• Default
  • Title
  • Date
الجمعة, 19 نيسان/أبريل 2013

خيال وعلوم وافكار افتراضيه لسبر اغوار كرتنا الارضيه‏

  سلام جاني الناشئ
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

مع فنجان الشاي وصديق قديم تحلو الذكريات. ألتقيته مصادفة بعد غيبة طويلة صديق حميم من اصدقاء ألطفولة والصبا والشباب وفي احدى مقاهي المدينة في ركن هادئ جلسنا نتحدث عن اجمل ايام حياتنا حين كانت ألضحكة لا تفارقنا وقلوبنا متفتحة للحياة كزهرات الربيع.

تحدثنا عن كل شئ عن مغامرات ايام الصبا عن نجاحنا وتفوقنا في الدراسة وكيف كنا حينها شغوفين بمشاهدة ألافلام السينمائية عندما كانت دور السينما في بغداد تمثل مركزا من مراكز الثقافة والمعرفة كسينما الخيام وسميراميس والنصر وبابل وفيها شاهدنا اروع ما انتجته هوليود من روائع القصص العالميه ذهب مع الريح الحرب والسلام لمن تقرع ألاجراس الغروب الاخير الشيخ والبحر وغيرها الكثير من الافلام التي اثرت على سلوكنا وعقلياتنا بالاتجاة الصحيح. ومع هذه الجمهرة من روائع افلام هوليود لم تكن تفوتنا فرصة مشاهدة افلام الخيال العلمي والتي كانت تستهوينا ونحن في ريعان الشباب ولكن واحدا منها ترك اثره ألبالغ في ألنفس والعقل لحد أليوم . انه فلم رحله الى باطن الارضد(1959) والذي عرض في سينما الخيام عام1961 هذا الفلم مبني على قصة للكاتب الفرنسي جول فيرن كاتب روايات الخيال العلمي.

 

أن ألذين توترت اعصابهم مع فيليس فوك في رواية حول العالم في ثمانين يوما والذين ارتجفوا وهم ينزلون في غواصة الكابتن نيمو في رواية عشرين الف فرسخ تحت الماء والذين حبست انفاسهم مغامرات ميشيل ستروجوف في رواية رسول القيصر والذين غرقوا في الحسابات المعقده مع ميشيل وان لمعرفة هل بالامكان الوصول الى القمر عبر فوهة مدفع كل هؤلاء يعرفون جيدا الاديب الفرنسي العبقري جول فيرن صانع الاحلام وبالرغم من ان جول فيرن قد جال في رواياته شتى اصقاع الارض ونفذ الى باطنها ورحل الى القمر وغاص في اعماق المحيطات لكنه كان يحلم دوما ان يكون احد الكتاب المرموقين في فرنسا ساعيا طوال حياته في اتجاه الاحتراف الادبي فمنذ بداياته وقبل ان يكتب قصص المغامرات ونصوص الخيال العلمي كان قد انفق سنوات طويلة في كتابة الشعر والمسرحيات والاختلاط بكبار فناني وكتاب عصره املا ان يحسب واحدا منهم غير ان السنوات مرت وسجل كتاباته يزداد دون ان يحقق ذلك الحلم الا ان الاوساط الادبية اعترفت لاحقا بان جول فيرن كان اديبا كبيرا بل ان ثمة دارسين يرون في واحدة من اولى رواياته الكبرى اجواءا ادبية رائعة. وهذه الرواية هي رحلة الى باطن الارض وكعادة جول فيرن في رواياته ونصوصه التي تلت هذه الروايه ان تكون ذات بداية هادئة يغلب عليها الطابع العلمي وتدور في اجواء عائلية لا تخلو من تشابكات عاطفيه قبل ان تتبدل الامور بفعل مفاجاة علمية معينة تبدأ هذه ألرواية بهذه السطور.


كان ذلك في يوم ألاحد الرابع والعشرين من مايو عام 1863 حين اندفع عمي البروفسور ليدنبورك الى منزله الصغير رقم 19 الكائن في شارع كونيش بمدينة هامبورك في المانيا في هذه الدار يعيش العالم الاستاذ ليدنبورك منكبا على دراساته الجيولوجيه في عالم المعادن والمناجم يساعده في ذلك قريبه الشاب المثابر اكسل واكسل هذا نراه منذ البداية مولعا تلميذة صبية تدرس مع البروفسور وهي الحسناء غراودن وكان ممكنا ان تستمر الحال على هذه الشاكلة لولا ان شيئا ما حدث ذات يوم غير مسيرة الاحداث التقليديه للحياة حين سقطت من باطن احد الكتب القديمة مخطوطة فريدة من نوعها وما ان يتفرس البروفسور في تلك المخطوطه حتى يتبين له انها نص يعود الى احد الكيميائيين الذين عاشوا في القرن السادس عشر يدعى ارني ساكنوزم يكشف فيها عن وجود ثغرة في حفرة بركانية تدعى ستيغلر تقع في ايسلندا يمكن من خلالها الوصول الى مركز الارض.


للوهلة الاولى يبدو الامر غير قابل للتصديق غير ان شيئا ما جعل البوفسور يتاكد ان هذه الوثيقة حقيقية لذلك يقرر المغامرة ويبدأ التحضير لرحلته الى باطن الارض وما الرواية كلها سوى حكاية هذه الرحلة التي تحبس على القارئ انفاسه اذ ان المسار شاق

غريب يتارجح بين اسمى ايات الجمال واقصى درجات الخطر وهو ياتي حافلا بالاحداث المتوالية التي يصفها لنا فيرن فصلا بعد فصل باسلوبه المشوق المثير والذي تختلط فيه سيكولوجية رد فعل الشخصيات مع عنف الاحداث وغرابتها وهكذا صفحة بعد صفحه يطالعنا ضياع اكسل ثم ضروب العطش التي تصيب المغامرين واجتياز ذلك البحر الداخلي الرائع الذي تضيئه مصادر كهربائية مجهوله وتنمو على حافاته نباتات عملاقة .ومن الازمان القديمه تاتي حيوانات كان يخيل الى العالم انها انقرضت منذ زمن بعيد ليخوض المغامرون معها صراعات عنيفة وباستمرار خط الرحلة تتزايد الصراعات مع ظواهر الطبيعة الداخلية التي تجابههم مثل العواصف والهزات والزلازل وانواع الطوفان المائي ومع كل هذه الاحداث نرى البوفسور يحقق اكتشافات علمية خطيرة وما ان يحطوا رحالهم لغرض الراحة حتى تتزلزل الارض تحت اقدامهم وتنهار الصخور الكبيره لتسد عليهم مسار الرحلة وبعقلية البروفسور الخلاقه يستطيع ان يحرك هذا الجبل الكبير من الصخور بواسطة تسونامي هائل يحدثه في اعماق البحر الممتد على طول خط الرحله والذي يقذف بالمغامرين في النهاية خارج فتحة بركان سترومبولي في البحر الابيض المتوسط.


ان كثيرا من دارسي اعمال جول فيرن يرون ان رواية رحلة الى باطن الارض هي من افضل رواياته جميعا وقد لا تبادلها في جمالها وقوة سردها سوى روايته الاخيره منارة في اخر العالم ومهما يكن فان من الملاحظ هنا هو ان هذه الرواية المتميزة التي كتبها عام 1828 تدور احداثها في مكان نائي من الكرة الارضية ولم يكن ذلك غريبا على روائي عانق بفكره جميع الاماكن من الارض وصولا الى القمر ان الفرضية التي استند اليها جول فيرن في روايته تعتمد على فكرة قديمة وهي ان الارض مجوفه من الداخل وان الدخول اليها ممكنا من فتحتين عظيمتين موجودتين في القطب الشمالي والجنوبي قطر كل منهما 400 ميل تسمحان بالسفر بين العالمين الخارجي والداخلي للارض وتقول الفرضية ان باطن الارض هو كما في السطح يمكن العيش فيه وان في الداخل جبالا محيطات وغيوم بل وحتى شمس صغيره فكرة الارض المجوفه تعتمد على اساطير قديمه من حضارات شتى تزعم ان هناك اقواما من البشر بنوا حضارات مزدهره في باطن الارض والفكرة لها ارتباط قوي بالامكنة القديمة الاغريقية السفلى والجحيم المسيحي الكائن في مكان ما تحت الارض ومملكة اغارثا الاسطوريه والتي تشير النصوص البوذيه القديمه الى انها موجوده في اعماق الارض وهناك من يشير الى ان الكوارث الطبيعيه والحروب التي شهدتها الارض في بعض الاوقات دفعت بعض الشعوب القديمه الى الاحتماء بباطن الارض طلبا للامان مثل شعب قارة اتلانتس المفقوده والقبائل اليهوديه العشر الضائعه وشعب المايا الذي اختفى نهائيا من الارض في ظروف غامضه.

باطن الأرضالحقيقة ان لا احد يعرف على وجه اليقين ما الذي يحويه باطن الارض. يقول احد الكتاب لا تصدقوا ما قاله جول فيرن وانصار نظرية الارض المجوفه فان باطن الارض ليس بمكان مضيافا على الاطلاق الا اذا كنت تحب ان تجلس داخل فرن متفجر فالضغط في النواة
الداخلية للارض رهيب جدا ويعادل اربعة ملايين مره الضغط على سطحها ودرجة الحرارة يمكن ان تتجاوز 11000 درجة فهرنهايتيه اي اكثر من حرارة سطح الشمس الشئ المؤكد ان الناس يميلون بطبيعتهم الى تكييف المعتقدات الدينية والحكايات الفولكلورية كي تتفق مع رؤيتهم للعالم وفرضية الارض المجوفة بالرغم من فنتازيتها يدحضها العلم الحديث. الا ان الجانب الايجابي في فكرة الارض المجوفه انها الهمت خيال الانسان وانتجت عددا من الاساطير وقصص التصوف الديني على مدى قرون وما تزال مادة خصبة لكتاب روايات الخيال العلمي.

ولنترك الكلمة الان لعلماء الجيولوجيا والجغرافيه ليحدثونا عن الواقع العلمي لباطن الارض يشمل باطن الارض كل ما يقع تحت سطح القشرة الارضيه وما زال العلم عاجزا عن اعطاء معلومات دقيقة عنه وتقل هذه المعلومات كلما ازداد العمق باتجاه المركز وكل المعلومات المتوفرة عن باطن الارض مبنية على الاستدلال والاستنتاج من الموجات الزلزالية والنشاط البركاني وقوانين الجاذبية اما المعلومات المبنية على القياس والملاحظة فتنحصر في قشرة الارض والليثوسفير اما عن الحرارة المؤثرة في باطن الارض فمن الثابت انها تتزايد كلما اتجهنا من السطح باتجاه المركز وقد دلت الملاحظات التي اخذت اثناء عمليات حفرابار البترول ان المعدل التقريبي لهذا التزايد هو 32 درجه مئويه كلما زاد العمق بنحو كيلومتر واحد ولكن ليس من الثابت ان المعدل في هذا الارتفاع بدرجات الحراره سيكون طرديا كلما زاد العمق لكن من المؤكد علميا بان الضغط يزداد وان ازدياد الضغط سيولد بالنتيجة ازيادا في درجات الحراره بموجب قوانين الفيزياء وقوانين الثرموداينمكس وتعتبر شدة حرارة اللافا المنصهره التي تخرج الى السطح اثناء الثورات البركانيه دليلا قويا على شدة حرارة باطن الارض.

اما موضوع سيولة باطن الارض او صلابته فعلى الرغم من ان الحمم التي تطلقها البراكين تكون منصهرة فان معظم الباحثين يميلون الى الاعتقاد بان مواد باطن الارض في جملتها شديدة الصلابة وذلك لان الضغط الهائل المسلط على تلك المواد ودرجة الحرارة الكبيره يتجاوز كثيرا درجات انصهارها مما يؤدي الى بقاء تلك المواد في حالة الصلابه.

وبعد كل هذا الشرح والتفصيل لا اعتقد ان احدا منا يغريه ان يرحل الى باطن الارض حيث الجحيم المستعر ولو كان جول فيرن على علم بهذه النظريات لما تجرا وانزل هؤلاء المساكين الى هذا الاتون ويبدو ان دانتي كان على دراية تامة بما في باطن الارض لذا فقد رمى كل الخاطئين في جحيم الكوميديا الالهيه والان لنتنفس الصعداء اننا على سطح هذه الارض الجميله ولنرتاح من عناء هذه السفرة المرعبة في ان نستمتع بهذه المناظر الخلابة لارضنا.

 

 

 

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014