طباعة هذه الصفحة
الثلاثاء, 05 آب/أغسطس 2014

قِِ ثلوجك سيد كلمنجارو

  عماد حياوي المبارك
تقييم هذا الموضوع
(2 عدد الأصوات)

 

يقول الهولنديون بأن ثمة ما يُميّز لغتهم، تواجد حرف علة واحد على الأقل بكل كلمة هولندية دون استثناء، ويقولون أيضاً أنه لديهم كلمة متكونة من حرف واحد فقط هو حرف (اليو) وهو ضمير المخاطبة (أنت وأنتم) ويلفظونه (إيو).

(U) = (YOU)

نحن ناطقو العربية نفتخر أيضاً بأن لغتنا تشتمل على بضع كلمات تتكون من حرفٍ واحد، كِ ثوبكَ يا هذا، كِ فعل أمر مبني على حذف حرف العلة (الياء) وهو مُشتق من الفعل (كوى ـ يكوي)، عِ للفعل (وعى ـ يعي)، وغيرها مثل الأمر للفعل (وقى ـ يقي) حين تقدم نصحاً ...

قِ رأسك من الشمس، ونعني بها (إحمِ) رأسك من خطر أشعة الشمس المباشرة ...

× × ×

من المفارقات التي تصاحبنا منذ الطفولة، أننا نسمي الأسد (ملك الغابة)، مع إن الأسد لا يعيش في الغابة !

الأسود تعيش في أراضٍ مفتوحة وأحراش تسمى (السفانا)، توفر مراعٍ مناسبة وفيرة الغذاء لطرائدها والتي تُشكل الحمير الوحشية والجاموس البري والغزلان النسبة الأكبر منه، ليتم توازن بيئي بين آكلات العشب واللحوم منذ القدم ولا يزال حتى اليوم، لكن بشكل مرتبك

الأسد لا يميل للعيش بغابات مكتظة بالأشجار وبالسعادين والذئاب والزواحف والحشرات وغيرها، وهو يفضل مساحات مفتوحة مشمسة حيث يكون الرصد أسهل ومطاردة الفريسة والحصول عليها أسرع، حتى أن فرائسه قد عايشته وتعودت مشهد إقتناصة (الضحية) وكأنه أمر واقع وضريبة لقاء العيش معه.

أما النمور فتميل للعيش في أماكن أكثر عُزلة وذات تضاريس، كالكهوف والسفوح الحادة، وهي تتمكن من التسلق ببراعة لرشاقة أجسامها وخفة حركتها وقوة عضلاتها، وتتغذى على الجرذان وتفتك بالأرانب والزواحف والطيور التي تصادفها، وغذائها شحيح يصعب الحصول عليه، مما يتحتم عليها الصبر والمثابرة في سبيل العيش، وهو الأمر الذي يهددها بالانقراض.

الأسود والنمور تفضل العيش بمناطق دافئة أو حارة، وتخشى المناطق الباردة والمتجمدة، حتى أن حياتها تكاد تنعدم فيها، لذا فمن المستبعد رؤية أسداً يسبح كالدببة في أنهار جليدية، ولا نمراً يتسلق جبل مغطى بالجليد ... اللهم ما عدا نمراً مرقطاً واحداً كان قد ظلّ طريقه بينما كان عند سفوح جبل (كلمنجارو) يبحث عن طريدة، ليُفضل الموت بين الثلوج على العودة بخفي حنين*.

لم تسلـَّـط أضواء تكشف لعالم أسرار هذا الجبل ذو القمم الثلاث إلا بعد إن كتب عنها الروائي الأمريكي الكبير (أرنست همنغواي) قصته ... (ثلوج كلمنجارو)، وأنتج عنه فيلماً في العام 1952.

(ثلوج كلمنجارو) هي قصة قصيرة وليست رواية، وجاءت كتابة (همنغواي) لها بعد معايشته الفعلية في ثلاثينات القرن العشرين لأدغال أفريقيا فقد كان من محبي الصيد والقنص.

أما الفيلم (ثلوج كلمنجارو) فالمخرج يتوسع بالقصة ويتطرق إلى عالم (همنغواي) وسيرة حياته الخاصة، منذ مشاركته كمراسل حربي في صباه عند قيام الحب الكونية الأولى، ومن خلال الفيلم نستطيع أن نتابع سيرة حياة الكاتب ومشاركاته الحرب الأهلية الاسبانية والحرب العالمية الثانية، وسفراته إلى الصين والأهم إلى أدغال أفريقيا الذي تعرض فيها إلى حادث سقوط طائرة عند منابع نهر النيل.

عاش الكاتب الكبير مَشاهد قسوة وعنف طيلة حياته، ومارس الطبابة من جهة والشدة لدى اصطياده الطرائد، حتى أنه انتحر في نهاية المطاف، لكن كل ذلك لم ينعكس في كتاباته لرواياته.

فقـَـدَ (هاري) بطل القصة طريقه في الحياة، وصار يعاقر الخمر والنساء ولا يعرف ما يفعله سوى السعي للمال والثراء، وهو كان كاتبٌ ناجحاً ومتميزاً.

(ثلوج كلمنجارو) هي سرد أحداث أكثر من كونها رواية، كان (هاري) رجلاً موفور الصحة والنشاط، خلال أول رحلاته لغابات أفريقيا، طلب منه عمه أن يبحث في سر النمر الذي وُجد متجمداً فوق ثلوج الجبل، وهو أمر لم يحدث من قبل أن يتسلق نمراً جبالاً تكلل قممها الثلوج.

(هاري) لم يهتدِ بتلك السفرة لمعرفة السبب، لتكاسله وشعوره بالغرور والعظمة، وحين قام برحلة اخرى لأدغال أفريقيا، اصيبَ (بالغنغرينا) نتيجة جرح عميق برجله حينما كان يصور قطيع لفرسان النهر، وتشتد الحمى علية وتنتكس حالته الصحية ويصبح مقعداً منزوياً بركن بعيد عن العالم فوق سفح جبل (كلمنجارو)، فيتيقن بأنه هالكاً لا محالة، حتى أن النسور كانت تنتظر نفوقة وهي تقفُ على شجرة أمام خيمته، لتنقض عليه كجيفة متهالكة.

لكن تقوم صديقة وفيّة له بمساعدته ليتعافى ولتختفي النسور ذات صباح، موحية له بأنه قد وجد نفسه من جديد، وليتعرف من خلال محنته عن السر في نفوق النمر المرقط، فقد هلك من الجوع والبرد لأنه (فَقدَ) طريقه.

كان للنمر الذي ضل طريقه فوقع في حالة اليأس وقضى نحبه مفضلاً الموت على العودة مكسور الجناح، الأثر في أن (هاري) الذي تكاسل وتراخى بعد مسيرة حافلة بالانجازات ككاتب ومراسل صحفي، يعود لرشده ولحياة الكفاح والإرادة الصلبة والعمل بعد فترة حجّمت نشاطه وفاعليته.

المغزى من القصة، أن الفرصة تبقى متاحة في الإمكانية بتصحيح المسيرة والعودة للصواب، فيما لو يُخطئ الإنسان طريقه ويحطم مواهبه.

كان العلماء ومنهم الانكليز حتى القرن الثامن عشر يعتقدون استحالة نزول ثلوج على مناطق متاخمة لخط الاستواء، حتى تم للجغرافيين اكتشاف (كلمنجارو) ودحض ما ذهبوا إليه.

ولما صار العالم وجها لوجه أمام الجبل، بَهرَته قلنسوة بيضاء تغلف ثلثه الأعلى والتي تشمخ حتى ارتفاع 5895 مترا فوق سطح البحر.

إن ما يجعل هذا الجبل متميزاً ليس فقط كونه قرب خط الاستواء وإنما في إمكانية مشاهدته كاملاً من مسافة عشرات الأميال، لأنه ليس ضمن سلاسل جبلية وإنما يقع عند نهاية صدع جبار في الكرة الأرضية يبدأ من شرق البحر المتوسط، جبال لبنان فغور الأردن والبحر الميت ثم البحر الأحمر والحبشة التي يشطرها لهضبةٍ ووادٍ، فبحيرة فيكتوريا حيث منابع نهر النيل.

الجبل ذو قاعدة تبلغ 40×60 كلم، أي بأبعاد ومساحة مدينة بغداد، ويمكن مشاهدته من بُعد عشرات الأميال، وان أعلى تجمع سكني (قرية) يقع على ارتفاع 2450 متراً، وهو يسمح بتنوع بيئي وإمكانيات لزراعة وفيرة، ويمكن التوجه نحو القمة بمسيرة راجلة فوق ممرات مريحة خلال أربع إلى ست أيام فقط، حيث أكتاف الجبل ليست شديدة الانحدار.

هذا الشيخ الوقور الذي بهر العالم ببهائه ونقائه، ما عاد بمستطاعه الحفاظ على قلنسوته البيضاء، ربما بسبب غفلة نعيشها اليوم من عمر الأرض، ففي غضون نصف قرن فقط، فـَقـَـدَ (الرجل) ثمانون بالمائة من ثلوجه التي حافظ عليها منذ أزمانٍ خلت.

زوال الجليد على قمة شحيحة المطر أصلاً سيُشكل كارثة على السكان في (تنزانيا)، لأنه يؤدي لجفاف مصدر المياه الرئيس الذي يُغذي الأنهار، مما سيأتي بالتالي على مقومات الزراعة ويدفع بسكان القرى لترك مزارعهم والبحث عن بدائل

ومع أن تلك الأنهار لا تزال المغذي الرئيس للحياة على سفوحه، لكن تحولها عام بعد عام لسواقٍ ضحلة وجداول ـ يقول الخبراء ـ سوف لن يسد مستقبلاً سوى رمق تجمعات سكانية قليلة.

لا يزال الجبل يعتبر أداة استقطاب للسياحة بما تبقى من قلنسوته البيضاء ومن سفوحه الخضراء، لكن التقارير عن الأعوام الخمسون القادمة متشائمة جداً، تقول بأنها ستشهد عملية احتضار مؤلمة لآخر كتلة جليدية تُزين قممه !

... لو تعيد قصة (همنغواي) فصولها بعد قرن من الآن، لم يَعُد لأسمها (ثلوج كلمنجارو) من معنى، ولن تكون هناك ثلوجاً سيصلها النمر المرقط ليُثبت من خلالها أنه قد حقق المستحيل في السعي للعيش والحياة، ناهيك عما لو سيتواجد في تلك الفترة ولو ... نمراً مرقطاً واحداً !

هي البداية النهاية في مساهمتي هذه، سنوات قادمة سوف لن تجد فيها آلهة قبائل (الماساي) الأفريقية المنتشرة على سفوحه، ثلوجاً تباركها لتغذي بمياهها النقية الجنان حول الجبل وتحته، ولن تجد الآلهة من بُداً سوى مخاطبة الجبل وكأن الأمر بيده لتأمره ...

(قِ) ثلوجك سيد كلمنجارو من الخطر ... قبل أن يفوت الأوان !

 

 

× الغريب أن (همنغواي 1899 ـ 1961) الذي عالج في قصته الشهيرة (ثلوج كلمنجارو) الحالة النفسية لـ (هاري) قبل معالجته الحالة الجسدية له، وجعله يتماثل للشفاء، هو نفسه وقع بتلك الحالة، لتجده زوجته منتحراً برصاصة واحدة أطلقها على رأسه !

رأي في القصة (منقول بتصرف)

يعلق النقاد على قصة "ثلوج كلمنجارو" في معرض دراستهم حول آراء همنغواي في الأدب والعمل الأدبي فيقولون ..."إن الكتابة بالنسبة إلى همنغواي هي الحركة والانطلاق، هي العمل اليومي المنظم وإلا فإن الانهيار والسقوط هو مصير محتوم حتى لأكبر كاتب عبقري، ولنتذكر هنا مقطعاً من ثلوج كلمنجارو عن النمر الذي هلك ومات على القمة الشاهقة المغطاة بالثلوج، بعد أن تغلب عليها وأدركها، وهذه هي عقيدة الكاتب الإبداعية والحياتية.

إن المصير الذي حل ببطل هذه القصة هو مصير تراجيدي من حيث عدم اكتماله".‏

فهناك على القمة جثة متجمدة لنمر مرقط، وما من أحد فسر لغز وصول النمر إلى هذا الارتفاع وما الذي كان يبحث عنه، وحينما تدخل في أحداث القصة وتلتقي بشخصية بطلها (هاري) وقد استحال إلى جثة فتك بها المرض والعجز والضعف، يبرز النمر رمزاً للآمال الخيرة التي عجز هاري عن تحقيقها، لتبدو المسافة شاسعة فيما لو يموت (هاري) في الحضيض وبين موت النمر في القمة.‏

× قصة خفي حنين

حنين : اسماً لإسكافي

والخف : هو الحذاء الذي كانت العرب ترتديه بأقدامها

كان (حنين) إسكافيا يصنع الأخذية والخفاف،ويبيعها للناس. وفي ذات يوم جاءه

أعرابيّ ليشتري منه خفّين. لم يقبل الأعرابيّ المبلغ الذي عرضه حنين ثمنا للخفين، وأراد أن يساومه لينقص الثمن،

أطال الأعرابيّ المساومة

ثم انصرف من دون أن يشتري الخفين، فغضب حنين، وأراد أن يغيظه، وفكّر له في خدعة بها يسخر منه

ركب الأعرابيّ جَمله واستعدّ للعودة إلى قبيلته

فأسرع حنين إلى المكان الذي

سيمر منه الأعرابيّ، ووضع أحد الخفين وسط الطّريق،

وسار مسافة، ثمّ القى الخف الآخر في مكان أبعد قليلا

مرّ الأعرابيّ بمكان الخف الأول،

أوقف جمله، ونزل وأمسك الخف ونظر إليه متعجّبا

قال: ما أشبه الخف بخف حنين الإسكافي ... ياخسارة ماذا يفيد هذا الخف وحده!

لو كان معه الخف الآخر لأخذتهما

ترك الأعرابيّ الخف، وركب جمله، واستمرّ في طريقه حتى وصل إلى الخف الثاني

نزل الأعرابيّ من فوق الجمل وامسك الخف الثاني وقلّبه في يده وقال:

يا للعجب هذا الخف ايضا يشبه خفّ حنين تماما، يا لسوء الحظّ ! لماذا تركت الخف الاول ؟!

لو أخذته معي، لنفع الخفان واستفدت منهما،

فأسرع جرياً نحو مكان الخف الأول

وكان حنين يراقب الأعرابيّ عن قرب

فلمّا رآه قد مشى ليحضر الخف الأول أسرع وساق جمله بما عليه من بضاعة واختفى.

رجع الأعرابيّ يحمل الخف الثاني لكنه لم يجد جَمله

فعاد إلى قبيلته

تعجّب القوم عندما رأوا الأعرابيّ يرجع إليهم ماشيا على رجليه، وليس راكبا جمله.

سأله قومه: بماذا جئت من سفرك؟

فأجابهم عُدتُ بخفي حنين

ضحك القوم وسخروا من

الأعرابيّ الذي خاب مسعاه، وخسر جمله،

وظلّوا يرددون : رجع بخفّي حنين

الدخول للتعليق