• Default
  • Title
  • Date
الأحد, 06 شباط/فبراير 2022

لنجد تعبير اخر "للحرب على السرطان

  د تحسين السليم
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

‏Let's Find Another Metaphor for " The War on Cancer"
لنجد تعبير اخر "للحرب على السرطان "

أدناه ترجمة لمقالة نشرتُها قبل 15 عاماً في مجلة : أوقات علم الأورام ‏Oncology Times وقلبي يقول: ما أشبه اليوم بالبارحة
ولهذه المقالة قصة، كان رئيس معهدنا سيذهب الى فلوريدا ليرأس مؤتمرا وطنيا ل" الحرب على السرطان"! التقيته صدفة في الكافيتريا ونحن ننتظر وجبتنا ، قلت له لمَ تشّنون الحرب على السرطان" ؟ قال : " ولم لا ؟" قلت له: "انا عشتُ الحروب واعرف انها موت ودمار والام وأنتم ستجتمعون لهدف نبيل معاكس تماماً للحرب فلم هذا التعبير؟

تفاجأ الرجل وقال" لم اسمع من قبل كلاماً كهذا، سأطرح معاناة شعبك على المؤتمر واقترحُ نبذ تعبير " الحرب "على السرطان
ثم زارني في مكتبي واقترح ان اكتب مقالةً عن الموضوع لينشرها ففعلت ُ ونشرها في الدورية التي يرأس تحريرها في آذار ٢٠٧

قُلتُ في مقالتي

ولدتُ وترعرعتُ في بلدة جنوب العراق على ضفاف دجله من عائلة صابئيه مندائيه. كنتُ محميا بحلقة من أهلي وأصدقائي المقربين ، فنشأتُ طموحا ، مثالياً وساذجاً إلى حد ما عندما انهيت تدريبي وزمالتي في فيلادلفيا ، سارعت بالرجوع الى الوطن وعينت في كلية الطب جامعة بغداد.
هناك ، أنشأت مختبراً لعلم الأمراض النسيجي ( الهستوپاثولوجي ) وسجلا للأورام وبرنامج متقدماً لتدريب الأطباء في علم الأمراض
توسع سجل السرطان ليشمل القطر كله ، وعملتُ سكرتيرا لجمعية السرطان العراقية كما ساهمتُ بصوره فاعله في برامج التثقيف والوقاية من السرطان. في نهاية السبعينات بدأت الأمور بالتدهور السريع وفُككت المؤسسات الطبية والتعليمية بصوره منظمه . ثم اندلعت حروب داخلية ومع الجيران خلفت مشاهد مرعبة من الألم والمعاناة والموت والدمار.
وبعد حرب الخليج الاولى عدتُ مع زوجتي واولادي الى الولايات المتحدة تاركين وراءنا ممتلكاتنا ، سياراتنا وحتى مختبري الخاص
عملت بجهد كبير مع عائلتي وأولادي، وبدعم من كثيرين من الطيبين التقيناهم هنا، لنشّيد مثلا لامعاً لما يدعى "الحلم الأمريكي "
لكن ، وبرغم كل هذه النجاحات ما زال قلبي يغوص إذا سمعت كلمة " الحرب" في أي مقام قيلت . أظن أني أعاني مما يدعى طبياً
اضطراب ما بعد الصدمة ‏" post traumatic stress disorder" لذا يعتريني شعور مختلط إذ أسمع في نشرات الأخبار أو أقرأ في الصحف عن النجاحات في "الحرب "على السرطان وهي حقا نجاحات مهمة .لقد انخفض عدد الوفيات من السرطان لسنتين متعاقبتين هما ٢٠٠٥ و٦..٢ بالرغم ان السكان بدأوا يُسنّون ، كان هناك هبوط نسبي في معدل الوفيات من السرطان خلال السنوات الثمانية الأخيرة وبالتعاقب.( ملاحظة: نشرت هذه المقالة سنة ٢٠٠٧) .لقد حدث تقدم ملحوظ في السيطرة على السرطانات السائدة مثل الرئة ( عند الذكور) والثدي والقولون والبروستات.
من جهة أخرى ، هناك اخبار الحرب في العراق. أخبار مؤلمه جدا وصادمة لي شخصياً. ارى سيارات مفخخة تنفجر ، بيوتاً تحترق ورجالاً ونساء واطفالاً قتلى وجرحى في الشوارع ينقلهم كل من يستطيع وما يستطيع لأقرب مستشفى. ولا أتمالك نفسي إلا أن أفكر بقلق: إذا كانت الحرب تعني الموت والخراب فلم إذاً نشن "حرباً" على السرطان لتنقذ الأرواح؟
معظم السرطانات تنتج عن عوامل بيئية وممارسات شخصية. فأورام الفم و البلعوم والمريء والحنجرة والرئة في العراق مثلاً تنتج من التدخين وضعف العناية بصحة الفم والأسنان. أما سرطان المثانة فيتسبب من التدخين والبلهارسيا .سرطان "كابوسي" المنتشر في أفريقيا وسرطان الكبد في الشرق الأقصى وكذلك سرطان عنق الرحم تسببها فايروسات . اما فايروس EBV فيسبب أوراماً لمفاوية من نوع (بركت) في العراق والعالم الثالث كما يسبب أورام البلعوم الأنفي في الشرق الأقصى وكذلك يسبب لمفوما هودجكن. هذه الفيروسات تنتشر وتسبب السرطانات في هذه البلدان حيث الالتهابات المزمنة وسوء التغذية لكن كذلك عند المصابين بمرض نقص المناعة المكتسب (الايدز). من حسن الحظ تم تطوير لقاحات لفايروسات التهاب الكبد وعنق الرحم لكن مع الأسف لا توجد لقاحات للإيدز او ال EBV
لحد الان .
ملاحظة : منذ ذلك الحين تم تطوير عقاقير ناجحة للسيطرة على مرض الايدز لكنه ما زال مستشرياً في البلدان الفقيرة

البكتيريا "الغازية " ايضاً تسبب السرطان حول العالم وجرثومة مثل H.Pylori . ذات علاقه وثيقه بسرطان المعدة واللمفوما . ومع الأسف تزايد سرطان القولون في الكثير من بلدان العالم الثالث التي بدأت تقتفي النظام الغذائي الغربي المرتبط بهذا السرطان. فإذا سيطرنا على الفيروسات والبكتريا والطفيليات المسببة للسرطان وإذا ثقفنا الناس للتخلي عن الممارسات الضارة بالصحة ، فهل سنحتاج ل" حرب ضد السرطان" ؟

خلايا السرطان ليست " غزاة أجانب " إنما هي من خلايانا وتملك نفس جيناتنا ولكنها تستعملها بصورة أذكى نوعاً ما . لقد تَعـلمت خلايا السرطان كيف تعيش في بيئة صعبة و معادية لها كما يبدو أنها اكتشفت سر الخلود أيضاً . لكن...
ألم يبحث الإنسان عن سرّ الخلود منذ عهد گلگامش؟
وعندما ينجح السرطان في غزو الأنسجة المجاورة وينتشر بعيدا، فالشفاء يصبح صعب المنال. عندها نحتاج ان "نشنَّ حربا" لا هوادة فيها وبالحرف الواحد فلكي تتخلص من خلايا السرطان قد نضطر أن نلجأ لكل الأسلحة المتوفرة؛ كيميائية ، نووية وحتى بيولوجية

ملاحظة : كتبت المقالة قبل تطور العلاج المناعي خلال العقد الأخير

وتبقى ماهية الخلايا الجذعية ( الخلايا الأم للسرطان) تبقى غير معروفة ولا نعلم أين تتواجد .وحتى تكشف البحوث أسرار الخلايا الجذعية، يبقى التشخيص المبكر مهمٌ جداً . وأحسن سلاح بعد تشخيص السرطان المبكر هو السلاح السحيق في القدم الا وهو ( السيف) أي قطع النسيج السرطاني تماما وما حوله من أنسجة غير سرطانية . وفِي هذه " الحرب" ضد السرطان يحدث الكثير من الضرر " الجانبي" . عدا عن المضاعفات المباشرة والمتأخرة ، في الحقيقة ، لا توجد دراسات عن نوعية حياة المرضى الذين يعيشون بعد العلاج ومعاناتهم. معظم الدراسات حتى الآن تتحدث عن المضاعفات ولا تتحدث عن نوعية الحياة بعد العلاج . قد لا يكون نمو السرطان وانتشاره معتمداً على خلايا السرطان وحدها بل يبدو أن هناك الكثير من "المتواطئين " الذين " تجندهم " من الخلايا الغير سرطانية مثل السدى Stroma , الأوعية الدموية الجديدة و الخلايا اللمفاوية المُنَظّمة Regulatory T cells .تقوم الخلايا التائية المنظمة بمنع الخلايا اللمفاوية التائية السامة والخلايا القاتلة الطبيعية Cytotoxic CD8 T lymphocytes and Natural Killer NK cells من الوصول للسرطان وتدميره .

أثمر التعاون بين المؤسسات العلمية والشركات الدوائية نجاحاتٍ متميز بتطوير و إنتاج عقاقير لتحوير الخلايا المحيطة بالسرطان لغرض السيطرة عليه . وجد العلماء أن خلايا السرطان تفتح جينات النمو وتغلق جينات وقف الانقسام والموت الخلوي المنظم
Apoptosis عملية الغلق والفتح هذه تتم في الأغلب بإضافة جذر المثيل في العادة ونعلم الآن أن هذه التغيرات
الجنب جينية Epigenetic قد تمثل بداية السرطنة . تم تطوير وإنتاج عقاقير مزيل لجذر المثيل HypoMethylating Agents نجحت في مداواة سرطانات مختلفة و"ترويض" خلايا السرطان حتى لا تستمر بالانقسام والنمو، بدلاً من قتلها

أعتقد أن خلايا السرطان خطيرة لأننا لا نفهمها . الدراسة المتعمقة لهذه الخلايا قد تكشف اسراراً عجيبة عن الماكينة البيولوجية التي تحرك حتى خلايانا الطبيعية

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014