• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 03 شباط/فبراير 2014

رموز الحركة الابداعية التشكيلية المندائية المعاصرة

  عزيز عربي ساجت
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

المقدمة :
لقد برزت رموزٌ مندائية كان لها حضورٌ مع بصمةٍ واضحةٍ في مجالِ الفن التّشكيليِّ المُعاصرِ على السّاحة الفنيّةِ في العراق أو في دول المهجر ، إستطاعت أن تُقـدمّ المزيد من العطاء والإبداع في هذا المجال ، وأكدت إهتمامها البالغَ بمثل هذا النوع من الفن الرفيع ؛ من خلال تقديم وبلورة الافكار في تاّلف الفن والعلم والحضارة .
لقد شهدت السنوات الماضية ظهور كوكبة مُتميزة من هؤلاءِ المبدعين كان من أبرزهم : ( فيصلُ السعدي ، يحيى الشّيخ ، غالب ناهي الخفاجي ، سلام الشيخ ، موسى الخميسي ، حزام عطية النصار، نوري عواد حاتم ، سوسن سلمان سيف ، اكرم تريكو صكر ، حامد جميل عزيز ، اشراق عريبي ، حامد عبد الرزاق رويد ، عائدة دخيل عيدان ، أسمر هرمز ... ) وآخرون غابت عن الذاكرة اسماؤهم مع الاعتذار ممن لم تسعفني ذاكرتي في تذكرهم . ومن خلال متابعتي الشخصية إتضح لي : إن هناك من جعل هذا الفن الرائع هواية في حياته وتركها بعد حين لظرف ما ، وإهتم بنوع اخر من الفنون والاداب ، ومنهم من استمر في مزاولتها إما كهواية او كمهنة . وتتصفُ نتاجاتُ هولاءِ الفنانين بالتكامل الإبداعي الفني ، وبترك إرث جميل ورائع في الرسم والنحت والنصب ، واللوحات الرمزية التراثية والحضارية إضافة الى الرسوم التخطيطية وفنون النقش على المعادن والزخرفة وفن المنمنمات .
في سياق الانشطة الفنية المندائية للفنون التشكيلية ،نلاحظ : ان هذه الاعمال تراوحت بين التشكيل والنحت والفوتغرافيا وغيرها ، وهذا مايؤكد على ما تختزنه حركة التشكيل من طاقات ومواهب ، ومقدرتها على الإصغاء المرهف لهواجس الانسان في عالم سريع التغّير ، ان مبدعي الفن التشكيلي ، انما هم نخبة من ابناء الوطن - العراق – باعتبارهم في طليعة مكونات الواقع الثقافي المندائي ومفصل حركته الفنية الصاعدة.
حينما نتأمل الاعمال الفنية لهؤلاءِ نجد ان هناك تفاوتاً وإختلافاً في الأساليب الفنية المتّبعة ، تلك التي تنوعت بين الواقعية والتأثرية والتجريدية ، بالاضافة الى اعمال مختلفة اخرى ، ارتكزت في رؤاها على مفاهيم ترائية وطبيعية واخرى حضارية ، ويمكن ادراجها في سياق البحث فيما يتعلق بالحياة والخيال معاً ، وقد تبارت هذه الاعمال على الصدارة والاستحقاق المطلوب ، ان نتاجاتهم الفنية ماهي الا تعبير عن جماليات المعنى في رؤى متوهجة بالحيوية والدلالة والاشارة بأكبر قدر ممكن من التكثيف والايماء ، ان استخدام الفرشاة والالوان متداخلة في اللوحات الفنية واداة تعبير عن مفهوم الضد ، عبر عناصر فنية متنوعة ، بحيث يضع كل فنان فكرته على لوحة من لوحاته ، وتعبر بذات الوقت عن تداعيات إنسانية متحركة ، ومتفاعلة في رؤى حسية متنوعة ، ان في إشراقة الالوان ماهي الا تداعيات رمزية متحركة في إتجاهات عدة ، وهي رؤى رمزية للحياة ، وهي مضامين مأخوذة في الاساس من الواقع الحاضر والماضي ، وفي سياق خيالي واضح وبرزت التجربة في نسقها التجريدي ، والبحث المطلق عن الراحة النفسية ،واستخدام العلاقة المتضادة بين الضوء والظل .
بعد هذه المقدمة البسيطة ، ارتأيت ان أعرض موجزاً عن كل فنان قدير وباقلامهم وبآراء النقّاد الذين تناولوهم بالنقد والتحليل والتمحيص .
في مخيلتي معلومات وافكار بسيطة عن فنون الرسم بالاضافة إلى توفر الرغبة في المتابعة مع المشاهدة للمعارض الفنية التي كانت تقام في العراق او في سورية ، او من خلال استخدام كامرتي البسيطة في رصد وتجسيد بعض الظواهر الاجتماعية والطبيعية ، لما تحمله الصورة من دلالات جمالية تعبيرية راقية عن الكون والطبيعة وعن مفاصل الحياة الانسانية ، وساتناول بالعرض لأعمال هؤلاء الفنانين تباعاً ، وحسب توفر المصادر المتعلقة بالموضوع مع التقدير .
الفنان فيصل السعدي :
يعتبر هذا الرسام المندائي الكبير من رواد حركة الفن التشكيلي العراقي المعاصرالذي سار على خطى أصحاب المدارس العالمية من عظام الرسامين ( بابلو بيكاسو ، مونيه ، دالي ، فان كوخ ) ، لما تحمله لوحاته من قوة إبداع ورصانة تعبيرية واضحة في مجمل أعماله الفنية المتنوعة .
في مقالة جميلة كتبها الفنان المبدع فيصل السعدي عن نفسه ، نُشرت في مجلة افاق مندائية الصادرة في بغداد ، حول مسؤولية الفنان في معتركه الفني جاءَ فيها : ( يجد الفنان نفسه مسؤولا في المعترك الفني عن ايجاد صيغة للتعامل مع الحياة بديناميكية متفاعلة لتعطي للتجربة الفنية شخصيتها ، وكتجربة يستدرك الفنان فيها دوره ووجوده في هذا الكون الواسع بالرغم من التناقض الواضح للاساليب الفنية ، يجد نفسه مسؤولا عن ايجاد علاقة جدلية للتوازن البيئي لكي تأخذ دورا ً في الابتكار والابداع . ويقول ايضاٍ : بدايتي من الستينات ممارس للرسم والخزف وطوال هذه الرحلة قدمت ، واقدم تجربتي بكل رموزها وتحولاتها متناولاً البيئة العراقية وتنوعها ، مغترفاً من الرمز والاسطورة العراقية المتواصلة بشوق الى الانفتاح اللوني بالرغم من التفكيك المتوازن بعيداً عن الاساليب المقحمة والتلطيخ اللوني . التجربة في حضور الخط الوهمي لانشائية اللوحة ، وغنائيته الموسيقية في تشابك الالوان ، واستخلاص الاطر الفنية من تجربة الفنون الرافدينية ، وتوظيفها في منجز تشكيلي يعكس كونية الاشكال ، وعراقة مخلصة ، وعشق متدفق افجعته مرارة التمزق الداخلي والبيئي . الهدف في اغناء التجربة الفنية العراقية ومواصلة الارث الحضاري ، ووضع لبنة في صرح الرسم العراقي المعاصر ) .
بهذه الكلمات عبّر الفنان فيصل السعدي عما يدور في خلده من افكار بنّائه ورائدة من اجل الفن العراقي وتطويره ، واكد الفنان السعدي في اكثر من مناسبة ان الرسم ، كعنصر من عناصر الحركة الفنية الحديثة ، بشتى اتجاهاتها علينا الاستلهام من تلك الحضارات والاعتماد على قيمها واصولها ، بالشكل الذي يلائم الإمكانات المتاحة في عصرنا الحديث ، ومن دون هذا الأساس التأريخي المهم ، فانه سيصل حتماً ، الى مرحلة التجريد ، والتجريد المطلق ، سوف ينتهي الى فن هزيل ، لا يتناسب مطلقاً وعظمة التطور الحديث الذي وصل اليه عصرنا ، سواء في إمكاناته التكتيكية المتاحة ، او في تطور علاقاته الأنسانية ، وقد كتب الكثيرُ من النقاد عن هذا الفنان الرائع واسلوبة في الاختيار ، ومنهم الناقد محمد الجزائري الذي تحدث عنه في مقالة نقدية جريئة وعن مضامين لوحاته الفنية والتي نشرت في جريدة العرب اليوم الاردنية ، جاء فيها : ( لم يكن فيصل السعدي ( 1939 ) خارج كياسة التجديد ، حين اختار اسلوبية مزاوجة بين الانطباعي والتكعيبي . انه لم يشوه المشهد ، ترك للمقلة حرية التجوال والهجس والتقصي في ثنايا اللوحة ، شخوص اللوحة بينة ، ولا غموض .. كأنه يقدم التعبير ، عبر الملامح ، باشارات ، ولكن ايضا ، بهذا الطيف اللوني ، وهندسة تداخلاته ، قوس قزح ، لا يضيّع المعنى ، ولا يحيل إلى براءة طفولية ، لكنه يستمد من البراءة لونها الصافي ، ولكن بوعي اشتغال ، ومهارة مطبوعة ، يعتقد الفنان فيصل السعدي ، بان الجمالية وحدها ، لا تُثري الحياة ، ان هي افتقدت ، في اللوحة ، الى تلك الديناميكية ، فراهن على ثلاثية الابداع ، الجمالي ، المتحرك في اللوحة لانها خطابه الفني .. كونية وعمارة واثارا.ً. رموزاً واساطير من ميثولوجيا غنية .. كل ذلك مخزون لوحات السعدي ، ومجال إفادته .. لكنه لم ينقل ذلك كله ، بجاهزية عفوية ، بل امتصه وتمثله ، فهو يحاول الخروج بلوحته من عالم التزيين ، الى التأثير في المحيط : الحيز والفضاء والتلقي .. لا أن تُعلّق ، مثل ايقونة ، ضمن ديكورية المكان ، بل ان تتفاعل مع مشاهدها ، تسحبه الى سحرها ، تفكك امام ناظريه رموزها وموتيفاتها ، واحالاتها الاسطورية والرمزية ، وسردها احيانا .. ان لوحات فيصل السعدي ، مروريات لونية ، تتعاشق بها الاطياف والرموز والوجوه ، لتقول حكاية .. او لتنعى على حالة ، تبدو متكسرة خلل تلك الحزم اللونية ، لكنها تأتيك من جهات عدة .. وتلك مهارتها ) .
ودون الكاتب المبدع عبد الباسط النقاش مقالة جميلة تطرق فيها الى ابتكارات الشكل في طريق الابداع للوحات السعدي الفنية جاء فيه : ( ان الفنان فيصل السعدي جمع بين المهنة والحرفة والصنعة معاً باعتباره تشكليا واكاديميا في دراسته الفنية ، ومحترفا لمهنة ماهرة وهي الصياغة .. وتفاصيلها الاخرى .. وتأثير دقة ممارسة المهنة الدقيقة التفاصيل في الحجم مما جعل رسوماته هي الاخرى خاضعة لصنعته في توليف الاشكال بمضامين فنية هندسية معمارية ، يُشكّل فيها الظل والضوء متاهات فضاء اللوحة المحدود ابجدية المواءمة بين الايمان المطلق اليها .. تعيد للاذهان موتيفات بالخلق .. وبين ما ينتسب للحياة من طيور وحيوانات اُخرى وبشر .. والعمل على إيجاد الصلة بين الامس واليوم باصرار على عمق عراقيته ، والعلاقة الجدلية بين المنطق وما مخزون من تراث العراق العظيم .. تارة بتعبيرية وتارة بالحفاظ على اللون من التغريب في متاهات العبث فهو قادر على تمكين فرشاته من ايجاد مسحة اللون الملائمة مع ما يجاورها من الوان اخرى .. او المتقاطعة معها كبساط شرقي سحري .. تشكل إيقاعات اللون وتكوينات الفضاء فيه روحه المعطاء ابتكارا للخصوصية والتفرد . ان اسهامات الفنان فيصل السعدي .. رغم قلتها لكنها تجربة فنان محترف لا يخاف سطوة وقع لوحته على الاخرين .. بقدر رضى نفسه وادراكه الحسي المُبّكر فيها .. وتلك هي لغته التي يتعامل بها في كل مجتمع .. لكون اعماله تتمتع بقدر كبير من التجربة العراقية الاصيلة لارث حضاري متقدم في ماضيه الانساني .. وكذلك سعيه الدؤوب لوضع لبنة في صرح الرسم العراقي المعاصر .. وفق رؤية فنية مكتملة تمرست العمل الفني واشتقاقاته في العمل والحياة التشكيلية .. فالفنان السعدي حريص على الإبتعاد عن الاساليب الحديثة المطروحة في الفن التشكيلي .. التي تشوه معالم الابداع من حيث الاستخدام العشوائي لنظام التلوين العشوائي على سطح قماشة اللوحة التشكيلية ) . لذا يعتبر الرسام فيصل السعدي من الفنانين القلائل الذي إستخلص بلوحاته ومزجه للالوان واستخدام طريقة التعبير الايمائية للحياة وللانسان عبر فرشاته الجميلة كوسيلة تعبيرية صادقة عن وضع الانسان في عصر العولمة وحالة التيه في دهاليز الحياة وسرورتها الكونية الابدية وعن مصيرها المحتوم في الخلود الابدي إنعكاسا لخضم تلك المعاناة وباشراقاته الوردية الدالة.
يتبع لطفا
المصادر:
- فنان مندائي / بقلم فيصل السعدي / افاق مندائية
- محمد الجزائري / مقالة نقدية عن تجربة فبصل السعدي .
- الفنان فيصل السعدي / بقلم عبد الباسط النقاش .

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014