• Default
  • Title
  • Date
الخميس, 25 نيسان/أبريل 2013

اين مكان الثقافة العراقية في هذا الواقع المرير؟

  همام عبد الغني
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

تعتبر الحركة الثقافية , بمختلف فروعها , في كافة المجتمعات , واحدةً من قمم البناء الفوقي لحركة تطور تلك المجتمعات , حيث تعكس المستوى الحضاري والتقدم الذي يحرزه مجتمع ما , خلال مسيرته التاريخية . وقد مرت الثقافة العراقية بمراحل مختلفة من التقدم والتراجع خلال عقود القرن الماضي , منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة وحتى اليوم , حيث انتهاء العقد الأول من القرن الحادي والعشرين .

ففي العهد الملكي , كانت الثقافة العراقية بمختلف فروعها الأدبية والفنية والعلمية , ذات طابع وطني وتقدمي معارض , رغم التضييق الكبير الذي مارسه النظام الملكي عليها , إلا ان روح التحدي والمواجهة في النشاط الثقافي بكل ابوابه وفروعه , كانت هي السائدة , حيث الحركة المسرحية المناضلة , وباقة الشعراء والأدباء الكبار , الذين انحازوا الى حركة شعبهم الوطنية وتطلعاته نحو الحرية والسعادة . وبالقابل لم يسجل تاريخ تلك المرحلة اي انجاز ثقافي مهم , وعلى كافة الأصعدة للنظام ومثقفيه, حيث فرض الشعب عزلة تامة على فكر النظام وثقافته المتردية , التي هي انعكاس واضح لطبيعة ذلك النظام العميل شبه الأقطاعي القائم آنذاك , وقد تجلى ذلك بأروع صوره , صبيحة الرابع عشر من تموز 1958 , يوم هب الشعب المعبأ سياسياً وثقافياً لمساندة الثورة وقطع الطريق على اي تحرك مضاد لها .

وخلال الفترة من 14 تموز 1958 وحتى 8 شباط 1963 , ورغم انطلاق الفكر التقدمي في كل مجالات الحياة الفكرية والسياسية والأجتماعية , إلا ان تشابك الأحداث , واستهداف الثورة ومنجزاتها و منذ لحظة ولادتها , وتفجر الصراعات الفكرية والسياسية , بين الأحزاب والقوى السياسية والتيارات الفكرية , قصر عمر الثورة الوليدة , الذي لم يبلغ الخمس سنوات , مفعمة بالحداث والصراع , لم تتح للحركة الثقافية العراقية الفرصة الكافية لاستيعاب التغيرات المتسارعة وتحويلها الى بناء ثقافي رصين يجسد تلك المرحلة . ةلهذا لم نرَ في تلك الفترة ملامح واضحة لهذه الحركة , وسادت ثقافة التخندق والتمترس خلف الحركات السياسية المتصارعة , اي سيادة الثقافة السياسية إن صح التعبير .

بعد انقلاب شباط المشؤوم عام 1963 , وخلال فترة التسعة اشهر التي انفلت فيها اوباش الحرس القومي وحثالات المجرمين , فإن ثقافة الموت هي التي سادت ولم يسلم من مثقفي تلك المرحلة حتى العالم الجليل عبد الجبار عبد الله رئيس جامعة بغداد , البعيد عن الصراعات السياسية , ناهيكم عن قادة الحركة الوطنية , إلا من تمكن من الأختفاء او عبور الحدود ناجياً بجلده . ولم يسجل تاريخ تلك الأيام السوداء, اي نشاط ثقافي على كافة المستويات , وكان نعيق الحاكم العسكري العام وسياسة " سحق العظام " و " قطار الموت " هو كل ما خلفه الأوباش يوم سقوطهم , على يد شريكهم في الجريمة و يوم 18 تشرين الثاني 1963 .

وفي فترة حكم الأخوين عارف , ورغم الهدوء النسبي , خصوصاً خلال فترة المرحوم عبد الرحمن عارف , فقد انكمش الكثير من مثقفي الشعب العراقي و من بقي منهم على قيد الحياة , ولم تشهد تلك الفترة أي نشاط ثقافي واضح , لأن قادة النظام , لم يدخلوا في برامجهم او خططهم اي اهداف ثقافية تذكروعاد البعثيون الى السلطة في تموز1968 , محاولين الظهور بمظهر جديد , وتمكنوا من خداع الكثيرين داخل وخارج العراق , بالرغم من انهم ابتدأوا عهدهم الجديد , بالأنقلاب على شركائهم في الأنقلاب , عبد الرزاق النايف وابراهيم عبد الرحمن الداود, فكان هذا مؤشراً خطيراً لحقيقة هؤلاء لم ينتبه له الكثيرون مع الأسف , واتخذوا عدد من الأجراءات الأيجابية للتقرب من الشعب الذي كان رافضاً لعودتهم , فأطلقوا سراح السجناء السياسيين , ضحاياهم في عام 1963 , وأعادوا المفصولين السياسيين الى وظائفهم , ومارسوا سياسة ذات وجهين , ففي الوقت الذي انفتحوا على الأتحاد السوفياتي , واعترفوا بجمهورية المانيا الديمقراطية , وألغوا المادة الثالثة من القانون رقم 80 لسنة1961 , ودخلوا بمفاوضات مع شركات النفط الأحتكارية انتهت بتأميم النفط في 30 حزيران 1972 , وفي الوقت الذي فتحوا حواراً مع قيادة الحزب الشيوعي العراقي , انتهت بعقد ما كان يسمى " الجبهة الوطنية والقومية التقدمية " , واصدروا بيان 11 آذار لحل المسألة الكردية , نفذوا حملة اعدامات كبيرة بحق عدد من العسكريين بتهمة انتمائهم للحزب الشيوعي العراقي , وسبقوها بحملة دموية ضد الجزء المنشق من الحزب الشيوعي العراقي " القيادة المركزية " . وفي هذه الفترة بالذات , بدأوا بسياسة " تبعيث " كل شيئ و بالتراجع والأنقلاب على بيان 11 آذار , وتوجوا ذلك بمحاولتهم الأجرامية لإغتيال قائد الثورة الكردية المرحوم مصطفى البرازاني , ورضخوا لشروط شاه ايران بتوقيع اتفاقية الجزائر , وبعدها بدأوا بالإنقلاب على الجبهة الوطنية والقومية التقدمية , إبتداءً من اواسط السبعينات حيث بلغت ذروتها عام 1978-1979 , بتصفية تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي , وتصفية قيادة حزب البعث نفسه , على يد صدام وزمرته . وخلال هذه السنوات شوهت الثقافة العراقية وحوربَ المثقفون التقدميون , وحتى مهرجان المربد الشعري الذي كان يحضره الكثير من الشعراء العرب , جرى توجيهه باتجاه تمجيد القائد وحصل الشيئ نفسه لمهرجان بابل السنوي وحوصر الفكر المغاير لفكر حزب البعث . ومع بدء الحرب العراقية الأيرانية , جرى توجيه الثقافة والأعلام لصالح الحرب والعدوان وتصفية كل الخصوم بحجة حماية الجبهة الداخلية ....وهكذا طُمس الوجه الأنساني والتقدمي للثقافة العراقية , وسادت ثقافة عبادة الفرد والثقافة المخابراتية وشراء الذمم , بل وصل الأمر الى شراء ذمم العديد من الأعلاميين والمثقفين العرب في عدد من الدول العربية , وحتى في زمن الحصار , وقد فضحتها كوبونات النفط بعد السقوط .
لقد اثار استغرابي , قول احد الأصدقاء التقدميين , ان مرحلة السبعينات هي الفترة الذهبية للثقافة العراقية! ولست ادري بالمقارنة مع اي فترة من فترات التاريخ العراقي؟ وهل كانت هذه الفترة الذهبية من عيار 10 قيراط ام 21 قيراط , أم انها سبيكة نحاس بطلاء ذهبي ؟ وهذا هو الأرجح .

وسقطت الدكتاتورية تحت اوزار جرائمها وحروبها وعزلتها عن الشعب الذي اكتوى بنارها في كل جوانب حياته ....وجاء الأحتلال بكل ما يحمل من اهداف ومصالح قريبة وبعيدة , وممارسات قذرة , وبرزت كل تناقضات الأربعين عاماً منذ انقلاب شباط الأسود , وسقطت الدولة واجهزتها المختلفة بأقل من ثلاثة اسابيع , ذلك السقوط المدوّي الذي اذهل العالم , ولكنه لم يذهل المراقب السياسي العراقي الذي يعرف مدى عزلة ذلك النظام ونقطة ضعفه القاتلة , لقد كانت ثورةً شعبية صامتة تمثلت بتخلي الجيش والشعب العراقي عن النظام المجرم وتركه يواجه مصيره الأسود منفرداً .

ومنذ اللحظات الأولى لسقوط النظام , كانت الثقافة العراقية والتاريخ الحضاري العراقي , هما الهدف الأول في الأجندات الأقليمية والدولية , وفي رأس اهداف فلول النظام الساقط . ففي الوقت الذي فجرت الجماهير الغاضبة حقدها المقدس على قصور وممتلكات رموز النظام وتماثيل الطاغية , كانت الهجمات المدروسة مسبقاً , وعلى اهداف محددة سلفاً , تشير الى استهداف التاريخ الحضاري والثقافة العراقية .

*** فقد هوجم المتحف العراقي وسرقت محتوياته , في حين كانت الدبابات الأمريكية تقف على بعد خمسين متراً منه , وحين استنجد حراس المتحف بالقوات الأمريكية , كان ردهم , اننا لسنا شرطة لحماية المتحف , وسُرقت الوف القطع الأثرية التي تحكي حضارة وادي الرافدين على مر العصور .

*** وهوجم مركز صدام للفنون في منطقة الشواكة , القريبة من المتحف , وتصدى احد الفنانين وحراس المركز وعدد من اهالي المنطقة للسراق وطردوهم , إلا انهم عادوا في اليوم التالي واحرقوا المركز بكل ما فيه من لوحات وتحف لا تقدر بثمن , لفنانين عراقيين كبار ومنحوتات اخرى تحكي جزء من ثقافة العراق وحضارته .

*** وبعدها بأيام , اُحرقت المكتبة الوطنية العراقية بمحتوياتها وكتبها ومخطوطاتها النادرة .
*** واستهدف بعد هذا شارع الثقافة العراقية , شارع المتنبي , فاختلط الحرف والكتاب بدماء زوار هذا الشارع المتميز من المثقفين وعشاق الكلمة .

*** وبدأت حملة تصفيات جسدية لعشرات المثقفين من امثال الشهيد كامل شياع وشهاب التميمي وغيرهما الكثير , وهُجرَ مئات , بل ألوف الأختصاصيين من علماء واطباء ومهندسين ومن مختلف الأختصاصات واساتذة الجامعات ,وادباء وشعراء وفنانين , وما زال العمل جارياً لتفريغ العراق من ثروته البشرية المتميزة .

وفي موازاة هذة الحملة الدموية الشعواء , سادت ثقافة التخلف والتردي والفساد , واطلقت يد العصابات الأجرامية والميليشيات المسلحة في كل مدن العراق , باستثناء اقليم كردستان , لتتدخل في حياة الناس وخصوصاً في الجامعات العراقية , باعتبارها مركز الأشعاع الفكري والثقافي , وجرى التحكم حتى في الملبس والمأكل والمشرب , وفرض الحجاب حتى على غير المسلمات من الطالبات والتدريسيات . اما التدخل في المناهج الدراسية , ابتداءً من المدرسة الأبتدائية وحتى الجامعة , فحدث ولا حرج , كما يجري الفصل بين الجنسين حتى في الجامعات , ويجري الآن التفكير بتاسيس جامعة خاصة للبنات !.وساد الفكر الطائفي المتخلف وشوّهَ الدين والتاريخ , وحُرِّم الغناء والموسيقى حتى في الأعراس , وما موقف مجلس محافظة بابل في إفشال مهرجان بابل ببعيد , حيث أُلغيت الفقرات الغنائية , بما فيها الغناء الريفي العراقي الذي يقترب من الأنين , ناهيكم عن منع الفرق الأجنبية المدعوة من تقديم فقراتها , بحجة الطابع الديني لمحافظة بابل !!!

والآن وفي العودة الى عنوان الموضوع , اين مكان الثقافة العراقية بعد هذه السنوات العجاف ؟
ففي المرحلة الأولى لسقوط النظام السابق , وانفلات الوضع , كان الجميع بانتظار الهدوء واستقرار الأوضاع لتتضح الصورة . ولكن الأمور جرت خلال هذه السنوات الصعبة باتجاه طمس الهوية الوطنية للثقافة العراقية , وسادت ثقافة التطرف الديني والطائفي . وجاءت انتخابات الدورة الأولى للبرلمان العراقي ومجالس المحافظات , وبالأستناد الى دستور أُعدَ على عجل , فبات خاضعاً للأجتهادات والتبريرات والتفسيرات , وكانت نتائجها سيادة فكر المحاصصة الطائفية والقومية . وجاءت الدورة الثانية , ومع تحسينات " مكياج " الكوتا للأقليات الدينية , فإن النتائج جاءت مشابهة للدورة الأولى , إن لم تكن اكثر تخلفاً وطائفية , ومع ان المكون السني الذي قاطع الدورة الولى , دخل الأنتخابات الثانية بثقل وفاعلية , وكانت النتائج كما شاهدها العالم اجمع , وما زال الشعب العراقي يعاني من تلك النتائج حتى اليوم .

ان صراع " الديكة " العراقي , لم يدمِّ الديكة المتصارعة فقط , بل ان دماء الشعب العراقي هي التي كانت ومازالت تسيل , وتعطلت كل المشاريع التي كان معولاً عليها لدفع عجلة الأقتصاد , والحياة العامة للناس الى الأمام , وتدهورت الحصة التموينية التي يعتاش عليها غالبية ابناء الشعب العراقي , بدعوى شروط صندوق النقد الدولي للخروج من البند السابع .

لقد اثبتت الوقائع ان جوهر الصراع ودوافعه هو الأستحواذ على مراكز السلطة والمسؤولية ومن اجل الجاه والثروة . وكان الأرهابيون وعصابات الجريمة المنظمة والميليشيات المنفلتة , ترقص على انغام هذا الصراع من خلال الأختراقات في كل المفاصل الأمنية الحساسة .

ومع ضخامة الموارد المالية , فإننا لم نقرأ او نسمع عن موقف اي طرف من اطراف الصراع من الثقافة العراقية وهويتها الوطنية, ولم نسمع ان جهة من الجهات عرجت على هذا الموضوع من قريب او بعيد , وظل المثقف العراقي في مهب الريح تتقاذفه امواج الصراع السياسي ذي الأهداف الأستحواذية الواضحة , وتبتلعه الغربة القاتلة في دول الأنتظار واللجوء بعد ان حاصرته قوى التطرف والتخلف والظلام واهملته القوى والأحزاب المتصارعة على السلطة والثروة .

اننا نعرف ان وزارة الثقافة لا تقرر مسيرة ووجهة المسيرة الثقافية للعراق الجديد , إلا اننا نتطلع لرؤية الوجه العراقي الوطني المشرق لهذه الوزارة , بعيداً عن اجواء المحاصصة الحزبية والطائفية والفكر السلفي المتخلف

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014