أن مسيرة الأنسان التاريخية الموغلة في القِدم كما بات واضحاً قد سارت بشكل متسلسل متدرج ، حدث خلالها كم هائل من التطورات الحضارية و الفكرية ، أبتداءً من صنع أول أداة حجرية و حتى ما تم التوصل اليه اليوم من ثورة علمية هائلة .. و هذه المسيرة الطويلة بالرغم مما حققته خلالها من نجاحات كبيرة مهدت الطريق لبناء كيان الأنسان فقد رافقها كذلك الكثير من الأخفاقات و الترهلات و التجارب الفاشلة أملتها ظروف شتى واكبت تلك المسيرة كشيء طبيعي لنضوج عملية التطور ، و التي أصبحت فيما بعد أسساً متينة لقفزات كبيرة و ثورات حضارية مميزة في درجات سلم الرقي الأنساني نتيجة تراكم الخبرة العملية في طريق ذلك البناء الذي أخذ بالتسارع بشكل متوالية هندسية مع تقدم وتيرته . و قد أخذ كل كذلك شكل لوحة فنية متكاملة العناصر متناسقة الألوان ترفض التلاعب في رسم خطوطها أو أدخال أي شيء غريب عليها من خارج المنطق العقلي و الواقع العلمي لعملية التطور ، فغدا أي تغيير أو تحريف سواءً عن عمد و سابق تصميم أو عن سذاجة و قلة خبرة في صياغة أحداث تلك المسيرة من شأنه أن يُحدث تشويهاً واضحاً لشكلها العام.
لقد شعر الأنسان منذ فترة مبكرة نسبياً بعد نضوج حضارته و وضع قدميه على أول طريق المدنية بعد أكتمال مقومات الكتابة و أعتمادها عملياً بين الناس خلال الألف الثالث ق.م بأهمية تدوين مسيرة تطوره و أنجازاته الثقافية ، وذلك بصور و أشكال مختلفة ، فدأب على تسجيل تلك الأحداث و الوقائع التي عاشها بما أحتوته من سلبيات و أيجابيات و تناقضات تعكس بمجملها الأحساس العميق بحقه في تثبيت تجربته الخاصة في الحياة و ما أنجزه خلالها ، في مسعاً منه لتخليد ذاته معنوياً بعد يقينه من أستحالة تحقيق خلوده الجسدي . و بنفس الوقت فأن التلاعب بمجرى الحوادث التاريخية و أسبابها و نتائجها قد رافق تلك المسيرة بشكل متوازي بأضافة الكثير من الأكاذيب و المبالغات في سرد مجرياتها وصلت أحياناً لحد قلب كامل للوقائع ، في محاولة من أولائك المتلاعبين للأيهام بحقائق مشوهة لا توجد ألا في مخيلتهم ، من أنتصارات وهمية لبعض الحكام أو شرعنة لأنظمة حكم تمت عن طريق الدم من قبل آخرين ، أو التبجح و التفاخر بأنجاز حضاري أو فكري لبعض المدعين ليس لهم دخل فيه من قريب أو بعيد ، لعجز جميع هؤلاء عن تحقيق أي من تلك الأعمال و الأنجازات فعلياً ، فيعمدوا الى تحريف و تشويه صورة تلك الأحداث لتحقيق مصالح خاصة تكون سياسية بالدرجة الأساس أو أخرى دينية ، فكرية ، أقتصادية أو أجتماعية ، و حتى هذه لو تم النظر اليها بعمق فأنها كذلك بالنتيجة تصب في خدمة تلك المصالح السياسية ، من خلال رفع شأن و تضخيم هالة شعب أو طائفة أو قومية أو مُعتقد ديني و مذهبي أو عائلة أو أتجاه سياسي أو فكري أو فلسفي مُعين ، و قد يتعدى ذلك لحد طمس حضارات عريقة بكاملها أو أخفاء دور شعوب رائدة و كبيرة عن مسيرة التاريخ . و على هذا المنوال و الشاكلة أستمر التزوير التاريخي و تنوع ، و تعاقب المتفننون به منذ تلك البدايات القديمة مروراً بالتاريخ العربي المُتخم بها لدرجة الغثيان و حتى أيامنا المعاصرة هذه.
أن التاريخ بأعتباره علماً مُثبتاً كباقي العلوم الأخرى فأن له منهجاً خاصاً كونه مجموعة حقائق يتم التوصل اليها بأسلوب محدد من البحث ، كما أنه علم غير خاضع للتجربة حيث أن الأحداث التاريخية مرّت و أنقضت و لاسبيل لأعادة جريانها مرة أخرى ، و ما يتم السعي ورائه تحديداً من خلال هذا العلم هو دراسة كيف جرت الحادثة التاريخية بشكلها الحقيقي و تعليل و تحليل أسابها و النتائج التي ترتبت عنها فيما بعد ، و هنا يبرز التاريخ كعلم وثائقي لتكون الوثائق التاريخية بصورها و أشكالها المتنوعة هي العامود الفقري و الأساس الذي يبنى عليه الكيان الرصين لتدوين التاريخ ، و الذي يجب على الكاتب الألتزام به و أحترام قواعده العلمية التي أولها و أهمها أن يتجرد من كل خلفياته العقائدية و الآيديولوجية ، واضعاً أمام عينيه هدف واحد فقط لاغير ألا وهو الوصول الى الحقيقة التاريخية و القبول بها أياً كانت و لمصلحة من تصب ، سبيله في ذلك الوثائق الأصلية المدروسة و الأدلة المادية (التي تراها العين و تلمسها اليد) و البراهين المنطقية بعد أخضاعها لمراحل عديدة من النقد و الفحص و التدقيق ، نابذاً كل مصلحة أو طموح أو مكسب شخصي له أو لملته أو للفكر الذي يعتنقه ليصل في ذلك دون مبالغة لدرجة التصوف ..... و هنا تكمن المشكلة الحقيقية في البحث التاريخي بأتباع عدد غير قليل من السائرين في هذا الطريق لأسلوب كتابة التاريخ وفق الأفكار و النظريات و الفلسفات و المعتقدات التي آمنوا بها و أعتنقوا ماذهبت اليه في نظرتها للحوادث التاريخية و أسبابها و تحليل نتائجها مسعيضين بها عن تلك الأدلة و مادتها ... و حتى هنا قد يبدوا الأمر فيه شيء من المقبولية من حيث حرية التعبير عن الأفكار و الأستدلال بواسطتها لفهم المجريات التاريخية ، لكن الغير وارد تماماً هو محاولة فرض تلك الأراء و التفسيرات و كأنها أشياء مُثبتة مفروض منها غير خاضعة للنقاش أو الجدل العلمي . و قد يأخذ هذا الفرض أشكالاً و صورأً عديدة لكنها جميعاً تدخل في باب العنف و القهر الفكري و تصوير الأحداث التاريخية فقط من جانب تلك الأفكار.
و بالرغم من تعدد و تنوع أشكال التحريف و التزوير التاريخي ألا انه يمكن حصره في شكلين أو أسلوبين ... أولهما هو التزوير المُتعمد أو المباشر و الذي يتم كما أسلف عن طريق التلاعب بالحقائق التاريخية و تحريف مسيرتها وبالتالي قلب النتائج المنطقية المترتبة عليها . و هو عمل أحترافي يضاهي عملية التدوين التاريخي نفسها كونه يدون التاريخ بشكله المقلوب المُزيف و يتطلب من مُتعاطيه خبرة و دراية بخبايا التاريخ و دهاليزه و نقاط ضعف الأدلة و البراهين العلمية للوقائع و الأحداث التاريخية لينفذوا من خلالها هؤلاء و يبثوا مغالطاتهم و أكاذيبهم ، لذلك فأن من يقومون بهذا التزوير لا يتوقع أن يكونوا من الجهلة أو المبتدئين في هذا المضمار بل لابد أن يكونوا من عتاة المؤرخين و الباحثين الذين أستغنوا عن مهنيتهم و تخلوا عن حياديتهم و علميتهم من أجل أحد المصالح و الأسباب التي سبق ذكرها ... أما الثاني فهو يعتمد على الأول و يستند اليه ، لكنه أكثر انتشاراً و أشد خطراً ، كونه بمثابة عملية نشر و ترويج لتلك المغالطات و الأكاذيب التي أنتجها النوع الأول من قبل أشباه كتاب التاريخ و الطارئين عليه ، الذين يدونون حوادثه دون خبرة أو ثقافة عامة أو أية خلفية أكاديمية تؤهلهم لذلك ، حيث يتلقفون تلك الكتابات على عّلاتها و ينساقون ورائها بلا دراية أو شعور ليتخذوها مصادر رئيسية فيما يكتبون دون أية تدقيق و تمحيص أو منقاقشتها وفق أسلوب النقد التاريخي الذي أولى مراحله و خطواته هو دراسة المصدر من حيث ظروف كتابته و الفترة الزمنية التي دوّن فيها و شخصية الكاتب و مدى تخصصه الأكاديمي و خلفيته الفكرية و الأجتماعية ، أو حتى أدنى تفكير في مدى منطقية تلك الكتابات للتأكد من مدى صحتها ، و ليتعاملوا معها وكأن ما أحتوته من أفكار أشياء مُسلم بها ، مخدوعين بالأسماء اللماعة لبعض كتابها أو الجهات الدينية أو السياسية أو الأجتماعية الراعية لها . و من هؤلاء الكتاب من ينخدع ببعض المؤسسات التي غالبها دينية الطابع تأخذ بتمّويل كتاباتهم و تساعد على نشرها و توزيعها بعد أن توفر لهم مصادرها الخاصة في كتابة ذلك التاريخ لتكون تلك الكتابات فيما بعد بمثابة ردة فعل للظلم الذي تعرضت له أنتمائاتهم الأجتماعية أو العقائدية أو الفكرية عبر الزمن . و من الطبيعي التصور أن تلك الجهات لايمكن أن تمنح كل تلك الموارد التي لا يُعرف مصدرها من أجل سواد عين الحقيقة التاريخية و تخليد ماضي الأنسانية و البحث العلمي الموضوعي ، و أنما من أجل أهداف و نوايا خاصة بها لتمجيد و تعظيم كياناتها الدينية و الطائفية لمنحها من خلال تلك الكتابات دوراً لاتستحقه في المسيرة الأنسانية ... و هنا لايفترض سوء النية من قبل هؤلاء الكتاب لترويج تلك المغالطات لكن محدودية خبرتهم و ضعف خلفيتهم العلمية جعلتهم يتحولون الى أبواق و منابر لترويج ما يطرحه المزورون الحقيقيون و تنفيذ ما خططوا له في نشر التخلف و الحقيقة المزيفة ، ليتناولوا حينها (السُم المميت الموضوع في دَسم الأكاذيب) دون أن يشعروا فيكونوا هم أول ضحيا ذلك التزوير بعد أن تكون كتاباتهم من الهشاشة بحيث يصيبها التصدع و الأنهيار ثم السقوط في أول عملية نقد علمي بنّاء تتعرض له.
و مع أن ترويج هذه المصادر من قبل تلك المؤسسات لم يكن بالجديد لكنه في وقتنا الراهن لاقى أنتشاراً غير طبيعي مهدت له الثورة الهائلة لشبكة المعلومات العنكبوتية (الأنترنيت) لسهولة تداولها و محدودية كلفتها ، و بشكلٍ مرافق و موازي للأنتشار المجنون و الغير مسبوق لمافيات الأعلام من كل حدٍ و صوب و التي أتخذت مؤخراً من منطقة الخليج مرتعاً خصباً لها بوسائلها المرئية و المسموعة و المقروءة ، و التي أفرزتها تناقضات هذا الزمن الغريب الذي ضاعت فيه الحقيقة و غاب الساعون في سبيل أظهارها و المباديء و الأفكار النبيلة التي تدعو لها ، ليسود الأعلام الزائف الذي غدا للأسف من يسّير دفة الحياة اليوم . فتم أستغلال هذه الوسائل بشكل أكثر خطراً و أشد فتكاً من قبل تلك الجهات التي غيرت أسلوبها الخبيث فلبست هذه المرة ثوباً جديداً فوق ثوبها القديم المهتريء المكشوف ألا و هو رداء الدين و الطائفية المريضة التي أصبحت السلاح الفعال و الأمضى لمسخ العقل البشري و التفكير العلمي الرصين ، فأصبحت تروج لغيبيات و أوهام فارغة جعلت الفكر الأنساني يرتد عشرات القرون الى الوراء ، و تهشم كل ما أنجزه الأنسان و مجتمعاته البشرية على مدى تلك المسيرة الطويلة من الكفاح و النضال مع الطبيعة و الظروف البيئية القاسية المحيطة به لديمومة جنسه و أستمرارية حياته ليعلن بعدها أنتصاره الباهر على تلك القوى بفضل قواه العقلية الجبارة ... فبدأ بالأيهام بأن الحضارة الأنسانية مُنزلة على طبق من كرم من السماء ، ليس للأنسان أي دور فيها ، فهي أكبر منه و فوق طاقته و مدى تفكيره العقلي ، جاعلين منه مخلوقاً مِسخاً متطفلاً و طارئاً على مسيرة الحياة ليس في جعبته نحوها سوى الموت و الخراب ، ليحق فيما بعد لمن وهب تلك (المِنة السماوية) أن يسترجعها بعد يأسه من أصلاح ذلك الكائن المحب للدم و الدمار ، فيبرر بذلك هلاك المجتمعات البشرية بسبب ما أقترف من (معاصي) عن طريق الكوارث الطبيعية أو الحروب التي يكون أول من يخطط لها و يشعل فتيلها هي نفسها المافيات المروجة لتلك الأكاذيب ، أو لجعل الأنسان يرضى بواقعه المرير الذي يعيشه بأعتباره قدر لايمكن تغييره لأبقائه خانعاً راكعاً حبيس قيوده الأجتماعية مُكبلين فكره وعقله بعدم جواز الثورة على ذلك الواقع الممتليء بالظلم و الحيف الذي يلقاه من الذين يبغون سلبه العقل و الجسد و الروح و المستقبل . لينسفوا بذلك فكرة عظمة الأنسان كونه المسّير الفاعل لعجلة الحياة و ديناميكيتها و قدرته على صياغة مستقبله و صناعة تاريخه الذي هو بطله الأول دون منازع ، مانحين هذا الدور المحوري الى القوى الطبيعية و الخيالية ليكون لها الفضل الأول في نشوء و أزدهار الحضارة وديمومة الحياة . ليبتدئوا مع ترويج هذه الأفكار مرحلة جديدة و أكثر تطوراً من قمع العقل البشري و مسخ أنسانيته عن طريق ذلك الغسل الممنهج للأدمغة بعد أن تم لهم بنجاح و سابق تآمر تحجيم الأفكار العلمية الحديثة الداعية للتحرر العقلي الرافضة لكل أنواع التخلف ، و حجبها عن الناس عن طريق تشويه صورتها أمامهم.
أن المفارقة الملفتة للنظر و الداعية للأستغراب فعلاً أن قسماً كبيراً مما تم و يتم طرحه في تلك الأفكار و المغالطات لا تتناسب مع حجم التطور العلمي و التقنيات الحديثة المستخدمة في عملية ذلك التظليل ... فتارة يتم تصوير مخلوقات فضائية قدمت من السماء لتقيم الحياة على الأرض كما تم الذهاب اليه في تفسير أسطورة آلهة (الأنوناكي) ، و أخرى ذات ذكاء خارق و مقدرة ذهنية و جسدية هائلة هي من شيد أهرامات وادي النيل و معابد جبال الأنديز ، و تارة أخرى يصورون أجيالاً من العمالقة كحال الديناصورات سادت في العالم هي من كانت تدير شؤون الأرض بوحي من أرادة السماء ، و يتخطى ذلك ليتم أعادة الحياة لملوك و حكام غدوا شخصيات مُضحكة في حكايات الأساطير و قصص الأطفال فيعطوا لهم دوراً مهماً و رئيسياً في الأحداث التاريخية ، كحال الملك الخرافة (النمرود) و (مساهمته الفاعلة) في تاريخ الدولة الآشورية ، و نفاجأ بعدها بنكتة تاريخية مفضوحة مفادها أن الملك البابلي الشهير (حمورابي) أصله من منطقة الخليج ، ثم يأتينا ماهو الأفضع و الأشد خبثاً من تلك الأفكار طارحة نظرية تاريخية جديدة مفادها أن الشعب (السومري) العظيم مؤسس أولى المدنيات في التاريخ و باني أعظم صروح الحضارة الأنسانية ليس له وجود ، و ما كتب و ذكر عنه ما هو ألا كذب و وهم ، و ما كان قد أنجزه من روائع الفكر و المعرفة ليس ألا ضرب من الخيال الأعمى .... و غيرها الكثير الكثير من هذه السفافسف و الخزعبلات التي تدعو للرثاء ، و أبسط ما يمكن القول بشأنها أنها ساذجة و بعيدة كلياً عن العمق و الواقعية التاريخية و منطق مسيرتها ، لتجعلنا أحايناً نشك أننا حقيقية في القرن الواحد و العشرين ... و كل ما يقدمه هؤلاء الدجالون لأثبات آرائهم المسمومة بعض الصور المُبهمة في المنحوتات التاريخية و تفسيرهم الغريب لبعض النصوص الأدبية ، أو بعض الصور المُفبركة المعمولة في الدهاليز السوداء لتلك المؤسسات . و كل ذلك بقصد التمهيد لأعادة التفكير بأسلوب قديم ولى و أنقرض منذ زمن بعيد ، ألا و هو بث الحياة مرة أخرى للمصادر الكلاسيكية الساردة لذلك التاريخ المشوه خلال فترة القرن الثامن عشر و حتى مطلع القرن العشرين ، أي بمعنى آخر ضخ الدم في شرايين المؤسسات الصفراء المختبئة خلف تلك الواجهات الدينية المُجملة المزوقة و بأختلاف توجهاتها ، بعد محاولتهم ترويج ما ورد في تلك المصادر و في مقدمتها (التوراة) و باقي الكتب و المراجع الدينة الأخرى في مسعاً منهم لأثبات حقيقتها ، فانقلب حينها سحرهم على ساحرهم . حيث فندّت البحوث و الدراسات التاريخية الحديثة المستندة الى نتائج التنقيبات الأثرية في منطقة الشرق القديم معظم ماورد فيها و لم تبقي منها سوى القشور . فقد أثبتت تلك البحوث المُعمقة بما لايدع مجالاً للشك محدودية و ضحالة المعلومات التي أحتوتها ، و كذلك فشلها الذريع في أعطاء تفسيرات منطقية لطبيعة حركة المجتمعات و تفاعلاتها الأنسانية مع بيئاتها و تطور تفكيرها المفترض أزاء ذلك ، لبناء ثقافاتها الخلاقة الخاصة بها.
و ربما بعد ماتقدم من عرض فأن النظرة المستقبلية لكتابة التاريخ ستشوبها السوداوية ، وهي ستكون كذلك بالفعل فيما لو أستمر هذا الأنحدار و الخراب في مسيرة التدوين التاريخي ، و هذا أكثر ما يخشاه اليوم جميع المثقفين و في مقدمتهم أولائك الساعين لكتابة التاريخ بشكله الحقيقي البعيد عن الزيف ، لأنه سيحوله حتماً في يومٍ ما الى ما يشبه كتابة التعاويذ و التمائم و الأدعية التي يكتبها أو يصفها الدجالون و المشعوذون للسّذج و المتخلفين و قصّار البصيرة ، لمسخ تفكيرهم و تقييد أرادتهم و أيهامهم بقدرية مستقبلهم لتكبيل دورهم الأنساني في بناء الحياة