البخل ناتج عن سلوك كان قد ارتبط بالإنسان نتيجة إما لعوامل وراثية جينية او نتيجة لعوامل وظروف معيشية صعبة او فقر او حتى عوامل بيئية او نفسية قد تركت أثرها سوى من فترة الطفولة او الشباب وربما حتى بعد الكبر .
والبخل عادة هو ما ارتبط بتقتير الانسان على نفسه او من يعيش معه بالرغم من توفر الجوانب المادية ، حجب او امساك المال عن أقرب الناس اليه كالأولاد والزوجة والأهل !
ويندرج البخل ضمن السلوك الاجتماعي والاقتصادي موجود في جميع البلدان ومجتمعاتها رغم انه سلوك شخصي بامتياز لكنه يترك اثره المباشر على الجماعة المحيطة بالبخيل فتجده يبخل حتى بالنصيحة والكلمة او المعرفة .
للأسف يصبح البخيل ونتيجة لبخله ، انسانا قد لا يستحق الاهتمام ، فتجده منهمكا طيلة حياته دون ان يتذوق طعما للحياة سوى جمع المال والحرص عليه الى درجة القلق المستمر على هذا المال وكيفية التعامل معه بخوف عليه وحرص شديد لألا يقل او ينقص او يكون عرضة للسرقة او الابتزاز او علم الآخرين به .
فهو حريص على ماله رغم أن ماله سيؤلَنَّ الى غيره !وهنا يقول المتنبي :
ومن يُنفِقُ الساعات في جمع ماله ...مخافةَ فَقْرٍ فالذي فعلَ الفقرُ
ويقول تيشخوف :
قمة الجنون أن يعيش المرء فقيرا ليموت غنياً !
وقد وصف ( مصطفى لطفي المنفلوطي ) البخل والبخلاء بقوله :
البخلاء جمال عطشانة والمياه محملة على ظهورها !
فالبخل يصبح مرض ، ومرض مزمن ونتيجة لذلك فهو لا يصيب صاحبه فقط وإنما ينعكس سلبا ويتطور ليصبح مشكلة ، وفي الحياة امثلة كثيرة على ذلك مثل المشاكل بين الزوجين وما قد يتبعه من انفصال او طلاق كذلك المشاكل مع الأولاد وما ينتج عن ذلك من كره واضطرابات عائلية وانقسامات مؤذية .
فهناك مثل فرنسي يقول :
للأب المقتر ... ابن مبذر !
وأيضا هناك مثل لاتيني يقول : حسنة البخيل بعد موته !
فالبخيل أشبه ما يكون بالأرض السبخة التي عطاؤها شحيح ومحدود فلا توجد خصوبة ولا عطاء سخي ، وقد يصل الأمر الى حد اعتباره شحاذ خالد ، فهو فقير لا يؤجر على فقره ؛ كما قال ( ابن العيثم ) .
وهناك مثل صيني يقول في البخيل : من لا يغذي القلب ... يغذي السارق !
ومن المواقف والعلاقات التي تصادف في الحياة اليومية ، يكون البخيل فيها في اتم السعادة والراحة النفسية عندما يكون الدفع من جيب الآخرين وليس من جيبه هو ! فهو عندها يتفنن ويتحايل ويجيد الحركات لكي يتملص من الدفع .
فهو على استعداد دائم حتى لبيع حصته من الشمس . مثل أمريكي .
أكيد هناك فرق بين البخل والحرص او التدبير المحسوب ؟ فليس كل مدبّر ومخطط وحريص ( لأي سبب كان ) هو بخيل لان الحالة قد تكون وليدة ظرف معين او حالة طارئة او تنظيم معقول لمجريات الحياة دون خلل او تقتير متعمد.
وقد تجد بعض البشر يمتد بخلهم الى طبيعة العلاقات الاجتماعية كالمجاملات والصداقات والأحاديث او اي تواصل اجتماعي ، فتجدهم ( البخلاء ) وكأنما يخسرون من جيبهم المال عند الكلام والمرحبة والضحكة والابتسامة والحديث! لهذا السبب ينفر منهم الآخرون او يتجنبوهم فيصبحون أذلاء .
فكثير البخل على ماله ذَل .. وكثير البخل على دينه جَّلْ . يضاف الى ذلك ما ينتاب البخيل من أعراض أخرى كالحسد والغير واللؤم والاستغلال .
ومع هذا فقد تشيخ كل العيوب عنده ويبقى البخل شاباً !
لكن لماذا البخيل يسرق نفسه !؟ هل لأنه يترك نفسه بحاجة وألم وازدراء ولا يستغل ما بحوزته من مال ، مثلاً ؟ أم لانه لا يريد ان تنقص ثروته او ما لديه أو هل يفكر بالمستقبل ويخاف العوز او الحاجة ولا يضمن احداً ليساعده ، مثلاً؟
فكل تلك التساؤلات لا تبرر طريقة البخيل بحياته وسلوكه مع الأقربين له .
يا من غدا ينفقُ العمرَ الثمينُ بلا .. جدوى سوى جمع مالٍ خيفةَ العَدَمِ
ارجعْ لنفسِكَ وانظر في تخلِصها .. فقدْ قذفتَ بها في لجة العدم
كما قال شعرا ( ابن خاتمة الأندلسي ) .
لكن أي ضرر عام من الممكن ان ينتج عن سلوك البخيل في المجتمع ؟
بشكل عام ليس للبخيل من ضرر مهم او خطير على الجماعة او المجتمع ما عدا عائلته او اهله او المقربين جدا منه والذين تربطهم به عادة العلاقة المادية او الشراكة التجارية وغير ذلك ، والحقيقة ان الضرر الأول ما يلحقه هو بنفسه فيتركها تعاني الكثير دون مبرر معقول سوى ارضاء لمرضه النفسي والذي يجد هو فيه راحته الغريبة ! فالغني البخيل هو أفقر من المتسول(مثل روسي )
وأختم كلامي هذا عن البخل والبخيل ، بهذه الأبيات الشعرية ل إسحق الموصلي
وآمرةً بالبخلِ قلتُ لها اقصدي... فليسَ إلى ما تأمرينَ سبيلُ
أرى الناسَ خلانَ الجوادِ ولا أرى... بخيلاً له في العالمين خليلُ
ومن خير حالاتِ الفتى لو علمتِه...إذا قالَ شيئاً أن يكونَ نبيلُ
فاني رأيتُ البخلَ يزري بأهله... فأكرمْتُ نفسي إن يقالَ بخيل ُ
عطائي عطاءُ المكثرين تجملاً... ومالي كما قد تعلمينَ قليلُ