طباعة هذه الصفحة
الأربعاء, 28 أيار 2014

الــمــنـســي مــن سـنـيـن لــراحـلــين

  حيدر لازم
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

لقد قررت الأكتهال ولم أعد بعد الآن صبيا
لم أنتظر زائراً يسأل بعد أن صاربابي موصداً وعصيا
ولكن يبق لي زمن مضى عشت بين أهل وأحباب أستذكر من خلاله في زمن الغربه والمهاجر ماذا جرى وماذا صار من أحداث قد تكون سلوى وبهجة لقلب أنهكه الضنا وأتعبه النبض
لقد جاءت مواسم خريف الكلام لأقص عليكم أنباء الذين تميزوا ولكنهم رحلوا الواحد تلو الآخر كأشباه كواكب موسى الخميسي التي خرجت من مسارها
لم أكن شاعراً لأرثيهم بقصائدي ولا نحاتاً يقدالصخر بأزميله تشبيها لوجوههم ولا رساماً لأصورهم بألوان مؤطره
لم أجد شيئاً أطفأ به جذوة الحزن سوى مراثي نشأت مندوي لعلها تستقطر الدمع من العيون المتعبه لتريح النفس الظامئه للأشواق
لقد كنت أدري بالذي كان ولا أدري الان ماذاكان
كانت مياه دجلة خير الجواهري تتدلى من جبال شمال الوطن المتعب مثل سهم مارق في جبروته لتهب غرين الخصوبة لجنوبه ليعتاش به غرس السومريين شي لب
وتستطال به غابات القصب والبردي الذي يعطي مذاقا ووفرة لحليب الأبقار وجاموس الأهوار وحلوى الخريط لأطفال المعدان
عندما يصل دجله بزحفه ميسان حتى يتشظى مثل ذراع يد أصابع يتهادى أحدها شرقاً منشرحاً ينعش أراضي السواعد ليصب بأهوار العظيم الحد الفاصل بين العراق وجيرانه الشرقيين
وآخر ذو مياه زرقاء رماديه تكتحل به عيون مسيعيده وترتوي به شفاه جميلات البو محمد في الجنوب الشرقي
ويسبر دجلة أغوار مسيره ليسمى البتيره تصغيراً نبطياً للبتراء نحوالجنوب ليصبح واسع الضفاف هادراً بجرأة لا تلين ليبشر آل أزيرج بالخير والوعي الوطني الذي تغنى به النواب
على ضفته اليمنى قريباً من الطوَيّل يرضع نهر أبو جصانه مياهه ليهبها لعشيرة البو خميس لقباً عشائرياً ليحذف أسم جدهم زيدان المندائي الزهيري
الذي وهبهم البشرة البيضاء والشعر الأشقر نسلاً متميزاً رجالاً ونساء وشجاعه طالما تغنى بها مجاوريهم أثناء الحروب الأقطاعيه بين العشائر المتناحره في تلك الأحقاب
ويستمر دجلة بالجريان الهادئ ليعطي العافيه لبساتين النخيل والأعناب والتين وأشجار السدر ومزارع الرز بأنواعه على جنبات ضفافه حيث بيوت القصب لعرب الأهوار
في تلك المنطقة الغنّاء أسموا دجلة بالشرموخيه لكثرة أنهار الرواضع تشبيها بشراميخ عذوق النخيل المتدليه بألوانها الصفراء والحمراء والخضراء
في هذه المنطقه الوارفه أسست مدرسه الأزرقيه الأبتدائيه والتي أبدل أسمها فيما بعد الى المثنى وهي المدرسه الثالثه في مقاطعة آل أزيرج خلال أربعينات القرن الماضي في وقتها كنت طفلاً وليد تلك النواحي وبعمر لا يتجاوز الخامسه كنت أفقه بما يدور حولي من أحاديث كحلم عابر أذكر فيها تفاصيل الوجوه ومنها لرجل متوسط القامه نحيل الجسم أبيض البشره تكسو وجهه لحية مسترسله تزيده وقاراً وهيبه يترجل من زورق تصحبه أمرأه تميل الى السمره ليحل ضيفاً لعائلة أبا جاسب خالي المرحوم محسن جابر الذي تربيت بكنفه والذي قام بواجب الأستقبال على أتم ما يمكن
وعرفت منه في اليوم الثاني بأن هذا الضيف هو المندائي زهرون وهام أبو صلاح حيث عين معلماً في مدرسة الأزرقيه الأبتدائيه في ذلك الوقت مع أصدقاء له من الطائفه اليهوديه وهم أسرائيل يعقوب سميره ونعيم بني وآخر لا أتذكر أسمه الآن سكنوا قرب المدرسه أما أبو صلاح فقد بنى لعائلته بيتاً من القصب قرب بيت خالي لأنه لا يستطيع مؤاكلة الاخرين لتدينه والتزامه بالرشامة والبراخه وأجادته اللغه المندائيه حيث كان مهيئا ليصبح رجل دين ولكن الأمور المعيشيه أضطرته أن يصبح معلماً لأعالة أسرته الكبيره
مما أضطر أخيراً لحلاقة ذقنه بناء على توجيهات مبعوث المعارف المفتش لمدارس المنطقه وألا يترك الوظيفه
كان أبو صلاح رجلاً مندائياً بكل ما تحمله هذه الكلمه من معاني دينيه أخلاقيه صادقه أصيله هادئ الطبع يجري حديثه مثل ماء دجلة وأصفى محبوباً من قبل الجميع شيوخ عشائر وفلاحين وزملاء الوظيفه في المدرسه متميزاً بطرق تدريسه ونسبة نجاح تلاميذه تقديرا من مديرية معارف لواء العماره
كان أبو صلاح يضفي الطمأنينه على أصدقاءه وزملاءه المعلمين اليهود الذين يحملون عقدة الخوف من المسلمين عند خروجهم بنزهات خارج أوقات الدوام الى الأهوار المجاوره للمدرسه يستصحبهم خالي الأصغر مع صديقه أبن شيخ المنطقه لأضفاء طابع الحمايه وتهدئة النفوس القلقه الى يوم هجرتهم الى فلسطين عام 1948
وينقل أبو صلاح حسب أمر وزاري الى مدرسه أخرى لا أعرف أسمها أو منطقتها ومنذ ذلك الحين لم أرى أبو صلاح ألاّ بتسعينات القرن الماضي في يوم وفاة خالي محسن حيث عرفني بأسمي وارتميت بأحضانه باكياً
كما بكيت أثناء وفاته لاحقاً في مجلس الفاتحه بمندي بغداد
رحم الحي أبا صلاح وطيب ثراه
نعود ثانية الى صريفة سكن أبو صلاح ومن سكن فيها من بعده عندما نقل
أنه المعلم المندائي الفنان المرح الظريف مكي الشيخ كميت منتوب البدري
وأخيه الأصغر حليم ووالده الذي تربطه قرابة أبن الخاله مع جدي جابر عبيد لأمي وجدي لأبي لازم عبيد
وكذلك والدته أم مكي وأخته نعيمه الشيخ كميت حيث أستمر بقاءه في المنطقه سنتين ثم نقل الى مدرسة السلمانيه قرية أبو نعيجه وهي من مناطق مقاطعة آل أزيرج أيظاً
ولم ألتقي بأبا أنور ألا في التسعينات من القرن الماضي
وسوف أذكر لاحقاً ما مر من أحداث طريفه لهذه العائله المندائيه الراقيه أخلاقياً واجتماعياً بما أوفيهم حقهم بما كانوا يتصفون
رحم الحي أبا أنور ورحم ذويه وجميع المندائيين الذين غادرونا الى دار البقاء
مع صوفيات العراقي أنور أبو دراغ

الدخول للتعليق