مبنى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى ليبلغ تعدادها حوالي 190 دولة . بعد ردة الفعل الروحانية البشرية على التطرف المادي الغريزي وعلى ازدواجية المعايير في كل شيء، وبعد الانكسارات الكبيرة في حياة الشعوب المسلوبة والمقهورة، طلعت المتخيلات الاجتماعية لهذه الشعوب المنكسرة بضيمها والآمها، فصعد المارد الروحاني من قمقمه فشهدت السنوات العشر الاخيرة هذه الصحوات الجديدة التي قادت بدورها عمليات زحف لاانساني ضد حقوق اتباع الديانات والمذاهب الدينية في هذا المحيط الكبير الذي يقوده الدين الاسلام الذي بنى نفسه على المساواة والتسامح والاخوة والعدالة الانسانية. إن المارد الجديد يحمل في طياته علامات التفوق ، لأن الأسلام من وجهة نظره، دين الحق ، والمسلمين هم جند الله على الأرض ، وعلى الأخر القبول بهذا الدين وإلا عليه الأستعداد لخوض حرب المصير ، وأما المسيحي والمندائي واليهودي والايزيدي والشبكي ، فهم أهل الكتاب عليهم الدخول في الدين الجديد او القبول بدفع الجزية الجديدة التي تتمثل باملاكهم واعراضهم وهم صاغرون ، بهذه العقلية التفوقية تعاملت مجاميع متعددة من اتباع هذا المارد الجديد مع البشر من غير المسلمين ، فهذه الجماعات تناست الحقوق الثقافية والاجتماعية للأقليات والمكوّنات القومية والدينية ، وتناست إن سعادة أي مجتمع متحضر او دولة تُقاس عموماً بمدى سعادة مواطنيها دون استثناء ولا سيّما المكوّنات الصغيرة، القومية منها والدينية. وهذا دليل على عدم نضوج مفهوم الديمقراطية لديها وعدم استيعابها لمفاهيم العصر و ما تتضمنه المواثيق الدولية وشرعية حقوق الإنسان ، وتناست أن الدولة هي الوطن الشامل لجميع أبنائها المقيمين في إطار أراضيها مع حق جميع المكوّنات بالاحتفاظ بهوياتها الإثنية والدينية ضمن معيار مشترك للمساواة وعدم التمييز التي تكفلها الاعراف والاخلاق والقيم الينية النبيلة التي جاء بها الدين الاسلامي.
اليوم بعد ان بلغت القوميات والأمم مرامها برزت المطالب الأقلوية وهي واضحة جلية وعلى الأكثريات الحاكمة الأعتراف بها وتلبية مطالبها ، إن كانت دينية او لغوية او قومية او أثنية او ثقافية ، فالأشخاص المنتمين الى هذه الأقليات لهم الحق في ان يعبروا عن هذه الهوية ويحافظوا عليها في جو من المساواة وحقوق المواطنة من الدرجة الأولى وهو يعيش على تراب وطنه ..

ولو انتقلنا الى العصر الحالي اي للسنوات العشر الماضية التي جاءت نتيجة احتلال العراق وبعد إجراء انتخابات التي يفترض انها ديمقراطية ، فإنه أسوأ حكم وطني حل في العراق في العصر الحديث ، ولا نريد ان نذكر كل جوانبه السلبية فهي معروفه ، لكن ما يتعلق بالأقليات فإن الحكم الحالي ترك الأقليات معزولة ولقمة سهلة بيد المتشددين من السنة والشيعة على حد سواء . وضمن هذا الصخب دفعت ولاتزال المرأة العراقية الثمن مضاعفا بسبب ما يجري في العراق اليوم فطوق الاضطهاد يلتف على عنقها من المنزل ويمتد إلى الشارع والمدرسة ومكان العمل، بسبب الظروف الاجتماعية والعادات المتخلفة من جانب وتسلط القوى المتطرفة والإرهابية باسم الدين من جانب أخر والتي أخذت فتاويها تكثر خلال السنوات الأخيرة في تجريم النساء اللواتي لم يلبسن الحجاب والعباءة والتي كان أخرها فتوى أصدرتها إحدى المليشيات الإرهابية الممثلة في الحكومة والبرلمان بمنع المتقدمات اللواتي لم يلبسن ذلك الزى من الدخول إلى المدارس والمعاهد والجامعات والمؤوسسات والدوائر الرسمية. اما الجامعات والمعاهد العليا والدنيا فتكاد تخلو قاعاتها من اية طالبة مندائية.

إن الأسلام السياسي يهيمن على مقدرات الدولة ، والساحة السياسية العراقية مفتوحة لممارسة الطائفية والعنصرية الدينية . في ظل هذه الحكومة المنتخبة تشرد الأقليات ويستولي المتشددين من المسلمين على ممتلكاتهم وبيوتهم ومنطقة الدورة شاهد على تفريغ منازل المسيحيين والصابئة المندائيين الذين فروا بملابس نومهم بعد ان استولى عليها اصحاب الحق الباطل باسم الاسلام والاسلام بريء منهم .

نحن لا نريد ان نخلط الأوراق بين المسلمين المعتدلين والمسلمين المتشددين ، نحن تعايشنا ودرسنا وتعاملنا في أعمالنا ومعارفنا مع اوساط كثيرة من المسلمين ومن المؤكد انه ليس كل المسلمين قتلة وأرهابيين ، لكن ما يمكن الركون اليه هو ان كل الأرهابين والقتلة في العراق هم من المسلمين ، فلا يوجد عصابات مسيحية او يزيدية او مندائية تقتل وتخطف وتفجر السيارات المفخخة او الأحزمة الناسفة في التجمعات السكانية ، إن الذي يقتل السني هو مسلم والذي يقتل الشيعي هو مسلم والذي يقتل المسيحي هو مسلم والذي يقتل اليزيدي هومسلم والذي يقتل المندائي هو مسلم ، وهذا لا جدال فيه .

إن الأسلام المعتدل مدعو اليوم أكثر من أي وقت آخر أن يقول كلمته ، إذ ليس من المعقول أن يدعو الأسلام في منطقة الدورة وفي مناطق أخرى من العراق الى اعتناق الأسلام بالقوة او ترك الدار والممتلكات ، إذ لا يوجد دين على الأرض يقبل بهذه المهزلة البشرية التي تجري على أرض العراق .

إن حكماء الأسلام عليهم أن يدافعوا عن دينهم أمام هذه الأساءات التي يتعرض لها دينهم الأسلامي الذي يعتنقه مليار إنسان على هذه الأرض .

إن البعد الأجتماعي والسياسي المسيحي والمندائي واليزيدي والشبكي ضروري في الحالة العراقية فالحكومة والبرلمان والمجتمع العراقي عموماً ، ملوثة بمرض الطائفية ، ومجتمع الاقليات العراقية المعروفة بطيبتها ووفائها للعراق والعراقيين دون تمييز ، إن هذا البعد يشكل نقطة تفاهم ومحبة وتسامح في المجتمع العراقي المتأزم في هذه المرحلة .

هكذا نرى الجانب الكردي يحتضن اتباع الديانات والمذاهب العراقية الهاربين من قسوة الأرهاب في الوسط والجنوب ويقدم لهم يد المساعدة السخية . وفي الوقت عينه يعطي الأكراد صورة ناصعة للأسلام إذ يبرهنون أن الأسلام ليس دين القتل والأرهاب إنما هو دين التسامح والمحبة .

لهذا نحن ومن خلال هذا المنبر الديمقراطي الحر، ننتظر من الحكومة ان تقوم بواجباتها في حماية الأقليات الدينية من المسيحيين والصابئة واليزيديين ، وأن ينأى البرلمان العراقي نفسه من الأصطفافات الدينية والطائفية البغيضة .

لقد كفلَ الدستور العراقي الجديد صيانةَ الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية للجميع بما في ذلك الأقليات والمكوّنات الدينية والقومية الصغيرة دون تمييز وذلك كجزء من حقوق المواطنة الكاملة لأبناء الشعب جميعاً. ولكننا نعتقد أن المشرّع العراقي الذي كان على عجالةٍ من أمره، لم يراعي بما فيه الكفاية حقوقَ هذه الأقليات من خلال تركيزه فقط على فئات معينة حاولت الاستئثار بحصة الأسد في الحصول على الامتيازات، لاعتقادِ هذه الأخيرة جزافاً بكونها الوحيدة التي طالَها الظلم والقهر والتهجير والتهديد. لذا جاءت الديباجة التي أطّرت الدستور مثلاً غير متكافئة بل غير منصفة لحضارة وثقافة وتاريخ زاخر لمكوّنات أصيلة من أبناء البلد.
إن صيانة حقوق الأقليات القومية والدينية التي ما زال يُنظرُ إليها في بلادنا في أحيانٍ كثيرة بشيء من الاستخفاف بحقوقها وموقعها اللاّئق، يُعدّ جزءاً أساسياً في بناء مجتمع مزدهر متكافل لا يشعر فيه أي مواطن مهما صغر حجمه أو اختلف دينُه أو عرقُه بأيةِ فوارقَ تفصلُه عمّن يدّعي ذاتَه أَََّولى من غيره بسبب حجمه الكتلي أو وزنه السياسي.

ويمكن الوقوف أمام بعض تلك المواد التي نص عليها الباب الثاني في المادة 37 في الفقرة الأولى "أ " حرية الإنسان وكرامته مصونة" والمادة الثانية من ذات الباب ونصها " تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني.. الخ" غير إن الواقع الفعلي وما يشهده من جرائم وقتل يومي واستهداف لمختلف الفئات والديانات يثبت عجز السلطات العراقية في تطبيق ما ألزمها فيه الدستور العراقي.
كما نصت المادة التاسعة من الباب الأول في فقرتها الأولى "ب" يحظر تكوين مليشيات خارج إطار القوات المسلحة " والمادة 7 أولا" يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد .. الخ"
غير أن ما يجري يوميا عكس كل هذه النصوص، وكأن ما يتم تطبيقه من قبل السلطات العراقية هو قانون أخر غير معلن، يعتبر إن المليشيات التي تعمل بغطاء سياسي من أحزاب وقوى ممثلة بالعملية البرلمانية "التي يجب أن تكون عملية سلمية ومبنية على الحوار واحترام الرأي" بان تلك المليشيات هي جزء من القوات المسلحة أو أنها لا تمثل مليشيات!!! رغم أنها تمارس بشكل لا يقبل الدحض أو الانكار، الارهاب و القتل والعنصرية والتهجير الطائفي والتحريض عليه، كما أنها تعمل وبشكل محموم على مصادرة حقوق المواطن العراقي ولديها برامج وفعاليات تمارسها، دون أي حساب، تصب في الإكراه الديني ومصادرة حق الآخر في المعتقد ونضرب لكم مثلا ما حدث في مدينة الفلوجة حيث اضطرت اكثر من اربعين عائلة مندائية الى تغيير عقيدتها الدينية لتتحول الى الديانة الاسلامية بسبب التهديد بالتصفي

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014