• Default
  • Title
  • Date
الخميس, 03 آذار/مارس 2016 20:35

في بلادي

في بلادي
ليس هناك هزات أرضية مدمرة ولا حتى زلازل غير مؤذية
وليس هناك براكين تثور ولا حتى فوهات خامدة
في بلادي
لم نسمع بعواصف جليدية
وحتى النهر العظيم توقف عن فيضاناته الربيعية المعتادة
في بلادي
ليس هناك حرائق غابات تقضي على اليابس و الأخضر.
الأمر ليس هكذا
في بلادي هناك هزات أرضية تدمر النفوس والعقولْ
وتمنع الشمس أن تقولْ:
تعالي أيتها النجوم والأقمار نجتمع ونمنع الأفولْ
ونبعد الظلامَ الذي يصول ويجولْ
ويفتك بالحياة
في بلادي الأمر ليس هكذا
هناك براكين بشرية تثور وتخمد كل يومْ
وتحلم وهي مستيقظة يجفو عيونها النومْ
بحياة عادية فيها ماء وكهرباء وهواء نقي يمكن تنفسه
في بلادي
المصائب بشرية
والعواصف الجليدية تهب من جهلة وفاسدين ومرتشين
وحين تهب هذه العواصف الجليدية تدمر خطوط سكك وأسلاك كهرباء وعمارات لا وجود لها إلا في عقول الحالمين بغد أفضل
في بلادي
تفيض أنهارٌ من القهر والبؤس والظلم كل يوم بل كل لحظة وبلا ميعاد
تفيض أنهار من القاذورات التي تتحكم ببوابات العالم الأرضي والسماوي
تفيض أنهار من التشاؤم والسوداوية والإحتكام إلى المجهولْ
في بلادي هناك كوارث دائمة تدمر الواقع وتحارب الأحلام الجميلة
في بلادي
هناك حرائق بشرية يومية أشد وأعتى من محارق النازية
إنها تحرق غابات الأمل والتجديد والتطور والكبرياء
إنها تحرق الأرض والسماءْ
إنها تحرق بساتين البهجة والمتعة وجمال الأرواحْ
في بلادي
الكوارث صامتة
لا تتحدث عن نفسها ولا يذاع عنها ولا نراها إلا على وجوه الناس
وهم يجرون أذيال الخيبة كل مساء
ليجتروا كوارث يومهم الأسود
إنما في بلادي
هناك من يقف منفردا ليعلن عن الكارثة ويحاربها
آملا أن يجتمع المهتمون حوله وهم حفنة من الشجعان ذوي الضمائر
يحملون الأفكار الكبيرة بعقولهم وقلوبهم
ويحملون المطافئ الصغيرة بأيديهم
ويلوحون للحريق أن يقترب منهم
بينما تلتهم النار عقول الملايينْ
وتحيلهم إلى جهلة ومجانينْ
في بلادي

الأول من آذار 2016

نشرت في شعر
الإثنين, 29 شباط/فبراير 2016 23:28

يردنا ـ الماء الجاري

ان كلمة يردنا جاءت من جذر" ردا " بمعنى يجرى, يسافر, يطوف ومنها كلمة " ردايا " بمعنى مار ، عابر ، جاري وبذلك فأن معنى "يردنا " يكون لوحده "الجاري" و مجازا" هو الماء الجاري اما كلمة نهر فموجوده في اللغة المندائية بصيغة –نهرا- و منها ديوان نهرواثا.
و لكن مصطلح "يردنا" اخذ بعدا" مقدسا" لارتباطه بجذور التكوين السماوي –النوراني- الاول للحياة في عالم النور, حيث جاء في المندائية تسلسل وجود الماء كما يلي:-
1* يردنا ربا قدمايا و هيي اليردنا الاولى العظيمه في عالم النور.
2* يردنا ربا اد ميا هيي وهي يردنا الماء الحي في عالم النور.
3* نبطا سغيا, هي النبته العظيمه المرسله من داخل يردنا الاولى الحية العظيمة. والتي صارت اساس الطيبات المبعوثة للارض- عندما دخل الماء الحي في النباتات ومن ثم باقي المخلوقات "لنبطا سغيا من كو يردنا ربا ادهيي قدمايي" و بعبارة اخرى فهي "ميا سغيا" اي الماء المرسل. بوثة الاثنين صباحا"- نياني اد رهمي.
4* دخول "مياهيي" الماء الحي على الماء الارضي (ميا تاهمي)- مياة التخوم- لغرض بعث الحياة فيها ومنها لتكون الحياة بكل اشكالها.
5* ميا سياوي – وهي المياه السوداء المكونه للمادة ، الموجودة داخل الارض- منيهون ومن هناتون ميا سياوي كبلت" اي منهم ومن تلك المياه تجبلت ، "بوثة قشش"- سيدرا اد نشماثا.

معيار شرعية الماء:-
ان شرعية الماء وصحته للانسان والمخلوقات تكون بذاته لانه منبع الحياة وباعثها في الموجودات منذ ان تكون في عالم النور سابقا" ومماثلا" للضوء ومن النور اصله ومن ثم امتلاكه قوة التكوين ، بصفته ( اب لكل العوالم العليا والوسطى والسفلى ، انه علاج يفوق كل انواع العلاج وهو مقسم الى سبعة اسرار لايشبه احدهم الاخر). ألف وترسر شياله . وبالتالي فأن الانسان لايدرك قدرة الماء. "اد انش بهيلي لامصي". الرشامة
وبما ان تكون الماء كان حرا" في عالم النور (مياهيي) لذلك فان قدرته وشرعيته تكون بذاته ويعتبر كالنشمثا ، ولكنه عندما جاء الى العالم الارضي دخل على الماء الارضي بنسبة 1/9 والذي يعتبر كالجسد باعثا" الحياة فيه ومن ثم في كل المخلوقات.
"انهر كوفني بكو ميا واتقيم كبيري بيردنا" انارت السلالات داخل الماء وتقومت المخلوقات في الماء الجاري- قابين شيشلام- وجرى هذا الماء في تراب الارض مكونا" الانهار التي أخذت قدسية كفتيها من الماء الجاري الذي يجري بداخلها.
لذلك فان معيار نظافة الماء تكون عموما" بخلوه من عوامل التلوث المادية التي هي بسبب الانسان والمخلوقات الضاره, أما في حالة انقطاع جريانه فأنه لايصلح لاداء مهمته الحياتيه السامية, لسرعة تصاعد عوامل التلوث به من البيئة المحيطه (الانسان والمخلوقات) ولفعل الاجزاء السبعه المادية فيه- ودليلها اسير يما, واسرين ترين كيفي أد يما- مقيد البحر وكفتيه- التي تطلق من قبل الترميدا اول دخوله للماء الجاري وليس البحر. بمعنى ان تلك الاجزاء الثمان المادية تابعه ل(ميا تاهمي) اي مياه البحر المؤذية.
وبذلك فأن معيار شرعية الماء يتحدد ب:-
1* نقاء الماء بذاته اي احتواءه على اكبر قدر ممكن من عامل الحياة (مياهيي) ومصدره المنبع السماوي.
2* نظافة الوسط الجاري او الاناء الذي يحتويه وخلوه من عوامل التلوث.
3* عدم تسببه بالضرر او الامراض.

والقياس يكون بخلو الماء الطبيعي من اللون والطعم والرائحه, وعن طريق وسائل القياس العلمي الذي يثبت خلوه من عوامل التلوث الكيميائية والجرثومية والاشعاعية المسببه للامراض. وبالنتيجة فأن أي نسبة من هذه العوامل تصل الى الحد غير المسموح به علميا" فأن هذا الماء لايعتبر – يردنا اد مياهيي - ولا يصلح للاستخدام الديني, وأن نطق الاسماء والبواثا المباركة عليه تحمل من يقوم بها ذنبا" كبيرا" بقدر الضرر الذي يوقعه هذا الماء على الحياة. وبذا فأنه لاوجود لقدسية لمثل هذا الماء. كمثل الانسان الذي خرجت نفسه من جسده ويبقى جسدا" نتنا" باطلا".

شرعية ماء الاسالة:-
تأتي من العوامل التالية:
1* يعتبر جاريا" أثناء فتح الصنبور واستعماله.
2* يعتبر نقيا" لخلوه من عوامل التلوث المسببه للامراض لخضوعه للكشوفات العلمية اليومية.
3* يديم الحياة للانسان والمخلوقات الاخرى.
4* لا يسبب ضررا" مرضي للانسان والمخلوقات الاخرى.
5* يعود مصدره الى – يردنا اد ميا هيي- اي الماء الحي الجاري الساقط من السماء.
6* هو المصدر الوحيد للماء الذي لاغنا" عنه في كل بيت, ففي حالة تحريمه دينيا" فأن ذلك معناه منع المندائيين من دينهم واداء طقوسه المهمه من طماشة ورشامة وبراخا ولوفاني...الخ وبذلك تكون الخسارة كبيرة.
شرعية الاحواض ذات الماء الجاري

ان الخلاف الموجود حاليا" بين بعض رجال الدين ليس على شرعية الاحواض بحد ذاتها وانما على الماء الجاري الذي يسري داخلها فالبعض منهم حرم أن يكون مصدر الماء هو ماء الاسالة, رغم أن المصدر هو بالنهاية الماء السماوي (مياهيي) وان تدخل الانسان هو لتنقية هذا الماء وجعله صالحا" للاستخدام البشري علاوه على ان الحكم على هذا الماء (كما اسلفنا) يقوم على اساس نقاءه بأحتواءه على عنصر الحياة (مياهيي) وخلوه من العوامل الضاره والمسببة للامراض. ولا يصح قياس افضلية الماء نسبة" الى جسد الانسان – كما ورد في بوثة بيت مشقال ايني – "كلهين ايدي كنب قدامخ ,وكلهون اسفي كدب, ميا بيردنا زكايا قدامخ لايت مندادهيي" اي كل الايادي سارقة امامك وكل الشفاه كاذبه الماء الجاري وحده زاكيا" أمامك ليس مثله يكون يا مندادهيي"
الذي نراه ان حقيقة الخلاف على شرعية ماء الاسالة يعود الى اسباب سياية واجتماعية بالدرجة الاساس, اوأختيار الحل الاسلم الذي يتصوره بعض رجال الدين حيث استغل البعض منهم هذه المسألة سلاحا" مسلطا" ضد البعض الاخر الذي ينادي بالتيسير والتنوير والتحضر, مستغلين قلة الوعي المندائي عموما" لدى العامة.

وقد صدرت فتاوي عديده لرجال ديننا الافاضل في العصر الحديث في العراق. بتحليل ماء الاسالة دينيا" بدأ من الشيخ سالم شخير عام 1967 والشيخ عبدالله الشيخ نجم عام 1996 شافق هطايي نهويلون بتأييد ومباركة كل رجال الدين في العراق وانتهاء" بالشيخ ستار جبار حلو والمجالس الروحانية التي تشكلت برئاسته في العراق وسوريا. وكان اول استخدام للحوض بماء الاسالة الجاري في البصره عام 1976 – ثم في بغداد عام 1980 ومن ثم في باقي المحافظات ومعظم دول العالم التي يتواجد فيها المندائيون. حيث اثبتت تجربة المنادي ذات احواض الماء الجاري وخاصة خارج العراق وايران فعاليتها ونجاحها باعتبارها عامل الانقاذ الاول للمندائيين.

الخلاصة// ان يردنا تعني الماء الجاري الحي الصالح للاستخدام البشري دون تسببه في أي ضرر ان كان هذا الماء يجري في وسط طبيعي كالانهار والقنوات او النابع من العيون أو المسحوب من الابار او من ماء الاسالة, حيث ان مصدره واحدا" الا وهو المنبع السماوي المبارك – يردنا ربا اد مياهيي- وهيي زاكن.

*كتبت لصالح المجمع الصابئي المندائي للتنوير.

Sydney- Australia
13\01\14

الإثنين, 29 شباط/فبراير 2016 23:14

المدارس ونظام التعليم في العراق القديم

يمكن اعتبار المدارس من أولى المؤسسات التي نشأت في العراق القديم، وكانت تلك النشأة متزامنة مع النهضة الحضارية الهائلة التي حدثت في تلك البلاد بعد ثورة الاستيطان المدني التي حدثت في أرض (سومر) في أواسط الألف الرابع ق.م، وكانت نتيجة مباشرة ومُكملة وحتمية لأروع اختراع بشري عرفه التاريخ، ألا وهو ابتكار أقدم طريقة للتدوين عرفت بالكتابة المسمارية، والتي أبتدعها الفكر الخلاّق لأبناء الرافدين في مدينة (الوركاء) السومرية (طبقتها الأثرية الرابعة) في حدود 3200 ق.م، التي هدفت أساساً ببداياتها الصورية البسيطة لتسجيل واردات المعابد الاقتصادية... لتنتشر بعدها الثورة الفكرية والثقافية في جميع أنحاء العالم القديم فاتحة عهد جديد في تاريخ الانسانية عرف بالعصور التاريخية.
لقد كان أنشاء المدارس نابعاً بالأساس من أيمان شعب سومر بأهمية العلوم وتطورها، ونشر الكتابة بشكل واسع بين شرائح المجتمع باعتبارها المروّج والناشر لتلك العلوم والوسيلة الناجعة لمكافحة الجهل، ويستشف هذا من الحكمتين السومريتين الرائعتين (من يعرف علماً عليه أن لا يبقيه مخفياً عن الناس)، (الكتابة أم للخطباء وأب للتلاميذ)، كما كان ينظر الى الغير متعلم كأنه الأعمى الذي لا يرى جمال الحياة.. ويمكن فهم ذلك من الأحجية الطريفة التي كانت تلقّن للتلاميذ الصغار في بداية تعليمهم، حيث تقول (بيت بأسس كالسماء.. بيت يبدوا كأنه مُغطى بالكتان.. بيت كأنه إوزة واقفة على قاعدة متينة.. بيت يدخله الأنسان بعيون مغلقة ويخرج منه بعيون مفتوحة...... فما هو هذا البيت؟...... الجواب (المدرسة)).. اضافة الى ذلك فأن صعوبة الكتابة المسمارية وشدة تعقيدها خلال مراحلها التطورية الثلاث (الصورية، الرمزية، المقطعية) بما احتوته من عدد هائل من العلامات الرمزية والمقاطع الصوتية، جعلت من العسير بل من المستحيل تعلمها بشكل عفوي منفرد دون تخطيط منهجي منظم متسلسل تديره مؤسسة متمرسة ومختصة تدعمها سلطة ذات أرادة قوية متنفذة بين الناس، والمتمثلة آنذاك بسلطة المعبد التي وضعت بين يديها عند بواكير نشأة المدن السلطتين السياسية والدينية، وفق ذلك نشأت في العراق القديم أولى المؤسسات التعليمية في تاريخ الحضارات القديمة وذلك في مطلع الالف الثالث ق.م..... ومن البديهي التصور أن تكون البدايات الأولى للمدارس لم تكن سوى حُجر صغيرة ملحقة بالمعابد، يتم فيها تدريس حلقات صغيرة من التلاميذ الذين كان جُلّهم من الكهنة الصغار والأشخاص الذين يدخلون في خدمة المعبد، وكان هدفها حرفي بحت محدد بتعلم القراءة والكتابة ليس ألا، ليتم من خلالها أعداد كتّاب متخصصين بتدوين الوثائق المتنوعة والمراسلات في المعابد وقصور الأمراء، وسد ما تحتاجه المدن في هذا الجانب مع النمو الكبير الذي تشهده والمتزامن مع التطور الهائل الذي واكب طبيعة الحياة فيها.... علماً أن معظم تلك المدارس البدائية كانت ضمن المعابد المكرسة لعبادة الإله (نابو) إله القلم والكتابة.... وفي منتصف الألف الثالث ق.م عند عصر فجر السلالات الثاني الذي شهد بداية انفصال السلطتين السياسية عن الدينية فكان له أن تأثرت المدارس بذلك، حيث أستقلت المدراس بأبنيتها وأدارتها وانتظمت كياناتها، وكذلك تطورت بمناهجها التعليمية وأساليب وطرق التدريس فيها، لتبلغ قمة الذروة في ذلك التطور والرقي في زمن سلالة أور الثالثة السومرية 2113_2006 ق.م الذي انتشرت فيه المدراس بشكل واسع جداً بين مدن وادي الرافدين المختلفة، أنتجت أعداداً كبيرة من الكتاب، ويستدل على ذلك من الكم الهائل من النصوص المسمارية المكتشفة في هذه البلاد والعائدة لهذه الفترة.
كانت التنقيبات الأثرية في معظم مدن وادي الرافدين قد كشفت على امتداد القرن المنصرم على العديد من المعابد والأبنية الأخرى، أمكن تمييز الكثير من غرفها بأنها كانت معدة للدراسة وذلك من خلال مخلفاتها الأثرية التي كانت عبارة عن الواح طينية تمثل نصوص مدرسية أعدّها التلاميذ، تتميز بشكلها الدائري، مكتوب عليها علامة مسمارية واحدة أو أكثر مكررة بشكل عامودي، كذلك ضمت بعض تلك الألواح كتابات ركيكة المستوى تحوي أخطاء املائية ونحوية واضحة تظهر بوضوح أن كاتبها لازال في طور التعلم، أضافة الى ذلك فقد كشف أيضاً عن حجرات ملاصقة لتلك الغرف احتوت على أواني وأحواض فخارية متنوعة الأشكال استخدمت حينها لأعداد الواح الطين التي يستخدمها التلاميذ في كتاباتهم المدرسية، ويعتقد أن هؤلاء التلاميذ كانوا يتلقون تعليمهم في تلك الغرف جالسين على أرضياتها المفروشة بالحصائر، وفي هذا الجانب أيضاً كانت التنقيبات الأثرية قد كشفت في بعض المدن عن أبنية صُممت بهيئة متطورة كتصميم المدارس الحديثة... ومن الأمثلة على ذلك ما استظهرته أعمال التنقيب في قصر الملك (زمريلم) ملك مدينة (ماري/تل الحريري) الذي يعود للنصف الاول من الالف الثاني ق.م، وفي معبد الآلهة (سبيتي) أي (الآلهة السبعة) في العاصمة الرابعة للآشوريين (دور شروكين/خرسباد) أواخر القرن الثامن ق.م، عن قاعات طويلة احتوت صفوف من المصاطب والمناضد معمولة من الطابوق والحجر كانت مخصصة لجلوس التلاميذ ودراستهم، وكانت تسَع الواحدة منها من أثنين الى أربع تلاميذ، كما عثر على نماذج مماثلة في مدن (نفر) و(أور) و(بورسبا)...... كما كشفت التنقيبات الأثرية على الآلاف من الألواح المسمارية باللغتين السومرية والأكدية أعطت بعد ترجمتها وتفسير ما ورد فيها صورة واضحة جداً عن طبيعة المدارس في العراق القديم وتلاميذها والقائمون عليها وأسلوب ومراحل التعليم فيها....... سميت المدرسة في السومرية (أيدوبا) وتعني (بيت الألواح)، كما سميت في الأكدية بنفس المعنى (بيت طوبي)، بالمقابل سمي التلميذ في السومرية (دوموأيدوبا)، وفي الأكدية (ماربيت طوبي) وتعني في كلتا اللغتين (أبن بيت الألواح)، وبلا شك تشير هذه التسمية بوضوح الى العلاقة الروحية بين التلميذ ومدرسته وتشبيهها بالعلاقة المقدسة بين الأبن ووالديه.... وأشارت النصوص أنه كان للمدرسة نظاماً صارماً للغاية يفرض على التلاميذ بالشدة والقسوة، بأسلوب لا يختلف كثيراً عن نظام التعليم القديم في عالمنا الحديث، حيث كانت تتم معاقبتهم بالضرب بالعصي أو حرمانهم من الطعام أو حبسهم في السراديب أو جعلهم يقومون بأعمال شاقة لا تتناسب مع أعمارهم أو طاقة أجسامهم، وذلك أما لسوء سلوكهم المُنافي لتقاليد المدرسة وعدم طاعتهم لمعلميهم، أو لمشاكستهم وعدم انضباطهم أثناء الدرس ولغيابهم وهروبهم من المدرسة، أو لإهمالهم وتقصيرهم في متابعة دروسهم، وتأخرهم في التعلم قياساً الى مدة وجودهم في المدرسة.
كانت المدرسة بنظامها الشديد هذا تتكون من هيئة تدريسية متكاملة متكونة من عدة أشخاص، لكل منهم واجبه ومهمته التي يؤديها للمدرسة والتلاميذ.. يقف على رأسهم مدير المدرسة الذي يسمى في السومرية (أوميا) ويعني (الأستاذ أو الخبير)، كما يسمى أحياناً في السومرية (آيا أيدوبا) وتعني (أبو المدرسة)، ويكون واجبه الرئيسي أدارة المدرسة ومتابعة نظامها، ووضع مناهجها التعليمية حسب مراحلها الدراسية، ومتابعة عمل المعلمين والأشراف على اختبار التلاميذ كي ينتقلوا الى مراحل دراسية أعلى.. ويأتي من بعده المعلم أو الكاتب ويسمى في السومرية (دوب سار) وفي الأكدية (طوب سارو) أو (طوب شارو)، ومهمته كما هو المعلم الحديث الأشراف المباشر على تدريس التلاميذ وتلقينهم الأصول الصحيحة للكتابة والقراءة وباقي العلوم الاخرى وفق المناهج الدراسية التي تعّدها أدارة المدرسة والنظام التعليمي المتبع آنذاك، تارة بالشدة والقسوة وتارة اخرى بالمديح والاطراء، وكان للمعلم دور مهم في توجيه التلاميذ وتفسير معاني الكلمات والمصطلحات والعبارات وكيفية نطق أصواتها شفاهياً ثم تدويناها كتابياً، وكان هؤلاء متعددي الأسماء حسب تخصصاتهم والعلوم التي يدّرسوها... حيث يقال في السومرية.... معلم الحساب (دوب سارنيشيد)، ومعلم الهندسة (دوب سارآشاكًو)، ومعلم اللغة السومرية (دوب ساركيأينكًيرا)، ومعلم اللغة الأكدية (دوب ساركيأوري)..... ويساعد المعلم في عمله المتعِب ما يعرف بالمعلم المساعد الذي يعرف في السومرية (شيشكًال) ويعني (الأخ الكبير) وهذا يكون في الغالب أحد تلاميذ المرحلة المتقدمة، توكل اليه كجزء من تدريبه مهمة متابعة التلاميذ الجدد وتعليمهم كيف يعدون الواحهم الطينية وتهيئة وتدقيق واجباتهم اليومية، وكذلك الاستماع منهم الى كيفية قراءتهم الكلمات والعلامات المسمارية بشكل صحيح.... كما ضم ملاك المدرسة عدد من المراقبين والمرشدين تناط بهم مهمة متابعة ومراقبة التلاميذ، مثلاً (مراقب الباب) ومهمته منع التلاميذ من الهرب من المدرسة، و(مراقب الحضور) وهو المسؤول عن تدقيق حضور التلاميذ يومياً ومعرفة المتغيبين منهم لرفع أسمائهم الى مدير المدرسة، و(مراقب الهندام والنظافة) ويكون واجبه التفتيش اليومي لملابس التلاميذ وهندامهم ونظافتهم ومدى لياقتها للمدرسة، وهناك أيضاً (رجل السوط أو رجل العصى) الذي تناط به مهمة حفظ النظام ومعاقبة التلاميذ... ومن الطريف ذكره هنا أن عبارة (الضرب بالعصى) كانت تكتب في اللغتين السومرية والأكدية بعلامتين مسماريتين رمزيتين هما (العصى) و(اللحم).... ومن الضروري الذكر أن المدارس كانت كأي منجز حضاري آخر أعادت المعتقدات الدينية الرافدينية الفضل فيه الى الآلهة باعتبارها حامية البشر وملهمة أبداعهم، عليه نسبت تلك المعتقدات رعاية المدارس في بداياتها الأولى الى الإله (نابو) باعتباره إله الكتابة والقلم.. لكنه مع تطور المدارس وانتشار العلوم والمعارف أفردت الفلسفة الدينية لأبناء الرافدين إلهة خاصة بالمعارف والعلوم والمدارس هي الإلهة (نيسابا) لتأخذ دور الإله (نابو) في ذلك... أن في لهذا التبدل دلالة رمزية وفلسفية في غاية الأهمية استناداً الى أحدى صفات ومزايا آلهة وادي الرافدين، والمقصود مبدأ (التشبيه) الذي يجسد صفات الآلهة المادية والروحية بالبشر، وأن عالم البشر الأرضي ما هو في الحقيقة ألا صورة مصغرة لعالم الآلهة الفسيح في السماء، وبموجب هذه الدلالة فقد منح دور رئيسي وجوهري للمرأة في أنتشار المعارف وعملية التعليم، وبالتالي يعكس مدى الرقي الحضاري الذي وصل المجتمع العراقي القديم من خلال نظرته الراقية للمرأة التي شقت طريقها منذ ذلك الزمن نحو كافة مجالات الحياة أسوة بالرجال.. لذلك فأن الفتيات التحقن كذلك بالمدارس أسوة بالفتيان وأن كان بنسبة أقل، وكانت التلميذة تسمى في السومرية (دومومي أيدوبا) وفي الأكدية (مارتو بيت طوبي)، وتعنيان (بنت بيت الألواح)، ليتخرجن بصفة كاتبات مارسن دورهن المهني في المعابد والقصور والمدارس والمراكز التجارية ومراكز الأرشفة والتوثيق، حيث أشارت العديد من النصوص المسمارية الى أسماء المئات من الكاتبات الممتازات اللواتي أشير لهن بالبنان في عملهن.. علماً أن كلمة (كاتبة) كانت تسمى في السومرية (دوب سارمي) وفي الاكدية (طوب سراتو) أو (طوب شراتو) .. ومن المفيد والطريف ذكره أيضاً أن كتّاب العراق القديم كانوا شديدي التعلق بالآلهة (نيسابا) باعتبارها إلهة الحكمة وملهمة فكرهم.. فاذا ما نجحوا في كتابة موضوع ما بشكل متكامل ومُرضي وتوصلوا في خاتمته الى نتيجة منطقية صحيحة فانهم يذيلون أسفل اللوح المسماري الذي كتبوه بعبارة (نيسابا زامي) وتعني في السومرية (الحمد للآلهة نيسابا)، أما عكس ذلك فكانوا يكتبون عبارة (نيسابا أنا بادا) وتعني (العلم عند الآلهة نيسابا).. ويضاهي ذلك قولنا بلا تشبيه (الحمد لله) و(العلم عند الله).
لقد تطورت المناهج التعليمية في مدارس العراق القديم بشكل مضطرد مع مسيرة تطورها، وتبعاً لحاجة المجتمع لطبيعة العلوم التي تقدمها تلك المدارس، وهنا ينبغي الاشارة الى أن المدراس بعد الرقي الحضاري الهائل الذي شهدته البلاد خلال فترة العصر البابلي القديم في النصف الأول من الألف الثاني ق.م لم تعد بنفس التوجه والمستوى التعليمي، انما قسمت في نوعين استناداً الى المناهج الدراسية ومستوى التلاميذ فيهما... النوع الاول يمكن تسميته بالمدارس الأولية أو الابتدائية التي تسمى كما سبق (أي دوبا/ بيت طوبي).. يدخلها الدارس بصفة (تلميذ) ويتخرج منها بصفة (كاتب) أي (دوب سار/طوب سارو).. أما النوع الثاني فكان بمثابة معاهد عالية تضاهي الجامعات الحديثة، وتسمى في الأكدية (بيت مومي) أي (بيت الحكمة)، يدخلها من كانوا قد أنهوا الدراسة في المدارس الأولية، أي من كانوا بدرجة (كاتب) ليتخرج منها أنجازه مدة الدراسة فيها وهو بدرجة (رئيس كتاب) الذي يدعى في الأكدية (رب طبو شراني).. ويرجع السبب الرئيسي لهذا التطور الهائل في مستوى التعليم خلال هذه الفترة الزمنية الى تحرر المدارس من قيود سلطة المعبد وسيطرة الدولة عليها بالكامل، لتحيلها الى مؤسسة دنيوية بشكل مطلق، مما جعلها تنفتح بشكل واسع على آفاق ومفاهيم جديدة فرضتها طبيعة الحياة الجديدة..... فيما يخص مناهج المدارس الأولية فقد أعدت بشكل أساس لإنتاج كتّاب متمرسين لسد المتطلبات والحاجات الاقتصادية والادارية التي تحتاجها البلاد.. لذلك تلك المناهج كانت تتركز على تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب والهندسة، وهذا يقتضي من التلميذ حفظ أعداداً كبيرة من العلامات المسمارية الصوتية والرمزية وزّع تعلمها على عدة مراحل.. ففي المرحلة الأولى يبدأ التلميذ بمساعدة (الأخ الأكبر) بتعلم العلامات البسيطة (قراءة وكتابة) ذات المقطع الصوتي الواحد مُنغمة بتركيب موسيقي مُحبب يسهل معه حفظها مثل (با، بو، بي.. تا، تو، تي.. لا، لو، لي.. ما، مو، مي......ألخ).. ثم يتدرج بتعلم العلامات الأكثر تعقيداً والتي تحمل أكثر من معنى أو قيمة صوتية مرتبة في قوائم منظمة يهيئها له المعلم، وفي المرحلة الثانية يتعلم الكلمات بعدة علامات تبدأ بالمصطلحات المستخدمة حياتياً وصولاً للجمل الكاملة الصحيحة والعبارات التامة بما تحويه من ضمائر وأفعال وأسماء لمختلف الحالات الزمنية والمكانية للشخص العاقل وغير العاقل، ثم ليحصل في تعلمه في المرحلة الثالثة التي يمكن تسميتها ب(المرحلة التخصصية) على أصول الكتابة الرسمية المتضمنة المصطلحات القانونية والادارية والاقتصادية والدينية، وكان على التلميذ أن يتقن فيها الأسلوب الرسمي الصحيح في كتابة العقود التجارية والاجتماعية (زواج، طلاق، أرث، تبني) وكذلك الرسائل والمخاطبات التي تعتبر من الأمور المهمة جداً التي يتطلب على التلميذ اتقانها... وكان يعبر عن كلمة (التعلم) بمصطلح (الأخذ) وفي الأكدية (أخزو).. ولتسهيل حفظ للتلاميذ أتبع المعلمون طريقة التصنيف اللغوي أي أنهم صنفوا المفردات الى مجموعات استناداً الى المعنى والشكل، وفق ذلك نظمت قوائم خاصة بهذا، فهناك قوائم بأسماء الآلهة وأخرى بأسماء الحيوانات، الطيور، الأشجار، المعادن، أعضاء الجسم، المدن، الأنهار، الحِرف.. وكان يتطلب من التلميذ حفظها عن ظهر قلب ومن ثم كتابتها بشكل صحيح.. من جانب آخر وكون بلاد الرافدين منذ اكتشاف الكتابة فيها كانت ثنائية اللغة (سومرية وأكدية) لذلك كانت المناهج قد أعدت لتعليم اللغتين بشكل متوازي كون أن الكثير من المفردات والمصطلحات والعبارات وخصوصاً الرمزية منها أصبحت بمرور الزمن متداولة في كلتا اللغتين وبنفس المعنى رغم أنهما مختلفتين كلياً عن بعضهما، ويُعزى ذلك للتعايش الطويل بين الشعبين السومري والأكدي ومدى قوة الترابط بينهما.. لذلك فقد أعدت للتلاميذ قوائم مطولة رتبت بهيئة حقول متوازية ضمت مفردات وعبارات وجمل سومرية وشرح معناها في الأكدية وبالعكس، كما نظمت قوائم أخرى ضمت تصاريف الأفعال وحالات الجمع والمفرد بالنسبة للأسماء... ويمكن اعتبار هذه القوائم البدايات الأولى لتأليف المعاجم اللغوية في التاريخ.... أما ما يخص تعلم الحساب فقد كان التلميذ يبدأ بتعلم الأرقام وكيفية كتابتها وأسلوب العد الصحيح بالنظامين العُشري والستيني، ثم يتم تعلم العمليات الرياضية الأربع بالاستعانة بأدوات بسيطة تشبه الحاسبات القديمة (ذات الكرات)، وصولاً لحل مختلف المسائل الرياضية المعقدة المتمثلة بالمعادلات الجبرية المتعددة الدرجات، وكذلك كيفية احتساب الأوقات والأزمان والمسافات والأوزان والمكاييل وتقسيماتها، وتثبيت التواريخ بشكل دقيق.. والحال عينه بالنسبة للعلوم الهندسية ومبادئها الأساسية المتمثلة بمعرفة أنواع الأشكال الهندسية من مربع ومستطيل ومثلث ومتوازي أضلاع وشبه المنحرف وكيفية التوصل لمساحاتها، وكذلك كيفية احتساب حجوم المجسمات كالمكعب ومتوازي المستطيلات والأسطوانة والهرمين الكامل والمقطوع (الناقص) والمخروطين الكامل والمقطوع (الناقص).. وكان يتم التركيز في تدريس التلاميذ على التطبيقات العملية لهذه العلوم، كاحتساب مساحات الأراضي الزراعية وأقطاعاتها، وقياس مساحات التجمعات السكانية (المدن والقرى) وحساب المسافات بينها، كذلك كيفية احتساب مواد البناء الانشائية والنفقات المتطلبة لتشييد الأبنية والفترة المتطلبة لإنجاز بنائها.... أما الحال مع (المعاهد العالية) فقد الغاية الأساسية لأنشائها هو اعداد كتبة وعلماء بمستوى راقي يمكنهم من بث الروح في الإرث الحضاري السومري القديم واعادة الحياة اليه بعد الترهل الذي أصابه نتيجة انحسار دور السومريين بعد سقوط سلالة أور الثالثة عام 2006 ق.م، واختفائهم نهائياً عن المسرح السياسي لوادي الرافدين.. فقد أحس البابليون بأنهم الورثة الشرعيين لذلك الثقل الحضاري الهائل الذي تركه لهم اسلافهم، وبالتالي يقع على عاتقهم عبأ المحافظة عليه وتطويره... عليه التحق بالدراسة في تلك المعاهد الكتّاب الذي أردوا الاستزادة بعلمهم وتطوير معارفهم وخبراتهم.. لينهلوا من تلك المعاهد مختلف العلوم التي تركها لهم شعب سومر، مثل الطب والفلك والرياضيات والهندسة والمعتقدات الدينية والكيمياء والعلوم الحيوانية والنباتية والجغرافية، وحتى الموسيقى، لكن كان الميل بشكل عام في تلك المعاهد واستناداً الى العديد من النصوص الدراسية فيها هو دراسة الأدب السومري واللغة السومرية متمثلاً بقصص الملاحم والاشعار والأمثال والحِكم وسيّر الآلهة.. وكان يقاس مدى رقي الكاتب حينها من خلال مدى أجادته اللغة السومرية، وهذا ما أشارت اليه بوضوح بعض العبارات الواردة في عدد من النصوص البابلية (الكاتب الذي لا يجيد السومرية فأي كاتب هو)، (الكاتب الذي لا يعرف السومرية فأنه غبي وأحمق ولا يعرف شيئاً عن فنون الكتابة).. لذلك كان الذين ينهون الدراسة في هذه المعاهد يحتلون مراكز اجتماعية مهمة ويتقلدون وظائف ادارية عالية في مدنهم أو في قصور الملوك والأمراء، أضافة الى أن المجتمع قد نظر اليهم نظرة أكثر احتراماً وتقديراً.... وكان من النتائج الكبيرة لمنجزات تلك المعاهد أن شهد المجتمع الرافديني حركة واسعة في مجال التأليف والتدوين، حيث أعيدت كتابة المئات من النصوص الأدبية والدينية السومرية بأسلوب جديد جميل ومستساغ يتناسب مع تطور العصر ونظرة الناس لمستجدات حياتهم، لكن من دون المساس بجوهر وفكرة النص والعبرة النهائية منه.. وقد عبّر علاّمتنا الراحل الأستاذ (طه باقر) أجمل تعبير عن ذلك بقوله (لقد أضاف البابليون لحماً ودماً على هيكل الأدب السومري القديم)، ومن أوضح الأمثلة على هذا الأبداع هو أعادة صياغة ملحمة العراق الخالدة (ملحمة كًلكًامش) بأسلوب أدبي رائع جعلها تنتشر في معظم ثقافات العالم القديم، ووفق نفس السياق فقد أعيد كتابة العديد من النصوص العلمية واللغوية المتنوعة، ومن ثم تنظيمها بشكل مجموعات محددة ومعنونة.. ليتحقق نتيجة ذلك أنجاز آخر لتلك المعاهد التعليمية ألا وهو ظهور المكتبات ودور الأرشفة والتوثيق، التي كان من أبرز أمثلتها ذلك المركز التوثيقي الكبير المسمى (شادبوم)، والمكتشف في موقع (تل حرمل) قرب منطقة بغداد الجديدة...... ولمعرفة جهوزية التلاميذ في المدارس بنوعيها ومدى كفاءتهم وبيان صلاحيتهم ليتأهلوا الى المراحل اللاحقة كانت تجرى لهم امتحانات شفاهية وتحريرية بمختلف المواضيع التي دروسها.. وكان يقوم بتلك الامتحانات مدير المدرسة نفسه وبشكل مباشر.. فهو من يضع الأسئلة ويدقق الاجابات، وهو بعدها من يقيّم مستوى التلميذ سلباً أو أيجاباً، دون أن يكون للمعلم أي دور في ذلك، أي بأسلوب قريب الشبه بنظام الامتحانات الوزارية في زمننا هذا....... وكان التلميذ على مدى سنوات دراسته الطويلة لا يحصل على أي مرود مادي يعينه في العيش أنما يكون خلالها معتمد كلياً على ذويه.. لكن بالمقابل كانت تمنح للتلميذ عطلة دراسية مدتها بحدود شهرين ونصف موزعة على امتداد العام بمعدل ستة أيام لكل أربع وعشرين يوم دراسة، سماها التلاميذ تسمية طريفة هي (أيام الحرية).
لقد وصفت عدد من النصوص المسمارية الهامة التي يعتقد أنها دونت من قبل بعض معلمي المدارس والتي أرادوا فيها استذكار حياتهم الدراسية السابقة لتعتبر منها الأجيال القادمة، طبيعة حياة التلاميذ الشاقة داخل مدارسهم، مبتدئة بطول يومهم الدراسي، مروراً بصعوبة الدراسة نفسها، وانتهاء بشدة وقسوة المعلمين عليهم، وقد بينت تلك النصوص أيضاً أن دوام المدرسة كان طويل نسبياً، من الصباح الباكر حتى المساء، حيث تذكر أن وقت المدرسة (يبدأ مع صياح الديك وينتهي عند عودة الفلاحين من حقولهم).... ومن أحد النصوص الهامة يمكن فهم الجانب الايجابي بوضوح من حياة التلميذ وهي لا تختلف كثيراً عن حياة التلميذ الحديث، وقد كان بهيئة سؤال يوجه للتلميذ.. (ماذا كنت تفعل في المدرسة؟ كنت أقرأ لوحي ليستمع معلمي لحفظي، ثم أكل طعام غدائي وأحظر لوحي الجديد الذي يحدده لي (الأخ الأكبر) كي أقرأه يوم غد..... وبعد نهاية دوام المدرسة أعود لبيتي وأطلع أبي على دروسي وما كتبته في المدرسة فيسّر بي لذلك.. وعندما أستيقظ باكراً في الصباح أقول لأمي أعطني طعامي لأني أريد الذهاب للمدرسة، فتزودني برغيفين، عندها شرعت بالذهاب لمدرستي)... وكان التلاميذ الملتزمين والمتفوقين في دراستهم ينالون أطراء ومديح معلميهم وأمنياتهم وكما ورد في أحد النصوص الذي يمتدح أحد المعلمين تلميذه النجيب (أتمنى أن تكون ملهَماً في علمك، وتكون الأول بين أقرانك، ومشهوراً يسعى الملوك اليك).. بالمقابل كان هناك الجانب السلبي من حياة الدراسة المتمثلة بالتلاميذ المتقاعسين والمهملين المتأخرين دوماً في دراستهم، الذين يتلذذون بالعراك وأحداث الضجيج مثيرين الفوضى في المدرسة متجاوزين على انضباطها، وكان يسمى التلميذ من هذا النوع في السومرية (كًلام هورو) أي (أحمق)، وهؤلاء كما هو متوقع يكون ردعهم قاسياً وشديداً بواسطة العصى والسوط.. لكن القسوة المفرطة هذه تأتي أحياناً بتأثير غير محمود ، مصيبة التلاميذ بالإحباط والعزوف عن مواصلة دراستهم... ومن النصوص الطريفة جداً في هذا الجانب والمتضمن شكوى أحد التلاميذ (سألني المعلم لماذا خطك ردئ وضربني بالعصى.. لماذا خرجت من دون أذن وضربني بالعصى.. لماذا وقفت بدون أذن وضربني بالعصى.. لماذا جلست من دون أذن وضربني بالعصى.. لماذا تتكلم من دون أذن وضربني بالعصى.... لذلك بدأت أكره المدرسة والكتابة وأهملت دروسي).... ويبدوا أن النفس البشرية هي نفسها في كل الأزمان حتى ما يخص العلاقة بين المعلم وتلميذه، حيث وردت بعض النصوص عن محاولات بعض التلاميذ من ذوي المستوى العلمي الضعيف للتملق والتقرب من أساتذتهم لينالوا رضاهم ويتجنبوا عصيّهم التي لا ترحم، لتصل الحال بهم لدرجة محاولة رشوتهم بمنح ذويهم بعض الهدايا الثمينة لهم.. بالمقابل كانت ردود فعل أولئك المعلمين متباينة ازاء ذلك، فمنهم من رضخ لمغريات الحياة، ومنهم من رفض ذلك بشكل قاطع ليعطي مثلاً رائعاً عن نزاهة التعليم في ذلك الزمن.
ومن المؤكد أن يتوارد سؤال هام بعد الذي تقدم هو.. من أين تأتي المدارس العراقية القديمة بنفقاتها المادية الكبيرة ومواردها الاقتصادية الكبيرة لدفع رواتب هيئتها التدريسية ولسد احتياجاتها ولديمومة بقائها واستمرارية عطائها؟ في ذلك يمكن القول أن التعليم آنذاك لم يكن عاماً أو مجانياً، ويكون مصدر تمويل المدارس من ذوي التلاميذ أنفسهم، وهم من يتحمل تكاليف دراسة أبنائهم وذلك بشكل أجور وعطاءات أو هِبات عينية تمنح لإدارة المدرسة كل فترة معينة من مدة الدراسة، أضافة الى ما يتحملوه من نفقات بشأن أولادهم، لذلك فأن التعليم بشكل عام رغم الدعوة الصريحة من قبل مثقفي تلك العصور وبعض حكامها لنشره بين الناس، لكنه في الحقيقية ظل مقتصراً على أبناء طبقات محدودة من أفراد المجتمع مثل الحكام وقادة الجيش وكبار الكهنة والتجار وملاكي الأراضي وموظفي القصر، اي من المتمكنين اقتصادياً والقادرين على تغطية النفقات المادية الباهظة لدراسة أبنائهم والتي كانت تستغرق سنوات طويلة، لكن مع ذلك فقد أشارت بعض النصوص الأدبية الى تمكن بعض العوائل البسيطة من الفلاحين والحرفيين رغم الصعوبة البالغة في ذلك من تعليم أبنائها، حيث ذكر أحد الآباء في أحدى تلك النصوص (من أجل أن يتعلم ولدي سأقود الثور للحراثة، من أجل أن يتعلم ولدي سأخرج لجمع الحطب من البرية)، عبارات رغم بساطتها لكنها تشير بوضوح الى آمال وطموحات الطبقات المُعدمة آنذاك واصرارهم في الحصول على العلم كونه الطريق الوحيد المتاح لديهم لنيل قدر من المساوة الاجتماعية بعد تعذر ازدهارهم الاقتصادي، لتظهر فيما بعد ونتيجة لذلك بواكير الطبقة الوسطى في المجتمع العراقي القديم... أما معلم ذلك الزمن فلم يكن بأحسن حالاً من زملائه معلمي العصر الحديث رغم ثقافته العالية وغزارة علمه ومعرفته، وتميزه عن باقي شرائح مجتمعه، لكنه يبقى رغم ذلك محدود الدخل متعوب الحياة مهمومها، ويحصل من مدرسته على مرتب ضئيل في الغالب، يُحدد من قبل مدير المدرسة حسب كفاءته وخبرته.. أما بيته فكان يضرب به المثل لشدة تواضعه، حيث تقول أحد الأمثال الواردة من الفترة الآشورية الحديثة/ الألف الأول ق.م (بيت المعلم حقير جداً، حتى الحمار لا يرضى أن يدخله).... وربما هذه هي الضريبة الأزلية القاسية التي فرضت قسراً وجوراً على المثقفين ومن سار بطلب العلم ومن سعى لنشره بين الناس، منذ فجر التاريخ وحتى عالمنا الحديث هذا المتراقص على لوحة مفاتيح الكومبيوتر.

المصادر
1_ طه باقر ... مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة/ الجزء الأول
2_ طه باقر ... مقدمة في أدب العراق القديم
3_ طه باقر ... موجز في تاريخ العلوم والمعارف في الحضارات القديمة والحضارة العربية الاسلامية
4_ فاضل عبد الواحد علي ... سومر أسطورة وملحمة
5_ عامر سليمان ... اللغة الأكدية .. تاريخها وتدوينها وقواعدها
6_ فوزي رشيد ... قواعد اللغة السومرية
7_ صموئيل نوح كريمر ... من الواح سومر ... ترجمة/ طه باقر
8_ G. Contenau ... Everyday Life in Babylon and Assyria
9_ E. Chiera ... They Wrote on Clay
10_ H. Saggs ... The Greatness that was Babylon
11_ H.Saggs ... The Might that was Assyria
12_ G. Roux ... Ancient Iraq
13_ S. N. Kramer ... The Sumerians
14_ l. Oppenheim ... Ancient Mesopotamia

نشرت في تاريخ

 

(1)
نظرَ إلى ساعتهِ، وبسرعةٍ
على غيرِ عادتهِ، أرتشفَ الكأسَ الأخير
من نصفِ قنينةِ العرقِ، التي دفعَ ثمنها للنادل،
وهو يبتسمُ بفرحٍ ومرحٍ وانشراح،
لإكمالهِ تخطيط َلوحته الأميرة العارية.
صب نظراته على لوحته العارية
وبنشوةِ دبيبِ الخمرِ بالرأس
تنهّد وانفرجت أساريرُ وجههِ،
وهو يُبرزُ بعناية ٍودقةٍ واضحةٍ رسمِ
الحلمتين ِالنافرتينِ
على النهدينِ الناهدين؛ فتبدوان كرمانتين ناضجتين.
تأبطَ جريدته ُودفترَ الرسم والرواية
التي اشتراها عصر هذا اليوم
(شرقْ المتوسط) * الرواية التي

حدّثه أصحابُه عنها كثيراً،
بعد أن أتم قراءة رواية (القلعة الخامسة)**.
صوتُ امُّ كلثوم (هل رأى الحب سكارى مثلنا)
يهزُ أرجاءَ القاعة، وما أن هو
يهمُ بمغادرةِ الخمارة؛ فإذا
بقوةٍ مدججةٍ بالسلاحِ تقتحمُ الحانةَ، وتنتشرُ على عجلٍ
في جميع ِأرجاء المكان.
تسمّر(سمير) في جلسته،
لم يستطع تمّيزَ أصواتِ التحذيرات،
التي اختلطتْ مع الضوضاءِ وصوت الغناء الصادح،
مسحت عيناه المكان بتمهّل لكنه
لم يتمكنْ من إحصاءِ أعداد القوات المداهمة.
وأحسَّ بأن
أحدَهم يُمسكُ به من معصمهِ بقوة،
ويهمسُ بأذنهِ: لا تتحركْ... اجلس في مكانك ولا تتحرك. وسمع
الشرطي الذي يقبضُ على معصمه
منادياً: سيدي عثرنا عليه.
يتقدم الضابطُ نحوه بلمحةِ بصر
يُحدّق به
وبصوتٍ مبحوحٍ وعينين يتطايرُ منهما الشرر
يصرخُ بوجهه:
أخيرا ً وقعتَ في قبضتِنا، وفي نفس الوقت
يضعُ قيدَ الحديد بمعصميه
اقتادوه وهو يترنّحُ بينهم من الصّدمةِ والخمر.
(2)
في الحبسِ الانفرادي
ذاقَ
أَصنافاً مريرةً
من الذُّلِّ والتَّعذيب، والرَّكلِ والجلد
والعديد من الأساليبِ المبتكرة بسياسة المساومة
بين الترغيبِ والتَّرهيب والوعيد، لكن
لم تطاوعه نفسُه أن يجمعَ {نعم ولا} في وقتٍ واحد.
يقول سمير:
(كان امتحان الامتهان والذُّل عسيراً؛ فلقد
رفضت التواطؤ على نفسي)
(3)
بعد أربعةِ أشهرٍ
من معاناةِ الذُّلِّ في الحبس
اُقتيد سمير
مُهاناً كسيراً أسيراً بتهمة لم يعرفها،
ألبسوا قدميّهِ خُفّين
وساروا به
معصوبَ العينين،
مُكبّـل المِعصمين،
خائرَ النَّفس والعزيمة
تلاحقه بالهمسِ تارةً وبالزجر ثانية
إرشاداتُ وتحذيراتُ السّجانين المفتولي العضلات ـ وكثيراً ما تسائل - (كيف يتم اختيار مثل هؤلاءِ الغلاظ) وانتبه وهو يسمع:
قِف مكانك، لا تتلم
فتحوا عينيه المعصوبتين
صعق، وأرتعدَ بدنه، وزاد وجيفُ*** قلبه، بل كاد ينخلع
وهو يرى
أمامه
خمسةَ رؤوسٍ منتفخةِ الأوداجِ تحملقُ به
وهي تجلسُ بأجسامها البدينة المكتنزةَ محشورةً
على كراسٍ حمراءَ مذهّبةٍ وثيرة
فوق منصةٍ عاليةٍ وخلفهم لوحةٌ مذهّبة مُعلقة
كُتبَ عليها بخطٍّ كوفيٍّ مزخرف
(العدلُ أساسُ المُلك)
وفوقها صورة ٌ بما يعرف (ميزان العدالة)
دارت عيناهُ بسرعةٍ في الصّالة الواسعةِ الفاخرة
صورةُ رئيس الدولةِ بحجمٍ كبير، ثبُتت فوقَ الرّؤوسِ الخمسة،
تحيطها هالة من الأضواءِ، وهي تتصدر القاعة.
مجاميعٌ من
الحرّاسِ ببنادقَ
تصوّب فوهاتها ونظراتهم اليه
تسمّرت عيناه
على قدميه اللتين كانتا عاريتين قبل قليل، وهي تقف
مرتجفةٍ
فوق النعلين
على البلاط المرمري
الأبيض
ارتعد بدنُه وهو يتنفسُ رائحةً عفِنةً
تنبعثُ من ملابسه المهلهلةِ
ركّز كلَّ انتباهه الى الصوت القادم
من الوجه المنتفخِ الذي يتوسط الجلسة وفي نفس الوقت
يقلُّبُ ملفاً ضخماً أمامه، وبدأ يتحدث بصوتٍ راعدٍ:
ـــ لا ينفعنك
أيُّ انكار بعد الآن يا سمير!
لقد سجلّنا كلَّ كلمةٍ قلتها
وأنت تتأمل وتحلم وتهذي بزنزانتك.
وبصوتٍ أعلى نبرةٍ بدأ الرأسُ الكبيرُ يسأل:
لماذا الإصرارُ عـى تحريض النّـــــاس؟
لماذا الاستمرارُ بالسّير بطريقِ الفُسقِ والمُجون؟
ألم نحذرك مـــــــــــــــــن بثِّ الأفكارِ الهدامة!
ألم نقل لك منذ زمـــــــــــــــــــــــــــن كفــــى؟
توقّف الرأسُ الكبيرُ عن الكلام.
ومال بوجهه هامساً قليلاً نحو اليمين والشمال
صوتٌ جهوري
يهزُّ أركانّ القاعة ؛ ألا وهو
ـ صوت المدعي العام ـ وهو
يقرأ لائحة الاتهام
ويطالب بإنزالِ عقوبةِ الإعدام شنقاً حتى الموت ...
أُصبتُ بالدُّوارِ وضربَ الرعبُ قلبي بسياطٍ غير مرئيّة
وجفَّ فمي، وسمعتُ صريرَ أسناني تصطكُّ بشدةٍ
وبألمٍ شديدٍ يعصرُ معدتي
تاهت وتداخلت أفكاري والأصواتُ
القادمةُ من قاعة المحكمة
كان صوتُ الادعاء العام
ومحامي الدفاع
يتداخلُ ويمتزجُ برأسي مع
أصواتِ الشَّتائمِ والسِّباب ووجع السياط
ورعب لعبة المساومة وصرير باب الحبس الحديدي.
فيما بدأت سحابةُ أحزانٍ قاتمةٍ تدنو من وجهي
إعتدل الرَّأسُ الكبير بجِلسته
وصوب عينيه نحوي
وهو يُمسك بمطرقةٍ من خشبِ الصّاج اللماع
ويتحدث بصوت قوي قاسٍ:
أجب بكلمة واحدة :
{ هل أنت مذنبٌ أم بريء }؟
صوتُ الشرطي الذي
بجانبه من الشمال يهمس بأذنه
قلتُ لك: لا تتكلم!
لم يستطع سمير التركيز
فدبيب القملُ برأسه بدأ ينهش بعنف.
الرأس المنتفخ كرر السؤال عليه مرةً ثانية:
هل أنت مذنبٌ أم بريء؟
صوتُ الشرطي من اليمين يهمس بأذنه الأخرى أخرس لا تتكلم!
القمل ينهشُ برأسه وبدنه
يمنعه من الحديث والتركيز
الرأسُ الكبيرُ بعصبيةٍ وصوتٍ قويٍّ،
أسألكَ للمرةِ الأخيرة
وأن لم تتحدث سوف نضاعفُ عليك العقوبة
الشرطيان يهمسان بأذنيه
أخرس لا تتكلم.
تململ قليلاً بقفصه
الهمسُ يصلُ مرةً أخرى
اخرس لا تتكلم
الرأس المنتفخ الكبير يميلُ بوجهه
ذات اليمين وذاتَ الشمال
الصمتُ يُخّيمُ على القاعة، الوجوه المنتفخةُ متجهمةً
المطرقةُ تهوي بعنف وبضرباتٍ متتاليةٍ على الطاولة،
وبدأ الرأسُ المنتفخُ الكبيرُ يُحدّق بي وابتدأ يقرأ :
حكمت المحكمة حضورياً على المتهم
بالسجن عشر سنوات
صُدم (سمير) ولم يتمكن من
سماع بقية الاحكام
إذ تزاحمت وتداخلت برأسه الأصوات
والأفكار وتنقلات دبيب اسراب القمل.
فجأةً
خرج صوتٌ كالرعدِ الهادر
من جوف سمير
(هذا منتهى الجور والضيم، هذا كفرٌ وظلم)
ولسعةٌ كالصاعقةِ تضربُ بدن سمير
تُسقطه أرضاً، بين الأقدام
فتح عينيه لا شيء يظهر
غير جدران رماديّة اسمنتية تحيط به من كلِّ الجهات
لم يعرف كم مضى عليه وهو بهذه الزنزانة النتنة.
تحسس بحذر ملابسه الرطبة الممزقة التي تلتصق بجسمه.
رائحة بول تزكم انفه
وهي تنبعث بقوةٍ
من صفيحة ٍمعدنية بجواره بإحدى زوايا الزنزانة
وضوءٌ خافتٌ ينبعثُ من كوّة ٍصغيرةٍ
تتقاطعُ عليها قضيبانٌ من الحديد
في أعلى جدار الغرفة
فيما بدأت تلتقط أذناه صوتَ السَّجّان
وهو يهتفُ من خلف القضبان
(أفاق سمير)
مالمو في 12-12-2015
هوامش توضيحية مكملة للنص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* شرق المتوسط: رواية للكاتب (عبد الرحمن منيف) نشرت الطبعة الأولى منها عام (1975) تنتمي الرواية الى أدب السجون، تدور احداثها في السجون العربية ومعاناتها المريرة وكذلك تسلط الضوء على قسوة السلطة وعلى الواقع السياسي في الوطن العربي دون تحديد المكان والزمان.
** القلعة الخامسة: رواية تدور أحداثها داخل السجون والمعتقلات العراقية، صدرت الطبعة الأولى منها عام (1972) للكاتب (فاضل العزاوي).
*** وجيف: أسم مصدر وجَفَ، وجف َالقلبُ: خفَق وخاف.

 

نشرت في وجهة نظر
السبت, 20 شباط/فبراير 2016 23:18

الخماسي

الخماسي كما تدل الكلمة العربية هو مصطلح يتعلق بمجموعة من خمسة أدوات موسيقية (أو جوقة من خمسة مغنين). والخماسي يقابله باللغات الأوروبية ما يعود أصله إلى كوينتت / كفينتت (Quintet) وهو الصيغة اللاتينية للكلمة. ليس هناك قاعدة صارمة لتركيب الخماسي، لكن الحالة الأعم هي إضافة بيانو إلى الرباعي الوتري الذي يتألف من كمان أول وكمان ثاني وفيولا وتشيلو. والرباعي هو واحد من أهم التشكيلات الموسيقية في الموسيقى الكلاسيكية إلى جانب الأوركسترا، وأهميته تكمن في تمثيله حالة توازن صوتي موسيقي مثالي بين الأدوات الوترية. وهناك خماسيات أخرى، مثلاً الخماسي الوتري (كأن تضاف أداة وترية خامسة، مثلاً فيولا كما هو الحال في خماسية النمساوي أنتون بروكنر)، أو أداة هوائية مثل الفلوت (مثل خماسيات الايطالي لويجي بوكريني)، أو الكلارينيت (وأشهر مثال عليه هو عمل موتسارت رقم 581 وهو من بين أجمل أعماله). وهناك خماسي الهوائيات ويتألف من خمس أدوات هوائية، وألف التشيكي – الفرنسي أنتون رايخا 24 خماسية بهذا التشكيل (مع ذلك أقترح الاستماع إلى عمل موريس رافيل المعنون "عند ضريح كوبران")، وخماسي النحاسيات الخ. واشتهر خماسي البيانو والهوائيات لموتسارت (عمل كوخل رقم 452)، وهو تشكيل يماثل خماسي البيانو (مع الرباعي الوتري).
وأهم خماسيات البيانو هي أعمال موتسارت وعمل شوبرت الخالد "السلمون"، وخماسية شومان، وخماسية دفورجاك، ومن القرن العشرين خماسية شوستاكوفيتش في صول الصغير التي ألفها في 1940، وهي جوهرة من جواهر الموسيقى. تتألف خماسية شوستاكوفيتش من خمسة حركات يتلخص فيها اسلوب هذا المؤلف العبقري الذي أعتبره أحد أهم المؤلفين الموسيقيين في القرن العشرين. فشوستاكوفيتش الذي بدأ حياته العملية في صالات السينما أيام الأفلام الصامتة يرافق أحداث الأفلام ويعلق عليها بالارتجال على البيانو (وكان يكسب قوته من هذا العمل المضني)، حصل على خبرة فائقة في الوصف الموسيقي، استثمرها لاحقاً في أعماله الملحمية الكبيرة. وفي الحركة الثالثة (سكرتسو) من هذه الخماسية نشعر بأصداء تلك المرحلة في الدور الذي لعبه البيانو مع الرباعي الوتري. أما الحركة الثانية من العمل (فوغا) فهي وقفة اجلال للاسطة باخ – الذي أوصل هذا الشكل الموسيقي إلى ذروته – والفوغا كما نعرف هو شكل معقد من أشكال التأليف الموسيقي لعدة أصوات. هناك أكثر من موضع في هذه الخماسية يطربنا بألحان غنائية جميلة (الحركة الرابعة مثلا).
××××××××××××××××××××××××××
خماسية شوستاكوفيتش في صول الصغير (مع المدونة الموسيقية):


https://www.youtube.com/watch?v=UEPiqK-jqTc

 

السبت, 20 شباط/فبراير 2016 22:55

بحيرة مفردة لماء مثنى

ديوان شعري ما بين الرسم والكلمات
للشاعر ادونيس والفنان التشكيلي حيدر

في زمن التصنيع المتطور جدا لتقنيات الكتابة والحفر وحلول الشاشات، من العادية الى الرقمية، في واجهة أدوات التعبير، فان العمل المشترك بين الشاعر ادونيس والفنان التشكيلي العراقي حيدر، في اخراج كتاب" بحيرة مفردة لماء مثنى" يمثل خروج جديد عما الفناه واعتدناه في دواوين الشعر المطبوعة، نكتشف فيه وجه ابداعي جديد مخبوء، ونكتشف علاقة خفية بين الاثنين، تستخدم فيها مجموعة من المشاعر والتداعيات ليكون هذا المنجز وبامتياز خروج من التقليدية.
يحمل هذا الديوان الوحيد الذي لم يرى النور بعد، نصوص لعشرين مخطوطة شعرية كتبت بيد الشاعر ، يقابلها عشرين لوحة في داخل الكتاب وأربعين قطعة حفر على الجانب الخلفي منها رسمت بيد الفنان، حيث تم لصق المجموعة الأولى بمادة الغراء الحراري على ورق من نوع " كولومب" الشهير، مصنوع باليد في احدى المحترفات الفرنسية بقياس 76×56 سم، كما تم لصق المجموعة الثانية بنفس الطريقة السابقة وبقياس 56× 36. وللكتاب غلافين سميكين، الاول يحمل العنوان واسم الشاعر والفنان باللغتين العربية والفرنسية، والثاني يحمل لوحة للفنان. وتتوزع كافة الأوراق على مجلدين مصنوعين باليد، حيث تم انجاز هذه النسخة الوحيدة الاصلية في محترف الرسام في مدينة تور الفرنسية.

حوار المكتوب والبصري
تتحول نصوص القصائد الى مرئيات يمكن تلقيها عبر السياقات التشكيلية ، وكأنها رحلة بين مكونات الخطاب البصري الذي يضيء النصوص الشعرية البليغة ويضيف بلاغة بصرية الى بلاغتها الأدبية الكائنة . ومع ان هناك على الدوام تضاد بين المعنى اللغوي والمعنى البصري، وهناك مسافة واسعة بين بنية اللغة وبنية الصورة، اذ لم تزل الفكرة المرتبطة بمفاهيم اللغة عاجزة في اغلب الأحيان امام آنية المشهد، الا ان وجود مثل هذا الافتراق في عملية التأويل بين( المكتوب) و( البصري)، يجعل اللوحات المرسومة تتسع لتأويلات تحتملها النصوص الشعرية بكل مجازاتها واستعاراتها ورموزها. فالعمل الفني بأدوات بنائه وتقنياته كنص بصري ، يستعير من الابيات الشعرية للقصيدة بكل ما تحويه من طاقات ايحائية وتشكيلية، ليحول الصورة الشعرية بمفرداتها ، وجملها، ومجازاتها لان تكون لينة ومطاوعة لكل المعايير، لان تنقلنا الى عوالم لم نألفها، عوالم تحمل طريقة جديدة في فهمها والعمل بوحيها، لان الشعر كما الرسم لا يتحدد بقوانين ولايتقيد بمعيار، ذلك ان الشعر وكما قال ادونيس مرة( بانه رؤيا، والرؤيا، بطبيعتها، قفزة خارج المفهومات السائدة).
القصيدة الشعرية استنادا الى الرأي الغير متداول والذي مفاده ان كل الأفكار يجري قولها ولايبقى سوى كيفية التعبير عنها في اطر فنية مغايرة، فان النص الشعري، وفي احيان كثيرة يتناص مع البصري ويشترك معه على الرغم من اختلاف الأداة المستخدمة في انجاز كل منهما ورغما عن استقلالية وسائط التلقي للنص البصري. والفنان حيدر يستلهم من قصائد الشاعر ادونيس حضورا تصويريا، بهاجس استعادة اثر الالفاظ التي تشكل قصيدته الشعرية ، ليبعث في ابيا ت هذه القصائد ، هواجس ونوازع وأفكار وموقظات لمخيلة المتلقي . انه يشكل إضافة تأسيسية تبرز في مساحات تعبيرية ذات منحى تجريدي تتماهى ما بين المرئي الذي ترسمه الكلمات واللامرئي الذي ترسمه الخطوط والألوان. ليقدم لنا الاثنان ،استغراق تأملي عميق في الرموز والاشكال والاشارات، تعبيرا عن الرغبة في تفكيك اسرار تلك الابيات الشعرية العذبة التي عودنا عليها هذا الشاعر الكبير.

لغة الشعر ولغة البصر
كما نعرف فان اللغة الشعرية ، هي الصورة اللفظية للمحسوسات، وبما ان الشيء المحسوس لايؤخذ الا بعلاقاته مع الاشياء الاخرى، فكذلك لفظ المفردة الكلامية لاتكون جميلة او مستهجنة الا بوضعها داخل جملة او بيت شعري، لتعبر عن صورة ذهنية او حسية. وعين الفنان، هي الاخرى، مازالت تجرّب وتستكشف، مسكونة بصور القصيدة وزخارف الكلمات، بفسحاتها وبتنويعاتها وكان الفنان بهذا اسير غوايات اللغة . الفنان حيدر الذي جمعته مناسبة فنية سابقة مع الشاعر، تمثلت باقامة معرض تشكيلي مشترك في مدينة عمان، العام الماضي، لم ينشغل برسم الحرف العربي والقدرات الفنية الكبيرة له كاستجابة للاحتياجات الجمالية للوحة، في محاولة لاستلهام معنى الحضور في القصيدة، وكما فعل غيره من الفنانين الذين تناولوا هذا الاسلوب الفني المتمثل في اصدار دوايين شعرية مرسومة ، بل هو استخدم في قراءته، اسلوب التجريد المستند على الجانب الاستدلالي ، مبينا قدرته على التكيف مع افكار القصيدة وتجلياتها لاعادة تشكيل الحرف بحيث يخدم المعنى الفني كما فعل الفنان العراقي شاكر حسن آل سعيد في لوحاته التي استلهمت الشعارات الجدارية، بل انه ابتعد عن هذا التقليد الذي جذب الكثير من الفنانين العرب في تجربات مماثلة ليعمل على استجلاء واستكشاف امكانيات النص الشعري، فتحولت اللغة المكتوبة الى تجريد فني عال التأثير اشبة بتجريد بنائي قائم على العلامات اللغوية الثانوية، كالخطوط والنقاط وانحناءاتها، وعلى تشكيل معالجات متقابلة مغلقة نظامية، وعلى تخريم سطح اللوحة لونيا بشكل طاغ في احيان كثيرة، وهو بهذا كله يجعلنا نقف امام موهبة الاستئناف والالتزام بالتعويضات الضرورية للتراكم في العمل الفني الذي يمتلك استقلاليته.
الديوان، نوع من المعرفة التي لها قوانينها الخاصة في معزل عن القوانين المتعارف عليها في حياتنا الجمالية، انه احساس شامل بحضورنا الانساني كمتلقين، وهو دعوة لوضع معان الظواهر الجمالية من جديد، ولهذا فهو يصدر عن حساسيتين، تحسان الكلمات والالوان احساسا كشفيا جميلا.

روما

نشرت في وجهة نظر
السبت, 20 شباط/فبراير 2016 22:38

" من ذاكرة معلم "محلة باب الشيخ

كانت محلةُ – باب الشيخ – في بغداد حالةً غريبةً من نوعِها ... فَأضافةً لكونِها منطقةً دينيةً ، فهيَ تمثلُّ بغداداً مُصَغَّراً ، لا ، بل عراقاً مُصَّغراً ... ففيها تنوّعٌ سكانيٌّ عجيبٌ ، ترى فيهِ العربيَ والفارسيَّ والكرديَ والافغانيَ والهنديَ والتركيَّ والأذربيجانيَّ والارمنيَّ والصابئيَّ ، وكُلهُّم يعيشونَ بِانسجامٍ تامٍّ ، مُتجاورينَ متعاونينَ تربطهم مصالحٌ وعلاقاتٌ اجتماعيةٌ واقتصاديةٌ ومعيشّيةٌ مشتركةٌ ، ولِكُلِّ مجموعةٍ منهم دينٌ يختلفُ عن الآخرينَ ، فترى بينهم المُسلمَ والصابئيَ والمسيحيَّ والهندوسيَ والمجوسيَّ والبوذيَّ واليزيديَّ ، وترى بينهم ايضاً العِلمانيينَ والليبراليينَ والأَحرارَ .. وبسببِ قُدسيةِ هذهِ المنطقةِ ، لوجودِ مقامِ الامام (عبد القادر الكيلاني) فيها ، كرمزٍ دينيٍ لهُ مقامهُ منذُ قرونٍ بعيدةٍ ، ادى الى تقاربِ مشاعرِ هذهِ الجماعاتِ ... فَأُطلِقَ عليهم (شيخلية) وللمفرد (شيخلي) وللمحلة عموماً (باب الشيخ) ، حتى صارتْ قُبلةً لِلزّوارِ ، سواءً من قبل عَلّيةِ القومِ ورؤساءِ الدولِ والشخصيات الرسمية من داخل العراق آو خارجهِ ، آو من قبلِ عامةِ الناسِ يقصدونَ ضريحَ هذا الامامِ بِأجلالٍ وتقديرٍ ... ولهذا السببِ ، باتتْ منطقةُ باب الشيخ بِآكملِها مُكتَظَّةً بالغُرباءِ من جنسّياتٍ شتى وفي مواسم معينة من السنة واِضافةً لمقامِ الكيلاني ، توجدُ في باب الشيخِ ايضاً مقبرة (السهروردي) الأثرية ، وعشرات الاسواق الشعبية مثل (سوق منيشد) وغيرهِ تزدحمُ بالباعةِ والمشترينَ وطلابِ الحاجةِ ، كما ينتشرُ في كُلِّ جَنباتِها اصحابُ المصالحِ ، واكثرهم من الكادحينَ والفقراء والمعّوقينَ يزاولونَ مختلفَ المهنِ ، ويتوزعون على مئاتِ الحوانيتِ آو على الطرقاتِ والارصفة فترى الزحامَ على اشدّهِ منذُ الفجرِ حتى حلولِ الظلامِ ... آمّا شارعُ الامامِ الرئيسي ، وعلى امتدادهِ ، بِدءاً من (شارعِ الكفاحِ) حتى شارع (شيخ عمر) فترى مئات الحوانيت الصغيرة التي يُشغِلُها العَطّارونَ والصاغةُ واصحابُ المصالحِ وآربابُ المعارضِ العَشوائيةِ ودكاكين باعة (الخردة) ومخلفّات السيارات والدراجات ، وكل ما يخطرُ على بالِ انسانٍ من مواد متنوعة ... كما تتميزُ هذه المحلة بكثرةِ مقاهيها ومطاعمها الشعبية ، وباعة الشاي على ارصفتِها خاصّةً ، وبسببِ ضخامةِ عددِ سُكّانِها ، أُقيمَ فيها (مركز شرطة) ومدارس ابتدائية عديدة ، ينشطرُ كُلٌّ منها الى عِدّةِ مدارس ، بسببِ اكتظاظِ عددِ طلابها ... آمّا حينَ يخَتلطُ المرءُ بِزوّارِها يسمعُ مختلفَ اللهجاتِ ، فَيصُابُ بالعجبِ ، ويتيهُ في خُضّمِ هذا التشكيل الغريب ..

والملفتُ للنظرِ ، ان دكاكين الصاغة الصابئة تمتدُ على جانبي شارع الامامِ ، من شارع الكفاح حتى شارع شيخ عمر .. وهي اماكنُ تشتملُ على وِرَشٍ للعملِ ومعارض مطلة على الشارع ، وتمتازُ بِبساطتِها وصغرِ حجمِها ، وقد آليتُ على نفسي ذاتَ يومٍ آن أُحصي عدد هذه الحوانيت ، فوجدتها تزيدُ على الستين ، اي آنَّ هناك اكثر من ستين عائلة مندائية تعتاشُ مما تُرزق في هذهِ المحلّةِ ، وكلهم كانوا مختصين بصياغة الفضة آو (صياغة العرب) ... ومن الملفت للنظرِ ايضاً انَّ لِآهلِ – باب الشيخ – عاداتٍ خاصة بهم ميزتّهم عن غيرهم ، وقد تَمسّكوا بها اباً عن جَدٍّ ، ومن اهّمِها ، احترامهم لِآيِّ غريبٍ ، وحمايتهم لِكلِّ ذي حاجةٍ ، كما آنَّ لهم امثالَهم الخاصّةَ بهم وتقاليدَهم التي يحتفظونَ بها ... وبسببِ طولِ مدة السّنين التي أَمضيتُها معلماً في احدى مدارسِها ، واختلاطي بِآولياءِ امورِ الطلبةِ ، وصداقتي لبعضِ شخصياتها ، وحرصي على تسجيلِ ملاحظات طريفة عن نوادر اهلها وامثالهم وآشعارهم فقد جمعتُ بعضاً منها لطرافتِها ومصداقيتِها .. فمن اقوالهم الطريفة بشأن شرب الشاي والقهوة قالوا : (من الشايِ فأثنان ، واِنْ زادَ فَأحسان) .. اي آن الشايَ ، لكثرةِ فوائدهِ ، ورغبة الناس بهِ ، وقِلّة ضررهِ ، فَأِنَّ الاكثارَ منهُ مُفيد ، واِنَّ تقديمَهُ لِلضيوفِ يُعَدُّ كرماً ... امّا (القهوة) فيحذِّرون من الأفراطِ في شُربِها ، ويقولون : (من القهوة ثلاثة ، واِن زادَ غَثاثة) ، اي : على المرءِ آلاّ يشربَ اكثر من ثلاثة فناجين منها .. آمّا بِشأنِ فصل الربيع ، عِندَ حلولهِ ، فينبغي استقبالُهُ ، والفرحُ بِمقدمهِ ، لنقاوةِ هوائهِ ، وطيبِ عطرهِ ، فيقولون : (آوَّلهُ تَلقّاه ... وآخرِهُ تَوقّاه) ، اي اِبدأْ باستقبالهِ والتمتعِ بهِ ، ولكن اِحذرْ آيّامَهُ الاخيرَةَ .. ، ونحن نعرفُ ، انَّ غالبيةَ العراقيينَ قديماً كانوا يرقدونَ ليلاً على سطوحِ منازلهم ، طلباً لِننُسيماتِ الهواءِ العليلةِ ، في الوقتِ الذي كانوا فيه لم ينعموا بعدُ بِآجهزة كهربائية لِتبريدِ الجوِّ ، ويوصونَ بذلكَ فيقولونَ : ((اصعد باللحاف ، وانزلْ بالمهاف)) .. اي : ارتقِ السطوحَ وانتَ تلتحفُ باللحافِ ، وغادرْها وانتَ لمّا تَزَلْ تُحركُّ الهواءَ على وجهكَ بالمهفّة !! خوفَ عدوى الامراضِ ... ولديهم مَثَلٌ يخُصُّ فوائدَ تناولِ بعضِ الأطعمةِ والأشربةِ ، يوصونَ بها ، وقد جعلوا كلامَهم على شكلِ سَجَعٍ فقالوا : (خذوا من (التشريب) المَرَقْ .. ومن الحمّامِ (العَرَقْ) ... ومن الفجلِ (الورقْ) )) .. وهي وصايا صحّية ، ومعناها : اِنَّ لَذَّةَ أَكلَةِ التشريبِ في مَرقتها .. فبدونِ (المرق) ، لايستَطاعُ ابتلاعُ الخبزِ ليبوسَتِهِ ، والذي فقدَ اسنانَهُ لا يستطيعُ مضغَ الطعامِ .. امّا بالنسبةِ ل (الحمّام) ، فالمُستحّمُ ، لا ينظفُ جَسَدُهُ اذا لم يتَعّرقْ ، فبالتعّرقِ يترطبُّ الجلدُ فيزولُ ما عَلِقَ عليهِ .. آمّا (الفِجلُ وورقُهُ) فيقولون : اِنَّ مَنْ فقدَ اسنانَهُ لا يستطيعُ تناولَ رأسَ الفجلِ لِصلابتهِ .. آما الورَقُ ، فأنَهُّ اسهلُ مَضغاً .. ومن اطرفِ ما سمعتُ عن لسانِ اهلِ باب الشيخ هذهِ الحكاية التي تدلُّ على الوفاء ، والتي وقعتْ احداثُها قبل اكثر من مئتي عام في محلة باب الشيخ والتي يتداوَلُها الناسُ ، وبطلُها رَجلٌ بَدويٌ كانَ يبيعُ الملحَ على بَعيرٍ لهُ .. قالوا : في ذلكَ الزمانِ ، لم تكنْ هناكَ وسائلُ لتنقيةِ الملح وانتاجهِ ، فكانَ الناسُ يبتاعونَ الملحَ المنتجَ منه محليّاً خاصةً من البدو المتجولين يحملونهُ على ظهورِالابلِ ..وذاتَ يومٍ كانَ بَدويٌّ يتجوّلَ في ازقةِ باب الشيخ ظُهراً تحتَ الشمسِّ الحارقةِ في فصل الصيفِ اللاهبِ ، وكان مُفلِساً لا يملكُ نقوداً ، وقد اخذَ منه العطشُ والجوعُ كُلَّ مَأخَذٍ ، وكانَ يأملُ ان يبيعَ شيئاً من ملحهِ ليتناولَ بثمنهِ لقمةً يَسُدُّ بها جوعَهُ فلم يفلحْ ، والمعروفُ عن البدوِ انهّم ذوو اِباءٍ وَشَممٍ ، يصبرونَ على الجوعِ والعطشِ دونَ طرقِ ابوابِ الناسِ ، ومضى النهارُ يطوي ، وهوَ يُكابِرُ وَيُصابرُ ، وبينما كان يسيرُ في احدِ الآزّقةِ لاحظَ نافذةً مفتوحةً مُطِلَّةً على اِيوانٍ ، ونفحَ وجهَهُ نسيماً بارداً ، فَأَطالَ النظرَ ، فلاحظَ صاحبَ البيتِ يجلسُ وحيداً على مائدةٍ عامرةٍ شَهيّةٍ ، حُمِلَتْ لهُ وقتَ الغداءِ ، وكان هذا الرجلُ احدَ تجّارِ باب الشيخ المعروفين ، فلما وصلتْ رائحةُ الطعامِ الممتزجةِ بالتوابلِ والأفاويهِ الى انفِ البدويِ الذي اضرَّ بهِ الجوعُ والعطشُ ، فقدَ صبرَهُ ، وحدَّثتْهً نفسهُ بالتطفّلِ على مائدةِ ذلكَ الرجلِ من غيرِ دَعوةٍ آو معرفةٍ سابقةٍ ، وظنَّ نفسَهُ انّهُ في مضاربِ قبيلتِهِ ، فبادرَ بربطِ حَبلِ بعيرهِ بكتائبِ الشّباكِ من الخارجِ ، ثم اندفعَ من خلالِ بابِ المنزلِ مسرعاً نحوَ المائدةِ ، دونَ استئذانٍ ، فسلمَّ على الرجلِ الذي أُخِذَ بالمفاجأةِ ، ثم مدَّ يدَهُ نحوَ الطعامِ ، مُزدرِداً اِيّاه بِشراهةٍ ، دونَ الالتفاتِ الى الرجلِ الذي اشمَأَزَّ من هذا التصرّفِ المُشينِ والوقاحةِ الظاهرةِ والاعتداءِ على حرمةِ دارهِ ، خاصّةً حين رأى ما عليه ذلك البدوي من قذارةٍ ظاهرةٍ ورائحةٍ كريهةٍ ، لكنهُ تصبرَّ على كل ذلك وسحبَ يدَهُ من الزادِ ، وقد بلغَ بهِ التوتّرُ مَداهُ ، لكنّهُ آثرَ السكوتَ وبعدَ ان اكتفى البدويُ وَشَبِعَ مسحَ يديهِ بطرفِ ردائهِ ، ثم التفتَ للرجلِ الغاضبِ قائلاً بِبَراءةٍ : يا حاج ، يرحمُ اللهُ آباكَ ، قُلْ لي ما اسمُكَ ، حتى اذكركَ بِخيرٍ ، وأُجازيكَ يوماً على حسنِ ضيافتِكَ وسوفَ لن انسى جميلَكَ هذا وفضلَكَ !! وهنا كانت اعصابُ الحاج قد بلغتْ مَداها ، فقالَ له بعصبيةٍ ظاهرةٍ : اسمي (حاج زقنبوت) ! و (زقنبوت) كلمة تركية معناها (سَم) بالعربية .. لكن البدويَّ لم يفهمْ معنى هذهِ الكلمةِ ، ولم يسمعْ بها من قبلُ ، وظنَّ حقيقةً ان اسم هذا الرجل (حاج زقنبوت) ، ثم خرجَ من الدارِ بمعدةٍ مملوءَة .. ومرّتْ على هذه الحادثةِ عشرونَ عاماً ، تبدَّلتْ فيها امورٌ كثيرةٌ ، فقد اصبحَ هذا البدوّيُ رئيسَ عصابةٍ للتسليبِ وقطع طرق قوافل التجار بينَ بغداد وبلاد الشام ، آما (الحاج زقنبوت) والذي اسمهُ الحقيقي (الحاج علي) فقد اصبحَ ضمنَ مجموعةٍ من التجارِ الكبارِ بين بغداد وبلاد الشام يصطحبونَ القوافلَ المثقلة بالبضائعِ .. وفي احدى السنين كانت قافلة الحاج وزملائهِ عائدةً عبر باديةِ الشام ، فخرجتْ عليها عصابةٌ مسلحّةٌ من البدوِ قامتْ بِتسليبها والاستيلاءِ عليها ، وأَسرِ المشاركين فيها .. ثم آوثقوا التجار بالحبالِ ، وعرضوهم على زعيمهم في كهفٍ قريبٍ ، وهمُ بِأَسوأِ حالٍ من العطشِ والجوعِ وسوءِ المعاملةِ .. فنظرَ اليهم رئيسُ العصابةِ بتمعنٍّ واحداً تِلوَ الآخرِ ، حتى وقعتْ عينهُ على (الحاج زقنبوت) ، فعرفهُ بعد طولِ سنينٍ .. فقالَ لهُ : هل انتَ حاج زقنبوت ؟ ، فقال لهُ : كَلاّ .. لكنَّ البدويَ اصرَّ على قولهِ وصاحَ : باللهِ ، انتَ الحاج زقنبوت ! فردَّ عليه : أَلا يكفيكَ ما فعلتَ بنا ، حتى جئتَ الآن تستهزِئُ بنا وتضحكُ علينا ؟ ، لكنَّ البدويَ قال له : أَلا تعرفني ؟ قال : لا .. فقال : كيفَ نسيتني ، وآنا ضيفُكَ قبل عشرين عاماً ، تناولتُ الغداءَ معكَ في باب الشيخ ، وآخبرتني ان اسمكَ هو (الحاج زقنبوت) .. أَلا تذكرُ ذلكَ ؟ وهنا وضُحَتْ الصورةُ لهُ جيداً ، وتذكرَّ الموقفَ ، فتبَّسمَ وقال : نعم .. انا هو حاج زقنبوت !! صاحِبُكَ القديمُ ، الذي شاركتني غذائي .. وهنا امرَ اصحابَهُ من افرادِ العصابةِ بِفّكِ وثاقهِ واطلاقِ سراحهِ ، اِكراماً لهُ .. فلم يرضَ الحاج علي بذلكَ ، وطلبَ منهُ اطلاقَ سراح اصحابه جميعاً ، ففعلَ ، ثم امرَ بِأعادةِ اموالِ وحاجاتِ صاحبهِ اليهِ ، فآبى ذلك ، وطلبَ اعادةَ حقوقِ جميعِ رفاقهِ اليهم ، ففعلَ ذلك ايضاً ، وَسْطَ دهشةِ القومِ وعجِبهم .. ثم شكلَّ فريقاً من اتباعهِ ، طلبَ اليهم مرافقتهم في السفرِ وحمايتَهم حتى يبلغوا بغداد ... وكلُ ذلكَ كان بفضلِ لقمةِ الزادِ التي تناولها البدويُ في بيتهِ يوماً .. آمّا اصحابُ الحاج علي فلم يفهموا الموقفَ ، وما حدثَ ، فلما اوضحَها لهم ضحكوا واستغربوا ، وتعجبوا من غرائبِ الصدفِ 

نشرت في قصة

لا تتوقف بلدان العالم المتقدم ولا تتهاون لحظة واحدة في سعيها الحثيث والدائم للنهوض بالمستوى الثقافي لمجتمعاتها والرقي بها ومدها بمقومات تقدمها وتطورها ، من خلال العمل المتواصل في نشر و ترسيخ القيم الجميلة والمبادئ الراقية والأفكار النيرة والمثل العليا في النفوس والعقول . ذلك ان شيوع حوافز الرقي لدى المجتمعات انما هو الأساس الذي تقوم عليه بنيتها الحضارية المتكاملة في اطرها الصحيحة ، وان أي تقدم يتحقق انما هو تحصيل حاصل وثمرة ثمينة للنمو المعرفي والوعي العام الذي يغرس في الأجيال المتتابعة للمجتمعات. وبسبب أهمية ذلك فقد اولت البلدان المتحضرة اهتماما متزايدا وملحوظا للنواحي العلمية والثقافية في مختلف مجالاتها ووضعت خططا واضحة ذكية وبرامجا مدروسة ، معتمدة في تطلعاتها على الإحصاء السكاني الشامل ، ورصدت الاموال الكبيرة وبنت المؤسسات المتخصصة وهيأت الخبراء والعلماء واستعانت بنخب المثقفين والمفكرين لقيادة المجتمع الى المراحل التي يتطلبها العصر. وقد تحقق لتلك البلدان أهدافها المنشودة النبيلة فنالت ما سعت اليه من الرقي والتقدم وصارت مثالا يقتدى في هذا المجال ، وقطفت شعوبها ومجتمعاتها ثمار ذلك من خلال تمتعها في العيش بمستوى رفيع من الرفاهية والطمأنينة والثقة بالمستقبل وبمزيد من الافتخار.

ولهذا كان لابد للطبقة المثقفة ان يكون لها الدور الأساس في اخذ زمام الأمور والدفع بالاجيال الصاعدة الى الواجهة وتشجيع التحصيل المعرفي العميق والرصين وبث روح المنافسة العلمية وروح الاجتهاد والابتكار، والحث على تقديم الجديد دوما والاستفادة من خبرات الأجيال السابقة. وكذلك العمل على مد الجسور بين الأجيال الواعية وتأصيل حالة الالتزام الحضاري في جميع اوجهها .
لم تقم الثورات الفكرية والسياسية والاجتماعية عبر كل الازمان الا من خلال ثورة الكلمة وثورة الحاجة للنهوض والتغيير والتي يطلق شرارتها دوما الطبقة الواعية المثقفة ونخبة المجتمع ، فالعلماء والمفكرين والادباء والفنانين هم الشرائح التي يُعتمد عليها في عملية النهوض والتغيير والارتقاء ، وهم فعلا المحرك الأساس لكل تطور من خلال مايقدمونه من مساهمات ونتاجات ورؤى عميقة متميزة فيها الجدة والاصالة وفيها الحكمة والبلاغة والالتزام بالقيم العليا ، تلك النتاجات هي التي تُلهم أبناء الامة ممن يتتبعونها بحرص ليغرفوا منها فيضا معرفيا ويقتدون بأطرها المتقدمة في مسيراتهم العلمية والثقافية والحياتية.
وفي ذات الوقت فان هذه الشرائح هي التي تتحمل المسؤولية إزاء مسألة تدني وعي المجتمع او هبوط المستوى الثقافي والعلمي او الانهيار الحضاري للبلدان. ان مسؤولية المثقف تحتم عليه التواصل الدائم مع المتغيرات ، الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، من خلال تتبعها ودراستها والتعامل معها بروح معاصرة متفهمة لضرورة التغيير، او معالجة له ان كان التغيير الحاصل ذا نمط سلبي .

نشرت في كلمة الأتحاد
الإثنين, 15 شباط/فبراير 2016 21:45

قوالب العامية العراقية

إستعمال الشين في اللهجة العامية العراقية

ينتشر إستخدام حرف الشين بشكل واسع ومتميز في العامية العراقية وبشكل لا يتناسب مع نسبة شيوع إستخدامه في الفصحى.فمن المعروف أن نسبة شيوع حرفالشين في الفصحى لا يتعدى الواحد بالمائة وتشير الإحصاءات الى أن حرف الشين تكرر في القرآن الكريم 2124 مرة وبنسبة ضئيلة قدرها 0.64%فقط مقارنة بحرف الألف الذي تكرر 43542 مرة وبنسبة 13.17% وهناك إحصاءات أخرى كثيرة تشير الى أن نسبة شيوع حرف الشين لا تتجاوز ال0.73% في اللغة العربية الفصحى وهي نسبة قليلة جداً .
فكيف تربع حرف الشين وأخذ هذه المنزلة الكبيرة وإنتشر بهذا الشكل الهائل في العامية العراقية ونحن نفترض أن العامية العراقية هي نسخة من الفصحى إنحدر مستواها بشكل تدريجي وإختلطت بها لغات ولهجات أخرى بعضها كان موجوداً في العراق كالسومرية والأكدية وبنتها الآرامية والبعض الآخر وفد مع الغزاة مثل التركية والإنكليزية ؟
إلا أن التعمق في العامية العراقية والمزيد من البحث فيها وفي قوالبها يشير بشكل متزايد أن تأثير اللغات العراقية الأصيلة عميق ومتجذر في العامية العراقية وربما تكون العربية الفصحى التي وفدت على العراق مع دخول وإنتشار الدين الجديد هي التي إختلطت بالآرامية السائدة آنذاك في العراق وأنتجت العامية العراقية الهجينة وليس العكس وهذا ملموس بشكل واضح من الصعوبة البالغة التي يواجهها العربي في تتبع وفهم قوالب العامية العراقية وكذلك النسيج البديع والمتنوع من الأفعال والكلمات العامية التي لا تمت للعربية بأية صلة ولكن هذا الأمر يحتاج لبحث مطول وشامل لإثباته من خلال دراسة تحليلية متكاملة وما نحاوله في هذه الحلقة والتي نأمل أن تستمر وتتوسع هو جزء صغير من الدراسة المقترحة.
ليش : لماذا
عليش : على أي شيئ
بيش : ما هو السعر
بلاش : بدون سعر بلاثمن ويقول المثل العراقي: بلاش ما ينحاش
أفيش : للتعبير عن الإرتياح والسرور
بلاهوش : بلا عقل
بلش : بدأ وباشر
إش : فعل أمر بمعنى أسكت
شومارحت للبيت
شلون/شلونك : كيف أنت
شنو الموضوع وشني القضية : ماهو وما هي
شكو : ماذا يوجد
شتريد : ماذا تريد والشين قبل الأفعال تعني ماذا
شكد أو شكثر : كم
شدعوة : إستكثار الرقم أو المبلغ
شلّك غرض ، شلّك بيه : ليس لك غرض
شلع ﮔلبي ،شلعان ﮔلب : إزعاج وإيذاء القلب
شايفوعايف : وشافتتسيد في العامية العراقية أفعال الرؤية ففي الفصحى هناك نظر ورأى الأساسيتان اللتان تختفيان تماماً من العامية وتنسحب شاف على الرؤية بكل أشكالها(الشوف) وكذلك تنسحب على لقاء الناس(راح نتشاوف)(أشوفك باﭼر)
شراح إتسوي : ماذا ستفعل تنتشر كلمة إش/راح في العامية بشكل واسع كبديل عن حرف الإستقبال (السين) في الفصحى
شراح إﭠﮕول؟: ماذا ستقول
ومن الغريب ان يستخدم العراقيون كلمة شعل على غرار
شعل الكهرباء
شعل الثلاجة
شعل اﻟﮕﻟوب
لتشغيل جميع الأجهزة الكهربائية مما زاد في شيوع إستخدام حرف الشين في العامية.
وهناك مجموعة مدهشة من الافعال تبدأ بالشين في العامية ولا وجود لها في الفصحى وخصوصاَ الأفعال الرباعية مثل:
شربتَ : أنجز على عجل
شربك : عقّد
شندخ : تفرّع وتقال عادة لفروع عثوق النخل الذي يسمى شندوخ وجمعه شناديخ
شروش ،شوشر،شرشب ،شحشط ، شلّحَ ، شنكل ، شرمخ ، شلَل ، شلّه ، شمخر
شخبط ، حنفش ،خرمش ، سكرش ، طفّش ، طرطش ، طشّر ،قرقش ،كرمش
نغبش ، نشنش
وكذلك الأفعال العامية الثلاثية التالية المبتدأةبالشين :
شاط الحليب : إحترق وتقال لمن سمع نبأً مؤذياً فتعصَّب
شبخ : خطا ومنه شبخة وهي أكبر من خطوة
شبش : خلط
شحط : جر على الأرض ومنه شحّاطة ما تلبسه النساء من غير الأحذية
شحت : ليست الفصحى بمعنى إستجدى ولكن معناها في العامية ركض وراء شخص قاصداً طرده
شخّ : بال
شخط ومنه شخّاطة
شخل : صفى ومنها المشخلة
شعف : ومنه شعفة الرأس وتشبة شأفة الفصحى
شقى : مزح ومنه تشاقى وشقة وهو المزاح وهي منتشرة في العامية بشكل منقطع النظير.
شلع : هرب وقلع
شلف : أزال وتقال لمن يطرد من موقعه أيضاً
شلت : خزق
شلخ : فسخ وفصل
شلب : قال الكلام بعجلة وبلا تدبر
شلش :مثل خبص
شمص:تراجع على عقبيه
شنك ومنه شنكة تقال لكثير المشاكل
شرّ:نشر ونقول شرّه عالحبل
أما المنتهية بشين فنعدد :
همش : خطف
بلش : بدأ وباشر
كدش : ومنه الكديش وهو الحمار وكم من هو قليل الفهم
كرش : معروفة
برش : مسح لغرض التنظيف
مشّ من مسح
دشّ من دخل
طشّ وطشر بمعنى وزّع
خشّ من دخل
فشّ : افرغ من الهواء
وشَ : صوّت
حشّ : قطع
هشّ : للحيوانات ونقول هايشة للبقرة
نشّ : أبعد
كشّ : طرد
نتش و نشل بمعنى سرق
نشغ : صاح باكياً
نشع : إنتشى
وهناك مجموعة
كركشْ : حافة الثوب المزركشة
حرفشْ : نوع من النبات
برغشْ : الهوام الطائرة
كشكشْ
خشرم : خليط الأشياء الصغيرة
كرمش تقلّص
خرخش ومنه خرخاشة
خربش
خاشوكة
لا بد من القول أن أكثر علماء اللسانيات العرب متفقون ان الشين المضافة في نهاية الكلمة المنتشرة في العالم العربي بما فيها العراق مجتزأة من كلمة (شيئ) كما هو واضح باللهجة المحلية المصرية
معلش ،ماظنش ، مالكشي دعوة
وفي العامية اللبنانية السورية - شو، وفي العامية العراقية - ليش : لأي شيئ
عليش:على أي شيئ ،بيش:بأي شيئ ثم إنسحبت على الثمن فقط
فقد قالوا مافعلتشيئ ثم خففت الى مافعلتشي ثم خففت الى مافعلت شِ ثم الىمافعلتش ولكن الملاحظ أن الشين العراقية لا تأتي في نهاية الكلمات مرتبطة بالنفي كما هو الحال في العامية المصرية أو اللبنانية رغم أنها مشتقة ومخففة من نفس الأساس وهو كلمة شيئ مع إسثناء في كلمة مامش العراقية المتميزة التي أظن أنها مخففة من (ما من شيئ) لكن يبقى إستخدام الشين بهذا الشكل الواسع أوائل ووسط ونهايات الكلمات في العامية العراقية متميزاً وفريداً فعدا عن (شو) و(أيش)اللبنانية السورية لم أعثر على الكثير الشائع في اللهجات العربية كما هو الحال في العامية العراقية
ومن الشين التي تكون عين الفعل في العامية العراقية نسجل:
بشت : العباءة المصنوعة من الصوف والفعل بَشَتَ :
دشر : الأرض الخالية
دشدش : ومنه الدشداشة
حشف : التمر اليابس
حشك : مثل حشر
خشل : الذهب والمصوغات
خشم : أنف
رشن
طشر : فرّق
طشت
عِشْتْ:متميزة في اللهجة العراقية وتقال في مديح المقابل ومستلة من الفصحى وهناك العشت التي إنسحبت الى معنى تلقي الهدية أو الهبة بدون مقابل .
فشخ:فصل وشجّ
ﻓﺸﮓ:ومنهاﻟﻓﺸﮕﺔ أي طلقة البندقية
فشفش:ومنهافاشوشي أي فارغ
قشمر:غش وتلاعب وتنتشر بشكل واسع جداً في اللهجة العراقية
كشخ
كشمش
كشد:ومنهاالكشيدة
ﮔﺸط:قشط
هوش:ومنهالهايشة وجمعه الهوش أي البقرة
وشر:على حافة الأشياء ونقول وشر الكلام مغزاه
وشل:جفف
الشين في الأكدية والآرامية:
في محاولة لتتبع آثار حرف الشين في العامية العراقية آثرنا أن نبحث باللغات العراقية وهي الأكدية والآرامية ومن المثير والضروري معرفة الكلمات الآتية ومعانيها العربية لمعرفة مدى وإنتشار حرف الشين في اللغات العراقية وبالتأكيد إنتشاره بشكل اكبر بكثير في اللغات العراقية القديمة مقارنة بالعربي
شو : هو
شيشا :هي (لاحظ التطابق مع الإنكليزية)
وما يلي مستل من مواقع متفرقة من الشبكة العالمية للإتصالات:
شروكي : كلمة سومرية ليس لها علاقة بالقادمين من الشرق والشروكي هو
السومري المستوطن، يعني انا شروكياذا انا سومري وعراقي اصيل وغير
الشروكي مشكوك في عراقيته....
كش ، ماشه ، يبحوش ، بلا بوش ،بوشي ،حريشي ، يشجر ، دوش ، شاغ
وعند البحث وجدت
شاخاطو : يمزق يقطع ونقول يشخط في العامية
شالابو : يسحب يجر ونقول في العامية يشلب
أما آثار الأكدية في العربية الفصحى فكثيرة نحصر منها ما يكون الشين جزء منه (مستلة من كتاب ملحمة كلكامش/ترجمة الدكتورسامي سعيد الأحمد/دار الجيل ودار التربية طبعة 1984)
- قودوش : مقدس
- ماشالو او ماشلو : مثل
- شوبات : مسكن وبعامية جنوب العراق صوباط
- شلامو : سلام ويخص بالتحية
- إيشيد،إيشيدو : يشيد يؤسس
- ناشو : ناش أخذ
- ريشو : رأس
شاني : ثاني
كاشرو : كاسر قوي وشجاع وفي العامية أكشر
شمائو : يسمع
شمامي : سماء
شارتا : شعرة
نيشو : ناس
لاباشو : لبس لباس
مماشو : ماشية دواب
شالشا : ثلاثة
شاقو : سقى
شارو : سار
شالش : ثالث
ونلاحظ بكل وضوح إستبدال الشين السومرية والأكدية أما بحرف السين او بحرف الثاء في أغلب الكلمات العربية المرادفة حيث لا وجود لحرف الثاء في اللغات العراقية القديمة.
ومن الواضح هنا أن نسبة الشين في الأكدية لابد أن تكون أعلى من العربية بكثير لأنها تنوب عن الثاء والسين وهو نفس الوضع في العامية العراقية.
ومن الملاحظات المهمة هنا أن الحرف شين في الأكدية يستخدم لتحويل الفعل الى ما يسمى بصيغة الماضي السببي أو الشرطي وهي على وزن (شفعل) وبهذا فإن المصدر الأكدي ﭙارارو بمعنى يحطم يكسر تصبح ﺸﭙارريرو وهذه تشبه تماما إدخال الشين في العامية على راح فتصبح شراح وعلى صار فتصبح شصار وهكذا.
كما أن الشين تضاف الى نهاية الفعل ليصبح إسم حال فنقول
طابش : تعني المناسب الملائم وبما يقابل الفعل العربي طاب جاد وحسن
شَ في الأكديةتعني : إسم موصول وأداة إضافة بمعنى (عندما ) الذي التي
أنظر (الكتابة المسمارية والحرف العربي) للدكتور عامر سلمان مطابع جامعة الموصل(ص113)
ولدهشتي وجدت أن أيش الأكدية تعني ماذا وهو بالضبط ما نستخدمه في العامية العراقية حينما نقول ليشوعليش وحتى أيش المنتشرة في البلاد العربية التي يجمع اللغويون أنها مخففة من أي شيئ هي كلمة أكدية أصيلة تعني ماذا
(أنظر حاشية الصفحة 127 كتاب ملحمة كلكامش/ترجمة الدكتور سامي سعيد الأحمد/دار الجيل ودار التربية طبعة 1984)
وبهذا فإن أنتشار الشين بشكل واسع في العامية العراقية ذو أصل أكدي أكيد لا خلاف عليه.

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 15 شباط/فبراير 2016 21:15

أقمارٌ لنْ تغيب

لذكرى استشهاد أخي المناضل ( سمير الصادق ) ولقوافل الشهداء الأبرار

مني أعطر التحايا لأمِّي الحبيبة أبلِغْ، أن تسامحني اطلبْ منها ؛فقد أشعرَني بالذنب طول حياتي وداعي المتوتر لها عند التحاقي بوحدتي العسكرية آخر مرة، ارتجافة يديَّ ليست ككل مرة وأنا أقبِّل رأسها، لم أدرِ حينها أن قد كان هاجسا غريبا ينتابني بأن سيكون ذلك وداعا لن يتكرر، وحين رفعتُ رأسها كي أستمد من عينيها القوة في قرارٍ مصيري عقدتُ العزم عليه قاطعا؛ كان شاطئاهما يفيضان ببحر من المدامع التي ما شهدتُها بمقلتيها من قبل، رغم أن قوافل الشهداء لم تُبقِ في جفنيها سوى الجفاف؛ ذلك الوداع الأخير لم يكن كغيره من قبل، كلانا كان يُخفي عن الآخر ما قد قرأه في نبضه ساعة التصق القلب على القلب؛ لكنه الخوف المتوارث من أن يكشف كل منا للآخر ما ترجمته مشاعر فوق مستوى الإدراك الحِسيِّ، حين استوقفتني عند عتبة الدار وغابت برهة ثم عادت وهي ترتدي هندامها الأبيض، حتى حسبتُ أنها تنوي الصلاة في غير موعد الصلاة؛ وضعَتْ كتابا ملفوفا بالأبيض على رأسي، وراحت تتلو دعاء ليس كذلك الذي أسمعه منها كل يوم، في ذلك اليوم كل شيء نطقتْ به أو فعَلتْه كان تحديا فاضحا لي؛ أن قد كشفتُ ما أنت قادم عليه، وليس عندي غير أن يرعاك مَن توسلتُ إليه.

تذكر جيدا - يا أخي - ما اتفقنا عليه بأن تخفي الحقيقة عن أقرب المقربين؛ حتى والدي - رغم أني واثق من أنه كاتم للسر شديد - لكن أزلام النظام ينْفَذون من أضعف الحلقات، ويحرقون الأخضر واليابس عند ذاك، وإن صار ذلك فحتما ستكون أنت الضحية الأولى تحت سيف الجلاد، والتهمة أنك خدعت السلطان الأعظم يوم أبلغتهم بأن أخاك { سميرا } قد ضاع منه الأثر بعد التحاقه بوحدته العسكرية في كردستان - والحرب مع الإيرانيين رحاها تدور- وأنك قد بحثتَ عنه في المستشفيات، ومراكز الشرطة، وسألتَ عنه في وحدته متصنعا جهلك مصيره؛ آهٍ لو علموا أنك أنت الذي سلَّمتَه مع رهطه بيد صديقك المخلص ( علي الكردي ) ليوصلهم معززين مكرمين إلى مواقع الثوار، مقاتلين في صفوف رفاقهم الأنصار، أعتى دكتاتورية عرفها التأريخ، وأقسى نظام همجي حكم البلاد بالنار، والحديد، والخداع، والتظليل؛ قبِّل يدي والدي، فقد كان مكافحا أوصلنا جميعا إلى المراحل التي يفخر بها من التعليم، وهو الذي أخفى الكثير من الرفاق يوم انقلب الفاسدون انقلابهم الأسود في شباط، من عام 1963، أشِعْ بأني محكوم في سجن عسكري، فالكذب النظيف أحيانا يحمي رقابا من حزَّة سيف الجلاد، وأوحِ له بأن يُخفي ما أطلعتُه عليه من وثائق وبعض الكراريس، أو يسِّلمها لمن سيحمل له خاتم سِرٍّ، وأن يحذر من ذلك الخبيث مسؤول المحلة ( محمد ) الذي يدَّعي صداقة الطفولة والزاد والملح، ولا يأكل إلا من يد الوالدة سمكا مشويا بالتنور؛ ثم يرسل المقاتلين ليقطعوا عنكم الماء والكهرباء، ولم يكتفِ بهذا؛ بل يسلط الجواسيس المراقبين ليضبطوا مَن يمدُّ لكم يد العون بالسرّ، فيُطبِّق عليه نفس العقاب، اللعين.

الحديث عن رحلتنا طويل طويل لا تكفي لسرده كاملا بعض وريقات أدسُّها في جيبي في غفلة من بعض المراقبين من الباكستانيين الذين سلَّطَتْهم علينا مخابرات السفارة العراقية في إسلام آباد؛ حتى أننا نجد الرسائل مفتوحة في ذلك الفندق الرديء الذي اضطررنا للسكن المؤقت فيه، بعيدا عن هؤلاء الأوباش الذين يبحثون عنا في كل مكان، وحال اكتشافهم لنا نسارع لتغيير المكان، ومَن يشتغل منا أو تردُه بعض الإعانات لا يبخل على رفاقه بشيء، لقد تقاسمناها حلوة ومُرَّة، منذ اللحظة التي سلكنا فيها وعورة الوديان، والقمم الشاهقات، حتى أدركنا رفاقنا الصامدين فوق الرُبا، وكانت سهلة جدا بيننا كلمة السر، فهم رغم حذرهم الشديد من المندسين بين الصفوف؛ يجيدون فحص المخفي بين السطور، تعرَّفوا علينا بالأسماء، وعليهم تعرَّفنا، فليس صعبا عليك أن تعرفهم وهم الذين طلَّقوا ترف الدنيا وما فيها من ملذات كي يحملوا أرواحهم والسلاح من أجل شعب عريق يستحق التضحيات، وله رخيصا يقدم بالأرواح الفداء، وقبل أن أجهد نفسي بالسؤال عنه فقد واجهته وجها لوجه، ذلك المناضل الشديد المراس نعيم الزهيري، وكم من ليلة قضيناها سوية في واجب قتالي، أو نشاط فكري، أو ترفيهي كجزء من متطلبات استمرار الحياة، ولو تحت أعتى الظروف، أولئك المقاتلون وجدتهم من نمط خاص، يُغنُّون وقت القتال، وحين يستشهد لهم رفيق يُغنُّون، وهكذا دواليك ، يقاتلون بالسلاح ، وبالغناء يقاتلون ، يستمدُّون قوَّتهم من فكر آمنوا به، وأخلصوا له، وشعب مجاهد يستحق الحياة الحرة الكريمة؛ ومن شعبنا الكردي الذي ارتبطت قضيته بما كافحنا، ولا نزال نكافح من أجله؛ وطن ديمقراطي، حرٌّ، يتساوى فيه الجميع بلا استثناء، ولا يثنينا ما قامت به بعض القيادات الكردية من جرائم إبادة لمقاتلينا ستحاسبهم عليها الأجيال، قصر الزمان أم طال.

أما الإيرانيون فلا يقلِّون عن نظام الجلادين في بغداد مكرا وخبثا، فهم جميعا من درس واحد، ومعلم واحد، وما تلك الحرب بينهما إلا تمثيلية تخفي وراءها أغراضا مخفية، لا تنطلي على الحكماء، ومثلهم بعض القيادات الكردية المتلونة حسب مصالحها الذاتية، فمرة تراهم مع النظام ضد قومهم، ومرة مساومين عملاء لدولة من دول الجوار، يدَّعون التقدمية واليسار تارة، وتارة على اليسار ينقلبون؛ بل يشيعون في صفوفهم القتل والدمار، وحين تعرضنا إلى مشاكل صحية نتيجة لسوء الظروف، وتم تزويدنا من قبل الثوار برسائل عدم التعرض كي تسهل دخولنا إلى إيران للعلاج؛ فقد تم إلقاء القبض علينا حال دخولنا الحدود من قبل الدرك الإيراني، وكانت معاملتهم لنا أبشع المعاملات على وجه الأرض، كأننا مجرمو حرب، وأننا الذين أشعلناها، وبعد ستة أشهر من السجن والتعذيب قاموا برمينا على حدود باكستان بلا أوراق ثبوتية، ولا مستمسكات، ولم يبق لي من أمل سوى تلك الأوراق المستنسخة التي أرسلتموها لي عن طريق { خالي البحَّار } وسوف أقدمها غدا إلى مفوضية اللاجئين كي يمنحوني الحماية في هذا البلد. بلِّغ الرفاق أننا لا بد عائدون حاملينها عالية رايات نصر العراقيين على عروش الظالمين، وأننا مهما اضطُهدنا، أو روَينا الأرض منا دماء؛ فإننا أحياء كالدم الجاري في عروق العراقيين، نحن ما جئنا لكي نموت بقبضة الجلاد؛ بل حتى يُغادر الكون آخر سفاح على وجه الأرض.

ختَمَ الرسالة أن ذيَّلها بعبارة : وصلتني حوالتكم، وسددت منها بعض الديون، والباقي قد يفيدني في سفر لبلد آخر فيه أمن لي، نحن لا نشعر أبدا هنا بالأمان، نكاد نشمُّ رائحة المخابرات العراقية في كل شيء؛ حتى في الهواء المحيط، وهو سهل جدا أن تُشترى الضمائر في بلد يعاني جُلُّ شعبه من فقر مدقع، وكم من ثورة في العالم تم سحقها عند توظيف المال في شراء الذمم الرخاص، هم يتابعون حتى النافذين بجلودهم وليس لهم أي انتماء سياسي، قرار مجلس قيادة الثورة المشؤوم يحكم بالإعدام الفوري على كل من يغادر البلاد بلا ترخيص رسمي؛ فهو كالهارب من ساحة القتال، فِرَق الإعدام في الداخل والخارج على حد سواء، المهم أن صورة من شهادة الجنسية في يدي الآن، ستساعدني في كسب حماية المنظمة الدولية بباكستان
وقَّع الرسالة بالاسم المتفق عليه للتمويه ( أخوكم أحمد الصادق ) اليوم هو الأحد الحادي والعشرون من آذار عام 1987.

تفحَّصَ جيدا المكان حوله في البقعة التي كان يفترش الرمل فيها على شاطئ البحر، فالجواسيس يرصدونه في كل وقت ومكان، لم يغلق الغلاف، طفل صغير على الشاطئ يمرح بصحبة والديه، استأذنهما حاملا إياه، صورة فورية على ظهرها كتبَ : { إلى والدتي التي حَمَلتْني في بطنها؛ ثم حمَّلتُها همومي فيما بعد، أرجوكِ اخلعي من رأسك الشكوك، فهو ليس ابني، ولم أتزوج إلا وفق ما تريدين من طقوس } دسَّ الصورة وأغلق الرسالة ، مسيرة عشر دقائق تفصله عن أقرب مكتب للبريد، نسيم البحر الرطب يداعب خصلات شعره الكستنائي المسترسل، ولحيته التي أطلقها للتمويه، تفحَّص في جيبه بعض دولارات هرَّبها مُخاطِرا شقيقُه الأكبر، شريطا لقحطان العطار، أغنية أمست لازمة مستديمة له { يُمَّه يا، يا يُمَّه } ، وأخرى لفؤاد سالم { مثل روجات المشرح } مدينة العشق والشعراء، وتعايش الأديان، على ضفاف نهرها غافية، بساتين نخل وسدر وصفصاف، زوارق راسيات، فلاحون يزرعون وهم جياع، وكادحون ينوؤون تحت السياط، ومن هناك كانت البذرة الأولى، من ذلك المكان انطلقت أناشيد حب للوطن والناس.
سيارة حمل ثقيل بأقصى السرعة من الجانب الآخر، عكس نظام السير، والإشارة ما زالت حمراء، استدارت حيث كان واقفا يعاتب البحر الذي لم يرجِّع المرسال، جاوَزَتْ الرصيف العالي، ما من مفرٍّ، وسُجِّل الحادث قضاء وقدرا ذلك اليوم، وكاد أن يُنسى، وينمحي، إلا من سجلات جهاز الاغتيالات في سفارة العراق بباكستان، وشاهد من أهلها في صفحة جرائم النظام الفاشي، وعلى صفحة من جريدة تصدر خارج العراق شهريا { أخبار العراق } حيث في المنافي استقرت مجاميع المناضلين، في ذات الليلة احتشد الفقراء في العالم كي يطالعوا قمرا جديدا أضاء الكون.

نشرت في قصة

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014