طباعة هذه الصفحة
الجمعة, 12 تموز/يوليو 2013

عراق الانقلابات .. ثورة تموز تنتصر

  زكي فرحان
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

بعد سماع نداءآت العقيد عبد السلام عارف من دار الاذاعة صباح يوم الاثنين المصادف 14 تموز عام 1958 الى الشعب للخروج الى الشوارع لدعم ومساندة الثورة و لترى ( جثتْ عبد الاله ، ان ابناء الشعب يجرون هذه الجثث الى الشارع جر الكلاب) انطلقت الجماهير في كل مكان من مدن العراق الى الشوارع تهتف للثورة ، وفي بغداد خرجت الجماهير على بكرة ابيها مستبشرة فرحة بالثورة التي كانت تنتظرها بفارغ الصبر واللهفة طوال تلك السنين الدامية ، وهم يذوقون مر العذاب من ظلم الحكام وبطشهم وتعسفهم حتى لآخر يوم من بقاء هذا النظام الفاسد، انطلقت الجماهير وهي مهيئة للدفاع عن الثورة ، ومساندتها بكل السبل الممكنة التي توفرت لديها من التجارب مع النظام التي كانت تختزنها من ممارسات نضالية سابقة كانت قد خاضتها مع الحكومة العميلة ، وأريقت في سبيل حريتها واستقلالها دماء غزيرة طاهره زكية وشهداء من خيرة ابناء الشعب العراقي ، وكما يعلق المؤرخ والباحث الموسوعي ( حنا بطاطو) عن حق ، لقد عرقلت هذه التظاهرات الجماهيرية أية اعمال مضادة معادية ممكنة بسدها الشوارع و الجسور، لافي بغداد فحسب بل في مدن اخرى أيضاً ، والاهم من هذا هو أنه كان للجماهير المتظاهرة و بفضل عنفها الثوري ، تأثير نفسي هائل على مناهض الثورة ، أذ زرعت الخوف و الرعب في قلوب مؤيدي الملكية، واسهمت في تقويض حراكهم و شل إرادتهم ، واعطت الى الثورة ورجالها طابع النصر المحقق الذي لا سبيل الى مقاومته ، وهو ما شكل الحصن الحصين لها ) والحقيقة اني شاهدت بأم عينيي هذا اليوم التاريخي االذي زلزل الارض تحت اقدام حكام الطغيان المتمثل باقطاب الطاغوث الثلاثي ، بعبد الاله و الملك ونوري السعيد عدو الشعب ومنفذ سياسة الاستعمار في العراق ، لقد دخل يوم 14 تموز موسوعة تاريخ العراق السياسي الحديث ووثق في سجل الثورات الشعبية الوطنية في العالم ، أي يوم الثورة الذي تكلل بالنجاح السريع المؤزر، والايام التي تلته من اجراءآت متجلية ثورية وطنية كان النظام الملكي العميل قد حرم الشعب العراقي من أدنى ممارسة لها!! كنا، أنا و اخي الرئيس الركن عربي فرحان حينذاك نسكن في الاعظمية ، محلة النصة ، و حين سماعنا قيام الثورة من الراديو صباحاً ، ارتدى اخي ملابسه العسكرية وذهب الى وزارة الدفاع ، حيث نسب ضابط ركن لواء البصرة ومسؤول أستخباراتها العسكرية وطلب منه السفر الى البصرة ، اما انا و الجماهير الغفيرة فقد سرنا مشياً على الاقدام الى ساحة عنتر، التي تغص بالجماهير و التجمعات المتلاحمة الفرحة كسيل جارف قد تجاوز على مساحات الطرق، والكل تتوقَ بلهفة و تسأل دون خوف ، وتجاهر بألحاح تبغي معرفة اسماء قادة الثورة الميامين ، و مصير العائلة المالكة و جلاوزة النظام الملكي ، وعند مرورنا من امام البلاط الملكي المقابل لملعب الكشافة، شاهدنا قطعات من الجيش الثائر تتقاطر تأخذ مواقعها فيه و تحكم سيطرتها عليه و تتجحفل في وسط حدائقه بالدروع ، ثم انتشر الجنود يطوقون البلاط الملكي من كل جوانبه، والمسيرة الجماهيرية تهتف بحياة الجيش العراقي والتهاني لاتنقطع بينهم ، اوصلنا الباص الى ساحة باب المعظم ، ولم يستطع الباص دخول شارع الرشيد لإمتلاءه بالجماهير الهائجة وهي في غمرة الفرح و الحماسة والغليان العاطفي، تحييَ و تهتف للثورة المباركة وتندد بالاستعمار و اذنابه، و كأن طوفان قد أغرق الشارع بجماجم من البشر، ولم يكن غريبا ان ينفجر حقد هذه الجماهير الذي تراكم طوال كل تلك السنيين المريرة و المعانات الرهيبة من اعدامات و اعتقالات و سجون، و رمي الوطنيين الاحرار خارج الحدود ، و اسقاط الجنسيه عن المواطنين العراقيين ، والسماح للانكليز بنهب وسلب خيرات البلد، و تجويع الشعب و أضطهاده ، لذلك انطلق الشعب يعبر عن فرحته الغامرة بالثورة و الخلاص من تعسف النظام الملكي العميل، والسخط على الحكام السابقين الذين أهانوا كرامته وصادروا حريته ، هناك من المتظاهرين من يحمل صورة جمال عبد الناصر ويهتف بحياته و يحيي الوحدة العربية، وهناك من الجماهير من يهتف للحزب الشيوعي العراقي و يؤكد شعاراته التي صدرت في توجيه النشرة الحزبية التي عممها على منتسبيه قبل تنفيذ الثورة بيومين أي في 12/ 7/1958 تموز، وفي صباح الاثنين يوم الثورة قررت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ارسال برقية تهنئة الى قيادة الثورة بتوقيع سكرتير الحزب ، سلام عادل ، فقرر سلام عادل ان يذهب بنفسه الى بريد الاعظمية يرافقه الكادر الحزبي ، دلي مريوش، لإرسال البرقية الى عبد الكريم قاسم ، تدشيناً لمرحلة جديدة من حياة الحزب العلنية ،، فوجأ موظف البريد الذي استلم البرقية بتوقيع( سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي) أستغرب هذا الموظف نهض ، وراح ينظر حوله ويتطلع اليه باندهاش ثم ذهب ليعلم بقية الموظفين الذين معه بذلك وهو لا يخفي أعجابه و فرحه، وتعالى هتاف الموظفين بحياة الحزب الشيوعي ، وقد جاء في البرقية ما يلي:-

مجلس السياده للجمهورية العراقية

رئيس مجلس الوزراء السيد عبد الكريم قاسم

نهنئكم من صميم قلوبنا على خطواتكم المباركة التي و ضعت نهاية حاسمة لعهد طويل من المآسي و المحن التي قاسى منها الشعب المجاهد النبيل على يد الاستعمار و اعوانه ، إننا نعبر عن تفاؤلنا بان هذه الخطوة الحاسمة ستكون فاتحة عهد جديد ، عهد حرية و تطور عراقنا الحبيب ، وتبوأ شعبنا البطل مركزه في الموكب الظافر، موكب العروبة المتحررة الناهضه المحبة للسلام ، وموكب الانسانية العاملة من اجل تحريرها و الى الأبد من أنياب الاضطهاد و الاستعمار، إن شعبنا العراقي بعربه و اكراده سيسجل لكم بفخر جرأتكم وتفانيكم من اجل تحقيق اهدافه الوطنية الكبرى ، وهو يحمي ويصون بدمائه الغالية جمهوريته الوطنية الفتية ، وانه لعلى ثقة كبرى من قدرته على القيام بهذا الواجب المقدس ، ومن مساندة القوى التحررية العربية في جميع ديارهم وعلى رأسها الجمهورية العربية المتحدة ، ومن قوى الحرية و السلام في جميع أنحاء العالم و على رأسها الاتحاد السوفيتي ، أن اللجنة المركزية لحزبنا السيوعي العراقي تضع قوى الحزب الى جانب مؤازرتكم و الدفاع عن جمهوريتنا البطلة . التوقيع ، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في يوم 14تموز 1958، أتجهنا الى جانب الكرخ عبر الجسر القديم ( الشهداء) بعد ان أشيع بان الوصي عبد الاله بعد ان قتل في قصر الرحاب ، ( سنتطرق في الجزء القادم عن تفاصيل مقتل العائله المالكة) تلقفته الجماهيرالثائرة من السيارة العسكرية المعدة لنقله الى المقبرة الملكية في الاعظمية ، سحلته في الشوارع ومن ثم علق من على ( بالكون) من فندق قريب من الجسر القديم في جانب الكرخ ، وأمام باب السفارة البريطانية يربض تمثال الجنرال ( ستانلي مود) رمز العبودية و الاستعمار، احتل الجنرال مود بغداد عام 1917 بعد هزيمة الجيش العثماني، بدءا ضرب بالاحذية و الحجارة و المطارق لإسقاطه من قبل الجماهير الغاضبة ، وفي غضون هذا الغليان و الحراك ، صعد احد المواطنيين و ربط عنق التمثال بحبل من طرف ثم ربط الطرف الثاني بمؤخرة سيارته، وما ان تهاوى التمثال، حتى تعالت زغردة النسوة و عمت الفرحة ثم هوت عليه المطارق و الفؤوس و قطعت راسه وسحل في شوارع بغداد ، وفي داخل السفارة شب حريق ، قيل ان احد موظفيها جمع أضابير وسجلات وتقارير ورسائل جواسيسها وعملائها ، وقام بحرقها كي لا تقع بيد حكومة الثورة ، بعدها توجهت الجماهير الى تمثال الملك فيصل الاول الذي حكم العراق من عام (1921 – 1933) في الصالحية انزلته ومن ثم قطعته الى أجزاء ، استمر التلفزيون باذاعة رسائل التاييد من الاحزاب الوطنية ومن كبار ضباط الجيش للثورة ، وراحت الاذاعة تحذو حذو التلفزيون باذاعة الاناشيد الوطنية و التصريحات و البيانات والاعلان عن تشكيل حكومة الثورة وقد تألفت من :-

1- مجلس قيادة الثورة وهم نجيب الربيعي ، محمد مهدي كبة ، خالد النقشبندي.

2-أعضاء الوزارة الاولى لثورة 14تموز- الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيسا للوزراء وو كيلا لوزير الدفاع ، العقيد الركن عبد السلام عارف نائبا لرئيس الوزراء ووكيلا لوزير الداخلية ، العقيد الركن ناجي طالب وزيرا للشؤون الاجتماعية ، الدكتور عبد الجبار الجومرد وزيرا للخارجية ويمثل الجبهة الشعبية ، محمد صديق شنشل وزيرا للارشاد و يمثل حزب الاستقلال ، محمد حديد وزيرا للمالية ويمثل الوطني الديمقراطي ، فؤاد الركابي وزيرا للاعمار يمثل حزب البعث ، الدكتور جابر عمر وزيرا للمعارف يمثل القوميين ، ابراهيم كبه وزيرا للاصلاح الزراعي وهو من اليسار، هديب الحاج حمود وزيرا للزراعة يمثل الحزب الوطني الديمقراطي ، الدكتور محمد صالح محمود وزيرا للصحة مستقل من الاقلية التركمانية ، مصطفى علي وزيرا للعدلية كردي الاصل وقد عمل في حكومة بكر صدقي عام 1936

وهو من اصدقاء الزعيم عبد الكريم قاسم،،،،(من يكافح ليجعل وطنه افضل ، يحب وطنه افضل من سواه) روبرت انغرسون .

يتبع ...

المصدر:-

1-نزارخالد - سيرة مناضل ص 224

2-عزيز سباهي - عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ص 220

3 - حنا بطاطو - العراق ص 110

__._,_.___

 

الدخول للتعليق