• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2013

دولمه عراقية

  عبد الإله سباهي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

يحكى أنه كان يعيش في محلة الفضل في بغداد ، أحد " الأشقياء " وكان هذا الرجل تثيره كلمة " دولمه " إلى حد ارتكاب جريمة القتل بكل من يقول له تلك الكلمة ، وقد تكون له مبرراته فقد ارتبطت تلك الكلمة بمسائل تخص شرف العائلة. 

جلس صاحبنا يوما في إحدى مقاهي الفضل والتي كانت تعج بالزبائن من أمثاله وقد عمر رأسه " بعرقجين " أصفر مخطط " طاقية " ورمى " الجراوية " "أي الكوفية "على كتفه واضعا رجل على رجل ولباسه الأبيض الطويل ظاهر من تحت الصاية الرصاصية ، وشواربه برمت إلى الأعلى على شكل عقرب . وكان مشغولا بجد في تحريك حبات السكر التي في استكان الشاي حامض .

ارتفع صوت من أحد أركان المقهى مناديا : بصل مثروم .أجابه صوت آخر لحم مثروم أجابه ثالث تمن منقع وآخر باذنجان محفور. واستمرت الأصوات تعدد مكونات الدولمه وعندما وصل الصوت الذي يعلن عن ورق العنب أنتفض صاحبنا غارسا سيكنه " أم الياي " وسط المنضدة صارخا : أريد أشوف من راح يلفها ؟.

 

الأشقياء اليوم يحتلون المناطق الخضراء وعقدتهم كلمة اسمها وحدة العراق ولهم مبرراتهم أيضا فالمسألة تخص مشروع الشرق الأوسط الكبير وتخص إسرائيل الكبرى . 

زبائن الأحزاب السياسية لا يتورعون عن تعداد مكونات هذا العراق . لا بل راحوا يبحثون عن مندوبين لهم في كل عشيرة وفخذ وعائلة لا بل وفي كل دين وكل مذهب . وخاضوا في الأقوام واللغات حتى المندثرة منها . ووصل بهم الأمر إلى النوادي الفنية والرياضية والاجتماعية . وبحجة الديمقراطية وحق تقرير المصير راح كل فريق يبحث عن جده العاشر أو العشرين أين سكن وبماذا نطق ليأخذه الحجة والسند القانوني في إقامة دولته ثم يصبح ملكا عليها .اليست هذه الديمقراطية الجديدة التي أرادها لنا بوش ؟. راح النسطوريون اليعاقبة في المطالبة بدولتهم وعاصمتها مدينة ( برطله أو كرمليس ) وهذا حقهم طبعا وفق معاهدة جنيف . وطالب السريان بالموصل وهذا حقهم أيضا وراح الأخوة الشبك في تخطيط مدينة (أسكي كلك ) أو مدينة "شاقولي" وربما مدينة " خزنه " لتكون عاصمة لهم أما الأكراد الأصليين وأقصد بهم اليزيديين فقد حاروا بين مدينتي ( بعشيقه ) أو( تل بنات) من ستكون العاصمة ؟ أما الاشوريين فقد رأوا في ( بالا وصبنه وبرواري ) مدنا ملائمة لتكون عاصمة الدولة الآشورية . ومن ينكر عليهم ذلك ؟ أما الكلدانيين فقد أصر قسم منهم على أن تكون مدينة "تلكيف " هي العاصمة بينما راح قسم آخر يصر على أن تكون مدينة " القوش" العاصمة وراح البهائيون يطالبون بالسليمانية أو سيد صادق أما أهلنا الأرمن فقد اكتفوا بكركوك عاصمة لهم ليبنوا فيها كنيسة تضاهي كنيسة اجميازين العتيدة . وقد مل أهلنا ذوي ( الجمداني الأحمر ، أي الكوفية الحمراء) مدينة كلاله ووجدوا قلبهم يرنو إلى كركوك ربما حبا بإخوتهم التركمان والذين لا يعرفون لهم وطننا غيرها . وأولاد العمومة ( الفيليين ) قد اكتفوا بخانقين ومندلي وإن كان بعضهم يصر على أن تكون مدينة (بدره أو جصان ) هي العاصمة كون هواءها عليل وتمرها رائع وقسما منهم يرى أن علي الغربي هي الأفضل فهي الأقرب لمنابع النفط . وقد أصر النصيرية علي أن تكون عانه عاصمة لهم واشترطوا إعادة أعمار نواعيرها وإجبار أهل راوه بالانضمام إلى ملكهم . وراح المندائيون يطالبون ببابل كعاصمة لملكهم وحق لهم . فقد كانت عاصمة أجدادهم . وقامت ضجة بين عشائر الفرطوس وبني مالج ( بني مالك ) بعد أن بدأ الماء يشق طريقه وسط الأهوار وسرى لهيب تلك الضجة بين البهادله والسودانيين والبو محمد مما دفع جنانه ( كنانه ) أن تتدخل وتطالب في حدود ملكهم الجديد وراحت عشائر شمر تصر على أن يكون النشيد الوطني من وحي البادية بعد أن أصبح التاج لها ولا يزال الصراع قائم بين العزة والعبيد حول مدينة سراجق ودلي عباس أما (السادة) فخمس جدهم مضمون وكما يقول المثل العراقي (ميهم بالصدر ) فالنجف مضمونة وكربلاء في الجيب ولكنهم يصرون على أن تكون مدينة (خلف السدة )عاصمة لهم فراحوا يطلقون عليها الألقاب حتى قبل أن تثبت ملكيتها بشكل رسمي فدوائر التسجيل العقاري لا تستوعب هذا الكم الهائل من المعاملات . فبعد أن كرم المرحوم عبد الكريم قاسم ذلك الحي من بغداد وبناه وجعله (مدينة الثورة ) بعد أن كانت بيوت بائسة وسط المستنقعات الآسنة عشنا فيها في أيام "المرحوم" نوري السعيد وأظنها ( وإن بعض الظن إثما ) تدعى الآن بمدينة الصدر ويبالغ البعض بتسميتها "المدينة المنورة" أحيانا .رحم الله أيام زمان !. لقد وصل ببعظهم الأمر أن يطالب لنادي الزوراء الرياضي بأراضي في الكرخ تمتد من الجعيفر إلى الرحمانية ولنادي القوة الجوية بملعب الكمشافة والنادي الأولمبي وقسما من الأعظمية وحتى أن (الجالغي البغدادي ) لا يزال معتصما في الصالحية كونها إرثا له بعد أن تقاسم الجميع المقرات والنوادي ولم تحصل رابطة المرأة المسكينة إلا على دار الأزياء العراقية وجزء صغير من شارع فلسطين !. ويعذرني من لم أذكر دولته .

اثرموا وقطعوا العراق كما تشاءون ولكن من سيجمع هذا العراق ليكون وطننا للجميع ؟ والسفير (نيكروبونتي والحكومة " الحوك ") يمسك سكينته جالسا على قلب بغداد الأخضر . عقدته وحدة العراق فراح " يوزع الحرية للشعوب" بالعدل ( تريد أرنب أخذ أرنب تريد غزال أخذ أرنب ).

لا أعرف ماذا سيفعل كوفي عنان لو أن الجميع طالبوا في مقاعد لهم في الأمم المتحدة . لا بل أنظر ماذا سيحل به لو أن القوميات التي في الصين تحذو حذو العراق الدمقراطي ( ويقال أن عدد الكبيرة منها أربعة آلاف ) وتحذوا حذوها الهند وغيرها . وسيكون لكل دولة جديدة حدود وجيوش . وتصور انك إذا أردت السفر من البصرة إلى دهوك عليك أن تحصل على عشرين ( فيزه ) وتخلص أوراق الباسبورت قبل أن تعود إلى البصرة .؟!

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014