• Default
  • Title
  • Date
الجمعة, 12 تموز/يوليو 2013

المعراج والرمز المندائي .. الجزء الثالث والاخير

  عزيز عربي ساجت
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

 

ان ما دعا ( ابا العلاء المعري ) لكتابة هذه الرسالة ، للرد على رسالة ( علي بن منصور الحلبي ) المكنى بابن القارح وكان ابن القارح اديبا وشاعرا عباسيا عاصر ابا العلاء وخدم في حياة ( ابا علي الفارسي ) وقيل انه كان مؤدبا لابي القاسم المغربي الذي اصبح وزيرا بعد ذلك في بغداد ، الا ان ابن القارح ترك خدمته بسبب اعمال سيئة قام بها ابو القاسم ، وهجاه معددا معايبه ونقائصه ، وابن القارح كأي اديب – احب ان يرى ويسمع مشاهير الادب فيه ، فكتب رسالته الى ابي العلاء المعري فرد عليه برسالة الغفران . 

 

التي كانت بقسميها الاول - رواية الغفران ، وهي الرواية التي نسجها خياله الواسع حيث تصور ابن القارح في الجنان ، وقد غفر له ، وراح يسال كلا من الناجين من الادباء والشعراء ، بم غفر لك ؟ وبعدها ينتقل الى الجحيم حيث يسال كلا من الهالكين : بم لم يغفر لك ؟. وفي القسم الاول من الرسالة يمتدح ابو العلاء رسالة ابن القارح ، ويثني عليه . اما القسم الثاني رد على رسالة ابن القارح حيث اخذ بالتفنيد والتحليل البدع التي اخذ بها ابناء ذلك الزمان ، تارة يوافقه في ارائه ، وتارة يعاضه بشيء من الغموض والمداورة حتى لا يثير حفيظة رجال الدين عليه ، وتتميز رسالة الغفران بالاسلوب ( العلائي ) الذي انفرد به ابو العلاء المعري ، حيث كان يورد الكلمة ويفلقها معان عدة ، ويقلبها في وجوه كثيرة ، حتى لا يترك قولا لقائل او انتقادا لناقد ، بعيدا عن التحامل على رأي واحد ، او التعصب لفكرة معينة ، كالمعلم النزيه الذي يعلم لاجل العلم . والذي من اثاره الخالدة ( اللزوميات ، سقط الزند ، رسالة الهناء ، رسالة الملائكة ، رسالة الغفران ) . لقد كان المعراج في اشكاله الفولكلورية عبارة عن اسطورة شعبية عن رحلة لاكتشاف اسرار الحياة والمعاد ، واكتشاف مركز الانسان منها وتجدده وخلوده بها .

 

 ان اهتمام الفكر المندائي برمز المعراج له مدلولاته وحسب كل مرحلة مر بها ، فالنبي شيتيل بن ادم ( غرس النعمة ) على اعتباره احد انبياء المندائيين الاوائل ، كان ذو اهمية كبيرة لمعراج الانفس لانه يعتبر رمز للتضحية والصفات الانسانية النبيلة وهو رمزا للمؤمن المندائي الذي يرى في الاتحاد بالعوالم النورانية ولادة جديدة ، فكان يتدفق شوقا وبلا خوف من اجل الارتقاء لعوالم النور ، لان للانبياء صفات نورانية لو قيس الانسان بها لما استطاع بلوغها ، ومن ثم لا يستطيع عبور اختبار الميزان الذي توضع مقابله النفس البشرية في ميزان ( اواثر ) ، كما في صفات النبي يحيى النورانية ، فليس من الصعب جدا حد الخيال ان ينقى لاقصى ما يستطيع من درجات الصفات الانسانية والابتعاد عن المحرمات التي حرمتها ديانتنا المندائية السامية .

 

ففي ترنيمة العروج النفس المندائية جاءت هذه الكلمات : نفس انا من الحي العظيم .. انا ابنة الاشعاع الوافر ..ابن ( البهاء الابدي .. لماذا جردت من شعاعي ؟ وجيء بي الى هنا .. وفي رداء الجسد القيت ؟ .. غاضبة انا ، ومعذبة في وراء الجسد .. ان نزاعي يتجدد فيه .. ولعلي لا ارى الحي في موطنه ..) ، وفي عظمة ارتقائها ناداها خالقها : ( تعالي ايتها اللؤلؤة النقية التي جلبت من كنز الحي .. بسلام تعالي ايتها المختارة الطاهرة .. بسلام تعالي ايتها المضيئة التي انارت الدار المظلمة .. ) . ياتي ذكر العروج في الكتب الدينية المقدسة المندائية بعدة صور منها عروج ( نشمثا ) اي النفس وارتقائها الى بيت الحي ، والصورة الثانية صعود هيبل زيوا من عالم الظلام الى عالم النور ، عند نزوله الى العالم الارضي لكبح واغلال الارواح الشريرة الظلامية ، اما الصورة الثالثة كانت صعود يحيى(ع ) الى عالم النور ، وفي كتابنا المقدس – الكنزاربا – اليمين – التسبيح الثالث ، يكرس هذا التسبيح عروج النبي يحيى الى عالم النور وهو يخاطب الملاك مندادهيي . ( خذني الى البلد العظيم الذي انت ذاهب اليه وليرافقني حنانك ونورك واتقانك ساعدني على ان اعرف اسرار الملائكة وثمر النور العظيم ) . من خلال هذه الصورالرمزية الرائعة ، نرى ان الفكر الديني والادبي المندائي كان ذي تاثير فعال على مجريات الملاحم البطولية التي ذكرت او على بعض منها على اقل تقدير اذا سلمنا القول بان الافكار المندائية سبقت غيرها في هذا المجال باقرار كثير من المفكرين العرب والمستشرقين الاجانب . 

 

المصادر :

 

- الكنزا ربا – اليمين – التسبيح الثالث .

 

- فراس السواح – مدخل الى نصوص الشرق القديم.

 

- مصطفى صمودي – من جلجامش .... الى نيتشه – بحث في الثقافة العالمية.

 

- فراس السواح – لغز عشتار – الألوهة المؤنثة واصل الدين والاسطورة.

 

- س. بريوشينكين – اسرار الفيزياء الفلكية والميثولوجيا القديمة.

 

- دانتي اليجيري – الكوميديا الالهية .

 

- ياسين الناشيء – مجلة افاق مندائية – العدد/ 25 – قسم ثقافة.

 

- ابي العلاء المعري – رسالة الغفران – شرح وتحقيق اسماعيل اليوسف.

 

- ايار ناصر شنان – حياة الانبياء المندائيين – اشراف الشيخ الريش مة ستار جبارحلو.

 

- مجلة هيمنوثا ( الايمان ) – العدد 13 .

 

- د. مزهر الخفاجي – البحث عن جنة الفردوس – دراسة في أساطير الحضارات القديمة .

 

 

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014