• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 14 تشرين1/أكتوير 2013

في خواص وفلسفة العـدد لدى المندائيين

  د قيس مغشغش السعدي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

 

يـُذكر أن الألفاظ هي الأسماء للمسميات التي هي المعاني، والأساس في الألفاظ والمسميات هو الشيء. والشيء أما أن يكون واحدا أو أكثر. وقد برزت قيمة الواحد تأسيسا على وجود الشيء. أما عدم الوجود فهو صفر، رقم لا قيمة عددية له لأنه يشير إلى الخلو وعدم وجود الشيء.

 

 فحين كان الثمر داخل الثمر، كما يرد في كتاب الكنزا ربا، في معرض الإشارة إلى الوجود الذي سبق الخلق، لم يكن هنالك إحداث، بل إن الإحداث  حصل عندما صار الصدور بإرادة الخالق فكانت الحياة الأولى واقترنت بالحي، والحي واحد. والواحد أصل العدد، فهو الذي لا ينقسم ولا جزء له ، وكل ما لا ينقسم فهو واحد.  ولان الواحد ليس فيه وجود لما هو غيره، فهو على هذا يُسمى واحد. ومع أن الواحد يتكاثر بالإضافة فيزداد العدد بالغا ما يبلغ، وينقص العدد بالواحد إلى حد العدم في الصفر، إلا أن العبرة هي في الضرب والقسمة. فمن خاصية الواحد إن ضرب أي عدد فيه أو قسّم عليه ستبقى النتيجة ذاتها لأن الواحد حالة وجود الشيء مثلما الخالق حالة وجود الكون.

وقد قرن المندائيون بين الواحد والحياة لأنه إعلان الوجود، ولذلك سمـّوا الحي واحدا أو كان الواحد هو الحي . ومثلما أن الواحد أصل العدد ومنشؤه، فإن الخالق الحي أصل الوجود وعلته والذي لولاه ما من شيء كان أو يكون. فهو الذي يعطي الحياة لسواه مثلما يعطي الواحد قيمة لباقي الأعداد بكل العمليات الحسابية المعروفة. ومثلما أن العدد واحد  ليس له إلا حاشية واحدة تأتي بعده وهي الاثنان ذلك أنه البداية، هكذا الخالق ليس له إلا حاشية واحدة تأتي بعده هي حاشية المخلوقين وليس له ما يسبق وجوده. ومثلما إن الواحد أصل العدد ومنشؤه فهو إذا رفعته من الوجود ارتفع العدد بارتفاعه، وإذا رفعت العدد من الوجود، لم يرتفع الواحد. كذلك النظرة إلى الخالق في كونه علة الكون فهو بدون وجوده لا يكون للكون وجودا،  أما إذا رفعت الكون من الوجود فلا ينتهي وجود الخالق. ولذلك تصف الكنزا ربا هذا بتأكيدها على أزلية الخالق وبأنه ما كان هنالك من شيء لو لم يكن وسوف لن يكون من شيء لولاه:" اد لا هو كد اد لا هو، ولا هاوي كد اد لا هاوي". وتتأكد كلمة الواحد بصفتها في العديد من نصوص الكنزا ربا حيث يرد مثالا:   

هاد هو ملكا دَ نهوارا: واحد هو ملك النور، ومهيمن وساهدا بهاد ماريهون اد كلهون آلمي ملكا رام دَ نهورا: ومؤمن وشاهد بواحد رب العوالم كلها ملك الأنوار العلي.

 

ومثلما أن الواحد مستغن عن الصفر فحاشيته وكثرته في الإثنين، فقد إعتبر الأولون أن الإثنين هو أول العدد مطلقا، ذلك أن العدد هو كثرة الآحاد بإضافة الواحد إلى الواحد ، وعلى هذا صار أول الكثرة إثنان. وفي العقيدة المندائية، ولكي يعلن الخالق عن وجوده، لابد أن يُحدث الثاني الذي هو حاشيته ومنه يتولد بالإضافة، وهكذا صار يوشامن الحياة الثانية في تسلسل الحيوات.

 

ومثلما أن خاصية الإثنين أنها أول العدد عامة، فإن خاصية الثلاثة أنها أول عدد مفرد، وهي علامة من علامات سعي الإثنين لأخذ خصائص الواحد في إظهار القدرة على الكثرة. وهكذا أيضا يرد في العقيدة المندائية سعي يوشامن للكثرة، فكانت الحياة الثالثة متمثلة بأباثر. ومثلما لم تكتف الأعداد بالثلاثة فكانت بحاجة إلى الرابع لكي تتوالد عنها باقي الأعداد، فقد سعى أباثر لأن يكون منه الحياة الرابعة فكان بثاهيل.

 

 ومثلما صار من إبثاهيل خلقا عاما أرضيا لأنه الرابع، فإن أخوان الصفا  يحددون" أن العدد كله أحاده وعشراته ومئاته وألوفه، أو ما زاد بالغا ما بلغ، فأصلها كلها من الواحد إلى الأربعة، وهي هذه( 1، 2، 3، 4)... وبيان ذلك أنه إذا أضيف واحد إلى أربعة كانت خمسة، وإن ضيف اثنان إلى أربعة كانت ستة، وإن أضيف واحد واثنان إلى أربعة كانت سبعة، وإن أضيف واحد وثلاثة إلى أربعة كانت ثمانية، وإن أضيف اثنان وثلاثة إلى أربعة كانت تسعة، وإن أضيف واحد واثنان وثلاثة إلى اربعة ، كانت عشرة. وعلى هذا المثال حكم سائر الأعداد) { أخوان الصفا الرسالة الأولى}.

من هنا فإن أساس الكثرة بالأعداد هو لغاية العدد أربعة، وهذا ما كان في العقيدة المندائية بالحيوات الأربعة ومن الرابعة سائر الخلق. وعلى هذه الرباعية كانت ظواهر طبيعية وفيزياوية جمة منها وأشهرها: الجهات الأربعة: الشمال والجنوب والشرق والغرب، والطبائع البشرية أربع: الحرارة والبرودة والرطوبة والجفاف، وعناصر الوجود أربعة: الماء والتراب والناء والهواء، والفصول أربعة: الصيف والشتاء والربيع والخريف، وأمزجة البشر أربعة: الدموي والبلغمي والسوداوي والصفراوي، ومكونات المادة أربعة: المعادن والنبات والحيوان والإنسان،.. وهكذا في الكثير الآخر.

 

ومن المفيد أن نذكر أن قيمة العدد خمسة المعتمدة في الخلق العلوي والمسماة بالبرونايي أو شعبيا ( البنجة) هي للقيمة الرياضية للعدد خمسة والذي من خواصه الرياضية أنه أول عدد دائر، بمعنى إذا ضربت الخمسة في نفسها رجعت إلى ذاتها. فإذا ضربنا الخمسة في نفسها كان الناتج 25 بمعنى أن الخمسة قد عادت في نتيجة الضرب. وإذا ضربنا الناتج الظاهر في خمسة مرة أخرى يكون الناتج 625 أي أن الخمسة وعشرين عادت وظهرت في الناتج الجديد، وهكذا إذا ضربنا 625 في خمسة كان الناتج 390625 وبهذا يكون الناتج السابق قد ظهر في الناتج الجديد.. وهلم جرا. هكذا نرى أن الخمسة إحتفظت بنفسها وبما يتولد منها دائماً. وكأننا نرى في المعتقد المندائي أنه حدد قيمة الخمسة بما يتوالد عنها مع الإحتفاظ بالعدد خمسة وبالقيمة التي تشير ليس إلى الكثرة العددية وحسب بل بمقصد وجود الخمسة في كل ما يتوالد عنها.

 

ومن الأعداد التي تتواتر بكثرة في العقيدة المندائية هو العدد سبعة. وهذا العدد لا تتحدد به المندائية وحسب بل يرد في الأديان والمعتقدات الأخرى ، بل وفي الكثير من الظواهر الطبيعية. وقد ركزت المندائية عليه بشكل ملموس في الكواكب السبعة وتأثيراتها وكثرة التحذير من ذلك. ويشار إلى أن العدد سبعة في المفهوم الرياضي هو أول عدد كامل لأنه يجمع معاني الأعداد كلها الأزواج والأفراد. (1فردي+6 زوجي= 7،  2 زوجي+5 فردي= 7،  3 فردي+4 زوجي= 7).

 

والرقم 12 من الأرقام المعتمدة أيضا في العقيدة المندائية ليشير إلى الأشهر والأبراج، وهو رقم فلكي. وقيمته في مضاعفاته أيضا ومنها الـ 24 وهو عدد حروف الأبجدية بإضافة أداة التعريف وتكرار حرف الألف، وعدد ساعات اليوم ، والـ 60 تعميدا الذي يرد في بعض شروط التعميد لمعالجة الأخطاء. وفي الرياضيات يعد هذا العدد أول الأعداد الزائدة ، وخاصيته إذا جـُمعت أجزاؤه كانت أكثر منه. فإذا جمعنا نصفه وهو ستة وثلثه وهو أربعة وربعه وهو ثلاثة وسدسه وهو إثنان كان المجموع خمسة عشر وهي أكثر من الاثني عشر بزيادة ثلاثة.

 

 

أما العدد 360 فهو يرتبط بالأشكال الهندسية. ولأن الديانة المندائية تحض على التكامل فقد عدت الدائرة رمزا أساسيا لأنها أكمل الأشكال قاطبة، وبما أن قيمة الدائرة من بدايتها وحتى تكتمل في نهايتها هي 360 درجة فقد صار العدد 360 من الأعداد المعتبرة في العقيدة المندائية. هكذا صارت السنة في دورتها 360 يوما، والأيام الخمسة خارج الزمن، وأيضا في عدد الأثري الذي يرد دائما 360، وفي التعميد للأخطاء الكبيرة. ونرى أن العدد برمزية تكامله وليس بعدده الفعلي.

 

وهنالك ذكر لأعداد كثيرة أخرى في النصوص الدينية المندائية يمكن للمعني أن يتابعها فيقف على ورودها وتكرارها  ومعانيها ودلالاتها. وحسبنا هنا أننا كنا في مدخل لها. 

 

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014