طباعة هذه الصفحة
الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013

غضبان رومي الناشي .. المعلم الاول في العمارة

  جبار عبد الله جويبراوي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

 لم يسبق لسكان قلعة صالح- مسلمين ومندائيين- ان اقاموا احتفالا ضخما كالاحتفال الذي اقاموه عندما توجهوا بالسفن والزوارق الى منتصف الطريق النهري الذي يربط القلعة بالعمارة في مقاطعة المزارع الكبير داود الحميد، وذلك في انتظار ابنهم البار المعلم الجديد غضبان رومي الناشي الذي قفز من السفينة التي كانت تقله الى الشاطىء وهو يبكي فرحا، ويقبل ايادي الشيوخ الذين تجشموا عناء السفر من اجله ويشد بقوة على ايدي مستقبليه ويعانقهم بشوق وحرارة. لاشك ان المسيرة الشبابية لهذا الرجل كانت حسنة جدا، والا فكيف يستقبل بهذه الحفاوة وهذا التكريم، وهو لما يزل في مقتبل العمر، ولم يتعد عقده الثاني بعد.

 كان ذلك في عام 1923 وهو العام الذي باشرت فيه مديرية معارف منطقة البصرة افتتاح عدة مدارس في العمارة، لان العمارة كانت واحدة من ثلاث مدن تكوّن منطقة البصرة آنذاك. 

اجا كان غضبان اول المرشحين الذين وقع اختيار مديرية المعارف على تحملهم المسؤولية التربوية في مركز مدينة العمارة، فكان لها ( ابو يحيى) وهو المعلم الذي افتتح مدرسة الكحلاء- الامام الصادق في ما بعد عام 1923، والمدرسة الشرقية- فيصل الثاني- - الوثبة- في ما بعد عام 1925، ومن هناك تألق نجمه وصار علما يشار اليه بالبنان فاسندت اليه عدة مسؤوليات تربوية ومهنية اذ اسس جمعية للمعلمين عام 1926 وكانت باكورة اعماله فيها القاء محاضرة قيمة عن تاريخ مدينة العمارة في العهد العثماني. ومن يقرأ تلك المحاضرة يتنبأ بامكانية هذا الباحث، وهو يحلل الاحداث التاريخية، ويضع النقاط على الحروف فيما يكتب. فقد اشار الى السياسة التعسفية التي مارسها العثمانيون الغزاة ضد ابناء شعبنا في مدينة العمارة، ولمح بطرف خفي الى خطط الاستعمار الانكليزي البغيض الذي احتل مدينتنا بعد هزيمة الاتراك في الثالث من حزيران عام 1915 . 

سكن غضبان مركز العمارة، وتطلع الى حالتها الصحية، فوجدها تحتاج دعما، لذلك شمرّ عن ساعديه، واسس دارا للصحة في متوسطة العمارة الفتية، فكان موضع اعجاب وفخر، وطار صيته الى العاصمة بغداد، فتوالت الوفود الصحية على مدينة العمارة، وزاره مدير الصحة العام وامر بالتحاقه بالمستشفى الملكي لتلقي دروسا في الصحة العامة، ومعرفة مسببات الامراض، وطرق الوقاية منها. وما ان اكمل دورته حتى صار يشد الرحال ايام العطل الرسمية الى القرى والارياف النائية، وهو يرشد الناس الى الوقاية من الامراض، ويدعوهم الى زيارة المؤسسات الصحية لاخذ العلاج المناسب. 

قد يتصور المرء ان هذا الرجل سيتوقف عند هذا الحد من النشاط الانساني، فقد زار قلعة صالح في مطلع الثلاثينيات وفد كشفي من المانيا وكان غضبان على رأس المستقبلين رافقهم في عدة جولات سياحية، الى المجر الكبير والكحلاء وعرض عليهم كرم العراقيين وقيمهم الاخلاقية العالية، فترك ذلك انطباعا حسنا في نفوسهم، عبروا عنه برسائل بعثوها اليه باعتباره الكشاف الاول في قلعة صالح والتي افتتح فيها فيما بعد ناديا هو الاول من نوعه حيث جعل منه تجمعا ثقافيا للشبيبة والشباب، وكانت المحاضرات التي يلقيها فيه تنشر على صفحات الصحف المحلية في مدينتنا. 

كل هذا وغضبان منذ الثلاثينيات كان يرقب بعين ثاقبة كالعقاب، الباحثة الانكليزية ( الليدي دراور) وهي تجمع المعلومات عن الصابئة المندائيين في العمارة وضواحيها وهو لم يتدخل في شؤونها ولم يعترض على كل ما تكتب وتسأل، وهو عالم علم اليقين في ما تكتب وتسأل، حتى اذا ما انجزت كتابها البكر آنذاك، طار به شوقا يقلب صفحاته ويدعو واحدا من ابناء طائفته اليه وهو المربي القدير نعيم بدوي ليمنحه شراكة في ترجمة الكتاب الى العربية. فكان بحق واحدا من امهات الكتب التي اعتمدها الباحثون في الاطلاع على الديانة المندائية

 

 

الدخول للتعليق