طباعة هذه الصفحة
الجمعة, 12 تموز/يوليو 2013

عراق الانقلابات أجتماع الكاظمية

  زكي فرحان
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

كان الزعيم عبد الكريم قاسم و رفاقة منظمة الضباط الاحرار يتحينون الوقت المناسب ، الذي يكون فيه وجود ثالوث الخيانة في العراق دون ان يفلت واحدا منهم وهم ، ( الملك فيصل الثاني الاعشى ، و عبد الاله قطب الخداع و التآمر،و نوري السعيد عميل الانكليز بامتياز وعدو الشعب ) فالضباط في أنذار دائم للانقضاض على النظام الفاسد، و تخليص الشعب العراقي من هولاء العملاء اللذين هدروا دماء الشعب الطاهرة و أذاقوه مر العذاب وساقوا خيرة ابنائه الى الاعدامات و السجون والمعتقلات والنفي و اسقاط الجنسية عن العراقيين الوطنيين الاحرار و رميهم خارج الحدود ، نشط الضباط الاحرار عام 1956 للإطاحة بالحكم الملكي و تكررت المحاولات لتنفيذ الثورة و أنقاذ الشعب من الحكم الجائر، لكنهم كانوا يؤجلونها كل مرة للاسباب التالية ،، اولاً – ان الثلاثة الكبار الذين هم رأس النظام ، الملك ، و ولي العهد عبد الاله ، و نوري السعيد ، لا يتواجدون سوية اثناء التنفيذ . ثانياً – عدم كفاية القطعات العسكرية المتوفرة في الموقع لتنفيذ العملية. ثالثاً – يتم التأجيل لاعتبارات فنية و انسانية ، قد تقع بعض الضحايا من الشعب اثناء التنفيذ. يذكر اسماعيل العارف في كتابه اسرارثورة 14 تموز ما يلي ( تدهورت الاوضاع السياسية من سيء الى أسوا سنة 1956 و اشتد الصراع بين قوى التحرر و الاستعمار في المنطقة العربية و انعكس على الوضع الداخلي في العراق فتأزم و تعمق التناقض بين القوى الوطنية و السلطات الحاكمة، وكان الجيش خلال تلك الظروف يعاني من ازمة نفسية حادة و سادت بين الضباط مشاعر عقدة الذنب و التقاعس عن القيام بواجبه الوطني و انقاذ البلاد من محنتها و ازالة الطغمه الحاكمة و كسر جناح الاستعمار،،، وبسبب التوتر السياسي الحاد ضاعفت الاستخبارات من جهودها في مراقبة نشاط الضباط ،فبدأت تتسرب بعض الاخبار عن وجود تنظيم سري في الجيش بالرغم من الكتمان الشديد وسرية العمل ، فعقدت اجتماعات بين اعضاء الهيئة العليا للضباط الاحرار، اختير ان يكون التنفيذ يوم عقد المؤتمر النهائي للتمرين و التدريب الذي سوف ينفذ في منطقة خانقين- جلولاء- المنصورية ، و اقتصرت معرفة ذلك الموعد على اربعة من اعضاء الهيئة العليا وهم : الزعيم الركن عبد الكريم قاسم والعقيد الركن اسماعيل العارف والعقيدان صالح عبد المجيد السامرائي و رفعت الحج سري، و تقرر ان يكون الاجتماع النهائي للتمرين في اللواء التاسع عشر بمعسكر المنصورية آمره الزعيم عبد الكريم قاسم وهو بالضبط ما كنا نطمح اليه اذ كان مقررا ان يحضر الملك وجميع اركان الدولة وقادة الجيش والوفود الاجنبية المدعوة لمشاهدة التمرين، وكانت الخطة لتنفيذ الثورة سنة 1956 خلال ذلك التمرين على الشكل التالي :

1 – تقوم نخبة من قطعات اللواء التاسع عشر بقيادة الضباط الاحرار المتواجدين فيه بألقاء القبض على الملك والوصي وحاشيته وكافة اركان الدولة و القادة العسكريين.

2 – يلقى القبض على جميع قادة الوحدات غير الموالين للثورة ويحجزون من قبل الضباط الاحرار الموجودين في اللواء و الوحدات المشتركة في التمرين.

3 – يقوم الضباط الاحرار الموجودين في بغداد بعد استلام اشارة من الزعيم عبد الكريم قاسم بنجاح العملية في المنصورية بالسيطرة على وحدات الهندسة ومدرسة الاسلحه الخفيفة وفوج تدريب بغداد و سريتي حراسة معسكر الرشيد و وزارة الدفاع و التحرك لاحتلال المراكز الستراتيجية المهمة كوزارة الدفاع والبلاط الملكي مع القصور الملكية ومجلس الوزراء و الاذاعة و التلفزيون والبرق و البريد و الجسور المهمة و مركزي اسالة الماء و الكهرباء.

4 – تتم السيطرة على القطعات المشتركة في التمرين ويعين لقيادتها الضباط الاحرار ويتحرك اللواء التاسع عشر فورا الى بغداد لتعزيز القطعات الثائرة في بغداد.

5 – يطلب من الضباط الاحرار في معسكر المسيب السيطرة على اللواء الاول وتجميد حركته اذا حاول الزحف على بغداد ،

و تقرر ان تؤلف حكومة من الوجوه الوطنية ، وقد اقترح عبد الكريم قاسم الاحتفاض بالملك فيصل الثاني و عدم مسه بسوء واصطحابه الى بغداد بحراسة مجموعة من الضباط الاحرار على ان تصدر بأسمه التعيينات و التشكيلات الحكومية الجديدة و قرارات تعيين القادة الجدد في الجيش ) . استمرت اللجنة العليا للضباط بالاجتماعات لتدارس الموضوع و التخطيط له باسرع وقت ممكن لتنفيذ الثورة في هذا التمرين ، ولما كان تطبيق التمرين العسكري سيتم في منطقة الفرقة الثالثة التي كان قائدها اللواء الركن نجيب الربيعي و مقرها في مدينة بعقوبة لواء ديالى ، قرر عبد الكريم قاسم آمر اللواء التاسع عشر في المنصورية و الذي يعود انتسابه الى وحدات الفرقه الثالثة ، مفاتحته وتأييده للثورة وافق الربيعي على ذلك الا ان النظام الملكي لم يكن يطمئن الى ولائه وكان يتوجس منه الخيفة والحذر منذ فترة بعيدة، فنقل نجيب الربيعي الى وزارة الخارجية و عين سفيرا في المملكة العربية السعودية ، (و بعد نجاح ثورة 14 تموز عام 1958 عين نجيب الربيعي رئيسا لمجلس السيادة) لذلك تأجلت الحركة، لقد تطور التناقض بين السلطة الحاكمة وبين الشعب العراقي ، و أنذر هذا التناقض الى احتمال حدوث تغيير جذري في بنية الحكم في العراق، و بسبب التوتر السياسي و كثرة التظاهرات و الاحتجاجات والاضرابات وأستياء معظم شرائح الشعب العراقي من الحكومة العميلة ، ضاعفت الاستخبارات العسكرية من مراقبة الضباط و ذلك لتسرب بعض المعلومات عن وجود تنظيم سري داخل صنوف الجيش ، و كان الزعيم عبد الكريم قاسم شديد الحذر و الحيطة من عدم انكشاف أمر تنظيم الضباط من قبل الاستخبارات العسكرية و الامن العامة ، بعد أن علمت الحكومة باجتماع ( الكاظمية) الذي حضره المقدم رفعت الحاج سري والعقيد اسماعيل العارف والعقيد عبد الوهاب الامين و المقدم صالح عبد المجيد السامرائي ، وكان المتفق عليه ان يحضر هذا الاجتماع كل من الزعيم عبد الكريم قاسم و العقيد الركن هبد الوهاب الشواف و العقيد الركن محيي الدين عبد الحميد،و هولاء الثلاثة قد تغيبوا عن حضور الاجتماع، أخبر نوري السعيد بهذا الاجتماع وكان وزيرًا للدفاع بالاضافة الى رئاسة الوزراء ،واخبر ايضا رئيس اركان الجيش بهذا الاجتماع ، وما دار فيه من احاديث، وفي هذا التوجس و الحذر الشديد من قبل الحكومة ورعبها من ضباط الجيش، صدرت اوامر مستعجلة من الاركان العامة ، بتوجيه من رئيس اركان الجيش أنذرت فيها بعض القطعات العسكرية ووضعت على اهبة الاستعداد و شددت المراقبة على معسكر الرشيد و الوشاش و توجهت الاستخبارات الى تفتيش المعسكرات ليلا و نهارا وتفتيش تحركات القطعات الداخلة و الخارجة منها، ثم صدر قرارمن مديرية التدريب العسكري بالغاء المناورات في خانقين – جلولاء – المنصورية، وهي المناورات التي كان يعول عليها عبد الكريم قاسم و مخطط لها بتنفيذه الثورة، كما هيئت الاستخبارات للملك فيصل الثاني و ولي العهد عبد الاله جولة نهرية في شط العرب لابعادهم عن بغداد و خوفا على حياتهم من ان تنفذ حركة الضباط الاحرار الثورة غير المتوقعة، و خلال هذا التحرك السريع صدرت الاوامر المستعجلة بنقل المقدم رفعت الحاج سري ضابط تجنيد في قضاء قلعة صالح في العمارة ، و نقل المقدم صالح عبد المجيد السامرائي الى منصب معاون ملحق عسكري في هيئة الاركان العراقية العامة في الاردن والسفر فورا ، و نقل العقيد الركن اسماعيل العارف الى ملحق عسكري في امريكا، اما العقيد الركن عبد الوهاب الامين الذي كان حاضرا في اجتماع الكاظمية بقى في منصبه مديرا لشعبة الحركات في وزارة الدفاع حتى اعلان ثورة 14 تموز عام 1958 ، أرادة حكومة نوري السعيد القضاء على تنظيم الضباط الاحرار، فاستدعى رئيس اركان الجيش بتوجيه من نوري السعيد آمري الوية الجيش و يحدثهم عن خطورة الاوضاع ويحذرهم من التورط في هكذا مؤآمرات ضد الملك وخاله عبد الاله و عدم التسامح معهم في أي عمل سياسي يرتكب في الجيش، وفعلا حضر الآمرون وكان من بينهم عبد الكريم قاسم، يقول العقيد الركن اسماعيل العارف ما يلي:- كنت حريصا على ان اخبر عبد الكريم قاسم بما حدث و انكشاف اجتماع الكاظمية الذي كان مقررا حضوره له و طلبت منه ان يكون على حذر عند مواجهة رئيس اركان الجيش، لقد جاء تحذيري للزعيم عبد الكريم قاسم في الوقت المناسب أذ ان السلطات كانت قلقة لورود اسمه مع المتآمرين بسبب علاقتي به، لقد كان اهتمام المسؤولين البالغ بموقف عبد الكريم قاسم كان ناشئاً عن كونه جريئاً وصادقا و عسكرياً جيداً و يقود لواءً لا يبعد عن بغداد اكثر من سبعين ميلاً و يعتبر اخطر قطعة عسكرية ضاربه قريبه من العاصمة و قادرة على انزال ضربة سريعة مفاجئة بالنظام السياسي خلال ساعات معدودة ، قام عبد الكريم قاسم بجولة سريعة في وزارة الدفاع قبل ان يواجه رئيس اركان الجيش و اتصل بالضباط الذين لهم علاقة تنظيمية به، و طلب منهم ان يحتاطوا لخطورة الوضع، ثم دخل على رئيس اركان الجيش و قضى معه فترة، بعدها خرج مسرعا الى مجلس الوزراء، وكان في انتظاره نوري السعيد ، ولما وصل ادخله مرافقه العقيد عبد الرزاق الجده( شقيق عبد الكريم الجده ) مع علي الشرقي، احد الوزراء حينذاك ، لكي تكون المقابلة قصيرة و لا اتعرض الى الحرج ، فساله نوري السعيد عن صحة هذه الاخبارتفيد انك على علاقة بالسياسيين وما اذا كان عندك نشاط سياسي في الجيش ، فأجبته ، أي عبد الكريم قاسم بالنفي وكذبت ما يقال عني وقلت سيدي ، ان هناك جماعات من المشاغبين يستهدفون احداث فجوه بين المخلصين من رجال الجيش وبين الحكومة وانا بالذات لم يكن لدي وقت للتفكير بالامور السياسية لانشغالي في تجهيز وتدريب لوائي الحديث التشكيل، و اعداده بشكل جيد وانهماكي في تعمير معسكرنا و تنظيمه وان جنود اللواء وضباطه قد افتقدوا زيارتكم التي عودتموهم عليها وينتظرونها بفارغ الصبر ، فالتفت الي نوري السعيد و قال لي انك مخلص ، قم وقابل رئيس اركان الجيش ، ثم تناول سماعة التلفون الخاص واتصل برئيس اركان الجيش ، وقال له ان عبدالكريم قاسم مخلص و مؤتمن ، و كان نوري السعيد قد اعتاد على زيارة عبد الكريم قاسم مراراً بطائرة عسكرية عمودية وكان يلبي طلباته جميعها وقد اصبح معسكر المنصورية من اجمل المعسكرات تنظيماً ،،،،، يقول المثل الياباني(الانسان الناجح هو الذي يغلق فمه ، قبل أن يغلق الناس آذانهم) . يتبع

المصدر:-

- اسماعيل العارف - اسرار ثورة 14 تموز ص 129

- ثمينه ناجي - سيرة مناضل 210

- عزيز سباهي - عقود ص 253.

الدخول للتعليق